فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

آلة الصرناي وفن الليوه

العدد 17 - موسيقى وأداء حركي
آلة الصرناي وفن الليوه
كاتب من البحرين

آلة الصرناي في الحضارات القديمة

تُعدُّ آلة الربابة العربية الجد الأكبر لآلة الكمان الغربية المعروفة باسم الفيولينة (VIOLIN) وتعتبر آلة المزمار أو الصرناي هي الأب الشرعي لآلة الأوبوا الغربية (OBEO) وفي حين اشتهرت الربابة بأداء فنون غناء الشعر العربي والنبطي بشكل خاص وهي من الفنون العربية الأصيلة ، فإن آلة الصرناي ارتبطت بأداء فن من الفنون الشعبية الوافدة إلى منطقة الخليج العربي المعروف باسم فن (الليوة) الذي يشكل رافداً مهماً من روافد الثقافة الشعبية بهذه المنطقة.

عرفت هذه الآلة في سائر الممالك القديمة قبل الميلاد بأسماء مختلفة، منها المزمار، والمزمار المزدوج، والأولوس. ثم عرفها العرب في العصور الوسطى باسم المزمار، السرنا، السرناي، والدوناي. وهي نفس الآلة المعروفة في مصر الآن باسم المزمار البلدي ويعرفه أهل الفن باسم (الجوري) للمزمار الكبير و(السبس) للمزمار الصغير. ويطلق عليه في بعض البلاد العربية اسم (زُرنا) وهو تحريف للاسم القديم (سرنا). 

 انتقلت هذه الآلة إلى أوروبا في أوائل العصور الوسطى واحتضنتها فرنسا بصفة خاصة وطورت صناعتها منذ القرن السابع عشر فأدخلت عليها أجهزة الغمازات المعدنية، وبلغت بها حد الكمال إلى أن باتت فرنسا هي المصدر الرئيس لهذه الآلة إلى كل البلاد الغربية صنعت منها فصيلة متعددة الأنواع تعتبر كلها من الآلات الرئيسية في الفرق الموسيقية الكبرى. وكانت فرنسا أول من أدخلها في فرق الأوبوا. ولذلك ظل الاسم الفرنسي لتلك الآلات هو الشائع في كل اللغات الأوروبية تقريبا، وهي تنتمي إلى فصيلة الآلات السوبرانو أي الخاصة بأداء الأصوات الحادة1.

 يُعدّ الصرناي مزماراً مزدوجاً واسع الانتشار، أي ذو ريشة نفخ (ثنائية) حيث يمكن العثور عليه على مدى العالم الإسلامي بأسره أو أي مكان وصل إليه التأثير الإسلامي يوماً، فمن الصين وجنوب شرق آسيا إلى يوغسلافيا واليونان، بالإضافة إلى المغرب وإفريقيا شرقها وغربها. أما الاسم فهو اشتقاق من اللفظ الفارسي سُرنا، ففي الصين يطلق عليه اسم (سو- نا) وفي الهند (شهناي)، أما في المغرب فهو معروف ب (زقرة) و(زُرلا) في يوغسلافيا، أما الاسم الشائع في مصر كما في الإمارات العربية المتحدة فهو المُزمار أو المِزمار، ويطلق عليه المغربيون وسكان غرب إفريقية (الغيته)2.

 

فن الليوة 

يحتل فن الليوة مكانة متميزة في التراث الموسيقي الشعبي في منطقة الخليج العربي، إذ أنها تمثل نموذجا فريدا من الأنواع الموسيقية الوافدة التي ظلت وبالرغم من تكيفها مع البيئة الخليجية واندماجها فيها خلال ما يزيد على قرن من الزمان إلا أنها تحتفظ بسمتين بارزتين تنمان عن أصولها الأفريقية هما إيقاعها الأساس العام واستمرارية بعض العبارات السواحلية في نصوصها الغنائية، وهي رقصة جماعية تصاحبها آلات إيقاعية وآلة نفخ رئيسية يطلق عليها في منطقة الخليج العربي اسم (صرناي) أو (زمر)3.

يتفق الباحثون على أن الليوه وفدت إلى  منطقة الخليج العربي عن طريق عمان، فقد ظلت الهجرات العربية، ومن عمان خاصة، تتوالى على الساحل الشرقي لأفريقيا منذ العصر الأموي، وبلغ النفوذ العماني ذروته على الصعيدين السياسي والتجاري في أواسط القرن التاسع عشر، ومع مرور الزمن، ونتيجة لأسباب سياسية وإقليمية، عاد الكثير من المستوطنين العمانيين للساحل الأفريقي إلى موطنهم الأصلي عمان، حاملين معهم فنون ذلك الإقليم الذي تشربوا من بيئته الكثير من العادات والتقاليد والفنون4.

حدد الرواة منشأ فنون الليوة بالساحل الشرقي لأفريقيا (كينيا وتنزانيا والصومال) حيث أن الصلة التجارية القديمة بين العرب والساحل الأفريقي ومن خلال تجارة الرقيق الذين أصبحوا مع مرور الزمن جزءا لا يتجزأ من المجتمع الخليجي، سمح ذلك بعبور الثقافة الأفريقية من منشئها إلى الدول الخليجية عبر الأسواق التي تمارس الرق، وذلك من زنجبار إلى مسقط وصور ومن ثم إلى سواحل المنطقة، وما يؤكد ذلك هو وجود الكثير من العازفين العمانيين من أصل أفريقي في البحرين مثال كل من (شامبي) و(دارتشي)5.

يروي الفنان سامي حرز المالود، أحد عازفي آلة الصرناي في البحرين وصاحب فرقة شبابية متخصصة في فنون الليوة “انه شاهد الفنان العازف شامبي في إحدى زياراته لعمان وتحدث معه” وقد سأله شامبي أيضا عن (أولاد مناحي) وهم ينتمون إلى عائلة بحرينية توارثت العزف على الصرناي، وقد وصف المالود عزف شامبي بالسريع والذي يختلف عن أداء العازفين في البحرين، كما تجدر الملاحظة بأن معظم الذين يزاولون هذا الفن من عازفي الإيقاعات والمنشدين هم عمانيون من أصول زنجية، على الرغم من تداخل الأجناس وامتزاجها مع البيئة المحلية6.  

أما في مدينة البصرة العراقية  فيروى تقليد شائع بأن من صنع الليوة هو رجل يدعى (ليوة) من عائلة علي بلوش، والليوة فن رائج في كل بلدان الخليج، ومعروف في كل مناطقه بالاسم نفسه عدا البصرة حيث يسمى فيها هذا النوع (الهيوة) ويذكر أن لا أحد يمارس الليوة بقدر ما يمارسها أهل (ديرة) في دبي، حيث يتجلى  أن لهذه الرقصة تقديراً عميقاً باعتبارها أحد أساليب الترفيه المعتد بها حتى في مراسم زفاف العرب البيض في تلك المناطق، وهو أمر غير شائع في البحرين، غير أن الزنوج في البحرين  كما في مناطق الخليج الأخرى، اعتادوا تنظيم فن الليوة أيام الجمعة، وفي ليالٍ أخرى من الأسبوع أحيانا، حيث كانت الليوة تقام في الماضي في الساحات التابعة للأكواخ المصنوعة من سعف النخيل المسماة محلياً (برستي) والتي اندثرت في الوقت الحاضر مع تطور العمران، كما كانت تنظم في الميادين العامة في المدن7.

ولاشك أن هذا الفن تبلور في عمان وتأثر بالبيئة الجديدة، ودخلت عليه بعض الإضافات التي تتضح في تكوين الصرناي الموجودة حاليا في عمان والبحرين وقطر والإمارات والكويت، والتي صنعت ثقوبها بناء على سلم سباعي تتخلله ثلاثة أرباع النغمة، في حين أنه من الأرجح أن تكون الآلات الإفريقية مبنية على نغمات السلم الخماسي، ويمكن أن يكون السبب وراء ذلك التحوير أن صانع الصرناي في الخليج وغالبا ما يكون هو العازف على الآلة يقوم بوضع الثقوب بنفسه على جسم الآلة، حسب ما يراه مناسبا للأغاني التقليدية المتداولة في منطقة الخليج والتي يمكن أداؤها في رقصات الليوة ، فأحيانا تصاحب رقصات الليوة أغان محلية قديمة، وبجانب ذلك يتضح التأثير أيضا في الإضافات اللغوية التي دخلت كجمل عربية مكملة للجمل الأصلية التي تؤدى باللغة السواحلية8

لم يتفق الرواة ذوو الأصول الأفريقية ولا غيرهم من المهتمين بالبحث العلمي في الثقافة الشعبية على مسمى يدلنا على معنى واضح لكلمة (ليوة) فمنهم من قال إن الليوة هي اسم مبتكر الرقصة في مدينة (ممباسا) الكينية، أو أنها تنسب إلى قبيلة (اللو) الكينية والتي تسمى هناك بـ (رقصة كيليواه)، كما أن كلمة (ليوا) معناها في اللغة السواحلية (الشراب) أي هي الدعوة لشرب ما تخمر عندهم من مشروبات شعبية افريقية قبل إقامة الرقصة وقد يكون هذا تحريفاً لتلك الكلمة. كما تؤكد الدكتورة شهرزاد قاسم حسن الباحثة في مجال الآلات الموسيقية بقولها “أن ليوة هي اسم مبتدع هذه الرقصة وهو من أهل البصرة ذوي اللون الأبيض9” كما يؤكد الباحث اليمني نزار غانم بقوله “أن كلمة ليوة باللغة السواحلية تعني أحد أمرين، إما أنها تعني اليوم مثل قولهم :هيا يا ليوا هيا. أو تعني الشرب أي شرب الخمر مع نشوة الاحتفال بالرقصة10 وهذا ما يتطابق مع رأي الرواة حيث (المجيمبي) وهو نوع من الخمور المعدة على الطريقة الشعبية يعد من ضمن طقوس الزار الممباسي والنوبي11. كما ورد أيضاً أن الاسم يطلق على نوع من السفن في شرقي أفريقيا نسبة إلى الشكل الدائري الموجود في مقدمة السفينة، وهذه السفن تشبه إلى حد كبير نوعاً من سفن الخليج التي تعرف بـ (البتيل)12

 وعلى الرغم من الاتفاق العام على أن التسمية سواحلية الأصل، تشير إحدى الروايات إلى أنها محرفة عن كلمة هيوه التي تعني (هذا اليوم)، وكانت تستخدم لدعوة الناس إلى مشاهدة الرقص في يوم محدد، وتقول رواية أخرى أن التسمية في الأصل تعني (الدائرة التي تشكلها حركة الراقصين)، وأن هذا الاسم (ليوه) يطلق على نوع من السفن في شرقي أفريقيا، نسبة إلى الشكل الدائري الموجود في مقدمة السفينة، ويتضح من ذلك أن اسم (ليوه) تعني (دائرة) ثم أصبح يطلق على هذا النوع من الفنون نظرا للشكل الدائري الذي تؤدى به الرقصة.

 

الآلات المستخدمة في فن الليوة:

تتكون مجموعة الليوة من آلة نفخ رئيسية بجانب أربع آلات إيقاعية.

 

آلات النفخ الهوائية :

تتمثل الآلة الرئيسية هنا في أداة ذات ريشة مزدوجة تعرف باسم الزمر في عمان والإمارات العربية المتحدة وباسم الصرناي في البحرين وقطر والكويت، وقد عرفت عبر التاريخ في مناطق كثيرة من أفريقيا وآسيا تحت أسماء مختلفة مثل المزمار البلدي في مصر، والغيطة في ليبيا والزورنة في تركيا، وانتشر استعمالها في العصور الإسلامية العربية المختلفة حتى وصلت إلى أوربا أوائل العصور الوسطى وتطورت منها آلة الأوبوا المستعملة في الوقت الحاضر في الاوركسترا، وهناك اختلاف بين الصرناي والمزمار في عدد الثقوب على جسم الآلة، وقد أوضح الفيلسوف الفارابي في كتابه وبلغة عصره في القرن العاشر الميلادي تلك الفروق بين الآلتين.

وصف الآلة :

هي آلة مصنوعة من خشب شجر الصنوبر أو جوز الهند أو الساج، وهي اسطوانية الشكل تنتهي بقمع مخروطي، وعليها ستة ثقوب، وطولها يتراوح ما بين قدم ونصف إلى قدمين تقريبا، وتتكون آلة الصرناي من ثلاثة أجزاء رئيسية متساوية في الطول هي (التاكو)،(المنارة)،(الدقل) بالإضافة إلى (الخوصة) و(الفطية)، ويمكن أن يكون كل جزء مصنوعا من نوع مختلف من الخشب أو من مادة أخرى.

ويضع الصانع قياسات أجزاء الآلة بالطريقة الشعبية (وهي أطوال الأصابع والكف) أي أن (الشبر) هو المسافة ما بين رأس إصبع الإبهام ورأس إصبع الخنصر عندما تكون اليد مفتوحة تماما، أما (الفتر) فهو المسافة بين رأسي الإبهام والسبابة.

1 - (التاكو) عبارة عن قمع مجوف سمكه نصف سنتيمتر من نوع قوي من الأخشاب مثل خشب الساج لكي يقاوم الكسور، وتوجد حلقة معدنية تسمى (فطيه) على حافته العليا يثبت فيها الجزء العلوي، وكلما اتسع القمع  كان الصوت أقوى، وطول (التاكو) يتراوح من 17 إلى 21 سم وقطر فتحة القمع من 11 إلى 13 سم وقطر الفتحة العليا حوالي ثلاثة سنتيمترات ونصف.       

2 - (الدقل) وهي تسمية محلية تطلق على صاري السفينة، وسمي هذا الجزء بـ(الدقل)  لأنه يشبه الصاري في امتداده، وهو عبارة عن قصبة خشبية جوفاء متدرجة في الاتساع قليلا من أعلى إلى أسفل وعليها ستة ثقوب يضعها العازف بنفسه على الآلة بحسب تقديره، ويوجد في حافة الدقل العليا حلقة معدنية تسمى (فطية) يثبت فيها الجزء الذي يعلو الدقل، أما الحافة السفلى فهي ملفوفة بقطعة قماش تساعد على تثبيت (الدقل) في (التاكو)، وطول الدقل من من 17 سم إلى 21 سم، وقطر الفتحة العليا حوالي سنتيمترين ونصف.

3 - المنارة وهي تسمية محلية لمئذنة المسجد، ولذلك سمي بها هذا الجزء، وهي قصبة معدنية تتدرج في الاتساع من أعلى إلى أسفل، ويوجد على الحافة السفلى منها لفة من القماش تساعد على تثبيت المنارة في (الدقل)، وطول المنارة من 17 إلى 21 سم وقطرها من الناحية السفلى سنتيمتران ونصف تقريبا، ومن الناحية العليا سنتيمتر واحد تقريبا.

4 - الخوصة (الريشة) هي مفرد لكلمة (الخوص) أي ورق النخيل، والريشة تصنع من ورق شجرة جوز الهند، وهذا النوع يسمى (قضف)، وريشة الصرناي مصنوعة من طبقتين مزدوجتين من الـ(قضف) وتثبت في الجزء العلوي من المنارة بواسطة خيط رفيع، وهناك خيط آخر يوضع على عنق الريشة يشد ويرخى للتحكم في فتحة الريشة التي يبلغ طولها 3 سم وعرضها 2 سم تقريبا.    

5 - الـ(فطية) وهي تسمية محلية لأي غطاء معدني، وتطلق على الحلقات المعدنية المثبتة على حواف الدقل، وتكون على هيئة قطعة دائرية قطرها 5 سم من المعدن أو من قشرة ثمرة جوز الهند يسند عليها العازف شفتيه، وتساعد على عدم تسرب الهواء أثناء النفخ، وتثبت الفطية في الجزء العلوي من المنارة بلفائف من القماش.

يتكون النطاق أو المجال الصوتي لآلة الصرناي من ديوان (اوكتاف) واحد، وغالبا ما نجد أن مقام (البياتي) هو الأكثر استعمالاً، من درجة ركوزه الأساسية (نغمة الدوكاة) أو مصوراً على درجته الرابعة (بياتي نوا) أما من حيث نوعية الصوت فإن الآلة تتميز بصوت نافذ حاد وقوي جداً، لذلك فهي تعزف في الهواء الطلق والأماكن العامة المفتوحة، حيث يصل صوتها إلى أماكن بعيدة13.

الآلات الإيقاعية :

الطبل الـ(عود) الكبير أو الـ(ساباتا):

وهو الطبل الرئيسي في فنون الليوة، ويتكون من برميل خشبي مغطى بجلد بقر، ومثبت بواسطة أخشاب لولبية صغيرة قد عمل لها ثقوب في البرميل لتنتصب به، ويبلغ ارتفاعه 45 سم ومحيطه الدائري يبلغ حوالي 40 سم وله ثلاثة أرجل وبعض منها أربعة أرجل حسب حجم الطبل، ويستخدم العازف للعزف عليه كرسي أو صندوق خشبي ليتهيأ له الارتفاع المناسب للعزف عليه باستعمال عصاتين تؤخذان من الطرف السميك لسعف النخيل وتستعمل في بعض من فنون الليوة، وبدونهما في فنون أخرى حسب نوع الفن المؤدى ضمن حفلة الليوة.

 طبل الـ(مسندو) أو الـ(جاكينكا):

وهناك من يسميه من العامة المسيندو، يبلغ طوله متراً واحداً وهو مجوف ومحيط فتحته العليا 30 سم والسفلى 15 سم وهو في شكل مخروطي انسيابي مغطى بجلد البقر، ومثبت بواسطة أخشاب لولبية صغيرة، ويقوم العازف بالعزف عليه بربطه إلى وسطه من الناحية اليسرى بواسطة حبل ويستعمل كفيه للعزف عليه.

طبل الـ(جبووه) أو الـ(جابوه):

الـ(جبووه) طبل صغير يشبه طبل الجاكينكا في شكله إلا أن حجمه أصغر، حيث يبلغ طوله 45 سم وفتحته العليا 20 سم مغطى بجلد بقر رقيق يؤخذ من جلد بطن البقر، ويقوم العازف بربطه إلى وسطه من الناحية اليسرى بواسطة حبل، ويستعمل كفيه للعزف عليه.

الـ(باتو) أو الـ(فاتو):

وهو عبارة عن صفيحة معدنية رقيقة تُستعمل لحفظ زيوت الطعام، يطلق عليها محليا لفظ الـ(بيب) أو الـ(تنكة) يتراوح طولها بين 45 و50 سم وعرضها من 10 إلى 15 سم يضعها الضارب أمامه بالعرض وهو جالس القرفصاء على الأرض، كذلك  يضغطها العازف من الوسط حتى تصدر صوتا حاداً غير رنان يتناسب وينسجم مع باقي الآلات الإيقاعية ذات الأصوات الغليظة  في المجموعة، وهي تعتبر من الآلات المصوتة تصدر جرسا معدنيا مميزا، وللعزف عليه يستعمل العازف عصاتين صغيرتين ضعيفتين من أغصان النخيل أو من الخيزران، كما يطلق على هذه الآلة اسم (أم كبوه).

ويلاحظ من خلال النصوص الغنائية بأنها تحتوي على الكثير من الكلمات الأفريقية غير المعروفة14.

فنون الليوة :

هناك أربعة فنون تنضوي تحت مسمى الليوة يضاف إليها فن خامس لم يشاهده إلا القليل ولم يبقَ له أثر الآن وهي كالآتي:

1 - الليوة :

تنسب إليها جميع الفنون التي تندرج تحت مسماها وهو المسمى الشامل لها وبها نوعان من الغناء والرقص.

أ. الوقف:

هو بداية غناء ورقص الليوة ، بطيء ، ورقصته وقوفاً، محدودة التشكيل، نمطية في تفعيلاتها، سميت بهذا الاسم اشتقاقاً من الوقوف عند أداء الرقصة والتحرك البطيء.

ب.  الدواري:

الاسم مشتق من الرقصة التي تكون دائرية الشكل مستمرة في نمط واحد متخذة شكل الرقم (8) وتتخذ السرعة في أدائها، وللدواري نصوص خاصة تعرف (بغناء الدواري).

2 - الـ(مدوندو)، الـ(مديندو)، الـ(مداندو):

لا توجد فروق جوهرية بين الليوة / المدوندو، ولكن الاختلاف في طريقة عزف الطبل الكبير، في الأول يضرب عليه بعصاتين أما في النوع الثاني فيضرب عليه باليدين المجردتين، وهناك اختلافات في النصوص المتداولة في كلا الفنين.

3 - الـ(متاري):

وهو نوع من فنون الليوة الذي يؤدى في طقوس الزار داخل الـ(مكيد) أو في أي مكان يحدده شيخ الزار ولا تستخدم آلة الصرناي في هذا الفن وعادة ما يغني عازف الطبل الكبير وترد عليه المجموعة الراقصة غناء (المذهب) وبعدها يكمل غناء (الكوبليه) الأول فالثاني حتى نهابة الشيلة.

والآلات المستعملة في هذا الفن هي الطبل العود والـ(جيكانكا) والـ(مسوندو).

4 - الـ(دنكمارو):  

هذا النوع من الغناء لا يغنى إلا عند وفاة شيخ الزار، وهو طقس جنائزي ولا توجد أغانٍ كثيرة فالـ(دنكمارو) أغنية واحدة فقط حزينة ولا يغنى بعدها فهو من فنون الـ(مديندو) وتعتبر هذه الأغنية عند أهل الصنعة هي من نفس فن الـ(مديندو) وما يفرقها هو تلك المناسبة فقط أي مناسبة الوفاة.

5 - الزنجي :

هو فن من فنون الليوة، سريع الإيقاع، يكون فيه الراقص متنقلا من مكان إلى آخر، ملابسه زنجية يكتسيها الريش، وتلون الأجسام بصبغات على شكل خطوط، لهذا الفن من الإيقاعات ما لفنون الليوة أما النصوص فلا اختلاف بينها حيث أن هذا النوع منقرض ولا يمارس في البحرين، ويذكر الراوي الفنان (ناصر العبدي) أنه شاهد هذا الفن في (دار السلام) في تنزانيا في إحدى سفراته.

 

أعضاء فرقة الليوة:

تتكون فرقة الليوة من عدد من العازفين وعدد أخر من الراقصين، ويقتصر العزف على الرجال دون النساء اللاتي يشتركن في الرقص والغناء فقط، أما المناصب فهي توزع كالآتي :

1.الرئيس

يكون بمثابة الأب لهذه الفرقة ويخضع الجميع لأوامره ومسماه الأب أو البابا.

2.الشاووش

وهو مساعد الأب ويقوم على تنفيذ التعليمات والأوامر التي يصدرها الأب وذلك بتوصيلها لجميع الأعضاء في الفرقة.

3.الأم

تترأس مجموعة النسوة المنشدات والراقصات في الفرقة وفي أكثر الأحيان تكون هذه المجموعة من زوجات وأقارب الأعضاء الرجال.

4. الفوندي

هو عازف آلة الصرناي.

5.عازفو الآلات الإيقاعية.

6.الراقصون والراقصات والمنشدون والمنشدات.

كان يصل عددهم قديما إلى قرابة الخمسين فردا أو أكثر، أما في الوقت الحاضر فيصل العدد إلى خمسة وعشرين شخصاً أو أقل بقليل.

 

رقصات الليوة :

تنقسم إلى ثلاث رقصات هي:

 الـ(وقف) ورقصة الـ(دواري) ورقصة (المداندو) والـ(متاري) والـ(دنكمارو)15.

 

كلمات رقصات الليوة :

الليوة الوقف :

يا ذا الثلاثة في المساجد يصلون

                 واحد عديل الروح واثنين يولون

يـالـيــل لــدان دان الـلـــــدان

                 ارحـــــم وخــــــاف الـلـــه

يامبــروك شـــد الخيل واركـب

                 عمــــك عطشـــان بيشــــرب

يـالـيــل لــدان دان الـلـــــدان

                 ارحـــــم وخــــــاف الـلـــه

حس الربابـة والسنطـور يننـي

                 لمـا يــأذن وانـا شايــل فنــي

يـالـيــل لــدان دان الـلـــــدان 

                 ارحـــــم وخــــــاف الـلـــه

 

الليوة الوقف :

صبيـان حـمـدان كلهـم سكــاره

                راعي البلم سكران شارب سجارة

بيبــي متـوه سقـانـي مـرمــره

                 والشيخ عيسى لبسنـي خنجـرة

المداندوه :

          آه يا نزوه         آه يا نزوه 

بلادك وين يا نزوه

 

المداندوه :

ما با  شريكه   بوديه                  ستاكيه

 

المتاري : 

مدينـة يــا مدينــة هــو ياللــه

                 مدينــه يــا مدينــة هــو يالله

بازور مكه بيت الله

 

المتاري :

سندم بندم ريما ريما يوسه ريما يوساه 

            سندم بندم ريما ريما يوسه بمباسه

 

الدنجمارو :

      بيكا زمر هو           ليوه      بيكا زمر هو

بيكا زمر  كنكم  ياليوه  بيكا  زمرهو

ليوه     بيكا        زمر         ياليوه

وانــا يالبـــــوه وكمنجـا

                   هــــو لبــــوه وكمنـجــا

كريمه يا فندي ماما

                   هيـــو اللــه يا سيـد ماما16

إن أشهر فرقة ليوة عرفت في البحرين هي الفرقة التي كان يرأسها مفتاح بوسمرة والذي كان يطلق عليه اسم (شيخ العبيد)  ومن أشهر الفرق المعروفة في البحرين

 -  فرقة سامي المالود بالرفاع الشرقي 

(سامي حرز أحمد المالود مواليد عام 1956م)

- وفرقة إسماعيل بودواس في المحرق، هذه الفرق الشبابية تأسست في مطلع الثمانينات من القرن الماضي على يد مجموعة من محبي هذه الفنون، هذا بالإضافة إلى الفرق الأخرى التي يكونها عدد من الممارسين لهذا الفن الشعبي.

 

المسافة الفاصلة بين الفن والخرافة :

تكتنف الـ(ليوة) خرافة الزار وشيوخ الجان، بل وملوكهم، لما تميزت به من قدرة في جذب الإنسان وحمله على الرقص والتمادي فيه دون إرادته، وهناك نظم وقوانين تتحكم في شئون الزار، إذ تدخل فيها النظم الأبوية الطوطمية، ولها طقوس يظهر أن لها علاقة مباشرة بعبادة أرواح الأجداد المشوبة بالعبادة الوثنية الموغلة في القدم والبدائية، وينظم البابا العلاقات بين الزار وصاحبه، ويوصل أوامر الجان إلى الرجل المصاب بالزار فيما يحدد من طلبات، بل وأحيانا تصبح سلطة البابا أعلى حتى من سلطة الزار خصوصا .إذا ما أثار الزار طلبات باهظة الثمن.

الخاتمة :

هناك اختلافات واسعة بين نوعين من الموسيقى الأفريقية وهما فنا الـ(ليوة) والـ(نـوبان)، فلماذا أمكن لرقصة الـ(ليوة) أن تشتهر وتحقق تلاحما وانصهارا بعيد الغور في ألحاننا الشعبية بينما لم يحقق فن الـ(نوبان) هذا التلاحم والانصهار ؟ مع أن كلا الفنين من أصل إفريقي.

يرجع احد الأسباب إلى استخدام آلة الصرناي وهي تتشابه في التكوين مع آلة السرناي العربي الذي يصغره حجما، كما أن فن الـ(ليوة) ركز على استخدام المقام الشرقي (البياتي) والذي يؤثر فينا برنينه أكثر من السلم الخماسي القديم والذي يولد لدينا انطباعا بكونه أفريقياً محضاً، والـ(ليوة) ارتبطت بصوت الصرناي بينما الفن الآخر يؤدى بدون الصرناي  ونجد أن موسيقى الـ(نوبان) تمثل بيئة أكثر التصاقا بالأجداد وتتميز بنكهة افريقية واضحة من حيث الألحان والمقامات والكلمات والمعتقدات الخرافية لهذا استطاع فن الـ(ليوة) أن ينصهر في فنوننا الشعبية بشكل واضح ومؤثر17.

 

الهوامش والمراجع

1: علم الآلات الموسيقية ، الدكتور محمود أحمد الحفني ، مطابع الهيئة المصرية للكتاب.  (ص 111،112).

2: الموسيقى في البحرين ، بول روفسنج أولسن ، رقم الإصدار 8 مملكة البحرين وزارة الإعلام- الثقافة والتراث الوطني.  (ص 70و72).

3: موسيقى الليوة في الخليج ، وحيد الخان ، مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية. (ص3).

4: المصدر السابق.

5: وحيد الخان دراسة تحليلية لفنون الليوة ، مجلة المأثورات الشعبية، مركز التراث  الشعبي ،  العدد السابع. (ص55)

6: الزار، جاسم محمد بن حربان، المطبعة الحكومية،  وزارة الإعلام.( ص193) .

7: الموسيقى في البحرين،  بول روفسنج أولسن، رقم الإصدار 8 مملكة البحرين وزارة الإعلام، الثقافة والتراث الوطني. (ص 176)

8: موسيقى الليوة في الخليج ، وحيد الخان ،  مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية. (ص 3).

9: الدكتورة شهرزاد قاسم حسن ، الحلقة النقاشية الثانية ،  مهرجان التراث (البحرين أبريل 2001م).

10: نزار غانم، فنون أفريقية الجذور في سواحل اليمن الحلقة النقاشية الثانية ، مهرجان التراث (البحرين أبريل 2001م).

11: الزار -  جاسم محمد بن حربان. المطبعة الحكومية. وزارة الإعلام (ص 194 ، 195).

12: محمد المسلماني، الموسيقى والرقص الشعبي في قطر، خلفيات ونماذج، مجلة المأثورات الشعبية يناير 1986م .

13: موسيقى الليوة في الخليج، وحيد الخان، مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية. (ص 4 ).

14: الزار -  جاسم محمد بن حربان، المطبعة الحكومية، وزارة الإعلام (ص 202 - 205).

15: المرجع السابق (ص 206).

16: أغاني البحرين الشعبية ، عيسى محمد جاسم المالكي، المطبعة الحكومية، البحرين. (ص 123 ، 126).

17: الموسيقى الشعبية في الخليج العربي ، مجيد مرهون.المطبعة الحكومية لوزارة الإعلام. مملكة البحرين. (ص 23 – 26).

 

النماذج المقامية

- نموذج رقم (1) أجندة الموسيقى العربية .الدكتورة سهير عبدالعظيم محمد. دار الكتب القومية القاهرة.

 

أعداد المجلة