فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

فولكلور واحة سيوة والهوية الثقافية

العدد 17 - أدب شعبي
فولكلور واحة سيوة والهوية الثقافية
عضو هيأة مستشاري التحرير - الثقافة الشعبية

عند تأمل عناصر التراث الشعبي بواحة سيوة المصرية سنجد أنها حافلة بالعديد من الممارسات الشعبية التي تؤكد ارتباطها بالمكان من ناحية والهوية الثقافية للمنطقة من ناحية أخرى.  وسنحاول في هذه الدراسة أن نرصد بعض عناصر التراث الشعبي بواحة سيوة كالاحتفالات الشعبية والعلاج الشعبي والممارسات المرتبطة بعيون الماء والألعاب الشعبية، في محاولة منا للكشف عن تأثر هذه العناصر بالبيئة المحيطة للواحة.

بلد الأسكندر والمعمار الأسطوري

تقع واحة سيوه على بعد حوالي 300 كم عن ساحل البحر المتوسط إلى الجنوب الغربي من مرسى مطروح التي تتبعها إداريا. وينخفض متوسط مستوى الواحة 18 مترًا تحت سطح البحر. وقد اكتشفت في واحة سيوة عام 2007 أقدم آثار لأقدام بشرية على وجه الأرض قدّر عمرها بحوالي3 ملايين عام. ومن أبرز معالم سيوة أطلال البلدة القديمة المعروفة باسم شالي. كما توجد فيها آثار معبد أمون مقر أحد أشهر عرّافي العالم القديم. وتكثر في واحات سيوة الينابيع و البحيرات الصغيرة، كما تشتهر بتمرها وزيتونها والصناعات اليدوية من سجاد والمنسوجات  وخوص وحلي وأزياء.

كما تحفل واحة سيوة بالأماكن الأثرية القديمة مثل معبد آمون، ومنطقة المراقى، ومقابر جبل الموتى؛ فضلاً عن الأماكن التي يدور حولها العديد من الممارسات الشعبية التي لازالت باقية حتى الآن مثل جبل الدكرور وعيون المياه.

ولا شك أن العنصر المعماري يشكل ملمحاً رئيسياً مهماً عند التصدي لدراسة واحة سيوة وثقافتها وفنونها، وبخاصة الطابع القديم من هذا المعمار الذي نجد نماذج منه بمدينة سيوة (شالى القديمة التي تتوسط مدينة سيوة)، وقرية أغورمى التي تبعد ثلاثة كيلو مترات عن شالى؛ وما زالت بهما أطلال المباني والمرافق والشوارع الضيقة. فضلاً عن الآبار التي تذكرنا بالأساطير القديمة وبقايا الحضارة التي اندثرت. وقد بدأ الأهالي في بناء مساكن جديدة حولها.

ولم يبق من صورة القلعة العالية المحكمة غير «قارة أم الصغير». وقد بدأ الأهالي أيضاً في بناء بيوت جديدة حولها وتركوا القديم. غير أن أسلوب البناء والخامات المستخدمة في البناء الجديد بقيت- معظمها- كما هي في سيوة كلها.  وهي عبارة عن طينة الأرض المالحة التي تسمى «كرشيف» تستخدم لتشييد الحوائط، كما تستخدم مع جذوع أشجار النخيل للتسقيف.

 

مفهوم الهوية

تعرف الهوية بأنها إدراك الفرد لذاته. «وقد اتسع هذا المفهوم داخل العلوم الاجتماعية لكي يشمل الهوية الاجتماعية، والهوية الثقافية، والهوية العرقية (السلالية) وهي مصطلحات تشير إلى توحد الذات مع وضع اجتماعي معين، أو مع تراث ثقافي معين، أو مع جماعة سلالية»1. وقد أفرد جوردون مارشال عدة تعريفات مفصلة للهوية لدى علماء النفس والاجتماع. وخلص إلى “أننا لا يمكننا أن نعثر على معنى واضح لمصطلح الهوية داخل علم الاجتماع الحديث؛ حيث يستخدم بشكل عام وفضفاض، تبعاً لمعنى مفهوم الذات عند الباحث، وتبعاً لمشاعره وأفكاره حول ذاته - مثلما الحال في مصطلحي “هوية النوع” و“الهوية الطبقية”. لذا يرى البعض أن هويتنا تعد نتاجاً للتوقعات المرتبطة بالأدوار الاجتماعية التي نشغلها ونستدمجها، الأمر الذي يعني – تبعاً لذلك – أن الهوية تتشكل عبر عملية التنشئة الاجتماعية. و في مقابل ذلك، يرى البعض الآخر أننا نصوغ ذواتنا بشكل أكثر فاعلية من خلال المواد التي تقدم لنا أثناء عملية التنشئة الاجتماعية، أو عبر الأدوار المختلفة التي نؤديها2

ولا نريد الدخول في مناقشات نظرية حول مفهوم الهوية، ويكفينا هنا استخلاص بعض المفاهيم حول المصطلح. وهي مرتبطة بتوحد الذات مع التراث الثقافي من ناحية، وارتباط الهوية بعملية التنشئة الاجتماعية من ناحية أخرى. ويمكننا تتبع هذا المفهوم من خلال رصد بعض الممارسات الشعبية التي درج عليها أهل سيوة، وتشكلت عبر تراثهم الثقافي الموغل في القدم، ولا تزال باقية حتى الوقت الراهن. وقد تكون هذه الممارسات احتفالية ومرتبطة إما بمكان معين له بعده الثقافي والتاريخي كجبل الدكرور أو عيون الماء؛ أو أن يكون لها طابعها اليومي في السلوك على نحو ما نجده في ألعاب الأطفال. وسنعرض لنماذج من كل من النوعين.

الثوم والدفن بالرمال في جبل الدكرور

يقع جبل الدكرور على بعد نحو خمسة كيلو مترات جنوب الواحة، ويتميز الجبل بجوه الصحى، وتتوفر فيه المياه العذبة. ولن نشير هنا إلى المقابر الأثرية المنحوتة في الصخر بجبل الدكرور، فهذا الجانب قد اهتم به علماء الآثار بالبحث والدراسة، غير أننا سنحاول التعرف على ارتباط أهل سيوة في ممارساتهم الشعبية بهذا المكان الذي تميز بالعديد من العادات والمعتقدات والقصص والاحتفالات الشعبية.

وأول الممارسات الشعبية التي ارتبطت بجبل الدكرور هى الممارسات الطبية، فحتى الثلاثينات من القرن العشرين كان أهل سيوة قد اعتادوا على قضاء بضعة أيام هناك أثناء اكتمال البدر فى شهر رجب.  “فكانوا يقيمون الخيام لهذا الغرض على سفوح التل الرملي ويعتبرون إقامتهم هناك بمثابة إجازة يأكل فيها كل فرد – رجلاً كان أم امرأة – أكبر قدر ممكن من الثوم اعتقاداً منهم بأن هذا سيوفر لهم مزيداً من الصحة على مدار العام. ولم تعد هذه العادة متبعة فى الوقت الراهن، وإن كانت رمال هذه المنطقة لا تزال تستغل كوسيلة للعلاج من آلام الروماتيزم. وهناك أشخاص معينون متخصصون فى دفن أجسام أولئك الذين يعانون من هذه الآلام فى الرمل – إلى مستوى الرقاب، لبضع ساعات. وبينما تحجب حرارة الشمس القوية عن الرأس، تمتص الرمال الساخنة ما يفرزه الجسم من عرق3. وتوجد خمسة أنواع متخصصة من هذه الحمامات الرملية، وتختلف فترة الحمام الرملي حسب الحالة المرضية سواء أكانت آلاما روماتيزمية أو روماتويد أو العلاج من التهاب الأعصاب. ويرتبط العلاج في الرمل بأيام فردية، حيث يقضي المعالج ثلاثة أيام أو خمسة أو سبعة وهكذا. كما ارتبط العلاج أيضاً بشهري يوليو وأغسطس، وتفيد الدراسات العلمية أن هذه الرمال تحوي إشعاعات نظيفة تساعد على العلاج وهو ما يؤهلها لأن تصبح مكانا عالمياً للاستشفاء.

 وإذا كان جبل الدكرور ورماله قد حقق وظيفة علاجية لأهل الواحة، فإن موقعه الجغرافي ومستويات ارتفاعه قد أضافت وظائف أخرى لها طابع اعتقادي روحي على نحو ما نجده فى احتفالية السياحة ذات الطبيعة الصوفية والعلاجية أيضاً.

 

احتفالية السياحة (المصالحة)

ارتبط جبل الدكرور أيضاً بعناصر دينية واعتقادية تأتى في مقدمتها “احتفالية السياحة”. ونود الإشارة إلى أن كلمة “السياحة” هنا لاتعني المصطلح الحديث Tourism، وإنما تعني مصطلحا أقرب إلى المفهوم الصوفي الذي يشير إلى السياحة بالقلب في المكان الخلاء طلباً لصفاء النفس مع الآخرين، كما تعني المصالحة بين البشر والتخلص من الضغائن. ولذلك نجد بعض الكتابات تصيغ مسميات مختلفة لهذه الاحتفالية ومنها : عيد الليالي القمرية – عيد الحب  - العيد القومي للواحة – عيد السلام السنوي- عيد المصالحة..إلخ. غير أن الإسم المتداول بين أهل الواحة هو “عيد السياحة”. وقد اكتسبت سيرة الجبل والاحتفالية مكانتها من القصة القديمة التي توارثها أهل الواحة. وهي تحكي عن زيارة الشيخ أحمد ظافر المدني مؤسس الطريقة المدنية إلى واحة سيوة لعقد الصلح بين القبائل الشرقية والغربية بالواحة؛ بعدما دب الخلاف بينهما ووصل إلى طريق مسدود. وطلب الشيخ مدني من كل منهم الاجتماع بجبل الدكرور ومعه خمسة أرغفة – وفي رواية أخرى رغيف واحد. ثم قام الشيخ مدني بتكسير الخبز الذي أتى به الشيوخ، وأقام حضرة صوفية حول قطع الخبز، وأمر كل شيخ من الفريقين بتناول كسرة منه؛ وبذلك يكون كل واحد قد أكل من خبز جاره، ومن ثم فلا يصح أن يستمر الخلاف بعد هذه اللحظة.

وتُرجِِع المخيلة الشعبية هذه الرواية إلى ثلاثمائة سنة أو خمسمائة سنة أو أكثر أو أقل. فالتاريخ هنا لايلقى اهتماماً عند الجماعة الشعبية التي تهتم فقط بمضمون الرواية والقيم التي تدور حولها. وما يهمنا رصده هنا هو أن هذه الرواية تعاد صياغتها – أو يعاد تمثيلها – مرة أخرى في شكل الاحتفالية التي تعرف بالسياحة وتتخذ عدة مراحل يمكننا تلخيصها على النحو التالي :

- مدة الاحتفالية ثلاثة أيام هي الأيام المقمرة في شهر أكتوبر.

- يقوم أصحاب الطريقة المدنية الشاذلية بجمع أموال من الأهالي قبل الاحتفال بشهر تقريباً، كل حسب استطاعته، لشراء : الجمال – الذبائح – الطعام وغيرها؛ تمهيداً للاحتفالية.

- الوجبة الرئيسية في الاحتفال هي الفتة التي تتكون من : أرز – لحم – رقاق.

- يقيم الطباخون والشاويشة وقادة المساجد بالمنازل القديمة (شالى غادى) بجبل الدكرور، حيث يصنعون خياماً من سعف النخيل لإعداد الطعام وتناوله وترتيل الأوراد.

- ينادى خلال الأيام الثلاثة على جموع المحتفلين على سفح الجبل لتناول الطعام الذي اشتركوا في إعداده، بكلمة (واعلم). ثم يعطي كبير الطباخين إشارة بدء تناول الطعام بعد تأكده من أن صحون الطعام قد وزعت على الجميع، وهنا يصيح فى الميكرفون بعبارة (بسم الله)، وهي إشارة بدء الطعام.

- تبدأ طقوس الحضرة الصوفية عند الغروب، وبداية الليل؛ حيث يجتمع الشيوخ والقادة والشباب ويجلسون في دائرة صغيرة تتسع تدريجياً بحضور أعداد من المحتفلين؛ وتبدأ الحضرة بالغناء والتراتيل ويرد عليهم الجموع.

- تتسم الحضرة بطقوس وتعبيرات بالغة الدقة من النواحي الحركية والموسيقية والغنائية، كما أن هناك الحضرة الكبيرة (بعد صلاة العشاء) وحضرة الشباب وحضرة الطباخين، ويردد فيها الجميع الأذكار والأناشيد الدينية. وتنتهي الحضرة بأن يتصافح كل فرد مع الآخر في نظام معين يحافظ عليه الجميع. ويستمر هذا الطقس مدة ثلاثة أيام.

- في اليوم الثالث (الأخير من الاحتفالية) يبقى الناس في الجبل، ولا ينصرفون بعد الغداء واحتساء الشاي - كما هو الحال في اليومين السابقين.

- يبدأ بعد غداء اليوم الثالث طقس مختلف تماماً؛ إذ يشرع ثلاثة أو أربعة رجال (من خيمة الطباخين) في ارتداء زي معين يطلق عليه “زي الشحاتين”. ثم يبدأ من هنا الأداء الدرامي للاحتفالية؛ حيث يقوم كل رجل بصنع شارب وذقن من صوف الماعز، ثم يضع جوالا قديما على جسده، ويُطلق عليه (وهو في هذه الهيئة) اسم “الشحات”.

- يتجه الشحاذون على هذه الهيئة للشيخ القدوة في الاحتفالية لتلاوة بعض الأذكار والاستئذان منه لجمع النفحة من الأهالي. والنفحات عبارة عن مأكولات جافة ومغلفة عادة كالتمر وحلوى الأطفال والسوداني. ويتهافت الجموع وخاصة الأطفال في الحصول على جزء منها.

- يرافق كل شحاذ رجل يحمل كيساً كبيراً من البلاستيك يجمع فيه النفحات بعد أن يقرأ الشحاذ الفاتحة أمام البيت الذي يجمع منه. ويمر الشحاذون عادة على المنازل المصنوعة من الكرشيف (الطبقة السطحية من الأرض الزراعية، وهي طبقة ملحية متماسكة وتستخدم في البناء كما أشرنا) والخيام الموجودة بالجبل فقط، ولا يهبطون إلى المنازل الرئيسية بالواحة؛ حيث أن الجميع قد تركوا منازلهم وصعدوا للمبيت على الجبل.

- تستمر عملية جمع النفحة حوالي الساعة، يتجمع الشحاذون بعدها في مكان الحضرة ويُرفع علم الطريقة المدنية الشاذلية ذو اللون الأخضر، ويلقي الشحاذون النفحات التي جمعوها حول العلم.

- يهبط شيوخ وقادة المساجد للالتفاف حول النفحة والعلم ويقيمون حضرة دينية  تستغرق ربع الساعة، توزع بعدها النفحات على الجموع الغفيرة التي تتألف معظمها من الأطفال، ثم يتفرق الجموع كل إلى منزله.

- يعقد القادة والشيوخ لقاء استقبال مع أهل سيوة الغربيين من الشيوخ الذين أتوا لزيارة أهل سيوة الشرقيين (أصحاب الاحتفال)، ثم يقيمون في السفح لختم القرآن الكريم؛ حيث يجلس كل شيخ ومعه جزء من القرآن، ويكونون بذلك قد ختموا القرآن الكريم.

- تُقام جلسة صلح بين الأشخاص المتخاصمين.

- يقوم القدوة والشيوخ وأهل الطريقة، صباح اليوم الرابع، بالهبوط من الجبل حاملين أعلامهم؛  حتى يصلوا مرتجلين إلى مدينة سيوة (في حوالى الثامنة والنصف صباحاً). ثم يجتمعون عند مسجد سيدى سليمان ويعقدون حضرة هناك، ثم يتفرقون؛ وبذلك تختتم احتفالية السياحة4”

 

صياغة جديدة لحكاية قديمة

وعندما نتأمل هذه الممارسات، سنجد أنها تمثل إعادة صياغة للممارسة الأصلية التي يحكيها الأهالي حول زيارة الشيخ مدني للمصالحة بين القبائل الغربية والشرقية؛ من خلال ثلاثة عناصر، هي :

عنصر المكان: إذ أن الاحتفالية تقام فى جبل الدكرور؛ وهو المكان نفسه الذي دعا إليه الشيخ مدني القبائل منذ مئات السنين، وقد توسع الطقس. فبدلاً من افتراش حصيرة للاجتماع، فإن جميع أهل الواحة يشاركون وينتشرون في الجبل كله؛ حيث تتخذ عدة مستويات لاستيعاب آليات الاحتفال. وهنا يتحول جبل الدكرور إلى عدة مستويات معمارية لكل منها وظيفة. فمنطقة جبل الدكرور عبارة عن ثلاثة مستويات في الارتفاع. المستوى الأول واد متسع بجوار تل، وهو مكان تناول وجبتي الغداء والعشاء؛ وأيضاً مكان الصلاة وحلقة الذكر الخاصة بالشحاذين وحلقة الذكر الرئيسية التي تقام بعد صلاة العشاء. والمستوى الثاني مسطح من التل تبلغ مساحته حوالي ثلاثة آلاف متر ويرتفع عن الوادي  بحوالى عشرة أمتار، وبه انحدار تجاه الوادي. ويعتبر مكان العمل الرئيسي؛ فيوجد به مكان مسقوف يجهز فيه الطعام، ويجلس فيه الطباخون، وبه الميكرفون الذي ينقل التعليمات. وبجوار هذا المكان مباشرة مكان غير مسقوف توضع به أواني الطهي. وفي جانب منه توجد مواقد الطهي؛ وهي عبارة عن كوانين عددها حوالى ثلاثين كانوناً. و توضع أيضاً الأطباق في هذا المكان، بعد ملئها بالفتة، استعداداً للتوزيع. ويرتفع المستوى الثالث بحوالي سبعة أمتار، ويصعد إلى هذا المستوى بسلالم. ويقع خلف كل ذلك باقي التل؛ وهو المكان الذي يجلس به القدوة والمقاديم، وينامون به ويباشرون أعمالهم في السياحة كما يستقبلون فيه الزائرين. فهو مركز القيادة؛ وهو عبارة عن غرفتين كبيرتين وبعض الغرف الصغيرة، ومفروش بالحصر والوسائد. وتتناثر حول هذه الأماكن، في المستويين الأول والثاني، الخيام والأخصاص - وهي مبنية بالكرشيف، وقليل منها له أبواب. ويستخدم هذه الأخصاص أصحابها طوال الأيام الثلاثة؛ للنوم والأكل واستقبال الزائرين، ثم يتركونها إلى العام القادم5”.

عنصر المصالحة: أن القبيلتين تجتمعان للمصالحة كل عام – رغم زوال أسباب الخلاف القديم. غير أن مجالس الصلح تعقد؛ لمن يريدون التصالح أو من وقعت بينهم خصومات. ويتكرر عنصر المصالحة في أكثر من مظهر. فبداية لايصح أن يتخاصم أحد أيام الاحتفال؛ بل إن الجميع يعيشون حالة من السماح والتصالح في طقس روحى يدعم ذلك. وقد بلغ الاعتقاد حد القول بأن الحيوانات، وبخاصة الحمير، لاتحرن أو يسمع لها نهيق أثناء الاحتفال.

الطعام الجماعي: وهو الطعام الذي يتناوله السيويون بشكل يحاكي القصة القديمة في أكثر من ممارسة. إلا أن رواية جمع الخبز والصعود للجبل واختلاط الخبز ثم أكله، تؤدى الآن بصورة أوسع؛ بمشاركة جميع الأهالى في تكاليف الطعام، لكي يتناولوه سوياً في وقت واحد أعلى الجبل. وقد لا يكون تناول الطعام بصورة تقليدية؛ إذ يكفي في بعض الأحيان تناول شيء بسيط منه كرمز للمصالحة. كما يقوم فريق من الشباب (الشحاذون) بصياغة جديدة لقصة الطعام المشترك؛ إذ أن جمع الفول السوداني والحلوى من الأهالي ثم خلطها وإعادة توزيعها، هو الطقس نفسه الذي قام به الشيخ مدني - مع جمع الخبز بدلا من الفول السوداني والحلوى. ولعل أهمية هذا الطقس (الأكل الجماعي من الطعام المشترك) تتجلى في عمل حضرة صوفية حول ما يجمعه الشحاذون. إذ أن ما جُمع قد اكتسب قدسية خاصة جعلت الجميع ينتظرون تناول نصيب منه مهما كان ضئيلا. فالأكل هنا يعني المصالحة، ويعني دفع (نبذ) أية خلافات. ولذا أصبح البعض يتعامل مع الطعام بشكل رمزي؛ إذ يكفي تناول قطعة لحم صغيرة أو ملعقة أرز أو تمرة واحدة؛ لكي يؤدى الطقس على النحو المطلوب. وهذا ما يفسر لنا تفرق الكثير من المحتفلين في أنحاء الوادي بعد دقيقتين أو ثلاث من بدء الطعام، وهي مدة لاتكفي لتناول الطعام بالشكل التقليدي. كما يفسر التهافت على تلقي حبة سوداني أو تمرة واحدة أو قطعة حلوى، من الشحاذين؛  لمجرد تذوقها.

 

الليالي المقمرة في الاحتفالية

وهناك عناصر أخرى في احتفالية المصالحة يمكننا رصدها؛ مثل عنصر الزمن. فهناك ارتباط الاحتفالية بالليالى المقمرة في أكتوبر من كل عام؛ وهو ما يحاكي الطقس القديم الذي لابد قد التقى فيه الشيخ مدني بالقبائل في أيام مقمرة تتيح الرؤية وانعقاد جلسة صلح. كما أن اختيار الأيام المقمرة فى شهر أكتوبر يعنى تناوب الشهور العربية وقت الممارسة. غير أن اختيار التقويم الميلادى وثباته؛ يربط وقت الاحتفالية بموسم جني البلح والزيتون في الواحة. وقد تأجل الاحتفال بالسياحة إلى شهر نوفمبر هذا العام (2004) نظراً لأن شهر أكتوبر قد تلاقى مع شهر رمضان، ومن ثم فإن الاحتفالية وطقوسها لا يمكن أن تقام في هذا الشهر الذي له خصوصية وطقوس احتفالية أخرى بالواحة. وارتباط الاحتفالية بشهر أكتوبر يعود إلى كونه موسم انتعاش اقتصادي تعقد فيه الزيجات بين شباب الواحة. ومن هنا كان لاحتفالية الزواج أهميتها من حيث ارتباطها باحتفالية السياحة التي يمكن فيها للعريس أن يختار عروسه خلال أيـامها الثلاثة. ومن ثم فإن الاحتفالية هى “تراث خاص بأهل سيوة له أبعاده التاريخية والاجتماعية والنفسية، وبمعنى آخر فإن الهوية الثقافية بأبعادها المختلفة لها خاصية مهمة جداً للجماعة؛ ألا وهي خاصية التماسك والتساند والتكامل والقيم التي يحافظ عليها المجتمع. و تجسد السياحة هذا الوضع خير تجسيد6”

فولكلور عيون الماء

ترتبط عيون الماء والمجاري المائية والآبار ارتباطاً وثيقاً بتراثنا الديني والشعبي، ويكفي الإشارة إلى بئر زمزم بالمسجد الحرام وما تحمله من رموز دينية، وارتباطها بالعديد من الممارسات الشعبية المصاحبة للحج، إذ يتهادى بها الحجاج، ومنهم من يقوم “بزمزمة كفنه” تبركاً بها. وفي سيرنا الشعبية تبرز عيون الماء كمسرح لبعض الأحداث الرئيسية، على نحو ما نجده في السيرة الهلالية في الجزء الخاص بمواليد الأبطال، حيث تذهب خضرة الشريفة مع صويحباتها إلى عين ماء يستحم فيها الصبايا، وتشاهد خضرة الشريفة طيراً أسود يهبط على العين، فتتمنى أن تلد طفلاً أسمر قوياً مثل هذا الطير، فتتحقق لها الأمنية وتنجب أبي زيد الهلالي.

وتمثل عيون الماء في واحة سيوة عنصراً رئيسياً في الممارسات الشعبية بالمنطقة، ومن أشهر هذه العيون: عين الحمام وعين طموسى وعين القطارة وعين قريشت. وقد ذكر بعض كتاب العرب أن أكثر من ألف عين كانت مياهها تتدفق في سيوة. وتشترك العين في احتفالات دورة الحياة بالواحة، ففي الطقوس المرتبطة بعادات الميلاد– وبخاصة عند طهارة الأطفال – نجد أنه في اليوم السابق للطهارة “يقومون بحلاقة رأس الطفل بالموسى، في مساء نفس اليوم يقوم بعض أقارب الطفل بنقش يديه بالحناء، وفي صباح اليوم التالي يأخذون الطفل إلى عين “طموسى”، حيث يغسلونه ثم يعودون به إلى المنزل لطهارته7”.

أما ارتباط العين بطقس الزواج فيبرز فى ظهر يوم الزفاف حيث تستحم العروس قبل العريس – الذي يستحم في عين أخرى عصراً – ويتم ذلك في زفة يصحبها النساء والجيران، وقديماً كان الذهاب للعين مشياً على الأقدام وقد تغير الحال الآن حيث تذهب العروس في عربة. وتشير المادة الميدانية إلى أن العروس – قديماً – كانت تستحم استحماماً فعلياً بالعين، أما الآن فهي قد تكتفي بغسل يدها بالعين ووجهها وقدميها. وعند عين طموسى تقوم العروس بخلع الأسطوانة المزركشة (الإدرم)، من حزامها الدائري (الإغرو)، وتسلمها لأمها أو لإحدى خالاتها، لكي تستخدمها بعد ذلك إحدى أخواتها الصغار أو أي بنت من بنات الأسرة في المستقبل. أما العريس فيذهب للاستحمام يوم حفل الزفاف عصراً في زفة مع الأصدقاء، ويستحم في عين ماء تسمى “عين القطارة”، ويساعده اثنان من أصدقائه فقط باستحمامه بالماء والصابون، ويرتدي جلباباً عادياً يوم الاستحمام ويستغرق الاستحمام حوالي الساعة8.

وتستمر الممارسات المرتبطة بعين الماء حتى طقوس الوفاة، على نحو ما نجده في الطقوس المرتبطة بالأرملة في واحة سيوة، والتي يطلق عليها إسم “الغولة”. وتشير المصادر الميدانية إلى أنه فى حالة موت الزوج “فإن امرأته تحبس نفسها عن رؤية الناس أربعة شهور قمرية – أصبحت الآن أربعين يوماً فقط – وتلبس خلالها سراويل بيضاء، ويُصرح لخادمة فقط – يطلق عليها الشوشان – بأن تحضر لها الأكل والشرب ولا تجالسها، وتسمى المرأة فى هذا الوقت بالغولة. وعند نهاية المدة المعينة ينادي منادي المدينة بأن الغولة فلانة ستخرج للاستحمام في عين طموسى في صباح يوم كذا، فيقعد كل فرد في داره أو مكانه، ولا يبارحه حتى تنتهي مراسيم الاستحمام وتعود لمنزلها”. ويحتاط الجميع من رؤية الغولة قبل مراسم الاستحمام، ويظلون في حالة خوف ورعب من الشر الكامن فيها والذي قد يلحق بأحدهم إذا ما نظر إليها.. وعند العين تكفكف النسوة الدمع مؤقتاً ريثما تنزع الأرملة ما تبقى عليها من حلي وأدوات زينة، وتنضوي عنها ملابسها كلها، وتغتسل في مياه العين بمساعدة الشوشان وتوجيهها. وبعد الاغتسال ترتدي ملابس حدادها.. وفي اليوم التالي يتكرر التحذير نفسه بأن يعتلي أحد الرجال من أقارب الأرملة سطح بيتها صائحاً قدر استطاعته “الغولة فلانة جاية”، وتخلو الطرق والحواري المنتظر مرور الموكب  بها من الدار للعين، حيث يصل إلى عين طموسى مرة أخرى، وتخلع الأرملة زي حدادها هذه المرة وتستحم في العين وتغتسل، وترتدي ملابسها المعتادة، وتعود إلى بيتها لتستأنف حياتها الجديدة9.

تلك نماذج من الممارسات المرتبطة بعين الماء في سيوة والتي صاحبت طقوس دورة الحياة في الطفولة والزواج والوفاة، والتي تعد إحدى طقوس العبورRites of passag التي تناولها فان جنيب في نظريته. حيث صنف طقوس العبور إلى ثلاث مراحل هي : شعائر الانفصال والشعائر الهامشية ثم شعائر الاندماج أو الدخول أو التجميع، ويذهب جنيب إلى أن حياة أي فرد من الأفراد داخل أي مجتمع من المجتمعات، هي سلسلة من الانتقال والعبور من مرحلة عمرية إلى مرحلة عمرية أخرى10.  وإذا تأملنا الممارسات التي عرضنا لها نجدها ترمز لمعنى واحد هو العبور من مرحلة إلى مرحلة جديدة، ففي الميلاد ترتبط زيارة العين بطقس الطهارة، وهو طقس يدخل فيه الطفل إلى مرحلة جديدة بعد أن يتخلص من جزء زائد في عضوه التناسلى. وفي الزواج يستحم العروسان في العين ليتخلصا من مرحلة العزوبية ويدخلان في مرحلة الزوجية، وتسلم فيها العروس الراية إلى من بعدها من الفتيات اللاتي لابد سيأتين إلى نفس المكان للممارسة ذاتها. وفي الوفاة تتخلص الأرملة من مرحلة الشر والحسد وتعود للحياة الطبيعية وتمارس حياتها مرة أخرى. ولسنا هنا في مقام الحديث عن قداسة الماء في التراث الشعبي فقد سبقتنا إليه أبحاث أخرى، غير أننا نشير إلى عين الماء هنا لارتباطها بالبيئة الطبيعية في سيوة من ناحية، والممارسات الشعبية حولها من ناحية أخرى.

 

خصوصية الألعاب الشعبية

سنعرض فى هذا الجزء لجانب من الممارسات الشعبية التي يتبين فيها تداخل بعض العناصر الثقافية بين مجتمع الواحة بملامحه الخاصة، وبين مناطق ثقافية أخرى في مصر. ونسوق مثالاً بلعبة شعبية عُرفت في الكثير من المناطق الثقافية المصرية في صعيد مصر والوجه البحري والقاهرة، غير أن عوامل الانتقال وتبادل الثقافة بين أهل الواحة والوافدين عليهم، قد أنتج نصاً إبداعياً اختلطت فيه الممارسة المرتبطة بالمنطقة ولغتها مع تلك الوافدة. فلعبة شهيرة مثل “ التعلب فات فات” عُرفت فى القاهرة بنص غنائي مصاحب يقول :

التعلب فات فات

وفى ديله سبع لفات

والدبة وقعت في البير

وصاحبها واحد خنزير

مَفتش عليكم الديب الديب السحلاوى

فات فات وفي ديله سبع لفات

 

واللعبة تؤدى بنظام وتعبيرات حركية واحدة في واحة سيوة أو خارجها، غير أن أطفال سيوة قد أضافوا لها نصاً غنائياً آخر بآداء لحني جديد جعل للعبة خصوصية مرتبطة بالمنطقة، وقد جاءت اللعبة ونظامها على الوجه التالي :

المشاركون فى اللعبة : مجموعة من الفتيات                                     (من7 إلى 15 فتاة)

الأدوات : كرة شراب

الوصف  :

- جموع الفتيات يجلسن على الأرض في شكل دائرة

- إحدى الفتيات تمسك بالكرة وتلف حول الدائرة

- يتم الحوار الغنائى بين الفتاة والمجموع على النحو التالى  :

الفتــــاة :

               ياحليوة ..ياحليوة

المجموعة : يا سينوما تيراوا

( أي الفرخة باضت)

الفتــــاة : الرز كسوما كاكاوا

( أي أرز و لحم و كاكاو)

المجموعة : السودانية الكيكاوا

(أي السودانى المقشر )

الفتــــاة : لتشناتى خليفة

(أي البنت خَلفت ولد )

المجموعة : صِغيرة كسوم يكنيفا

(أي لن نأكل سوى اللحم فى سبوع المولود)

الفتــــاة :يابخطن يناتزا

 (أي سنشترى اللحم من الجزار)

المجموعة :كوشا تاكسون لختا

(أي صحن الخضار)

الفتــــاة : والدبة

المجموعة :  قاعد فى البير

الفتــــاة : وصاحبها

المجموعة :  صاحب خنزير

الفتــــاة : والنمسة

المجموعة :  فات .. فات

الفتــــاة : على ديلهُ

المجموعة :  سبع لفات

بعد انتهاء هذا الحوار الغنائي تتم الخطوات التالية في اللعبة :

- الفتاة تختار إحدى الفتيات الجالسات على الأرض لتضع الكرة خلفها.

- تحاول الفتاة (أ) التي توضع الكرة خلفها أن تمسك بها وتضرب بها الفتاة التي كانت تغني.

- إذا نجحت الفتاة (أ) في ضرب الفتاة (ب) التي كانت تغني فإن الأخيرة تدور مرة أخرى حول المجموعة لتعاد اللعبة من جديد.

- إذا استطاعت الفتاة (ب) أن تجلس مكان الفتاة (أ) دون أن تتمكن الأخيرة من ضربها بالكرة، فإن عليها أن تبدأ في الدوران حول المجموعة وتتكرر اللعبة من جديد.

- إذا وقع الدور على إحدى الفتيات الصغيرات – خمس أو ست سنوات مثلاً – لتقوم بالدوران حول المجموعة وترديد الأغنية، فهي قد تخطئ أو تنسى جزءا منها، وفي هذه الحال فإن الفتيات الجالسات في شكل دائرة يقمن بتلقينها الكلمة الصحيحة أو الكلمة التي سقطت منها.

- قد يقل عدد البنات الجالسات أثناء اللعب تدريجياً نظراً لذهاب بعضهن إلى دورة المياه أو الذهاب للمنزل أو ترك اللعب. 

- الفتاة التي تدور حول المجموعة قد تجد إحدى الفتيات جالسة بطريقة تشذ عن الشكل الدائري المتفق عليه، ومن ثم فهي تقوم بضربها على ظهرها – أثناء اللعب والغناء – لتجلس بصورة صحيحة

- مجموعة الفتيات الجالسات في شكل دائرة قد يمارسن بعض الحركات أثناء اللعبة وترديد الأغنية كأن تقذف إحداهن بحجارة صغيرة على الأخرى أو الضحك الجماعي على شيء ما ..الخ11.

هذه هي القوانين التي تحكم اللعبة في معظم البقاع المصرية – بما فيها واحة سيوة – غير أن النصف الأول من الأغنية المصاحبة قد تفرد بالإشارة إلى احتفالية السبوع بالمولود “الولد” في المنطقة وما يصاحبها من ولائم. وهذا الجزء من الأغنية يردده الأطفال بلغتهم الأصلية (اللغة السيوية)، وأغلب الظن أن هذا النص كان مصاحباً للعبة أخرى أو كان يردد فى احتفالية السبوع بمفرده. غير أن ما يهمنا هو أن اللعبة وإن كانت تؤدى بغرض الترفيه والتسلية، فإنها تقوم بدور المحافظة على العادات والتقاليد التي يرددها الأطفال في مراحل التنشئة الاجتماعية، وهو ما أشرنا إليه في بداية البحث ضمن مفهوم الهوية.

وتتأكد تلك الفكرة في أكثر من لعبة يمارسها الأطفال ونلحظ انتشارها في البقاع المصرية، غير أنها لدى أطفال سيوة تتشكل بالعناصر التراثية الخاصة بالمنطقة. إذ نجد في لعبة أخرى – معروفة في البقاع المصرية أيضاً - مثل “بريلا بريلا” .. نجد مجموعة الفتيات يقفن متشابكي الأيدي في جانب وفي مواجهة لفتاتين تقفان في الجانب المواجه ويقومان بدور الخُطاب ويبدأ الحوار الغنائي مع خطوات إيقاعية منتظمة :

بريلا بريلا برليلا.. عايزين مين

بريلا بريلا برليلا.. عايزين “نوال”

بريلا بريلا برليلا.. تجيبولها إيه ؟

بريلا بريلا برليلا.. نجيبلها خاتم

بريلا بريلا برليلا.. ما يقضيهاش

بريلا بريلا برليلا.. ربع الدنيا ليها

بريلا بريلا برليلا .. مايقضهاش12....

ويستمر الحوار الغنائي على هذا النحو إلى أن تردد الفتاتان : “شباك النبى ليها”، فترد المجموعة: “اتفضلوا خدوها”. وفي نص آخر تردد الفتاتان: “كل الدنيا ليها”، فترد المجموعة “طب خدوها بلاش”.

وفي النص الذي جمعناه من واحة سيوة نجد أن العرض الذي تقدمه الفتاتان اللتان تقومان بدور الخاطبة، يتركز معظمه في الحلي المرتبطة بالزواج كالذهب والخاتم ودبلة الزواج التي ما أن يسمعها الفتيات حتى يفرجن عن الفتاة المطلوبة (العروسة). ومن ثم يكون الحوار الغنائى متسقاً مع دراما اللعبة التي تقوم على طلب الفتاة للخطبة:

هانجيبلها دهبة.. بريلا بريلا برليلا

ماتكفوهاش..  بريلا بريلا برليلا

 هانجيبلها غويشة بريلا بريلا برليلا

ماتكفوهاش.. بريلا بريلا برليلا

هانجيبلها خاتم بريلا بريلا برليلا

ماتكفوهاش بريلا بريلا برليلا

هانجيبلها  دبلة بريلا بريلا برليلا

طيب فضل خوديها بريلا بريلا برليلا

طيب شكراً هاتيها بريلا بريلا برليلا13..

هل نقول أن ثقافة الزواج تغلبت على المفردات المرتبطة بألعاب الأطفال في سيوة ؟ فهذه اللعبة تؤديها الفتيات من سن 6 إلى 11 سنة، وتشير المادة الميدانية إلى أن سن الزواج للبنت يبلغ – في المتوسط حوالي ستة عشر عاماً – وتشارك في حياكة فستان الزفاف قبل ذلك بثلاث سنوات تقريباً. وينتشر في مجتمع الدراسة عادة خطوبة الأطفال والتي يطلق عليها إسم (خالطة)، وتستخدم الكلمة أيضاً عند الشروع في النسب بين عائلتين – في خطوبة الكبار – حيث تستخدم عبارة : (عاوز خالطة). وتتم خطوبة الأطفال بين الأقارب أوالجيران أو الأصدقاء عادة بعبارة : ابنى سيتزوج ابنتك. فهي علاقة تحدث مع شخص عزيز عليك وتحب أن تخطب ابنك لابنته. وهي خطوبة لايصحبها احتفالية وليست ملزمة في المستقبل لكنها حوار فقط بين اثنين. وأبو الطفل هو الذي يبادر بالحديث لأبي الطفلة في موضوع الخطوبة التي قد تتحقق عند الكبر.

فإذا كان الزواج يعد من القيم الرئيسية التي يتربى عليها النشء فى مجتمع سيوة، كجزء من الهوية الثقافية، فإن هذه القيمة قد انتقلت إلى فكر الطفل في ممارساته وألعابه الشعبية، التي تساهم – بخصوصيتها – في تأكيد إحدى قيم المجتمع وهو الزواج الذي يحظى بأكبر مساحة من الاحتفالات والممارسات الشعبية في واحة سيوة.

نحن إذن أمام مجموعة من العلاقات والممارسات الشعبية المركبة، والتي تتكامل فيما بينها لتشكل هوية وملامح أهل الواحة. فالعلاج الشعبي يتم في جبل الدكرور الذي يستخدم كمسرح كبير للاحتفالات الشعبية، كما يشهد موسم الزواج بين الشباب. والزواج نفسه نجد بعضاً من مفرداته في الألعاب الشعبية للأطفال، كما نجد بعضاً من المفردات البيئية للواحة في الألغاز والأحاجى الشعبية كالثعلب (وهو يعيش فى الجبل ويعرفه أهل الواحة)، وشجر الزيتون الذي يمثل العنصر الاقتصادى للأهالى، وسباط البلح ..وغيرها من العناصر الطبيعية التي من بينها عيون الماء التي تشهد ممارسات دورة الحياة. ونحن لم نتعرض هنا لممارسات وطقوس أخرى تشكل هوية المنطقة كالممارسات السحرية والاعتقاد في الأولياء والإبداع الموسيقي والرقص الشعبي والحلي والأزياء ..إلى آخر عناصر المأثورات الشعبية التي تشكل الملامح المميزة لأهل سيوة. هذا التشابك والتداخل بين العناصر الثقافية يجعلنا في حاجة إلى الكشف عن هذا الإبداع الشعبي لأهل الواحة الذين لا يزالون يحتفظون بهويتهم الثقافية المميزة.

توثيق المأثور الشعبي السيوي

نستخلص من النماذج الميدانية التي عرضناها أن منطقة سيوة تعد من المناطق شديدة الثراء من الناحية الشعبية، ناهيك عن النواحي الأثرية الموجودة بها والتي تعد من ذخائر التراث العالمي وهذا الثراء الفولكلوري في حاجة إلى توثيق علمي باستخدام تكنولوجيا المعلومات والوسائط المتعددة التي باتت تمثل اتجاهاً عالمياً الآن. ونحن إذا كنا قد عرضنا لبعض الممارسات والظواهر الشعبية في المنطقة، فإن هناك مئات النماذج الأخرى حول فولكلور واحة سيوة تحتاج إلى جمع وتوثيق في قاعدة معلومات كبرى، كنموذج يمكن الاقتداء به في التوثيق الحديث مستقبلاً. غير أننا في حاجة أيضاً للتأكيد على أن تجاربنا السابقة في المجال تشير إلى أن جمع وتوثيق المادة الفولكلورية يعد من أصعب العمليات، إذ أن التوثيق هنا يعتمد على المادة الميدانية التي يتداولها البشر في حياتهم اليومية، على عكس توثيق الآثار – مثلاُ – الذي يعد تراثاً ثابتاً من السهل السيطرة على أبعاده وتعرف بياناته. ومن ثم فإن هناك عدة مصادر يمكننا الاعتماد عليها في توثيق فولكلور واحة سيوة، وهي:

 

أرشيف مركز الفنون الشعبية

سجل مركز دراسات الفنون الشعبية بالقاهرة منذ إنشائه – عام 1957 – خمس بعثات ميدانية إلى واحة سيوة أعوام : 1967 – 1971 – 1973 – 1994 – 1999. واشترك في جمع المادة الميدانية – التي غطت معظم الظواهر الفولكلورية تقريباً – مجموعة من الباحثين الميدانيين في مجالات متعددة : المعتقدات والمعارف الشعبية – العادات والتقاليد – الأدب الشعبي – الفنون الشعبية – الثقافة المادية. والمادة التي جُمعت مسجلة على وسائط صوتية (كاسيت وريل)، وصور فوتوغرافية، وشرائط فيديو. وتحتاج جميعاً لضبط علمي وتوثيق.

 

البيت السيوي ومتحف التراث البدوي

يعد متحف البيت السيوي من المصادر الرئيسية التي يمكننا الاعتماد عليها في توثيق تراث سيوه، وقد أُنشئ عام 1990  تابعاً لمجلس مدينة سيوه. والمتحف عبارة عن مبنى على نمط البيت السيوي الخاص بكل السيويين، تتجسد فيه حياة السيوي من أدوات الزراعة وملابس الرجل والمرأة، وأواني الطعام وطرق الطهي، والفرن السيوي المتميز ذو الخمس فتحات العلوية، وغيره من مقتنيات تعبر عن هوية أهل سيوة، ويقع المتحف (البيت السيوي) في منتصف الواحة بالقرب من مجلس مدينة سيوه، ويشرف عليه مجموعه من أعيان الواحة والعارفين بتاريخها، ويطلق على هذه المجموعة لجنة الحفاظ على التراث. وكان الغرض من إنشائه الحفاظ على هوية المجتمع السيوي وجمع موروثاته لكي تستفيد منها الأجيال المتعاقبة وكذلك زوار الواحة، حيث يمثل البيت ثقافة وتراث واحة سيوة من : أثاث وأدوات زينة وإضاءة تقليدية والأشياء التي يحفظ فيها طعامه والتي يخزن فيها الماء..إلخ. ويقوم النشاط الحالي للمتحف على عرض كل المقتنيات الخاصة بواحة سيوة والتي يمكن من خلالها معرفة جوانب مختلفة من حياة السيويين.

وإلى جانب البيت السيوي هناك رافد آخر في هذا المجال وهو متحف التراث البدوي بمطروح الذي أُُنشئ عام 1983، بغرض الحفاظ على التراث الشعبي والثقافي لمحافظة مطروح، والذي نُقل مؤخرا من ديوان عام المحافظة إلي مديرية الثقافة. ويضم مواداً فولكلورية متميزة حول مطروح، ومنها ما يخص واحة سيوة على نحو ما نجده في قسم الملابس الذي يضم مجموعة من الأزياء السيوية القديمة والأكسسوارات، فضلاً عن مجموعة الأواني الفخارية التي كان يستعملها أهالي سيوة قديماً.

 

التوثيق الببليوجرافي لواحة سيوة

يحتاج التوثيق الببليوجرافي لجهد كبير في الرصد إذ أن ما كُتب حول واحة سيوة باللغات غير العربية أضعاف ما كتب باللغة العربية، ويحتاج إلى متابعة وتكشيف واستخلاص دقيق للمادة الميدانية بتلك الدراسات وربطها بما هو موجود بمراكز الأبحاث والمتاحف الإثنوجرافية حول المنطقة في سياق معلوماتي موحد، وفي إطار قاعدة معلومات متخصصة. ومن ثم يمكن أن تكون المادة الببليوجرافية مصدراً لتوثيق فولكلور الواحة. ونشير هنا إلى تجربتين في هذا الإطار، التجربة الأولى ارتبطت بتوثيق المادة الفولكلورية الميدانية المنشورة في محافظات مصر خلال مائة عام، وقد أنجزنا هذه المهمة في دراسة متخصصة نُشرت تحت عنوان “أطلس دراسات التراث الشعبي”. ويقدم هذا الأطلس بالعرض الكارتوجرافي والتحليل ما تم إنجازه من بحوث ميدانية في محافظات مصر، ومن ثم نتعرف على احتياج كل محافظة من البحث العلمي في موضوعات الفولكلور المختلفة، كما يعطي مؤشرات للتعرف على التتابع الزمني للأبحاث التي تمت في كل منطقة، وما إذا كان هناك تواصل بحثي في مركز أو قرية بعينها، أم أن البحث قد توقف عند نقطة تحتاج إلى استكمال. كما يقدم الأطلس مؤشرات نوعية لكل دراسة - للوقوف على طبيعة البحث في كل محافظة أو مركز أو قرية - من حيث كونها بحثاً في دورية أو مؤتمر أو كتاب أو أطروحة جامعية. وفي نهاية التوثيق الأطلسي لكل محافظة يعرض الأطلس بعض النتائج والاستخلاصات التي يفيد منها الباحث الميداني. ومن ثم فإن هذا الأطلس يعد خطوة في سبيل ضبط العمل الميداني الفولكلوري في الاتجاه الذي نأمل أن يكون رؤية مستقبلية للخريطة الفولكلورية في مصر.

ومن بين النتائج التي توصل إليها الأطلس فيما يخص واحة سيوة تركز معظم دراسات مطروح حول واحة سيوة برصد العديد من الموضوعات المهمة لفولكلور المنطقة منذ عام 1933 حتى الآن، وقد بلغت 50% من جملة الدراسات الميدانية14.. وهذه الدراسات تناول أصحابها العديد من الموضوعات التي تؤكد علاقة الممارسات الشعبية بتراث المنطقة في عدة مجالات. وهي تشكل في مجملها ببليوجرافية مصغرة حول فولكلور الواحة، يمكننا البناء عليها في المستقبل. وقد ركزت تلك الدراسات على رصد عناصر التراث الشعبي في عدة مجالات كالأزياء والأغاني والموسيقى والحرف والرقص والعادات والتقاليد، ويأتي في مقدمة تلك الدراسات كتاب أحمد فخري حول “واحة سيوة”، والذي يشير في المقدمة إلى انتهائه من جمع مادته عام (1964)، وقد رصد عشرات الموضوعات حول المنطقة جغرافيًاً وأثرياً وتاريخياً، غير أن الجانب الذي يهم البحث الفولكلوري في الكتاب هو ما تعرض فيه المؤلف للغة أهل واحة سيوة والمأثورات المرتبطة بجماعة الزقالة وأخلاق أهل الواحة، والملابس وأدوات الزينة، وعادات دورة الحياة، والمواسم والأعياد. كما كتب جودت عبد الحميد يوسف حول قارة أم الصغير (1970)، من حيث نمطها المعماري وفنونها وتاريخها وبعض الحرف والصناعات اليدوية التي اشتهرت بها.

وفي مجال توثيق فولكلور واحة سيوة قدم مصطفي جاد أطروحته حول أرشفة المادة الفولكلورية بواحة سيوة (1999)، حيث عرض منهجاً متكاملاً في توثيق المادة وإعدادها في قواعد المعلومات، كما عرض للعناصر المكونة للأرشيف والتجربة الفرنسية في التوثيق، وطبق الباحث من خلال مجموعة ظواهر ممثلة لموضوعات الفولكلور من ناحية وممثلة للوسائط المتعددة من ناحية أخرى. وقام بجمع مادته من منطقتي جارة أم الصغير ومدينة سيوة.

وفي مجال العادات والتقاليد قدم نبيل صبحي في كتابه حول المجتمعات الصحراوية في الوطن  العربي (1984)، تحليلاً لما تدل عليه العناصر الثقافية السائدة لدي قبائل أولاد علي، وما يشير إليه ويتعلق بواقع الجماعة. كما قدم من خلال أبواب الكتاب رصداً لثقافة مجتمع جارة أم الصغيرة وعاداتها وتقاليدها وعناصر التغير بها. أما علية عبد العظيم فقد اهتمت بعناصر التغير من خلال أطروحتها حول البناء الاجتماعي التقليدي في واحة سيوة (1996)، حيث رصدت عدة موضوعات ذات الصلة ببحث العادات والتقاليد وفولكلور المنطقة عامة، كأدوات العمل  الزراعي، والصناعات التقليدية، والبناء القبلي والعائلي لمجتمع سيوة، والقانون العرفي والتنظيم السياسي التقليدي، كما تناولت الثقافة المادية واللامادية لمجتمع البحث. وخلصت إلى وجود تغير في الواقع الايكولوجي من خلال الاندماج والشعور بالأمن، وزيادة الوجود الشرعي للدولة، والانتماء، وتقلص دور شيخ القبيلة.

وفي مجال عادات دورة الحياة كتبت سوسن عامر حول أفراح سيوة (1988)، وتتبعت عادات الزواج، وما يرتبط بها من ممارسات في الزفاف واستعداد العروسين، وليلة الدخلة، والصباحية، والغناء والرقص المرتبط بتلك الممارسة، ثم رصدت عادات السبوع وارتباطها بالحناء ومعتقدات إطالة عمر الوليد، ثم عادات الوفاة وبخاصة ما يرتبط بالأرملة (الغولة) التي تعرض لها صابر العادلى في بحث مستقل بعنوان : غولة سيوة (1996)، تناول فيه موضوع حداد الأرملة في واحة سيوة، وكشف عن العقائد المستترة الكائنة وراء هذا الحداد، وأصل العادة ومنشأها، كما سجل بالتفصيل طقوس الحداد وارتباطها بالمعتقدات الشعبية، وخلص إلى أن السيويين متبنون لتقاليد زنجية أصلها خوف الميت، وبالطبع فهم لا يعرفون منشأ العادة وأصلها، ولا حتى الزنوج أنفسهم ممارسو العادة، ومن ثم لم يجدوا سبيلاً إلى استمرارها سوى بإسقاط معتقداتهم الأصلية عليها، كخوف الجن والغيلان وخوف الحسد، فهذا المزج المركب – كما يشير الباحث – معقد ولكن من السهل الكشف عن جذوره.

وفي مجال الاحتفالات الشعبية قدمت سوزان السعيد بحثاً حول الاحتفالات الدينية والاجتماعية في واحة سيوة وجارة أم الصغير (2000)، تناولت فيه : الاحتفالات الدينية القديمة مثل مولد الإله آمون. وعيد الملوك المستمد من الرومان، واحتفالات الطرق الصوفية، ثم الاحتفالات بذهاب الحجاج وعودتهم، والاحتفال بمولد سيدى سليمان والأولياء بقارة أم الصغير، وأخيراً احتفال كسوف الشمس وخسوف القمر. كما رصدت الباحثة الاحتفالات الاجتماعية المتمثلة في الزواج والميلاد ووداع الضيوف. كما تناول شوقي عبد القوي موضوع احتفالية السياحة في سيوة (2002)، رصد فيه تلك الاحتفالية المرتبطة بالطريقة المدنية وهي إحدى فروع الطريقة الشاذلية، وتناول عناصر الاحتفالية من كافة جوانبها.

أما الموسيقى الشعبية السيوية فقد بدأ الاهتمام بدراستها منذ أكثر من سبعين عاماً، عندما خصصت الباحثة الألمانية بريجيت شيفر أطروحتها في الدكتوراه حول واحة سيوة وموسيقاها (1933)، ونحن ندخل تلك الدراسة هنا بعد أن تمت ترجمتها إلى العربية عام 1998، وترصد الخصائص الإبداعية لموسيقى واحة سيوة وتدوينها وتحليل عناصرها، وارتباطها بثقافة المجتمع حينذاك، كما قدمت توثيقاً وتحليلاًُ للآلات الموسيقية الشعبية المستخدمة في المنطقة، ومن ثم فهي تعد أقدم الدراسات حول المنطقة. أما سمير نجيب فقد رصد في بحثه حول أغاني سيوة (1965) استخدام الموسيقى أساساً لمصاحبة الغناء، حيث أن الموسيقى  الآلية غير موجودة بصورة واضحة لكنها تتبع الغناء نفسه، كما أشار إلى أن الألحان السيوية تحتوي على عدد كبير من أنواع السلالم والمقامات، ومن أشهرها السلم الخماسي، كما رصد الباحث الآلات الموسيقية بالمنطقة، ومنها: الطبلة السيوية ـ عصوان من جريد ـالخمسية، وتناول بعض العادات والتقاليد وعلاقتها بالغناء الشعبي، كما قدم تدويناً موسيقيا  لبعض النصوص. وفي مجال الرقص الشعبي تناول صفوت محمد فتحى في أطروحته حول الرقصات الشعبية في واحة سيوة (2002) بالرصد والتحليل والتدوين أنواع الرقصات الموجودة بالمنطقة.

أما دراسات الأزياء الشعبية في واحة سيوة فقد تناولتها عدة أبحاث متخصصة منذ منتصف الستينات حتى عقد التسعينات، تنوعت جميعها في طرق التناول والبحث والرصد الميداني، فهناك من تناولها من منظور وصفي، وهناك دراسات زاوجت بين الوصف والتحليل كدراسات جودت عبد الحميد وماجدة ماضي، كما تنوعت الأغراض البحثية ما بين التعريف بالأزياء أو الاستفادة منها جمالياً ونفعياً، أو الاهتمام بربطها بالتاريخ والموروث الشعبي والطبقة الاجتماعية. ونبدأ هنا بأقدم تلك الدراسات، وهى  لعثمان خيرت الذي عرض لموضوع الزي والزينة في سيوة (1965) ضمن ملف سيوة بمجلة الفنون الشعبية، وقد رصد فيها أزياء الرجال والفروق الطبقية في ارتداء الزي، واهتمام النساء بأزيائهن وزينتهن كتمشيط الشعر واستعمال الكحل، وأزياء المنزل وخارج المنزل،  وحلي المرأة والفرق بينها وحلي الفتاة، كما رصد ثوب الزفاف والفنون المرتبطة به. أما ماجدة ماضي فقد اهتمت بالأزياء الشعبية بواحة سيوة من خلال أطروحتها في الماجستير والدكتوراه، حيث تناولت في الأطروحة الأولى العوامل البيئية والاجتماعية المؤثرة في الزي في واحة سيوة (1983)، ورصدت فيها الملابس الشعبية للرجال وملابس العمل وأجزائها، ثم ملابس النساء الخارجية والداخلية، كما تناولت ملابس الأطفال كملابس المولود والسبوع والختان، وملابس المسنين من الجنسين، ثم ملابس الزواج للعروسين، والملابس العقائدية كملابس الحج والحداد، وعرضت طرق تفصيل كل نوع من هذه الأزياء والأقمشة وطرق الزخرفة المستخدمة. ثم انتقلت لمكملات الزي والحلي ووسائل الزينة بالواحة. أما أطروحة الدكتواره  فقد عرضت فيها ماجدة ماضى للأزياء الشعبية بواحات مصر الغربية (1989)، حيث رصدت موضوع الأزياء من الناحيتين الجمالية والنفعية، بغرض البحث عن إمكانية الاستفادة منها في ابتكار زي وطني معاصر. كما قدمت سوسن عامر ضمن مقالتها حول أفراح سيوة (1988) عرضاً للأزياء والحلي في الواحة، وركزت في عرضها على نساء سيوة فقط.على حين تناولت ليلى بخيت موضوع الزينة ونسق المعتقد (1990)، حيث اهتمت برصد المعتقدات الشعبية وارتباطها  بزينة المرأة في واحة سيوة. أما جودت عبد الحميد يوسف فقد كتب حول الرداء التقليدي للمرأة في واحة سيوة (1993)، ورصد عناصر زي المرأة المتوارث الذي تتعدد أشكاله ووظائفه في مجتمع الواحة، وتضمن البحث أشكالاً توضيحية لبيان النسب والمكونات المختلفة للتفصيل، ومناسبات ارتداء الزي وزخارفه. وقدم الباحث تجربته في الفولكلور التطبيقى، من خلال دراسته حول الفولكلور التطبيقي بين تجارب من النوبة القديمة ومستقبل واحة سيوة (1996) عرض فيها للتغيرات التي حدثت للواحة ويقترح عمل دراسة تسجيلية بكافة وسائل التصوير الفوتوغرافي المتاحة.

 

مخطوطة سيوة

غير أننا نضيف للتوثيق الببليوجرافى هنا مرجعا رئيسيا وهاما في تراث واحة سيوة هو “مخطوطة سيوة” لصاحبها الطيب مسلم عمر، والتي تحمل عنوان “ مخطوطة تاريخ السويين وأهم عوايدهم من الفتح الإسلامى إلى 1327هـ. وهذه المخطوطة محظور الاطلاع عليها إلا لقلة نادرة من الباحثين. ولم تتح للنشر العام حتى اليوم، ومن الممكن التنسيق والاتفاق مع أهل الواحة وشيوخها على نشرها بالشكل الذي يليق بأهميتها “وسجل المؤلف فى مخطوطته ما ورد ذكره عن سيوة والواحات الأخرى في بعض كتب المؤلفين المسلمين في العصور الوسطى، وأضاف إليه ما كان يتناقله أهل الواحة فيما بينهم من معلومات شفهية عن أصل العائلات المختلفة والحروب التي كانت تنشب بين الشرقيين والغربيين، كما سجل فيه أيضاً معلومات عامة عن بعض العادات والتقاليد. وبعد موت المؤلف استمر ابنه في تدوين ما كان يحدث في أيامه ويضيف أيضاً ما كان يصل إلى علمه من أمور. ولم يقتصر الأمر على الوالد والإبن فقط بل استمر الحفيد أيضاً فى الإضافة إليه.. كما أن بعض العائلات الأخرى وبخاصة خلال نصف القرن الماضي بدأ بعض أبنائها الأذكياء يكتبون مذكرات عن واحتهم وعن أصل عائلاتها من وجهة نظرهم الخاصة. وعلى أي حال فإن أهم ما في المخطوط الأصلى، أو المخطوطات الأخرى التي استمدت منه، الأجزاء الخاصة بالقوانين والشرائع التي وضعها أهل سيوة لأنفسهم والوصف التفصيلي لمدينتهم القديمة، والعادات التقليدية التي كانت متأصلة بين أهل الواحة15”. وهكذا نجد أمامنا أكبر شاهد على احتفاظ جماعة شعبية بهويتها الثقافية والحفاظ عليها، إذ تشترك الجماعة نفسها في صياغة تاريخها، وتحافظ على مصادر ثقافتها في مخطوط يعد المصدر الأساسي للمعلومات حول الواحة، ونرى أنها حالة غير مسبوقة في تعامل الجماعة الشعبية مع تراثها، ومن ثم فإن هذه المخطوطة ليست فقط في حاجة للنشر التقليدي، بل في حاجة إلى توثيق علمي حديث يُمكننا من استدعاء ما بها من معلومات حول الواحة عبر تاريخها الطويل.

 

تقنيات الجمع الميداني للمادة الفولكلورية

لسنا في حاجة إلى التأكيد على أن البحث الفولكلوري يقوم في الأساس الأول على الجمع الميداني من الجماعة الشعبية صاحبة هذا التراث، ولن نقف طويلاً حول أساليب وتقنيات البحث الميداني وأدواته من أدلة للعمل الميداني، وأساليب تدوين المادة واستخلاصها وعرضها، فهناك العديد من الدراسات التي تناولت تلك الموضوعات وقدمت النماذج التي يمكن الاعتماد عليها16. لكننا نشير إلى نقطة غاية في الأهمية، وهى أن تقنيات الجمع الميدانى قد شهدت في الآونة الأخيرة تطوراً سريعاً، ويكفينا الإشارة إلى أن عمليات الجمع الميداني للمادة الفولكلورية التي بدأت نهاية الخمسينات17 كان يستخدم فيها الباحثون أجهزة ومعدات ثقيلة لمجرد التسجيل الصوتي للأغاني والحكايات وغيرها من المواد، ولم يكن هناك انتشار لكاميرات التصوير الفوتوغرافي والفيديو، والتي بدأت في الاستخدام التدريجي في العقود التالية حتى نهاية ق20، ولأساتذة ورواد الجمع الميداني في مصر أمثال صفوت كمال وحسنى لطفى وسمير جابر وصابر العادلي وسامية عبده خليل ويسرية مصطفى، لهؤلاء جميعاً مذكراتهم وكتاباتهم الخاصة حول تجاربهم ومعاناتهم في الخمسينات والستينات حتى مطلع السبعينات في عمليات الجمع الميدانى بهذه الأدوات، غير أنهم أثروا مركز الفنون الشعبية خلال هذه الفترة بمواد غاية في الدقة العلمية والندرة أيضاً، ومن بين ما تم جمعه ثلاث بعثات إلى واحة سيوة (أعوام67–71– 73) شكلت أساساً لرصد الظواهر الفولكلورية في المنطقة والتي نالت حظاً من التغيير الآن، وبات ما جمعه هؤلاء الرواد وثيقة علمية أصيلة في بحث فولكلور واحة سيوة.

ومع نهاية ق20 ومطلع ق21 بدأت في الظهور تقنيات التسجيل الصوتي والفوتوغرافي والفيديو بنظام (الديجيتال)، والذي يعطي تفاصيل أدق وتحليلات للظواهر الفولكلورية لم تشهدها حركات الجمع الميداني السابقة، وأصبحت هذه الأجهزة الحديثة تشهد تقدماً مع انخفاض في سعرها في الوقت ذاته. وقد ساير ذلك ظهور علم جديد في رصد العناصر الشعبية والأنثروبولوجية، وهو الأنثروبولوجيا البصريةVisual Anthropology ويتضمن هذا الميدان الحديث نسبياً من ميادين التخصص الأنثروبولوجي بعض جوانب دراسة الأبعاد البصرية للسلوك الإنساني، وكذلك تطوير الوسائل البصرية التي تزداد دقة وتعقيداً من أجل توظيفها في البحث الأنثروبولوجي، وتعليم الأنثروبولوجيا والتبادل الثقافي. فهذا الميدان يربط عدة ميادين بعضها البعض مثل أنثروبولوجيا الفنون واستخدام التصوير الفوتوغرافي، والفيلم الإثنوغرافي (التسجيلي) في الأنثروبولوجيا18. وعلى المستوى المحلي في مصر بدأ الاهتمام في مطلع التسعينات بتدريس مواد متخصصة في أقسام الفولكلور، مثل : تقنيات العمل الميداني، وأدوات العمل الميداني، وأرشيف الفولكلور، ووسائل حفظ المادة وعرضها، بل تم إنشاء قسم خاص بتقنيات جمع التراث الشعبي- الذي نتشرف برآسته- يقوم على تدريب الطلبة على تقنيات الجمع الميداني والتصوير والتوثيق ومناهج الحفظ19. كما شهدت بعض التجارب الميدانية استخدام أجهزة الكمبيوتر المحمول Lap Top في جمع وتوثيق المادة الميدانية، بحيث يمكن التعرف على ما جمعه الباحث في الميدان أثناء العمل وتخزينه – باستخدام الكاميرات الديجيتال – ثم استكمال الجمع مرة أخرى، ويكون الجامع في هذه الحالة على دراية تامة ومباشرة بما جمعه وما سوف يجمعه أولاً بأول.

ونحن نسوق هذه التجارب والتطورات الميدانية التي شهدها مجال علم الفولكلور مؤخراُ لنؤكد على أننا أمام فرصة عظيمة للبدء في التخطيط لجمع المأثورات الشعبية في المنطقة باستخدام المتاح من هذه التكنولوجيات والأدوات العلمية، والتي يمكن أن تمثل ثروة معلوماتية غير مسبوقة إذا ما أعددنا لها الكوادر العلمية والتمويل المؤسسي المطلوب. ومن المهم الاستفادة بالجهود الفردية التي قدمها بعض الباحثين من رواد العلم ولم تلق الاهتمام المطلوب. ومثال ذلك تجربة جودت يوسف في الفولكلور التطبيقي، من خلال دراسته حول الرداء التقليدي للمرأة في واحة سيوة، ودراسته أيضاً حول الفولكلور التطبيقي بين تجارب من النوبة القديمة ومستقبل واحة سيوة. والتي عرض فيها للتغيرات التي حدثت لواحة سيوة. وقد اقترح عمل دراسة تسجيلية بكافة وسائل التصوير الفوتوغرافي المتاحة، تنتهي بإعداد أرشيف تسجيلي كامل بالصور الملونة وبالرسوم، يمكن أن يكون مرجعاً للواحة في استمرار إنتاج أزيائها التقليدية المتميزة بتصميماتها المتوارثة، والعودة بها إلي ما كانت عليه. وقدم النماذج التي يمكن محاكاتها للبدء في العمل.

 

الهوامش والمراجع

1: شارلوت سيمور – سميث / موسوعة علم الإنسان : المفاهيم والمصطلحات الأنثروبولوجية / ترجمة مجموعة من أساتذة علم الاجتماع بإشراف محمد الجوهرى. – القاهرة : المجلس الأعلى للثقافة، 1998، ص731.

2: جوردون مارشال / موسوعة علم الاجتماع /ترجمة محمد الجوهرى وآخرون، مج3. – القاهرة : المجلس الأعلى للثقافة، 2001. صـ 1570

3: أحمد فخرى. واحات مصر : المجلد الأول، واحة سيوة / ترجمة جاب الله علي جاب الله.- القاهرة : هيئة الآثار المصرية، [1993] .- (سلسلة الثقافة الأثرية والتاريخية – مشروع المائة كتاب ؛ 20). صـ 164.

4: راجع المادة الميدانية التى جمعها الباحث بواحة سيوة 1995، بمركز دراسات الفنون الشعبية، وراجع أيضاً : مصطفى جاد. أرشفة المادة الفولكلورية باستخدام الحاسب الآلى: دراسة تطبيقية على بعض العناصر الشعبية بواحة سيوة/ إشراف علياء شكرى، أسعد نديم، جون مارتان.- القاهرة،1999.- 350ص.- أطروحة (دكتوراه)-أكاديمية الفنون، المعهد العالى للفنون الشعبية.

5: شوقى عبد القوى عثمان. السياحة فى سيوة. – ص1178- 1196.- الثقافة الشعبية. – ع3، ج2 (أبريل2002). – (تصدر عن المركز الحضارى لعلوم الإنسان والتراث الشعبى بكلية الآداب – جامعة المنصورة). صـ 1185.

6: المرجع نفسه  ص1194.

7: أحمد فخرى. مرجع سابق، صـ 80.

8: المرجع نفسه، ص82. وانظر أيضاً : مصطفى جاد. أرشفة المادة الفولكلورية، مرجع سابق، صـ 240.

9: انظر : صابر العادلى. غولة سيوة : الأرملة البكماء.- الفنون الشعبية. – ع 50 (يناير – مارس 1996).- ص38.

10: راجع مرفت العشماوى. دورة الحياة عند الفرد : دراسة أنثروبولوجية مقارنة للعادات والتقاليد الشعبية فى مجتمع رشيد/ إشراف صفوت كمال. – الإسكندرية، 1991. – 455 ص.– أطروحة (دكتوراه). جامعة الإسكندرية كلية الآداب، قسم الأنثروبولوجيا

11: مادة ميدانية، 1995، مرجع سابق (وقد قمنا بجمع الألعاب الشعبية وتوثيقها وتسجيلها بالصورة الفوتوغرافية والفيديو. وهذه المجموعة جمعت من جارة أم الصغير)

12: محمد عمران. ألعاب الأطفال وأغانيها فى مصر. – ط2. – القاهرة : الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، 2003. صـ 32

13: مادة ميدانية، 1995، مرجع سابق.

14: انظر: مصطفى جاد. أطلس دراسات التراث الشعبى. – ط1. – القاهرة : مركز البحوث والدراسات الاجتماعية، 2004. – 507 ص.

15: احمد فخرى. مرجع سابق، صـ 67.

16: انظر على سبيل المثال ما صدر من أدلة للجمع الميدانى :

رجب عبد المجيد عفيفى، محمد الجوهرى. الدراسة العلمية للثقافة المادية الريفية. الجزء الخامس من دليل العمل الميدانى.- الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، 1993.- 323ص.        

صفوت كمال. استبيان العمل الميدانى : الأزياء الشعبية.- الفنون الشعبية.- ع19(أبريل - مايو-يونية 1987).- ص47-51.                                                     

علياء شكرى.الدراسة العلمية لعادات الطعام وآداب المائدة.الجزء الرابع. دليل العمل الميدانى لجامعى التراث الشعبى.- الإسكندرية: دارالمعرفة الجامعية،1993.-238ص.   

محمد عمران.الدراسة العلمية للموسيقى الشعبية. الجزء السادس، دليل العمل الميداني لجامعى التراث الشعبي.-الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، 1997.- 293ص.

محمد الجوهرى (وآخرون). الدراسة العلمية للعادات والتقاليد الشعبية. الجزء الثالث، دليل العمل الميدانى لجامعى التراث الشعبى.- الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية: 1992.- 200ص. 

محمد الجوهرى.الدراسة العلمية للمعتقدات الشعبية. – الإسكندرية : دار المعرفة الجامعية، 1992.- 2ج. – (الجزءان الأول والثانى من دليل العمل الميداني لجامعى التراث الشعبي).           

17: تأسس مركز دراسات الفنون الشعبية فى القاهرة فى أواخر 1957 بإشراف المرحوم رشدى صالح، وكانت أول عملية جمع ميدانى فى عام 1958.

18: شارلوت سيمور – سميث / موسوعة علم الإنسان، مرجع سابق، صت 130.

19: تُدرس هذه المواد بالمعهد العالى للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون (مواد : وسائل حفظ المادة وعرضها، والبحث الميدانى وتقنياته، والبحث الميدانى وأدواته). وشعبة الأنثروبولوجيا والفولكلور بكلية البنات جامعة عين شمس (مادتا : تقنيات البحث الميدانى، وأرشيف الفولكلور). وقسم الأنثروبولوجيا بكلية الآداب بجامعة حلوان (مادة : أرشيف الفولكلور). ونشرف بتدريس هذه المواد بالجامعات الثلاث.

أعداد المجلة