فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

الموال العراقي

العدد 17 - أدب شعبي
الموال العراقي
كاتب من العراق

1 - إشـكـاليـات التـسـميـة : هـناك تـاريخ لكل مـولـود، وولادة المـوال العـراقي كانت متعـسرة، وخطيرة،وفي جـوّ من الإرهـاب والقـسوة، إذ ولـد المــوّال العراقي في بغـداد، إبـّـان خـلافـة الرشـيد(حكـم مـابين 179 - 193 هـ/786 – 809 م )  إثـر حـادثـة معروفـة ومشهـورة، كانت تعرف في المـدونـات التـاريخية بإسـم (نكــبة البـرامـكـة) والتي كان ضحيـّـتهـا الأول وزير الرشيد، جعفـر البرمكي (187 هـ،/ 803 م)حيث قتـله الرشيد ثم صلبـه ، وقطـّعت أعضـاؤه ، وعـلـّقت بأماكن متفرقة، وبعد مدّة أنـزلت وأحرقت، كان ذلك في غـرة صفرعام 187 هـ1.فيما ينسب جلال الدين السيوطي الشافعي (849 – 910 هـ /  1455 - 1505 م)ولادة المـوّال إلى هـذه الحـادثة، حيث قـال:( إن الرشـيد بعـد أن بطش بالبرامكـة، أمر بأن لايرثـى جعفـر

لكن إحـدى جـواريـه رثـتـه بـشـعـرٍ، عـرف فيما بعـد بإسم ( المـواليـا) قالت فيـه2 :

يـادار أيـن ملـوك الأرض أيـن الـفـُـرس

أيـن الـذين حـمـوهـا بالـقـنا والتـرس

قالت تراهم رمم تحت الأراضي الـــدرس

سـُكون بعـدَ الفصاحةِ ألـسنتهـم خـُرس

 

ويـذكرأن الشـطر الأخـيرجـاء هـكـذا :

وغـرابُ البيـن أتـى ورفـرَف حـــواليـّا

*وهـذا النـمـط من الشعر-الذي سمي بالمـواليـا- انتشـربين أوساط مـوالي البرامكة، ونشطوا في استخـدامـه والنظم عليه في مرثياتـهم، لذلك دعي بالمـواليـا3

 

وزن المــــوال:

مايتوجـب الانتـباه إليـه، أن هـذا اللــون من النظم بدأ من الشعر الفصيح،مطعـّم ببعض المفـردات العـامية، مع تكراركلـمة (يـامـواليـا)، إضافـة إلى أنـّه كـان، رباعـي النظـم- وإن وزنـه كان من (البحـرالبسيط) وبـداياتـه تـؤشرإلى أنـّه كان مخصصاً إلى نظـم ( الرثـاء) الأمر الذي يشير إلى الصـلة الوثيقـة بيـنـه وبين الحـزن، وهـذه المسـألة سوف تكـون إحـدى عـلائم نظم المـوال، في كل ألـوانـه فيما بعـد، داخـل العـراق وخـارجـه.                                 

إن ولادة المـوّال العـراقي،بهـذا الشكل ( المـواليـا) كانت بغـداد حاضنتـه الأولى، ولكن انتشـاره إلى بقيـة مـُدن وبلــدات العراق،أكسـبتـه تسميات أخرى، وطرأت تطـورات على بنيـته النظميـة، الأمر الذي أشكل على الكثيرمن الباحثين العراقيين والعرب على حـدّ سـواء.                                                                  

فعـامر رشيد السامرائي،ينفي حـادثة ابتـداع الجـارية للمـوال العـراقي، مشيراً إلى أن( أهـل واسط) هـم الذين أوجـدوا وأبـدعـوا المـوال، نافيـاً وقاطعـاً أمر ابتـداع المـوال إلى تلك الجـارية، ومستشـهـداً ببيت من ( المـواليـا) يعاكس مضمون- المواليا- الأول، يقـول:4                                                                

 منـازل كنت فيهـا بعـــد بـُعـدك درس

خـراب لا للعـزا تصلح ولا للـــعــرس

فأين عينيك تنظـر كيف فيهـا الفـــرس

تحكـم وألسـنة المـدّاح عنهــا خــرس

فالملاحظ أن لغـة السـامرائي، في هـذه الاشكالية، قـد ابتعـد فيها عن الموضوعية في البحث، وأصبحت الرؤيـة في بحثه ( مؤدلجـة) الأمر الذي يدعونا إلى الشكّ في منهجيتـه، لأن البحث العلمي لايصح أن يـؤدلج، لأنه في تلك الحـالة يفقـد علمـيـّته وآهليـّته ورصانته من الناحية الأكاديمية، لذلك سوف نتعـامل معـه بحذرشديد مع كل رواياته ومنقـولاتـه .                                                                        

وأمـّا الباحث عبد الكريم العـلاف(1314-1389 هـ) فيتطـابق مع ماذكره السـيوطي في ( شرح الموشـّح) وحادثة الجارية البرمكية في ابتـداع المـواليـا، بالصيغـة التالية :5                                                                                  

منـازل كنت فيهـا بعـد بـُعـدك درس 

خـراب لا للعـزا تصلح ولا للعـــرس

فأين عينيك تنظـر كيف فيهـا الفرس

تحكـم وألسـنة المـدّاح عنهــا خـرس

كما أن العـلاّف يشير أيضـاً إلى أن( أهـل واسط) كانوا يتغـنون بالموال عند قيامهم بـالأعمال اليومية، لاسيما في تـأبير النخيل وسقي الأراضي، فيما كان يشيرإلى أن أهـل بغـداد يسـمون ( المـواليا الزهـُيري)وينسبهـا إلى رجـل إسـمـهُ ( مـلا جـادر الزهـيري) نسبة إلى قريـة الزهيرات، وهـو أحد الذين نظموا تلك المـوالات، واشتهـر فيهـا، وكان قـد عاصر حـكم مـدحت باشا(1822-1884 )بولايتـه على بغـداد  وظـلّ حيـّاً حتى عـام 1286 هـ6 ، ثم نزح الى بغـداد.                                                                                                     

وهـنا، يبـدو أن العـلاف، لم يـدقـّق بمنهجـه، بمعنى أنـّه اعتمـد على تسمية العـامة للمـوال الزهيري، وعـدم فصلهِ بين المـواليـا، التي تعتمـد على القـافية، وهي المرحلة الأولى للمـوال، وبين المـوّال الزهيري، الذي يعتمـد الجنـاس في نظمـه،مع عدم الدقـة في نشـأة المـوال، حيث ينسبه إلى أهـل واسـط .                                                                                  

فيما يصـادق مصطفى صادق الرافعي(1297 -1356 هـ) على رواية السيوطي، مضيفـاً إليهـا ( بأن جارية البرمكي قد استخدمت هذا النوع من الشعرالذي يدخله اللـّحن ولا يجري على أوزان الشعر، لتـتّـقي نكبة الرشيد، وجعلت تقول، بعد كل شطر( يـامواليـا)فعرف هـذا النوع بـهِ وتناوله الناس، ثـمّ حـرّف المصريـون هذه الكلمة، واستخدموا كلمة مـوّال)7 ويبـدو أن الـرافعي لم يتابع بدقـّة شكل تطورات الموال على الساحة  العراقية، وشكل  تبدلاته ومسميـاتـه، من مرحلة لأخرى, وهـو ماسنبيـّنه في هذه الدراسـة.                        

أمـّا المـؤرّخ الأستاذ عبد الرزاق الحسني (1321 – 1417 هـ) صاحب ( تاريخ الوزارات العراقية) فإنـه يـؤيـّد السيوطي في روايته عن(المـواليـا) بينما يرى أن المـوّال( نوع من النظم اخترعـه السيد المـوالي، من سـادة الحويزة، والمـواليا، لم يكن على قـاعـدة المـوّال الحـاضر8                                                                                             

 هـنا نلاحظ أن الأستاذ الحسـني قد انتبـه إلى التغيـّرات في شكل بنية المـوّال، إلاً أنـه نسبه إلى أهـل الحـويزة وليس إلى أهـل بغـداد، ونحن نخالفـه في هـذه المسألة، كـون بغـداد هي منشـأ المـوّال الأصـلي.                                                                                        

أمـّا الأب أنسـتانس الكرملي( 1263 - 1366 هـ ) وهـو واحـد من المعمرين والمشتغلين بالأدب، أصله من لبنان، لكن ولادتـه ببغـداد، يرى ( أن المـواليا، يعرف اليوم في العراق بإسم (الميـمر) ويستـنـد إلى رواية السـيوطي في مسألة نشـأة المـواليـا.9                           

والملاحظ أن – الكرملي- قد ابتعـد كثيراَ في ( هـذا التطابق) بين المـواليـا والميمر، حيث أن الأخير يلتـزم بقـافية الـراء ، في نهـاية البيت الرابع، وهـو ينظم على أربعـة أبيات، ومن بحـر مختلف تماماً عمـّا ينظم بـه المـواليا، الذي ينظم على ( البسـيط).                                 

أمـّا الأستاذ عـبد الحميد الكَـنيـّن(1326 – 1393 هـ)وهـو أحد الأساتذة الذين تولـّوا رئاسـة جامعـة بغـداد، فيرفض وجـود الصـلة بين المـوّال والمـواليـا، لكنه يرى أن الزهيري أصل التسمية، والمـوّال ثـانـوي.10                                                                       

وغريب هكـذا رأي، إذ أن قـاعـدة الزهيري، سباعية الأبيـات، وجناساتـه مختلفة في كل ثلاث أبيـات، وتسمية المـوال، هـو إطلاق عـام على كل أشكال المـوال العراقي المتعـددة، وسوف نبيـّن ذلك في الفصول القـادمـة من هذه الـدراسـة .                                                   

والشـاعر صفي الدين الحـلـّي (677 – 750 هـ /  1277-1349م ) وهـو واحد من فحـول شعراء العـراق بالفترة المظلمة- القـرن 8 هـ /14م – ويكاد يكون أوّل شاعرعراقي ينتبـه إلى أهمية الأدب الشعبي في العراق، حيث يشير بحديثه عن ( فـنون الشعر السبعـة الملحـونـة) بالقـول: (منهـا ثلاثة معـربة أبـداً، لايغتـفـر اللـّـحن فيهـا، وهي:الشعر القريض والموشـّح والدوبيت، ومنهـا ثلاثة ملحـونة أبـداً وهي: الزَجـل، والكـان وكان،والقـومـا، ومنهـا واحـد هـو البرزخ بينهما، يحتمل الإعراب واللـّحن، وإنـما اللـّحن فيه أحسن وأليق، وهـو المـواليـا,وإنما كان يحتمل الإعراب، وهـو من عدد هذه الفـنون الأربعـة الملحونة، لأنـّه أوّل ما اخترعـه الواسطيون، واقتطعــــوه من (بحرالبسيط) وجعلوه معهـا كالشعر البسيط،إلاّ أنـّه كل بيتين منهـا أربعـة أقفـال بقافية واحـدة، وتغـزّلوا بـه ومدحـوا وهـجوا، والجميع معرب، إلى أن وصل إلى البغــاددة، فلطـّـفوه ولحـّنوه، وسلكوا فيه غـاية لاتـدرك )11                    

ثم يضيف: (وإنما سمـّي بهـذا الإسم (المـواليـا) لأن الواسطيين لمـّا اخترعـوه، وكان سهل التناول لقصره، تعلـمه عبيدهم المتسلمون عمارة بسـاتينهـم، والفعـول والمعاصرة، والأبـّـارون يغـنون بـه في رؤوس النخيل، وعلى سقي الميـاه، ويقـولون في آخر كل صوت مع الترنيم يـامـواليـا، إشارة إلى سادتهـم، فغـلب هـذا الإسم وعـرف بـهِ )12                              

لقـد فتح لـنا صفي الدين الحلي نـوافـذ للولوج إلى بنيـة النص، من خـلال إشارتـه إلى أن  (المـواليا) تنظم على الفصيح والملحـون، وقـبول أسوغ للملـحون- الشعبي- وشيوع نظمـه بين سواد الناس البسطاء( الفـِعـلة والعـمال) في واسط، مع استخدامه في مجالات شتـّى، مع إشارة واضحة وهـامـة هي: أن هـؤلاء الناس كانـوا (يترنمون بـه)، أي يغـنـّـونـهُ، وتلك واحـدة من أهم الإشارات التي سوف تحـدو بالنـاظمين لأن يطـوّروا هـذا الشعرإلى ماهـو أقبل للغـناء عند مختلف الطبقات، وهـناك إشارة هـامة أيضاً، ذكرهـا( الحلي) كون الشكل لنظم الـمواليا ، قـد أخذ تحـديدا هـو: كل بيتين منهـا، أربـعة أقفـال ( أبيات) بقـافية واحـدة، وهـذه الالتفـاتـة هـامة جـدّاً، حيث أنهـا ستقود إلى تطور قادم في بنية النص الشعري للمـواليا،لأن تـُنـظم بشكل مختلف، تؤسـّس للمـوّال الربـاعي، انطلاقـاً من شكل نظم المـواليـا، وسوف نتعرض له في الصفحات القـادمـة من هـذا البحث .                                                                                 

ومن الـذين عـرّجـوا على ذكر المـواليـا،إبن خـلدون(732 -808 هـ / 1332-1406م) صاحب المقـدمة المشهورة والمعروفة بإسمـه، فقـد قال عن المـواليـا:(  للعـامة في بغـداد نظم يسـمـّونـه المـواليـا، من فـنـونـهِ الكان وكان والقـومـا)13 ويبدو أن – عالم الاجتماع إبن خـلدون، غير دقيق في توصيفـاتـه تلك عن المـواليـا، إذ أنـّه لم يفرّق بين فـنون الشعر الملحـونـة التي أشار إليهـا صفي الدين الحلي،في ( المعطـّل الحـالي)، أضف الى ذلك – كما يبدو لي- أنـّه لم يسـتقِِ معلوماته من العراقيين، بل من رواة الأخبار، لذلك بنى رأيـه على السماع .                     

من استعراضنا المـُقـدّم عن المـواليـا، ونشأتهـا وتطـورهـا وولادتهـا، كنوع من النظم الشعري في العراق،يتـّضح بأنـّهـا هي الأرضية الأساسيـّة التي مهـّـدت لبنـاء المـوّال العراقي، من حيث النشـأة والمولد، وشكل النظم، وكانت هي الركيزة الأولى للمـوّال الربـاعي، الذي أسـس بناءاتـه على مـاهـو موجود في نظم المـواليا، وبـذا نـرى أن المـواليـا، هي اللـّبنة الأولى التي شيـّدت صرح المـوّال الربـاعي، منذ أن أوجـدت هـذا الشكل من النظم ، تلك الجارية البرمكية في العصر العباسي ( قرن2هـ/8م ) وصولاً إلى (القرن 6هـ/12 م ) حيث تفـنـّن أهـل واسط في نظمـه وغـنائه، ومن ثم تطـوّرهِ إلى مديـاتـهِ في ( الرباعي والخماسي الأعرج والسداسي النعماني الأعرج ) وصولاً إلى النظم السباعي للمـوّال، والمعروف بالزهيري، حيث اكتمال البنيـة الشكلية واستقرار قـاعـدة النظـم على (البسـيط) والأبيـات السبـعة المجنـّـسة، ولـيس المقـفـّـاة .                                                                                                  

                                                                                          

أنـواع المـوّال العـراقـي: 

المــوّال الـربـاعي: وهـو أوّل نظـمٍ ولـّـد نفسـَـهُ من المـواليـا،متـّخذاً شكل نظمـهِ بأربعـة أبيـاتٍ على قـافية واحـدة،وملتزمـاً ( البحـر البسيط)، مع قبولـه النظم بالفصيح والعـامي، وقـد انتـبه إليه الباحث العراقي د.رضـا القريشي، لكنـّه لم يفصله عن المـواليا،، والتي يعتبرهـا من مخترعات النبطية ( النباطية) الذين سكنوا واسط، وتاريخ هـذا النظم، مقـدّم على الزجل والموشح لديـه14                                                                                 

والمـوّال الربـاعي،هـو المقصود بعبارة صفي الدين الحـلّي التي يقول فيهـا :( أنـّه أوّل من اخترعـه الواسطيون، واقتطعـوه من بحر البسيط ، وجعلوه معهـا كالشعر البسيط، إلاّ أنـّه كل بيتين منهـا بأربعـة أقفـال، بقـافية واحـدة) مستشهـداً على ذلك بالمـوّال التـالي له :15          

جـودك لَـمن حلّ منـّا والمسيفـر عــون1

فـأنتَ موسى وغيرك كالمسي فرعـــون2

وفي حِمــاك الورى يابا العشاير عـون3

فـي ظـلّ أكـنافـكم بالخصبِ هـم يرعون4

معــاني الكلمـات:

1 - المسيفر : الكثير السـفر، وعون: محرّفة عنّ، بمعنى اعترض...

2 - فرعـون: فرعون مصر المعروف...

3 - عــون : من الإعـانة ...

4 - عـون: مساعد ، معـين .                             

فيمـا يقابلـه في الصنعـة الفنيـّة المـوّال المصري التالي على نفس القـاعـدة في النظـم ، والذي يقول فيه صاحبه :                                                                                         

وحـق يـابـدر تقـريـبـك  وتـغــريـبي 1 

لا تتـبـع النفـس تغـري بك وتغري بي  2

خـلّـي المقــادير تجري بك وتجـري بي  3

وتنـظر الــناس تجريبــك وتجــريبي  4

معــاني الكلمـات:

1 - تغريبي : من الاغتراب أو الابتعـاد ..

2 - تغـري بي: تغريني، من الاغراء ...

3 - تجري بي: تحدث لي ، تصيربي ،..

4 - تجريبي : من تجاربي التي مرّت علي ،مع قياس تجاربك .       

لاحظ بدايات تشكل الجناس في كل بيتين، تطبيقـاً لقـاعـدة صفي الدين الحـلي المذكورة أعـلاه.  

  فيما ذكر القريشي ،بحديثـه السـابق أعـلاه نمـوذجـاً للمـوّال الربـاعي، عـزاه إلى إبن نقطـة    (عبد الغني بن شجاع البغـدادي – ت 583 هـ - يقـول فيه :16                                 

قـد خـابَ من شـبـّه الجـزعـة الى درّه 1

وقـاس قبحـهُ الى مستحـسـنة حـــرّه 2

أنـا مغـنـّي وأخـي زاهـــدٌ الى مــــرّه 3

بيــرين في الـدار ذي حـلوه وذي مـرّه 4

معــاني الكلمـات:

1 - الجزعـة: نوع من أنواع الحجر الكريم ...

2 - قبحـة: أصلهـا( قحبـة) وفق إحـالة الشيخ الكرباسي الى ( لغـة نـامـه) صـ22 من ديوان- الموال الزهيري- حتى تستقيم المقارنة بين المرأتين ،والبقية معروفـة ولا تحتاج إلى شرح في كل المعاني المذكورة.                           

ثمة ملاحظة اعترضتنا أثناء الدراسة والتحقيق، تبيـّن أن أغلب الباحثين عن جـذور المـوّال وأساسيـّـاته، لم يفـردوا فصلاً خاصـاً، عن ( المـوّال الربـاعي)، بل عـرّجوا على ذكره في سياق حديثهـم عن الموّال الزهيري!! وهـذا إخـلال منهجي يتوجـب إعـادة النظر فيه، لأن المـوّال الرباعي يشكـّل مرحلة متقدمـة وأساسية في شكل تطـوّر المـوّال العراقي ، إذ فيـه بـدأت تظهـر ملامح الجـناس في نهـاية الأبيـات في هذا النظم، الأمر الذي يحدو بنا للقـول، أن المـوّال المـربـّع، يشكـّل أساسا ثـانيا، من بعـد المـواليـا، في مسـألة نشـأة وتطور الموّال الزهيري .    

ففي أولى المحاولات للمـوّال في النظم على الجـناس ماقـاله الهـزّاني ( محسن بن عثمان الإعنزي- نسبة الى قبيلة إعـنزه- وهـو واحد من مبتـدعي الجناس ، ومن المشاهير الذين تنسب إليهم الأوزان السـامرية ، حيث أنـّهُ ولـّد الجناس من ( المروبع) على الشكل التالي:17     

كَــالن لي إكَــعد عـندنا كَـلت مـا عـاد  1

مآرضا مع سـمرِ العكاريش مـاعـــــاد 2

وآليــوم يـا صـُم المـراشيـف ما عــاد 3 

عـطشان ِما من عـذ الأنيـاب تِـسـكَـون  4

معــاني الكلمـات:

1 - مـاعـاد: مـا أقعـد ...

2 - مـاعـاد : ما رجـع...

3 - ماعـاد : أصلهـا مـا أعـِـدّ، من عدّ الشئ إذا أحصاه ....

4 - تسـكَـون : من السقـاية.                                                                 

ونقـل عـامر رشيد السـامرائي، من إحدى المخطوطات بمكتبـة الأوقاف ببغـداد ، تحت رقم/5643 /بعض نصوص من المـوال الرباعي والخماسي الأعرج والنعماني والزهيري، منهـا هذا المـوّال الربـاعي18.                                                                            

ألا قـم بـنــا أيهـا الساقي فـناجـيـنـا 1

وآشرب من القهوة الشقراء فناجـينــا 2 

نحن الذي إن دعـا داعي الفـنـاجينــا 3

وفي الحـُمـا إن تسل عـنـّا فنـاجيـنا 4

معــاني الكلمـات:

1 - فناجينا: من المناجاة، وهي رد الصوت بالصوت، وعـادة ما تكون في الشعر أو الغـناء

2 - فناجينا: الفناجين تلك الأقداح الصغيرة الخاصة بالقهـوة العربية، ومفردهـا فنجـان،..

3 - الفنـاجينا: مفردة من كلمتين، الفـنا، وتعني الموت، وجينا، وتعني حضرنا النزال لملاقاة الموت، وهي حالة من التحـدّي ...

4 - فناجينا: فنـازلنا في ساحة الوغى .                         

 يبدو أن سطوة المـوّال الرباعي وانتشاره من واسط إلى بغـداد ومنهـا إلى حـلب وبـلاد الشام، وصولاً إلى أرض مصر، قـد أغـرت الكثير من الشعراء والأدباء لأن يتعـاطوا بـهِ، فقـد عثر على نـوع من هـذا النظم ( الرباعي) في – ديـوان إبن الفـارض( 576 – 632 هـ  )من نوع هذا المـوّال، والبعض يسمـّيهـا ( مـواليـا)19.

قـلتُ لجـزّارٍ عشقـتو كــم تشـرّحنـــي 1

ذبحـتني قـالَ ذا شغــلي تـوبـّـخـــني 2

ومـا إليّ وبـاس رجـلي يـربـّخـــــني 3

يـريــد ذبحي فيـنفـخـني ليـسـلخنـي 4

معــاني الكلمـات:

1 - يشـرّح : يقطـّع اللّـحم الى قطع صغيرة ...2 - توبـّخني : تهـيننـي ...

3 - يربـّخني : يجعلني ضعيفـاً ...

4 - يسـلـخ: يـنزع الجلـد عن اللـّحم والعظم ، وتلك معروفة في عمـل القصـّابين .    

ومـمـّن عرف بنظم هذا الموال الرباعي وإنشاده إبن السويدي( إبراهيم بن محمد الأنصاري 600 - 690 هـ) حيث نقـل عـنه الأتـابكي في ( المنهـل الصافي)20 هذا الموال الربـاعي:

البـدرُ والسـعـدُ ذا شبهـك وذا نجـمـك

والقـَـدرُ واللـّـحظُ ذا رمحك وذا سهمك

والبغـضُ والحـبّ ذا قسمِـي وذا قسمك

والمسكُ والحسـنُ ذا خـالك وذا عـمـّـك

وقـ اعتبر الشيخ الكرباسي ، هـذا المـوّال من المـوّال المصري ، معتبراً أن ذلك من ( النـــايل) في المدرسة العراقية .                                                                                      

وقـد نظم الشاعر صفي الدين الحـلّـي ، مـوّالاً من الربـاعي، يقـول فيه:21                      

قـالــت وقـد طـاولت أمـري وبـان القـدر

وجه لها من الـدُجى يخجـلُ بنـورهِ البـدر

مـاريت مـلاّح مثلك حــاز هـــذا الفـخــر

تجـدِف بخـن السـفينة وأنت فوكَـ الصدر

نلاحظ في – المـوّال الربـاعي- كما في المثال أعـلاه، وجـود بعض المفـردات العـامية بدأت تـدخـل في بنية النص إلى جـانب مفردات الفصيح، مثال كلمة ( الخـن) والتي تعني مقدمة السفينـة، وكلمة ( فـوكَـ) أي في الأعـلى، وكلمة(ماريت) في بداية البيت الثالث، والتي تعني مـا رأيت، ومن هـنا سنلاحظ أن المفردات العـامية سوف تـأخذ حيـّزهـا الأكبر، كـلـّما تطور نظم المـوال، الأمر الذي يعكس قـوّة حضورنظم المـوّال على السـاحة الأدبية في العراق .            

وأنـشـدَ أبـو الثـناء الحـلبي (محمود بن نعمة بن أرسلان الكاتب – ت556 هـ )لبعضهم.22   

لـقيـتهـما قـلـتُ وَقــّـيني مــن الآفــات

بـاللـّه ارحمي صَبـّكِ المُضنى وإلاّ مات

قـالـت تـريــد بحـدّوثـة وخـرافــات

تنصـب علينا وتاخـذ سـادس الكـافـات*

نلاحظ ، في هـذا المثـال أيضاً، ازديـاد المفردات العـامية على هيكل النظم، بحيث أنـّهـا تكاد تكون الطاغية ،وهـو مايعزز رأينا بأن المـوّال بـدأ يفرض سطوتـه على الساحة الأدبية يشرح  الشيخ الكرباسي /صـ47 – الهامش رقم 4 / هذه المفـردة على أنـّهـا:( سادس الكافات، لعـله أراد بالكلمات الست ، الأعضاء السـتّة من الإنسـان التي تـبدأ بحرف الكاف، وهي: الكشح،الكوع،الكعب، الكتف،الكرش ، الكبد ،وأراد بالسـادس الكبد، لأنـه موضع الألم والحزن، ويستشـهـد ببيت شعري لبعضهم يقـول :                                                              

ولـي كبـد مقروحـة من يـبيعـني

بهـا كـبـداً ليسـت بـذات قـــروحِ

أبـاهـا عليّ النـاس أن يشترونهـا

ومـن يشتري ذا عـلّــة بصحيــحِ

 والملاحظ أن الشيخ الكرباسي، جانب الحقيقـة متعـمـّداً، بوصفـه رجل دين،إذ أن محمولات – المـوّال – أعلاه لاتتطـابق مع ما أورده من مثال، حيث أن الإشارة تقتضي الرجـوع إلى شعر إبن سكـّرة( أبو الحسن محمود بن عـبدالله بن محمد الهـاشمي) أحـد أبرز شعراء العصر العباسي، والمعروف بالظرف والمجون ، حيث أوجـد ( كافات الشتاء السبعـة ) بقـوله التالي، والذي استشهـد بـه – الحريري- في مقاماته، وتحـديداً في نهـاية المقـامة (25) والمعروفـة بإسم (الكـرجية) حيث أورد البيتين التاليين لإبن ســـكّرة.23                                        

جـاء الشتاءُ وعـندي من حـوائجــهِ

سـبعٌ إذا القطـر عن حاجاتـنا حبسـا

كِـنّ وكـانـون وكيس وكــأس طـِـلاًً

بعـد الكـباب وكِـسّ نـاعــم وكـسـا

والأمر هـنا ، لايخضع إلى البعـد الأخـلاقي، بمسـألة الإيضاح، بل الجانب المعرفي هـو الأساس، والجاحظ يقول في ( البيـان والتبيين).                                         

ونقـل الشيخ الكرباسي مـوّالاً ربـاعيـاً للشيخ حطيبـة( أحمـد بن عـبدالله الدمياطي) يقول فيه، وقد علمَ بحب امرأة كانت تهـواه، ومالت لغيره، وكان متيـّما بهـا، ممـّا زاد في (جـذبتـهِ) فقـال:24 

ســرّي فضحــتُ وأنــتِ ســرّك صـنــت

قصـدي رضـاكِ وأنتِ تطلـبي لي الـعـنت

ذلـّيت من بعـدِ عـِـزّي في الهـوى وهـنت

يـالـيت فــي الخـلـق لاكـنـّا ولا كـُـنــت

نلاحظ أن هـذه النمـاذج من المـوّال الربـاعي بدأت لغـة العـامـة تطغى عليهـا،بمعنى أن المـوّال الربـاعي أخذً ينحـت مفرداتـه من العـامية  شيئـاً فشيئا, كما نقـلَ ، أيضاً، الشيخ الكرباسي/صـ56 -57 /بعض نمـاذج المـوّال الربـاعي، من المهـم نقـلهـا هـنا، نظراً لأهميتهـا، كونـهـا تشكل نماذج مختـارة لبعض أشكال تطور المـوال الربـاعي ، والذي بدأت تظهـر فيه بعض الأبيـات المنظومـة على الجـناس،وليس على القـافية ، ممـّا يشكل خطوة متقـدمة في مسيرة المـوال التاريخية، فمن ذلك هذه الأمثلة، والتي جــاء بهـا الرباعي  (أعـرجاً) نتيجة تغيـّر قافية البيت الثالث فيه:                                                        

يـافجرِ يـاهجـرِ يـافـتـّان يـامعجـــب

يـامفـرّق الحُب من المحبوب يامُطــرب

عجَـب ليـالي الهَـنا تجي أوام وتـروح

وليلـة الأنـسِ تطلع شـمسهـا الـمغرب

 ويبدو أن مصطلح الأعرج في المـوّال، هـو ماتغيـّر في قافية أو جـناس البيت ماقبل الأخير في الموال، كما هـو واضح في المثال أعـلاه، أو ربما التـزم الجـناس إلاّ في الثالث، ليكون من الأعـرج الربـاعي، كما هـو عـند بعض المصريين على النحـو التـالي:                         

وكـلّ المجاريح طـابت بـس أنـا جـاعد

وطـبيب الجراح عندي بالسنـة جــاعـد

ولا بــــقــاش حـيلـــتي يـاطــبـيـب

غـير شــي بــس أنـــا جــاعـــــــد

ويلاحظ على هـذا المـوال، في البيتين الأخيرين كسر واضح في الـوزن، والكرباسي، يعتبر تلك النماذج الشعرية من المـوال من جنس النـايــــل، وعلى هـذا الغـرار، من النظم الرباعي للمـوال، مانظـمــه الفلسطيني إبـن العـفيـف (علي بن محمـد بن ابراهيـم الجعـفري النـابلسي الذي ولـد بفلسطين 752 – 813 هـ)وهـو من الأدباء والشعراء المعروفين، يقـــول في موالـه:

حمامـة الـدوح نـوحي وآظهـري مـا بك

عـددي وانـدبي مـن فـرقــة أحـبابـــك

لا تكـتمي واشـرحي لي بعـض أوصابك

أظـُـنّ مـانـابني في الحـبّ قـــد نـابك

ومن المـوّال السـوري – الربـاعي-  قــول العــلائـي ( علي بن محمد بن عبد الحمـيد الهيتي البغـدادي الدمشقي الصالحي (812 – 900 هـ) كان من فقهـاء العـراق، ثم رحـل الى دمشق، وتـولـّى القضاء فيهـا ، وبهـا تـوفـّى ، وقـد كان وصولـه إليهـا عام 837 هـ، وفق مدونـات الكرباسي في ديوان الزهيري /صـ 56 /يقــول العــلائي:                                         

حـبـّيت كـوسي يـنوّر بالمـلاحة دعـد 1

حِلوِ المحـيـّا فَـحَم قـلبي بفاحم جـعـد 2

خِـلتـو ووجهـو وفي بدر الحميـّا سعـد 3

قـَمري لعب بقضـيب البرق فوق السعد 4

معــاني الكلمـات:

1 - كـوسي: نـوع من الخيـل القصير القـوائم ..

2 - جعـد : أراد بـه الشعر المجـعـّـد، شديد السواد

 3 - الحُـميـّـا : الخـمرة ...

4 - قمري: نـوع من الطيور ،وقد يـؤوّل المصطلح على الكوكب(القمر)                                                                                             

ظـلّ  القـلق الشعري يسـاور الشاعر العراقي في مسألة النظم للمـوّال الربـاعي، حيث أنـّه- أي الشاعر- أراد أن يجـد صيغـة مستقــرّة بهـذا اللـّون الشعري، الذي يميل مـرّة نحو الفصيح وأخرى نحـو العامي،ومرّة يلتزم الجناس في بعض أبيـاتـه ،ومـرّة يلتـزم القـافية، وأحيـانـاً يصاحـبه ( العــرج) في أحـد أبيـاتـه،فـإن التـزم القـافية ، أطـلق عليـه النقـّـاد إسم (النـايل) كما يحبذهـا الشيخ الكرباسي25 اعـتمـاداً على من سبقـوه، لذلك غـدت مسـألة تـمـيـّـز شكل المـوّال أحـد الهـواجس الأساسية في تفكير ناظمي هـذا اللـّون من الشعراء، الذين أبـدعـوا وانسـحروا بهذا اللـّون من الشعر، لذلك راحت مسـألة ( التجـريب) تدخل على شكل النظم ، فـبدأت تظهـربعض الأبيـات المجنـّـسة في المـوّال الربـاعي أوّلاً، حيث مـال الشعراء إلى استخدام الجناس في كل بيتين، إذ بـدأنـا نلحظ أن البيتين الأولين من المـوال، صيغت بجناس واحد،والبيتين الأخيرين بجنــاس مختلف ، ولكن بقـافية واحـدة،لذلك ظهـر إبـن معـتـوق المـوسـوي ( شهـاب الدين بن أحمد – 1025 – 1087 هـ ) وهـو من أهـل الحـويزة ، ليلتـزم في النظم الجناس في كل بيتين، ليعـلـّم بتلك المحاولة على ظهـور تطور واضح في نظم المـوّال الربـاعي أوّلاً،ومن ثم يسري هـذا التطـوّر على بقية الألـوان الشعرية للمـوّال، يقــول إبن معـتوق ، في أحـّد مـوّالاتـه الر بـاعية :26                                                         

يامصدر البـيض محمـّره وسـمر الصُعد 1

ومـن بعـزمـه إلى سُـمك الثريـّا صعــد 2

 كُـلٌّ وعــدتـه بوعـد يـاسـلامة مـعــد 3

إلاّ أنا بعدهُ يـامورِد قــــناة المَـعَـــد 4

معــاني الكلمـات:

1 - الصّـعد : من الصعيد، صعيد مصر، كما يقول الكرباسي ...

2 - صعـد : إرتفـع ...

3 - معـد: مخففـة موعـود ...

4 - المعـد : من أعـدّ الشئ، إذا هيـأه.

ومـن هـنا نفهـم أن المـوّال الربـاعي هـو أقـدم أنـواع المـوالات العراقية ، إذ يعـود تاريخـهُ إلى القرن الثاني الهجري/ الثـامن الميـلادي، عقب تلك الحـادثة للبـرامـكة ، ومن ثم تطـوّر عـلى يـد أهـل واسط وغـيرهم .                                                                                   

                                                                                           

المــوّال الخـمـاسي - الأعــرج - وهـو الذي ينظـم على خمسـة أبيــات .                            

يـبدو أن شعراء العـراق، كان هـاجسهم الإبداعي في نظم الموال قد شغل كل عقولهـم، بحيث إنـنّـا- كباحثين- لم نشهد أو نعثرعلى صنف آخر من الشعر- بكافة أنـواعـه المعروفـة- قد شغلهم أكثر مِـمـّا شغلـهم الموال ،وأعـتقـد ، أن مطـواعية نظمـه، وبحره العروضي ( البسيط) إضافة إلى تقبلـه النظم في العـامي والفصيح، مع قـبول الناس لـه عند مخـتلف الطبقات، هـو الذي جعلهم / أقصد الشعراء/ يشتغـلون عليه تلك القـرون العـديدة – أكثر من 6 قـرون- فمنذ ولادتـه على يد تلك الجـاريـة المغنية ( جاريـة جعفر البرمكي) في القرن 2 هـ ، وصولاً إلى الفـترة المظلمـة / قـرن 8 و 9 و 10 هـ/ 14 و 15 و 16 م / والشعراء مـازالـوا يطورون بصـناعـة المـوّال ، شكلاً ومضمونـا ،دون أن يتحـرّشـوا ببحـره العـروضي – البسـيط - ، بعبارة أخرى، كان شكل النظم  للمـوال ، هـو الهـاجس الرئيسي عند الشعراء ليطوّروه إلى حـالة أرقـى . وقـد لاحظنـا في فصل – المـوّال الربـاعي – كيف انتقـل المـوّال من ( نظم المـواليـا) كنظمٍ رباعي، إلى المـوّال الربـاعي،وظهرت في شكله بـدايات التجنيـس، والعـزوف عن التقفـية ، حتى بـدأ ( شكل الجـناس) في نظم المـوّال يفرض رسـوخـه، شيئأ فشيئاً، وصولاً إلى القـرن العاشر الهجري / السادس عشر الميلادي، حتى بـدأت (قــاعـدة النـظم المجـنـّـس للمـوّال) في العراق، تسـتـقـر في أذهـان الشعراء، وفي المـُدوّنـات الأدبيـة، التي رصدت تلك التـبدلات، ومنـها  (المعطـّل الحـالي، والمرخّص الغـالي، في الأزجـال والمـوالي) للشـاعر صفي الـدين الحـلي، كما ظهـرت بعض الإشارات عـند السـيوطي في ( شـرح الموشـّح) وغيرها من مدونات تلك الفتـرة .                                                                        

ثـمـة إشارات عند الباحثين المعاصرين، مـمـّن اشتغـلوا على دراسة المـوّال العراقي،قـد تابعـوا – تـاريخـيـاً- مسـألة تطوّر نظـم المـوّال، فقـد أشـار الباحث الأستاذ عـبد الكريم العـلاف27 ، والشيخ علي الخـاقاني28، والشيخ محمد صادق الكرباسي29،وغيرهـم، إلى أن شعراء المـوّال في العـراق قـد نظمـوا بعد القرن العاشرالهجري/ 16 ميلادي،على سـائر الأنــواع، وتخطـوّا بـه الى أعـداد خيالية عند واضعي المـوّال، مع إشارة هـامة أوردهـا الخـاقـاني، ذكر فيهـا، بـأن (المـوّال النعـماني) المنظوم على سـتـّة أبيـات، قـد تفشـّى استعماله، حتى استمر طيلة القرون الثلاثة الأخيرة،12 و13 و14 هـ /18و 19و 20م،مشيراً إلى أنـواع منهـا  (الربـاعي والأعـرج والنعمـاني)30، ويـعـلـّق الشيخ الكربـاسي على ذلك بالقـول:(إلاّ أنـّه- يقصد الخـاقاني- لم يذكر أي تفصيل عن ذلك، ولا أسند كـلامـه بدليل، بل لم يشر إلى سبب تسمية الزهـيري بالنعمـاني) ويضيف:(ولعـلّ النسبة جاءت إلى رجـلٍ كان يسمـّى نعـمـانـاً، ابتكر هـذا اللـّـون من المـوّال )31.                                                                

مـا يهمـّنا في هـذا الاستشهـاد هـو،ذكر (الأعـرج) وهـو – المـوّال الخـماسي- حيث ملامـح ظهـوره بـدأت في القـرن 12 هـ / 18م.                                                              

ومسـوّغ تسميـته بـالأعــرج ،هـو أنـّه ينظم على خمسة أبيـات، تشترك الأبيـات الثلاث الأولى مع البيت الخـامس بجنـاسٍ واحـدٍ، وليس بقـافية واحـدة ، كما تـوهـّـم الشيخ الكربـاسي32، فيما يكون البيت الرابع غير متجانس مع بقية الأبيـات، في جناسه، وشبـّه بالإنسان الأعـرج الذي يختل توازنـه أثـناء السيـر، وقـد هـاجر هـذا اللـّون من الموال العـراقَ، واستقـرّ عند أهـل لبنان وسوريا وفلسطين ومصر33،  بعـد أن تطوّرنظم المـوّال في العراق، واستقـرّت قاعـدة نظمـه على الجناس السباعي،أو مايعرف بـ (الزهـيري)، حيث أخـذ بـهِ أهـل العراق وبلـدان الخليج العربي .                                                                                  

ومثـال – الخـماسي الأعـرج- قـول الشيخ عـنـّوز ( محمد بن عبيد بن راضي بن عـنـوّز- 1222 – 1288 هـ) وهـو واحد من أهـالي النجف في العـراق، يقـول34 :                 

مـالي أرى خـلـّتي عن جِـدمهـك كَـِطــع 1

يـدري هـوايه غـوى حَـبل المودة كَـطع 2

ما كان يخطـر ولا كَـلبي يظـن وآكَـطـع 3

إنّ الهـوى يـاخـلكَـ لهـل الهوى والرحم 4

يـاريت ذاك الكَــطـع حبل المـودّة كَطع 5

معــاني الكلمـات:

1 - كَـطع : قطعة من الشئ، وهنا الإشارة الى (الخـرقـة) أراد الشاعر من الإيحاء الى أن هـناك عائق يمنع قدم الحبيب من الوصول ...

2 - كّـطع: من القطع، أي قطع التـواصل ...

3 - كَـطع: من القطع بالشئ، أي قطع الأمل...

 4 - الخـلكـَ : الناس، والرحِم: أراد بها أهل الرحمـة...

5 -كَـطع: أي بـتّ في الأمر وقطعـه .. ونلاحظ البيت 4 ، اختلف في جناسه، في الكلمة الأخيرة من البيت، وهـذا هــو  (العــــرج ) .                                                                                

وقـد تعشـّق أهـل مصرهذا اللـّون من النظم في المـوّال، وأولـعـوا فيه، وتفـنـّنوا بنظم قافيتـه وجناسـه، إذ عـمـدوا إلى تجـاوز مسـألة الجناس في نظمـه،ومـالوا إلى التقفـية في أكثر من حرف ومن ذلك قولهـم في المـوّال المشـهـور، الذي غناه المطرب الراحل محمد عبد الوهـاب،وغيره من الفـنـّانين المصريين، والذي يقول35 :                                                            

في البحـرِ لم فـُتـّـكم في البـرِّ فـتـّوني 1

بـالتبـرِ لم بعــتـكم بالتبـنِ بـعـتـوني 2

أنـا كنتُ وردة في البسـتان قطـفتـونـي 3

وكــنتُ شـمـعـة جـَوّ البيـت طفيتوني  4

لو عـدتو دي المرّة هاتوا المرة وآسقوني5

معــاني الكلمـات:

 1 - لم فتـّكم: قصد بهـا، لم أنساكم أو أتخلـّى عنكم..و فــتّــوني : نسيتموني وتركتـموني

 2 - التـبر: هـو الذهــب ..

3 و 4 - معروفة المعنى ،..

5 - المـُـرّ: قصد بـه الحنضــل .

 أو قول الآخر، من الخماسي الأعرج، المصري36:

مـا حـَـدِّ زيـيّ عـلى خلـّه آنضنى حاله 1

وآلحـُب الآخـر على ربـنا تـرِك حــالـه 2

يـآهـل المودة انـظروا اللّي آنمحى حاله 3

أنا عـملتِ إيـه أتـجـازَى بـدا كـُـــــله 4

اللـه يجازي قـليل الأصـل بـَـآفعــالـه 5

معــاني الكلمـات:

1 - زيـّي : مثــلي ، أنضنى، أصابـه ضنى الحـب، وهـوألم الفراق...

2 - الحب الآخر: الوجـد الكامن في الروح ...

3 - إنمـحى : تـلاشى ، وهـنا قصد بهـا الشاعر النحـول العـام الذي أصابـه

4 - أي ذنبٍ ارتكبت حتى أجـازى بمثل هـذا الصـد والهـجر ...

5 - دعـوة من الشاعر ضد قليل الأصل، الذي عمل هـذا العمل وأدّى الى الفـراق.                                                     

لاحـظ البيت الـرابع كيف بـان فيه ( العَـرج) بآخر كلمة ، إذ أنهـا خالفت جـناس بقية الأبيـات في المــــوّال .                                                                                                

 ونقـل الأستاذ عـامررشيد السـامرائي ،مـوّالاً خماسي النظم- أعـرج- من مخطـوطـة بمكتـبة الأوقـاف العـامة ببغــداد، تحت رقم  84- ولم ينسب المـوّال إلى قــائله، يقـــــول37:      

روحي تـروم الهـوى وآتـبع مـرامـيهـا 1

لاجــن خـاف الـولـف وخـطى مراميهـا 2

جــم روح لآجــلك تـرد بيـحــارميهـا 3

وتـروم منـكَ الهـَنـا عـَـذّبتـها والمـثـل 4

شـبـه الذي صـار حـاميها حـرامـيهــا 5

معــاني الكلمـات:

1 - مـراميهـا : غـايـاتهـا...

2 - مـراميهـا : أبعــادهـا ...

3 - بيحارميهـا : قصد بهـا بحار الماء التي يرد لهـا من أجـله ...

4 - المَثـَـل : هـو الحكمـة السارية التي ينتـفع بهـا الـناس، وقد أراد الشاعر، تضمين المثل الشعبي المعروف ( حـاميهـا حـراميهـا) وهـو ما يتـوّضح في البيت الخامس من المـوّال . ويلاحظ أن البيت الـرابع، هـو ( الأعـرج) لأنـه اختلف بجناسه عن بقية الأبيات .   

    من خـلال عرضنا لتـاريخ ونشـأة المـوّال( الخمـاسي الأعـرج)نتبين أن أغـلب الباحثين العـراقيين لم يعـطوه حـقــّه من البحث والتـدقيق والدراسة الجـادة، ولم يجـرِ التوقف معـه ملـيـّاً، وكان يفترض بمـن كـتبوا عـنه في السـابق أن يفردوا لـه البحـوث، وأن يحقـّـقـوا المخطوطات، التي كانت في متناول أيـديهـم، لاسيما تلك التي كانت بمكتـبة الأوقـاف العـراقية ببغـداد، والتي أحـرقت بشكلٍ متعـمـّدٍ، إبـّـان الغـزو الأمريكي على العـراق عام 2003 م ، الأمر الذي أفـقـدَ البـاحثين المعاصرين الكثير من هـذه المخطوطات والـوثـائق، والتي يمكن الرجـوع إليهـا للبحث والتقصـّي حـول أصول المـوّال العـراقي، في مختـلف مـراحـلـهِ .                                 

ومِـمـّا يـؤسف لـه أيضاً، أن المشتغـلين في بحوث المـوّال العـراقي، اقتصرت جهـودهـم في البحث على المـوّال الزهـيري، ذي السبعـة أبيـات فقط ، ونحن بـدورنا سنـحـاول تـقـفـّي الأثـر،علـّنا نصيب بعض تلك الأنـواع المفقـودة من المـوّال العـراقي . 

إنّ المـوّال الخـمـاسي – الأعـرج ،هـو المرحـلة الثـالثة من تطـوّرالمـوّال العراقي، إذ أنـّه اعتمـدِ في مسـألة نظم جـناسـاتـه على المـوّال الربـاعي، ذي الشطرتين من الجـناس، لذلك عـمـدَ   شعراء- المـوّال الخماسي- إلى إضافـة( بيت خـامس) على المـوّال الربـاعي ، يكون مختلفا من ناحية الجناس، لـكـنـّه يلتزم الوزن ( البسيـط) ويـُتـم المعنى العـام للمـوّال، مع تـبـدّلٍ واضحٍ حصل في مسـألة النظم، حيث أصبح هـذا اللـّون من النظم يعتمـد على أربــع جـنـاسـات متشابهـة في الأبيـات 1 و 2 و  3 و 5 ، ومختلف الجناس في الرابع، وبهـذا الشكل يكون قـد مهـّـدَ الأرضية للانتقـال إلى نـظـم ٍ آخـر من المـوّال ، يسـمّى ( النعـماني – الأعـرج) ذا السـتـّة أبيـات،والذي يعتمـدُ أيضاً، جناسات خمسة متشابهة وسادس مختلف ، وهو ماسنبيـّنه لاحقا .                                                                  

المـــوّال النــعــمـاني – الأعـــرج : وهـو الذي ينـظـم على سـتّـة أبيــات .                      

  ثـمـة ملاحظة هـامـّة تستوجب الإشارة إليهـا منذ البدء، ألا وهي ،(تسـميـة الأعـــرج) ذلك النعت المشترك بين المـوّال الخماسي الأعرج ، وبين النعمـاني الأعـرج، ذي السـتـّة أبيات، وهذا يعني أن نـقـّـاد المـوّال ونـاظميه أطلقوا صفة الأعـرج على كل مـوّال شـذّ أحـد أبيـاته – قبل الأخير- من تطابق شكل جناسه مع جناسات الأبيـات الأخرى، ومن هـنا جاءت كلمة ( الأعـرج) وهـو يحدث في المـوّال الرباعي والخماسي والسداسي- النعماني، ولا يحدث أبــــداً في المـــوّال الزهيري ،الذي ينظم على سبعة أبيـات ،وتلك قـاعـدة في نظم المـوّالات العراقية .              

* أشرنا سابقا  أن المـوال الرباعي والخماسي والسداسي أو النعماني، قـد تـفـشـّى استخدامـه منذ القرن 12 هـ/18 م، إذ بـدأ النـاظمون الاشتغـال على هـذا النـوع من المـوّال كـتجـريب أوّلي، يـدفع بالناظمين إلى ابتـداع مـاهـو أجمل وأكـمل في الصياغـات الشعرية، مع ملاحظـة أن مسـألة الجـناس في نظم المـوّال بـدأت تتـفـاعل بشـكل حـاد في عقـول وأخيلة الشعراء، بمعنى آخر، أن الجنـاس في نظم المـوال، بـدأ يتصـدّر عـند الناظمين في شكل المـوّال، أي أن التركيز العقـلي عند الشعراء بـدأ يجـذّر هذه النقطة في النظم .                  

*لم يعرف الشخص أو الشـاعر الذي آبتـدع هذا اللـّون من المـوال ( النعماني- الأعـرج)، ولم يشرالمـؤرخون للمـوّال إلى ذلك، وقـد رجـّح الكـرباسي ، نسبة ذلك النظم إلى رجـلٍ كان يسـمـّى ( نعـمانـاً)38 دون أن يقطع بالمسـألة ،فيما يحيل القيسـي ( مجيد لطيف البـناء- 1346- 1406 هـ) إلى أن تسـمية النعـماني وردت في مجلة الاعتدال، إذ جاء ذكر النعماني في رسالة كانت لدى يعقـوب سركيس، تاريخها يعـود الى ( 1235 هـ/ 1820 م ) يذكر فيها مرسلهـا المـوّال،ويجعـل أكثرهـا من النعماني، الذي اشتهـر عـند البغـاددة بالمـوّال الزهـيري) 39  ,وهـنا نلاحظ عـدم الدقــّة في التفـريق بين النعماني، ذي السـتـّة أبيات، وبين المـوّال الزهيري، ذي السبعة أبيـات، وهذا الإشكال وقـع بـهِ السـامرّائي أيضـاً في (مـوّالات بغـــداديـة) 40 

وبالعـودة إلى الشيخ عـلي الخـاقاني صاحب موسوعـة (فـنـون الأدب الشعبي) نلاحظ أنـّهُ استخدم مصطلح( النعـماني) بـدل الزهـيري، دون أن يبـيـّن السـبب ، كما يقـول الكربـاسي،والذي يعـلـّق على ذلك بالقـول : ( وتبعـه في ذلك عـدد من المـؤلفين) ويضيف :( وعلى كـلّ، فالزهيري والنعـماني إسمـان لـنـوعٍ واحـدٍ ).41                                     

وأنـا أختلف مع الجـميع في ذلك ،للأسباب التـاليـة :                                                 

1 - إنّ المـوّال النعـماني، ينظـم بسـتـّة أبيـات، بينما الزهيري ينظم بسـبعـة أبيـــات .           

2 - إن النـعـماني، يشـذّ فيه البيت الخامس عن قـاعـدة الجـناس التي بنيت عليهـا بقية الأبيـات، بينما ينظم الزهـيري في بـندين، كل بـند منـهُ في ثلاث جناسات، تختلف عن الأخرى في كل بـند، بينما يكون البيت السـابع يعود بجناسه على الأبيات الثلاث الأولى في البند الأول، وهـو مايعرف بالقـفـلة أو الربـاط  .                                                                                      

3 - ليس اعـتباطـاً أن يسـمـّى النعمـاني بـالأعرج، نظراً لكون البيت الخامس في نظمـه يأتي بجناسٍ مختـلفٍ، بينمـا لم نسمع أن نقـرأ أن المـوّال الزهـيري أطلق عليه كنية الأعـرج، حيث أن نظمـه كامل وبرفض العـَـرجَ على الإطـلاق .

4 - صحيح أن كـِلا النـوعين نظمـا على ( البسيط) لكن الشكل يختلف في الصياغـة الشعرية . 

5 - النعـماني،مرحلة متقدمة جـدّاً، استوعبت وهـضمت كل التجارب النظمـية للربـاعي والخمـاسي، وكان الرافـعـة الأقـوى في ولادة المـوّال الزهـيري، ذي السبعـة أبيات .

6 - المـوّال الزهـيري ، هـو نظم متكامل في شكلـهِ المجـنـّس، استـقـرّ النظم عليه وفق قـاعـدة (البـندين، والجناس الـتـام، والقفـلة).

7 - يفـترض أن تكـون هـناك دراسـات معـمـّقـة في المـوّال النعـماني- الأعـرج ، لفصلـهِ بالكامـل عن بقية نظم أشـكال المـوّال، بـوصفـه مرحلة متقـدمة من التجريب ،كانت سـبـباً في استقرار نظم المـوّال الزهيري ، على مـاهـو شائع الآن في العـراق .                                       

*من الملاحظ على كل الدارسين والمؤرخين للمـوّال النعـماني الأعـرج،قـلـّة الاستشهـادات بالأمثلة العراقـية لهـذا النظم ، فـالسامرّائي، على سبيل المثـال، كل استشهـاداتـهِ للمـوّال النعماني في ( مـوّالات بغـدادية 34 ) كانت جميعهـا من المـوال الزهـيري،بينما كانت أغلب استشـهـادات الشيخ الكربـاسي بالمـوّال المصري، وعلى سبيل المثـال ، ماذكره في كـتابـه الهـام ( ديوان المـوّال الزهيري) كنماذج ، كلـّهـا من المـوال المصري.42،والتي يطلق عليهـا تسمية ( النـــايل) ومنـها المـوال التالي:

طول ما معاك مال تلاقي الناس تحت ايـدك

يرّحبو بك قوي ما دام الجـنيه في إيــدك

لو خَف مالك حبيبك حمامة وطار من إيدك

وقـبلِ ما تماشي الدون حرّص عـلى إيـدك 

إو لا يـنـفعك في الزمان دَ إلاّ شــقـا إيدك

مـالـك زمـال النجوم مـادام القمر في إيدك

أو هـذا المـوّال المصري أيضاً،ولم يذكر الكرباسي أسماء ناظمي هـذهِ المـوالات المصرية.

يـادنيــة الشــومِ يكـفـيكي هـَزل بـزياده

دَ لّي وَد عـال كانت عليـه العيــن بـزياده

وآن خـس مـالي حِدايا آحـبـــاب بـزياده

نزلت سـوق الدلالةِ بشتري صبـرِ بـزياده

بـطـّلت كل الملاهي وسـمعت كلام نــاهي

ورضـيت بحكـمـَك عليّـه يــارب بـزياده

                                                   

المـــــــوّال الـزهـــيري : وهـو الذي ينـظم على سـبـعـــة أبيــات .                               

*تـسـمية الـزهـيري : من خـلال استعراضنا لكل مسمـّيات المـوّال العراقي، كانت النعـوت والمسمـّيات، لكل نـوع، تـأخذ حـيـّزهـا من البحث وتفرض نفـسهـا كإشكالية تـستوجب التـوقـّف معهـا ودراستـهـا . وتـسمية المـوّال الـزهـيري،هي الأخرى الأكثرتـعـقيداً من كافة المسمـّيات، لذلك نقـرأ آراء الكثير من البـاحثين في تـسـمية (الـزُهـيري)، وسنحـاول هـنا، المـرور على هـذه الآراء، ومواقف أصحابهـا، والتي عرضهـا بشكل جـيـّد الشيخ الكرباسي بكتـابـه الهـام ( ديــوان المـوّال الزهـيري43)، معـتمـدين عليه أكثر من سـواه، نظراً للمعـرفية العاليـة، والمنهـجية الدقيقة التي بـنى عليهـا بحـثـه، مع الرجـوع إلى بعض مراجعـه وإحـالاتـه، بغيـة التـدقيق والتـأكـّد من صدق المعـلومـة ومنـقـولاتـهـا، ليس إلاّ .

*ينقـل الكرباسي، رأيــاً لعـبدالله بن الفـرج السـعيد ( 1252 – 1319 هـ) ، وهـو من أصل كـويتي، يقـول: ( إنّ المـوّال الذي يسمـّى الزهـيري،من مـولـدات الجـناس، والذي هـو من الشعر النـبطي، ينظم من سبعـة أشطر.... وأوّل من وَلـّـده من الجـناس شخص إسـمـه زهـير أو إبن زهـير أو الزهيري، من أهـل العـراق)44.

*وهـنا نلاحظ أنّ هـذا الـرأي، مبـنيّ على السـماع، من دون التقصـّي والبحث، ومتـابعـة المسـارات التـاريخية لنشـأة وتطـور المـوّال في العـراق،وبـذا لايـعـتدّ بـهِ، من الناحية المنهجيـّة في البحث الرصين .

* فيمـا يذكر الشيخ عـلي الخـاقاني: ( أن أهـل بغـداد ومـدن شمـالي العـراق، اصطـلحـوا في تسمية المـوّال بـالزهـيري، نسبة إلى رجـلٍ اشتهـربحسنِ نظـمـهِ وغـنائـهِ لـهُ، يسـمّـى مـلاّ جـادر الزهـيري، وإن أوّل من نطـق بـهِ أهــل واسـط)45.

* وهـذا الاجتهـاد، معروف عـند أغلب النـاس/ غـير الأكـاديميـّـين/، بمعنى أن الشيخ الخـاقاني، لم يـدقـّق في التسمـية ، ونقـل مـاهـو شـائع، دون الرجـوع إلى الوثـائق والمـدوّنـات، لكـنـّه أصاب في ما ذهب إليه من أن المـوّال الزهيري، نطـق بـهِ أهـل واسط  .                         

* فيمـا يـذكر ربيـع سليم الشـمري:( يقـال أن هـذا الفـن سـمّي بالزهـيري، لأنـّهُ أزهـرالشعر، أي جـودهُ، والزهـرهـو اللـّفـظة العاميـّة عـند الفـلاحين، التي تحـل مكان الجـناس، وذلك لأنـّهـم يقـفـون عـند اللفـّظة ويـزهـّـِرونـهـا، أي ينبـتونـهـا بالتسـاؤل والتفسـير،كما ينبـتـون الزهـرة، فـإذا فـرّعت المعـنى عرفـوا نـوعـهـا)46.

* وهـذا الرأي ، بـناه الشمري على أقـوال الفـلاحين، ولم يستنتـجـهُ على أساس بحث منهـجي ، لذا لاقيـمة لـه على الصعيد الأكاديمي.                                                                

* وقـال عـبدالله بن عـبد العـزيزالدويـش،وهـو يعـلـّق على نـسبة المـوال الزهـيري إلى مـلا جـادر الزهـيري،( أن هـذا القـول ينقصـهُ ما تقـصـّيتـهُ شخصيـاً، من رجـال طـاعنين في السـن، مِـمـّن نظـموا أو حـفظـوا الكثير من المـواويل،، ومِـمـّن سمعـوا عن أسلافـهـم الأقـدمين، إذ أجمعـوا على القـول بأن هـناك من اشتهـر بقـول الزهيري، قبل المرحوم المـلاّ جـادر، مثل المرحـوم علي بـاشـا يحيى الزهير،المتـوفـّى عـام 1246 هـ ، والمرحـوم عـبد الرزاق الزهـير، المتـوفـّى عـام 1252 هـ ، والذي يقول في أحـد مـواويله:47.                              

إلـغادره مـا تــخـلـيـّــنـي بـرايـاتـي1

أصـبحـت آنا آنشر على المخلوق راياتي 2

أصـحـابــنا خـانـوا بعـهـدي وراياتي 3

أمـرٌ من الله وهذا يومـنـا المــــاعــود 4

أمـسيت آخط بقلم وآصبحت آخط بعود 5

إن  أقـبلت لآطفـي آلملبـَس بسنّ العـود 6

وإن أدبرت  ضيـّعت رشـدي ورايــاتي 7

معــاني الكلمـات:

1 - بـراياتي : محرّفـة  من كلمة بـآرائي، والغـادرة : قصد بهـا الدنـيا ...

2 - رايـاتي : الـرايـة أو العلم ، وقصد بهـا أخباري وعـلومي ...

 3 -  عهـدي، العهـود التي قطعهـا الأصحاب، ورايـاتي، قصد بهـا ( شـدّ الرايـة) وهـو عرف سار عليه الناس عند توثيق الحلف ، فيقـال ( شـد رايـة العباس) والمقصود بـه العباس بن علي بن أبي طالب، الذي استشـهد مع أخيه الحسين في واقعــة الطف بكربلاء عـام 61 هـ ،

 4 - المـاعـود، أصلهـا الموعـد ، أو القـَـدر الموعـود ...

5 - بعـــود : ريشـة الكـابة أو القصبة التي يكتب بهـا..

6 - بسـن العـود : بطرف العـود ،الذي يحتطب بـهِ ...

7 - رشدي وراياتي : أراد بهـا، العقـل والتـدبـّر.

*وهـذا الرأي  أيضـاً، بنـي على السمـاع ولم يخضع إلى الدراسـة المنهـجية، حيث إن الإشارة إلى ( السماع من رجـال طاعنين في السـن) بينمـا يتوجـّـب في البحث الدقــّة المنهـجية ، وعدم الجزم في الأمر، وبـذا يكون، مجـرد قـول، ليـس إلاً .                                            

*ويـرى البعـض، أن المـوّال الزهـيري ، سـمّـي بذلك لأنـه  مـوّال يغـنـّى، وتصاحـبه الموسيقى والعـزف على آلـة المـزهـر، تلك الآلـه الشائـعـة الاستعـمال منـذ القـــدم48.                

*وهـذا الرأي لايفـرّق بين ( نـظم المـوّال) شـعريـّاً، وأداء المـوّال ، غـناءً ,في الوقت الذي كان الأول- نظمـاً – والتسمية بالغـناء المـوال، جـاءت لاحقـاً، وبـذا هـذا الرأي لم يـأتِ بشـئ جـديد

* فيما يـرى المـؤرخ الأستاذ عـباس العـزّاوي ( 1307 – 1391 هـ ) أن للمـوّال الزهيري، لونين من شعرالريف49 ، لكنـّه يسـتدرك – فيما بعـد- ويعتبرهـما إسمين لـفـنّ واحـدٍ50

*  لم يستطع العـزاوي أن يطلقَ رأيـاً صحيحـاً، لأنـّه مؤرّخ أكثر من كـونـهِ نـاقـداً أدبيـّاً، ويظهـر أيضـاً، أنـّـهُ سمع شعرالريف وغناءه دون تشريح النصوص- منهجيـّاً- واعتمد على السماع أيضـاً.                                                                                                  

* أمـّا الشيخ الكربـاسي، وهـو أجـلّ باحثٍ ناقش المـوّال ودرسـه بشكل منهجـي، فـإنـّهُ يقـول: (وبمـا قـدّمنا، يتبيـّن بـُعـد قـول من اعتبر النسـبة إلى الزهيري إنما جاء من المعنى اللـّغـوي، أو على ماقيل بأن العـامـة تقـول للأزهـر زهـرا، فـالنسبة تكون زهـريا، كما يظهـر عـدم الوثوق بالقول الذي يرى أنـّهُ منسوب إلى المزهـر – آلـة الطرب- لأن النسـبة حينئذ تكون مـزهـريا، ونستبـعـد أن يكون منسوبـاً إلى قريـة من ضواحي بغـداد يقال لهـا الزهيريـة )51.          

* الكرباسي، لم يقـطع بـرأي ، في هـذه المسـألة، بـل اكتفـى بتلك التعليقـات التي أوردنـاهـا.  

* أمـّـا أنـــا فـــأرى : أن المـوّال الزهـيري، هـو التطـوّر الحاصل على بنيـة كل أشكال المـوّال، بـدأ من المـواليـا، والمـربـّع والخماسي الأعـرج، والنعـماني الأعـرج،وقـد اكتسب صفة الكمال في بناءآتـهِ الشعرية، وبعـد أن اعـتمد على الجناس، في بـندين مختلفين مع القفـلة، فـأراد التمـيـّز عن باقي أجناس المـوال، فـأُطلق عليه الزهـيري، وحـتماً هـناك من أوجـدَ هـذا الشكل ( السباعي المجنـّـس) ولكن الأبحاث الأكاديمية، ربما قصـّرت في العـثورعلى مبتدع هـذا اللـّون، وهـذه المسـألة سوف تبقى مفـتوحـةً، لحين العثـورفي بطون المخطوطات على مبتدع هـذا اللـّون المسمّى بـــ ( المــوّال الزهــيري ).                                                                 

 

ابــتداع صيـغـة المـوّال الـزهـُـيري :  

إن القـلق النـاشئ في عقـل الشاعر العـراقي، بعـد أن وصل بـه المطاف إلى التعـامل الجيـّد في النظـم، في مختلف أشكال نظم المـوّال- الرباعي والخماسي والسـداسي أو النعماني،والذي كان يفرض بنظـمهِ أن تكـون ( الجـناسات) المستخـدمـة في النظم، خمس جناسات، تتـّـحد بالشكل وتختلف في المعنـى، فيما يكون البيت الخامس – في النعماني- من جناس آخر، الأمرالذي قــد يصعب على الشاعر توليد المعـاني، من تلك الجناسات الخمسة، وبغيـة تجاوز مسـألة (العـَـرج) في النظم، كمحـمول ثقـافي – اجتماعي،كما أعـتقـد،أن حـالة القـلق الإبـداعية، بعـد طـول التجارب المتعـددة في أشكال النظم للمـوّال، هي التي أوحــت إلى المـبـدع/ الشـاعر، لأن يحافظ على قـوّة معـاني الجـناس في المـوّال، وعـدم تكرارالمعنى بين بيت وبيت، لذلك أوجـد – كـمبـدأ تجـريبي- هـذا الشكل من المـوّال الزهـيري، ببـندين إثنين، كل واحـدٍ منهـا فيه ثـلاث جناسات، وقفـلة أو ربـّـاط، تتبـع الجناسات الثلاث الأولى في البنـد الأول، وتـتـم معنى الجناسات في البند الثاني، فيكون هـناك مـوّال من سبعـة أبيـات، مع الحفـاظ على الوزن العروضي ( البـسيط) في نظم هـذا الشكل من المـوّال، وبهـذه الطريقـة انـــوَلـَـدَ المـــوّال الزهــيري  .                  

*وقـد تمـيـّزت المدرسة العراقية بنظم المـوّال الزهيري، على قـــاعـدة البـناء السباعي- أي بسـبعـة أبيـات، كل ثلاثة منهـا تصاغ بجـناسٍ متـّحـد،يطلق عليهــا ( بــنـد) وأمـّا البيت السـابع فيكون جنـاسـهُ على قاعدة الأبيات الثـلاث الأولى،ويسـمـّى الربـاط أو القفـلـة، ويكون بمعـنىً مختلـف، رغم اتـفـاقـهِ في شكل الجـناس، والبـنـد ، هـو بمثـابة البيت الواحـد في قصيدة القريض، إذن فـالمـوّال الزهيري، يكون من سبعة أشطر، في بـندين، ويضاف إليـه بنـداً آخـرَ بثلاث أبيـات، متـّحـدة الجنـاس،وبيت عـاشر، يكون قفـلة ، تتـّحد بجناسهـا مع الأبيات الثلاث الأولى ، فيسـمّى ( عشيري) فـإذا أضيف إليهـا بـنود إضافيـة سمّـي ( مشـط).                                                                              

 

وزن المّال وقاعدته العـَروضية في النظـم:

كـنـّا قـد أشرنا إلى أن المـوّال ، منذ نشـأتـهِ وبـداياتـهِ مـن (المـواليـا) ووصـولاً الى الزهـيري، كان ينظم على ( البحـر البـسيـط) وسيبقى كـذلك  .         

وعـروض البـسيط هي ( مسـتـفـعـلن فـاعـلن.. مستـفـعـلن فـاعـلن ) وتـقـطـّع تلك الصيغـة من البسـيط على النحـو التـالي :                                                                             

" /././/. , /.//. ، /././/. , /.//.  "   وكل شطر من أشطره الثـلاث يحتوي على أربع تفعيلات، وهـو، كما يقـول الشيخ الكربـاسي، من المسـمـّطات المـسـتحـدثـة52 ,ويضيـف: والمـوّال كغيرهِ يـدخل على عـروضهِ وضربـهِ بعض العـِـلل، فيغـيـّرهـا إلى تـفـعـيلة أخـرى، ومن تلك العـِـلل- القـطـع- وهـو حـذف سـاكـن الوتــد المجمـوع، وإسكان مـا قـبلهِ فيصـبح  (فـاعـلن)( /.//.) فـاعـل ( /./.) حيث حـذف السـاكن من الوتـد المجـموع ( //.) عـلـن، فـأصـبح ( //) عِـلُ ، وأ ُسـكن ماقبل المحـذوف، فـأصبح ( /.) عـِـل )53.                             

والمقصـود بـالـوتـــد المجـموع: هـو حـركتـان وسكـون ، مثـل ( نـَـغـَـم)(//.)، وهـناك تفصيلات كثيرة في مثل هـذه الإشكالات العـَـروضية ، تصـدّى لهـا الشيخ الكربـاسي بمنهـجية عـالية، ورؤيـة معرفية متميـّزة ، فمن أراد الاستـِـزادة فليـراجعـهـا هــــناك54.              

* ومن أمثـلة ذلك النظم ( الزهـيري) ماينسب إلى الحـاج زايـر الـدويج، وهـو واحـد من أعـلام نظم الزهـيري في العــــراق :                                                                         

يــاصــاح دمعـي دفـكَـ مـافـاد ويــّاكـم 1

كـلما تصيحـون كَـلبي ايصح ويــاكـــم 2

أنـهاكم اليــوم عـن فـركّـاي ويـــّاكـــم 3

مـن حيث جـسمي يخل لفراكَـُكم وآنضـر 4

من يوم حادي الضعن حَث الركب وآنضـر5

خالفـت راحات آديـّه عَلـى الحشه وآنضر 6

وشـما تميـلـون روحـي تمـيل ويـّـــاكم 7

معــاني الكلمـات:

1 - ياصاح : ياصاحبي...دُفـكَـ : تـدفـّق ...مافاد ويـّكم: لم ينفـع بكم ...

2 - ويـّـاكم : معكم ...

3 -  فركَـاي : فـراقي ، ويـّـاكم : مخفـفـّة وإيـّـاكم ، تحذير من الفراق ...

4 - آنضر: أصاب بأذى وأتضرر...

5 - وآنضر: نظر بـاتجـاهـات المسير للقـافـلة لبدء السير ...

6 -  إيـديـّه : الأيادي ، الحشـه : الأحشاء من الجسم ، وآنضر: من النظر والمشـاهـدة ،..

7 - ويـّـاكم : على هـواكم  .  

ومن المـوّال (الزهـيري) السـوري، ويسـمـّونـه في بعض نـواحي حـلب ودير الزور والحسكة والرقـّـة وأريحـا ( الشـروكَـي) قـول بعضـهـم55.                                                     

سـودة عـيـونـك رمـت أهـل المحبـّة عام 1

وآهويت شخصك أصيل الأب خال وعـــام 2

وِن غـبت عن ناظري ساعـة تعـادل عـام 3

يـامـن معـانيك تحـلالي آبـزمان آو عـصر 4

وجهك ضـوى كالبدروالشمس ظهر وعصر 5

إلورد في وجـنـتك شهـد المباسم عــصـر 6

روحـي وروحــك مـاتـوا العــواذل عـام 7

معــاني الكلمـات:

1 - عـام : قصد بهـا التعميم،...

2 - عـام : يقصد العـَـم، أخو الأب،...

3 - عـام : سـنة،..

4 - العصر: الزمان المحدد،...

5 - وعصر: الوقت المعروف، وهـو الذي يلي الظهـر، ...

6 - عصر: جني رحيق عصر المباسم وشهـدهُ,...

7 - عـام : أراد بهـا كل العـواذل بشكل عـام .            

 

ومـن النظم الخليجي ، قـول أحـدهم56:                                                           

يـامـن على المصطفى سـَمـّع حديثه وصَل 1

آو غسـّل وَوَجـّه صــوب قبلــه وَصـَـــل 2

إلعـَبد لا من شكرللخـيــر لا مــن وصـــل 3

يقـرا  التشـهـّـد قبـل لا يـبـدأ بـالتـسليـم 4

سَــلـّـم لـربّ البشــــرآتفـــوز بالتسلـيم 5

لآن العـُـمر لو يطل تـاليـتـه بــالتـسـليم 6

والمِـسعـدِ اللـّي شـكرربـّه وشُكره وِصــل 7

معــاني الكلمـات:

1 - وصَـل: من الصلاة على النبي ...

2 - وصَـل: أقام الصلاة وصـلـّى ...

3 - وصـل: من وصلِ الخير...

4 - التسليم: هـو آخر الصـلاة ...

5 - بالتسليم: تفويض الأمر لرب العالمين ...

6 - بالتسليم: تسليم الروح إلى بارئهـا ...

7 - المسعد: صاحب السعدة ، وصـل: أوصل الخير لأهـله     

ومـن البحـرين، هـذا المـوّال (الزهـيري ) للشـاعر علي عـبدالله خليفـة57:

يــا مـنْ بـأصلهْ وفـِيْ قام الوفا صـاح بِــه1

ما تـسْتوي عِـشْرتـِكْ ويّا الـنـّذل صاحبـه 2

لو تـنـْخدعْ به زمَنْ وتـْعيـشْ وتـْصَاحبـه 3

لا بدّ مـا يِلدغـِكْ وتـقولْ: يا عـشرة ٍ كانتْ؟ 4 

ما الله خَـلقْ لـلثعالبْ طـينةٍ وافـيه كانـت 5

(يا ليت الأنذالْ مـا خِلـْقَـتْ أبَدْ لا ولا كانت) 6  

ليت الـوفا بـهالزّمـنْ يـبقى ونِنـْصاح بــه 7

معــاني الكلمـات:

1 - صاح بـه : من المصاحبة والتزام الطبع ...

2 - صاحبه : من الصحبة والتصاحب، ومدلولهـا، هنا سلبي، لأن كلمة( ماتستوي) تعني  لاتستقيم ...

3 - وتصاحبه : تعاشره عن قرب، وتعرف سجاياه وتختبرهُ ...

4 - يـاعشرة كانت : التـأسف على الأيام التي كانت للصحبة ، أي النـدم ...

5 - وافية كانت: إشارة على أن من طبعـه طبع الثعالب الغادرة،التي خلقهـا الله على هذه الشاكلة ، أو بمعنى آخر،أن الله لم يخلق الثعالب من طينة حـُـرّة ...

6 - ولا كانت: ولا حـدثت ، لآن أداة النفي سبقـتهـا ...

7 - وننـصاح بـه : ونـُنـصَـح بـهِ.                                   

ومـن المــوّال المصري ( الزهيري) قـول أحـد الصـعـايدة58.

لـيه يـازمــان الصّـفا قولـّي عليش مرّيـت 1

مـن بـعد ماكـنتَ حـلوِ الطعـــم لي مـرّيت 2

يـامـا رأيـنـا الصّـفا يـادهـري مَـعـمَـريت 3

كــان الأحـبـة لـهـم في حـيـّنـا نــــادي 4

خـذتِ الأســودا ، واللـّـي ضــدهم نــادي 5

وصـبَـحت مفـرد عـليل القلب بي ينــادي 6

يـادهـر عـَـمـّرجموع نـادي ومعــمـرّيــت7

معــاني الكلمـات:

1 - مريت : تعـديت بطريقي، من المرور ...

2 - مريـّت : أي أصبحت مـُـرّاً، بعكـس الحلــو.

3 -  معمريـّت: مع مـن،...

4 - نادي : المكان الذي يلتقي فيه الناس ...

5 - نادي : ناديت على من هـم دون الأسود، أي الأراذل...

6 - بي نادي: أصلهـا ينادي : يستنجـد ...

7 - معمـرّيت : لم تعـمـّر شئ ، أي لم تبن أي شئ.

 

 استقرار النظم في العراق على الموّال الزهيري:

كـنا قد أشرنا أن القرن12 هـ /18 م ، يكاد يكون هـو الحـدّ الفاصل في شيوع وسيادة نظم المـوّال الزهيري، وهـذا التـاريخ يتفق بـهِ أغلب الدارسين للمـوّال العراقي، وكذلك يتـفـقـون على أن أقـدم نص في المـوّال الزهيري- في العراق-  هـو الذي نظـمه الشيخ محمد رضـا النحـوي(ت 1226 هـ) والذي يـؤرّخ فيـه وفـاة السـيّد محمد علي العطـّارعـام 1202 هـ ، يقول59:   

كَـوّضت يـامكسـرِ العنـبر وغـيرك غِــرب 1

وعـليك أنـا الثـاجله والناس غيري غـُـرب 2

وبكَـيت أنـاشد ودمـعي ماركَت له غـٌـــرب 3

فـاجـد خـيال الـذي مـازال قـــــدره عـلـي 4

بــدر الكـمـال الذي صـَب المصايب عـلــي 5

واكَــول ويـن آنـــتَه ياسـيّد محمـد عـلــي 6

مـاشوف ذاك البـدر قـال المــؤرّخ غـــــرب 7  

معــاني الكلمـات:

1 - كَـوّضت : قـوّضت ،.غـِرب :نوع من الأشجار غير المثمرة ، شبه أشجار (القـَـوق ) أو هي من الصفصاف ...

2 - الثاجلة : المحمـّلة بالهموم  وبحزن دائم،...غـُـرب: أغــراب...

3 - ماركَـت : مـا رقــّت له الأغـراب ...

4 - فـاجد : فـاقـد , قـدره علي : صاحب الفضل علي،..

5 - صبّ المصايب علي : أنزلهـا دفـعـة واحـدة..

6 - محمد علي ، هـو الشخص المتـوفـّى ...

7 - غـرب: من غرب النجم ، إذ اختفى، ويشير الكرباسي/ صـ52 – الهامش رقم 3 ، على أن ( غرب النجم إذاغاب،يعــادل، حسب الحـروف الأبجـدية عام 1202 هـ / والعهـدة على الكرباسي  .

ومن الملاحظ على هـذا المـوّال قاعدة الاستقرار في النظم ، على الجناس والبحر البسيط، من حيث العروض، الأمر الذي يوحي لـنا بأن هـناك أمثـلة سابقـة على هـذا المـوّال، وإلاّ كيف استطاع الشيخ النحـوي نظم هـذا الموال، دون أن يكون هـناك مثال سـابق عليـه !؟

ومن أمثلـة ذلك النظم الكامل في المـوال الزهيري،ما قـاله مـلاّ جـادر الزهـيري60:

حِـنـّا الذي قـط مـا حَـبل المـودة نـفـــــل 1

وبـروضنـا جم زهـا ورد الحـباب ونفـــل 2

نـوفـي بالعـهــود ونـأدّي الفروض ونفـل 3

وحقـوق الآصحاب بعـيون الوفــا نـرعــــه    4

ونـسـامح الخـــِل دوم وذمـّـتــه نـرعـــه   5

نـمـرح بـروح الـهــــوى وبـروضته نـرعه 6

ونعــوف الأنـــذال ونـــوالف جريم ونفـل 7

معــاني الكلمـات:

1 - حـِنا : نحـن ، نفـل : نفـكّ أو نفصخ ...

2 - ورد الحـِباب : نوع من الزهـور، ونـفِـل : هـو نبت من البقـوليات ، لـونه أصفر وطيب الرائحـة ...

3 - نوفي : من الوفـاء للعهـود ، نــأدّي : نـؤدي ونـوجـّب، الفروض : الطاعات، ونـفل : من النـوافـل ، كنوافل الصلاة وغيرهـا...

4 - نـرعـه : من الرعـاية والمراقبة والحفظ ...

5 - نرعه : نـوجـّب ونحفظ ...

6 - نــرعه : من الرعـي ، وتأتي – هـنا- نـلعب ...

7 - نفـل : الكريم صاحب الأصل، وهي صفة محرّفـة من كلمـة (نــــوفـل ) الفصيحة .

وهـذا مـوّال ، بعث بـهِ مـُلا مـرعي إلى الملا جـادر الزهيري ، يشكي لـه مايعانـيه من ألم الجـوى، وقد أوردنا هـذا الموّال هـنا، لقـدمـهِ، كون الشاعر ينتمي إلى الفترة التي عاش بهـا ملا جـادر الزهيري . يقــول مـُـلاّ مرعي61:

يـاجـادر اضمايـري بالغادرات آولـعن 1

وبـكَـلبهن مـاخطرحُـسن الوداد ولـعـن 2

لـولا هـواهـن أنـــا ماضكَـت هـم آولعــــن 3

لاجـن هـواهـن جـوه منـّي الضـمير ولاع 4

وبقـيت عالتـُـرب ثـاوي  بين نـعـــم ولاع 5

ذولـه الـدعـوني على روحي مفـيج  ولاع 6

الله لايـرحم اللـّي مـا لـبـوهن لــعـــن 7

معــاني الكلمـات:

1 - اضمايري : ضميري،... الغــادرات: قصد النـساء، هـنا، أولـعـن : تـولـّعن ..

2 - ولعـن: أصلهـا  ولا  عـن،أي لم يخطر ببـالهـن هـواي وشوقي...

3 -آولعـن : ولا عـناء ...

4 - جــوه (بالجيم المثلـّثة) : أحـرق بالنار، ولاع: من اللـّوعـة والألم ...

5 - ثـاوي : مقيم، ولاع: يقصد لا، النافية ...

6 - مفـيج : لا أفيق، ولاع: لا أعي...

7 - لـبوهـن: لأبيهـن ،لـعـن : من لعـنة الله .

أو هـذا المـوّال، الذي ينسب إلى الحـاج زاير الدويج ( وسيكون لنـا وقفـة خاصة معـه) بفصل خاص ، نظراً لكونـه أشهر ناظم للمـوّال في القـرن العشرين، يقـول الحاج زاير62

دار المـلوك أظلـمت عـكَب الضيـا بسـروج 1

ودعـت لطـوفـان دمعي عـالوجـن بسروج 2

والخـيل لـمـّـن تـنحـّن وآطـلعـــن بسـروج 3

والكـِش أصبـح لـهـا عـــــزم شـديد وبـاس 4

والـزين دنـّـكَ على إيـد الـزنــــيم وبــــاس 5

والحـيد لـو عـاشر الأنـــــذال مـاهــو بــاس 6

من جـِلـّة الخيل شـدّوا عـالجــلاب سـروج 7

معــاني الكلمـات:

1 - بسـروج: بمصابيح نفطية ...

2 - بسـروج: شـبه روج الماء عندما يفيض بموجاتـه .

3 - بسـروج: جمع سرج: وهـو مايوضع على ظهـر الخيل عند الإمتطاء..

4 - الكُـدش: جمع كـديش ،وهـو من الدواب والحمير، غير الأصيل...

5 - دنـّـكَـ :أنحـنى ،والزنيم: إبن الخـنا الذي لايعرف لـه أصل أو أب ، وبـاس :قـبـّل ..

6 - الحيـد: الشجاع والقوي ،ماهـو بـاس : لابـأس عليه ولا ضير...

7 - هـذا البيت (مثل شعبي معروف) يشير بمعـناه على انعـدام الأصلاء، لذلك امتطوا الكلاب بـدل الخيول وشـدّوا عليهـا الأسرجـة. وهـذا المـوّال، يقـرأ – في بعض مناطق الفرات الأوسط وجنوب العراق بــإبـدال ( ج) بــ (ي) فتصبح ( بسـروج) ( بسـروي) وهـو شائع ومعـروف في تلك الأمـاكن .

ومن نـاظمي المـوّال الأفـذاذ في العـراق، الشاعر جابر بن جليل الكاظمي ، وهـو من الشعراء المعاصرين ،ذوي الخبرة في النظم ، يقـول في أحــد موالاتـه63

ناحل بفركـاك جـسمي ولاعضـو صاحـبي 1

نـامت الـوادم وليـلي كـل وكــت صاحــبي 2

 شيصير لو صـاروكـتي من الكـدر صاحبي 3

آختليت من غربتي ودنــياي خـلـّـتـني 4

 للفــرج أتــنه وآكَــول آردود خـلـّتني 5

اللـه يجـــازي اللـّيـالي آبخير خـلـّتني 6

أعـرف خصيمي خَـصيمي وصاحبي صاحبي7

معــاني الكلمـات:

1 - فركَـاك: فراقـك ، صاحبي: أي لايوجد عضو في جسمي صاحٍ، إذ الكلمة مركـّـبة من (صاح و بي) ...

2 - صاحبي: مستيقظ بي ،أي لم أرقـد طـوال اللـّيل ...

3  - ماذا يحدث لو أن الـكـدَر، أي المشاكل والهـموم ،يصبح صاحبي: أي صديقي ...

4 - خـلـّـتني: أحدثت بي خـلل عقلي ...

5 - خـلـّتني: أي خليني أنتظر، لأن أصل الكلام  من ( خـل ،،أنتظر)...

6 - خـلـّـتني: دعتني أن أتعرف على من هـو صديقي ومن هـو خصمي ، الأمر الذي يفصح عـنـهُ البيت

7 -  من المـوّال .

ثمـة ملاحظـة هـامـة ، في هـذا المكان ،هي ماحصلت بين البيت السادس والسابع ، حيث كانت آخر مفردة في السادس ( خـلـّتني) بينما أوّل مفردة في السابع كانت ( أعرف) وقـد نسخناهـما بلون مختلف ، حيث آكتمل معنى الكلمتين عند اللـّفظ ، إذ يتوجـّب أن تكون الجملة هــكـــــــذا (خلـّلتني أعرف) وهـذا يسـمـّى ( الـتــــدوير) في المـوّال ، وهو نـادر وقليل، لكــنـّه شــائـع في نظم الأبــوذية . وهـذا موضوع آخر، سوف نتصدّى لـه في المستقـبل.

 

الهوامش والمراجع

1: راجع محمد صادق الكرباسي: ديوان الموال الزهيري -  ص 14، الهامش رقم 3.

2: جلال الدين السيوطي/شرح الوشّح، الطبعة المصرية القديمة، وكذلك يراجع: مصطفى صادق الرافعي/تاريخ آداب العرب 3/170، منشورات دار الكاتب العربي، ط2، بيروت، 1394 ه/1974 م وكذلك، كتابنا (مغنيات بغداد في عصر الرشيد وأولاده) ص 78، الهامش رقم 1، منشورات وزارة الثقافة السورية، ط 1، دمشق 1991م.

3: الكرباسي: ديوان الموال الزهيري – ص 15.

4: عامر رشيد السامرائي: موالات بغدادية – ص 14، منشورات وزارة الإعلام العراقية، بغداد 1974م.

5: أنظر: عبد الكريم العلاف -الموال البغداي- ص 7، بغداد - العراق.

6: المرجع السابق - ص7، وراجع الكرباسي - ص 16.

7: تاريخ آداب العرب - 3/175.

8: راجع رأيه عند الكرباسي -ديوان الموال الزهيري- ص 17.

9: المصدر السابق - ص 18 - 19.

10: نفس المصدر - ص 20.

11: صفي الدين الحلي: المعطّل الحالي والمرخّص الغالي في الأزجال والموالي- ص 103، منشورات الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة.

12: المصدر السابق - ص 107.

13: راجع: مقدمة إبن خلدون -فصل عن المواليا- وراجع كذلك منقولات الكرباسي في (ديوان الموال الزهيري) ص 21.

14: راجع رأيه عند الكرباسي -ديوان الموال الزهيري- ص 21 - 22.

15: المعطّل الحالي: ص 103، والكرباسي: ص 54.

16: الكرباسي: ص 22.

17: الكراسي: ص 31.

18: موّالات بغدادية: ص 34.

19: ديوان إبن الفارض - ص 210، الطبعة المصرية، وراجع الكرباسي: ص 45.

20: الأتابكي - المنهل الصافي 1/127، منشورات دار الآداب ودار العلم للملايين، بيروت/لبنان، وراجع الكرباسي: ص 46.

21: أنظر: ماجد علي شبّر: الأدب الشعبي العراقي - ص 30، منشورات دار كوفان- لندن.

22: أنظر: خليل بن أيبك الصفدي - الوافي بالوفيات -1/22، منشورات فرانز شتايز- ألمانيا.

23: أنظر: مقامات الحريري -ص 256 -257، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت/لبنان، ط4، 1424هـ/2003م.

24: الكرباسي: ديوان الموال الزهيري – ص 47.

25: ديوان الموال الزهيري - ص 44 - 48.

26: المرجع السابق: ص 48.

27: فنون الأدب الشعبي 1/29، نشورات دار البيان، بغداد/العراق.

28: ديوان الموّال الزهيري - ص 50.

29: فنون الأدب الشعبي 1/25.

30: الكرباسي: ديوان الموال الزهيري - ص 50.

31: المرجع السابق: ص 57.

32: المرجع السابق، نفس المكان.

33: الكرباسي: ص 57.

34: راجع: جاسم محمد الشمري -أنماط تراثية شعبية فولكلورية- ص 71، منشورات المكتبة العالمية - بغداد، وراجع الكرباسي - ص 58.

35: الكرباسي: ص 58.

36: موّالات بغدادية - ص 34.

37: الكرباسي: ديوان الموال الزهيري - ص 50.

38: القيسي: مجيد لطيف: معرفة أوزان الشعر الشعبي العراقي - ص 18، منشورات مطبعة أسعد، بغداد/العراق، وراجع الكرباسي - ص 50.

39: عامر رشيد الستامرائي: موالات بغدادية – ص 34.

40: الكرباسي – ص 51.

41: الكرباسي - ص 59 - 60.

42: الكرباسي - ص 22 - 29.

43: الكرباسي - ص 22.

44: أنظر، ربيع سليم الشمري: العروض في الشعر الشعبي العراقي- ص 112 ،منشورات دار الحرية، بغداد، وراجع الكرباسي ص 23.

45: العروض في الشعر الشعبي العراقي – ص 112.

46: أنظر كتابه (ديوان الزهيري) ص 76، منشورات دار الرشيد، بغداد/العراق  وراجع كذلك - الكرباسي، ص 26.

47: الكرباسي - ديوان الموال الزهيري/ص 26.

48: عبّاس العزاوي- عشائر العراق 4/277 طبعة قم الإيرانية.

49: عباس العزاوي -تاريخ الأدب العربي في العراق- 2/99  و 2/253، طبعة بغداد، وراجع الكرباسي في ديوان الموال الزهيري - ص 26.

50: ديوان الموال الزهيري - ص 30.

51: المرحع السابق - ص 76.

52: الكرباسي - ص 76.

53: المرجع السابق - نفس المكان.

54: الأدب الشعبي العراقي - ص 32.

55: الكرباسي –ديوان الموال الزهيري- ص 61.

56: المرجع السابق - ص 62.

57: علي عبداللَّه خليفة (ديوان على قلب واحد) طبع -المنامة- البحرين، 2006م.

58: الكرباسي: ديوان الموال الزهيري - ص 62.

59: الكرباسي - ص 51.

60: أنظر: موالات بغدادية - ص 63.

61: موالات بغدادية - ص 101.

62: موالات بغدادية - ص 224، والسامرائي، لم ينسب البيت إلى قائله، ولم يدقّق في نقل مفرداته.

63: الكرباسي -ديوان الموال الزهيري- ص 106.

 

أعداد المجلة