(العوعو) في مخيلة الجيل الماضي
العدد 17 - لوحة الغلاف
تستقرُّ في ذاكرة الأجيال الماضية وفي ذاكرة من بقي منهم صورة (الـعُـوعُـو) كملمح عزيز لطفولة لم يكن بين يديها ما تلهو به من ألعاب وتسليات أكثر من اللهو بتسخير الخام ممّا يتيسر من نتف وبقايا الموجودات لابتداع وتشكيل أدوات لهو وألعاب، كتجفيف عظام الدجاج وربطه ببعض لصناعة ما يشبه الهيكل الآدمي وإلباسه نتف الأقمشة؛ ليبدو دمية لبنات ذلك الجيل واستخدام خردة عجلات الدراجات الهوائيّة ودفعها بعصا كمركبة للأولاد بالطرقات. كانت الحياة قبل اكتشاف النفط وخلال الفترة التي تلته بسنوات قليلة شحيحة وصعبة وكان على الأطفال أن يصنعوا ألعابهم بأنفسهم، إذ لم يتوفر لأطفال ذلك الزمان أيّ شيء ممّا هو رائج ومتداول أمام أطفال اليوم من ألعاب ومسليات وأدوات ترفيه لا حصر لها.
لم يكن أمام الرجال العائدين من رحلة الغوص ما يحملون من هدايا لأهاليهم فاللؤلؤ يمرّ من بين أياديهم إلى الربان ومنه إلى السماسرة ومن ثمّ إلى كبار التجار والممولين؛ ليسافر إلى الهند ولندن وباريس وليستقرّ أخيرًا على تيجان الملوك ونحور الملكات والغانيات. وبدلا من أن يعودوا صفر اليدين إلى أطفالهم تفتقت مخيلتهم عن استخدام جسم أحد الأحياء المائية لتشكيله على هيئة دابة صغيرة تشبه شكل الحصان أو الحمار، وقد أوحى لهم شكل نجم البحر المتعدد الأذرع بذلك. فكان البحارة يصطادون هذا الحيوان المائي بأحجام متفاوتة ويشكلونه قبل أن يجفَّ ليأخذ الشكل المناسب، وكم كانت فرحة أطفالهم كبيرة وهم يستقبلون تلك الهدايا ويتباهون بأحجامها وأعدادها.
نجم البحر بالإنجليزية Starfish أو sea star ، واسمه العلمي Luidia Maculata له خمسة أنواع أو أكثر، وهو حيوان مائي لافقاري، ينتمي إلى شعبة شوكيات الجلد ويشبه شكل النجمة، ويتميّز بأذرعه المتعدّدة التي تخرج عن قرص وسطي، والتي قد تتراوح بشكل كبير في العدد، وتحتوي على أنابيب دقيقة، تستخدم للحركة والالتصاق بالسطوح، وهي موزعة على هيئة صفين في كلّ قدم و متوسط قطر نجم البحر حوالي 20 سم، ويعتبر المحيط الهندي وغرب المحيط الهادي من أماكن انتشاره، كما يعيش في القيعان الرملية للخلجان والبحيرات ويستوطن أغلبه المياه الشاطئية الضحلة كالخليج العربيّ، ويتغذّى على الرخويات والأعشاب المرجانية وطحالب الأعماق، لونه في الغالب برتقالي مع تدرجاته وله جلد مغطى بشويكات مدبّبة الأطراف، لها قدرة على الإنثناء ممّا سهّل على البحارة تشكيلها كأطراف للعبة.
تفنّن أطفال ذلك الزمان في تزيين هذه اللعبة بوضع ما يشبه البردعة أو السرج وربط ما يشبه اللجام على هذه الدابة التي أطلقوا عليها اسم (الـعُـوعُـو)، ولم يفدنا الرواة بشيء عن أصل هذه الكلمة أو معناها بالتحديد أو لماذا أطلق الأقدمون على نجم البحر/ اللعبة هذه التسمية، بعضهم قال أن التسمية جاءت من الأطراف التي يقال بعامية الخليج العربي (عُـويَـتْ) بمعنى عُـطِـفـَـتْ، وهي في الأصل فصيحة من عـوى القوس ونحوها:عطفها، وعوى الحبل أو الشعر: لواه، وربما هناك معنى أو رمز أو دلالة أخرى، إلا أن (العوعو) ظل في ذاكرة الأجيال الماضية كملمح عزيز من ملامح طفولة فقيرة.