آلة (الصّرناي) عماد فـن (الليوه)
العدد 17 - لوحة الغلاف
تُعتبر آلة الربابة العربيّة الجدّ الأكبر لآلة الكمان الغربيّة المعروفة باسم الفيولينة (VIOLIN) وتُعتبر آلة المزمار أو الصرناي هي الأبّ الشرعيّ لآلة الأوبوا الغربيّة (OBEO) وفي حين اشتهرت الربابة بأداء فنون غناء الشعر العربيّ والنبطيّ بشكل خاصّ وهي من الفنون العربيّة الأصيلة، فإنّ آلة الصّرناي ارتبطت بأداء فنّ من الفنون الشعبيّة الوافدة إلى منطقة الخليج العربيّ المعروف باسم فنّ (الليوة) الذي يشكّل رافدًا مهمًا من روافد الثقافة الشعبيّة بهذه المنطقة.
عُرفت هذه الآلة في سائر الممالك القديمة قبل الميلاد بأسماء مختلفة، منها المزمار، والمزمار المزدوج، والأولوس. ثمّ عرفها العرب في العصور الوسطى باسم المزمار، السّرنا، السرناي، والدوناي. وهي نفس الآلة المعروفة في مصر الآن باسم المزمار البلدي ويعرفه أهل الفن باسم (الجوري) للمزمار الكبير و(السبس) للمزمار الصغير. ويطلق عليه في بعض البلاد العربية اسم (زُرنا) وهو تحريف للاسم القديم (سرنا).
انتقلت هذه الآلة إلى أوروبا في أوائل العصور الوسطى واحتضنــتهــا فـــــرنسـا بصفــــة خاصة وطورت صناعتها منذ القرن السابع عشر فأدخلت عليها أجهزة الغمازات المعدنية، وبلغت بها حدّ الكمال إلى أن باتت فرنسا هي المصدّر الرئيس لهذه الآلة إلى كلّ البلاد الغربيّة. وقد صنعت منها فصيلة متعدّدة الأنواع تعتبر كلّها من الآلات الرئيسية في الفرق الموسيقية الكبرى. وكانت فرنسا أول من أدخلها في فرق الأوبوا. ولذلك ظل الاسم الفرنسي لتلك الآلات هو الشائع في كلّ اللغات الأوروبية تقريبًا، وهي تنتمي إلى فصيلة الآلات السوبرانو أي الخاصّة بأداء الأصوات الحادّة.
يُعدُّ الصرناي مزمارًا مزدوجًا واسع الانتشار، أي ذو ريشة نفخ (ثنائية) حيث يمكن العثور عليه على امتداد العالم الإسلاميّ بأسره أو أي مكان وصل إليه التأثير الإسلامي يومًا، فمن الصين وجنوب شرق آسيا إلى يوغسلافيا واليونان، بالإضافة إلى المغرب وإفريقيا شرقها وغربها. أمّا الاسم فهو اشتقاق من اللفظ الفارسي سُرنا، ففي الصين يطلق عليه اسم (سو- نا) وفي الهند (شهناي)، أما في المغرب فهو معروف بـ (زقرة) و(زُرلا) في يوغسلافيا، أما الاسم الشائع في مصر كما في الإمارات العربية المتحدة فهو المُزمار أو المِزمار، ويطلق عليه المغربيون وسكان غرب إفريقية (الغيته).
يحتلُّ فنّ الليوة مكانة متميّزة في التراث الموسيقيّ الشعبيّ في منطقة الخليج العربي، إذ أنّها تمثـّل نموذجًا فريدًا من الأنواع الموسيقية الوافدة التي ظلّت وبالرغم من تكيفها مع البيئة الخليجية واندماجها فيها خلال ما يزيد على قرن من الزمان إلا أنّها تحتفظ بسمتين بارزتين تنمان عن أصولها الأفريقية هما إيقاعها الأساس العام واستمرارية بعض العبارات السواحليّة في نصوصها الغنائية، وهي رقصة جماعية تصاحبها آلات إيقاعية وآلة نفخ رئيسية يطلق عليها في منطقة الخليج العربي اسم (صرناي) أو (زمر). وهي عماد هذا الفنّ وروحه الأساس إذ بدون صوتها الصادح الهازج لا يمكن أن يكون لليوة أثر انتشاء لا للراقصين ولا لجمهور الحضور.
من مقالة (الصرناي وفن الليوة)