مهرجان الجنادرية.. تحيّة لهذا الحضور البهي..
العدد 17 - المفتتح
حين وضع الحرس الوطني بالمملكة العربيّة السّعوديّة التصورات الأوليّة لفكرة تنظيم مهرجان تراثيّ فنيّ وإثنوغرافيّ لمهرجان سنويّ يُقام بالجنادريّة، طاف وفد من الفنيين والاختصاصيين منتصف ثمانينات القرن الماضي ببعض مراكز البحث في المنطقة لاستطلاع وجهات النظر لتطوير الفكرة ومناقشة أساليب التنفيذ من عدّة جوانب. ولقد كان لي شرف المشاركة بالرّأي في تلك المناقشات عندما زار الوفد السّعودي مركز التراث الشعبيّ لدول الخليج العربيّة بالدّوحة بدولة قطر، وكنت حينها أتولى إدارة ذلك المركز الذي استمر لفترة ومن ثمّ أغلق.
كانت فكرة مهرجان الجنادريّة وليدة للتو وجديدة على كلّ المنطقة، وهي في الأصل مناسبة شعبية لسباق الهجن تشارك بها جهات وأفراد من مختلف مناطق المملكة وتقدّم للفائزين في هذا السباق جوائز ماليّة وكؤوس وميداليات وهدايا قيّمة، إلا أنّ النخبة من المهتمين بالثقافة الشعبيّة في المملكة العربيّة السعوديّة رأت أن يتمّ تطوير هذه المناسبة الشعبيّة الجماهيريّة؛ لتشمل مختلف نتاج الثقافة الشعبيّة بمساهمات الشعراء والحرفيين والصّناع الشعبيين وفرق الفنون الغنائيّة الاستعراضيّة إلى جانب كلّ ما له علاقة بالتراث الشعبيّ والممارسات التقليديّة المتوارثة في استعراض ممنهج ومنظم بأعلى مستويات الخبرة والجودة. وكان في بالنا جميعا تلك الصورة المتخيلة لقرية تراثية ومهرجان شعبي كبير إلا أنه لم يخطر بالبال بأن يكون هذا المهرجان بوابة انفتاح على أفاق معرفة عالمية جديدة، وأن يطير هذا الحدث بتراث وثقافة بلد عريق إلى أرجاء المعمورة.
لقد نجحت الفكرة بتحويل مهرجان شعبيّ محليّ لسباق الهجن وبصورة تدريجية إلى مهرجان وطنيّ كبير ضمّ إلى كلّ ما تقدم من أنشطة معارض كتب وندوات فكريّة وفنيّة رفيعة القيمة، وقد استقطب الحرس الوطني السعوديّ شخصيات عربيّة وعالميّة من مختلف التيارات الفكريّة والسياسيّة والفنيّة للحضور والمشاركة في الأنشطة، فأصبحت الجنادريّة موسمًا ثقافيًّا حافلاً ومتعدّد المنابر إلى جانب دوره كمعرض إثنوغرافيّ جماهيريّ في الهواء الطلق. وعلى مدى سبعة وعشرين عامًا حقــّـق مهرجان الجنادريّة للمملكة مكاسب عديدة من أهمها ذلك الانفتاح اللافت على الفكر والثقافة العالمية وهذا الإجماع الرّسميّ والشعبيّ على أهميّة الثقافة الشعبيّة وضرورة رفد قيمها ومعانيها الروحيّـة والجمالية النبيلة بحياتنا المعاصرة.
يُعتبر خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ملك المملكة العربيّة السعوديّة هو الأب الروحيّ لأساس الفكرة والمتابع الشخصيّ لمراحل تنفيذها واستكمال مكـوّناتها بتوجيهاته ورؤاه المتصلة بروح الشعب السعوديّ الشقيق؛ لذلك كان حفل افتتاح المهرجان الذي يُقام برعايته وحضوره الشخصيّ كلّ مـرّة فرصة لقاء جلالته بكبار المدعوين وبجموع المواطنين، ولم تغب عن هذا المهرجان في حفل افتتاحه كلّ عام شخصية قريبة من الثقافة الشعبيّة ومن روح التراث الشعبيّ، و كانت تتصدر مقصورة الضيوف إلى جانب العاهل السعودي معجبة وداعمة باستمرار حضورها لهذا المنجز الاحتفالي الثقافي الذي تميّزت به المملكة السعوديّة.
إن إصرار جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين على المشاركة في حفل افتتاح هذا المهرجان له أكثر من دلالة، ويعبّر فيما يعبّر عن تمثل عميق لروح الثقافة الشعبيّة التي تعزّز قيم الإخاء والالتقاء وتؤكّد وحدة المصير؛ ولتجسيد هذا الشعور يرعى جلالته سنويا مهرجان التراث الذي تنظمه البحرين في أبريل من كلّ عام بمنحى آخر مختلف إلا أنّه يصبّ في ذات الاتجاه المعني بالثقافة الشعبيّة.
تحيّةً لهذا الحضور البهي لجلالة ملك مملكة البحرين في مهرجان الجنادرية، وتحيّةً لصاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالله بن عبد العزيز آل سعود وزير الدولة رئيس الحرس الوطني رئيس اللجنة العليا المنظمة لمهرجان الجنادرية وهو يحقق بهذا الحدث الثقافي المتميز النّجاح تلو النّجاح نحو العناية والاهتمام بالثقافة الشعبيّة كرافد مهم من روافد الثقافة العربية الأم.