الفنون التشكيلية الشعبية وجمالياتها في مملكة البحرين
العدد 15 - ثقافة مادية
لقد أصبح من الضروري تأصيل الموروث الشعبي ، وذلك من خلال برامج التعليم لإبراز الطرز المختلفة، كالدلموني، والإسلامي وفنون البحرين الشعبية، في الأزياء وغيرها من المظاهر الشعبية، التي يحبها أهل البحرين وذلك من خلال تناول تلك الموضوعات لإثراء مفاهيم التلاميذ لتنوع أعمالهم الفنية ،التي ينتجونها في مقررات الفنون، كما أن استحداث تصميمات زخرفية قوامها الوحدات الزخرفية في الفن الشعبي البحريني، تثري مساقات الفنون، ومن خلالها يستطيع الطالب ممارسة مجموعة من المهارات المتعلقة بالحرف التقليدية، كالتشكيل والنقش والحفر ،وغيرها من المهارات، لتشجيع الطلاب على اكتشاف قدراتهم الكامنة، من خلال الممارسات الفنية المختلفة، وفي ذلك يقول علي عبد لله خليفة وهو خبير في التراث الشعبي :
"أمام هذا التيار الاستهلاكي الجارف في النتاج الفني والأدبي الذي تروج له وسائل الإعلام في الوطن العربي، والذي يغلب عليه التسطيح والفجاجة والتكرار، ما أحوج الجيل الجديد من المبدعين العرب إلى تمثيل وجدان الأمة، واستيعاب حكمة الشعب وتقمص روح الجماعة، عن طريق الاقتراب من الثقافة الشعبية، والنهل من معطياتها، وتأمل المضيء من نتاجها والتفاعل معه بحب واستلهام ما يمكن رفده بحياتنا المعاصرة وتوظيفه في أعمال فنية وأدبية مبتكرة تخطو بذائقة الجماعة خطوات متقدمة إلى الأمام. وإنها لدعوة إلى الفعل، نأمل بألا تكون مجرد صرخة في وادٍ"1.
أولاً: ماهية الفن الشعبي التشكيلي:
"تعرف الفنون الشعبية التشكيلية بأنها تلك الفنون الموروثة جيلا بعد جيل، ولها مكانة خاصة كفرع من الفروع الفنية التشكيلية الأخرى، التي تثير الخيال وتملك الحواس، وتتغلغل في صميم الأوساط الشعبية بما لها من وقع طيب في جماهير الشعب ومشاعرهم، وهي بدورها تؤكد على العادات البيئية، والتقاليد والأساطير التي تنبثق من روح الجماعة، والفن الشعبي من الفنون المحببة للنفس، فهي تعبر عن عادات ومعتقدات ومشاعر وأحاسيس كل الشعوب، فكل شعب له فنونه العامة، وفنونه التشكيلية بصفة خاصة التي تنبع من ثقافته، وهي المتحف الحي لحضارته إذ أنها تعبر عن خاطر الجماعة بفطرية وصدق وتلقائية، لتؤكد على الروابط الأصيلة للإنسان في مختلف العالم، ولنا خير مثال على ذلك المسابقات الدولية التي تقام لإبراز تلك الفنون2، كيف تبدو مجموعة من الألعاب الشعبية المشهورة في البحرين في صياغة تشكيلية تعبر عن العناصر المختلفة التي يتكون منها الفن التشكيلي الشعبي البحريني والذي يظهر في شكل الملابس والألوان وملامح الشخوص المستوحاة من البيئة المحلية.
والفن التشكيلي الشعبي نراه في الخزف بأنماطه وألوانه وعناصره، والحلي بأشكالها ومعادنها وطريقة صياغتها، والتطريز بألوانه وتقنياته وأشكاله والأثاث والفرش والأرائك والصناديق وليس منها ما لم يأخذ نصيبه من الزخرفة والتلوين، وهو الفن الذي يدخل البيوت جميعا ويتناوله الناس جميعا، على اختلاف ظروفهم الاجتماعية أو المادية فيكون مدرستهم لرفع أذواقهم وإمتاع أبصارهم وبصائرهم، وتجميل ظروفهم البسيطة المتواضعة كما أن الأصالة والوظيفة الجمالية هي التي يمتاز بها الفن الشعبي، والفن الشعبي لغة عالمية للتخاطب والاتصال communication عندما تحمل رموزاً وأشكالاً يسهل إدراكها"3.
"كما أن التفاعل معها يحرك الوجود الإنساني نتيجة للمتغيرات المستقبلية من خلال قدرات الإدراك فيحدث استجابة ما تحددها المعتقدات والايدولوجيا المختلفة وأرصدة الثقافة الحياتية والخيرية التي اكتسبها الإنسان في مجتمع ما .
إنه ذلك التعبير عن الذات من خلال صياغات جمالية، كما هو لغة تخاطب لنوع ما من الفن البسيط البعيد عن الصنعة والتكلفة، والفن الشعبي هو التاريخ النقي لامة ما4.
"ويعرفه الفنان سعد الخادم في كتابه "معالم من فنوننا الشعبية" بأنه نوع من الفنون التي لها رواج عند عامة الشعب، كما يرى أن الفن الشعبي يتميز بصفة التوارث، وأسلوبه متداول، كما أنه محبب عند عامة الناس، لأن الفنان الشعبي يعبر عن شئ مشترك بين عدد كبير من الناس من أفكار ووجدان ومثل عليا5.
ويقول الفنان عبد الغنى الشال "أن الفن الشعبي يبدع بواسطة طبقة بسيطة، وبتقاليد متوارثة تمس الناس والحياة من حولهم بكامل عواطفهم وانفعاليتهم، وقد سمى هذا النوع من الفن بعدة تسميات مختلفة فسمى بالفنون الأهلية، وبالفن الريفي وبالفنون الإقليمية وبالفلكلور والمأثورات الشعبية وسمي بالفن الشعبي )وأحيانا بالفن البدائي إلى غير ذلك من التسميات6.
كما يتحدث هاني إبراهيم جابر عن الفن الشعبي ويقول "أن التقاليد الاجتماعية هي أهم الأبعاد التي لها نصيب كبير في الحفاظ على الموروثات الفنية، كقيمة إنتاجية وقيمة وظيفية، علاوة على أنها قيمة جمالية وتشكيلية، كما أن الإبداع مع الفنانين الشعبيين له قوانينه الخاصة الفطرية، وهذه القوانين تتشكل مع ثقافتهم المادية، وفق مقتضى سمات الأشكال الفنية ،وهى على وجه التحديد التجربة الإنسانية المناسبة والمتفاعلة مع كل الموروثات الفنية وتاريخها وثقافتها، كما تعنى الأصالة والتواصل في العمل الفني مع تاريخ الموروثات الاجتماعية، ومن هنا نشعر بضرورة قيام الفهم الاجتماعي بأبعاده ودوره على تشكيل خصائص الفن الشعبي وحدوده على الإبداع والجمال7.
"بينما في الموسوعة الميسرة تعني كلمة فن شعبي ( الفن التقليدي) ويتكون بعضها من فنون حرفية نفعية، وبعضها مجرد تعبير عن الحاجات وجمهرة الناس وأحاسيسهم و ميادين الفولكلور هي المعتقدات الشعبية والعادات والتقاليد والثقافة المادية، كما يشكل جزءا من تراث الإنسانية فهو يمثل تقاليدها وذاكرة شعوبها والمتحف الحي لحضارتها"8.
ثانياً: الفن الشعبي فن وتطبيق:
إن إمعان النظر في فنون الشعوب البدائية يثبت بجلاء أن الإحساس الجمالي غريزي لدى معظم الناس، بغض النظر عن وضعهم الذهني، وفكرة إنتاج أشياء نافعة للإنسان في استعمالاته اليومية وهي في الوقت نفسه جميلة. فقد كان الإنسان البدائي يُجَمِّل الحراب التي يستعملها في الصيد إما بزخارف هندسية محفورة قوامها الخطوط المتوازية والمتقاطعة أو المثلثات، أو برسم أشكال حيوانات عليها.
ومع بدء الحضارة الزراعية وما تقتضيه من استقرار، بدأت تظهر أنواع أخرى من الفنون الشعبية التطبيقية التي تغطي حاجات الإنسان التي تزايدت مع تزايد الوعي الحضاري نتيجة التجارة ووفرة المنتجات الزراعية، وكان ميدان الفنون الشعبية واسعًا وثريًّا في الفنون اليومية مثل الأثاث والحلي وأوعية المأكل والمشرب وأدوات الزينة، وكلما مارس الفنان الشعبي هذا الإبداع اليومي تميزت هذه الأشياء بجمال أشكالها ومناسبتها لوظائفها.
وهكذا نرى أن الفن الشعبي هو خليط من الفنون النفعية التي نحتاج إليها في حياتنا اليومية، وجميع القيم الجمالية التي تميز العمل الفني الإبداعي.
وقد كان الفن الشعبي طوال العصور يسير جنباً إلى جنب مع الفن الرسمي، والتراث العربي غني بالفنون الشعبية، في الأدب والغناء والموسيقى والفنون التشكيلية الزخرفية والتي تكشف عن قدرات ومهارات الفنان الشعبي الذي ينفذها في يسر وبساطة.
وكان الفنان الشعبي هو التيار الصحي الذي تحتفظ الجماهير العريضة من خلاله بضميرها الفني، وحسها الجمالي ،ففي الأدب الشعبي يتجه الفنان الشعبي إلى الاعتزاز بالبطولة وتمجيدها، وقد كانت قصص "أبو زيد الهلالي" و"عنترة بن شداد" خير مثال على ذلك.
وكثيرًا ما ترمز الأشكال المختلفة في الفن الشعبي إلى أسطورة وطنية أو معتقد فطري، كما قد تشير الألوان المستعملة إلى معانٍ خاصة رمزية متصلة بالفطرة الإنسانية.
الرمز ومدلولاته البصرية:
"ويعتبر الرمز من أبرز عناصر الرسم والزخرفة الشعبية التي تقوم على معان جمالية متعددة تقرب المنتوج اليدوي من ذوق العامة فهو من الناحية الفنية لغة تشكيلية يستخدمها الفنان للتعبير عن أحاسيسه وانفعالاته نحو كل ما يهز مشاعره من أفكار ومعتقدات، وكلما تعرفنا على تلك اللغة وأجدنا تفسيرها، أصبحنا أكثر مقدرة على فهم ودراسة الفنون الشعبية"9.
إنه الوحدة الفنية التي يختارها الرسام من محيطه لكي يزين بها إنتاجه الفني ويكسبه طابعاً خاصاً بشرط أن يكون الرمز محملاً بقيم المجتمع الثقافية والفكرية. والرمز قد يكون شكلاً لطير يهواه الفنان أو لنبات يعتز به الإنسان، أو حيوان محبوب أو وحش تخشاه الجماعة، وقد يكون شكلاً لشيء شائع الاستخدام أو خطوطاً هندسية أو مصطلحات أخرى لها معنى وقيمة تنتشر بين الجماعة وتستمر كرمز متفق عليه.
ولئن كانت العلامات و الرموز هي أنساق يتشكل فيها الكون ككل، فإن التعبير عنها عند الحرفيين الخليجيين الذين يقومون بزخرفة الأشياء وتنميتها يتم عبر لغة رمزية توحي أكثر مما تقول، لغة مفعمة بأدلة مصيرية تتداخل فيها المدارات والأزمنة مشكلة بذلك إطاراً تجريدياً مكثفاً تتفاعل فيه العناصر والوحدات الزخرفية المستمدة من مرجعيات كثيرة كالطقوس والمعتقدات الدينية متضمنة مجموعة من التوليفات والزوائد الزخرفية، كالزخارف النجمية والزهرات السداسية والثمانية التي نجد لها نظائر في الفن البابلي القديم كترانيم ناطقة بألوانها وراقصة بخطوطها وأشكالها، مما يجعل منها خطاباً زخرفياً ً متنوعاً يستمد هويته الجمالية والتعبيرية من الزخرفة الإسلامية بنوعيها الهندسية والنباتية.
ونخلص مما سبق أن تعريف الفن الشعبي Folk Lore من وجهات النظر المختلفة: هو الفنون والمعتقدات وأنماط السلوك الجمعية التي يعبر بها الشعب عن نفسه، سواء استخدمت الكلمة أو الحركة أو الإشارة أو الإيقاع أو الخط أو اللون أو تشكيل المادة أو آلة بسيطة، وهو تعريف يضم كل الأشكال التي ذكرها الفولكلوريون باعتبارها مواد فولكلورية ينبغي دراستها، كما أن الفولكلور يتضمن الأساطير والحكايات الشعبية بأنواعها المتعددة والنكات والأمثال والألغاز والترانيم وأساليب التحية في الاستقبال، والتوديع والصيغ الساخرة والتلاعب بالألفاظ، وأساليب القسم في بعض الديانات، كما يتضمن أيضا العادات الشعبية، والطب الشعبي والمعتقدات الشعبية المأثورة والتشبيهات الشعبية" والاستعدادات والكنايات الشعبية وأسماء الأماكن والألعاب والشعر الشعبي والكتابات التي تكتب على الشواهد.... وتتضمن القائمة أيضا الألعاب والإيماءات والرموز والدعابة وأصل الكلمة الشعبية وطرق إعداد الطعام وأشكال التطريز وأشغال الإبرة، وأنماط البيوت والعمارة الشعبية ونداء الباعة. وهناك أشكال فرعية أخرى مثل: حيل تنشيط الذاكرة كاسم Roygb لكي نتذكر ألوان الطيف وهي الأحمر والبرتقالي والأصفر والأخضر والأزرق ... الخ والتعليقات التقليدية التي تقال عقب العطس.. كما أن هناك أيضا أشكال رئيسية كالاحتفالات الشعبية بالمناسبات المختلفة كالأعياد ومناسبات الميلاد والختان والزواج.. وغير ذلك حسب ما ذكر في قائمة المواد الفولكلورية المفصلة "لآن دندس"10.
"إن علم الفولكلور المعاصر يدرس الثقافة التقليدية Culture Traditional أو التراث الشعبي Folk Traditional أو Traditional populaires ويهتم دارس الفولكلور المعاصر بكل شئ ينتقل اجتماعيا من الأب إلى الإبن، ومن الجار إلى الجارة مستبعدا المعرفة المكتسبة عقلياً، سواء كانت متصلة بالمجهود الفردي، أو من خلال المعرفة المنظمة والموثقة التي تكتسب داخل المؤسسات الرسمية كالمدارس والمعاهد والجامعات والأكاديميات وما إليها.
"وسمي علم الفولكلور في جميع الهيئات الدولية، وهيئات البحث العلمي والجامعات في الشرق والغرب على السواء باسم الانثولوجيا الإقليمية ولهذا الاسم – أو المفهوم – أسماء محلية خاصة ولكن مفهومها جميعا واحد مثل الفولكسنكندة في البلاد الناطقة بالألمانية أو دراسة الحياة الشعبية في البلاد الاسكندنافية"11 كما جاء في الرسم التالي وهو كما نرى عبارة عن مجموعة من الرموز لعناصر حيوانية ونباتية وآدمية وهندسية مبسطة قد نراها في العديد من الثقافات العالمية.
مكونات الثقافة الشعبية:
"إن الثقافة الشعبية هي كل معرفة وخبرة يمارسها الإنسان في صنع الحياة على أرضه ، سواء أكانت هذه الثقافة أو الخبرة الإدراكية التي يعيشها الإنسان هي من نتاج تجاربه، أم كانت من نتاج تجارب غيره ثم انتقلت إليه وعايشها وامتزجت بممارسات حياته اليومية الجارية"12.
" فحينما تدرس الثقافة الشعبية لابد أن تحلل إلى وحداتها الأساسية ليصبح كل موضوع أو عنصر ثقافي على حدة مثلا عنصراً أو موضوعاً هو اجتماعي أصلاً قد نسب إلى فرد أو جماعة أو إلى المجتمع ككل الناس أو أنه أصل جماعي ظهر أثره على الفرد أو على الجماعة أو على كل المجتمع.
لذلك فمن الضروري أن تقسم هذه الموضوعات إلى أقسام مختلفة وهذه الأقسام لابد أن تكون شاملة متسعة للأشكال المختلفة، هذه الأقسام يمكن أن تقسم حسب احتياجات الإنسان مثل الاحتياجات المادية – الروحية – التنظيمية "نظم المجتمع" اللغة .. وكل قسم من هذه الأقسام له سماته وخصائصه وطرائق درسه وبحثه. فما هو نتاج الاحتياجات المادية، يندرج في مجموعة مستقلة للتعرف منه على طرز الثقافة المادية التي هي نتاج التجربة الحسية للإنسان والخبرة العملية وفي معالجة للطبيعة ونتاجها، وكذلك الإبداع الثقافي المرتبط بالتكوين البيولوجي للإنسان مثل اختراع الآلات واستخدامها وإقامة المباني وأنماط العمارة الشعبية واستخدام الفخار والخزف، والإنتاج اليدوي والزخرفة، والنسيج، أي كل إبداع مرتبط بالمادة واحتياجات الإنسان المادية. فهو يندرج تحت الثقافة المادية التي تغاير في طبيعتها الثقافة الروحية، التي هي نتاج الفكر والوجدان مثل المعتقد وتصور ما فوق الطبيعة والفن والتذوق الجمالي.
وتتداخل عناصر الثقافة المادية مع الثقافة الروحية والعقلية لتوجد إبداعاً مركباً من كل منهما كالخزف إبداع مركب من الفخار كمادة ، والخبرة الفنية التكنيكية كخبرة مركبة من عناصر ثقافية مادية وفنية تقدم فيه عناصر الثقافة الفكرية والتذوق الجمالي.
والثقافة الاجتماعية، تكون قسماً آخر من أقسام الثقافة، وهي نتاج العقل الجمعي وكلها في مجموعها تشكل طرز الثقافة الشعبية، واللغة نفسها كإبداع خاص... ووسيلة للتفاهم هي قسم خاص له مباحثه أيضا ... فالثقافة المادية هي نتاج علاقة الإنسان بالإنسان.
كما أن من الضروري التعرف على أشكال الثقافة الشعبية وأنماطها وطرزها خلال الحقبات التاريخية لمعرفة مكوناتها وطبقاتها التراكمية أيضا والمؤثرات الخارجية التي أثرت فيها والتغييرات التي حدثت في هذا الإنتاج ، وعناصر هذا الإنتاج المادي،وفحص العناصر الفنية التي واجهت هذه العناصر وأثرت في هذا التغيير.
فمعرفة الزمان والمكان تساعد في توضيح عناصر وأسلوب الإنتاج وبالتالي التعرف على التغييرات التي نتجت من خلال هذا الإنتاج من حيث كم العناصر وكيفية الخبرة والأسلوب، وينطبق هذا بالتالي على الإنتاج الاجتماعي، من حيث الدور الذي تؤديه هذه العناصر في نوعية هذه العلاقات ونوعية العلاقات بين هذه العناصر وكذلك التغيير الذي يحدث أو ينتج من هذه العلاقات مع معرفة شاملة واضحة للوظائف التي تؤديها هذه العناصر سواء من حيث الغرض الذي تؤديه، أو التغيير الذي يحدث في طراز الثقافة (المادية – الروحية – الاجتماعية) نتيجة لتداخل العناصر مع بعضها فالإنتاج أو الإبداع الثقافي يسير مع الغرض الذي يحققه في اتجاه واحد، بمعنى أن كل إبداع ثقافي لابد أن يكون له وظيفة.
وتتركب الثقافة الشعبية من عدة عناصر لكل منها دور وقيمة في الإبداع ومن ثم تتكون طرز الثقافة المادية،والطراز أيضاً يتكون من عدة أنماط، والنمط يتكون من عدد من الأشكال فمنها ما هو ثابت ومنها ما هو متغير ويجب أن تصنف هذه العناصر في مجموعات حسب نوعيتها ووظيفتها،والطرز تتشعب بداخلها العديد من الصيغ التشكيلية كالكتابية والزخرفية النباتية والهندسية، وبعض الصيغ المركبة.
ثالثاً: الهدف من دراسة الفن الشعبي البحريني :
أ- الدواعي الثقافية والحضارية، وتتمثل في13 :
إبراز الدور الحضاري للتراث الشعبي البحريني للناشئة من خلال إلقاء الضوء على إسهاماته الرائدة في إثراء الحضارات القديمة في المنطقة منذ العصر الدلموني والحضارة العربية الإسلامية.
المحافظة على مكونات الثقافة الشعبية الأصيلة لمجتمع البحرين من الاندثار، وتحقيق التواصل المعرفي والوجداني.
ب- الدواعي الاجتماعية : وتتمثل في :
الحاجة إلى تعميق ارتباط الناشئة بتراثهم الاجتماعي الثقافي الأصيل، وتمثل ما يحمله من عادات وتقاليد، وآداب، وأخلاق، وقواعد عمل وسلوك.
تعزيز التواصل المعرفي والقيمي بين الأجيال، فهما، وتفاعلا، واعتزازا، تحقيقا لدور التربية في تناقل ثقافة المجتمع وتداولها عبر الأجيال.
ج- الدواعي الوطنية : وتتمثل في :
تعزيز قيم المواطنة الأصيلة من خلال إثارة وعي الناشئة بدور الثقافة الشعبية في المحافظة على وحدة النسيج الاجتماعي البحريني وتماسكه.
تنمية قيم احترام التنوع الثقافي، وتقدير أهمية تعدد مظاهره في التعبير عن ثراء بيئات مجتمع البحرين الحضارية.
د- الدواعي المعرفة والتكنولوجية : وتتمثل في14:
ضرورة المحافظة على ملامح التراث البحريني الأصيل، واستيعاب ما يعكسه من قيم، وسلوكيات، وعادات، وتقاليد، والعمل على إعادة إنتاجه بما يلائم معطيات الثورة التكنولوجية الرقمية المتسارعة.
هـ- الدواعي المتعلقة بمخاطر مجتمع العولمة وتحدياتها وتتمثل في :
تمكين الطالب من استيعاب الملامح الأصيلة لثقافته الشعبية، ومساعدته بغية توظيفها في مواجهة مظاهر الاغتراب الثقافي القيمي في زمن العولمة الثقافية والاجتماعية.
تهيئة الطالب للانفتاح على المعارف والخبرات الثقافية الكونية المشتركة، إثراءً لمكونات ثقافته الوطنية الشعبية، الحضارية، والمعرفية،، والتقنية.
و- الدواعي التربوية – التعليمية، وتتمثل في:
تمكين الطالب من تمثيل القيم والاتجاهات التربوية المتجذرة في ثقافته الشعبية عبر الزمان والمكان، مثل قيم: التعاون، والتسامح والإيثار، والتواصل، والتراحم، والتواد، بغية ترسيخها في وجدان الناشئة وسلوكياتهم.
إكساب الطالب مهارات البحث، والاستكشاف، والتوثيق المنهجي للخبرات الثقافية الشعبية، وتوظيف أساليب حفظها ونشرها وتداولها باستخدام تقنيات البحث وفضاءات النشر والتداول المتاحة وعن طريق الفنون التشكيلية.
مفهوم الفولكلور التطبيقي :
فيما سبق تم تفسير مصطلح فولكلور والذي يشتق من الكلمتين الإنجليزيتين هي lour–Folk الذي شاع استخدامه منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر الذي أطلقه العالم الإنجليزي سيرجون وليم تومسنر للدلالة على مواد المأثورات الشعبية في مجاليها الأدبي والمادي وفي إطار من العادات والتقاليد والمعتقد الديني.
أما بالنسبة لكلمة فنون تطبيقية أو فنون فولكلورية تطبيقية فهي جميع الحرف والمهن والرقصات والإيماءات وغيرها.
ويتناول الفولكلور التطبيقي مجموعة من التقسيمات :
فهي كما هو في كتاب "ملاحظات وسائل أنثروبولوجية" وهو أشهر دليل أنثروبولوجي عالمي لدراسة الثقافة والبناء الاجتماعي ، فنجده يقسم الفولكلور التطبيقي إلى :
الحرف والحرفيين – التزين والتجميل – الأزياء – البيوت – النار – الغذاء – المنبهات والمخدرات – الأدوات والآلات – الأسلحة – السلال – الخزف – الزجاج – المشغولات الحجرية والخشبية والمعدنية – الغزل والنسيج – الصباغة والتلوين – النقل والمواصلات – الفنون – الموسيقي – الرقص – الدراما – الألعاب والتسلية.
ويجمعها هذا الكتاب تحت مسمى الثقافة المادية.
كما أن الفولكلور التطبيقي هو بدايات التفكير في إنتاج أشياء ناقصة للإنسان في استعمالاته اليومية، وهي في نفس الوقت جميلة، وهي فكرة قديمة قدم الإنسان نفسه وهو خليط من الفنون الشعبية النفعية التي نحتاجها في حياتنا اليومية، وهي الفنون المتوارثة المنحدرة إلينا من آلاف السنين، وهي تعكس أشكالاً وموضوعات مستمدة من التراث، والفنون الشعبية التطبيقية نشهدها في الكثير من مخلفات الإنسان الأول، كزخرفة الحراب المستخدمة في الصيد بزخارف هـندسية محفورة قوامها الخطوط المتوازية والمتقاطعة والمثلثات ، أو رسم أشكال لحيوانات مفترسة عليها.
ومع تطور الحضارات الإنسانية تطورت الحرف والصناعات التقليدية إلى أن أصبحت هي المصدر الأساسي في البحث والتوثيق من خلال المنحوتات والجداريات والأواني الفخارية والخزفية والنحاس والزجاج والنسيج والتطريز وشغل الإبرة والأزياء والحلي التقليدية وأشكال العمارة وزخرفتها التي تتميز بتنوع طرزها وأنماطها واختلاط عناصرها بالمؤثرات الاجتماعية والتجارية والدينية .
وتأتي أهمية الفنون التطبيقية نتيجة دورها الفعال في المجتمع وفي حياة الشعوب لما لها من تأثير قوي في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والجمالية والروحية، وتشمل الصناعات اليدوية والحرف التي يقوم بها الناس من تحف فنية صدفية وخزفية وكذلك المنسوجات كالزجاج والصناعات الجلدية وصناعة الدلال والسلال كما يتجلى ذلك في مجموعة الرسوم التالية وهي عبارة عن أدوات من أسطح مزخرفة لأوانٍ ووحدات شعبية من التراث الشعبي البحريني.
ويقول عفيف بهنسي في كتابه "الفن الحديث في البلاد العربية" لقد كان الفن الشعبي فن الناس جميعاً المبدع فيه كل الناس والمتذوق فيه كل الناس، ولم تكن هناك بنية فوقية للفن. قوامها عدد ضئيل من المتذوقين، فالنساء جميعا، بل والرجال يتفننون برسم صيغ الوشم والخضاب (الحنة) على وجوههم وأيديهم ويتسابقون في تطريز أزارهم وثوبهم، والأسرة تضفي على خيامها وأثاثها أروع الصناعات وأجملها وفي المدن والقرى يرفع الناس بيوتهم منسجمة مع روحهم وحاجاتهم فالقباب والمداخل والفسحات تكتنفها عناصر معمارية حرفية هي بدائية ولكنها لا تخلو من طرافة وجمال15 وفي الصورة التالية جانب من حرفة النسيج التي تشتهر بها قرية أبو جمرة في البحرين.
الهوامش
1: على عبد الله خليفة، (2009م) : استلهام التراث الشعبي في الأعمال الإبداعية بمنطقة الخليج والجزيرة العربية ، مجلة الثقافة الشعبية، العدد الرابع، مملكة البحرين.
2: علي زين العابدين، (1981م): فن صياغة الحلي الشعبية النوبية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ص338.
2: Oxford Concise Dictionary of Art Terms, (2001): Folk Art، By Michael Clarke، Oxford University Press، p. 99
4: يوسف غراب، (2000م): الفولكلور ثقافة البسطاء، زهراء الشرق، القاهرة، ص15– 16.
5: سعد الخادم، (1961م): معالم من فنوننا الشعبية، دار المعارف، القاهرة.
6: عبد الغني النبوي الشال، (1967م): عروسة المولد، دار الكتاب العربي، القاهرة، ص35.
7: إبراهيم جابر، (1977م): الفنون الشعبية بين الواقع والمستقبل، الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة.
8: محمد الجوهرى ،(بدون تاريخ) : علم الفلكلور، دار المعارف، ط2.
9: تطور الفكر والدين في مصر القديمة، ص428. (breslted (Gemss Henry)
10: أحمد علي مرسي، (2001م): مقدمة في الفولكلور، عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، ص44.
11: أحمد علي مرسي، (2001م): مقدمة في الفولكلور، عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، ص44.
12: محمد الجوهري: علم الفولكلور، الجزء الأول، رواد المعرفة الجامعية، ص52، 53.
13: وثيقة مقرر الثقافة الشعبية، مساق إثرائي يدرس بالمرحلة الثانوية.
14: وثيقة مقرر الثقافة الشعبية، مساق إثرائي يدرس بالمرحلة الثانوية.
15: عفيف البهنسي، (1974م): دراسات نظرية في الفن العربي، المكتبة الثقافية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ص149.