فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

حرف وعادات أهل شفشاون المنقرضة أو المهددة بالانقراض

العدد 15 - أدب شعبي
حرف وعادات أهل شفشاون المنقرضة أو المهددة بالانقراض
كاتب من المغرب

مدخل تاريخي:

تكاد تختص كل مدينة من مدن المغرب بعاداتها وتقاليدها وأعرافها وطقوسها في الأكل والملبس والأفراح والمواسم وذلك حسب مكونات المجتمع والتركيبة السكانية التي توحدها هذه المدينة أو تلك: برابرة، عرب مهاجرون من الأندلس، مهاجرون من الأرياف، أروبيون..الخ.

 وبالنسبة لمدينة شفشاون الواقعة في أقصى الشمال الغربي للمملكة المغربية على ارتفاع 600 متر عن سطح البحر، وهي ذات مناخ جبلي جاف على العموم، ترتفع فيها درجة الحرارة لتصل في بعض الأحيان إلى أكثر من أربعين درجة مئوية، وتنزل إلى دون الصفر أحيانا أخرى في فصل الشتاء.

تبعد عن مدينة سبتة بمائة كيلمتر وعن تطوان بستين كيلمتر. أسسها علي بن راشد العلمي سنة 876هـ 1471م لتكون قلعة للمجاهدين الذين وجدوا في موقعها الاستراتيجي مكانا حصينا تتجمع فيه قوافلهم التي كانت تنطلق في اتجاه الثغور المغربية الشمالية للمقاومة ضد الاحتلال البرتغالي، فأصبحت دار إمارة ومركزا تخطيطيا للدفاع والهجوم ومأوى لأسر المجاهدين ومقر سكن لهم، وهو ما يعكس في واقع الأمر حقيقة الظروف الحربية التي واكبت بناء المدينة، فجاءت محمية من الخلف ومشرفة على باقي الممرات والمداخيل المؤدية إليها من الجهة المقابلة.

وكان استقرار مدينة شفشاون مرهونا بتحصين الثغور المواجهة للعدو، وبالسهر على تفقد أحوالها وتزويدها بما تحتاج إليه من عدة ورجال. وكانت هذه المراكز تحتاج دعما ماديا وبشريا، خصوصا أن البرتغاليين كانوا يسيطرون على أجزاء كثيرة من السهول القريبة من المدينة، وقد شن مؤسس المدينة التي أصبحت إمارة مستقلة تحت قيادته حربا لا هوادة فيها على البرتغاليين، وأعطى لنفسه حنكة الأمراء المستقلين، وأظهر كثيرا من الحزم، وساس منطقة حكمه سياسية جعلت المؤرخين فيما بعد يتحدثون عنه بكثير من الاحترام والتقدير، واستمرت إمارة الرواشد لنحو قرن من الزمان (من 876هـ إلى 969هـ/ 1471-1564م) وكانت تشمل مناطق من جبال غمارة وبعض البلاد.

 

هجرة الأندلسيين:

عرفت المدينة ثلاث هجرات أندلسية، الأولى سنة 888هـ/1483م فأنشأت بها حومة (حي) الخرازين وحومة الصبانين. والثانية سنة 898هـ/1493م حيث حلت بها مجموعة من الأسر الأندلسية وكانت السبب في إنشاء حومة ريف الأندلس وكانت تغطي حوالي ثلث سكان المدينة. والثالثة كانت سنة 907هـ/ 1502م والتي نتج عنها إنشاء حومة جديدة بالمدينة وهي حومة العنصر.

وقد أحدث هؤلاء تطورا مهما في إعمار المدينة والحفاظ على الطابع الأندلسي في البناء والتشييد، ويلاحظ هذا في المساجد العتيقة والحمامات والفنادق والبيوتات الكبرى بفضائها المفتوح وزخرفة سقفها وأبوابها زخرفة أندلسية بالألوان الطبيعية ونوافذها المستطيلة والمربعة ذات الشبابيك الحديدية الرائعة الصنع، وزجاجها الملون تشبه في ذلك النموذج الشامي. ثم أبواب المدينة وأقواسها وأزقتها الضيقة ودروبها الملتوية، والجدران المصبوغة بالأبيض، كما أن حضارة الأندلس حاضرة في تطريز الألبسة النسائية والرجالية، وفنون النقش على الخشب وفن الدرازة والخرازة والخراطة والمطاحن، وقد عرفت المدينة عبر حقبها أن بعض الأسر الأندلسية كانت تختص بحرفة من الحرف وتشتهر بتجارتها كصناعة الصوف والحرير والجلد والنجارة وغيرها، كما أن هناك تقليداً أندلسياً (غرناطياً بالخصوص) جميلاً هو ولوع النساء بالنباتات وخصوصا زراعة الحبق.

ومن المظاهر التي يتجلى فيها التأثير الأندلسي الموريسكي الملابس كالسلهام والصدرية والفراجية والتحتية والمضمة والحايك الذي كانت تستعمله المرأة في شفشاون عند الخروج، والسبنية والشربيل والريحية والأحزمة والحراز وأغطية الأفرشة والموائد والمخدات المطرزة بالحرير، والمائدة الأندلسية حاضرة هي الأخرى في الوسط الشفشاوني بأطعمتها المختلفة كالإسفنج، والتفايا، والتريد، والثردة، والدشيشة (السميد) والمجبنة والرغايف وبعض أنواع الحلويات، وحتى الأدوات المنزلية لا تخلو هي الأخرى من أندلسيتها.

أما الموسيقى الأندلسية فإنها باقية بأنغامها وشداها تطرب الأسماع في المناسبات، بل ويقام لها مهرجان سنوي تحضره الوفود من جهات مختلفة من المغرب بل ومن خارجه فأطلقوا عليها أسماء عديدة؛ بنت الحمراء، غرناطة الصغيرة، فردوس المغرب الأندلسي، وديعة الأندلسيين بالمغرب.

وعلى العموم فإن مدينة شفشاون محروسة بالتقاليد الاجتماعية الصارمة في الطقوس والاحتفالات الدينية والاجتماعية. زارها الأديب أمين الريحاني سنة 1939م وكانت تعيش تحت الاحتلال الاسباني فوصفها قائلا:

"شفشاون مجموعة ظلال على الأفق المشرق... الصروح البيضاء، المفتوحة بتيجان الحصون، الحاملة خارجات وداخلا رسالة الحمراء في الهندسة الغرناطية شكلا ومعنى –جملا وتفصيلا- في النقش والتلوين وقل الغناء، وإن أجمل الألحان لفي هذا الزخرف وهذه الألوان".

وتبقى شفشاون كما وصفها الشاعر المغربي المرحوم محمد الحلوي:

شفشاون يا مهد الجهاد وقلعة

للدين كانت في القديم ولم تزل

يا فتنة الشعراء هل ينساك من

 

ملأت رؤاك عيونه وبك انشغل؟

من لا يزال بقلبه وعيونه

أعمى عن الإلهام في دنياه ضل

أنّى اتجهت رأيت سحرا ماثلا

ومتى نهلت اشتقت بعد إلى علل

في صمتها سحر، وفي نسماتها

عطر وفي شلالها كنز هطل.

يشكل المجتمع الشفشاوني جزءاً من المجتمع المغربي، يشترك معه في مجموعة من العادات والتقاليد والأعراف والطقوس والحرف والمهن توارثتها أجيال بعد أجيال منها ما انقرض وتلاشى مع الزمان ولم يعد له وجود إلا في الذاكرة الشعبية والأمثال، بعدما داستها عجلات التطور، ومنها ما زال يذكر اسمه في بعض الأحياء والأزقة (الخرازين، الصبانين، الصياغين، الدباغين..الخ)، بل وحتى في أسماء العائلات العريقة (الصبان، الخراز، الدباغ، الدراز، الطبال، اللامين، اللحام، الغسال، الكراب، العطار، الخباز، الحايك، الصباغ، الغزال، الحداد، النجار، المؤدن، الفقيه...الخ). ومنها ما يزال يصارع التطور والحداثة من أجل البقاء، أو هي في طريق الاندثار والزّوال.

نقوم في هذه الدراسة بإطلالة على جزء من ذاكرتنا لمؤانسة ذاكرة النسيان، ونحن نعرف ببعض المهن والحرف المرتبطة بعادات وتقاليد ساكنة مدينة شفشاون، دون أن ندعي الإحاطة بها كلها.

ولابد من التذكير هنا بأن هذه الحرف والمهن هي تقليد عربي، بربري، يهودي، كانت موجودة بالأندلس وانتقلت إلى المغرب واستمرت على نفس المنوال، ومنها ما تطور حسب الظروف والمحيط الذي انتعشت فيه بعد اندماجهم مع السكان الأصليين فأثروا وتأثروا وانتظموا فيما بينهم، وكونت وحدة متكاملة ومندمجة تميزت بخصوصياتها من مدينة لأخرى ومن بيئة لأخرى ولله في خلقه شؤون. فالعرب كانوا يحترفون الفلاحة والغراسة ونسج الحرير والغزل والنسيج والتجارة فيهما، وبيع العطر والشمع واللبن والفاكهة والخضر والخبز. أما البربر فقد امتهنوا العديد من الصنائع مثل ظفر الحلفاء والقنب والحبال وصناعة المحاريث والسلال والبراذع والشطاطيب وحمل الماء والبناء، والفحم. أما الموالي فمن صنائعهم الحياكة والخرازة والنسج وسبك الحديد وصناعة آلات الحرب والنحاس وآلات الخيل وسرجه، وامتهنوا كذلك الصباغة والحجامة والتطبيب والطحن وخراطة العود، ونجارة الخشب وتسمير البهائم. ومن خدماتهم للمجتمع ضرب الطبول والبنود والقيام بالمساجد والآذان ورصد الوقت ودفن الموتى وحفر القبور وحراسة الأسواق ليلا وحراسة الفنادق وحمل السلع من بلد إلى بلد.

وامتهن من أسلم من اليهود بخياطة الملف والثياب وظفر القيطان ونسج العُقل والقلنصوات وصبغها والحجامة والدلالة في الأسواق وإصلاح النعال المخروزة. أما الموالي منهم فقد اشتغلوا بصناعة الصابون والفانيد وتشبيك الفداوش والشعرياء والترد والمقروض، وتسفير الكتب وتزويق الخشب وتركيب المناسج وضرب الدينار والدراهم وحلي النساء وفرط الجمان وخدمة الزجاج وتصفية المعادن وصناعة القدور، ومن خدماتهم طبخ الأخباز والأسفنج والشواء وعصر الزيت وحملها وتخليص الرباع وتزليجها وخدمة الحمامات وسقاية الماء وكراء الأواني (ينظر ذلك بالتفصيل في كتاب (ذكر بعض مشاهير أعيان فاس في القديم) لمؤلف مجهول / تحقيق عبد القادر زمامة نشره في مجلة (البحث العلمي) العدد: الثالث والرابع، السنة الأولى- 1964م). وذكر ابن حزم في كتابه "طوق الحمامة" أن نساء الأندلس اشتهرن بمهن مارستها هي الأخرى في المجتمع كالطبيبة والحجامة والدلالة والماشطة والنائحة والمغنية والمعلمة والمستخفة والصانعات في المغزل والنسيج. (ص:19).

 

الدلال

مهنة كان يمارسها الرجال، ويقوم بدور الوسيط أو الوكيل بين البائع والمشتري، يدلل الصعوبات التي تعترضها، يعرض أنواعا من الصناعة التقليدية المحلية بالخصوص (الجلباب والأحذية التقليدية- البلاغي للرجال والنساء) وذلك كل مساء بعد صلاة العصر باستثناء يوم الجمعة (كان يوم عطلة للجميع في الحي التجاري المعروف (السويقة) وهو أقدم أحياء المدينة. حيث توجد الدكاكين الكثيرة المصطفة يمنة ويسرة والمنفرد بخصوصيته التجارية، ويبتدئ من مدخل الحي المطل على الساحة المعروفة (وطاء الحمام) وينتهي عند وسط الطريق المؤدية إلى باب العين وهي من الأبواب السبعة للمدينة القديمة.

يقوم الدلال بالوقوف عند كل دكان لعرض ما كلف ببيعه من السلع وذلك من أجل الاطلاع عليها ومعاينتها وذكر اسم صاحبها وثمنها، وللمشتري الخيار في الزيادة في ثمنها أو رفضها، وهكذا ذهابا وإيابا إلى أن تقف على آخر من ثمّنها، ويأتي صاحب البضاعة لأخذ ثمن بضاعته من المشتري. ويتقاضى الدلال الأجرة منهما معا حسب العرف المتبع في ذلك. ويتعاطاها في الغالب أهل الطبقة المتوسّطة. ويعرف هذا السوق ازدحاما كبيرا لكثرة رواده من المتبضعين من سكان المدينة ومن القرى والمداشر المجاورة  وخصوصا أيامي الإثنين والخميس حيث يعقد السوق الأسبوعي للمدينة. ويزداد السوق ازدحاما أياما قبل الأعياد الدينية (عيد الفطر وعيد الأضحى وعاشوراء).

لم تقتصر مهنة الدلال على مدينة شفشاون فقط بل كانت موجودة في كل المدن العتيقة كفاس ومراكش وتطوان والرباط.. وهناك مثل شعبي مغربي يقول: "إذا نصحك دلالك لا فضل لا راس مالك".

البراح:

هو المنادي الذي يتولى الإعلان والإشهار في الأسواق والأماكن العمومية، أي إبلاغ الناس بأمر هام من طرف السلطة، أو ممن ضاع له شيء ينشده فلا يفتأ يرفع عقيرته عابرا أسواق المدينة وحاراتها، وكان يختار لهذه المهمة ممن له صوت جهوري يساعده على أداء مهمته. ومن المهام التي كان يقوم بها في مدينة شفشاون هو الإعلان عن بيع للعقار (بيت- أرض فلاحية- غرفة أو أكثر في منزل ما- دكان- متاع للورثة) بعد صلاة الجمعة في ساحة وطاء الحمام قرب المسجد الأعظم فيلتف حوله الناس بعد خروجهم من المسجد ويشكلون حلقة دائرية كبيرة وهم ينصتون إليه. إضافة إلى الإعلان عن الاحتفال بالأعياد الدينية ودعوة الناس إلى إقامة صلاة العيد بالمصلى في الموعد المحدد لها، وهو يجوب أحياء وأزقة المدينة، والإعلان عن موعد صلاة الاستسقاء أيام الجفاف، وعن مناسبة وطنية كزيارة ملك البلاد، أو إذاع خبر ذي أهمية. وهي عادات كانت موجودة بالأندلس انتقلت إلى شفشاون مع المهاجرين الموريسكيين الذين استقروا في أغلب مدن وقرى شمال المغرب، ولهذا لم تقتصر هذه المهنة على المدينة فقط، بل انتشرت في الأسواق الأسبوعية بالبوادي المجاورة.

 

العراضة:

مهنة تقوم بها النساء، وهي من العادات التي كانت شائعة بكثرة في المدينة، تختص بها نساء محترفات، خبيرات بأمور ومجريات الحي أو الزقاق وسكانه والعلاقات الاجتماعية التي تربط بين أهل الحي وأسمائهم تقمن باستدعاء الضيوف (النساء بالخصوص) المرغوب بحضورهن إلى حفل العرس قبل أيام المناسبة بأسبوع أو أقل من ذلك لتتمكن النساء من تهيئ أنفسهن لليوم الموعود سواء فيما يتعلق بالملابس والحلي والتزيين.

تقوم العراضة وهي تجوب الأحياء والأزقة بدق أبواب بيوت الأسر المستدعية في وقت مناسب عادة ما يكون بعد صلاة العصر مخاطبة إياها بعد إلقاء التحية وبأسلوب مهذب قائلة: "إن الأسرة الفلانية تستدعيكم للحضور إلى حفل العرس يوم كذا على الساعة كذا"، ويرد عليها أهل البيت بالدعاء بأن يجعل الله البركة ويكمل بالخير على أهله. وأحيانا تدخل البيوتات لتتمكن من مزاولة مهمتها بصفتها المبعوثة الرسمية من لدن أهل العرس إلى البيوتات والعائلات العريقة، وأحيانا تجلس لاحتساء كأس من الشاي. وبعد إتمام مراسيم "العرضة" تقدم لها العائلة المعنية بالفرح أجرتها نقدا وقطعة من القماش، مقابل عملها.

إن مهنة (العراضة) اليوم في مدينة شفشاون هي في عدها التنازلي، فقد عوضت ببطاقات الدعوة والهاتف أو بواسطة الأنترنت.

 

الحضّارة:

وهي المرأة المحترفة التي تظهر في حفلات النساء حيث تقوم بإنشاد الأمداح النبوية والأزجال والأدعية والتوسلات، يصاحبها مجموعة من النساء بين 5 و 7 تقودهم الحضارة ولا تستعمل من أدوات الطرب إلا الطبلة والدف والطر وأحيانا الضرب بالأيدي. تحضر حفلات الزفاف والعقيقة والختان والاحتفال بالمولد النبوي الشريف. وغيرها من المناسبات كالمهرجان النبوي للأمداح والسماع الذي يقام في المدينة في شهر يونيو.

 

العريفة:

هي المرأة المعينة من قبل السلطة للدخول إلى المنازل والتعرف على ما بداخلها بدل الرجل وتكون معتمدة عند القاضي الشرعي في الإشهاد على شؤون النساء التي لا يسمح للرجال الاطلاع عليها ويشترط فيها الذكاء والفطنة والجرأة. وهي اليوم معتمدة من طرف البلدية وتتقاضى أجرتها شهريا كالمقدمين.

الطراح:

مساعد صاحب فرن الخبز، يسمى طراحا، يحمل العجين من البيوتات إلى الفرن ثم يرده إلى أصحابه، فوق رأسه وبين أيديه، وعادة ما يكون سنه ما بين (14 إلى 18) ويكافأ على عمله بخبزة صغيرة تصنع له أو نصف خبزة من طرف صاحب الخبز. وكان التنافس شديدا بينهم من سيصل إلى الطالب لخدمته وكانت عادة النساء في المدينة أن يطرقن على مهماز الباب طرقات سريعة وقوية إيذانا لطلبه وهو عرف توارثه السكان وأصبح معروفا لدى (الطراحة) وقد انقرضت هذه المهنة اليوم وأصبح أهل البيت يحملون عجينهم بأيديهم إلى الفرن.

 

الطبال:

هو الضارب على الطبل، وكان يحترفها رجال يقومون بالضرب على الطبل، يستأثر كل حي من أحياء المدينة بطبالها الذي كان يتولى إيقاظ النائمين لتناول السحور أيام شهر رمضان، حيث يقوم بالسير عبر الدروب والأزقة وهو يضرب على طبله، وأحيانا يتبعه الأطفال الذين ينتظرون قدوم الطبال ليشاركوه في جريه وهم فرحون وينادون بأعلى صوتهم: الطبال، الطبال. إلى أن ينتهي شهر رمضان المعظم، وفي صبيحة يوم عيد الفطر يجوب حيه وهو يضرب على طبله قرب كل منزل كي يمنحوه نصيبه من زكاة الفطر. وهي اليوم في طريق الانقراض.

 

النفار:

صاحب النفير، وهو مزمار نحاسي طويل (ما بين متر ومتر ونصف ومترين)، يتألف من ثلاثة أجزاء رئيسية أولها (التنور) وهو الجزء العلوي من الآلة ويكون على شكل بوق، وثانيهما (الوسطية) وهي القناة الوسطى، ثم (الفلسع) وهو الجزء الذي يتصل مباشرة بفم النافخ (النفار) ويتم تركيبها عند الرغبة. وهو نوعان غليظ ويستعمل عادة للإعلان عن حلول شهر رمضان المعظم وعيد الفطر. والثاني رقيق ويستعمل في أنواع القيام خلال ليالي شهر رمضان. وكان لكل حومة (حي) نفارها الذي يصعد إلى صومعة مسجد الحي مع آذان صلاة المغرب وعند موعد السحور مرسلا صوتا مدويا ومجلجلا والأطفال يتحلقون بأسفل الصومعة يستمتعون بصولاته وهو ينفخ في آلته عازفا إيقاعات من مقامات خاصة، أو يجوب الدروب والأزقة ليلا يلاحقه الأطفال في خطواته. إضافة إلى مهمته في المناسبات الدينية والوطنية والاجتماعية (احتفالات الزفاف وكان من عادات وتقاليد الأسر في المدينة أنه كلما حل (النفار) بباب المنزل إلا وخرجت أم (بزلافة)= إناء صغير من الماء لينضح فيها النفار ثم يشربها الأطفال الصغار الذين لم ينطقوا بعد، وذلك تبركا والتماس نطق أطفالهم بسرعة، ودرءاً لكل حُبسة أو عقدة لسان عندهم، مقابل أجر زهيد تمنحه الأم له، أما أجره عن عمله في شهر رمضان، فيكون من زكاة الفطر، فيحصل على نصيبه منها. وقد تفقد بريقها اليوم وتوارى دورها خلف متغيرات العصر الحديثة في ضبط الوقت والاتصال.

 

الغياط:

صاحب (الغيطة) وهي المزمار الشهير في المغرب، وتقتصر مهمته في شهر رمضان متطوعا، ولا يعرف كيف ومتى تسللت آلة الغيطة إلى صوامع مساجد المدينة خلال ليالي شهر رمضان حيث يقوم بالتشفيع بعد صلاة العشاء والتراويح، وعند السحور معلنا بنهايته من صومعة المسجد عازفا مجموعة من الألحان المعروفة (دينية ووطنية) يتقاضى أجره من زكاة عيد الفطر، حيث يناوله كل رب بيت نصيبه كالنفار والطبال. هذا الموروث بدأ يندثر أو في طريق الاندثار نهائيا. وتتشكل الغيطة من عدة أجزاء متفاوتة الحجم والشكل، تفرض جميعها بشكل متناسق لتقوم بوظيفتها. فهناك جعبة الغيطة وهي تصنع من عود المشمش لتتضمن هذه القصبة، ذات اللون البني الدّاكن بها 11 ثقبا يتميز كل واحد منها بنوتة موسيقية خاصة. على أن الجزء الأمامي في الجعبة الدائري الشكل، شبيه بالبوق، فيعرف بتسمية (التنور)، أما الجعبة الصغيرة في الغيطة فتسمى ب (الدخيرة) ووظيفتها تنحصر في توزيع الهواء. أما (اللولة) فهي قطعة صغيرة من النحاس دائرية الشكل يتم إدخالها في (الدخيرة) لتحبس النفس وتساعد على تجميع الهواء. وعادة ما يرافق (الغياط) الطبال في الأفراح والمناسبات الدينية والوطنية والاجتماعية.

 

الكسال/ الطيّاب:

هو الذي يتولى تعهد المستحمين في الحمامات العمومية يدَلْك ظهورهم وأطرافهم، ويجعل في يده (كيسا) من القماش الخشن يساعده على ذلك. إضافة إلى تقريب الماء الساخن للمستحم. وهي مهنة كانت معروفة في التاريخ الحضاري الإسلامي، وقد ذكر الجاحظ في كتابه البخلاء عن وجود هؤلاء في حمامات بغداد، وكيف كان الواحد منهم يضع على رأس زبونه طيبا يميز به رأسه من رؤوس الآخرين ريثما يعود إليه، وكيف كان النزاع يحتدم أحيانا بين الطيابين وذلك مقابل أجر يمنحه هذا الزبون، يتفاوت حسب نوعيته ومكانته الاجتماعية. ومن المشرق والأندلس تسربت إلى المغرب.

و(الطيابة) امرأة تتولى نفس الخدمة للنساء، وللعروس والنفساء خدمات خاصة بهن وتخصص لهن غرفة أو ركن خاص بالحمام خاصة مقابل أجر تمنحه الزبونة للطيابة.

 

الطرازة:

وهي المرأة التي تمتهن تطريز الثياب بخيوط الحرير وخيوط الذهب، وهي حرفة أندلسية دخلت المدينة مع المهاجرين الأندلسيين، تمارسها (المعلمة) والفتيات التي تسهر على تعليمهن هذه الحرفة، وهي من الفنون الجميلة تتجلى بالخصوص في (الألبسة النسائية والرجالية والإيزارات والمخدات والمناديل) ويختلف فن الطرز المغربي من مدينة إلى أخرى. من تطوان إلى فاس ومن الرباط إلى سلا ومن أزمور إلى شفشاون، حيث يتواجد العديد من ألوان الطرز، فمدرسة شفشاون كأختها في مدينة تطوان عرفت بلونين معروفين هما:

التنشيفة ويستوجب وجود أحد عشر لونا، ويطرز على ثوب حريري، ويكون له وجهان (المزلج) و (المرخم) وهو لا يزال موجودا اليوم وينجز (بآلة الخياطة). وهذا يمنحه وجها واحدا بعكس الطريقة التقليدية التي تمنحه وجهين.

التعجيزة: يكون خاصا بالإزار الذي يشترط أن يكون لونه أصفر أو أبيض وهو جزء من (الشوار) الخاص بالعروس ويوجد كذلك في المخدات، ويتميز بطرازات رشيقة تشبه أشكال الشجر الإفريقي، وغالبا ما يكون بألوان فاقعة صاخبة كالأزرق والأصفر والأخضر.

ومما يمكن ملاحظته أن أعمال الطرز في شفشاون وتطوان هي أكثر قرابة وتشابها مع الطرز والحياكة في الأندلس (اسبانيا).

 

النكافة/ المشاطة:

هي المرأة التي تتولى شؤون العرائس وتسهر على زينتهن ولباسهن، وتقديمها للحاضرات، وتهتم بأدق التفاصيل المتعلقة بالعروس للرحيل إلى بيت الزوجية، وهي غالبا ما تكون من غير القريبات للعروسة، وفوق الشبهات، خبيرة بشؤون الزواج وتوابعه، وقد يحتاج إليها في بعض الأحيان إذا تعقدت الأمور واختلفت الآراء لسبب من الأسباب كما كان معروفا في المدينة وضواحيها. وتسمى كذلك (المشاطة) أو الزيانة وتطور دورها وأصبحت اليوم تتقاضى أجرا باهضا عن عملها يتفاوت من أسرة إلى أخرى. وعملها يتطلب مهارة وكياسة وبالغ الأهمية، يساعدها في ذلك مساعدات من واحدة إلى إثنين من النساء.

 

اللامين:

وهو عند الحرفيين، خبير بالحرفة يتولى الفصل في المنازعات المتعلقة بالمنتوج وجودته وما إلى ذلك وهم في الحياكة والبناء والجزارة والتجارة وسوق الماشية ومجاري المياه. وكانت المحاكم تستعين بهم في القضايا المتنازع حولها والمعروضة عليها. ومعاينة العيوب والضرر الملحق بالمنتوج ويتدخلون في ما يلحق السكان من ضرر كدخان الحمامات والأفران التقليدية، ويكون من أهل التجربة والحنكة والصدق والأمانة، ويتقاضون أجرهم من المتنازعين بعد كل قضية حسموا فيها.

وهو حسب العرف بمثابة أب الحرفيين والأقرب إلى مشاكلهم ومعاناتهم، وهو مرتبط بالمحتسب لأنه المسؤول عن حل مشاكل قطاعات الصناعة التقليدية، إنه بمثابة القاضي في هذا المجال.

 

الحنّاية/ النقاشة:

هي المرأة المحترفة في خضب النساء بالحنّاء، ولها مهارة في رسم أشكال ورسوم بديعة على أيديهن وأرجلهن، ولاسيما العرائس، فهي من الطقوس الاحتفالية التي ترافق الزفاف في المغرب بصفة عامة، وتنتمي إلى ماض سحيق واستمرار حضورها القوي اليوم. ومن المعتقدات المغربية المرتبطة بالحناء والزفاف، أسطورة تذهب إلى أن نيل رضا ملكة الجن (لاَلَّة رقية بنت الملك الأحمر) التي تحرس الحمامات العمومية التي ترتادها النسوة باستمرار من أجل الاغتسال، يقتضي من المرأة أن تضع الحناء على أطراف جسمها قبل أن تذهب للحمام، وتوقد قبل الدخول إلى قاعة الاغتسال البخور الطيب. ومن العادات التي لا تزال متبعة في احتفالات الزفاف في المغرب بصفة عامة، عادة تقديم طبق وريقات الحناء المجففة وفوقه بيض الدجاج ضمن الهدايا التي تحمل للعروس. فالحناء تطحن لتطلي العروس بها أطرافها من طرف (الحناية)، والبيض تسلقه العروس وتتناوله صحبة عريسها، أملا في أن تكون حياتها بيضاء خالية من كل تكدير وتعكير، وفي اعتقاد جل النساء المغربيات أن الحناء نبتة من نباتات الجنة وأنها تجلب الحظ السعيد وفرص الزواج، وتخلي العروس من نذير شؤم. ومن المعتقدات الشعبية المرتبطة بالحناء:

- الإكثار من استعمالها يجعل الشخص حنونا.

- الجلوس تحت شجرتها ليلا يصيب بالمس لأنها سكن الجن.

- دفن القليل من الحناء في الأرض الزراعية يزيد من خصوبتها.

- حمل العازبة لأوراق الحناء في ما يشبه القلادة يسرع زواجها.

يتم شربها بعد أن تنقع في ماء ساخن وتعطى للمريض المصاب بمرض الصرع. وقد تشرب أو يرش بها المصاب، حيث يعتقد أن الجن لا يقترب من شاربها لأنها من الجنة ومن عند الله.

وقد تطورت هذه المهنة اليوم وأقبل عليها النساء والفتيات بكثرة بل وحتى الأجانب الذين يزورون المدن العتيقة للسياحة ومنها شفشاون، والحنايات يعرضن فنهن على المارة في بعض الأماكن العمومية.

 

الكواي/ اللحام:

هو الذي يلحم الأواني القصديرية والنحاسية التي يلحق بها عطب كثقب في الأسفل أو تكسير جوانبها وغير ذلك. كما كان يصنع (الغراف=الكوب) من القصدير لشرب الماء، وهو أنواع: صغير ومتوسط وكبير،وكان باعة الحليب يستعملونها كذلك للكيل، ربع ليتر، نصف ليتر وليتر. انقرضت هذه المهنة في المدينة ولم يعد لها وجود في الأسواق الأسبوعية التي تعقد بضواحي المدينة.

 

الزطاط:

هم عادة ما يكونون من الفرسان الشجعان، موكول لهم حماية التجار أو الحمارة في رحلتهم  وكانوا يذهبون من مدينة شفشاون إلى مدينة فاس للتبضع سيرا على الأقدام أو راكبين على الدواب، قبل ظهور السيارات وكانوا يتعرضون لخطر قطاع الطريق، وعادة ما يكون الزطاط مسلحا ببندقية وقوي البنية عارفا بالطريق وخباياه (انظر رحلات حجاج المغاربة مع هؤلاء الذين كانوا يحمونهم مقابل أجر يمنحه رئيس الوفد الحجازي لهم) وقد انقرضت هذه المهنة بشكل نهائي.

 

الرحوي:

محترف طحن الحبوب في الرحى الحجرية التي تدور بالماء، على ضفة النهر أو على مجرى الماء الصافي المضاف. وكانت تنتشر على ضفة نهر رأس الماء بالمدينة، يشتغل بها الرجل (الرحوي) والمرأة (الرحوية) وهي صاحبة الرحى الوحيدة التي كانت داخل سور المدينة في طريق حي العنصر. والمطحن عبارة عن حُجرة صغيرة ذات سقف محدب مكسو بالقرميد الأحمر، ولها ملحقاتها، ينزل ماء الساقية منحدرا في الأنبوب الخشبي، فيسقط مندفعا ويدير بكرة الرحى من أسفل المطحنة فتدار لها أسطوانة الرحى على أخرى ثابتة، يفرغ الحب في القادوس، وهو وعاء كبير هرمي الشكل، موصولة به المرزية، وهي وتد غليظ تتذبذب حين تدور الرحى محدثة سحيفا متواصلا، فتجعل لهوة الحب تتساقط قليلا في فوهة (الصنجة). وحين يطحن الحبّ يتسرب الطّحين من بين أسطوانتي الرحى فيقع في (الثقال) الذي هو (الحاجور) حيث يقع الدقيق.

يأخذ الرحوي أجرته من الكمية التي تم طحنها وذلك حسب الأعراف التي كانت متبعة آنذاك. وقد انقرضت هذه الحرفة ولم تبق من الرحى(26) إلا  إثنتين. والباقي معطل لانقطاع الماء عنها.

وهناك رحى لعصر الزيتون وتسمى رحى الزيت أو معصرة، وكانت تقام في نفس الأماكن التي يوجد بها رحاوي الدقيق وكان عددها بالمدينة (18) وقد اندثرت.

العساس:

حارس الحيّ أو الزقاق والساهر على حمايته من الدخلاء واللصوص، ويستعين بعصا غليظة يستعملها عند الحاجة. وكانت المدينة العتيقة محاطة بسور تنفتح فيه أبواب وهي مرتبطة بموقعها واتجاهات الطرق إلى ضواحيها وبواديها وهي ثمانية: باب العنصر وباب المحروق، وباب السوق وباب العين وباب الموقف وباب الحمّار. وباب القصبة وباب الهرموم. وكانت هذه الأبواب تقفل بعد صلاة العشاء، ولا تفتح إلا بعد صلاة الصبح من طرف (العساس) أي الحارس. وقد انقرضت هذه المهنة بشكلها التقليدي.

 

الكراب:

هو السقاء الذي يقوم بتوزيع الماء في الأسواق، يتميز بعباءته الحمراء الفاقعة، وشاشيته (غطاء تقليدي للرأس)  المزخرفة بالألوان المتدلية من أطرافها والمصنوعة من الحرير، وجرسه النحاسي اللامع الرنان ومع أربع إناءات صغيرة مصنوعة من النحاس كذلك يفرغ فيها الماء للعطشى وكلها علقت على عنقه. ومحفظته الجلدية التي يضع فيها ما يجود عليه به الشاربون، وفي الجانب الآخر يحمل (كربته=المحفظة المائية) المصنوعة من جلد الماعز ليحتفظ فيها بالماء باردا وهي متصلة بصنبور نحاسي يفرغ منه الماء في الإناء. يطوف بالسوق الأسبوعي الذي كان ينعقد بالمدينة يومي الإثنين والخميس مناديا (شربة لله) فيقبل عليه العطشى من الوافدين وخصوصا أيام الحر، كما يذهب إلى أسواق البوادي. وهي مهنة لا يجني منها صاحبها المال الكثير بقدر ما يحصل على الأجر بواسطة عمله هذا. وأصبحت اليوم مظهرا من مظاهر السياحة في المدن العتيقة حيث يفضل السواح الأجانب والمغاربة أخذ صور بجانبهم كتذكار في الساحات العمومية (كجامع الفنا بمراكش وباب بوجلود بفاس وساحة وطاء الحمام بشفشاون). مهنة في طريقها إلى الاندثار. وهناك مثل مغربي يقول معناه: (من يريد الكراب صيفا عليه بمعاملته شتاء).

 

العطار:

هو الشخص الذي كان يتجول ببضاعته المتواضعة في سلة مستطيلة يحملها بين يديه يجوب بها الأزقة والدروب وضواحي المدينة مناديا بأعلى صوته للالتفات إليه. وبضاعته في غالبيتها كانت ينحصر في مواد الزينة البسيطة للنساء كالكحل والسواك والغاسول والعكار الفاسي، والمشط والعقيق والصابون وأدوات الخياطة التقليدية وأدوات أخرى تستعمل عند الحاجة وغيرها. وبعضهم كان يتعامل بالمقايضة كتبديل البيض بالسلعة وخصوصا البوادي.

 

الفرناتشي:

هو الذي كان وما يزال يتولى تسخين مياه الحمامات والمكان ويسمى (الفرناتشي) أي الأتون أو موقد النار في الحمام، بحيث يظل محركا بعوده الحديد (الزوبية) وفوقها (البرمة) خزان الماء الكبير الذي يزود الحمام بالماء الساخن عند الحاجة، وعادة ما يكون خلفه وفي رحبة قريبة منه يخزن فيها الحطب الجزل. وكان يسمح لتلاميذ الكتاتيب القرآنية (المحضرة) القريبة من الحمام بتنشيف ألواحهم من الصلصال في فصل الشتاء، كما كان يقوم بشي الأكاريع والرؤوس أيام عيد الأضحى المبارك مقابل أجر.

 

الدباغ:

هو الحرفي الذي يقوم بدبغ الجلد في أماكن خاصة تسمى (دار الدبغ) أو الدباغ وكانت توجد بالمدينة دار كبرى وأخرى صغرى، الكبرى قرب فندق (باردور) والصغرى في حومة السويقة، وهي أول حومة تأسست بالمدينة. وقد توقفتا عن العمل، وكانتا تحتاجان إلى مياه كثيرة لإنجاز العمل التقليدي لدباغة الجلد، وتسمى (تادباغت) وكان عملهم يقتصر على دبغ النعال وجلود المعز والأبقار والغنم وتسمى جلود هذه الأخيرة (البطانة) لأنها تبطن بها البلاغي (الأحذية)، وكانت للحرفيين أعراف خاصة بهم، بحيث كان كل واحد منهم يضع إشارة بموسى الحلاقة على جلوده حتى يميزها عن باقي الجلود الأخرى. ويقوم "الدباغة" بقطع الجلود ويدقونها في أحواض تسمى (القصاري) أو (المجاير) ثم غسلها في صهاريج مملوءة بالماء والجير وقشر الرمان يسمونها (السم) بغاية إزالة الشعر عنها، ثم تغسل من جديد في محل خاص. وهكذا إلى أن تصبح جلودا صافية. ويسميها الصناع في مدينة فاس بدار (الملحة) ويقولون إن لها بركة، ومن دخلها غير صادق أو من أجل السرقة يصاب في صحته أو ماله أو أبنائه. انقرضت في مدينة شفشاون ولكنها ما زالت في مدينتي مراكش وفاس.

 

الخباز:

ويسمى في عرف المدينة (المعلم) وهو الشخص الذي يعمل في الفرن التقليدي الذي كان يوجد في كل حومة –وما زال في بعضها- حيث يقوم بإدخال قطع العجين الذي تبعث به الأسر مع (الطراح) إلى الفرن بعد تحويله من القوراء إلى قطع مسطحة دائرية الشكل وثقبها بالمثقاب ثم يضعها فوق المطراح وهو عبارة عن قطعة دائرية من الخشب لها يد طويل يمكنه من الوصول بالقطع إلى أقصى مكان في الفرن ليتحول بعد ذلك إلى خبز وتسليمه إلى صاحبه مقابل أجر حسب العرف الجاري به العمل، وهو إما خبزة متوسطة أو مقدار نقدي يحصل عليه (المعلم)، ويبدأ عمله عادة من العاشرة صباحا إلى ما بعد صلاة العصر، باستثناء الأسابيع التي تسبق الأعياد أو مناسبة الأفراح كالأعراس والعقيقة والختان التي تقيمها بعض الأسر، ولم يكن دوره يقتصر على تخبيز الخبز فقط بل بطهي طواجين السمك أحيانا.

 

الخماس:

وهو الشخص القروي الذي يشتغل في أرض غيره مقابل الخمس ممّا تعطيه الأرض، ومثله الرباع الذي يستفيد من الربع، وهو عرف ما زال ساري المفعول في القرى والبوادي المحيطة بالمدينة.

 

الدراز:

وهو محترف النسيج وله مهارة في نسج الملابس الصوفية والقطنية والحريرية والأغطية (التليس والبطانية) وتسمى الحرفة (بتدارازت) وهي كلمة بربرية مشتقة من الدرازة محرفة عن الطرازة والنسب إليها (دراز) أي طراز، وأصحاب هذه الحرفة يصنعون الجلاليب البيضاء والسوداء والحمراء والرمادية والبونية، والقشاشيب (جمع قشابة) وهو لباس الرجال والكرازي أي حزام وهو للنساء يستعمل في البوادي بالخصوص لأنه يساعدهن على حمل الحطب، والحايك، وهو خاص بالنساء. ويمارس هذه الحرفة كذلك النساء في بيوتهن حيث يحكن المناديل من الصوف والقطن. وكانت مزدهرة في مدينة شفشاون منذ قرون بحكم مناخها الذي يعرف بردا قارسا في فصل الشتاء، ويقبل السكان على اقتناء الجلاليب الصوفية التي تقيهم من بردها. ولجلباب أهل البادية ميزة تختلف بها عن جلاليب المدينة، وخاصة في المناسبات والمواسم والأعياد، وهي كونها فضفاضة مزينة بزركش قيطاني معمول من خيوط حريرية متغايرة الألوان، أو بلا تزيين وأيضا قصيرة إلى ما تحت الركبتين بمقدار قليل جدا.

يساعد الدراز مساعدان في مهنته وهما:

(1)- الرداد وهو الذي يرد إليه النزق (آلة بها قنوط خيط الصوف) ووجوده ضروري.

(2)- الجعاب وهو الذي يقوم بتهيئ قنانيط الصوف لاستعمالها في الدرازة.

ويؤدي الدراز الأجور للمشتغلين معه أسبوعيا وفي كل يوم الخميس مساء، لأن يوم الجمعة عطلة. والجلباب الشفشاوني مشهور بجودته وإتقانه.

 

الخراز:

وهو الذي يمارس (تخرازت) وهي صناعة الأحذية التقليدية للرجال والنساء (وتسمى البلاغي مفرد البلغة) ويوجد حي في المدينة يطلق عليه (الخرازين) كما يوجد في فاس وتطوان يمارسها صناع مهرة غالبيتهم ورثها عن أجداده. والبلغة الشفشاونية مشهورة في الأسواق الشمالية سواء منها الرجالية أو النسائية والتي يطلق عليها: الشربيل وهي من اللغة الرومانية SERVILIA وكانت مستعملة في الأندلس في القرن الرابع عشر بنفس الإسم وهي حذاء مطرز بالحرير والذهب، وثوبه من القطيفة، ثم الريحية وهي حذاء من الجلد ذي اللون الأحمر، ويقال إن اسمه أخذه من الراحة لأنه يريح القدم، وكانت النّساء يستعملنه في الخروج مع لباس الحايك، ويوجد بنفس الإسم في الوثائق الغرناطية. ويقبل الرجال والنساء على اقتناء (البلاغي) في موسم الأعياد الدينية وهي عادة ما تكون ذات لون أصفر أو بني أو رمادي أو أبيض يلبسها الرجال مع الجلباب يوم العيد وفي المناسبات الوطنية والاجتماعية، وشكلت لباس العروس يوم الدخلة ويوم الصبحية. وكان الخراز يصنع كذلك: الزعبولة وهي محفظة كبيرة من الجلد مطرزة وذات غطاء يحفظ فيها الرجال أغراضهم ويحملها تحت جلبابه وأحيانا فوق الجلباب بالنسبة (للبواردي)= نسبة إلى أصحاب البارود أي الفرسان، وكانوا يقومون باستعراض خاص في ساحة المدينة (وطاء الحمام) حاملين بنادقهم على أكتافهم بجلبابهم القصير وعمامتهم الصفراء المتميزة في بعض المناسبات الدينية والوطنية.

وكانت النساء في مدينتي شفشاون وتطوان يلبسن (ريحية سوداء) حزنا على سقوط غرناطة سنة 1492م في يد الاسبان وخصوصا ذوات الأصول الأندلسية.

ما زالت صناعة البلاغي تلقى رواجا في الأسواق المغربية ولها أسواق خاصة بها كما هو الشأن في مراكش وفاس وتطوان وشفشاون.

 

الغزل:

أي غزل الصوف سدى أو طعمة، وكان يتعاطى هذه الحرفة النساء، وكانت الكثير من نساء المدينة يشتغلن في الصوف، حيث يقمن بشرائها وغسلها عند ضفاف النهر المنساب من منبع رأس الماء، بعد ذلك يقمن بقرشلنها بالقرشال في البيوت، وهما لوحتان مربعتان (20سنتمتر على20) بهما أسنان من سلك شائك، ومأخذ قصير كان التجار يستوردونه من مدينة فاس ووزان، وكان يصنعه اليهود ثم المغاربة وهو أندلسي الأصل ما زال موجودا إلى الآن في بعض مدن وقرى جنوب البرتغال ويقوم بنفس الدور.

بعد مرحلة التقرشيل يقمن بغزلها في الناعورة (المغزل) المصنوعة من الخشب بتقنية بارعة، تقوم المرأة بتحريكها لصياغة الخيط الصوفي بشكل دائري، ليتم عرضها للبيع مرتين في الأسبوع: الإثنين والخميس صباحا باكرا في سوق خاص ويقعدن محاذيات لبعضهن البعض في صفين متقابلين لابسات (الحايك) وهو ملاءة بيضاء من الخيط أو الصوف الرقيق تلفها المرأة حول جسمها واضعة طرفها على رأسها وكانت تلبسه المرأة الغرناطية في الأندلس وكان يسمى (الملحفة).

وكان (الدرازة) أول من يتواجد في السوق للتبضع، بحيث يكون غاصا بهم. إضافة إلى صاحب الميزان المسمى (ميزان الرمانة) وهو خاص بوزن الصوف، يؤدي مهمته مقابل أجر يدفعه الشاري أو البائع وذلك حسب العرف المتبع في الحرفة.

لم يعد النساء اليوم يتعاطين هذه الحرفة، فقد انقرضت في المدينة بعد تطور صناعة النسيج، وأصبحت المعامل الخاصة بذلك تغطي السوق بكل ما يحتاج إليه الصانع (الدراز).

 

الحداد:

نسبة إلى الحدادة ويقال لها (تحدادت) وكان يمارسها الرجال، وهي عبارة عن صنع السيوف والشبابيك والفؤوس والأبواب وسنابك الخيول والبغال والحمير والسكاكين والسياج والسكك للحراثة والأقفال والمفاتيح والضرابيز والأخراس والدروع واللجام للبهائم، والمناجل وحاملات المصابيح (الفنارات). وكانت مزدهرة في المدينة وتوفر كل ما يحتاج إليه الناس لمزاولة أعمالهم اليومية في المدينة والبادية، امتهنتها بعض الأسر جيلاً عن جيل إلى أن انقرضت بمفهومها التقليدي، وتطورت حسب الظروف الجديدة للحياة، واقتحمت عالم السياحة بأشكالها الهندسية الجميلة: شبابيك صغيرة، فنارات، إطارات مربعة ومستطيلة للمرايا، وغير ذلك من الديكورات التي تعرض للبيع في البازارات.

 

النجار:

نسبة إلى مهنة النجارة ويقال لها (تنجارت) وهي حرفة يدوية عرفتها المدينة منذ تأسيسها، حيث جلبها المهاجرون من الأندلس الذين استوطنوا المدينة، تعاطاها العديد من الأسر جيلاً بعد جيل، ولعبت دورا حضاريا في الحفر على الخشب والنقش والتزويق ما زالت آثاره سارية إلى اليوم "كالترنجة" و"السداسية" و"الثمانية"، وقد ازدهرت بفضل تأثير الصناع الأندلسيين الذين برعوا في مختلف مظاهر الصناعة. واكبت توسيع المجال الحضاري للمدينة وخصوصا في الأبواب والنوافذ والبساطات للسقوف الداخلية للمساجد والزوايا والبيوت الكبيرة، والصناديق المزخرفة والمرافيع وغيرها وما زالت هناك بعض الأسر العريقة تحترف هذه المهنة بعد تطويرها وإخضاعها لظروف العيش الجديدة وخصوصا ما يتعلق بالتزويق على الخشب بالألوان المختلفة وأشكال هندسية دقيقة مجسمة على الصناديق والإطارات المربعة والمستطيلة للزينة تباع في البازارات والمحلات الخاصة لأنها ولجت عالم السياحة وأصبحت معشوقة.

 

الحجام:

نسبة إلى مهنة الحجامة، يتعاطى محترفوها خلْق الرؤوس وختان الأطفال، وفصد الدماء، وقلع الأضراس وجبر المكسورين وقطع الحلق للأطفال، ومعالجة بعض الأمراض الجلدية، وكان يستعمل أدوات بسيطة في ذلك: المقص والموسى و"الكلاب"=اللقاط على شكل بوق صغير، وقارورتين يستعملهما "للحجامة" حيث يضعهما في قفا الرجل بعد جرح المكان الذي يراد نزول الدم منه إلى قارورة الحجام، وكلما امتلأت إلا وينزعها. وبعد إفراغها يعيدها بعد الغسل. وهي حرفة قديمة ومشهورة في تاريخ الطب العربي والإسلامي. وقد اندثرت هذه المهنة اليوم مع تطور الطب الحديث.

 

السفانجي:

نسبة إلى صانع الإسفنج، وهو الدقيق المعجون ثم يخمر وبعدها يضعه السفانجي في المقلاة المثلثة الشكل يغلي فيها الزيت وهو دائري الشكل في وسطه ثقب، يساعده في ذلك مساعد يقوم بقلب الإسفنج والتأكد من طهيها واحمرارها ثم يخرجها ليضعها في إناء خاص بذلك لتكون رهن إشارة الزبون لتناولها في الصباح كوجبة الفطور. وكانت تحمل في خيط مصنوع من الدوم. وكان من عادة صانعي الإسفنج في المدينة أن يخصصوا المقلاة الأولى لتوزيعها بالمجان وتسمى (العباسية)، وفي شهر رمضان يتحول إلى صانع للشباكية وهي نوع من الملويات المتكونة من عجين متشابك في الزيت ثم يلقى في إناء متوسط مليء بالعسل، وبعد إشباعها من العسل تخرج من الإناء ويتم عرضها للزبائن بعد صلاة العصر وإلى غاية آذان المغرب حيث يتناولها الصائمون مع شربة الحريرة. وهناك من الأسر من كان يصنعها في بيته قبل دخول شهر رمضان بأيام ويحتفظ بها في إناء خاص، وقد انتقلت من الشام إلى الأندلس ومنها إلى المغرب. ويذكر الرهوني في كتابه (عمدة الراوين في تاريخ تطاوين ج1 ص:228)  أن هذا النوع من الطعام هو المسمى عند العرب بالزّلابية بضم الزاي وتشديد اللام ويؤكل سخنا إن كان متقن الصنعة. وكانت رائجة في الماضي ولكنها اليوم في طريق الاندثار.

القابلة:

وهي المرأة التي كانت تقوم بالتوليد في البيوت بأساليب تقليدية، وكانت تمارسها بعض العجائز اكتسبن مهارتهن من خلال الممارسة، بحيث تتأكدن من وضع المرأة الحامل إن كان طبيعيا أم لا، ولهن طريقتهن في ذلك، وتبقى مع المرأة الحامل إلى أن تضع وليدها مستعملة في ذلك وسائل بسيطة كالزيت الساخن لمساعدة المرأة على الولادة والاعتناء بالوليد وقطع حبل الوريد الذي تقوم بعقده من الجذور بموسى حلاقة جديد. ثم تلفه بقطعة قماش أبيض، تداوم على زيارة المرأة ووليدها لمدة أسبوع، وتقوم بإطعامها بالمقويات (المساخن) وتضع لها الحناء وتأخذها إلى الحمام. فإذا كان الطفل المولود قبل (9) تسعة أشهر – 7 مثلا- تقوم بستره في قماش أبيض ثم تضعه في (هيضورة) ويبقى كذلك حتى يصرخ ويبكي، لمدة أسبوعين أو أقل. وإذا كان الطفل ضعيفا فإن القابلة التقليدية كانت تسخن يديها ثم تدلك له ظهره بالزيت وتحمله من رجليه أو تعطيه بصلا يشمه وذلك حتى يصرخ ويبكي. وأحيانا ترفع للطفل يديه فوق رأسه ثم ترجعها وذلك أكثر من مرة حتى تتحسن حالته، كل ذلك مقابل أجر مادي بسيط تحصل عليه من طرف زوج المرأة النفساء، وفي بعض البوادي يكون أجرها (قالب سكر). وقد اندثرت هذه المهنة مع التطور الطبي، ولم يعد لها وجود إلا في بعض القرى النائية عن المدن حيث المستشفيات والقابلات (الممرضات العصريات).

 

الفقيه:

وكان يطلق على معلم الأطفال والصبية والشباب القرآن الكريم وحروف الهجاء، وكيفية الرسم والضبط والقراءة في المسيد (الكتاب) وهو مكان خاص لايخلو منه أي حي في المدينة. يقصده الآباء بأبنائهم بدءاً من سن الخامسة للتعليم والتأديب تدريجيا مقابل أجر زهيد يدفعه الأب للفقيه مرة كل شهر والسبوعية أي أجر رمزي يتقاضاه الفقيه كل أسبوع من طرف الآباء. وعادة ما كان الطفل يلتزم بالحضور إلى أن يحفظ ما تيسر له من كتاب الله أو يكمله، ويمكن تقسيم مرحلته الدراسية إلى قسمين:

- من بداية تعلمه القراءة والكتابة إلى وصوله الثلاثين حزبا وكانت تسمى (البقرة الصغرى) ويحتفل به والده في البيت فيستدعي الفقيه وأقران ولده الذين يدرسون معه، وتقام لهم وليمة يقدم فيها أكله (الكسكوس باللحم) وهو طعام مغربي تقليدي.

- الفترة الثانية وتكتمل بنهايته للقرآن الكريم (ستون حزبا) وكانت تسمى (السلكة) و(الختمة) نسبة إلى ختم القرآن أو (البقرة الكبيرة)، وتقيم الأسرة حفلة كبيرة تذبح فيها الأسر الميسورة ثورا والأخرى شاة أو ما يُسر لها، وتهيئ وليمة يحضرها الفقيه والأقران وأفراد الأسرة والجيران، يقدم فيها الكسكوس باللحم وشرب الشاي بالفقاقص (نوع من الخبز الصغير الحجم حلو المذاق) وحلوة الغريبية (نوع من الحلوى المغربية التقليدية). كما تحتفل النساء بالمناسبة وتهنئة الأم بالختم القرآني لولدها. ويمنح الأب للفقيه جلبابا جديدا تقديرا له على حسن قيامه بواجبه وتمكين ابنه من ختم كتاب الله، وتشجيعا له كذلك على المسايرة والجد. وقد انقرضت هذه العادة في المدينة، وبقيت موجودة في بعض القرى والبوادي المغربية.

 

الحلايقي:

هو الحاكي الذي يلتف حوله الناس على شكل دائرة في ساحة عمومية ليسمعهم حكايات وقصصاً ونوادر، وهي ظاهرة قديمة كانت تقوم مقام أدوات الترفيه، فقد ارتبطت باستمرار بالفرجة وبنوع من التعبير عن سلوك ثقافي وفني، وعادة ما كانت تعقد (الحلقة) بعد صلاة العصر، حيث كان الحلايقي يزود الملتفين حوله بالحكايات ويغذي المتخيل المشترك بالأزليات والعنتريات والهلاليات والسير الأخرى وضمنها السيرة النبوية (خلال شهر رمضان) وألف ليلة وليلة وحكم عبد الرحمن المجذوب، كما كانت هناك حلقات خاصة بالممثلين والبهلوانيين والموسيقيين، وعلى العموم فقد كانت بمثابة مسرح شعبي يشرف عليه مجموعة من المختصين في توفير الفرجة للزائرين، وقد انقرضت في مدينة شفشاون ولم يعد لها وجود إلا في ساحة (جامع الفنا) بمراكش وساحة (الهديم) بمكناس، وساحة (باب بوجلود) بمدينة فاس، وفي بعض الأسواق الشعبية بالبوادي المغربية في الشمال والجنوب.

 

قراءة الحزب:

من العادات الموروثة في مدينة شفشاون وغيرها من المدن المغربية قراءة حزب من القرآن الكريم بعد صلاتي الصبح والمغرب في المساجد والزوايا يحضرها العديد من حفظة كتاب الله، منهم من كان ملتزما بذلك لأنه كان يتقاضى أجرا على ذلك من طرف إدارة الأحباس، ومنهم من كان متطوعا. وكان لطلبة الحزب أحباس وافرة حبست على قراءة الحزب في المساجد أو في الزوايا.

 

المؤذن:

حرفة كان يتعاطاها في الغالب الأشخاص الذين كانوا يتوارثونها عن الآباء والأجداد، واشتهرت بها أسر في المدينة، بحيث كان لكل حي يوجد به مسجد مؤذن يسهر على الآذان للصلوات الخمس. والاذان في نصف الليل ويسمى المؤذن الأول، والآذان في السدس الأخير ويسمى المؤذن الثاني، والتهليل في الليل، وبين العشائين ليلتي الجمعة والاثنين، والتحضير يوم الجمعة عند نزول (الْعلم) للنصف أي الأمر بحضور صلاة الجمعة. وكان له أجر يحصل عليه من إدارة الأحباس.

 

البردعي:

هو صانع البردعة التي توضع فوق الدّابة، فهي التي تسهل ركوبها. وتصنع من الدوم والتين وخرقة الصوف وخرقة من شعر الماعز (التليس) توضع على ظهر الدابة لتقيها من الجرح والألم وتوفر الراحة للراكب، وهي حرفة قديمة كان يمارسها بعض اليهود بالمدينة، وتعرض للبيع في السوق الأسبوعي بالمدينة أو في البوادي، وقد تراجعت هذه الحرفة في المدينة حيث ظهرت العربات وسيارات النقل، واقتصرت على أسواق البوادي لإقبال الفلاحين على شرائها. وتنقسم البردعة إلى ثلاثة أقسام:

بردعة الحمار طولها 80 سنتمترا.

بردعة البغل طولها مترا وعشرين سنتمترا.

بردعة الجمل وهي تختلف عن سابقاتها في الحجم والشكل ولم يكن لها وجود في المدينة لانعدام الجمل بها.

 

الصبان/ الصبانة:

تنتمي هذه الحرفة إلى قطاع الصوف، حيث كان بعض الرجال أو النساء يقومون بتصبين الصوف أو الملابس التقليدية الصوفية كالجلباب والسلهام أو الأغطية الصوفية. وكانت تستعمل مادة الكبريت أثناء التصبين، وقد اندثرت هذه الحرفة من المدينة عند مصب رأس الماء أو على ضفاف نهر زيان.

 

أعداد المجلة