فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

اللؤلؤ والدموع

العدد 15 - أدب شعبي
اللؤلؤ والدموع
كاتبة من الكويت

ما سلب حجر كريم أو جوهرة قلوب البشر كما شغفت اللؤلؤة أفئدة الناس منذ البدايات الأولى للبشرية كأن حبها جزء لا يتجزأ من كيان الإنسان ولا عجب في ذلك فهي تلبي أكثر حاجاته الغريزية وهي حاجة جمع المال والحاجة لكسب إعجاب الآخرين. وما استحوذ حجر كريم أو جوهرة على عقول البشر وألهب فكرها كما ألهم اللؤلؤ مخيلة الناس واستحث هممهم وطاقتهم ليصوغوا حوله الحكايات ويبدعوا الأشعار والأفكار التي تعبر عن جماله وعلو قدره ومن يضاهيه في جماله ممن يحبون وأيضا لتفسير سر وجوده والبحث عن أماكن تواجده وأنواعه وأحجامه حتى غدا اقتناؤه وفهمه همهم الأكبر مما أدى إلى اغتناء كثير من الشعوب ونشوب كثير من الحروب.

السعي إلى التزين والافتخار بالحلي مهما بلغت بساطتها حاجة إنسانية. الإنسان البدائي زين رأسه وجسده بالطين وأوراق الشجر وقرون الحيوان وجلوده والحصى والقواقع وكل ما صادفه مما تنتجه الطبيعة وكلما زادت زينته كلما علا مقامه بين جماعته حتى اكتشف اللؤلؤ عن طريق الصدفة. الشعوب التي عاشت على أكل القواقع كانت تنزعج من تلك الحبات الصلبة داخلها والتي كانت تعيق استمتاعهم بطعامهم كنواة مؤذية فيتخلصون منها ويلقون بها بعيدا فلا أحد يتوقع جسما صلبا في جوف ذلك الحيوان الرخوي الرقيق وربما قد غص واختنق به بعضهم حتى سحرهم جمال تلك الحصوات فاحتفظوا بها لتزين حليهم ولتهدى لمن يحبون أويجلون أو يخشون بطشه أو لتستبدل بما هم أشد حاجة له من طعام ومأوى وثياب أو تباع لتتحول إلى أثمن السلع التجارية ثم لينتقل الناس من جمع المحار لأكله إلى جمعه من أجل اللؤلؤ وخاصة في منطقة المحيط الهندي التي استحوذت على تجارة اللؤلؤ لأكثر من أربعة آلاف سنة والتي تعود إليها أصول كثير من المعتقدات والحكايات عن اللؤلؤ.

تبادلت الشعوب المتجاورة التي تقاربت عن طريق سلم أو حرب المعتقدات والحكايات التي صاغوها حول اللؤلؤ كما كان الحال بين الإغريق والفرس والصين والهند وأوروبا ولا عجب في ذلك لكن العجب أن يشغل اللؤلؤ أذهان شعوب حضارات سادت بعيدا عن هذا العالم كحضارة الأزتيك في أمريكا الجنوبية وشعوب العالم القديم من الأريين والساميين وليلجئوا هم أيضا إلى اقتنائه وتقديسه وابتكار الحكايات المتعلقة به. كثير من الأديان السماوية وغير السماوية والفلسفات الدينية تطرقت لذكر اللؤلؤ فقد ورد في القرآن في كثير من المواضع كما ورد في الإنجيل والتوراة وصحائف كونفوشيوس وتعليمات بوذا. نسبوا جماله إلى المخلوقات الأرقى في جنات النعيم كالحور العين والولدان المخلدين في القرآن وأبواب الفردوس وكل منها خلق من لؤلؤة كبيرة كما في الإنجيل وكرمز الحكمة في الأديان الشرقية ورغم ذلك ربط الإنسان اللؤلؤ بالألم والدموع كأنه خلق من أحزان وحسرة على شيء مضى، فقد أو بعيد المنال.

تكرر ذكر اللؤلؤ وارتباطه بالدموع في الأدب العربي إلا أنني لم أعثر على معتقدات أو حكايات خرافية محلية تتطرق إلى تفسير خلق اللؤلؤ أو إلى ربطه بالدموع فاللؤلؤ في منطقتنا ارتبط بمخاطر البحر ومعاناة الغواص وثراء التجار وإن لم يخل ذلك كله من دموع الضعفاء. كان عهد الحياة وشدة قربه ربما حجبت الرؤية العاطفية الخيالية التي رآها بها الآخرون في الثقافات الغربية فهو حقيقة جلية أمامهم كما أن العرب والشعوب الإسلامية كانوا أكثر واقعية من باقي الشعوب ونادرا ما أطلقوا العنان لخيالهم أو أقلقوا أرواحهم في محاولات لتفسير الكون ومخلوقاته تفسيرات بعيدة عن المنطق أو المعقول والمحتمل ولجأوا عوضا عن ذلك إلى تقصي الحقائق والكشف عن المبهم وذلك سر إبداعهم وتفوقهم الماضي في العلوم والرياضيات والطب الذي أيقظ أذهان الآخرين وأرشدهم إلى ما خفي عليهم.

هذا البحث يتعلق بالمعتقدات والحكايات التي سادت عن اللؤلؤ ومحاولة الكشف عن أسباب ارتباطه بالدموع والحظ السيء والألم والموت في المقام الأول حيث أن ارتباطه بالجمال والثروة والفرح والقدسية يمكن اعتباره من بعض البديهيات.

اللؤلؤ في حضارات الشعوب:

كل حضارة أو ثقافة نشأت وازدهرت قرب البحر قدرت اللؤلؤ لجماله وقدراته السحرية أو فوق العادية. تعود أول مخطوطة ورد فيها ذكر اللؤلؤ إلى 2300 قبل الميلاد في الصين. وقبل ستة آلاف عام في الحضارات التي سادت في منطقة الخليج كان الناس يدفنون وفي أيديهم حبة لؤلؤ. كان الفرس والسومريون يقتنون اللؤلؤ ليقدم كهدايا وعطايا لملوك مسبوتانيا أو الهلال الخصيب أو لملوك الهند والصين.

في مدينة سوزا الفارسية عثر المنقبون في تابوت لأميرة فارسية توفيت في عام 520 قبل الميلاد على عقد ثلاثي يتكون من 72 حبة لؤلؤ وهو معروض منذ 100 عام في الجناح الفارسي في متحف اللوفر في باريس. كما عثر على عقد آخر في بساراجريد يعود تاريخه إلى 330 ويستغرب بقاء هذه اللآلئ بحالة جيدة حيث من المعروف أن اللؤلؤ يجف ويموت مع الزمن وتعتبر هذه اللآلئ أقدم ما تم العثور عليه في الوقت الحاضر.

عثر على عقد ذهبي على شكل محارة يعود إلى الملكية الثانية عشر في مصر نقش عليه إسم سنوسرت في إسطوانة ويعود تاريخه إلى 1950-1800 قبل الميلاد. يحكى أن كليوبترا كانت تزين أذنيها بقرطين من اللؤلؤ وأنها تحدت يوما مارك أنتونيو أن باستطاعتها أن تتناول ما يقدر بميزانية دولة كاملة في وجبة واحدة. دهش أنتونيو حين وصل ولم يجد على المنضدة سوى زجاجة نبيذ وأكوابا فامتلأ غيظا لظنه بأنها تتهكم به إلا أن كليوباترا نزعت أحد قرطيها وسحقت اللؤلؤة الكبيرة التي تزينه على المنضدة ثم أفرغت المسحوق في كوب نبيذ وشربته بجرعة واحدة. أعجب أنتونيو بذكائها لكن أغضبه وأساءه استهتارها باللؤلؤ فقد كان اللؤلؤ يعد من أنفس الأحجار وأقدسها عند الرومان والإغريق. كان ملوك الإغريق والرومان يطعمون تيجانهم باللؤلؤ كنوع من التمائم والأحراز لحمياتهم من الشرور وذكر أن البابا أدريان كان يرتدي حرزا يحتوي على عدة أشياء منها ضفدع مجفف بالشمس ولآلئ لتمنحه أحسن الصفات. ربما نتساءل عن علاقة الضفدع باللؤلؤ هنا لكن كان يعتقد قديما أن اللؤلؤ يتكون في جوف الضفادع وربما أراد البابا أدريان أن يجمع الضفدع وهو بحكم المحارة واللؤلؤة معا في تميمة واحدة ليضمن سريان مفعولها في حمايته.

قرط كليوبترا الثاني تم إنقاذه من مصير الأول ونقل إلى الإمبراطورية الرومانية حيث تم تقديمه كقربان لتمثال الآلهة فينوس في البانتايون. رواية أخرى تقول إن كيلوباترا أسقطت اللؤلؤة في قدح النبيذ وأذابتها ثم شربته إلا أن اللؤلؤ لا يذوب كليا لا في الخل كما يرد في كثير من الرويات للحكاية ذاتها و لا في النبيذ وإن تأثرت طبقة سطحه الخارجية. أغلب الظن أنها سحقت اللؤلؤة وهي ممارسة كان يلجأ إليها الأطباء عند استخدام اللؤلؤ كدواء.

عام 44 قبل الميلاد وبعد غزو مصر وعودته بالغنائم الثمينة أهدى يوليوس قيصر لأم قاتله بعد ذلك بروتوس لؤلؤة بديعة صارت تعرف بإسمها (لؤلؤة سيرفيليا) حيث كان اللؤلؤ من مقتنيات وحلي الطبقات الحاكمة والأرستقراطية لكن مع اتساع رقعة الإمبراطورية الرومانية وازدياد ثرواتها أصبح استخدام اللؤلؤ في حلي العامة أيضا أكثر انتشارا. اشتهر يوليوس قيصر بعشقه لكل ما هو جميل من التحف الفنية من لوحات وتماثيل والثياب الفاخرة والمجوهرات وخاصة بولعه باللؤلؤ ويقال أنه كان يرتدي نعالا من اللؤلؤ كما تذكر بعض كتب التاريخ أن أحد أهداف غزو يوليوس قيصر لبريطانيا هو الحصول على لآلئها فقد وردته أخبار أن في بريطانيا ما يكفي العالم كله من اللآلئ . ما زال المؤرخون يحاولون تفسير الظاهرة الغريبة التي سادت بين جيوش قيصر على شواطئ بريطانيا حيث شوهدوا وهم يجمعون القواقع والمحار. يظن بعض المؤرخين أنه نوع من العقاب المهين الذي أسقطه قيصر على قواته بسبب اندفاعهم إلى إشباع شهواتهم ويقول آخرون إنه نوع من التدريب والتمرين إلا أن الحقيقة قد تكون هي إمكانية العثور على اللآلئ التي سمعوا عنها كما أن الرومان كانوا يعتقدون أن القواقع والمحار الذي تحمله الأمواج إلى الشواطئ هي هبة من البحر وبالتالي فهي ملك للعاصمة وللقصر.

في العام 100 قبل الميلاد انتشرت صرعة ارتداء الحلقان ذات الثلاث لؤلؤات من قبل بعض السيدات ووصف الكاتب سنيكا ذلك بقوله أن كلا منهن كانت تحمل إرث عائلة كاملة في كل أذن كما قدم الرومان اللؤلؤ للآلهة إيزيس بعد أن انتقلت إليهم عبادتها من مصر وصاروا يرتدون اللؤلؤ تيمنا بها ولإرضائها.

وفي الجانب الآخر من العالم عثر على عقد من اللؤلؤ في مقبرة للهنود من السكان الأصليين في الولايات المتحدة يعود تاريخه إلى الفترة الممتدة من 100 قبل الميلاد إلى 200 ميلادية في مدينة أيوا الأمريكية أطلق عليه تقليد هوب ول Hopewell Tradition. عثر على هذا العقد أثناء التنقيب عن آثار زلزال في مزرعة مورداكاي هوب ول في أوهايو..

 http://www.karipearls.com/antique-natural-pearl-necklace.html

حين أصبحت القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية الرومانية في الشرق عام 330 بعد الميلاد كانت اللؤلؤة ما تزال ملكة الأحجار الكريمة أو حجر الملوك. الإمبراطورية البيزنطية إحدى الأمبراطوريات المنحدرة مباشرة من الإمبراطورية الرومانية أطلق حكامها على أنفسهم (أباطرة روما المقدسون) لارتدائهم وحوزتهم على كثير من اللؤلؤ. تعرضت القسطنطينية لهجمات متعددة ومتكررة من قبل المغول والعرب والحروب المقدسة نهبت وتفرقت وضاعت فيها كنوزها إلا أن نقوش الفسيفساء في رافينا في كاتدرائية سان فيتال ما تزال باقية وتظهر الإمبراطور جستنيان والإمبراطورة تيودورا وهما يرتديان أفخم ثياب البلاط المطعمة بحبات اللؤلؤ.

من أشهر اللالئ في التاريخ هي اللؤلؤة الساسانية في بلاد فارس عام 500 ميلادية. كانت لؤلؤة كبيرة تزين قرطا كان يرتديه الملوك الساسانيون في الأذن اليمنى كرمز لعلويتهم وقداستهم. حصل غواص شجاع من عامة الشعب على تلك اللؤلؤة بعد أن قضى على حارسها القرش الشرس إلا أنه دفع حياته ثمنا لها ومن ذلك اكتسبت قيمتها القدسية زيادة على حجمها وجمالها.

 كان الملك بيروسز يرتدي ذلك القرط في إحدى حروبه مع المغول البيض وهو جيش من المغول والأتراك. حين حاصر الأعداء الملك بيروسزير وأحاطوا به ليسقط في الهوة العميقة التي نصبوها شركا له نزع قرطه من أذنه وألقاه في قاعها قبل أن يهوي حتى لا يحصل عليه الأعداء فيكون أكبر غنائمهم ورمزا لانتصارهم. لم يتم العثور على تلك اللؤلؤة النبيلة رغم أن الإمبراطور البيزنطي أعلن عن جائزة تقدر بمقدار وزن من يأتيه بها ذهبا.

في العصور الوسطى من عام 800-1300 ميلادية أصبحت توشية الثياب واقتناء الحلي مهمة دينية وتقتصر على رجال الدين ومنع عنها العامة من الناس ورغم ذلك استخدم الأطباء اللؤلؤ لعلاج بعض الأمراض فكانوا يسحقونه ويمزجونه مع النبيذ ويسقونه لمرضاهم وكلما ارتفعت قيمة اللؤلؤة وكبر حجمها كلما زادت فرصة الشفاء. هذا هو سبب آخر لقلة اللآلئ القديمة القيمة التي نعرفها اليوم.

في القرن الثالث عشر ذكر ماركو بولو أن سكان جزيرة شابنجا يملكون ما لا يحصى من اللؤلؤ وكلها من الالئ النادرة ذات البريق الوردي حتى أنه حين يموت أحدهم يضعون حبة لؤلؤ في فمه قبل أن تحرق جثته. كما ذكر أن في الهند يعد اللؤلؤ أحد سبعة أحجار مقدسة كانت تستخدم في المعابد البوذية وتوزع في أنحاء مبنى الكهنة.

ذكر ماركو بولو أيضا مسبحة اللؤلؤ التي كان يتقلدها ملك مالابار وكانت تحتوي على 104 حبة لؤلؤ كبيرة وياقوت والسبب في هذا العدد أنه كان عليه أن يصلي مرددا ( باكوتا، باكوتا، باكوتا) مائة وأربع مرات في اليوم من أجل رعيته. تلك الصلوات هي من عادات وتقاليد ومسئوليات الملوك من قبله ويلتزم بها من يأتي بعده ممن سيرث الملك والمسبحة. كان ذلك الملك يملك ما لا يعد و لا يحصى من اللآلئ التي تملأ خزائنه كما تزين ثيابه وحليه التي تغطي جسده من الرأس حتى القدمين. وقد أصدر قرارا بمنع خروج أية لؤلؤة يزيد حجمها أو سعرها عن المتوسط لحرصه على الاحتفاظ بها لنفسه وداخل المملكة كما أنه أعلن عن استعداده لشراء اللآلئ الكبيرة ممن يرغب ببيعها وسيدفع له ضعف ثمنها مما أدخل البهجة على شعبه.

في عام 1498 انطلق كولومبوس في رحلته الثالثة باتجاه العالم الجديد، القارتين الأمريكيتين. كان أحد أهدافه هو إشباع جوع أروربا للؤلؤ وخاصة نهم ممولة الرحلة الملكة إزابيلا حيث يحكى أنها كانت تضفر شعرها بعقود اللؤلؤ. حين عاد كولومبوس بالصناديق المحملة بالكنوز والتقارير عن الهنود من السكان الأصليين الذين يغطون أجسادهم باللؤلؤ وبالخرائط التي توضح سواحل فنزويلا الغنية بالمحار بدأ حملات النهب حتى أفرغت تلك المغاصات بعد عدة عقود.

في عام 1500 ميلادية أعاد هنري الثامن ومن بعده إبنته إليزابث الأولى اللالئ كصرعة من صرعات الموضة بعد أن بقيت زمنا حكرا على رجال الدين . تدل على ذلك اللوحات الشخصية لكل منهما والتي تبرزهما وهما يرتديان ثيابا مرصعة باللؤلؤ. تعد تلك اللوحات محاولة تذكير صارمة لقوة بريطانيا البحرية وسيطرتها على كثير من البلاد.

في عام 1579 اشترى الملك فيليب الثاني ملك إسبانيا أكبر لؤلؤة في العالم (البيريجرينا Peregrine) وهي بحجم بيضة الحمامة وشكل الكمثرى وتزن 34 قيراط .

في عام 1600 ميلادية أعلن بعض العلماء الأوربيون وقد كان يطلق عليهم المؤرخون الطبيعيون إمكانية تحريض المحار لتكوين اللآلئ عن طريق زج مثير دقيق كحبة رمل أو قطعة من طحالب البحر إلى داخل المحارة إلا أن ذلك الاكتشاف لم يحظ بأي اهتمام في ذلك الوقت. ومن التجارب المضحكة لإنتاج اللؤلؤ والتي شاعت في ذلك العصر تجربة تقول إنه لو وضعت محارتان في صندوق مبطن بالقطن ونثر حولهما بعض حبات الأرز ثم تركتا لفترة من الزمن فإنهما ستنتجان اللؤلؤ وكان الدليل على ذلك هو تكسر حبات الرز كأنها قد قضمت ووجود حبات صغيرة بحجم رأس الدبوس داخل المحارتين يظن بأنها من نتاج ذلك التزاوج.

رغم كل الاهتمام البالغ الذي أولته كثير من الشعوب للؤلؤ عبر التاريخ إلا أنه كان غير ذي قيمة لدى شعوب أخرى منها اليابان فقبل عام 1800 لم يهتم الغواصون اليابانيون بالاحتفاظ باللؤلؤ عند فلق المحار حيث أن الأهمية الأكبر كانت للصدف اللماع المبطن للمحارة . كما أن هناك حكاية تقول إن أطفال بولينيزيا في تاهيتي كانوا يلعبون باللؤلؤ كما يلعب غيرهم بالحصى أو البلي.

في بداية القرن العشرين شهد العالم نقصا وتقهقرا كبيرا في محصول اللؤلؤ وعاد ليكون حصرا على الأثرياء والمشاهير. في عام 1916 اشترى مصمم المجوهرات الفرنسي المعروف جاك كارتيير متجره المميز في الشارع الخامس Fifth avenue الشهير في نيويورك وهو بيت أغنى أصحاب المصانع في ذلك الوقت مورتون بلانت Morton Plant بمئة دولار نقدا ومقايضته بعقد من اللؤلؤ قدر ثمنه بمليون دولار. ضم العقد الثنائي 128 حبة لؤلؤ. في اليوم الذي تلا المقايضة اختفى العقد ونتج عن ذلك فضيحة عالمية كبرى حيث تمت سرقته ولم يعثر عليه ومن المحتمل أن لآلئه قد تم بيعها مفردة أو صنعت منها مجوهرات أخرى.

أما الإمبراطور بهادور شاه الثاني فقد كان يغطي كل جسده بعدد كبير من عقود اللؤلؤ.

معتقدات متضاربة:

حظيت اللؤلؤة بأكبر قدر من المعتقدات المتضاربة بسبب نشأتها وتكونها المحير داخل محارة صلبة مجعدة رمادية وحيوان رخوي بسيط يخفي اللؤلؤة الرقيقة الثمينة البراقة وفي ذلك تناقض كبير. طبيعة هذه النشأة ربط اللؤلؤ بالولادة فيعتقد أنه يساعد على الحبل إن وضعه الزوجان تحت وسادتهما.

غدت اللؤلؤة رمزا للكمال باستدارتها وصفائها فهي تشترك بشكلها الكروي مع شكل الشمس والقمر والكواكب الأخرى ولأنها لا تقطع ولاتجزأ كما باقي الأحجار الكريمة. يرمز اللؤلؤ للنقاء والبراءة فيطلق على العذارى العفيفات من النساء وإن فقدن ذلك يقال أن العقد قد انفرط. كما يرمز أيضا إلى الفحش والفجور عند الأثرياء والساقطين وخير دليل على ذلك تعبير الفنانين عن توبة السيدة ماري ماجدولين. يرمز عقد اللؤلؤ وزجاجة الزيت العطري إلى حياة ماري ماجدولين السابقة قبل إيمانها. قطع عقد اللؤلؤ هو أول مظاهر هجرها لحياة الفساد. يظهر اللؤلؤ المتناثر على الأرض عند قدمي القديسة في كثير من اللوحات من القرن الثامن والتاسع عشر.

Caravaggio, The Magdalene Alonso del Arco, «Mary Magdalene Removing her Jewelry»

يخلق اللؤلؤ من مادة عضوية ولذا يعتقد كثيرون بأنه يجلب الصحة والثراء وطول العمر والحظ الحسن للابسه. كما أنه يمنع الشرور ولذا كان يستخدم في رقى الحب والحماية ويقابل هذه المعتقدات الإيجابية أخرى سلبية فيتعقد أن اللؤلؤ في خاتم الزواج يجلب الحظ السيء للعرائس فتكون حياتهن الزوجية مملوءة بالدموع.

قدس الإغريق جمال اللؤلؤ وربطوه بالحب والزواج وغدا عقد اللؤلؤ رمزا للزواج السعيد في حين يعتقد آخرون أن كل حبة لؤلؤ تقدم في عقد للزواج تعبرعن مناسبة تبكي فيها الزوجة من زوجها. ويعتقد أيضا أنه يمنح مرتديه زخما من تدفق الحياة ويهدىء باله ويقوي إيمانه ويعزز حبه للصداقات والحقيقة والوفاء. كما يعد رمزا للنقاء ولهذا سمي (حجر الإخلاص).

يقال أنه يجب أن ندفع ثمن اللؤلؤ دائما فحين يتلقى أحد هدية من اللؤلؤ عليه أن يقدم للمعطي الهدية قطعة نقود معدنية لترد الحظ السيء.

العروس المغربية تكسى بحلي من اللؤلؤ من قمة الرأس حتى الساقين. اللؤلؤ كان يجلب من مكة أيام الحج وتصنع منه عقود العرس أثناء رمضان تباركه النجافة بالأدعية والصلوات. اللؤلؤ رمز الجمال والكمال وقد خلد في الشعر على أنه دموع عرائس البحر والحوريات والحور العين في الجنة. يعتقد أن بريق اللؤلؤ يقي العروس من العين الحاسدة والشرور ولهذا يغطى به رأس العروس وصدرها وباقي جسدها.

على المرأة أن ترتدي عقدها ليزيد بريقه بما أن اللؤلؤ يذبل ويموت مع مرور الزمن كما أن بعض المواد التي يتعرض لها تفسده.

اللؤلؤ الصناعي الذي يخلق من إدخال صدفة دائرية صغيرة إلى داخل المحارة لا يتميز بالمواصفات والقدرات السحرية التي يتميز بها اللؤلؤ الطبيعي حيث أن معظمه من صدفة مغلفة. أما لؤلؤ المياه العذبة فله صفات وقدرات لؤلؤ البحر.

الاستخدامات السحرية:

لصلة اللؤلؤ بالقمر فإنه يستخدم في الطقوس السحرية التي تمارس أثاء الليل. ولعلاقة اللؤلؤ بالطاقة القمرية فهو يستخدم من قبل النساء أكثر من الرجال. استخدم اللؤلؤ لتوليد الحب أو المحبة وتلبس عقود اللؤلؤ لتنطلق تلك الذبذبات الودية فترتديه النساء في الهند لضمان زواج سعيد.

هناك طقس سحري لجذب الثروة تقول: اشتر أرخص لؤلؤة تجدها. احمل اللؤلؤة وخاطر معها ثم اشكر المحارة التي أنتجتها على تلك التضحية بعد ذلك شد قبتضك عليها وتخيل المال الذي يتدفق على حياتك وأنت تنفقه بتعقل. المال طاقة وتبذيره يعود عليك بالقليل. استمر في التخيل ثم اقذف اللؤلؤة في جدول أو نهر متدفق أو بحر أو أي ماء يتحرك ويتدفق وحالما تصطدم اللؤلؤة بالماء يبدأ مفعولها في تحقيق ما تصبو إليه. وفي طقوس أقدم كانت اللؤلؤة تقذف فوق كومة قاذورات.

في مناطق جنوب المحيط الهادي كان الغواصون يرتدون قلائد من اللؤلؤ لتحميهم من خطر هجمات أسماك القرش. كما أنها تحمي البيت من خطر الحريق. لجلب الحظ الحسن والثروات ارتد عقدا من حبة ياقوت تحيط بها اللآليء.

لون اللؤلؤة يتحكم في القدرات. اللؤلؤة السوداء تجلب الحظ الحسن للابسها.اللون الوردي يجلب حظ حياة مريحة وسهلة. اللون الأصفر عند الهندوس يجلب الثروات واللون الأحمر يجلب الذكاء.

عند الهندوس أسطورة تدعى (شبكة أنديرا) وهي شبكة عظيمة تمتد حول كل الأرض مرصعة ببلايين حبات اللؤلؤ البراقة عند كل تقاطع تمثل كل واحدة أرواح البشر.

بما أن اللؤلؤ هو الجوهر المفضل عند إلهة الحب فينوس فإنه يذوب في كأس نبيذ ويسقى للمحبوب ويعتقد أن اللؤلؤ يضمن السعادة والنجاح في الحب.

أساطير حول خلق اللؤلؤ:

حير خلق اللؤلؤ وطبيعته أذهان الناس على مر العصور فنسجوا حوله الحكايات والمعتقدات فنسبوا خلقه إلى القمر وقطرات الندى والمطر وارتبط بالأنوثة والخصب. في الشرق فقد اعتقدوا بأن اللؤلؤ خلق من التنين حيث يعتقد الصينيون أن اللؤلؤ تساقط من السماء حين تصارع التنانين والمقصود بذلك طبعا العواصف الرعدية والمطر والبرق.

وفي الهند يعتقد أن اللؤلؤ خلق من قطرات المطر التي تسقط في البحر فتلتقمها المحارات ولارتباط اللؤلؤ بقطرات الماء والدموع كان المحاربون القدماء يثبتون لؤلؤة على سيوفهم رمزا للأسى والشقاء التي ستجرها تلك السيوف على أعدائهم.

صدق كولومبوس تكون اللؤلؤ من الماء وحاول أن يثبت ذلك حين رأى لأول مرة عند نزوله على شواطئ خليج باريا محارات ملتصقة بجذوع الأشجار وقد فغرت صدفتيها إلى أعلى لتتلقى قطرات الندى كأفواه عطشى. هذه المحارات تعرف بإسم دندروستريا Dendostrea, tress Oyster of mangrove tree وتوجد حول جذور أو على أغصان شجرة المانجرو على ضفاف الماء و نادرا ما أنتجت اللؤلؤ.

ربط الإغريق اللؤلؤ بأفروديت Aphrodite وهي فينوس Venusكما يسميها الرومان إلهة الحب والجمال والزواج. أفروديت قد تكون هي ذاتها لؤلؤة. بعد أن قطع كرونCronos أعضاء أورانوس Ouranosالذكرية ألقى بها إلى البحر فحملتها الأمواج والدم يسيل منها فتكونت منها وحولها رغوى أخذت تكبر وتتضاعف حتى وصلت شواطئ قبرص فخرجت منها أفردوت داخل محارة واستقبلتها الحوريات ثم ألبسنها عقدا من اللؤلؤ التي تكونت حباته من دموع الفرح التي تناثرت من عينيها بعد ولادتها أو خلقها ثم حملنها إلى جبل أولومب Olympe حيث عقدت الدهشة من جمالها ألسنة الآلهة.

Draper, Herbert–The Pearls of Aphrodite

في القرن الثالث قبل الميلاد أطلق على الآلهة السورية Atargatis (Syrian mermaid Goddess). (سيدة اللؤلؤ) ويقع معبدها في Hierapolisوتعني الأرض المقدسة بالأغريقية وهو في تركيا. سيدة اللؤلؤ حامية الناس. الماء حولها يمثل الحماية فالماء هو سر الحياة كما يحيط الماء بالجنين داخل الرحم. سيدة اللؤلؤ هي مؤسسة الحياة الاجتماعية والدينية آلهة الأجيال والخصوبة ومبتكرة الأدوات المفيدة. هي آلهة الطبيعة التي تملك قوة القدر. وتحكي أسطورة سر وجودها فتقول إن إمرأة حبلى ألقت بنفسها في البحيرة غاصت ثم خرجت منها نصف سمكة بعد أن أنقذتها عرائس البحر وأصبحت طفلتها ملكة سورية . ويعتقد أوفيد Ovid في كتابه فاستي Fasti (2.459-74)أنها فينوس أو أفروديت ذاتها حين فرت من تايفون Typhonمع طفلها كيوبيد أو إيروس إلى نهر الفرات في سوريا. حين علا وارتفع صوت الريح ظنت أفروديت أن تايفون يقترب منهما فطلبت العون من حوريات النهر ثم قفزت إلى داخله مع إبنها فأنقذتها حوريتان منهما فكافأتهما أفروديت بتحويلهما إلى نجمي برج الحوت. يبين تمثال Atargatis الآلهة على هيئة إمرأة نصفها الأعلى بشري والنصف الأسفل سمكة. آلهة البحر تتميز بصفاته فهي أحيانا رقيقة عطوفة معطاء وأحيانا عنيفة هائجة مميتة. عبدت Atargatis في مدينة عسقلون القديمة Ascalon Ashkelon في جنوب غرب فلسطين على البرح المتوسط كما أصبحت المدينة مقصد المتعبدين لهذه الآلهة. وفي روما كانت تسمى Dea Syriaالآلهة سوريا.

أسطورة بولينيزية تقول إن الإله أورو إله الحرب والسلم نزل إلى الأرض على ظهر قوس قزح وقدم للإنسان هدية هي عبارة عن نوع مميز من المحار الذي ينتج اللؤلؤ الأسود الذي تشتهر به.

بالنسبة للأساطير البولينيزية، كانت لآلىء تاهيتي المصدر الأول للضوء، قدمها الخالق إلى «تاين»، إله الجمال و التجانس، فأضاء بها الجنة واستوحى منها النجوم. أعطاها «تاين» إلى «رواهاتو»، إله البحار لكي يضيء المحيطات من حوله. أما «أورو»، المسؤول عن الحرب والسلم، والذي يعمل مع «تاين»، فاختار امرأة من البشر لتحمل سلالته، وأهداها تلك اللآلىء كعربون عن حبه لها وانتشر محار هذه اللآلىء «تي أو في» في البحار كتذكار للإنسان من رحلة «أورو» إلى الأرض وانتشرت أمهات اللؤلؤ «تي أو في» أو «بينكتادا مارغاريتيفيرا-كومينغي»، في بحيرات بولينيزيا الفرنسية. في الأسطورة البولينيزية، تعد اللؤلؤتان اللتان أهداهما «أورو» اله الحرب والسلم لأميرة على الأرض، أولى اللآلىء. وهي «بورافا» ذات اللون الطاووسي المدهش، و «بوكونيني»، اللؤلؤة المميزة ذات الدوائر كدوائر كوكب زحل المجمدة.

ويحكى أن أوكانا: و«أوارو» أرواح المرجان والرمل قد غمرا «تي أو في» بغطاء لؤلؤي يحمل ألوان كل أسماك المحيط ولآلاف السنين تأتي أمجاد السماء لترقد في أحشاء المحارة السرية كهدية من السماء.

وتقول إحدى الأساطير الرومانسية إن القمر يغمر المحيط بضيائه ليجتذب المحارات إلى السطح فيتمكن من تلقيحها بقطرات من ندى الفردوس فالقطرة تحمل في قلبها شعاع الفردوس ثم تغلف نفسها بغطاء من انعكاسات زرقاء ، خضراء،وردية أو ذهبية. علما بأن القمر في لغات كثير من الشعوب وخاصة الغربية منها هو مؤنث وهو رمز الخصوبة.

أسطورة دينية تقول إن الهواء منح الرب قوس قزح والنار أعطته الشرارة والأرض وهبته قطعة ياقوت أما البحر فقدم له لولؤة. صار قوس الهالة حوله والشرارة البرق والياقوته حاجب عينه المقدس واللؤلؤة على صدره صارت الأسى والشجون.

وفي أسطورة أخرى فاللآلئ ما هي إلا دموع الملائكة التي تذرف كلما مات كافر وتسقط في البحر.

اللؤلؤ والدموع:

في ميثولوجيا شمال أوروبا Norse Mythologyالتي تعود إلى عصر الفاكينج فإن اللؤلؤ هو الدموع المتجمدة للآلهة فرايا Freya إلهة الحب والتكاثر وأيضا إلهة الحرب والموت. حزنت فرايا لاختفاء زوجها الإله أود Odالذي رحل دون علمها ليجوب العالم . ظنته مات فبكت عليه بحرقة فتحولت دموعها التي سالت على الأرض إلى الذهب أما التي سقطت في البحر فقد تحولت إلى لؤلؤ وعنبر حيث صار إسم دموع فرايا يطلق على نوع معين من العنبر الذي تزين به الحلي.

أسطورة شرقية تقول إنه حين فقد آدم وحواء الجنة بكت حواء بمرارة وسالت دموعها إلى البحر لتتحول إلى لآلئ ثمينة أما الدموع التي سالت على الأرض فقد أنبتت كل الأزهار الجميلة. أما دموع آدم فقد تحولت إلى لآلئ سوداء هي التي تشتهر بها تاهيتي اليوم.

أسطورة من الشرق أيضا تقول إنه تقدم شابان لخطبة إبنة الأمير بناريس أحدهما من عائلة كبيرة وثري والآخر من عائلة بسيطة وفقير. أحبت هي الشاب الفقير وأصر والدها على تزويجها من الشاب الغني. حين رفضت حبسها في برج في القصر وقتل حبيبها. صارت تبكي عليه بكاء مرا فحول إله الجحيم دموعها إلى لؤلؤ.

وفي الكالفالا بعد أن انتهى عزف ويناموانين البطل الفنلندي البديع على القيثارة الذي سحر الكائنات كلها من حيوانات وطيور وأسماك انسابت دموعه من شدة الامتنان وسالت وتسربت إلى ثيابه كلها ثم تحولت إلى لآلئ.

في الميثولوجيا الفارسية يطلق على اللؤلؤ (دموع الآلهة) وهو يمثل الصورة المثلى للدموع والحزن الصامت والاستسلام والتضحية كما استخدم إلى جانب أحجار أخرى كروية الشكل للتسبيح والخشوع والتأمل والإحساس بالسلام. تربط الميثولوجيا الفارسية اللؤلؤ بفكر بدائي حيث أن اللؤلؤة داخل المحارة تبدو كأنها جني محبوس في الظلام فلق المحارة واستخراج اللؤلؤة يعتبر إطلاقا للروح من حبسها في العالم المادي المحسوس إلى عالم روحاني لتعيش بتناغم مع ذاتها الأعلى.

من الحكايات التي تروى في جزيرة سيسيلي الإيطالية أن السيدة مريم ترسل ملكا أو ملاكا من السماء في يوم من كل أسبوع ليلعب مع أرواح الأطفال غير المعمدين وهم في النار وحين يغادر يأخذ معه في قدح ذهبي كل الدموع التي ذرفها هؤلاء الأبرياء خلال الأسبوع ثم يفرغ القدح في البحر حيث تتحول تلك الدموع إلى لآلئ.

اللؤلؤ خلق من دموع كاليبسو Calypso . تاه البطل الإغريقي أوديسوس Odysseus في البحر لمدة تسعة أيام حتى رسا في جزيرة أوجيجيا Ogygia حيث تعيش كاليبسو ورفيقاتها. رحبت كاليبسو بأوديسوس المرهق بعد أن خسر سفنه وجيشه وحربه مع إيطاليا وسيسليا وعودته من طروادة. قدمت كاليبسو لأوديسوس كل سبل الراحة والهناء وأحبته حبا عميقا لكنه رفض تقربها له وعرضها الزواج منه ومنحه الشباب الخالد رغم أنه بقي على جزيرتها لمدة سبع سنوات. كان أوديسوس يحب ويفكر بزوجته ويحلم بالعودة إلى موطنه إتاكا Ithaca إلا أن كاليبسوس لم تستسلم لرفضه لها واستمرت في عشقها له وعاشا معا في كهف رائع الجمال يحتوي على كل ما تشتهي النفس من سبل الراحة والطعام والشراب ويقال إنها أنجبت منه طفلين.

بعد سبع سنوات طلبت الآلهة أثينا من زيوس أن يأمر بعودة أديسوس فأرسل زيوس رسول الآلهة هرمس ليقنع كاليبسو بإطلاق سراحه. ما أمكن كاليبسو مخالفة أوامر أثينا وزيوس ملك الآلهة إلا أنها عبرت عن غضبها لهرمس واتهمت الآلهة بالقسوة لأنها لا تسمح بزواج إلهة ببشري ثم ساعدت أوديسوس في بناء سفينة زودتها بكل ما يحتاج إليه من طعام وشراب وودعته. بعد رحيل أوديسوس غرقت كاليبسوفي حزن عميق وذرفت دموعا جرت كأنهر إلى البحر لتتحول إلى لؤلؤ ويقال إنها حاولت أن تقتل نفسها. لم تتمكن من ذلك بالطبع لأنها إلهة أي خالدة.

قصة من الهند تبين أساس المعتقد الذي ربط اللؤلؤ بالدموع: )ترجمة بزة الباطني(.

خطف أشرار أميرة ترافنكور و أبحروا بها بسفنهم التي تاهت وسط عاصفة هوجاء ثم غرقت. حين هدأت العاصف أمر الملك صيادي السمك والغواصين المتمكنين بالبحث حيث تحطمت السفينة حتى عثر أحدهم على جثة الأميرة فرفعوها من الماء وأعادوها إلى القصر ليتم تحضيرها للدفن . لاحظت إحدى النساء محارة قد أطبقت على إصبع الأميرة وحين خلصوا إصبع الأميرة تدحرجت كرة عظمية بيضاء لامعة ببريق رقيق جميل لم ير مثله أحد، قال البراهما: هذه دموع السماء التي سقطت في البحر تجمدت لتغدو جوهرة لا تقدر بثمن «ثم أسماها لؤلؤة وحملها إلى الملك. حين رآها الملك استدعى كبير الصاغة وأمره أن يصنع لها صندوقا ثمينا من الذهب ثم أعطى الصندوق وبداخله اللؤلؤة إلى إبنه وأمره أن يعتبر ويعلن أن تلك اللؤلؤة هي أسمى جواهر المملكة. حين نظر الأميرإلى اللؤلؤة قال: جمالها كجمال بريق عينيها حين خفضتهما أمام محبتي» واعتبرها أثمن من كل الألماس والياقوت في كنوزه.

أسطورة لؤلؤ تاهيتيترجمة بزة الباطني عن الإنجليزية

كان هناك غواص إسمه آمري . كان في يوم عند أحد التجار ليبيعه ما عثر عليه من لآلئ فدخلت الأميرة عنوبة زوجة الخليفة وهي تغطي وجهها بوشاح . عرضت على التاجر لؤلؤة سوداء كبيرة ذات بريق ذهبي وسألته إن كان لديه لؤلؤة مماثلة. تعجب التاجر من تلك اللؤلؤة لكنه هز رأسه وقال أنه لا يمكن العثور على لؤلؤتين متشابهتين منها. اقترب منهما أمري وكرر ما قال التاجر. فسألته الأميرة إن كان حقا لا يرغب حتى بالمحاولة ليحصل على العشرين ألف دينار التي أعلنتها مكافأة لمن يأتيها بلؤلؤة مماثلة. قال التاجر: اطلبي مني زمردا بحجم بيض الحمام ، عقيق أو فيروز أو عنبر يلمع كعين النمور أوياقوت من سيلان يضيء بلهيبه ظلام الليل وسيضع خادمك البسيط كل ذلك تحت قدميك لكن النجوم ستتساقط على قباب قصرك كأمطار من ذهب قبل أن أجد لؤلؤة مماثلة لتلك التي بين يديك»

اقترب عامري أكثر وهو ينظر إلى اللؤلؤة السوداء

سألت الأميرة التاجر: هل هذا أحد خدمك ؟

قال عامري: أنا الغواص إبن أمي رجل حر طليق

قالت: هل تحب أن تكسب عشرين ألف دينار؟

قال: من الأفضل أن تسأليني إن كنت أريد الموت.

سألته الأميرة عن السبب فأخبرها أن في خليج البحرين هناك شعاب مرجانية عظيمة وبينها عثر غواص اللؤلؤ الشهير بانجار اللؤلؤة السوداء الكبيرة التي تزين خنجر الأمير مصعب لكنه لم يعد إلى الغوص ثانية ويرتجف قاربه ويرجف هو من الرعب كلما عبر بتلك الشعاب المرجانية.

سألته الأميرة عن السبب فأخبرها أنه حين نزل فانجار إلى الماء ثارت في وجهه مئات من قطع الزمرد كالحمم البركانية فسقط وارتطم جسده بالشعاب المرجانية التي اخترقته كالسيوف. نزف دما كثيرا لكن شرع في جمع المحار. كان قد جمع عشرين محارة حين عبرت من فوقه تحت الماء غمامة مظلمة مخيفة كانت الوحش الذي يقترب منه وهو يحرك ذيله الطويل وأطرافه المتشعبة التي التفت إحداها حول جسد فانجار العامري نظر فانجار فرأى نفسه وجها لوجه مع سرطان بحر عنكبوتي ينظر إليه بعينين خضراوين مشعتين. فقد فانجار وعيه . أحس بذلك رفاقه فجذبوه إلى السطح بسرعة.

قالت الأميرة: «بما أنك تعرف موقع اللؤلؤة عليك أن تغوص في مياه البحرين ، تقتل الوحش وتأتيني باللؤلؤة التي أريدها»

قال عامري: «أعيل أما مريضة وخطيبة يتيمة بحاجة لحبي ورعايتي ولن أخاطر بحياتي من أجل أن أحقق رغباتك ودون جدوى فليس هناك لؤلؤتان متشابهتان»

نظرت إليه الأميرة طويلا من خلف وشاحها ثم طلبت منه أن يأتي لقصرها عند الفجر ورحلت.

قبيل الفجر ارتدى عامري أفضل ثيابه وذهب إلى قصر الأميرة حيث قاده حارس أخرس أصم إلى حجرة الأميرة. وجدها جالسة على فرش فخم وثير. صرفت الأميرة الحارس وطلبت من عامري أن يتقرب ثم قالت: أخبرتني أنه لا توجد لؤلؤتان سوداوان متشابهتان لكن انظر«ثم نزعت وشاحها وكشفت عن وجهها. شهق عامري حين رأى عينيها. رمقته بنظرة نفذت إلى قلبه. كانت عيناها كجوهرتين وسط وجه حورية أملس أبيض كالعاج. حين استفاق عامري من دهشته شيئا فشيئا وقبل أن تنبس الأميرة ببنت شفة مد عامري نحوها يديه وانحنى طوعا وهو يقول:

سأغوص في أعماق خليج البحرين وسأفقد دمي وجلدي على تلك الشعاب كما فقدت قلبي وروحي في هذا المكان»

رحل عامري بقاربه مع بعض أصدقائه إلى حيث الشعاب المرجانية في البحرين. نزل إلى الماء وغاص حيث يوجد ذلك الكنز وملأ سلته بأصناف المحار حتى رأى المحارة الضخمة لكن حين اقترب منها ومد يده نحوها حاصره الوحش بأطرافه الطويلة فتصارع معه والدم يسيل منه لكنه تمكن من الوصول إلى خنجره فغرسه بين عيني الوحش وقتله ثم شد الحبل فرفعه أصحابه إلى ظهر القارب ثم أغمي عليه . حين استعاد وعيه وجد نفسه في قصر الأميرة وهي تنظر إليه بوجهها الملائكي الجميل. سألته إن كان قد وفق في مهمته. قال: شرب الوحش دمي لكنني قضيت عليه وها هو الكنز الذي كان يحرسه«ثم رفع نحوها المحارة الكبيرة وفيها لؤلؤة سوداء كبيرة أجمل من تلك التي تزين خنجر الأمير مصعب. أدهش الأميرة جمال تلك اللؤلؤة وراحت تصيح نشوة فرح وحين هدأت سألت من عامري أن يطلب منها ما يريد ثمنا لها حتى وإن كانت كل ثروتها. أحنى عامري رأسه عند قدميها وقال: احتفظي بكل ثروتك. أخذت قلبي وروحي ولكن هذا الغواص الفقير لن يحظى بحبك ويفضل أن يأخذ حياته بيديه» وبسرعة خاطفة حمل خنجره وغرسه في صدره.

الميثولوجيا اليابانية لا تفسر خلق العالم وإنما خلق الآلهة. في البداية ظهر في السموات العليا آلهة عينت مجموعة أخرى خلقت منها لتدير العالم كان آخرها إزناجي وإزنامي . كانت وظيفة هذين الإلهين هي خلق الأرض التي كانت في ذلك الوقت كنقطة زيت فوق سطح محيط وليتمكنا من ذلك وهبتهما الآلهة العليا عصاة تزينها حبات الألماس. ذهب الإثنان إلى جسر الفردوس العائم ضربا الماء بالعصا وحين رفعاها انسابت منها قطرات من الماء المالح كونت جزيرة اونوجورو لتصبح أول جزر اليابان. نزل الزوجان المقدسان من الجسر إلى الجزيرة التي وجداها جميلة جدا فغرسا فيها دعائم سماوية عظيمة وشيدا حولها قصرا ليكون سكنا لهما يبدآن به الخلق. كانت إزنامي إمرأة جميلة . طلب إزانجي يدها فوافقت وليتزوجا صار عليهما أن يتبعا الطقوس وهو أن يغمر ويحيط أزانجي بدعامة القصر اليمنى وتغمر وتحيط إزنامي بدعامة القصر اليسرى حتى يتصلا وحين اقتربا لم تتمالك إنزامي نفسها فصاحت«يا لجمال هذا الشاب» ولأنه غير مصرح للمرأة أن تعبر عن نفسها عاقبتها الآلهة بأن وهبتها طفلا مشوه الخلقة. تزوج إزناجي وإزنامي مرة أخرى حسب قانون السماء وأنجبا عددا كبيرا من الآلهة مثل آلهة الريح والجبال والأنهار والبحر وغيرها ولكن حين تنجب إنزامي إله النار تحترق وتموت لكن ينشأ عنها مزيد من الآلهة تخرج من دمها وجلدها وكل شيء بها حتى تلفظ آخر أنفاسها. يحاول الزوج الالتحاق بزوجته في عالم الأموات. يصل إليها لكنه لا يراها فتطلب منه أن لا يحاول ذلك مطلقا لكنه يوقد مشعلا فيروعه مشهد جثتها المتحللة ويهرب هلعا وهي غاضبة من خيانته لوعده فترسل خلفه شياطين ووحوشا وحتى لا يحبس في ذلك العالم يسد بابه بحجر عظيم. تطلب منه زوجته أن يزيل الحجر وإلا ستقتل ألفا من نسله كل يوم فيخبرها بأن سيخلق أكثر منهم في الوقت ذاته ونتيجة لذلك يظهر البشر العاديون وتصبح إنزامي ملكة عالم الأموات. ليتطهر إزانجي من خطيئة الاتصال بزوجته المتوفاة يغتسل في جدول وينتج أعدادا أخرى من الآلهة من ثيابه وجسده. فتنشأ أماتيراسو من عينيه اليسرى و تسوكيوني من عينه اليمنى و سوزانو من أنفه فيقرر أن يتقاسم إدارة العالم مع هؤلاء الثلاثة. لم يعجب سوزانو أن يكون إله المحيطات فقد أراد أن يحكم مع أمه عالم الأموات فيغضب والده ويخرجه من مملكة السماء فيذهب إلى الفردوس ليودع أخته أماترسو لكنه كان يرغب بالانتقام ولعلمها بسوء نيته تباريه في خلق مزيد من الألهة. تسحب أماتسيرو سيف أخيها تكسره إلى قطع صغيرة ثم تلتهمه فتنجب ثلاث آلهات جميلات. ينتزع سوزانو عقد أخته ويأكل حبات اللؤلؤ وينتج خمس آلهة ذكور ويعلن نفسه الفائز لكن أخته تعارض حيث أنه أنتج هؤلاء من جنسه فهو إله المحيطات واللآلئ من المحيط وتعلن نفسها الفائزة إلا أنه لم يقبل وعاث في الدنيا فسادا.

الخلاصة

( لؤلؤة الحكمة) هو تعبير عام أطلق على كثير من الكتب عن الطب والحياة والإلهام والإرشاد خاصة في الشرق، حيث يعتقد الصينيون أن اللؤلؤ يتكون من دماغ التنين ولذا فهو رمز الحكمة وللحصول على هذا الكنز يجب قتل التنين. ويعني ذلك أن على الإنسان الذي يرغب بنيل العلم والحكمة أن يتجشم عناء كبيرا في سبيل ذلك وأن يتعرض لشتى التجارب وأنواع البلاء جسديا ونفسيا مما يطلق عليه ( رحلة البطل) بمعنى أن لؤلؤة الحكمة التي يحصل عليها الإنسان تأتي من التخلص مما سبق في الحياة ليقتني الإنسان ما هو أفضل وأثمن. نقف أمام بحر عظيم داخل ذواتنا ننظر عبره في الظلام فنرى لؤلؤة لامعة. جروح عتيقة متراكمة ومتراصة وحب يكتشف وحكمة تكتسب. هل سنخوض ذلك البحر ونجابه المخاطر التي يعج بها لنحصل على الكنز؟

يمكن بسهولة تخمين أسباب ارتباط اللؤلؤ بالصحة والفأل الحسن والمال والجمال لكن يصعب معرفة أسباب ارتباطه بالأحزان والدموع وربما يعود ذلك إلى صعوبة الحصول عليه وما يتعرض الغواص من مخاطر كما أن للحصول على لؤلؤة عليك فلق المحارة ويعتبر ذلك إزهاق لروح مهما صغرت وهانت.

 أبسط تفسير لارتباط اللؤلؤ بالدموع هو في تكون اللؤلؤة ذاتها. الحيوان الرخوي داخل المحارة يفرز تلك المادة الصدفية ليحمي ذاته من خشونة حبة الرمل أو قطعة الطحلب التي دخلت قوقعته كما تدمع عين الإنسان حين يصيبها قذى من رمل أو غبار. العين لها شكل المحارة ، الأجفان تفتح وتغلق مثلها تماما وكلتاهما تسيل منهما الدموع لكن اللؤلؤة هي أنبل الإنجازات فالحيوان الرخوي الضعيف حول الأذى إلى درة ومنه علينا أن نتعلم كيف نسمو بما يصيبنا من آلام.

القدر أو الجبر وحرية الاختيار متقارنان لا يفترقان في حياتنا. أحيانا نزج بأنفسنا في المتاعب وأحيانا تهبط علينا المتاعب من حيث لا ندري ولا نعلم. متاعب قد تشلنا معنويا وتفقدنا الحس وتفصلنا عن الحياة والأشياء والبشر، تعكر أيامنا وتقض نومنا. متاعب لا يمكن تناسيها أو تجاهلها ولا حلها لأنها تكون قد تغلغلت تحت جلودنا واستقرت. بعضنا يهوي تحت وطأتها وبعضنا يتعظ بها وبعضنا الآخر يحولها إلى أمجاد بالإبداع والإنجازات أو حتى بالصبر.

 

المصادر

George Frederick Kunz, The Curiou Lore of Precious Stones, New York; Dover Publications, Inc. 1913, 1971 edition.

Bruce Knuth, Gems In Myth, Legends And Lore,

Monsters & Martyrs:

García Márquez's Baroque Iconography

Lois Parkinson Zamora

University of Houston

http://www.uh.edu/~englmi/MonstersAndMartyrs/index.htm

The History of Pearls in the Middle East and Europe

by Beverly Fernandes

http://www.cedarseed.com/air/gemstones.html

American Museum of Natural History on the web1-

Handbook of Gem Identification by Richard T. Liddicoat, Jr.

Jewelry 7,000 Years by Hugh Tait

The History of Beads from 30,000 B.C. to the Present by Lois Sherr Dubin

The Oxford IllustratedHistory of the British Monarchy by John Cannon and Ralph

A Pearl of Mythology By Traci Pederson2-

Cunningham encyclopedia of crystal, gem and and metal magic by scot Cunnigham page 146-143-

Path of the Pearl: Discover Your Treasu By Heather Y-Z4-

http://samarastyle.com.au/mainmenupage/news/news.htm

6- Caesar and the Pearls of Britain

Monroe E. Deutsch

The Classical Journal, Vol. 19, No. 8 (May, 1924), pp. 503-505

(article consists of 3 pages)

Published by: The Classical Association of the Middle West and South

7- Source Libération par Rachida Alaoui La tradition vestimentaire, le rituel et les étapes

L’art du mariage, la version de Fès

http://www.papeete.com/retail/pearls/info.html

http://mangashima.e-monsite.com/rubrique,la-mythologie-japonaise,29517.html

LES TROIS CHEVEUX D'OR DE BOUDDHA, texte transmis par FEEFLOFLY

http://www.hdps.be

. http://www.jewelrysalesandservice.com/article/the_superstition_that_pearls_bring_tears-29.html

Copyright 2004 by JJKent, Inc jjkent.com

http://www.greekmyths-greekmythology.com/calypso-odysseus-greek-myth

أعداد المجلة