ألفاظ في لهجتنا العامية أصلها فصيح ثابت بالقرآن الكريم
العدد 15 - أدب شعبي
في فجر الإسلام وفي عام 629م دخلت البحرين التاريخية سلما في الدين الجديد وآمنت بكتاب ربها ويقال إن إقليم البحرين هو أحد الأمصار التي وصلت إليها نسخة كاملة من نسخ القرآن الكريم الموحدة في عهد الخليفة عثمان بن عفان ثالث الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين.
ومنذ ذلك الوقت أخذ شعب البحرين جيلا بعد جيل في تلاوة القرآن الكريم يأخذون منه أحكام دينهم الجديد في عقيدة التوحيد والعبادات والمعاملات والحدود. وكانت قبائل البحرين من وائل ابن ربيعة وعبدالقيس وتميم تتحدث لهجاتها العربية التي اختلفت بعض الشيء عن لهجة قريش التي نزل بها القرآن الكريم. ومع ذلك أصبحت لغة القرآن ومن ثم لغة للعرب جميعا، بل والمسلمين في أصقاع الدنيا يتحدثون بها مع بعضهم البعض وإن اختلفت لغاتهم ولهجاتهم حتى يومنا هذا.
وهكذا لاحظنا كيف أشربت لهجات إقليم البحرين والبلاد العربية قاطبة كلمات وألفاظ بل ومعان من القرآن الكريم نفسه توارثها الناس جيلا بعد جيل لتصل إلينا بارزة في لهجتنا المحلية اليوم رغم توالي الأيام والسنين والعصور حتى أصبحت في كلامنا اليومي عادة وفطرة، تظهر في أمثالنا الشعبية وفي أشعارنا وحكمنا وأقوالنا السائرة وفي حكاياتنا وألغازنا وفي غيرها من أنماط التراث الشعبي الثري الذي تزخر به البحرين وما جاورها من بلدان منطقة الخليج العربي.
ولقد راع المهتمين بالتراث اللغوي ما يحدث للهجة العامية أو اللغة العربية الشعبية من تغيير وتحوير وتبديل عبر الأجيال المتعاقبة، فراح بعضهم يحاول عبثا حفظ ما يمكن حفظه بالتدوين تارة وبالتسجيل الصوتي تارة أخرى وبفضل تواتر حفظ أنماط من الأدب الشعبي وعلى رأسها الشعر الشعبي والقصيد والموال والأمثال والحكاية والسالفة والخرافة والأسطورة والحزاوي1 والألغاز وغيرها والتي بقيت محتفظة بأعداد كبيرة من الألفاظ الشعبية.
ونحن نعلم ونؤمن بأن القرآن الكريم هو كتاب ربنا المنزّل على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بلغة عربية فصحى «بلسان عربي مبين» سورة الشعراء الآية 195 قال عنه علماء الأمة اللغويون منهم والمؤرخون بأنه أنزل بلهجة قبيلة قريش التي كانت وقتئذ أنقى لهجات العرب عند نزول الوحي، رغم وجود لهجات عربية كثيرة بحسب ما روي من كلام عدد من قبائل العرب من ذلك الزمان.
ويلاحظ المهتمون بالتراث اللغوي الشعبي وخاصة منهم المعنيون منهم بالقرآن الكريم وجود عدد كبير من الألفاظ القرآنية التي دخلت إلى اللهجات العربية على امتداد وطننا العربي الكبير، وزعم أن شعب البحرين وإخوانه من شعوب الخليج العربي قد تداول تلك الألفاظ في حديثه وإن انحرف في لفظه لبعض تلك الألفاظ فكسر ورفع ونصب وقد يزيد حرفا أو ينقص حرفا ولكن يظل اللفظ في أصله من القرآن الكريم. وبطبيعة الحال هذا قد جاء حتما كنتيجة لتعهد هذا الشعب لكتاب ربه في المقام الأول في عصور العلم والنور ثم لأصوله العربية العريقة التي تعود إلى قبائل عربية استوطنت شرق ووسط شبه الجزيرة العربية منذ قديم الزمان.
ومما لا شك فيه فقد دخل إلى اللهجة العربية القرشية الكثير من ألفاظ ومفردات الأمم والشعوب القريبة كالفرس والكلدان والآراميين الأنباط والسريانيين والعبرانيين وغيرهم نتيجة قربهم واتصالهم بهم عبر التجارة أولا، والاتصال الحضاري بشكل عام، ولما نزل القرآن الكريم بلغة قريش تضمن تلك الألفاظ التي عرّبت ونطقت بها قبيلة قريش والقبائل العربية بعد ذلك. والمعروف أن شعراء المعلقات ما كانت قصائدهم لتكرم بتعليقها على جدران الكعبة لولا إلقاؤهم لها بلغة قريش سادنة بيت الله في مكة المكرمة.
وأسوق هنا بعض الأمثلة بمعانيها في القرآن الكريم ثم استعمالاتها في لهجتنا الشعبية البحرينية والخليجية وقد رتبتها ترتيبا أبجديا على النحو التالي:
ركس:
ركس هو الأصل الثلاثي للكلمة، والركس قلب الشيء على رأسه وردّ أوله إلى آخره. يقال أركسته فركس وارتكس في أمره، قال الله تعالى في المنافقين «والله أركسهم بما كسبوا» في سورة النساء الآية 88، أي ردهم إلى كفرهم. وقال تعالى فيها أيضا في الآية 91 «كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها» وتعني هنا أنهم انتكسوا عن عهدهم أي أنهم دعوا إلى الشرك ثم عادوا ورجعوا اليه2.
ومن أقوال أهل البحر عندنا (إن طفح كلاه الطير وإن ركس كلاه السمك) وطفح معناها طفا على سطح الماء وركس أي انقلب حتى نزل في البحر ليستقر في القاع. وهي من ألفاظ البحر المشهورة عند الخليجيين عموما والبحرينيين وهم أهل بحر مذ كانوا وخاصة الغواصين منهم، وذلك في زمن الغوص على اللؤلؤ لاستخراج اللؤلؤ الطبيعي منه. ويعد هذا القول من أمثالهم الشعبية المشهورة.
إي:
ورد هذا اللفظ مرة واحدة فقط في القرآن الكريم قال الحق تبارك وتعالى في سورة يونس الآية 53 «ويستنبؤنك أحق هو قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين» وقال عنها صاحب كتاب مفردات القرآن الكريم إن إي كلمة موضوعة لتحقيق كلام متقدم ولا تقع إلا قبل القسم نحو قوله تعالى «إي وربي إنه لحق» كما هو في الآية المذكورة3.
ودخلت هذه الكلمة المكونة من حرفين كما هي رسما ونطقا في لهجتنا المحلية لتحقيق القول القاطع بالإيجاب (نعم). مثال ذلك أن تسأل الأم ولدها (رحت المطوع اليوم؟) فيرد جازما (إي رحت). وكثيرا ما يقولها الكبار مردوفة بكلمة نعم فيقولون (إي نعم) فكأنهم يؤكدون كلامهم بتكرار المعنى ف إي وهي نعم كما هو معلوم. وإي نعم في الحديث تكون تصديق المتحدث في أحيان كثيرة، على سبيل المثال أن يقول الرجل لمحدثه (أنا عقب ما بعت البيت على عبدالله كتبنا الأوراق) فيقول الرجل إي نعم وكأنه يشعره باهتمامه بحديثه ويطلب منه تتمة الحديث فيستدرك المتحدث (وبعدين عبدالله نجف وهذا ما يجوز). والمعنى أنه بعد ذلك تراجع المدعو عبدالله عن المبايعة وهذا لا يجوز.
بلى:
تلفظ بلا أي حرف الباء ولا النافية، وهكذا رسمها بَلَى بالألف المقصورة في المصحف الشريف وقد ورد في مختار الصحاح، أنها جواب تحقيق توجب ما يقال لك، لأنها ترك للنفي، وهي حرف لأنها ضد لا4.وفي المصباح المنير, (بَلَى) حرف إيجاب فإذا قيل ما قام زيد وقلت في الجواب (بَلَى) فمعناه إثبات القيام وإذا قيل أليس كان كذا وقلت (بَلَى) فمعناه التقرير والإثبات، ولا تكون إلا بعد نفي إما في أول الكلام كما تقدم وإما في أثنائه كقول الله تعالى «أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَلَنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ بَلَى» سورة القيامة الآية 3، والتقدير (بلى نجمعها) وقد يكون مع النفي استفهام وقد لا يكون كما تقدم فهو أبدا يرفع حكم النفي ويوجب نقيضه وهو الإثبات5.
ولفظة بلى وتعني باللغة الفصحى نعم وقد استخدمت في لهجتنا الشعبية على شكلين (بله) و (امبله) ونسوق لكل منهما مثالا: كأن يسأل المرء (هل شفت فلان اليوم) فيقول (بله شفته في السوق) والثانية كأن تسأل مريضا (شربت لدوه؟) فيجيبك (امبله شربته). وقد يكون استخدامهما بهذين الشكلين المختلفين، ويرجع ذلك إلى البيئة أو المنطقة التي شاع استخدام كل واحدة منهما فيها. ولا عجب فأهل العراق في لهجتهم -أعاد الله إليه عافيته- ينطقونها بلي بفتح الباء وكسر اللام والياء المؤكدة بالسكون.
ولفظة بلى لغة عربية فصحى وردت في القرآن الكريم اثنتين وعشرين مرة وفيها تأكيد المتحدث لعبارته التي يذكرها عادة وبعدها هذه اللفظة مباشرة. كقوله تعالى ولله المثل الأعلى «بلى قادرين على أن نسوي بنانه» سورة القيامة الآية 4.
تنور:
قال الله تعالى فى سورة هود الآية 40 وفي سورة المؤمنون الآية 27 «فاذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين إثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول». والتَّنُّورُ نوع من الكوانين وهو الذي يخبز فيه. ويقال أنه في جميع اللغات كذلك6، وقيل أن الماء فار من تنور الخابزة ... وقال الليث التنور عمت بكل لسان، قال أَبو منصور: وقول من قال إِن التنورعمت بكل لسان يدل على أَن الاسم في الأَصل أَعجمي فعرّبها العرب فصار عربيّاً على بناء فَعُّول، والدليل على ذلك أَن أَصل بنائه تنر، قال: ولا نعرفه في كلام العرب لأَنه مهمل، وهو نظير ما دخل في كلام العرب من كلام العجم، مثل الديباج والدينار والسندس والاستبرق وما أَشبهها، ولما تكلمت بها العرب صارت عربية7.
والتنور في لهجتنا المحلية على عدة أنواع، أشهرها تلك الحفرة البسيطة في الأرض تكون على حافتها ثلاثة أحجار متقاربة في الحجم ليعلوها القدر الذي يطبخ فيه، بينما يوضع حطب الوقود بأسفله، وقد شاع استخدامه في مطابخ بيوتنا قبل عصر النفط والكهرباء. وهناك تنور الخباز ويتخذ عادة من الطين على شكل إناء فخاري إسطواني مفتوح من الأعلى لإدخال عجين الخبز ومن الأسفل لإيقاد النار إما خشبا أو موقد كيروسين. ولقد عاش التنور في مجتمع البحرين قرونا طويلة وما يزال تنور الخباز فعالا إلى هذه اللحظة، بينما غاب عنا تنور المطبخ القديم وحلت محله أفران الغاز والكهرباء.
تلقف :
كانت الأم تقول لولدها المتعجّل دائما «لا تلقف الأكل وهو حار بهذه الطريقة» حين يدخل المطبخ ويكشف غطاء الأكل وهو على النار ويتناول منه لقيمات، وهي بذلك تنصحه عن بلع الطعام بسرعة وهو حار، فقد يسبب لنفسه الكثير من المتاعب. واللقف في لهجتنا أيضا بمعنى الالتقاط عن بعد، كأن يرمي (الكولي) وهو العامل الذي يساعد الأستاذ البنّاء (اللقمة) وهي قبضة الجص وهو الجبس المحلي المخلوط بالماء، من الأسفل إلى حيث يكون، قائلا له (إلقف) أي امسك.
وقد جاءت هذه اللفظة في سورة الأعراف الآية 117 قوله تعالى «وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون» وجاء في مفردات القرآن الكريم عن مادة لقف قوله «لقفت الشيء ألقفه وتلقفته تناولته بالحذق سواء في ذلك تناوله بالفم أو اليد8.
وفي تفسير القرطبي للآية السالفة الذكر أن ابن زيد قال بأن الاجتماع كان بالاسكندرية فبلغ ذنب الحية وراء البحيرة وقال غيره وفتحت فاها فجعلت تلقف أي تلتقم ما ألقوا من حبالهم وعصيهم وقيل كان ما ألقوا حبالا من أدم فيها زئبق فتحركت وقالوا هذه حيات وقرأ حفص تلقف بإسكان اللام والتخفيف جعله مستقبل لقف يلقف قال النحاس ويجوز على هذه القراءة تلقف لأنه من لقف، وقرأ الباقون بالتشديد وفتح اللام وجعلوه مستقبل تلقف فهي تتلقف يقال لقفت الشيء وتلقفته إذا أخذته أو بلعته، تلقف وتلقم وتلهم بمعنى واحد.9
تورون:
جاء في تفسير الآية 71 من سورة الواقعة «أفرأيتم النار التي تورون أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون» عند إبن كثير أي أنكم تقدحونها من الزناد وتستخرجونها من أصلها «أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون» بل نحن الذين جعلناها مودعة فيها، وللعرب شجرتان إحداهما المرخ والأخرى العفار، إذا أخذ منهما غصنان أخضران فحك أحدهما بالآخر تناثر من بينهما شرر النار10.
والقصد أن أهل البحرين توارثوا هذه اللفظة (تورون) وأصلها في كتاب ربهم القرآن الكريم، فقالوا (ورّ الضو) ويريدون (أشعل النار)، ويقولون في من يشعل الفتنة (فلان ورى الضو وشرد) أي أنه (أشعل الفتنة بين الناس وفرّ). وعندما زوّدت بيوتهم بالكهرباء ظلت الكلمة هي هي، فيقول الوالد لولده (ورّ الليت يا عبدالله) ويقصد أن يدير مفتاح النور. وكذلك الحال بالنسبة لبعض الأجهزة الكهربائية والمكائن. (ورّ) فعل أمر بمعنى أشعل أو أدر مفتاح التشغيل وهكذا. ولا نجد مصدرا لهذه الكلمة عندهم غير مصدرها القرآني هذا، والله أعلم.
خرج:
وردت كلمة خرج في القرآن الكريم أكثر من مرة وأنقل من كتاب مفردات القرآن الكريم للأصفهاني (ونحو ذلك خرج وخراج قال الله تعالى «أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير» سورة المؤمنون الآية 72 ... والخرج أعم من الخراج وجعل الخرج بإزاء الدخل وقال تعالى «فهل نجعل لك خرجا» سورة الكهف الآية 94، والخراج مختص في الغالب بالضريبة على الأرض وقيل: العبد يؤدي خرجه أي غلته والرعية تؤدي إلى الأمير الخراج، والخرج أيضا من السحاب وجمعه خروج. وجاء من معانى الخرج في معجم لسان العرب الضريبة و الأجر11.
ونأتي إلى معناها في لهجتنا البحرينية المحلية فنرى أنها تحل محل المصروف أو المال الذي يكون في يد رب الأسرة أو ربة الأسرة لتصرف منه على شئون بيتها وحاجات أولادها وخاصة عندما يغادر رب الأسرة المنزل للعمل من طلوع الشمس إلى مغيبها، كما كان يفعل أجدادنا وآباؤنا قديما. ومن المفيد أن نذكر هنا أن الخرج وردت كذلك في وثائق الغوص، في عصر الغوص لجمع المحار واستخراج اللؤلؤ منه، الذي كان عصب الحياة في البحرين والبلاد المجاورة، فكانت دفاتر النواخذة وهو ربابنة سفن الغوص، تشتمل على أسماء الغواصين وما عليهم من أموال كانت تعرف بينهم ب (الخرجية) وكانت عبارة عن ديون يعطيها النوخذة للغواصين في بداية الموسم يؤدونها بعد ذلك من حصصهم في نهاية الموسم من الريع. كما كان هناك أيضا ما يعرف بالسلفية. وهي ما يستلفه أو يستدينه الغواص من النوخذة زيادة على الخرجية. حتى أننا وجدنا في زمن تقنين الغوص وتنظيمه رسميا أن وثائق الغوص كانت تنص على تحديد قيمة الخرجية والسلفية. وقد تكون الخرجية أو السلفية في صورة مؤن كالعيش أي الأرز والتمر والقهوة والسكر وشيء يسير من المال.
حجج:
وردت في القرآن الكريم بهذا الشكل (حجج) في سورة القصص الآية 27 في سياق قصة نبي الله موسى عليه السلام وزواجه من إحدى ابنتي شعيب مدين، قال الله تعالى «على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك» وحجج مفردها حجة بكسر الحاء وفتح الجيم المشددة.
ومن معانيها في القاموس المحيط السنة، والحجة من الحج إلى بيت الله الحرام بمكة المكرمة وللحج في ديننا موقت محدد، بالأشهر القمرية الثلاثة المتتالية، العاشر والحادي عشر والثاني عشر وهي بالتقويم الهجري شوال وذو القعدة وذو الحجة، وقد ارتبط الأخير بالحج لوقوع يوم الحج الأكبر باليوم التاسع منه، وهو يوم وقوف الحجاج بجبل الرحمة جبل عرفة أو عرفات. والحجة سنة واحدة والحجج سنوات. وجاءت في القرآن الكريم بهذا المعنى حين طلب شعيب من موسى عليه السلام أن يرعى له الغنم ثماني حجج أي ثمان سنوات ثم استدرك قائلا وإن أتممتها عشرا فمن عندك وذلك كشرط حتى يزوجه ابنته.
والطريف ذكره أن استخدام الحجة بمعنى السنة لا أعرفه في تراثنا اللغوي إلا في أنشودة يقولها الأطفال في الاحتفال بليلة العيد الكبير عيد الإضحى المبارك، حين يقومون برمي (الحيه بيه) في البحر12.
والحيه عبارة عن سلة صغيرة من سعف النخيل يوضع فيها شيء من الرمل والسماد وتزرع ببعض أنواع الحبوب والعدس، وذلك قبل العيد الكبير بأسبوعين أو أقل أو أكثر، ثم يحتفل الأطفال عند الشواطئ برميها في البحر ليلة العيد مرددين هذه الأنشودة التي توارثناها جيلا بعد جيل منذ زمن طويل:
حيه بيه
راحت حيه
ويات حيه
غديتك وعشيتك
ونهار العيد
لا تدعين عليّ
فالحجة هنا بمعنى السنة هي هي كما وردت، ولكن بصيغة الجمع، في القرآن الكريم في الآية 27 من سورة القصص.
خامدون:
جاء في كتاب تاج العروس للفيروزابادي في باب خ م د قوله خَمَدَتِ النَّارُ أي سَكَن لَهَبُها ولم يَطْفأْ جَمرُها وأَخْمَدْتُهَأ أَنا والخَمُّود كتَنُّور: مَدْفَنُهَا لِتَخْمَدَ فيهِ. وقال أيضا أن من المَجاز القول خَمَدَ المريضُ إذا أُغْمِيَ عَليهِ أو مات. وخَمَدت الحُمَّى: سَكَنت أَو سَكَنَ فَورانُها. وهو مَجَازٌ أَيضاً وأَخْمَدَ: سَكَنَ وسَكَتَ. وقومٌ خامدونَ أي لا تسمع لهم حِسّا13.
ويذهب صاحب كتاب معاني القرآن الكريم أن معنى (خمد) في قول الله تعالى «جعلناهم حصيدا خامدين» في سورة الأنبياء الآية 15، وقوله تعالى «فإذا هم خامدون» في سورة يس الآية 29 هي كناية عن موتهم، كقولهم خمدت النار خمودا، طفئ لهبها، وعنه استعير خمدت الحمى أي سكنت14.
وكانت هذه الكلمة شائعة الاستعمال في بيوتنا التي استخدمت قديما التنور ذا الأحجار الثلاث وتستخدم في الغالب للدلالة على انطفاء النار تحت القدر. كما كنا نسمع الأمهات وهنّ يأمرن أطفالهن كثيري الحركة واللهو واللغط ليلا، بقولهم للواحد منهم (اخمد) للولد و(اخمدي) للبنت و(اخمدوا) للجمع، مع إهمال الهمزة. وكنت تسمعها أيضا من المحاجج الذي كلّم خصمه وحجّه حتى سكت وخمد.
رهوا:
قال الله تعالى لنبيه موسى عليه السلام في سورة الدخان الآية 24 «واترك البحر رهوا» وجاء في تفسير ابن كثير أن رهو تعني ساكنا، وقيل سعة من الطريق، وهو الصحيح، ومنه الرهاء للمفازة المستوية، ويقال لكل جوبة وهي الحفرة المستوية التي يجتمع فيها الماء رهو15.
ومن معانيها في معجم تاج العروس الرهو السريع والساكن ... ورهت ترهو رهوا مشت مشيا خفيفا ... والرهوة الارتفاع ... والرهو الواسع... وارهى أدام لضيفه الطعام سخاء، وارهيت أحسنت، ... والرهو المطر الساكن16.
أما في لهجتنا المحلية فهي في الغالب صفة كقولهم (ثوبك راهي) أي (واسع عليك) وفي حال فعل الأمر (إره على والديك دام انهم حيين) ويعنون (أدم الصرف على حوائجهما والإحسان إليهما في جميع الأحوال).
زقوم:
والزقوم هو ابتلاع الإنسان لشيء كريه لا يستسيغه ولا يكاد يتجرعه، والفعل منها زقم وتزقم وهو مستعار من الزقوم أصلا. وقد وردت الكلمة هكذا (الزقوم) في سورة الدخان في الآيات (من 43 الى 46) في قوله تعالى «إن شجرة الزقوم* طعام الأثيم* كالمهل يغلي في البطون* كغلي الحميم*»، والزقوم هنا عبارة عن طعام كريه من أطعمة أهل النار. وشجرة الزقوم من أخبث الشجر التي تنبت في النار كما شرح ذلك الشيخ حسين محمد مخلوف في كتابه كلمات القرآن الكريم تفسير وبيان17.
وكان الصغار من الأولاد والبنات قديما كثيرا ما يرددون في كلامهم ودفاعهم كلمتي (حرام زقوم) للدلالة على براءتهم من فعل شيء ينكره عليهم غيرهم من الصغار أو الكبار، وربما اتهموهم به كالسرقة أو الكذب أو القيام بأي عمل شائن آخر. وربما حاول أحد رفاقه أو من هو في سنه اختطاف لقمة من يده قبل أن تصل فيه خلسة، يهيب به صارخا حرام زقوم فما يكون من صاحبه إلا أن يلقي ما انتزع منه أرضا خوفا من عاقبة فعله، لاعتقادهم بحرمة ذلك الفعل وبقرب العقوبة من الله.
عين وعيون:
للعين في البحرين شأن وأي شأن، فالبحرين مشهورة بالعيون الطبيعية الفوارة منذ القدم، وعليها قامت حضارات منذ فجر التاريخ كحضارة دلمون وحضارة تايلوس وحضارة أوال العربية، ومن ثم البحرين التاريخية. وكانت العيون سببا في استقرار التجمعات البشرية وقيام الزراعة ومن ثم التجارة إلى جانب الرعي والصيد البري والبحري. وكانت العيون على نوعين عيون بحرية عرفت محليا بالكواكب–بالكاف الفارسية (Chawachib) ومفردها كوكب (Chawchab)–وهي عيون بل ينابيع تتفجر في قاع البحر قريبة من سواحل جزر البحرين. ويعتقد البعض أنها كانت سببا لجودة ونقاء لؤلؤ البحرين الطبيعي، الذي طبّقت شهرته الآفاق. والنوع الثاني العيون التي تنبع على سطح الجزيرة أو يقوم الإنسان بتفجيرها هناك لقربها من السطح وسهولة الوصول إليها، وتلك هي التي قامت حولها بساتين النخيل والتين والرمان والليمون والمانجو والاترج وغيرها من الخضار والفواكه.
وقد دخلت (العين) في الموروث الشعبي بقوة، وأشهر الحكايات الأسطورية ما روي عن أصل عين عذاري التي تعتبر أشهر عيون البحرين على الإطلاق، وقد ارتبط بها أيضا مثل شعبي معروف في سائر بلدان منطقة الخليج العربي لشهرته يقول (عين عذاري تسقي البعيد وتخلي القريب) وقد نحت منه الأديب الشاعرعبدالرحمن المعاودة بيتا في إحدى قصائده قال فيه
يشقى بنوها والنعيم لغيرهم
وكأنها والحال عين عذاري.
وهناك عين لحنينية التي عرفت بعذوبة مائها والتي ارتبطت هي الآخرى بمثل شعبي شائع (صبري ياحريجة سار لين يييك ماي لحنينيه) والمعنى انتظري يا (حريقة)، وهي هنا مؤنث كلمة حريق وسار إحدى قرى البحرين الشمالية، إلى أن يأتيك ماء عين لحنينيه، وهي عين ماء بعيدة عن قرية سار في وادي عرف بإسم تلك العين، تقع بالقرب من منطقة الرفاع بوسط جزيرة البحرين وقد عرفت بعذوبة مائها.
وفي القرآن الكريم وردت كلمة عين (وعينان وعيون) عشرين مرة، مثال ذلك قوله تعالى «فيها عين جارية» سورة الغاشية الآية 12، وقوله تعالى «فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا» سورة البقرة الآية 60 ، وقوله تعالى «أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون» سورة الشعراء الآية 134، وقوله تعالى «وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون» سورة يس 34.
غشاوة:
أورد صاحب كتاب مفردات القرآن الكريم أن غشي غشيه غشاوة وغشاء أتاه إتيان ما قد غشيه أي ستره. والغشاوة ما يغطى به الشيء18. قال تعالى «وجعل على بصره غشاوة» سورة الجاثية الآية 23 «وعلى أبصارهم غشاوة» سورة البقرة الآية 7 .
و(الغِشَاوَةُ) بالكسر الغطاء، هذا في معحم المصباح المنير19. ومنها الغشوة التي كانت تستخدمها أمهاتنا في الماضي لتغطية الوجه. وتتخذ غالبا من القماش الأسود الخفيف، وبعضهن يسدلنها في حضرة الرجال ويرفعنها حين غيابهم عن المشهد. وتسمى هذه الغشوة في بعض دول الخليج (البوشية) وقد قال شاعرهم الشعبي:
قلت اوقفي لي وارفعي البوشية
خليني اروي ضمي العطشان
فوت:
ورد في معجم تاج العروس أن الفَوْتُ هو الفَواتُ فاتَني كذا أَي سَبَقَني وفُتُّه أَنا ... وفاتَني الأَمرُ فَوْتاً وفَواتاً ذهَب عني وفاتَه الشيءُ وأَفاتَه إِياه غيره ... فالفَوْتُ في معنى الفائت ... وفي التنزيل العزيز «ما تَرَى في خَلْقِ الرحمن من تَفاوُتٍ» الأية 3 من سورة الملك، والمعنى ما تَرى في خَلْقِه تعالى السماءَ اختِلافاً ولا اضْطراباً... فاتَ يَفُوتُ فَوْتاً فهو فائتٌ كما يقولون بَوْنٌ بائنٌ وبينهم تَفاوُتٌ وتَفَوُّتٌ20.
وفي كتاب مفردات القرآن الكريم، الفوت بعد الشيء عن الإنسان بحيث يتعذر إدراكه، قال عزّ من قائل «وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار» سورة الممتحنة الآية 11، وقال أيضا «لكيلا تأسوا على ما فاتكم» سورة الحديد الآية 23، وقال أيضا «ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت» سورة سبأ الآية 51 أي: لا يفوتون ما فزعوا منه ويقال: هو مني فوت الرمح أي: حيث لا يدركه الرمح، وجعل الله رزقه فوت فمه. أي: حيث يراه ولا يصل إليه فمه ... وقال تعالى «ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت» سورة الملك الآية 3 أي: ليس فيها ما يخرج عن مقتضى الحكمة21.
ونقول في أمثالنا الشعبية (إذا فاتك اللحم عليك بالمرق) وفي المثل الآخر (يفوتك من الكذاب صدق وايد) وفي الثالث (إذا فات الفوت ما ينفع الصوت) وهو الأشهر. ونقول فيما بيننا (الحق على الشيء قبل لا يفوتك) ومثلها (فاتك العرض). وكلها تقريبا بمعنى واحد وهو ما ذهبت إليه المعاجم العربية في تحديد معنى الفوت في القرآن الكريم.
مليا:
جاء في تفسير ابن كثير في معنى«اهجرني مليا» الآية 46 من سورة مريم أي اهجرني دهرا، وقال عنها الحسن البصري زمنا طويلا، بينما قال السدي أن مليا تعني أبدا22.
وفي لهجتنا البحرينية حولنا لفظة مليا الى (موليه) وهي بنفس المعنى الذي ذهب اليه شراح معانيها في تفسير ابن كثير أي أبدا، ودهرا ، أو زمنا طويلا.
فتقول الأم لولدها العاق (ما ابغي آشوفك موليه) أي لا أريد أن أراك أبدا. وفي عبارة أخرى (مول لا تكلمني عن فلان مرة ثانية ما ابغي اسمع عنه شيْ) فتحولت مليا من موليه إلى مول. وهي لفظة كثيرا مانزال نستخدمها في لهجتنا المحلية.
ماعون
وردت في القرآن الكريم مرة واحدة فقط في سورة سميت بسورة الماعون وقال ابن كثير في تفسيره عن معنى قوله تعالى «ويمنعون الماعون» لم يحسنوا إلى خلقه حتى ولا بإعارة ما ينتفع به ويستعان به مع بقاء عينه ورجوعه إليهم، وفي رواية أخرى عن الماعون قال هو ما يتعاوره الناس بينهم من فأس أوقدر أو هو ما يتعاطاه الناس بينهم من الفأس والقدر والدلو وأشباه ذلك23.
وفي لهجتنا هو الإناء إن صغر أو كبر فهو ماعون، ومن تشبيهاتهم الجميلة قديما يقولون عن من ضعف بصره وقلّت حيلته (فلان يدوس في الماعون) ومن أمثالهم الشهيرة (ابليس مايكسّر مواعينه) ومواعين جمع الكلمة. والمعنى أن إبليس اللعين ليغوي بني آدم يستخدم الكثير من الناس وغيرهم، ومن المغريات، فهو لا يقدم على أن يضحي بها أو بأحد أو بشيء منها بزعمهم لأنها عون له في مهمته. وكذلك الظالمون من الناس يحتفظون بمن يساعدونهم على بلوغ مآربهم. وتلكم هي مواعينهم.
ملعون:
الملعون هو الشيطان وقد كثر استعمالها بين الناس في الماضي والحاضر في كلامهم، فقد ينعتون بها الأبناء أو الإخوان أو غيرهم من البشر فيقولون فلان ملعون. وهذا غير جائز، ولكني أجزم أنه كلام عابر لا يقصدون طرد الإبن أو المنعوت من رحمة الله.
وقد وردت كلمة ملعون في القرآن الكريم صفة للشيطان الذي طرد من رحمة الله لعدم انصياعه لأمر الله بالسجود لآدم أبي البشر عليه السلام. وعندما أحصينا الكلمة ومشتقاتها في كتاب الله، وجدناها ذكرت أربعا وأربعين مرة. وانسحب اللعن عند الناس على أمور كثيرة كالأشياء والدواب والأفعال والأمراض وغيرها كثير.
ومما يذكر في هذا الباب عادة الناس منذ القدم في تحصين أوقافهم بعبارة طريفة (ومن بدله فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين). وقد ذكرت هذه العبارة وهي آية في كتاب الله24, على لوح حجري قديم في مسجد أثري في البحرين هو مسجد الخميس كما وجدت على قطعة خزف صغيرة مكتوبة بحبر أسود كانت مدفونة في بعض أركان مبنى قديم لتحصين امرأة عن الاعتداء عليها.
وقد سجل صاحب كتاب مفردات القرآن الكريم عن اللعن أنه الطرد والإبعاد على سبيل السخط، وذلك من الله تعالى في الآخرة عقوبة وفي الدنيا انقطاع من قبول رحمته وتوفيقه، ومن الإنسان دعاء على غيره. قال تعالى «ألا لعنة الله على الظالمين» سورة هود الآية 18 «والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين» سورة النور الآية 7 «لعن الذين كفروا من بني إسرائيل» سورة المائدة الآية 78 «ويلعنهم اللاعنون» سورة البقرة الآية 159. واللعنة: الذي يلتعن كثيرا واللعنة الذي يلعن كثيرا، والتعن فلان أي لعن نفسه. والتلاعن والملاعنة: أن يلعن كل واحد منهما نفسه أو صاحبه25. وغالبا ما سمعنا في الماضي أمّ تقول لابنها (ايا الملعون عيل انت اللي سويت هالفعلة) والمعنى (أيها الملعون إذن أنت من فعل تلك الفعلة المشينة).
مهد:
المهد في عاداتنا وتقاليدنا المتوارثة والتي كادت تمحى من الذاكرة هي المهاد (مع الهمزة المهملة وكسر اللام وسكون الميم ومد الهاء وسكون الدال)، وهو في ثقافتنا الشعبية عبارة عن قطعة مستطيلة الشكل من القماش الأبيض في الغالب، وتكون من القطن الخفيف (ويسمى محليا (الململ)، يلف فيها الوليد في أيامه الأولى بل في الأشهر الستة الأولى اعتقادا منهم أنه يقوي عظامه ويقوّمها، وعادة ما يربط بطريقة تشبه إلى حد ما الكفن، إذ توضع يدا الرضيع على صدره الواحدة فوق الأخرى، ويربط المهاد بخيط من نفس القماش يسمى (القماط) بهمزة مهملة وكسر اللام وسكون القاف مع نطقها جيما مصرية وسكون الطاء، ويتم تثبيت يديه عن الحركة، ثم يلف لفتين أو ثلاث، أو أكثر أحيانا، حول جسده من الصدر إلى القدمين مع ربطهما جيدا.
وأصل كلمة المهاد وارد في القرآن الكريم ففي سورة طه الآية 53 قول الله سبحانه وتعالى «الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى».
والمهد في كتاب مفردات القرآن الكريم ما يهيأ للصبي. قال تعالى «كيف نكلم من كان في المهد صبيا» سورة مريم الآية 29. والمهد والمهاد : المكان الممهد الموطأ، قال تعالى «الذي جعل لكم الأرض مهدا» سورة طه الآية 53 ومهادا في سورة النبأ الآية 6، «ألم نجعل الأرض مهادا» وذلك مثل قوله «الأرض فراشا» في سورة البقرة الآية 22، ومهدت لك كذا: هيأته وسويته قال تعالى «ومهدت له تمهيدا» سورة المدثر الآية 1426.
نسلخ:
جاء في معجم لسان العرب عن مادة سلخ ما يلي: السَّلْخُ كشْطُ الإِهابِ عنِ الذبيحة، سَلَخَ الإِهابَ يَسْلُخه ويَسْلَخه سَلْخاً كَشَطه والسَّلْخُ ما سُلِخَ عنه ... فَسَلَخوا موضعَ الماءِ كما يُسْلَخُ الإِهابُ فخرج الماء أَي حفروا حتى وجدوا الماء، وشاة سَلِيخٌ كَشِطَ عنها جلدُها، فلا يزال ذلك إسمَها حتى يُؤكل منها فإِذا أُكل منها سمي ما بقيَ منها شِلْواً قلَّ أَو كثر. والمَسْلوخ الشاة سُلِخَ عنها الجلد، والمَسْلوخة إسم يَلْتَزِمُ الشاة المسلوخة بلا بُطونٍ ولا جُزارة، والمِسْلاخُ الجِلْد ... وكل شيء يُفْلَقُ عن قِشْر فقد انْسَلَخَ ومِسْلاخ الحية وسَلْخَتها جِلْدَتها التي تَنْسَلِخُ عنها وقد سَلَخَتِ الحيةُ تسلَخُ سَلْخاً، وكذلك كل دابة تَنْسَرِي من جِلْدَتها كاليُسْرُوعِ ونحوه ... وانْسَلَخَ النهار من الليل خرج منه خروجاً لا يبقى معه شيء من ضوئه، لأَن النهار مُكَوَّر على الليل فإِذا زال ضوؤه بقي الليل غاسقاً قد غَشِيَ الناسَ. وقد سَلَخ اللهُ النهارَ من الليل يَسْلخُه، وفي التنزيل «وآية لهم الليل نَسْلَخُ منه النهار فإِذا هم مظلمون» سورة يس الآية 37 وقال تعالى «فإذا انسلخ الأشهر الحرم» في سورة التوبة الآية 5، وسَلَخْنا الشهرَ نَسْلَخُه ونَسْلُخُه سَلْخاً وسلوخاً خرجنا منه وصِرْنا في آخر يومه، وسَلَخَ هو وانسَلخ وجاءَ سَلْخَ الشهر أَي مُنْسَلَخَه ... وانسلَخَ الشهرُ من سَنته والرجلُ من ثيابه والحيةُ من قشرها والنهارُ من الليل والنبات إِذا سَلَخ ثم عاد فاخْضَرَّ كلُّه فهو سالخٌ27.
ونلفظ السين صادا في لهجتنا المحلية فنقول نصلخ الذبيحة أي ننزع عنها جلدها، ونسمي جلدها (صلخ) برفع الصاد وسكون اللام والخاء. والصلخ ننعت به الإنسان عديم الإحساس فنقول فلان ويهه (وجهه) صلخ. وعندما دخلت حياتنا كرة القدم في بدايات القرن الماضي مع بدايات التعليم النظامي في البحرين، كنت تسمع عن أن فلانا صلخ فلان بالكرة. أي تعمد توجيه الكرة إليه وضربها بقوة بهدف النيل منه في أي مكان من جسده.
ولفظة سلخ عربية فصيحة، وردت في القرآن الكريم في أكثر من موضع وترسّخ معناها في لهجتنا المحلية وكثر استعمالها وتعدد.
الويل:
(ياويلك ياسواد ليلك اذا فعلت كذا وكذا) كان هذا هو أسلوب التهديد والوعيد الذي اتبعه الناس في الماضي، ومازالوا يتوارثونه جيلا بعد جيل، والويل واد في جهنم، كما جاء في جلّ التفاسير.
ويكثر استخدام الكلمة بين الناس وفي أشكال ومناسبات كثيرة، ومنها قولهم لها جلدا أو تأنيبا للذات، مثال ذلك عندما تقول المرأة لنفسها ولمن يسمعها يا ويلي ... إذا فعلت أمرا محذورا أو حراما، والويل هنا تقصد ما سيأتيها من عقاب أو تقريع من والد أو زوج أو اخ أكبر أو رجال عشيرة.
وجاء في تفسير الويل في القرآن الكريم ما يلي: ففي تفسير الطبري أنه الوادي الذي يسيل من صديد أهل جهنم. وهو عند القرطبي شدة العذاب في الآخرة، وروى عن ابن عباس أنه واد في جهنم يسيل فيه صديد أهل النار, وعن أبي السعود قوله في معنى «ويل للمطففين» قيل الويل شدة الشر، وقيل العذاب الأليم، وقيل هو واد في جهنم يهوى فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره28.
يوم الزينة:
تعارف الناس في الماضي في البحرين على تسمية اليوم الذي يسبق عيد الفطر السعيد بيوم الزينة، وعادة ما كانت الإمارة تزدان بالأعلام الوطنية احتفاء بمقدم يوم العيد بعده مباشرة. وقد يصادف إتمام عدة الشهر فيصبح يوم الزينة يومين، وكان أطفال ذلك الزمن يفرحون بهذا اليوم أيما فرح، وعادة ما كان عطلة غير رسمية للمدارس. وعندما استنّ الحكام الكرام من آل خليفة سنة الاحتفال بيوم تولي الحاكم سدة الحكم، كان ذلك يوما حريا بأن يكون يوم الزينات. وكانت البحرين تكتسي حلة قشيبة بأعلامها الوطنية، المكونة من اللونين الأحمر والأبيض، اذ كانت ترفع على الدوائر الرسمية والبلديات والمدارس والمؤسسات والشركات والكثير من البيوت البحرينية فرحا واحتفالا بهذه المناسبة الوطنية الهامة.
وبعد الاستقلال في عام 1971 اتخذت البحرين من يوم تولي صاحب السمو الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، باني البحرين الحديثة رحمه الله، عيدا وطنيا للبحرين، تحتفل فيه كل عام بالاستقلال الوطني ولتذكّر بإنجازات الوالد الكبير والد الجميع الأمير الراحل تغمده الله برحمته. وكذلك أمر صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المعظم أن يبقى ذلك اليوم يوما وطنيا تحتفل به المملكة بيوم الاستقلال ويوم تولي جلالته مقاليد الحكم معا.
وقد ورد في القرآن الكريم ذكر يوم الزينة في معرض قصة سيدنا موسى عليه السلام في سورة طه، الآيتين 58 و59 حيث جاء قوله تعالى «فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى، قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى».
وجاء في تفسير الآية ما يلي «واختلف في يوم الزينة فقيل هو يوم عيد كان لهم يتزينون ويجتمعون فيه... وقال سعيد بن المسيب يوم سوق كان لهم يتزينون فيها، وقاله قتادة أيضا. وقال الضحاك يوم السبت وقيل يوم النيروز ذكره الثعلبي، وقيل يوم يكسر فيه الخليج وذلك أنهم كانوا يخرجون فيه يتفرجون ويتنزهون وعند ذلك تأمن الديار المصرية من قبل النيل29. وأكد صاحب لسان العرب بأن يوم الزِّينةِ هو يوم العيدُ30.
اليم:
وردت في القرآن الكريم ثمان مرات لتعني مرة البحر ومرة أخرى النهر، والمقصود هو الماء. وجاء في تفسير الطبري 43 «فأغرقناهم في اليم» وهو البحر ودلل على ذلك بقول ذي الرمة الشاعر:
داوية ودجى ليل كأنهما
يم تراطن في حافاته الروم31.
وفي لهجتنا البحرينية، ومن كلام أهل البحر، لفظة يرددونها هي اليمّه أو يمّه، بفتح الياء وكسر الميم المشددة وسكون الهاء، ويريدون بذلك ماء البحر حين يتسرب إلى خن السفينة، فيقول أحدهم (الجالبوت او البانوش- وهما من أنواع السفن الخشبية التقليدية–تسوي أو يسوي يمّه) أي أنّ هناك تسربا حادثا لماء البحر إلى داخل السفينة، وفي هذه الحالة كان على البحارة (نزف) أي غرف تلك اليمّه من داخل السفينة باستمرار حتى يعلموا مصدرها وبالتالي يتم إصلاح ذلك على الفور.
الهوامش
1: حزاوي لفظة عامية ومفردها حزاه وهي كلمة جامعة للحكاية سواء كانت شعبية أو خرافية او اسطورة ... الخ
2: المرتضى الزبيدي، تاج العروس، الجزء الاول، ص 2559.
3: أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل الراغب الاصفهاني، مفردات القرآن الكريم، الجزء الاول ص79.
4: محمد بن ابي بكر بن عبدالقادر الرازي، مختار الصحاح، الجزء الاول، ص 73.
5: احمد بن محمد بن علي القيومي المقري، المصباح المنير، الجزء الاول ص 62.
6: ابن منظورمحمد بن مكرم الانصاري الافريقي، لسان العرب، الجزء الرابع ص 95 والمرتضى الزبيدي، تاج العروس الجزء الاول ص2559
7: المرجع السايق.
8: أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل الراغب الاصفهاني، مفردات القرآن الكريم، الجزء الاول ص 1313.
9: أبو عبدالله محمد بن احمد الانساري القرطبي، تفسير القرطبي، الجزء السابع ص 230.
10: اسماعيل ابن كثير، تفسير ابن كثير، الجزء الرابع، ص 379.
11: أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل الراغب الاصفهاني، مفردات القرآن الكريم، الجزء الاول ، ص401.
12: الحيه بيه أصلها الحجة بتجي أو ستأتي أو هي اضافة بنفس الوزن والقافية كما هي عادة الناس قديما في تسمية الأشياء مثال ذلك اصغيراندير واكلح املح، والقصد أن السنة ستأتي أو هي قادمة بعد أيام قليلة.
13: المرتضى الزبيدي، تاج العروس، الجزء الاول، ص 1972.
14: أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل الراغب الاصفهاني، مفردات القرآن الكريم، الجزء الاول، ص435.
15: اسماعيل بن كثير، تفسير ابن كثير، الجزء 16 ص 119.
16: المرتضى الزبيدي، تاج العروس، الجزء الاول، ص8416.
17: حسين محمد مخلوف، كلمات القرآن تفسير وبيان، ص 293.
18: أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل الراغب الاصفهاني، مفردات القرآن الكريم، الجزء الاول، ص1055.
19: احمد بن محمد بن علي القيومي المقري، المصباح المنير، الجزء الثاني، ص448
20: المرتضى الزبيدي، تاج العروس، الجزء الاول، ص 1144
21: أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل الراغب الاصفهاني، مفردات القرآن الكريم، الجزء الاول ص 1140
22: اسماعيل بن كثير، تفسير ابن كثير، الجزء 3 ص 167
23: اسماعيل بن كثير، تفسير ابن كثير، الجزء 4 ص 718.
24: سورة آل عمران الآية 87
25: أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل الراغب الاصفهاني، مفردات القرآن الكريم، الجزء الاول في ص 1303
26: أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل الراغب الاصفهاني، مفردات القرآن الكريم، الجزء الاول، ص 1392
27: المرتضى الزبيدي، لسان العرب الجزء الثالث ص 24.
28: محمد بن جرير الطبري، تفسير الطبري، الجزء 12 ص483، ابو عبدالله محمد بن احمد الانصاري القرطبي، تفسير القرطبي، الجزء، 19 ص 218، ابو السعود، تفسير ابي السعود، الجزء التاسع 124.
29: ابو عبدالله محمد بن احمد الانصاري القرطبي، تفسير القرطبي، الجزء 11 ص 193 .
30: المرتضى الزبيدي، لسان العرب في الجزء 13 في ص 201.
31: محمد بن جرير الطبري، تفسير الطبري الجزء السادس ص 43.