استخدام النظرية البنائية في تحليل الحكايات الشعبية
العدد 15 - أدب شعبي
تمتد الجذور الأولى للنظرية البنائية إلى علم اللغة في أوروبا، ولكنها لم تنحصر فيه بل تشعبت إلى بعض العلوم الاجتماعية بما في ذلك العلم الذي يهتم بالثقافات الشعبية، الفولكلور، حيث تمثل البنائية أكثر النظريات، التي ظهرت إبان الستينات، تأثيراً وأكثرها جميعاً جذباً للاهتمام.
كانت دراسة العالم الروسي فلاديمير بروب Vladimir Propp مرورفولوجية الحكاية الشعبية1 أكثر المحاولات البنائية تفوقاً لما سبقها من محاولات التشريح البنائي. فقد نقل بروب التنميط على أساس المضمون إلى التنميط على أساس البناء، وبذلك صار هذا الفعل يتناسب والمزاج العلمي السائد في الخمسينات والستينات. وقال الجوهري في هذا: «فقد كانت الأنماط (الطرز) Types والمتيفات Motifs تعكس أهواء الجمع الميداني العشوائي الذي كان سائداً من قبل. ثم جاء بروب وشيد نموذجاً كشف من خلاله الخطة التي فسرت بناء جميع الحكايات الشعبية الروسية»2.
كذلك فعل عالم الفولكلور الأمريكي المعاصر، ألان دندس Dundes Alan، عند تطبيق هذا الاتجاه في التحليل البنائي أيضاً على مجموعة من الحكايات الشعبية في مقاله «مورفولوجية الحكايات الشعبية عند هنود أمريكا الشمالية»3.
وكان دور كلود ليفي ستراوس4Levi –
Strauss هو لفت النظر إلى أن البحث عن البناء الأفقي، ومسايرة السرد والحكي وحده لا يكفي لبلوغ المعاني الباطنة، إنما لا بد من البحث عن العلائق البنـائية الرأسـية، والتي شبهها بالمدون الموسيقي للأوركسترا Score Musical والذي يعطي لكل آلة موسيقية مشاركة في الأداء خطاً لحنياً أفقياً، ولكنه وفي ذات الوقت يجمع كل الآلات لتعمل مع بعضها في الأداء لتبني علاقات رأسية توافقية Chords لتُعطي العمل الموسيقي العمق والمعنى المطلوبين. وما تحليل الحكاية الشعبية التي يحتويها هذا المقال إلا تتبعاً لهذا النهج للتحليل البنائي الرأسي والذي قال به ليفي ستراوس.
المرأة التي هبطت من السماء
حكاية يابانية جمعها كيقو سيكي
Keigo Seki5، وترجمها وقام بتحليلها: علي الضو.
نص الحكاية:
في مكان ما، وفي يوم ما، عاش رجل يُدعى «مكران». كان يخرج يومياً إلى العمل في الحقول أو الجبال لقطع وجمع حطب الحريق والذي يعيش على عائداته.
وفي يوم من الأيام، خرج مع بقية القرويين إلى الجبال لجمع الحطب. وأثناء عملهم في الجبال، عادةً ما ينزلون إلى النهر المجاور للشرب أو الاغتسال. وفي ذلك اليوم، أنهى مكران عمله أبكر من المعتاد، ونزل إلى النهر ليغتسل ويشرب. فقرر أن يذهب في محاذاة النهر أبعد من البركة التي اعتاد القرويون الشرب منها. وفي طريقه، مر بمستنقع كبير لم يسبق له الوصول إليه من قبل.
وخلع مكران ملابسه وهمّ بالقفز في ماء النهر، فإذا به يلمح شجرة صنبر تنبت على حافة البركة. ولاحظ هنالك ثوباً جميلاً يتدلى من إحدى أغصان الشجرة. «آه، ياله من ثوب جميل،» قال مكران، وأخذ الثوب في حينه. وعندها ظهرت إمرأة من البركة، شابكةً يديها في تضرع، وقالت: «هذا ثوبي الذي أطير به. إنه مصنوع من الريش ولا يصلح للبشر. أرجوك أعده إليّ.»
ولم يجبها مكران؛ ووقف يحدق فيها. «مكران، ألم تفهم رجائي، هذا الثوب يخصني. فإذا لم أحصل عليه، لا يمكنني العودة إلى السماء. أنت إنسان، وثوب الطيران هذا لا ينفعك ؛ أرجوك أعده إليّ.» أعادت المرأة رجاءها من كل قلبها.
«ماذا تفعلين هنا؟» سألها مكران، ورفض للمرة الثانية أن يعيد الثوب إليها. اعتقدت المرأة أنها إن أخبرته بالأسباب الحقيقية وراء وجودها هناك، فقد لا يندهش للأمر ويعيد إليها ثوبها. فقالت، والدموع تنهمر من عينيها: «إنني أهبط من السماء من وقت إلى آخر لأغتسل هنا. أنا امرأة من السماء ولست امرأة تعيش في هذا العالم. فإن كنت تشك في كلامي هذا، أرجوك أعد الثوب إليّ، وسوف ترى.»
ولا زال مكران يرفض أن يستجيب إلى توسلها. «يجب أن تعودي معي إلى القرية»، قال لها. «سوف نكون أصدقاء ونعيش سوياً كرجل وزوجة. وعليه فأنت لن تكوني مضطرة للهبوط من السماء فقط من أجل أن تغتسلي، ولكنني سوف أحضرك هنا متى ما ترغبين في ذلك.»
«آه مكران، أرجوك لا تقل مثل هذا!» صرخت المرأة. «أنا امرأة من السماء؛ لا يمكنني العيش مع البشر في الأرض. أرجوك، أعد الثوب إليّ.»
«لا، لا،» أجاب مكران. «إذا أرجعت الثوب إليك، فإنك سوف تعودين إلى السماء في الحال. رافقيني ودعينا نكون أصدقاء»، ورفض مكران كليةً أن يعيد الثوب إليها.
وحزنت المرأة كثيراً؛ ولكن مكران لم يُعِد الثوب إليها، ولا تستطيع هي العودة إلى السماء، لذلك ذهبت معه إلى القرية وصارت زوجاً له.
ومرت سبع سنوات، وولد ثلاثة أطفال في هذه الأثناء، ولكن المرأة لا زالت ترتبط وجدانياً بالسماء. ورغم عدم علمها بالمكان الذي خُبّئ فيه ثوبها، ظلت تبحث عنه.
وفي يوم من الأيام عندما كان زوجها خارجاً ليصطاد، حزمت المرأة الطفل الصغير على ظهر أخيه الأكبر، وطلبت من الطفل الأوسط والبالغ من العمر خمس سنوات أن يربت على ظهر شقيقه الصغير لكي ينام. ثم خرجت بعد ذلك كي تجلب الماء من النهر الذي يجري بجوار القرية. وعند عودتها، وهي تقترب من الباب الخارجي للمنزل، سمعت الطفلين خلف البيت يهدهدان الصغير بالأغنية التالية:
أيها الطـفل، أيها الطـفل، لا تبـكي.
عندما يعود أبي، فإن هنالك مفاجـأة.
ســوف يقـوم بفتــح المخـزن.
المخزن ذي الدعامات الأربعة والستة.
وفي الـداخل وخـلف أكياس الدخـن،
تحــت وخلــف أكيــاس الأرز،
يوجد ثوب الريش، هناك ثوب للرقص؛
سـوف يقــوم بإخــراجه إليــنا.
وعندما سمعت المرأة أغنية الأطفال، عرفت أخيراً أين يُخبأ ثوبها، والذي ظلت تبحث عنه لسبع سنوات طوال. إنه مُخبأ بالمخزن خلف أكياس الدخن والأرز. وقبل أن يعود زوجها إلى البيت، أخذت سُلماً، وصعدت إلى المخزن ذي البابين، فتحتهما ودخلت. وبحثت بين أكياس الدخن والأرز، وفي الحال وجدت الثوب.
وقبل عودة زوجها، وضعت الطفل الأكبر على ظهرها، ووضعت الثاني بين ثنايا ثوبها، بينما حملت الصغير في يدها اليمنى. مُرتديةً ثوبها المصنوع من الريش، حركت يديها مرةً فارتفعت إلى أعلى شجرة صنوبر بالحديقة. وحركت يديها ثانيةً فارتفعت إلى أعلى سحابة في السماء. ثم حركت يديها ثالثةً فحطت في السماء. ولكن وبكل حزن وأسف، وبينما هي تحاول أن تقوم بالطيران للمرة الأخيرة من أعالى السحاب، سقط الطفل الذي كانت تحمله على يدها.
وعندما عاد مكران من صيده، دخل المنزل، ولكنه لم يجد أحداً هناك. وجد المنزل خالياً بينما تُركت أبواب المخزن مفتوحةً. «لقد تم اكتشاف مكان الثوب،» قال لنفسه، « لقد رحلت عني.»
وجلس مكران غارقاً في أفكاره، ولكنه انتبه أخيراً بأن وقت العشاء قد حان. فقام إلى مكان النار ليوقدها. فأخذ قطعةً من القنا المجوف وحاول أن ينفخ بها على النار لتشتعل، ولكن الهواء لم يخرج عبرها. ولعلمه بأن هناك شيئاً ما في الأمر، نظر مكران عبر تجويفة القنا فرأى ورقةً ملفوفةً بداخلها. فأخرجها وفضها ليقرأ فيها:
اجمع ألف جوز من الأعواد الخشبية وألف جوز من قشر الصندل. قم بدفن هذه الأشياء في الأرض، وازرع شجرةً من القنا فوق ذلك. وانتظر سنتين أو ثلاثة حتى تنمو شجرة القنا هذه لتصل السماء؛ عندها تستطيع الصعود إلى السماء دون مشاكل.
وبدأ مكران العمل فوراً لجمع الأعواد وقشر الصندل، ولكنه رغم اجتهاده، لم يستطع جمع أكثر من تسعمائةو تسعة وتسعين جوز من كل. وعلى كلٍ، قام مكران بدفنها وزرع القنا فوقها. وبدأت شجرة القنا تنمو، ومرت ثلاث سنوات سراعاً. وبدت الشجرة وكأنها قد بلغت السماء، ففرح مكران، وبدأ يصعد عليها. فصعد وصعد، ولكن عندما صار قريباً من السماء، على مسافةٍ قصيرةٍ ليصل، كان قد بلغ قمة شجرة القنا. ولم يستطع الوصول إلى السماء وظل هناك فوق الشجرة يتأرجح يمنة ويسرى.
ولقد عادت المرأة إلى السماء، ولكنها ظلت بين الفينة والأخرى تفكر في الأشياء التي تركتها على الأرض. وكانت تجلس في غرفتها وتنظر إلى الأرض. وبينما كانت تُراقب شجرة القنا وهي تنمو، كانت تنتظر بشغف الوقت الذي تبلغ فيه الشجر السماء.
وفي يوم ما، وبينما كانت تجلس في غرفتها كالمعتاد، نظرت عبر النافذة، فرأت في الأسفل شجرة القنا وهي تكاد تبلغ السماء. وكانت قمة الشجرة تماماً تحتها تتأرجح مع النسيم. فأمعنت النظر، فإذا برجل متسلقاً أعلى غصن بالشجر ويبدو صغيراً كحبة الخشحاش.
ففرحت المرأة عند رؤيته. وأخذت وشبةً من نولها وأنزلتها برفق، وجذبته إلى أعلى للسماء. وعندما بلغ مكران السماء عاملته والدة المرأة بلطف، ولكن والدها طلب منه القيام بعدة مهام صعبة. لقد كان الوقت في السماء موسماً لإعداد الحقول للزراعة.
وأمر والد المرأة مكران أن يذهب إلى الجبال ويقوم بنظافة ألف فدان من الأرض في يوم واحد. مكران، وهو يعلم باستحالة إكمال هذه المهمة في يوم واحد، وقف حائراً ولم يدرماذا يفعل. وبينما هو حائر ماذا يفعل، قالت له المرأة، «عندما تذهب لنظاقة الألف فدان من الأرض، لابد أن تقطع ثلاث شجرات ضخمة، لتستخدم ما تبقى من القطع كوسادة لترتاح عليها قليلاً.»
وفي صباح اليوم التالي عندما ذهب مكران إلى الجبال كما أُمر بواسطة والد المرأة، نفذ ما قالته له المرأة، فتمكن من نظافة كل الأشجار في يوم واحد.
وعاد مكران ليرفع تقريراً لوالد المرأة بأن الحقل قد تمت نظافته. ولكن ذلك لم يكن نهاية الأمر. وقال له الوالد: «الآن يجب عليك القيام بحفر كل الحقل في يوم واحد.»
وانزعج مكران، لعلمه بأنه لا يستطيع إنجاز هذه المهمة في يوم واحد. ولكن بينما هو مهموم بذلك، جاءت المرأة إليه وقالت: «هذا أمر سهل؛ لابد أن تذهب إلى الحقل، لتزيل ثلاث مجموعات من الأتربة بالمجرفة، وتستخدمها كوسادة، وتستلقي وتنام قليلاً. في زمن وجيز يكون كل الحقل قد تم حفره.»
ونفذ مكران تعليمات المرأة، وحالاً تم حفر الحقل. وعاد إلى المنزل جزلاً. وعندما أخبر والد المرأة بإنهائه تلك المهمة، قال له الوالد: «الآن يجب عليك زراعة الشمام الشتوي في الحقل الذي تبلغ مساحته ألف فدان والذي قمت بحفره البارحة»، وبذلك يكون مكران قد مُنح مهمة صعبة أخرى.
وهذه المهمة أيضاً كانت أكبر من أن ينجزها في يوم واحد، تحدث مكران مع المرأة مرة أخرى. «لابد أن تزرع بذور الشمام في ثلاث حفر، ثم تستلقي وتنام قليلاً»، هكذا وجهته المرأة. «إذا فعلت ذلك، فإن مساحة الألف فدان كلها سوف تُزرع بالشمام». قام مكران بالعمل كما قالت له المرأة، وتمت زراعة الشمام في يوم واحد.
واعتقاداً منه أن ذلك سوف يكون بكل تأكيد نهاية العمل، عاد مكران إلى والد المرأة، والذي قال لتوه: «غداً لابد أن تجمع كل الشمام المستوي من البذور التي زرعتها الآن وتحملها إليّ.»
واعتقد مكران أن إنهاء مثل هذه المهمة أمر مستحيل؛ فقد تملكته الدهشة، كيف ينبت الشمام ويثمر وينضج في ليلة واحدة! كان مُحبطاً ولكن جاءته المرأة مرة أخرى وقالت: «يجب ألا تنزعج؛ فقد أثمر الشمام وهو الآن ينضج. كل ما تحتاجه هو أن تقطف ثلاث شمامات وتستخدمهن كوسادة وتخلد إلى النوم قليلاً، فكل شيء يكون قد تم لك». واعتقد مكران أن ما قالته له المرأة أمر غريب، ولكن في الصباح الباكر ذهب إلى الحقل، فوجد الشمام قد أثمر ونضج وهو جهاز للقطف والجمع، كما ذكرت ذلك المرأة من قبل. وقام بتنفيذ تعليماتها فجمع كل الشمام في الحقل البالغ مساحته ألف قدان، وعاد مكران إلى البيت جزلاً.
وعندما أنهى مكران هذه المهمة دون أخطاء، سُرّ والد المرأة منه، وبدأ الإعداد لأعياد الحصاد، وتم تعين مكران للعناية بالشمام. ووجهه والد الفتاة، والذي كان يعامله قبل تلك اللحظة بفظاظة، بكل لطف كيف يقوم بقطع الشمام. «يجب عليك أخذ ثلاث شمامات»، قال له. «اقطعها طولياً، ثم، ضع وجهك فوقها، واخلد إلى النوم.»
إن المرأة، والتي كانت تجلس بالقرب، أشارت بعينيها لمكران، «يجب ألا تفعل كما قال لك والدي، ولكن اقطع الشمام بالعرض». ولكن مكران أحسّ بأنه يجب عليه ألا يعصى أوامر الوالد والذي وجهه بكل رفق، فأخذ ثلاث شمامات وقام بقطعها طولياً. وفي تلك اللحظة، فإن كل الشمام المكوم كالجبل طولياً، انفلق وأخرج من جوفه سيلاً جباراً، جرف مكران بعيداً.
وإن النهر الذي كونه ذلك الشمام يمكن رؤيته الآن في السماء؛ إنه طريق اللبن. وصار مكران النجم أولتير Altair، وصارت المرأة النجمة فيقا Vega. وإنهما مفصولان بطريق اللبن وهما يبكيان دوماً. وأما الطفل البالغ من العمر سبع سنوات وذاك البالغ من العمر ثلاث سنوات فقد صارا نجمين بجوار النجمة فيقا. وإن اليوم الذي حدث فيه هذا الأمر كان اليوم السابع من الشهر السابع، ولا يلتقي مكران والمرأة، والتي هبطت من السماء، إلا في ذلك اليوم.
وأما الطفل الذي أسقطته المرأة أثناء محاولتها الصعود إلى السماء، فقط سقط سليماً على الأرض، حيث ظلت والدته ترسل له سنوياً ثلاث كيلو من الأرز، تضعها له على شاطئ نهر جبلي. وكان الطفل قادراً على العيش طوال العام بهذه الكمية من الأرز. وعلى كل حال، وفي يوم ما جاءت امرأة وقامت بغسل أشياء متسخة في النهر، فانكمشت الثلاث كيلو من الأرز إلى ثلاث حبات فقط. وقال الناس إن الطفل قد اختفى ولم يره أحد بعد ذلك.
التحليل البنائي للحكاية
أولاً: خلـفية نظـرية:
تقول القاعدة الفيزيائية العامة: إن الأشياء المتضادة تنجذب إلى بعضها، بينما تتنافر الأشياء المتشابهة. Opposite poles attract each other، ويُفهم الشيء بضده.
ماذا تعني لنا الأرقام 3، 4، 7 والتي يتواتر ذكرها في الأسطورة الحالية؟
تُعتبر الدائرة والرباعي أشكالاً هندسية أساسية، بينما المثلث ليس كذلك، طالما يمكننا رسمه بسهولة كجزء من الدائرة أوالرباعي. بمعنى آخر، فإن المثلث هو عنصر في الرباعي والذي يرمز إلى الشمول، بحيث يمكننا القول إن الكون (رباعي أو دائري) يتكون من عدد لا نهائي من المثلثات المتطابقة والمتضادة في
ذات الوقت.6
وتتميز هذه المثلثات المكوِنة للكون بالصفات التالية:
1 - كلها عناصر متطابقة الشكل ومتضادة وتنتمي لمجموعة الكون.
2 - كلها عناصر منفصلة عن بعضها البعض، غير متقاطعة، وعليه فإن اتحادها مساو لمجموعها. بمعنى: U م = مجـ م = ن م
3 - كل مثلثين رأساهما متعاكسان يمثلان رمزياً ثنائية التضاد (القبح والجمال، الرجل والمرأة، البعيد والقريب، الأرض والسماء...).
4 - وبناءً عليه يمكننا القول على نحو مجازي: إن الشمول الذي يرمز إليه الرباعي يمكن تقسيمه إلى مثلثات متضادة غير متناهية، بحيث نخلص إلى أن:
• الرباعي يمثل كل التضاد الموجود في الكون.
• الثلاثي هو العنصر الأساس المكون لهذا الرباعي.
• بين الرقم 3 والرقم 4 توجد ثنائية التضاد للرجل والمرأة، الأرض والسماء. ولكن بينما ترمز الرباعـية للشمول، فإن الثلاثية ليست كذلك. فالثلاثية، حسب علم الكيمياء الخرافية7 Alchemy ترمز للقطبية، ذلك لأن كل ثلاثي يفترض وجود ثلاثي آخر، كما يفترض العالي الواطي، والمضيء المظلم، والخير الشر....
• إن الرقم 7 ما هو إلا تفسير للحالة التي وجد عليها هذا الكون في ثنائيته المتضادة (3U4=).
• تقول معادلة ليفاي ستراوس Levi دس (أ): دص(ب): دس(ب): دص (آ)8
حيث يمثل الرمزان (أ) و(ب) العناصر المتضادة التي يقوم عليها كل بناء، بينما يمثل الرمزان (س) و(ص) دوال هذه العناصر المتضادة. فالمعادلة تعني أن مقاربة دالة س (أ) بدالة ص (ب) تماثل مقاربة دالة س(ب) بدالة ص (أ-1)، والتي يمكن تدوينها هكذا: دص (آ)، أي الدالة المكملة لـ أ.
ثانياً: تحـليل الحـكاية
- إن قرار مكران بأن يذهب بعيداًَ في محاذاة النهر، يدل على تميزه بين أقرانه وأهليته لاستقبال رسالة السماء. ولهذا التقى مكران المرأة التي هبطت من السماء مستخدمة الأجنحة.
- صار مكران، بزواجه من تلك المرأة ومكوثه معها سبع سنوات، جزءًا من السماء ولكنه غير مكتمل. لقد وهبته ثلاث أطفال، وهذا الثلاثي يفترض ثلاثياً آخراً، أحداث متدفقة وتوتر يبحث عن التوازن. لهذا رحلت المرأة إلى السماء.
- عندما كانت المرأة تعبر الأرض إلى السماء، أي تعبر المجهول إلى المعلوم، تعبر اللاوعي إلى الوعي، سقط طفلها الصغير ليبقى في الأرض صلة وصل، وتحول الرباعي إلى ثلاثي لتتوالى الأحداث.
- كي يصل مكران إلى السماء، أُخبر بأن يجمع ألف قطعة من القصب (4x) مضروب الرقم 4، ليقوم بدفنها ولننتظر ثلاث سنوات لتنمو وتصل السماء. لقد أُخبر بأن الشمول (الرباعي) يمكن الوصول إليه فقط عبر عنصره الأساس، الثلاثي. وما شجرة القنا إلا الأعمال الحسنة التي يجب على الانسان غرسها في الأرض إذا أراد أن يتصل بالسماء.
- لم يحصل مكران وهو بشر إلا على 999 قطعة من الخشب (3x)، ثلاثي يحرك الأحداث ويبحث عن التوازن ولكنه لا يمكّنه من الوصول إلى السماء إلا بمساعدة زوجته، الثلاثي المضاد والمكمل لرباعيته.
- إن مكران رجل آت من الأرض إلى السماء؛ فهو لم يكتمل بعد ليكون في السماء. ولهذا لا بد من تنشئته عبر أربعة مراحل حتي يتمكن من تشرب حكمة السماء. ونجح مكران في التنشئة (قام بنظافة، حفر، زرعة، وحصد ألف فدان–رباعي) عن طريق استخدام الثلاثي، العنصر الأساس للشمول.
- عند نجاحه في مراحل التنشئة هذه، لم يعد مكران إنساناً، بل صار جزءًا من السماء، صار كاملاً، لذا تلقى الحكمة من السماء مباشرة دون وسيط (والد الفتاة)، وصار نجماً من نجوم السماء.
- مثّل الطفل الذي سقط على الأرض استمرارية الوساطة بين الأرض والسماء، حيث ظل يتلقى حكمة السماء عبر والدته (الملاك) ممثلة في ثلاث كيلو من الأرز. ولكن الأرض مليئة بالشر والخطايا (ملابس العجوز القذرة) فانكمشت كمية الأرز إلى ثلاث حبات.
- وضعفت بذلك العلاقة بين الأرض والسماء ولكنها لم تنقطع، فاتحة الطريق لمكران وزوجه اللذين يلتقيان مرة كل عام، في اليوم السابع من الشهر السابع لينجبا من يهبط مرة أخرى من السماء لتقوية ما ضعف من تواصل بينها والأرض. وكأنما أرادت الأسطورة أن تقول لنا: إن كل الأنبياء من ذرية واحدة.
فالملائكة تستخدم الأجنحة في تنقلها بين السماء والأرض، وتعتمد الرسل على المعجزات في فعل ذلك، بينما المطلوب من البشر أن يعمدوا لصالح الأعمال، فما يغرسونه في الأرض من عمل طيب هو الذي يصلهم بالسماء.
المراجع والهوامش
1: Prop, Vladimir Aioakovlevich, Morphology of the Folktale, University of Taxes Press, 1968.
2: محمد الجوهري، دراسة في للأنثروبولوجيا الثقافية، دار المعرف، القاهرة، 1978م
3: Dundes, Alan, “The Morphology of North American Indian Folktales”, the Journal of American Folklore, vol. 79, No. 313, American Folklore Society, 1966, Pp. 480 – 483.
4: Claude Levi – Strauss, the Structural of Myth and Totemism, ed. Edmund Leach, Tavistock Publications, N.D.
5: Keigo Seki, ed., Folktales of Japan, trans. Robert J. Adams, Chicago, University of Chicago, 1963, p. 63
6: جميع الأشكال الهندسية والرسومات المصاحبة للفنان التشكيلي الشفيع عيسى أبو القاسم، الخرطوم، 2010م.
7: G.G. Jung, Four Archetypes, trans. R.F.C. Hall, USA, Princeton University Press, 1969, p. 112.
8: Elli Kongas Maranda and Plerre Marand, Structural Models in Folklore and Transformational Essays, Mouton, 1971, p. 54.