فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

رُبّ ضارة .. نافعة

العدد 15 - المفتتح
رُبّ ضارة .. نافعة

على مدى سنوات عديدة كنا ننادي بأهمية الثقافة الوطنية وبضرورة الوعي بها وبأهمية ترسيخها لدى أجيالنا. كثيرٌ من أبنائنا عندما تسألهم عن مكونات ثقافة البحرين الوطنية لا يحسنون الإجابة إن لم يكونوا على جهل تام بما يعنيه هذا المصطلح. وحتى بعض مثقفينا يختلفون في تحديد مفهوم هذا المصطلح وربما يجهلون بعضاً من محتواه.

 وفي السنوات الأخيرة حاولت مناهج التربية في البحرين والخليج العربي تضمين المقررات الدراسية شيئاً عن معنى الولاء للوطن والتدريب على بعض ممارساته لتأكيد الانتماء. ولا يخفى على أحد بأن شيئاً من عدم المبالاة قد واجه هذا المنحى في المدارس والجامعات إن لم يُقابل في بعضها بالتمرد عليه، وحتى أغانينا الوطنية الموسمية لم تعبر في أغلبها عن معنى الولاء للوطن والانتماء الصحيح للأرض وثقافة البلد التي هي رافد من روافد الثقافة العربية مع بعض الخصوصيات، فكانت الأغاني تقدم من أجهزة البث المختلفة لتمضية وقت المناسبة الاحتفالية وتخطيها. فلم تكن لدينا أغنية وطنية بالمعنى الدقيق نستذكرها وننشدها ويتغنى بها أطفالنا وتظل ساكنة في أعمق أعماق وجداننا، ربما لأننا في مأمن من أي حدث يهز كياننا ويتهدد مصيرنا. كنا لاهين غافلين جميعاً وكانت الحياة تسير في دعة إن لم تكن تسير دون أي اكتراث لأي أمر جدي، حتى علم البلاد الرمز الرسمي السياسي والوطني للبلاد ما كان يعني سوى قطعة ذات لونين من القماش نرقبها ترفرف على السواري وقت الأعياد والمناسبات الرسمية، وما كان العيد الوطني يعني لنا شيئا سوى يوم عطلة إضافية.

تحتاج بعض الشعوب إلى صاعـق يفجر غفلتها ويهزها من سبات لتحس بما حولها ولتدرك بأن في الحياة أخطاراً وفي كل غابة كائنات من أكلة لحوم البشر وهناك من يتربص بتقويض حياة الآمنين لينعم هو فقط بالأمن والطمأنينة وراحة البال. إن ماحدث في البحرين خلال الشهور الماضية وما كان يتهددها من أطماع خارجية كان كافيا لإشعال الحمية للوطن والوعي بقيمه ورموزه ومكونات ثقافته، كأن الناس تخرج إلى النور من كهف مظلم لتدرك حقائق جديدة ولتتشبث بكل ما يمت للوطن بصلة مؤكدة بأنه يخصها شخصياً وبأنها معنية بكل تفاصيله ومسئولة عن كل ما يمكن أن يحدث له. أصبح الوطن حديث العائلة في البيت، ومحط نقاش في العمل، وموضوع حوار بين الأصدقاء، بدأ الأطفال يطرحون أسئلة وطنية بريئة كانت غائبة أو مغـيّـبة .. يحملون الأعلام ويتزينون بها، والشباب يجوبون الشوارع بسيارات تحمل رموزا وطنية وعبارات حماسية في حب الوطن والبعض الآخر انغمس يقرأ في السياسة وفي الاقتصاد ليدرك معنى ما يحدث، وكأن الكل من كافة الفئات العمرية مصرّ على أن يثبت انتماءه للوطن. وتحول أغلب وقت الشباب الذي كان ضائعا فيما لا يجدي ليكون وقتا لاستخدام أدوات العصر الإلكترونية وتسخيرها لخدمة الدفاع عن الوطن.

ترى هل كنا فعلا بحاجة إلى هذا الزلزال وإلى هذه الصحوة المتأخرة ليكون الوطن غاليا إلى هذا الحد. رب ضارة نافعة!

 

أعداد المجلة