فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

فن الصياغة وصناعة الحلي الشعبية الفلسطينية

العدد 1 - حرف وصناعات
فن الصياغة وصناعة الحلي الشعبية الفلسطينية
كاتبة من العراق

ترتبط المصوغات ارتباطا قويا لدى شعوب العالم اجمع بالملابس الشعبية هي سمة مرتبطة بالزينة الا انها تضيف شكلا جماليا للملابس ففي كثير من الأحيان تغلب على طرز و الوان الملابس. فلدى العديد من الشعوب تشكل الحلي الاساس او القاعدة التي يستند الثوب، سواء الرجالي او النسائي عليها وفي فلسطين، لا تختلف فكرة الحلي عنها في الدول العربية الاخرى او العالم . ويفضل اذهب في صناعة الحلي حتى يومنا هذا باعتباره ذو قيمة مادية و جمالية، اضافة الى مطاوعته و ندرته قياسا لبقية المعادن، الا ان الفلسطينيين وضعوا في اعتبارهم القيمة المادية للذهب فاستعملوه معادلا نقديا تجاريا و عليه لم تستخدم الحلي الذهبية او تنتشر كثيرا في البلاد، بل احتفظ بالذهب لأغراض اخرى. فغلبت المصوغات الفضية على غيرها وامتلكت خصوصية جماليه وصلت إلى مستوى عال، كما أنها امتلكت مميزاتها الخاصة التي انفرد بها الشعب الفلسطيني وحده، أذ يعود تاريخ المصوغات الفضية إلى آلاف السنين كإحدى استخدامات النساء الكنعانيات المهمة كما تدلل الآثار على ذلك فلم تكن الحلي الفضية التي استخدمتها النساء في المراحل الأولى حليا فحسب بل كانت جزءا مكملا للملابس الشعبية أضف إلى امتلاكها صفات حددها الوضع الاجتماعي، فهي إحدى الثوابت التي لا يمكن الاستغناء عنها في مراسم خطبة الفتاة وهي ملازمة لحياة المرأة فيما بعد فهي، ملكيتها الخاصة التي يمكنها التصرف بها وقتما تشاء.

ان ما يقدم للعروس في مختلف المناطق الفلسطينية يتراوح بين 90-60 جنيه إسترليني وهو 0/040 من قيمة جهاز العروس و تلبس النساء مصوغاتها عادة في الأعراس و الأعياد الدينية والمناسبات العائلية . و قد اتخذت الحلي في فلسطين كما لدى العديد من الشعوب التي تمتلك ثقافتهاالخاصة بها، خواصا سحريه للحماية من بعض الأمراض او من العين الحاسدة او كأن تستمد منها القوة وتدرء بها الكوارث الطبيعية، ويعتبر هذا سببا أساسا دعا لانتشار الحلي الفضية في المشرق العربي ارض الأديان و المثيولوجيا عدا هذا فان للفضة خواص مكنت الصاغة من تطويعه للاستخدامات الشعبية و التشكيلات الجمالية التزينييه .

كما انتشرت التمائم و الحروز الفضية المختلفة على شكل أحجية تلبس عادة في الرقبة أو الصدرمحلات ومزينة بإضافات أخرى كالمرجان و العقيق و الفيروز أو الزجاج الملون البسيط.

فالزجاج الأخضر مع الفضة يحفظ من عدة أمراض و الفيروز من العين الحاسدة أما العقيق فيمنح الهدوء، الطمأنينة، الفرحة و البهجة، كما أن للمرجان خواصه أيضا فهو يجلب الغنى و الخصب.. عدا هذا و ذاك يرى الفلسطينيون أن الأحجية لها علاقة بوفرة النسل. ونجد اهتمامهم بالأحجية مجسدا و منعكسا في ادبهم الشفاهي:

اسم الله عليك واحدة          والثانية تنتين

و الثالثة خرزة زرقا          ترد عنك العين

لقد انتشر إنتاج الحلي الفضية في المدن الفلسطينية كلها و كان لكل منطقة من المناطق تشكيلاتها الخاصة بها، فخلال العقود الماضية، اعتبرت القدس( أورشليم) المركز الرئيس لإنتاج الحلي الفضية.

وقد عمل تركز إنتاجها في مدينة واحدة على إيجاد ظاهرة جديدة هي وحدة شكل الحليه، فشاعت أنواع معينة مثل (الزناق) و هي سلسلة فيها دراهم تغطي الرقبة و جزء من الصدر.

(الكردان) حلية تزين الرقبة وهي عبارة عن قطع ذهبية أو فضية مثقوبة عرضا ومنظومة بسلسلة، (شعيرة) حلية فضية أو ذهبية كحبات الشعير، (الحرز) سلسلة يتدلى منها الحرز و(سحبة) سوار رفيع بدون زينة أو نقوش.(المهبر) سوار عريض بنقوش سوداء ويوجد كذلك المشبك و السكب وغيرها.

على مدى فترات تاريخية طويلة، استخدمت تقنيات متنوعة في فن الصياغة(كالفكري)- النقش المشبك- والميناء وفي بعض الأحيان استخدمت هذه الفنون مجتمعه في حلية واحدة بحيث تنسجم في منظورها الجمالي العام.

وكان للنقود الفضية المتداولة آنذاك دورا كبيرا في الزيادة من قيمة الحلية و جزء مكملا لها.استخدمت النقود الفضية العثمانية المضروبة أيام احمد الثالث 1730-1703' محمود الأول حتى محمد الخامس 1909- 1919 و عرفت الحلي قطعا نقدية أخرى كاليونانية، المجرية والبولندية، الاسبانية و قطعة نقدية معروفة باسم ماريا تريزا.

إن فن الصياغة من الحرف التي حافظت على سريتها وتوارثها الأبناء عن الآباء كما أنها توزعت بين الأديان الثلاث و لم تكن حكرا لجهة او طائفة، و هذا التوزيع طبع الحلي بطابعه جمله كما يشاء و لذلك الخاص فكل سخره و ازدهرت و تطورت قيمتة الجمالية.

في نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين انتشرت الحلي الفضية بشكل واسع و أخذت مكانتها إلى جانب الملابس كمظهر ثابت.

إن ارتباط صناعة الحلي بأسماء صانعيها يعني ثباتها في الحياة الاجتماعية فقد اختص الصاغة المعروفون أبو أمين الشركسي، أبو مريم، سمير و خليل سلمان بتقنيات معينة فأبو مريم اشتهر بصياغة حلي الرقبة (الكردان)بينما سمير و خليل سلمان من القدس (أورشليم) عرفا بدقة وجمالية الحلي و كثيرا ما يعثر المرء على أسماء هؤلاء الصاغة محفورة على القطعة الذهبية او الفضية نفسها.

هاهي جيبوا صانع اسموا صلاح

يصيغ أساور للايدين الملاح

في القرن التاسع عشر و الحقبة التالية تأثر فن الصياغة الفلسطيني بالفنون المشابهة له لدى شعوب الشرق و غيرهم من شعوب العالم .فعلى سبيل المثال لا الحصر جاء الصاغة اليمنيون و السعوديون بتقنية (الحبيات) فدخلت كعامل جديد في صناعة الحلي الفلسطينية أما الفلكري و الميناء فقد جاءت بتأثير من الصياغ الأرمن الموجودين في فلسطين منذ القدم.

في مراحل تطور صناعة الحلي، لم يعمد الصناع إلى استنساخ ما خلفه لهم الأولون بل بما يمليه عليهم حسهم الجمالي، فعند تحضير الألوان، مثلا غيروا التدريجات أللونيه و شكلوا زخارفهم مؤكدين على شكل جمالي خاص بهم في هذه الحلية او تلك.

إن الأشكال المجسدة لهذا الإبداع الفني أظهرت قيما جماليه عكست السحر والسعادة و الحظ في آن واحد.

في الخلاصة يمكن القول : ان الحلي لعبت دورا بارزا مع بقية الموجدات التراثية الشعبية الفنية الإبداعية الأخرى في استيعاب الفن الجمالي للبيئة المحيطة و بقيت شاهدا على الغنى الروحي لثقافة الشعب الفلسطيني .

أعداد المجلة