فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

مظاهر التمييز ضد المرأة في الحكايات الشعبية - الحكايات الشعبية الروسية نموذجاً

العدد 1 - آفاق
مظاهر التمييز ضد المرأة في الحكايات الشعبية - الحكايات الشعبية الروسية نموذجاً
كاتب من البحرين

بريتاني مغواير - ترجمة: عبدالقادر عقيل

المترجم: روائي وكاتب من البحرين

أينما وجدت الحضارات، وجدت حكايات تروى للأطفال. ورواية القصص لم تكن وسيلة لراحة وتسلية الطفل فحسب، بل لتلقينه المعايير الاجتماعية للأمة التي ينتمي إليها.

بوسع الحكايات أن تنقل التاريخ والتقاليد، ممثلة في رموز التواصل، وهذه الحكايات يحفظها الأطفال عن ظهر قلب ويتذكرونها إلى الأبد. وبالمقابل، عندما يكبر هؤلاء الأطفال ويصبحوا آباء وأمهات، يعيدون رواية القصص المحببة إلى أطفالهم.

يتعلق الأطفال بشخصياتهم المفضلة، خاصة تلك المحببة إلى نفوسهم، ويحاولون محاكاة أفعال تلك الشخصيات. ومن هذه الحكايات يتعلم الأطفال السلوكيات المناسبة، والدور الذي يجب أن يناط بهم في المجتمع.

بالنسبة للأطفال فأن أفعال هذه الشخصيات، سواء أكانت طيبة أم شريرة، هي مقبولة جدا عندهم. وبوسع المعتقدات الثقافية، عبر هذه الحكايات، أن تنتقل من جيل إلى آخر. ويمكن للوسائل الاجتماعية التي تنقل المعرفة، أن تستخدم للتأثير في عقول الأطفال، و في التأكيد على استمرارية هيمنة جنس على آخر.

ومن الواضح أن جنس النساء هو الذي ابتلى بالدروس المستقاة من الحكايات الشعبية. فهذه الحكايات استخدمت لاستمرارية العادات الثقافية السائدة التي تحافظ على تابعية المرأة للرجل.

معظم الحكايات الشعبية تدعم مفهوم التسلط البطريركي، وهذا ما يمكن تلمسه في نوعيات وخصائص الشخصيات النسائية التي تسردها الحكايات الشعبية. تطرح الحكايات المرأة الطيبة بوصفها امرأة صامتة، سلبية، غير طموحة، جميلة، خصبة، وتسعى للزواج. وتطرح الحكايات بشكل غير مباشر تحذيرا للفتيات الصغيرات فيما ستؤول إليه أوضاعهن إن هن اخترن عرض الجوانب غير الأنثوية، وهكذا يتم تلقين الفتيات الصغيرات بأن أي مسعى لتحقيق أهداف خارج نطاق العائلة يعد انحرافا أخلاقيا، وينطبق الحال إن اختارت الفتاة أن تكون مهيمنة أو صريحة أمام الرجل.

عبر الأدوار المرسومة للمرأة تحاول الحكايات الشعبية أن تقنع القارئ بحقيقة بأنه من الأفضل للمرأة أن تكون تابعة وذليلة. وهذه الحكايات توسم المرأة بالضعف، والسلبية، والانقياد لعواطفها.

هذه الخصائص النسبية لجنس النساء كرست الاتهام بخضوع المرأة في أذهان الفتيات الصغيرات وضرورة استمرارية هيمنة المجتمع الذكوري وتسلطه.

الصمت هو الثيمة الواضحة للتمييز ضد المرأة في الحكايات الشعبية، فمن الخطا أن تتحدث المرأة وفقا لرغبتها، أو أن تبدي رأيها في موضوع ما، فمثل هذا الأمر يضع الزوج في إحراج، واجتماعيا تبدو المرأة في هذه الحالة مرتبطة بعصبة الساحرات والقوى الشريرة. وبمعنى أخر فالحديث الشفوي يعتبر فعلا شريرا.

المرأة العاقلة في الحكايات الشعبية لا تتحدث حتى يتم التحدث إليها، أو أن تعطى الإذن للكلام، وفي كل الظروف لا يسمح لها بالتحدث مع أي شخص آخر. في حكاية (كيف أطعم الزوج زوجته حكايات شعبية) نرى الزوج يضرب زوجته ضربا مبرحا عندما تحاول مجادلة ومقاطعة صديقه الذي يحكي الحكاية، رغم أن الزوج حذرها من عدم مقاطعته. هذا تحذير للفتيات لمخاطر التحدث دون إذن.

في الحكايات الشعبية لا يحق للمرأة أن تتحدث وفقا لرغبتها، ولا أن تأخذ المبادرة وتستفسر عن موضوعات معينة: (هي لا تطرح سؤالا واحدا، وعجزها يقودها دائما إلى البكاء). مثل هذه الجمل تتكرر في الحكايات الشعبية وتؤكد على أنه لا أهمية لما يمكن أن تقوله المرأة.

في حكاية (النمام وابنة التاجر) نكتشف أهمية المرأة الصامتة، فالملك يستفسر عن أخلاق أخت التاجر التي ستكون زوجته وملكة البلاد، وما أن يسمع جواب التاجر بأنها (هادئة وعفيفة كاليمامة) يقول الملك (ستصبح ملكة البلاد).

أهمية المرأة الصامتة تأتي من الارتباط القوي بين الكلام والقوة. الكلام في الحكايات الشعبية مرتبط بشكل أساسي بالسلطة، والأشخاص الذين يمتلكون السلطة، وعادة ما يكونون ذكورا. رغم أن بعض النساء يمتلكن قوة الكلام في الحكايات الشعبية، إلا أنهن نساء غير مستقيمات، ومعظمهن ينتمين إلى فئة الساحرات أو المشعوذات اللائي يسيطرن على الجميع بقدرتهن على الكلام. فالمرأة في الحكايات الشعبية التي تملك قوة الكلام، تصبح مثل الساحرة، التي تستطيع أن تسحر كل أعدائها وتجعلهم ضعفاء عاجزين. هذه المرأة بالقوة التي تملكها في الكلام تعتبر شريرة، والرجل لا يمكن السيطرة عليها، أو التحكم كليا فيها إلا إذا منعها من الكلام.

المظهر الثاني في الحكايات الشعبية للتمييز ضد المرأة يتمثل في إضفاء صفة الخضوع، فالأنثى لا تستطيع أن تنقذ نفسها من الأذى أو الأوضاع الخطرة، هي بحاجة إلى الذكر الذي يستطيع أن ينقذها. وأية ثقة في نفسها أو حقوقها ستبدو عملا خاطنا في الحكايات الشعبية. ومع ذلك على المرأة أن تتحمل حياتها بمشقة، وأن تعيش في حزن حتى يأتي الفارس بدرعه البراق ويحررها. يمكن أن نذكر حادثتين من حوادث الخضوع في حكاية (البطل معدوم الرجلين والبطل معدوم اليدين).. نرى الأخت وهي تتحمل ظلم التنين الطائر الذي يزورها يوميا، ولا تتخلص منه إلا بعد أسبوع حين يعود أخواها من رحلة الصيد، وهي في هذه الأيام لا تحاول الاختباء، أو الهرب، أو حماية نفسها، أو محاربة التنين من أجل إنقاذ نفسها، انها تنتظر باستسلام عودة منقذيها. هذا يؤكد وجهة النظر القائلة أن النساء هن ضعيفات ولا حول لهن، ولا يستطعن أن يأخذن أي مبادرة للاستمرار.

وحين تحاول الأميرة أن تتخذ زمام المبادرة، والتخلص من وضعها المقيت، بأن تترك الأمير، وتقطع قدم إيفان العاري أثناء هروبها. رغم هذه المحاولات إلا أن الذكر يهيمن عليها في نهاية الأمر.

انها تعاقب على محاولاتها الفاشلة هذه، و ايفان يوبخها بعنف وهو يمسك " ضفيرتها ويسحبها إلى الساحة " حتى تبدي ندمها وتقسم أن تطيع زوجها في كل شيء.

مرة أخرى هذه القصص تقوم بتحذير الفتيات الصغيرات من النتائج الوخيمة للعصيان والثقة الزائدة بالنفس. وظيفة المرأة لا تتضمن تحسين وضعها، وليس هناك من مبرر لأن تأخذ دور الذكر الفعال، ومع ذلك بغض النظر عن الظروف المحيطة بها لا بد من المحافظة على خضوع المرأة للرجل.

تحذير آخر موجه إلى الفتيات الصغيرات عبر الحكايات الشعبية من طموحها ورغبة في امتلاك القوة أو مراكز صنع القرار. ففي الحكايات الشعبية المكان الوحيد الذي يصلح للمرأة هو بيتها. أما أن تكون في موقع المسئولية فهو خطا غير مقبول. فمسئولياتها الكبيرة يجب أن تكون في المحافظة على البيت وخدمة الزوج. المرأة الطموحة هي التي تضع رغباتها في امتلاك السلطة على حساب حاجات زوجها ومسئولياتها تجاه بيتها.

في حكاية (رئيسة البلدية) نرى حكاية صعود وسقوط زوجة طموحة لتولى السلطة. الزوجة تطلب من زوجها أن يتم انتخابها كرئيسة للبلدية، فيتحدث زوجها مع الشيوخ فيقررون أن يلقنوها درسا لا تنساه، فهي غير مناسبة لتكون رئيسة، وتبدا في اقتراف الكثير من الخطايا " تشرب النبيذ مع الفلاحين، وتقبل الرشاوى"، وحين يجيء الوقت لجمع الضرائب فهي لا تتمكن من جمعها في الوقت المحدد. وهكذا، فهي تفر إلى بيتها للاختباء، وعلى الرغم من محاولاتها لإخفاء نفسها في مخزن الحبوب، إلا أن الزوج يكتشف أمرها ويضربها ضربا مبرحا " يبدأ في ضربها بالسوط " ، والمرأة تصرخ من الألم. ومنذ ذلك اليوم هي لا تفكر في امتلاك السلطة أو أن تكون في موقع التأثير، ولم تعد تعصي زوجها.

هذه الحكاية تبين المرأة بوصفها عاجزة أن تدير موقعا سياسيا، مثلما هي ضعيفة في مقاومة اغواءات الشر لا شعوريا، هذا تحذير من عصيان الزوج، لأن هناك ستكون نتائج وخيمة. الرسالة أيضا موجهة إلى الذكور بأن المرأة حمقاء جدا وغير قادرة على اتخاذ القرارات التي سوف تؤثر على مجموعة كبيرة من الناس.

مرة أخرى المرأة هي إنسانة ضعيفة، وديعة، ولا يمكن أن تكون قوية أما طموحات المرأة في الحصول على منصب أعلى في مجتمعها فهو لن يجلب سوى العار على زوجها، وتصبح أضحوكة في مجلس الذكور، الذين لا يعتقدون بوجود امرأة مؤهلة، عاملة، ومؤثرة في أي موقع سياسي. مرة أخرى، الذكور يحتفظون بالمرأة في أوضاعها الدنيا، وبذلك لا يسمح لها الحصول على قوة كافية للتأثير وخلق التغيير.

الجمال هو مظهر آخر من مظاهر التمييز في الحكايات الشعبية، ففي كثير من الثقافات يعد الجمال أساس الكثير من القرارات، فعادة الكائن الجميل هو المفضل على الكائن القبيح أو الكائن البيتي للحصول على الحظوة أو الثروة، نفس الشيء ينطبق في الحكايات الشعبية.. الفتيات الجميلات يتزوجن شخصيات من الطبقة الاجتماعية العليا، في حين لا تحصل القبيحات على هذا الشيء. الجمال مرتبط بالذكاء، والقدرة، والعطف، والجدارة، والمبادئ الأخلاقية. على سبيل المثال، نرى الفتاة الشابة الجميلة العذراء المستقيمة تتزوج من الأمير الوسيم القوي والثري بينما أختها غير الشقيقة تخسر نتيجة لأفعالها الشريرة.

وظفت ديزني هذه الفكرة لسنوات طويلة في الحكايات المشهورة التي تقدمها مثل (سندريلا) الرابط بين الجمال والقدرة تتضح في حكاية (بالاداك بورسيسيفتش) حيث السلطان التركي يحاول إلقاء القبض على أحد المجرمين، ابنته الكبرى تطلب منه الإذن لإلقاء القبض عليه بنفسها، وتقول (امنحني بركاتك وآمر باختيار تسعة وعشرين عذراء من أجمل بنات المملكة، وأنا بنفسي سأكون الثلاثين، وسنذهب لتمضية الليل في الخيام لنلقي القبض على المجرم، هي تطلب باختيار الفتيات الأجمل في البلاد ، كما لو أن الفتيات القبيحات لا ذكاء عندهن ولا قدرات للقبض على المجرم. هناك قيم هائلة حول الجمال في حكاية (الفجر، والمساء، ومنتصف الليل) حيث تروى الحكاية الشعبية قصة ملك عنده ثلاث بنات لا نظير لهن في الجمال، يسجنهن في القبو ويضعهن تحت المراقبة طيلة اليوم، فهن مثل الكنز بالنسبة إليه. هو يرفض أن تمس أجسادهن أشعة الشمس، أو أن تهب الرياح عليهن، مثل هذه القصة تؤكد على فكرة ان الجمال ثروة يجب المحافظة عليها، ويبدو الجمال الاستثنائي السبب الوحيد الذي يجعل الملك يحب بناته، ويمكن أن نستنتج من هذه القصة بأن الفتيات القبيحات لا يستحقن مثل هذا الحب، ولا يستحقن محاولة الجنود الشجعان لإنقاذهن من أي خطر. هذا يؤكد على الإذلال للصورة الخارجية للمرأة.

مثل هذا التأكيد على الصفات السطحية للمرأة من أجل سعيها للزواج، المرأة يجب أن تتأكد من انها جذابة ومثيرة، حتى تحصل على المحبة من طالب الزواج، فإذا كانت غير قادرة على نيل اهتمام الذكر، فهي لن تحصل على الزوج المناسب، ولن تحقق هدفها الحقيقي في الحياة.

تهدف المرأة إلى الزواج لتكون سيدة البيت. فمكانها هو في البيت تطبخ للزوج، هذا هو الانجاز النهائي للفتاة: أن تكبر وتجد زوجا وسيما للزواج منه وتعيش سعيدة حتى نهاية عمرها. هكذا تطرح الحكايات الشعبية في نهاياتها السعيدة. تكافح الفتاة وتنتصر بعد حصولها على رجل ثري ينقذها ويكافئها بالزواج. وطبقا للحكايات الشعبية فبعد أن تتزوج المرأة تقع عليها مسنولية أخرى هي أن تنجب أطفالا أصحاء. في حكاية ( الشجرة التي تغني والطائر الذي يحكي) يختار الملك زوجته من عذراء تعده بإنجاب ثلاثة أطفال، رغم انه نظريا يستطيع الزواج من أية امرأة يختارها. الملك يتنصت ويستمع إلى فتاة شابة تقول (أتمنى الزواج من الملك نفسه، لأنجب له ولدين وابنة واحدة ) الملك يتزوجها لوعدها بإنجاب وريث للعريش دون النظر إلى مستوى ذكائها أو شخصيتها. أن قدرتها على إنجاب أطفال أصحاء هو الأهم. وبذلك تؤكد الحكاية الشعبية أن مكانة المرأة في بيتها لتتولى الأعمال الروتينية، أما المهارات التي قد تكون تمتلكها فلا أهمية لها، المهم أن تكون امرأة مطيعة.

هناك عدد غير محدود من القصص والحكايات انتقلت من جيل إلى آخر، هذه الحكايات هي ضرورية وحيوية لاستمرارية العادات والقيم الثقافية، فهي تربط الماضي بالمستقبل، ويمكن الاستفادة منها في الترفيه والتعليم، وغالبا ما تجمع الكبار مع الصغار، وهي تستطيع أيضا أن تعلم الأطفال دروسا مهمة عن الصواب والخطا، والأخلاق الطيبة والأخلاق الشريرة. ومع ذلك فهي تعكس النظرة السلبية تجاه المرأة، ومن الصعب تجنب التمييز ضد المرأة لأنها كانت تناسب الزمان الذي رويت فيه، وحين تعاد في زمننا الحالي فأن الراوي يدمج بعضا من معتقداته/ معتقداتها في الحكايات.

لقد تطورت الحكايات الشعبية في الشكل والمضمون لتعكس المجتمع الحالي وقيم الزمن الحالي، ولكن لسوء الحظ فأن المرأة هي التي يجب أن تعاني من استمرارية هذا التراث، لقد تغير دور المرأة في الثقافة المعاصرة، وحكاياتنا الشعبية بدأت تتلمس التغييرات في القيم الاجتماعية، شركة ديزني على سبيل المثال بدأت مؤخرا تقدم حكايات شعبية مثل (مولان)، حيث البطلة الأنثى وهي تتحدى إجحاف بلاده ، ففي الثقافة الصينية لا يسمح للمرأة الانضمام إلى الجيش، والقتال جنبا إلى جنب الرجل، ومع ذلك، فهي تقاتل، وفي النهاية تحظى بالكثير من التقدير لانجازاتها. جدها يقدر شجاعتها ويفتخر بعصيانها، على النقيض التام من الضرب المبرح الذي نالته المرأة في الحكايات الشعبية الروسية بعد عصيانها لزوجها. هذا التغيير في بنية الحكاية الشعبية تبين لنا أن الثقافة قابلة للتغير إلى الأفضل، ومع ذلك، فالمجتمع يجب أن يبذل جهدا للتعرف على مظاهر التمييز ضد المرأة التي تتضمن في المنتجات الثقافية مثل الأفلام والقصص. ويجب أن يقبل المجتمع التغيير في القيم الاجتماعية ويعكس هذا التغيير في الأعمال الفنية المعاصرة، مما يمكننا من استئصال الأفكار السلبية عن المرأة التي وجدناها في الحكايات الشعبية الروسية على سبيل المثال.

المصادر

• إلكساندر أفاناسييف - الحكايات الشعبية الروسية - 1973.

• روث بوتيهيمر - المرأة الصامتة في حكايات غريم - 1986.

• مارسيا ليبرمان - يوما ما سيصل أميري ـ و

أعداد المجلة