فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

إشكالية مؤتمر الجزائر

العدد 2 - جديد النشر
إشكالية مؤتمر الجزائر
كاتب من الجزائر

 

في المفاهيم الثلاثة –شفاهيّة، منطوق، كتابة- والتي تلتقي في لحظة جامعة للثلاثيّ، يقوم مشكل محمّل بكلّ التساؤلات والإلتباسات ودواعي التيه، يحيي ويجمّد منذ خمسة وعشرين قرنا إعمال الفكر والبحث في اللغة وفي اللسان وفي وسائل ذيوعها وحياتها. في ملتقيين دوليين نظّمهما في الجزائر على التوالي، في سنتي 1989، 1990 المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان والتاريخ. تناول الأول «الشفاهيّات الإفريقيّة» ودار الثّاني حول «سيرة بني هلال»»، سبق أن طرحت للنقاش مسائل الأهمّية القصوى لحفظ التراث الثقافي ودراسته من ناحية، ومسائل الأصالة العلمية لتاريخه من خلال دراسة السيرة الشفاهيّة باعتبارها وثيقة تاريخية خاضعة للنظر، من ناحية أخرى. لقد طرحت بصفة ما خلال هذين اللقائين وبإلحاح، مشاكل نظريّة حادّة، دون أن تتعرّض للنقاش المعمّق بصفة مرضية.

    إنّ البحث العلميّ، حول هذه المسائل غير المقبولة، والمستفزّة، والتي تكون أحيانا محمّلة بسحب متراكمة مثقلة بصراعات تتعلق بالهويّة، ظلّ ضعيفا، يعاني من التيه والظنون في كثير من المجتمعات. ظلّت هذه الوضعيّة تتحدّد، في بعض المجتمعات العربيّة، بما يطرحه العديد من المثقفين، على سبيل الخطإ، بخصوص العلاقة التي تربط ثقافتهم وأنساقهم الرمزية بالنظريّة الشّفاهيّة، وهو طرح اتّسم بالجمود. فحسبهم، يظلّ العالم العربي، في جميع الأحوال وبدون شكّ، في جوهره كتابيّا، باعتبار قومه من أهل الكتاب ينتمون لحضارة الكتابة: فهم من أهل القلم، ومن ثمّ نما، منذ عهد بعيد، في كثير من الأوساط الجامعيّة، موقف مرتاب يحتقر الشفاهيّ والشفاهيّات فيعتبرها متمثّلة في ماقبل الكتابة، في ماهو معرّض للاندثار، وإلى حدّما في ما هو جهل وجهالة.

    تتعلّق بهذه الوضعيّة أطروحة جامعية أخرى تتسم بدورها بالجمود وظهرت منذ فترة الاستعمار، تتصف بالعنف الرمزي، وهي تشيع وفق أشكال متنوعة في جميع أطراف العالم وحتى بين النخب في المجتمعات التي كانت مستعمرة. هي شديدة الذيوع، ظلّت حيّة منتشرة بين أفراد هذه النخب وتقبّلوها. تقوم على تصنيف المجتمعات البشرية حسب مقياس معرفتها للكتابة، وهو المقياس المتوفر في المجتمعات المهيمنة. فنظرة هذه النخب إلى نفسها تمرّ عبر احتقار الآخر لها، بحيث تكون صفتها الأساسية، في المقابل، متمثّلة في الشّفاهيّة باعتبرها الوسيط الوحيد في عمليّة الاتصال اللغويّ فيما بين أفراد مجتمعاتها.

    والحال هذه، فإنّ الشّفاهيّة  تتوفّر، لكي تتحقّق، على صفة الصّواتة phoné المتعلّقة بالـصوت،في هذا المجال نجد الأعمال المتعلقة بثنائي مفاهيمي جديد يسمّيه بول تزمتور Paul Zumthor النطقيّة-الشفاهيّة vocalité-auralité)1) وهي مجال يعدّ نسبيا حديث العهد، وحقل البحث فيه جار بصفة متفاوتة من ميدان إلى آخر: (ففي التحليل النفسي للصوت)2 الخاص بالعروض الغنائية من نوع الأوبيرات opéra نجد العديد من الأعمال في مجالي علم الموسيقى وعلم الأثنوموسيقى, تطرح انشغالات هذين العلمين الأخيرين، بصفة دقيقة أيضا، نفس الإشكاليات المتعلّقة بالـتضادّ القائم بين الشفاهيّة والكتابة.

فالصوت، باعتباره مفهوما يتم الاشتغال عليه خارج مشاكل التدوين الموسيقي والأصوات. في هذه الحالة يحيل رأسا على الجسد، الذي تصدر عنه الذبذبات العميقة والتعبيرات الموجهة نحو الآخر، عند التواصل بواسطة اللغة بأشكالها المختلفة.

ويظلّ المشكل قائما غير محلول بصفة مرضية. يبقى مؤجّلا في اتجاه يثري أكثر البحث، غير أنّه يجب ألا يطول التفكير في التضاد المبدئي حتى يتم تجاوز هذه العقبة.

وبخصوص هذا التضادّ، يصبح من الأهمّية بمكان وضع تاريخ عقلاني وإبستمولوجيا لانتشاره  وزوغانه الإيديولوجي.

    هاهو إذن الرصد يتلاشى أخيرا، فيما يبدو صوتا لم تكتمل محاولة استكشافه، وحيث تتمفصل استراتيجية الاستكشاف حول تأمل علاقة بنائية بين الصوت والكتابة، أو بالأحرى بين الجسد الذي تصدر عنه الذبذبات والمسكون بالإيقاع من ناحية، والجسد الدّال، الموشوم، المهندم، المصفّف الشعر، المزيّن، المؤلّف والحامل لكل علامة خطّية من ناحية أخرى.

    يمكن عرض أزمنة البحث الثلاثة كالآتي:

 

1 - جنيالوجيا I:

الأدب والتقاليد الشفاهيّة

    من خلال هذين السجنين الذين هما الحرف والصوت، كيف لا يتمّ تبيّن أنّ معقليهما غير قابلين للاختراق. معروف كيف يتمّ الاشتغال على مادة حيث الحرف والجسد هما، في نفس الوقت، متلاشيان، غير مادّيين، كما اتّفق على وصفهما  اليوم. إنّ اللبس الذي تثيره التسمية، في طابعها المتناقض –أدب عكس شفاهيّة- يكتسي هذا أيضا، فيما يبدو، دلالة متناقضة. فالشفاهيّة التي تمّ الاشتغال عليها باعتبرها أدبا (حكاية، أسطورة، ملحمة، سيرة، شعر، قصة بطولة خارقة، مثل، الخ.) حصلت على المكانة المنشودة، المشتهاة والنبيلة والمضفاة على الأنواع الأدبيّة الخالصة: تفقد الأنواع الشفاهيّة طابعها لتصبح في التحليل الأدبيّ وكأنّ الأمر يتعلّق بنصوص مكتوبة، بينما قلّ ما تختلف المناهج عن التحليل الشّعريّ، السيميائيّ3 أو الإثنولسانيّ: فـ ج.كالام-قريول4 G.Calame-Griaule، وهي تحدّد موضوع الإثنولسانيات تعرّفه على أنّه دراسة العلاقات ما بين اللغة والثقافة والمجتمع. فالـنصّ يصنعه عامل، في لغة وفي سياق طبيعي، ثقافي، مادّي اجتماعي وديني.

    انصرف التحليل الأدبي حسب مدرسة كونستانس الألمانية إلى جمالية التلقّي5 أو فعل القراءة 6. في هذه الحالة، لم يبق الأمر متعلّقا بالنص الشفاهي تماما بل بالأدب المكتوب الخالص.

فالمنهج بشكل متناقض هو نفسه منهج الإثنولسانية الإفريقيّة، لأن الأمر يتعلق طبعا بفاعلين، بسياق اللغة ومن الواضح بالنص. فما هو أكثر أهمّية، بناء على ذلك، يتمثّل في السياق الذي تسمّيه المدرسة الألمانية المخزون وتسمّيه الأنثروبولوجيا البنويّة نسق السّنن.

    ما الذي يمثّله إذن الخلاف بين الأدب الشّفاهي والأدب (الكتابي)؟ لا تذكر السيميائيات القريماصية شيئا عن ذلك في مقاربة النص من حيث مكوّناته النحويّة والدلاليّة وبنيته السرديّة. ما يستشفّ من ذلك فيما يبدو هو أنّ النصوص المكتوبة السيميائية، الإثنولسانية والشعريّة، في رغبتها في أن ترتفع بالنص الشفاهيّ إلى مستوى النص المكتوب، تمحق الخلاف وتقلّصه في شكل لا يعبّر، في الحقيقة، سوى عن فراغ مركزي عرقي. هذه الأخيرة في مقصدها القضاء على الإثنومركزية المؤسساتيّة، تعطيها دورا أكثر خطورة ساحقة الشفاهيّة في اختلافها الطبيعي، مادام يراد لها أن تكون كذلك. إن الإثنومركزية، سواء كانت شرقية أو غربية، تنشط وتعبّر عن نفسها في نطاق ما يتعيّن على أنّه كتابة. فالشفاهيّة منذ هذه اللحظة، لم تعد مفارقة للحرف سوى لكونها مسخا أو بالأحرى بديلا عن هذا الأخير. جاك درّيدا وهو يفكّك الأنطولوجيا الغربية، يبيّن بأن الكتابة تقع في مقدمة اللوغوس مثل الحقيقة، الخير، الجميل، المعنى، الهوية، الواحد أو التاريخ ومحكمته. فهي، في المفهوم الذي يوفره العصر الحاضر والراهن، أداة الذاكرة وهي الذاكرة نفسها. إنّ الكتابة-يقصد هنا الصوتية- تعبّر عن السلطة. هي السلطة. ينعش هذا المفهوم لاوعي حتى أولئك الذين يركّزون عملهم على نقد التكوينات السرديّة نابذين التمييز الذي يستند إليه التضادّ الثنائي  شفاهيّة-كتابة8: يشجبون الإثنية المركزيّة الغربيّة، بينما يقعون هم أنفسهم في الشرك لمّا يقرّرون بأنّ الكتابة هي أجنببة تماما عن الآخر لكونها تمثّل نقصا يعانيه، فهي تمثّل عجزا أنطولوجيّا بالنسبة له. في نصّ لليفي ستروسCl.Lévi-Strauss قام ج.درّيدا بتفكيكه في الجزء الثاني من كتابه غراماطولوجي، يبادر صاحبه بنقد لاذع لعنف المجتمعات الأوروبية، معتقدا تماما بأنّ زعيما هنديا اكتشف الكتابة باعتبارها سلطة، محاكيا الإثنولوجي لمّا شابه بينه وبين زعيم أبيض. إنّ غياب الكتابة الأبجدية والصوتية عند هنود النمبيكوارا في البرازيل يحفر في قلب مسعى ليفي ستروس نفسه خرقا تطلّ منه الأثنوغرافيا الاستعمارية، والذي حسبه فإنّ هذا الغياب يغطّي الزمن التاريخيّ، زمن الدولة والعمل، زمن الاقتصاد إذن ! سيكون النّمبيكوارا مجتمعا بدون كتابة.

 

2 - جنيالوجيا II:

 الصوت هو فعل الخلق

    هكذا فإنّه في تاريخ اللسان والألسنة وحتّى فرديناند دوسوسيرFerdiinand de Saussure، لم تكن الكتابة سوى اصطناع اتّفاقيّ، محسوس، مجرّد تقنية قد تكون معمّاة وميّتة لتلف يصيب الحوامل. سيكون الصوت هو جوهر اللسان، سيكون نفثة الحضور والمعنى. فالكتاب ماهو سوى صوت، صوت الله وصوت من اختارهم ليكونوا أهل الكتاب. أضف إلى ذلك أنّ النصّ، كلّ نصّ لن يكون فقط نسيجا من الدوالّ المحنّطة: فكلّ نصّ يكون صوتيا، ولمّا يكون هو المنزّل المقدّس –القرآن أو الإنجيل-، فهو فعل خلق الكلّ والأجزاء. ومن هنا، فإن علم كلّ لسان يكون أولا وقبل كل شيء هو الصّواتة، فيما بعد فقط يأتي علم المعنى.

    كيف لا يتمّ التعرّف على تضادّ آخر، ذلك الذي يربط ما بين الدال والمدلول، واللذان هما العنصران البسيطان المكوّنان للدّليل. لقد نبّه رومان جاكبسونRoman Jakobson لاستحالة التفريق بين الصوت والمعنى، مبيّنا بأنّ الوحدات الصوتيّة ليس هناك من سبب لوجودها سوى كونها تتضادّ في نطاق نسق ما10.

    ماذا يقال إذن عن المعنى يكون في منطق ثنائيّ أو لا يكون ! إنه الخلاصة التي توصّل لها أ.ج.غريماص، لمّا أنهى أحد كتبه الأكثر شهرة11. ليس هناك سوى الصعوبة القصوى للاشتغال حول هذا المفهوم، إنّه في ذاته جوهر فرد، وحدة تصنع المعنى بذاتها ومن أجلها، سواء كان مصدرها الكتابة أو النطق. تعالوا لننظر في أفق آخر:

 

3 - جنيالوجيا III:

الشفاهيّة-الكتابة، أركيولوجيا المعنى،

 خلال العصور الحجريّة.

    كيف يمكن قراءة حفريّة صخريّة أو طرس من النقوش أو الرسومات؟ قليلة هي الأعمال التي سعت إلى إماطة اللثام عمّا حفره ورسمه أو تقدّم به قربانا رجال الطاسيلي، الآهقار، الأطلس الصحراوي (الجزائر)، الأكاكوس أو مسّاك (ليبيا)، لاسكو، أومغارة شوفي (فرنسا) أو الألطاميرا (إسبانيا)؟ بم ينجد الفن الجداري للعصرين الحجريين القديم والحديث –مهما كانا شيئا واحدا- في وضعية المشكل الذي يشغلنا؟

    في عمل له يكشف عن محصّلة يعتقد ج.ل.لوكلّك G.L.Le Quellec)12) أنّه ينصف الجداريّة المرسومة بتين تازاريفت في الطاسيلي ناجر (الجزائر) فجعله يتدثّر بصمت الأموات، بعد أن اعتقد أحمادو هامباتي باع Ahmadou Hampaté Ba بأنّه جعله يتكلّم. قرأ بالعكس وسلبيّا ما فكّ رموزه العالم فول بي FulBé بطريقة خطّية، واتهم هذا الأخير وهنري لوطيHenri Lhote بتحميل الحفر الخطّي المتعدّد الألوان لتين تازاريفت بمعنى قومي بلهي بالنسبة للأول وبمعنى استعماري بالنسبة للثاني. يقيم حجّته بالإحالة إلى حقل كوري ممّانيت في الآيير، حيث تمثّل الجداريّة الصخريّة، بالنسبة للطوارق، النبيّ إلياس13. يظهر من خلال إعادة النّظر هذه في النقوش الخطّية المحفورة المتعدّدة الألوان وتحميلها بمعنى طارقي جديد، وبعد تفكيك القراءة «المباشرة والفوريّة» الاجتماعية الأنثروبولوجية والنابعة من وجهة نظر تقنية محضة التي قدمها آمادو هامباتي باع، يميل ج.-لـ.لو كلاّك نحو قراءة بنويّة لجداريات ورسومات الصّحراء. هو لا يقرأ النقوش الخطية المحفورة بصفة مباشرة وفوريّة وواحدة بواحدة، لكنه يشتغل على مجموع الجداريّات والرسومات التي تبلغ الآلاف في حقل متّسع يشمل قسما كبيرا من الصحراء. يتعلق الأمر بنص منقوش ومرسوم عبر آلاف السنين من قبل مجتمعات مختلفة وفي فترات مختلفة. هذا النص ما هو سوى طرس لنصوص «مؤلفين» مختلفين في الزمان وفي الفضاء. إنّ إلغاء الزمان واجتياز الفضاء لا يمثلان نقدا ولا مسعى تأويليّا. من ناحية أخرى، المنهج البنويّ لكلود ليفي ستروس انبثق من نصّ لهذا الأخير أسيء تقديره جدّا من قبل ج.ب.فارنانت J.P.Vernant) 14 15) حيث يلتقي المنهج مع منهج ج.كالام-قريول.

 

انفتاح

    مالذي يمكن قوله سوى كون مفهوم الأدب يمثل «مقولة حديثة العهد»16، مثل أدب العصور الوسطى والأدب الكلاسيكي حيث المتخصّصون في العصور الوسطى يؤكّدون، منذ عهد بعيد، بأنّه كان «شفاهيّا»؟ ما الذي يمكن قوله أيضا بشأن الأدب العربي الجاهليّ، الذي نعرف طابعه المنطوق والمغنّى؟ متى ومن «كتب» المعلّقات؟ ما الذي يمكن قوله أخيرا، سوى كون أنّ الأمر يتعلّق هنا بما تسمّيه الإبستمولوجيا وعلوم الإنسان بالوهم الاستذكاري؟

    لعلّه سبيل مفتوح: كان جيل دولوز قبل ج.-لـ.لو كلاّك، سائرا على خطى أندري لوروا-قورهان بيّن كيف أنّ المجتمعات المشهورة بكونها شفاهيّة أو تعتمد على المنطوق كانت كذلك، ليس لأنها فاقدة لنسق خطّي، لكن لكون هذا النسق ((كان مستقلاّ عن الصوت، لا يستند إليه وليس تابعا له، لكنه كان موصولا به متّسقا معه 19.)) في نصّ أكثر حداثة20، يعود أ. لوروا-قورهان إلى المسألة   ويزيد من تعقيد الإشكاليّة مشتغلا على العلاقات بين الوحدات الخطية والوحدات الرسميّة ووحدات الكتابة التّصويريّة في البعد التزامني للتشكيلات الجدارية. ممّا يلاحظه، يمكننا أن نستخلص بأنّنا بعيدين عن قراءة التسجيلات الكتابيّة، ما دامت الخطّيّة تظلّ هي السبيل الوحيد لتفكيك الشفرة.

    ما الذي يمكن قوله في افتتاح ملتقى علمي يحاول أن يتجنّب ثنائيّة تعيش منذ على الأقل ألفيتين ونصف من الأنطولوجيا الازدواجيّة؟ ما الذي يمكن قوله أيضا عن التضادّ شفاهيّة-كتابة، وبالأحرى عن المصطلحين المجرّدين، والذان يمثل كل منهما بالنسبة للآخرعلّة عقمه المفهوميّ ! ملاحظة بسيطة تفرض نفسها: إذا ما كففنا عن الحديث عن الميثولوجيا الإغريقيّة باعتبارها أدبا شفويّا في الإلياذة، الأوديسة، أنساب الآلهة والأعمال والأيّام؟ وإذا ما كففنا عن الحديث عن تراجيديات سوفوكل باعتبارها أدبا شفاهيا؟ كيف وصلت إلينا الأساطير الإغريقيّة وسيرة بني هلال لولا وساطة الكتابة... الإغريقيّة والعربيّة؟

    الشفاهيّة موضوع انتهى، تحنيط للثقافة المنطوقة، تحريم للفكر، مادامت مشتغل عليها من وجهة نظر الكتابة وليس أبدا من داخل المجتمعات الموسومة باعتبارها شفهية فقط. لا توجد مجتمعات شفاهيّة، كما لا توجد مجتمعات كتابيّة. ليس هناك سوى مجتمعات تستعمل الخطوط ! سوف يظل محتفظا بالشعر المغنّى الذي يبقى على الدوام موقّعا، مسكونا بالإيقاع. يتوجّه للحرف وللجسد عن طرق الطقس والإيقاع، قبل أن يكون معنى خطّيّا واضحا لأول نظرة. لعلّه يتحتّم التوجّه نحو المعنى عن طريق جماليات الإيقاع والكفّ عن تشييئه وتقديسه، وكأنّه يمكن أن يكون جوهرا (وصيّة) واضحا في نفسه، وبنفسه ومن أجل نفسه. لعله، حينئذ، نتعرّف على الأقلّ إلى أين علينا ألاّ نتّجه.

 

الهوامش

1 -    عد من بين آخرين إلى:

 Paul Zumthor, Introduction à la poésie orale, Paris, Seuil, 1983.

2 - عد إلى:

  La voix et ses sortilèges, Paris, Belles Lettres 2002.  Les vocalises de la passion, Armand Colin, Paris, 2002. et Alii, Au commencement était la voix, Paris, Erès, 2005.

3 - A.J.Greimas etJ.Courtès, Cendrillon va au bal…, Les roles et les figures dans la littérature orale française, in Système de signes, Textes réunis en hommage à Germaine Dieterlen ; Paris, Herman, 1978.

منذ هذا العهد لم تعد سندريلا منتمية للمدوّنة الشّفاهيّة.

4 - G.Calame-Griaule, La recherche du sens en littérature orale, in Terrain, n°14, mars 1990. p.120.

5 - Hans R.Jauss, Pour une esthétique de la réception, Paris, Gallimard, Bibliothèque des idées, 1978.

6 - Wolfgang Iser, L’acte de lecture, théorie de l’effet esthétique. Bruxelles, Mardaga, 1995.

7-  J.Derrida, De la grammatologie, Paris, Ed.De Minuit. 1967.

  في عمله الموسوم –درس الكتابة- يتصدّى بنقد جذري للإثنومركزيّة الموجودة عند ليفي ستروس في مفهومه للعلاقة بين الكتابة والسلطة عند النمبيكوارا في البرازيل، التي ماهي سوى تمثيل خصوصيّ غربي للكتابة والسلطة ، هكذا، يصدر عن ليفي ستروس بنفسه !

8 - إنّها حالة

R.Jaulin, La pais blanche, Introduction à l’étnocide, Paris, UGE, 10/18, 1970.

9-  CL.Lévi-Strauss, Tristes tropiques, Paris, Plon, 1958.

10 - R.Jakobson, Six leçons sur le son et le sens, Paris, Ed.de Minuit, 1976

11 - A.J.Greimas, Du Sens, Essais sémiotiques, Paris, Seuil, 1983.

12 - 13 - توجد رواية متداولة، تمثل تحوّلا لهذه الأسطورة، على شكل قصة في مديح الولي، عند أولاد سيدي الشيخ. توجد الأداة الحاملة للأثر المحفور في خنقة ثنيّة الزيّار، التي تبعد بـ15كلم شمال الأبيض سيدي الشيخ، غرب الأطلس الصحراوي. يتعلق الأمر بسطحة من الكلس، تحمل تجويفات قطرها عشرة سنتيمترات، متحاذية اثنتين اثنتين وتتابع، تبلغ المساحة الفاصلة بينها حوالي متر واحد. ينظر إلى هذه التجويفات باعتبارها آثار حوافر فرس سيدي الشيخ الذي طار بفارسه، لمّا طارده الكفّار، ليدخل تحت الأرض بمئات الأمتار، ثم ليظهر في قمة جبل تيسمرت، على بعد عشرين كيلومتر في اتجاه الجنوب الغربي لثنية الزيّار.

14 - J.-P.Vernant, Mythe et société en Grèce ancienne, Paris, François Maspéro, 1974.

15- Cl. Lévi-Strauss, Anthropologie structurale, Paris,1968. pp.255sq.

16- M.Foucault, L’ordre du discours, leçon inaugurale au collège de France. Paris Gallimard, p.32sq.

17- G.Deleuze, F.Guatari, L’anti-Oeudipe, Paris, Ed.De Minuit, 1975. pp.222sq.

18- A.Leroi-Gourhan, Le geste et la parole, technique et langage, Paris, Albin-Michel, 1964, pp.270sq.

19- G.Deleuze, F.Guattari, Op.cit., p.222.

20- A.Leroi-Gourhan, L’expression du temps et l’animation des figures au paléolithique, in Systhèmes de signes, Op.cit. pp.359sq

أعداد المجلة