مهرجان التراث السادس عشر يحتفي بالطيب والعطور التقليدية
العدد 2 - جديد النشر
أناب عاهل البلاد حضرة صاحب الجلالة حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين قرينته سـمو الشيخة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة في افتتاح مهرجان التراث السادس عشر (( الطيب والعطور التقليدية )) الذي نظمه قطاع الثقافة والتراث الوطني بوزارة الإعلام في الفترة من 5 لغاية 11 مايو 2008 بالقرية التراثية بمتحف البحرين الوطني. وتأتي رعاية الملك لهذه الفعالية تأكيداً على اهتمام جلالته بالتراث البحريني وأهمية الحفاظ على المكونات الحضارية والتراثية في مملكة البحرين ترسيخاً لما تتمتع به المملكة من مكانة ثقافية وحضارية رائدة في المنطقة.
وقد أشادت قرينة عاهل البلاد باهتمام وزارة الإعلام ممثلة في قطاع الثقافة والتراث الوطني على إقامة مثل هذه المهرجانات الثقافية والتراثية التي تسهم وبشكل فاعل في إحياء التراث البحريني الأصيل ، كما أثنت قرينة الملك على جهود القائمين على هذا المهرجان ، وسعيهم للتعريف بتراث البحرين العريق من خلال تقديم الحرف التراثية المختلفة، عاماً بعد عام، وحرصهم على التجديد لجذب الاهتمام والانتباه إلى هذا الموضوع الهام الذي يجب أن يحفظ في الذاكرة الوطنية. وليكون فاعلاً ومؤثراً في الحياة اليومية، ولكي تستفيد منه الأجيال الصاعدة وصولاً إلى تعزيز مكانة الثقافة الشعبية في المجتمع.
وقد ضم مهرجان التراث السادس عشر العديد من الفعاليات التي ترجمت بشكل حقيقي عنوان مهرجان هذا العام ((الطيب والعطور التقليدية))، وقد قامت اللجنة المنظمة للمهرجان بتخصيص موقع متكامل في القرية التراثية للحرفيين والحرفيات الذين يمارسون مهنة إعداد العطور التقليدية لتعريف الجمهور بهذه الحرفة العريقة. كما تم تقسيم أجنحة المهرجان إلى عدة أقسام منها: قسم التعليم - الذي يعني بتعريف الزوار وتعليم الطلبة والطالبات بشكل خاص كيفية إعداد العطور بالشكل التقليدي الذي عرفه المجتمع البحريني في فترة سابقة. وكذلك قسم الحرف الشعبية، والصناعات التقليدية، وقسم المأكولات الشعبية. إضافة إلى تخصيص مواقع في القرية التراثية لتقديم الفنون الشعبية وبالذات الفنون النسائية. كما اشتمل المهرجان لهذا العام على عرض حي لمجموعة من الحرف والصناعات الشعبية التي جسدت من خلالها عنوان المهرجان وتمثلت تلك الحرف في: حرفة الحناية والعجافة وصانعة سلال البخور وصانع الفخار وصانع المباخر الشعبية والغسول بالنباتات العطرية.
والخطوة الأكثر أهمية في هذا المهرجان هي مشـاركة سفارات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، تأكيداً للمكانة المميزة التي يمثلها موضوع العطور في هذه الدول، ومدى ارتباط شعوب المنطقة في استعمال الطيب والعطور التقليدية منذ فجر التاريخ إلى يومنا الحاضر.
عنوان المهرجان الطيب والعطور التقليدية :
لم يأتِ اختيار عنوان المهرجان بمحض الصدفة وليس بشكل عابر، فعلاقة الإنسان البحريني بشكل خاص والخليجي بصفة عامة بالعطور تعود إلى سـنوات موغلة في القدم. وقد دلت الاكتشافات الأثرية على تميز البحرين منذ القدم بصناعة وإنتاج العطور، خصوصاً من خلال العثور على مجموعة من القوارير الزجاجية التي تعود إلى فترة تايلوس، إذ تدل هذه المعثورات على عمق العلاقة التي نشأت بين الإنسان وتعامله مع كافة أنواع البخور والعطور والطيب. تلك العلاقة التي تبين أن استخدام الطيب لم يقتصر فقط على الأحياء في الاحتفالات والمناسبات الاجتماعية، بل شمل تجهيز الموتى ودفن أهم المقتنيات الأثرية معهم. ولم يقتصر الاهتمام بالعطور على الحقب التاريخية القديمة فقط، بل امتد إلى العصور الإسلامية حيث اهتم المسلمون بالطيب. وكانت هناك أنواع كثيرة من العطور التي اشتهرت في تلك الفترة مثل عطر المسك والورد والزعفران وغيرها من العطور التي تستخدم بين الرجال والنساء، وخير شاهد على ذلك الحديث الشريف الذي يذكر عن إبن قتيبة عن النبي (ص) أنه قال: “ خير طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه، وخير طيب النساء ما ظهر لونه وخفي طيبه “.
وقد تفنن الناس في البحرين والخليج في ابتكار أنواع متعددة من العطور عن طريق الخلط المتقن بكميات متعددة من العطور للحصول على نوع جديد يسمى باسم مصدره أو صاحبه، وما يزال الأمر سارياً حتى وقتنا الحاضر، حيث شاهدنا في مهرجان التراث السادس عشر العديد من أنواع العطور التي ابتكرها الأهالي في البحرين، وأصبحت تحمل أسماء مميزة تعكس الطبيعة والذوق الجمالي السائد.
تفاعل الجمهور مع المهرجان:
شهد مهرجان التراث السادس عشر حضوراً جماهيرياً منقطع النظير حيث وصل عدد زوار المهرجان 79 ألف زائراً توافدوا على مدى أسبوع كامل، من تاريخ 5 ولغاية 11 مايو 2008 ، وهذا الإقبال الجماهيري الكبير يعد الأول من نوعه منذ انطلاقة المهرجان الأولى في عام 1992 . ويعزي السبب في ذلك إلى مجموعة من العوامل:
أولها : عنوان المهرجان الذي يشغل حيزاً محبباً ومميزاً لدى الشعب البحريني.
الجانب الثاني : هو حسن الإعداد والتنظيم للمهرجان، حيث تم اختيار لجنة منظمة للمهرجان على دراية وخبرة طويلة في إعداد وتنظيم المهرجانات، وانبثقت عن تلك اللجنة مجموعة من اللجان التنفيذية، توزعت مهامها على ساحة القرية التراثية وأدت دورها بكل جدارة وإتقان.
أما العامل الثالث : فتمثل في مشاركة الفرق الشعبية التي صدحت بموسيقاها وأغانيها الشعبية، فتلونت سماء القرية التراثية بمزيج من أغاني الرجال والنساء وفنون القرية والمدينة.
وكما هو الحال في كل المهرجانات التراثية تحتل الأغاني والموسيقى الشعبية الحيز الأكبر من الاهتمام . ولعل الجانب الأكثر أهمية في هذا المهرجان هو في مشاركة الفرق النسائية من خلال فرقة الدانة التي أدت فنون القرية (الجلوة) وفرقة (نغم) التي أدت فنون (العاشوري والسامري والخماري وغيرها من الفنون) ، كما شاركت فرقة بن حربان وفرقة قلالي في تأدية وغناء الفنون الشعبية التي اشتهرت بها البحرين قديماً.
أما الجانب الرابع : وهو الأكثر أهمية فتمثل في التغطية الإعلامية غير المسبوقة من (صحافة وإذاعة وتلفزيون). وقد اهتمت هيئة إذاعة وتلفزيون البحرين اهتماماً خاصاً بهذا الحدث الثقافي وتم إبراز فعاليات المهرجان بصورة يومية من خلال العديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية كالبرنامج الإذاعي “البحرين تصبح ”، والبرامج التلفزيونية “باب البحرين”، “ زوايا ”، “هوى الديرة”، ولم تتأخر صحافة البحرين عن الإذاعة والتلفزيون في نشر المواد المختصة بالمهرجان ومتابعة الأخبار بشكل يومي، وإفراد صفحات كاملة وملونة لبرامج وفعاليات المهرجان الذي أصبح بفعل تلك التغطية الإعلامية حديث أهل الديرة وزوار وضيوف مملكة أهل البحرين.
إن نجاح مهرجان التراث السادس عشر يضع جميع المهتمين بالتراث الشعبي في مملكة البحرين ، وعلى رأسهم قطاع الثقافة والتراث الوطني في تحدٍ كبير مع المستقبل، خاصة وإن الكثير من المتابعين للتراث الشعبي يرون صعوبة الحصول على عناوين جديدة للمهرجانات القادمة ، بعد أن تحظى مهرجانات التراث وعبر مسيرته الطويلة أهم المواضيع التراثية. وتعليقاً على ذلك الرأي، نود التأكيد بأن تراثنا لا يزال يزخر بالعديد من العناصر التراثية التي ينبغي التركيز عليها. فكل جزئية وكل عنصر في التراث الشعبي ينبغي الاحتفال به وإخراجه بالصورة التي تليق بمكانة البحرين الحضارية والثقافية.
وأرض البحرين من الأراضي الولودة والحاضنة للعنصر التراثي، وفي الوقت الذي نجد فيه موت وانقراض واضمحلال العديد من الموروثات التراثية مع باقي الدول الخليجية والعربية نجد في المقابل وفي البحرين تحديداً هناك العديد من مظاهر وألوان التراث التي تمارس من قبل الحرفيين كحرفة الفخار والنسيج والصناعات الخوصية والأزياء النسائية والرجالية وغيرها من مظاهر التراث كالأغاني الشعبية وأغاني وألعاب الأطفال والأكلات الشعبية وقائمة طويلة من العادات والتقاليد والمعتقدات والمعارف الشعبية. وما كان لكل هذه الموروثات من البقاء والاستمرار لولا وجود الإنسان المتمسك بجذوره القديمة، إضافة إلى وجود عدد من المهتمين بالثقافة الشعبية، استطاعوا عبر مسيرة حافلة بالعطاء والتضحية والمعاناة وتحمل كافة صنوف المشقة والإجهاد. استطاع هؤلاء النفر من الناس غير العاديين في إضاءة الدرب وإنارة الطرق المتعرجة للأجيال القادمة. من هنا تأتي أهمية استمرارية تنظيم مهرجان التراث لأنه نافذة يطل من خلالها الجيل الحديث للتعرف على الكنوز الثقافية المخبأة في تراثنا الشعبي.
وتعد (الثقافةالشعبية ) دراسة توثيقية لمراحل تطور هذا الحدث الثقافي الهام وأثره الفاعل في وصل الجمهور بجوانب عديدة من تراثنا الشعبي، وستنشر هذه الدراسة في أحد أعدادنا القادمة بإذن الله.