فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

النسيج و التطريز الفلسطيني

العدد 3 - حرف وصناعات
النسيج و التطريز الفلسطيني
كاتبة من العراق

 

تعتبر الحياكة إحدى أقدم أنواع الفنون الشعبية فقد أظهرت الحفريات الأثرية في فلسطين بأن النسيج كان معروفا لديهم منذ القرن الرابع قبل الميلاد. فعند وصول الحضارة العربية إلى هذه المنطقة كان فن النسيج قد بلغ مستوى رفيعا .

  من أول الأعمال التي زاولها الفلسطينيون, الزراعه والرعي فعملوا على تربية الحيوانات وتمكنوا من غزل صوف الجمال والماعز .كما كانت الحياكة في الأساس أعمالا مارسها النساء وتعلمتها الفتيات  منذ الصغر واستخدم القطن والكتان والحرير والصوف والصباغات الطبيعية( صبغه النيل والأرجوان والقرمز) وقام الحرفيون الشعبيون بشد الخيوط بشكل أفقي وعامودي وثبتوها على حوامل خشبية لصناعة الأقمشة المختلفة والسجاد حيث يكثر الطلب عليها لاستخدامها في الحياة العامة .

عرفت في فلسطين مراكز لحياكة السجاد ابتداء من العصور الوسطى كصفد, المجدل, الكرم ونابلس, أبو ديس, الجليل, غزة و الناصره ففي هذه المدن حاك النساجون أجمل أنواع السجاد والألبسة والبرادع وأكياسا استخدمت لبذر الحبوب(خرج) واللوازم البيتيه وغيرها .

ففي البداية استخدم النساجون الصوف بدون ندافه اوتمشيط لكنهم زينوها بالزخارف التقليدية واشبعوا أنسجتهم بالألوان والزهور المختلفة.

تتكون زخارف السجاد الفلسطيني من عناصر نباتية تقليدية وأشكال هندسية.. أما التلوين في الأساس فيعتمد على الأحمر الغامق في أغلب المساحات, مزين بزهور صفراء ليعطي انطباعا مميزا لنتاج هذا الفن الشعبي.إلى جانب هذا تطورت أشكال الأقمشة على مدى العصور وتأسست مراكز لصناعتها ففي نهاية القرن التاسع عشر كانت هناك مدن معروفة بنتاجاتها النسيجية مثل الناصره, الجليل, المجدل, بيت جالا, نابلس, غزة, الخليل (حبرون قديما). ومن المعلومات التي أفاد بها الرحالة الأوربيون والعرب في القرن التاسع عشر أن صناعة النسيج وخياطة الملابس كانت إحدى المهن الرئيسة للسكان العرب الفلسطينيين. في هذه المرحلة نشأت مصانع وأنتجت أنواعا مختلفة من الأنسجة والملابس.فقد كان في  الناصرة وحدها 300 نول حياكة وفي المجدل 500 نول وهكذا مع نهاية  القرن التاسع وبداية القرن العشرين امتلكت كل عائله نولها الخاص بها للحياكة .

ومن  الأنسجه  المعروفه (الرهباني): وهو نسيج بسيط وخشن من ألياف القطن السميكة مصبوغة بالنيلة والجوز الصيني ألوانه الأزرق الغامق والأسود, أما (المبروم) فهو نسيج من نوع آخر من القطن متوسط السماكة يقصر(بضم الياء) ليصبح ناصع البياض في حين أن (لب المبروم) ذو الخيوط القطنية الرفيعة فيحتفظ  بلونه الطبيعي (بدون قصر) أو يصبغ بالأسود.كما نسج الفلسطينيون (الكرمسوت )  بخطوط حمراء تميل الى البني وهو حرير ممزوج بالقطن  و( الحيدري المبرسن ) بلونه الأزرق مقطوعا بخطوط من اللون الأحمر المتدرج. وبتطور الصناعة الشعبية للأقمشة تطورت مسمياتها واستخداماتها فهناك أسماء متعددة للأنسجة الفلسطينية (التوبيت) هو الأطلس الأسود من القطن, اما(الهرمز) فهو الحرير الأملس المخطط بألوان متعددة و(الروزه) بلونه البني الفاتح جدا..... من هذه الأقمشة المتعددة الألوان خاط الفلسطينيون ملابسهم الجميلة الزاهية وصنعوا حاجياتهم المنزلية.

ان اعتماد الفلسطينيين فن النقش وأعتباره أحد أهم الفنون التقليدية  هو ما يميز هذا الشعب عن غيره مقارنة بالمناطق الأخرى من العالم العربي اضافة الى انهم اعتبروه حاجة ضرورية على مر العصور وحتى اليوم, فهو إشارات واضحة إلى المناطق الجغرافية المختلفة, فالنقش عبارة عن نسب ورمز لهذا المكان  وذاك.

لذا تمتلك الملابس النسائية التقليدية قيمة فنية كبيرة, إذ أنها مزينة بنقوش وزخارف ملونة, وقد استقر هذا الشكل في أواسط القرن التاسع عشر وبقي حتى يومنا هذا فبالرغم من التطورات التي حصلت سواء على الأقمشة او النقوش وغيرها الا ان الثوب النسائي الفلسطيني ظل محتفظا بمميزاته.

بدأت الدراسات التاريخية للملابس التقليدية الفلسطينية عندما بدأ العمل على جمع المجموعات المتحفية منها والاهتمام بدراستها لإمكانيتها تحديد خصوصيات معينة تعكس ذوق ومزاج و أفكار هذه المجموعة الأثنية أو تلك لتشكل مع العناصر الفنية الأخرى نمط مرحلة تاريخية معينة, كما هو معروف للعديد من شعوب العالم 

يضم المتحف العالمي للفنون في نيومكسيكو اكبر مجموعة من الملابس الفلسطينية ضمن مجموعة (فاتنغ) عضو البعثة الأمريكية في أورشليم

وكذلك في متحف الإنسان في باريس والمتحف البريطاني والمتحف الوطني الفلسطيني في أورشليم حيث قامت الموظفة فوليتا باربيا بجمع الكم الأكبر من نماذج الملابس الوطنية.ولا يمكن ان يغفل دور الفنانة تمام الأكحل التي جمعت كما فريدا من ملابس القرن التاسع عشر وأواسط القرن العشرين في عام1970  في الأراضي العربية المحتلة. وتأسسس بهذه المجموعة الأخيرة  المتحف الفلسطيني للملابس الشعبية  تحت اشراف منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت وعرضت في أنحاء مختلفة من العالم .

وسواء كانت الملابس النسائية الفلسطينية لهذه المنطقة أو تلك تحمل مميزاتها المحلية الخاصة بها أم لا, الا أن هناك ملامح واسعة عامة ترتبط بالتقاليد الراسخة والموجودات الاقتصادية والثقافية.

تنقسم الملابس النسائية الفلسطينية الى ثلاثة أقسام: اللبس اليومي و يخاط عادة من قماش بسيط  و رخيص ذو نقوش بسيطة. الا أن لباس الأعياد فقماشه غال الثمن ذو نقوش دقيقه ملونة ,أما (الجليه او الجلايه وتسمى ايضاالجلوة) فهو فستان العرس ويخاط عادة من قماش فاتح اللون (بيج , ابيض و الأزرق) مطرز بألوان متعددة.

تختلف ملابس شمال وجنوب الجليل عن تلك المنتشرة في وسط وجنوب فلسطين. ففي مناطق الشمال, الفستان  طويل بأكمام قصيرة  مصنوع من قماش قطني ومزين من الخلف والأمام بنقوش ذات أشكال  هندسية . أما أطراف الثوب فنقوشه معينيه(شكل معيني) حمراء, خضراء وصفراء.في هذه المنطقة يعتبر اللون الأزرق الغامق أكثر الألوان انتشارا .

تستخدم النساء في المجدل وبيت لحم القماش ذو الخطوط العريضة والرفيعة الملونة على خلاف المناطق الفلسطينية الأخرى, ففي رام الله والبيره تلبس النساء الملابس الغامقة شتاء والبيضاء صيفا .

يعتبر فن النقش من الفنون الفلسطينية التطبيقية التي تطورت بشكل ملحوظ ومتفرد, فللمطرزين امكانات وتقنيات عالية وتنوع في فن النقش مصحوبا بحس عال  أشكال النقش متعددة:(المتصالب) (القطب أو الغرز) و(التثبيت) ويعنى بالأخيرة تثبيت خيوط حريرية أو ذهبية غليظة على القماش ومن السمات الخاصة للنقوش انها واسعة التنوع في تدرجها اللوني من البني والأحمر الغامق حتى الأحمر الفاتح أو الزهري والتزيين بالخيوط الذهبية والحريرية يزداد أو يقل  حسب نوعية القماش: القطن, الحرير, القطيفة والأطلس, وقد تستخدم الأشكال والتقنيات المختلفة في آن واحد في الفستان ذاته .

تختص الفنون الاسلامية بالزخارف الهندسية والنباتية والحيوانية وقد وجدت هذه طريقها في فن التطريز, أما تسميات النقوش فقد أطلقه المطرزون أنفسهم على هذا الشكل أو ذاك ارتباطا بالبيئة (السنبلة, النخلة,الصنوبر, المنجل, شجرة السرو, الحمامة, عرف الديك, الطاووس, الحلزون ....الخ) وواقع الحياة اليومية من حياة هذا  الشعب.أما الموضوعات المستخدمة في فن التطريز فهي ليست كثيرة ولكنها تتحكم بالشكل لتعطي انطباعا بتنوع أشكاله. ففي كثير من الأحيان تكون مواضيع التزيين متشابهة ولكن إشكالها مختلفة وهذا يحدد اختلاف فن التطريز من مكان إلى آخر. أبرز الموضوعات هي  تلك التي تخص الأرض:فلسطين.

لعبت المنسوجات العالمية كالسجاد التركي والأيراني دورا في اغناء فن التطريز حيث استمد منها الصّناع التآلف والدقة المتناهية ويتضح هذا جليا باهتمام المطرزين بفساتين الأعراس(الجليه او الجلاية) فلهذه الملابس مميزاتها الخاصة وتقاليدها المرتبطة بالحياة أليوميه في المناطق المختلفة.

من وجهة النظر الفنية يمتلك فستان العروس أهمية في مناطق جنوب فلسطين فالتطريز له خصوصية لونية وتنظيمية تستخدم فيه تقنيات تختلف عن بقية المناطق الفلسطينية فقد أثرت( الجلية او الجلاية) المستخدمة في بيت لحم و( بيت دجن) على فساتين أعراس المناطق الجنوبية.      

قبل فترة من العرس يقوم العريس بتحضير الهدايا ( الكسوة) للعروس, والكسوة الغالية الثمن تتألف عادة من ثلاث فساتين مطرزة بأسلوب بيت لحمي. قبل العرس تحتفظ العروس لنفسها بعدة فساتين احتفالية من ضمنها و أغلاها  بدلة العرس التي تكون عادة مطرزة بطريقة بيت دجن حيث يستخدم الحرير الناعم جدا الأزرق أو الأبيض لخياطة هذا الفستان وهو متسع من الأسفل وأكمامه واسعة عريضة غنية بالتطاريز النباتية والزخارف الهندسية المتعددة الألوان تصل الى درجة الخصوصية وذلك لتعدد تدرجات اللون الأحمر . تضع العروس قبعة صغيرة على رأسها (الوقاة) موشاة بخيوط حريرية حمراء ومزينة بقطع نقدية فضية أو ذهبية صغيرة أو كبيرة, وهناك أيضا (الشتوه) وهي عمامة طويلة يخاط فوقها قطع نقدية ذهبية أو فضية وعلى جانبيها تطاريز دقيقة ويضعون منديلا عريضا أبيض فوقها يسمى (تربيعه) مطرزا بأشكال نباتية وهندسية.

الجلية  نوعان: صغيرة و كبيرة  والفرق الرئيسي بينهما هو في المساحة المستخدمة من الفستان وأشكال النقوش .إن التحضير لبدلة العرس يأخذ وقتا طويلا, فالفتاة تكرس جل وقت فراغها لتطريزه ولكنها تلبسه مرة واحدة في حياتها, وينعكس العمل المستمر لتحضير فستان العرس واضحا في أغاني الأعراس. ومن الجدير بالذكر  ان النساء يلبسن  الفستان الفلسطيني ذو النقوش البسيطة في الايام العادية في حين المطرز والغالي الثمن يلبس في المناسبات .

تعتبر تطريزة بيت لحم الأكثر شهرة وانتشارا في فلسطين, ففي عشرينات القرن العشرين ظهرت أولى المطرزات المختصات اللواتي اشتهرن بتطريزات زخرفية.وتطورت هذه التفاصيل وثبتت فيما بعد في الفسساتين. الا ان هناك مسأله مهمة ألا وهي نقل النقوش من الملابس القديمة الى الملابس الحديثة وكان هذا سببا رئيسا في ثبات العديد من النقوش, وبما اننا بصدد بصدد تطريزات بيت لحم الذائعة الصيت فان سكان بيت لحم يستخدمون فستان (ملك) ثوب اسود واحمر مطرز بخيوط من القنب مع سترة قصيرة (تقصيرة) ويخاط كلاهما من قماش القطيفة الأسود او الأزرق الغامق.في 1920 أصبحت هاتين القطعتين من القطع الأساسية في كسوة العروس و تلبس بعد طقوس الزواج مباشرة.

يلاحظ في السنوات الأخيرة ظهور سمات جديدة في فن التطريز مرتبطة بالتقاليد المتوارثة عبر العصور  وهذه السمات ظهرت في الطيف اللوني للملابس

لتتوافق ومتطلبات الطرز الحديثة فقد تعددت الوان النقوش واضيف اليها الأخضر, الأصفر, الأزرق، والاسود .

يختلف اللبس الرجالي عن النسائي في فلسطين بمعايير بسيطة فقطع الملابس الأساسية لدى الرجال هي سروال ابيض يزم على  الخصر ب(دكة).

وقميص قطني ابيض ومن فوقهما (القمباز) وهو رداء ضيق من الأعلى يتسع عند الأسفل مشقوق من الأمام والجانبين ويرد احد شقيه على الأخر والى جانبه الدامر (جبة قصيرة)كما تلبس ( العباءة والبشت) وغيرها.اما لباس الراس فهو (العمامة) او الحطة (الكوفية) و( العقال) في القرى او (الطربوش) في المدينة .

ان السمة العامةالتي تجمع بين الأشكال المختلفة للازياء الفلسطينية هي توافق الخصائص الأساسية التي تميز تطورها. فالنقوش والمطرزات تعكس عمق وطابع  الادراك الفني المقترن  بالوعي العربي الفلسطيني  .

 

المصادر

ترجمة عن كتاب الفن المعاصر للشعب العربي الفلسطيني للأستاذين

 بوغدانوف و بوجكاريف - دار الفنون للنشر-موسكو-      1982

أعداد المجلة