فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

محمد بن فارس المبدع في فن الـ(صوت) الشعبي

العدد 13 - موسيقى وأداء حركي
محمد بن فارس المبدع في فن الـ(صوت) الشعبي
كاتب من البحرين

فن الـ(صوت) بين الفنون الغنائية الشعبية في الخليج :
شكلت الفنون الغنائية الشعبية بمنطقة الخليج العربي وحدة فنية متكاملة، استطاعت من خـــــلال أدواتــــها الفنية أن تتيح للفرد القدرة على التعبير عن ذاته وآماله وتطلعاته، وأن تترجم إبداعاته، وأن تفسح في المجال أمام تحقيق غاياته الفنية في جميع المناسبات الاجتماعية والدينية والموسمية والطقسية والشعائرية وحتى ما يتصل منها بالخرافة.

 

فمن أغاني العمل على ظهر السفينة في عرض البحر، إلى مسامرات البحارة في فن (لفجري) فـــي لياليهم المقمرة على اليابسة، إلى فن الـ (عرضة) الذي كان يعبر عن الرموز الاحتفالية لدى فــرسان القبيلة من الرجال، وما يقابله من فنون الـ (مراداة) لدى النسوة من خلال الأهازيج الموقعة بـإيقاع الأكف والأرجل، إلى فرق الفنون النسائية المسماة الـ (عَـديـد) وواحدتها (عـده) التي استطاعت أن توظف فنونها فــــي مناسبات عديدة من أفراح الزواج إلى احتفالات ختان الصبيان، إلى فنون الـ (لعبونيات) مرورا بفنون (السامري) و(الخماري) إلى طقوس احتفالات الزار. في مقابل ذلك نجد أن هناك فنونا وافدة استطاعت أن تعبر عن روح الجماعة في الأعياد والمناسبات تؤدى في الميادين العامة، لما تميزت به من إيقاعات راقصة وأهازيج غنائية شجية، مثل فنون الـ (ليوة) والـ (جربة) مع الخصوصية التي يتميز بها فن الـ (طنبورة) ضمن الفنون الوافدة التي استطاعت أن تعبر عن أحزان وأشجان المؤدين وحنينهم إلى أوطانهم الأصلية.

كل تلك الكتلة من الفنون الشعبية التي حاولنا اختزالها، يقابلها فن من الفنون الشعبية نعتبره الأكثر تميزا وانصهارا مع الثقافة العربية الصرفة، وما ميز ذلك الفن كونه يؤدى من قبل عدد من مثقفي ذلك الزمان في أوساط علية القوم من الرجال، فالمؤدون المجيدون يمثلون صفوة المجتمع من الناحيتين الفنية والاجتماعية، إلى جانب عدد من أجناس الجاليات أو ممن ينتمون إلى القلة الباقية من بقايا عهود الــــرقـــــــيق، ذلك لاعتبارات خاصة، أقلها أن المؤدي لفن الـ (صوت) هو من القلة من الفنانين المتمرسين الذين يتمتعون بمهارات فائقة في العزف على آلة العود، يتلقاها ويتذوقها صفوة الصفوة من رجالات المجتمع وتطرب لها غالبية جموع المتلقين من فئات الشعب وتتفاعل معها نظرا للتقسيم التفاعلي في الأداء بين المطرب والضاربين على الآلات الإيقاعية ومجموعة أداء التصفيق بالأكف وما يصاحبه من حركات راقصة. ومن المهم أن نأتي هنا بلمح مقتضبة عن أشهر رواد الشعر والموسيقى والغناء ممن مهدوا لظهور وازدهار فن الصوت ذلك الوقت.

أشهر رواد الشعر والموسيقى والغناء في الخليج العربي :

تتميز الموسيقى الشعبية كمادة إبداعية متحركة قابلة للنماء والبناء والحذف والإضافة كونها مادة تعتمد في وجودها على سمة أو خاصية إمكانية مناقلتها مشافهة من لحظة إبداعها مرورا بمتلقيها عبر الذاكرة الزمنية الإبداعية للشعوب، عابرة ومتخطية حدود الزمن عبر رحلة سفرها لتصبح هي الثقافة والموروث الذي تتناقله الأجيال عبر قرون من الزمان، ولهذا السبب فإننا نقع في التأويل وفي البحث عبر ميتافيزيقيا الزمن عندما نحاول أن نرصد الجذور التاريخية لفن الـ (لفجري) مثلاً، ولكن لحسن الحظ فإننا نكون على يقين وثقة عندما نتحدث عن بعض رموز وشخصيات هذه الفنون الشعبية الخليجية مثال ذلك كل من: النجدي محمد بن لعبون، الكويتي عبدالله الفرج والبحريني محمد بن فارس. فهؤلاء الثلاثة امتزج الشعر عندهم بالغناء وابتداع فنون لحنية أو استباط ألحان مبتكرة من فنون سائدة. فبن لعبون والفرج شاعران من أشهر شعراء النبط في الجزيرة العربية وفي الوقت نفسه مغنين مجيدين ومبدعي فنون غنائية بمعنى ذلك الزمان، أما بن فارس فقد كان مغن ٍ بحساسية بالغة في الأداء إلى جانب صلة حميمة بالشعر ذات ذائقة عالية ومتفردة في اختيار النصوص الغنائية.

 

محمد بن لعبون

فمحمد بن حمد بن لعبون الوائلي العنزي أمير شعراء النبط شاعر من قبيلة عنزة يعد من أشهر أعلام الشعر النبطي في الجزيرة العربية، ولد في بلدة حرمه بنجد عام 1205هـ وتوفي عام 1247هـ الموافق (1789-1829) م تقريبا، ونشأ في بيت علم وأدب، والده الشيخ حمد بن محمد بن لعبون كان مشهوراً بمعرفته الأنساب والتاريخ. ويدل شعر محمد بن لعبون على إطلاعه الأدبي وثقافته وتأثره بقصائد الأولين. وقد عرف محمد بن لعبون بشعر المجون، وأشار خالد الفرج إلى أن الشاعر «كان ميالاً إلى اللهو والبطالة»،  وكانت هذه نظرة الناس إليه في ذلك الوقت. لكن للشاعر قصائد تدل على تعلقه واهتمامه بالدين والتي تقابل نظرة الناس إليه. وربما نظرة الناس له كانت بسبب اشتهاره ببعض قصائد الغزل المكشوف1.

وتكمن عبقرية بن لعبون في قدرته الفذة على كتابة الشعر الغنائي وتلحينه وتوقيعه على آلة الطار بألحان جديدة غير مسبوقة، استنبطها من فنون السامري والخماري العريقة بالمنطقة، هذا إلى جانب ولعه بالغناء من خلال الفرق الغنائية الشعبية في البحرين والكويت، ومع مرور الوقت شاعت هذه الألحان واستطابها السمار وتم تداولها في الأفراح و السمرات وأطلق عليها الـ(لعبونيات) ، وأصبحت فناً قائماً بذاته ينسب لمبدعه الأصلي حتى يومنا هذا دونما تغيير أو إضافة أو تبديل، إلا أن هذه الفنون تؤدى فقط من قبل المتخصصين في الفنون الشعبية وهي غير مطروقة أو سهلة الأداء مثل إيقاعات الـ(بسته) أو الـ(دزة)، بل هي تندرج ضمن فئة الفنون والإيقاعات المركبة. 

 

عبدالله الفرج

الشاعر الأديب الموسيقي عبدالله بن محمد الفرج الدوسري (1836-1901) اسم علم في تاريخ الشعر الشعبي في الجزيرة العربية والخليج، هذا الشاعر الذي نقش اسمه في عالم الأدب الشعبي في الخليج وفي الكويت بالأخص، هو أحد رواد منطقة الخليج في الفنون الغنائية.

ولد بالكويت ورحل مع أبيه إلى الهند، وكان أبوه من تجار الكويت وكذلك جده، فالأسرة ذات ثراء إلا أن الشاعر لم تكن لديه تلك الميول للتجارة كما هو الشأن في أبيه وجده، نشأ شاعرنا عبدالله في الهند في بيئة طابعها الترفيه والرخاء ورغد العيش، وكونه وحيد أبيه فقد أغدق عليه كل ما يريده ويتمناه فتعلم في الهند اللغة الإنجليزية والأوردية مع إتقان اللغة العربية حيث درسه هناك أساتذة مختصون، فعاصر وعايش الثقافة الهندية فأصبح بذلك واسع المدارك بالثقافة العربية والهندية وتأثر نتيجة ذلك بموسيقي الهند. يقول الأستاذ خالد الفرج في تقديمه لـ (ديوان الفرج) «نشأ الشاعر في الهند فتأثر بموسيقاها إلى حد كبير لأنه تعلمها على أساتذة الموسيقى هناك ورأيت في مخلفاته كتباً للألحان مكتوبة بالنوتة وعليها تعليقات بخطه مما يدل على تضلعه في هذا الفن، ومن مواهب عبدالله الفرج رحمه الله الرسم والتصوير وكان رحمه الله خطاطاً في غاية الجودة بالقلم الفارسي والخط العربي». 

تمتاز قصائد الفرج بالتعابير البـلاغية والبديع لتأثره بالأدب العربي وله قصيدة طويلة مطلعها : ( أنشيت من روض الفكر يوم أن حضر ) حاول فيها أن يصنع للشعر النبطي قواعد وضـوابط وأوزان كالشعـر الفصيح، ولكن تلك القصيدة لم يحفظ منها سوى عدة أبيات صاغهـا شاعرهـا كألغـاز وقد ذكرت في ديوانه الشعري الذي جمعه وقدم له الأستاذ خالد الفرج وأصدره في الهند عام 1919 ثم أعيدت طباعته في دمشق بعد ذلك. 
إلى جانب شاعريتة كان الفرج مطربا متميزا، بل هو أول من قدم الصوت الكويتي. وهو ملحن له عشرات الألحان الخالدة التي لا يزال الكثير من المطربين يقدمونها، وهو شاعر غنائي، بالإضافة إلى كونه فنانا له بصمة واضحة ومؤثرة في رحلة الأغنية الكويتية، لأنه يعد أب الأصوات الشعبية وهو المؤسس الحقيقي لفن الصوت في الكويت ـ سار على نهجه عشرات المطربين، سواء من خلال الألحان التي قدمها، أو الألحان المطورة، التي قدمها من جاء بعده.

ومن أشعار وألحان عبدالله الفرج المشهورة صوت «والله ما دريت» التي غناها بعده عدد من المطربين أبرزهم يوسف البكر، وتقول كلماتها:


والله والله والله ما دريت

ان الهوى هكذا يعمل معي

تتلمذ على يد عبدالله الفرج في الكويت عدد من الأسماء البارزة، بينهم إبراهيم بن يعقوب ويوسف البكر وخالد البكر، وقد سجل يوسف البكر عددا من الأصوات كما غناها عبدالله الفرج، وقد حظيت أشعار عبدالله الفرج كما هي ألحانه باهتمام كبار المطربين، خاصة في الكويت والخليج، الذين أعادوا غناءها، ومن أبرز الذين قدموا قصائد عبدالله الفرج المطرب الكبير محمود الكويتي، حيث غنى (الحمد لك)، و(الله ما دريت) (إن هندا)، (يا من يعاوني) كما غنى من أشعاره المطرب عبداللطيف الكويتي، ومن ذلك أغنية (من ناظري هل مسكوب)، والمطرب فرحان بوشايع، وغنى المطرب عبداللطيف الكويتي أيضا أغنية (الحمد لك يا عظيم الشان)، كما غنى من كلماته المطرب عبدالله فضالة وآخرون2.

 

محمد بن فارس وبدايات فن الـ(صوت):

وإذا ما أتينا إلى فن (الصوت) البحريني ومرحلة بداياته الأولى في مطلع القرن العشرين، وبالتحديد في عشرينيات القرن، فهذه الفترة شكلت انطلاقات فنية كبيرة لأعلام الغناء والطرب على مستوى الوطن العربي عامة، حيث استطاع الفنان البحريني الكبير محمد بن فارس بن محمد بن خليفه بن سلمان آل خليفه، من مواليد مدينة المحرق بمملكة البحرين( 1312 1367-هجري) الموافق( 1947-1895ميلادي)3 وبشكل خاص من أن يتمثل ويختزل عناصر الثقافة العربية ومكوناتها الأساسية لاستلهام وتطوير فن (الصوت) الشعبي الذي وصل إلى مسامعه من خلال الأصول القديمة من النصوص والألحان المتداولة في منطقة الخليج العربي ومن خلال ما جمعه له معلمه  الأول شقيقه الأكبر عبداللطيف بن فارس الذي وفر له البيئة الفنية والأرض الخصبة التي مثلت الحاضنة الأولى التي أفرزت فنانا بقامة محمد بن فارس، حيث أن هذه التهيئة الفنية هي إحدى الركائز الأساسية التي مهدت الطريق له للريادة في فنه، وكذلك من خلال مسامرات اطلع فيها بن فارس على نصوص وألحان متناقلة على مستوى الخليج العربي من اليمن مرورا بالكويت إلى البحرين حيث ساهمت رحلات عبد الرحيم صالح العسيري (1855 - 1940م)4 التي تروي الروايات نسب إلى منطقة الحجاز، وأخرى تذكر أن نسبه يرجع إلى مكة المكرمة ، وهناك من يزعم بأنه يمني الأصل ، وهو شخصية فنية احترف الترحال والتنقل بفنه فكان له دور في حفظ وإثراء المصادر الفنية التي تلقفها بن فارس من خلال اللقاءات الفنية التي عقدها معه في زيارته للبحرين ثم سفر بن فارس خصيصا إليه في الهند لطلب الإستزادة من فنه والتعرف على النصوص الجديدة التي لم تكن بحوزته ويقال  بأن هذا الفنان وصل إلى البحرين في العقد الثاني من القرن العشرين الميلادي قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى بعام واحد، أي في سنة 1913م، أما عن مدة إقامته في البحرين فهي لاتعدو شهوراً قليلة ربما ثلاثة أو أربعة أشهر كما قدرها المطرب سعيد النوبي5)، هذا إلى جانب التأثير الفني الذي استطاع العسيري أن يطبعه لدى عدد من الشخصيات الفنية الخليجية التي برزت في مجال الشعر والفن الموسيقي وكانت رحلاته تلك هي إحدى الشرارات التي أججت محركات الإبداع الكامن في هذا الفن من خلال محورين متوازيين الأول في البحرين والثاني في الكويت والذي كان قد بدأ على يد رائد هذا الفن في الكويت الفنان الشاعر عبدالله الفرج (1252 - 1319 هـ) الموافق (1836 - 1901م)6 حتى مرحلة وصوله لموثقه على الأشرطة الصوتية الفنان الكويتي يوسف البكر المتوفى عام (1955)، حيث استطاع الأستاذ (احمد البشر الرومي) تسجيل تلك الأصوات للمرة الأولى على جهاز تسجيل (حديث) في حينها في عام (1952م) بعد العديد من محاولات الإقناع التي قابلها الفنان يوسف البكر في بادىء الأمر بقدر من التردد ، وكان حينها يبلغ من العمر ثمانين عاما حينما أنجز ذلك التسجيل في العام (1953)7 أي قبل وفاته بسنتين فقط، ويرجع لهذا التسجيل الفضل في توثيق وحفظ  ألحان الأصوات الكويتية من الضياع، وهي في جوهرها الأصلي كما أبدعها الفنان عبدالله الفرج.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن هناك اختلافا كبيرا بين الصوت البحريني والصوت الكويتي من حيث أسلوب الاداء الفردي أو من حيث الصياغة اللحنية كذلك الاختلاف في النبرات الصوتية والحليات اللحنية وطريقة الاستهلالات والنصوص الغنائية والجو الفني العام، ولكنهما يتفقان في الجانب الإيقاعي.

استطاع بن فارس أن ينطلق بفن الصوت من قاعدة اللغة العربية الصرفة لما تميز به من اختيارات لنصوص تعتبر من عيون الشعر العربي الفصيح الذي مثل قمة الإبداع في التعبير عن حالات الحب والشغف لدى الفارس العربي النبيل في أوج مد الحضارة العربية الإسلامية، تلك النصوص الغنائية تعتبر من أرق ما حفظ وردد من قصائد غزلية استطاع هذا المبدع أن يكتشفها وأن يقدمها في فن الصوت لتمثل صفات الفارس العربي النبيل وشموخه في حالات عشقه وحبه وهيامه ، إلى جانب عدد من نصوص الشعر الحميني والشعبي .

يقابل هذه النصوص ما توفر لبن فارس من عناصر فنية وبيئية محلية وعربية أتاحت له الإستفادة القصوى من كافة المعطيات، والقدرة على صهر تلك العناصر الفنية في بوتقة جديدة استطاع من خلالها أن يبدع في فن الصوت، فمن إسهامات أخيه الأكبر عبداللطيف بن فارس في تعليمه وتدريبه على العزف على آلة العود، وصقل ثقافته الفنية والموسيقية ، ومن خلال الجو العام المحيط به المتمثل في الإعلاء من شأن الثقافة العربية وتذوق قصائد الشعر العربي الفصيح،وتذوق واستلهام الفنون الشعبية السائدة في عصره وهي في أوج عنفوانها وأصالتها الفنية الصرفة، استطاع محمد بن فارس أن يضع وأن يبدع معايير فنية للصوت البحريني الأصيل، الذي توارثته الأجيال من بعده. واستطاع أن يضع لهذا الفن كل الأسس والقوانين والاشتراطات والتقاليد والأعراف المطلوبة التي سار عليها من بعده تلامذته ومريدوه، معتمدا في ذلك على قريحته وموهبته الموسيقية وفطرته الفنية والحسية التي مكنته من النفاذ إلى مستويات متقدمة من الإبداع، وهكذا فإن قدراته تجلت في إبداعاته لتلك الألحان الموسيقية المحكمة القوالب، إذ يقابل محمد بن فارس أصالة النص العربي الفصيح بعناصر فنية موسيقية هي من صلب الثقافة العربية تتمثل في اختياره للمقامات الموسيقية العربية الأصيلة مثل مقامات (الراست) و(البياتي) و(الحجاز) و(الهزام) ويقابلها من جانب آخر الأصالة في تطويع واستخدام إيقاعات وضروب إيقاعية اختلفت كثيرا عن باقي أنماط فنون الموسيقى الشعبية الأخرى السائدة في عصره، مما جعل فن الـ (صوت) متميزا في ألحانه وإيقاعاته إلى جانب كونه فناً عربياً محلياً صرفا لا تشوبه شائبة، كما أنه يمثل قمة التقاليد الرجولية في المجتمع الذكوري الذي كان يمارس فن الصوت الشعبي، حيث نستمع من خلاله إلى لوعة العاشق وهيامه وهو يشكو تباريح الحب والغرام بصوت جهوري هادر فيه نبل وسمو الفارس العربي بنبرة رجولية قوية، حيث استطاع محمد بن فارس بصوته القوي الصادح أن يعبرعن ألحانه وأفكارة الموسيقية أعمق تعبير. “يعبر فن الصوت عن نمط من الألحان تميزت بها الحضارة العربية تلك التي مارسها الفارابي والموصلي والكندي ومعبد وزلزل وزرياب وغيرهم من صانعي الحضارة الموسيقية الأولى التي كنا نظن أنها قد اندثرت ، ولكن من خلال دراسة هذه الألحان الأصيلة القيمة والمقارنة بينها وبين ما ورد في كتب الأقدمين من شروح ومواصفات نجد أنها متطابقة في كثير من نواحيها تطابقاً تاماً، إنها تستمد جذورها وقواعدها ومناهجها التلحينية وقوالبها الغنائية من فنون العصور الأولى للحضارة العربية ومعطياتها”8 من جانب آخر نرى أن للرقصة المؤداة في فن الصوت المسماة (الزفن) تقاليد وأعراف اتسمت بأداء رجولي صرف لا يقابله سوى الحركات الرجولية الراقصة التي تؤدى في فن (لفجري) «مع الاختلاف في تقاليد الرقصة في فن الصوت حيث يؤديها اثنان من الراقصين في حركات متلازمة مع أداء قفزة عالية في الهواء والنزول بكل رشاقة وإتزان، وتعتبر الرقصة في فن الصوت ذات أداء استعراضي، وهي تختلف عن الرقصة في فن (لفجري) من حيث الحركات والخطوات، «فالرقص في فن لفجري يعتمد على الحركات الإيمائية وحركة الجسد تكون أكثر ركوزا وثباتاً»9، لذلك نجد في فن الصوت أن اللحن والإيقاع والتصفيق و(الزفن) والـ (توشيحة) والـ (تسليمة) التي تؤدى من قبل عازف العود/المغني بمصاحبة عازف على آلة الكمان وأحيانا آلة القانون - مع دخول الفرق الموسيقية في المجال الفني فيما بعد- مع الضرب على الآلات الإيقاعية الـ (مراويس) ومفردها (مرواس) ومشاركة المجموعة بالتصفيق، ومن (تنزيلة) استهلال الصوت حتى تداخل أصوات الأكف بالتصفيق فيما يسمى(شربكة) أي تداخل إيقاعي متناسق و(مركب) حتى خاتمة الصوت الغنائي، كل هذا اتسم بطابع وجو المجتمع الرجالي في الخليج، وتجدر الإشارة هنا إلى التصاعد التدريجي الذي يحدثه فن الصوت في المزاج الطربي ومن خلال الأداء الموسيقي والحركي لجموع المؤدين من البداية وحتى الوصول إلى الخاتمة الموسيقية.

وتجدر الملاحظة هنا إلى أن «فن الصوت وحتى النصف الأول من القرن العشرين قد ارتبط بتقاليد أمسيات السمر الخاصة التي يحضرها عدد محدد من رواد الجلسات الطربية برفقة النساء وفي ذلك الإطار كان يسمح للمرأة بأداء الرقصات الخاصة بفن الصوت متشحة بعباءة أو خمار»10، والملاحظة الثانية هي أننا لا نسمع من خلال الأسطوانات التي سجلها بن فارس أصوات التصفيق أو الصخب أو الزخم المصاحب لأداء هذا الفن، وذلك بسبب ظروف تسجيل تلك الأسطوانات في العراق واشتراطات المتعهد أو المنتج التي سمحت فقط بسفر المطرب مع عوده بمرافقة واحد أو اثنين من الضاربين على المراويس لخفض كلفة السفر والإقامة، وكانت الشركة المنتجة بمقرها في العراق توفر عازف الكمان المصاحب، فكان الفنان المبدع صالح الكويتي يطرز اسطوانات بن فارس بعزفه المتألق على آلة الكمان. فما سجل من أصوات على اسطوانات في تلك الفترة هي أصوات منتزعة من سياقها ومن جوها الطبيعي الذي كانت تؤدى فيه.

 

تفرد فن الـ(صوت) بين الفنون الغنائية الشعبية

في الحقيقة إن فن الـ(صوت) الشعبي يختلف عن نمط الأغنية المتعارف عليها في يومنا هذا، ويختلف عن الكثير من قوالب الأداء الموسيقي والإيقاعي التي كانت سائدة في عصر رواجه مثل السامري والخماري والعاشوري واللعبوني، فقد تفرد فن الصوت بكونه لا يعزف على الطار والطبل، ولا يؤدى من قبل فرق الفنون الشعبية النسائية إلا في حالات نادرة. لذلك تربع فن الصوت على استهلالات فن السمر المسماة (سمرة) وهي احتفالية موسيقية خاصة أو سهرة فنية موسيقية خالصة تستهل بتقديم وصلة من الأصوات الشعبية بشكل رئيسي ثم تقدم بعد ذلك وصلات من الغناء في قوالب غنائية راقصة يكون قالب الأغنية الخفيفة الـ (بسته) هو السائد بجانب بعض الأنماط الغنائية الأخرى. ويتراوح عدد المطربين العازفين على آلة العود عادة في هذه السمرة من اثنين إلى أربعة يتناوبون العزف والأداء أما باقي المجموعة فهي تؤدي العزف الإيقاعي أو التصفيق والأداء الراقص أو الاستماع أو غناء الفنون الأخرى على الطبل والطار بعد ذلك. ومع نهايات القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين نجد أن الكثير من الفرق الغنائية الشعبية قد اندثر أو كاد وتراجعت وظائفها إلا في بعض المناسبات الاجتماعية أو لمن يطلبها، وتقلصت الاستخدامات الحية لتلك الإيقاعات واقتصر دور توظيفها على التسجيلات الموسيقية في الإستوديوهات في الأغاني الحديثة ذات النمط السريع ، ولم يعد لفن الصوت تلك السطوة أو الحظوة التي كانت وانحصر أداؤه وتلقيه في قلة قليلة من مريديه ومحبيه. وتحول نمط الإبداع الموسيقي من نص القصيدة أو (قالب القصيدة) الذي يمثل أسلوب الغناء العربي عموما إلى قالب الأغنية القصيرة السريع ذي الإيقاعات الراقصة والمواضيع العاطفية الدارجة.

 

الدور الريادي لمحمد بن فارس:

في تقديرنا تكمن عظمة محمد بن فارس كفنان في أنه استطاع أن يحمل مشعل التطوير والتجديد في فن الصوت، وأن يحفر اسمه عميقا كواحد من أهم مبدعي هذا الفن حيث استطاع أن يصنع لنفسه طريقة جديدة في الأداء اختلفت عمن سبقه في الصياغة اللحنية وأسلوب الأداء مع المحافظة على الأصول المتوارثة وهذا ما طبع الصوت البحريني بطابع ونكهة جديدة سار عليها من جاء بعده، وهنا تجدر الإشارة إلى أن أغلب الفنون الشعبية المحلية أو الوافدة من (لفجري) إلى أغاني الفرق النسائية إلى أغاني (الجربة) و(الليوة) وغيرها هي نتاج متوارث ومتناقل مشافهة وسماعا دون معرفة المبدع الأصلي وثبت من خلال الدرس بأنه إبداع جماعي أفرزته ثقافة المجتمع ويمثل إبداعا فنيا لمجموع شخوص المجتمع، إلا أن فن الـ (صوت) الشعبي هو مثل فنون الـ (لعبونيات) التي تنسب إلى مبدعها الشاعر وعازف الطار الشهير محمد بن لعبون، ففن الـ (صوت) الشعبي في البحرين ينسب إلى محمد بن فارس مبدعه ورائده الذي استطاع خلال تاريخ حياته الفنية أن يتجشم رفع رايته وتطويره والحفاظ عليه، وقد ساعدته ظروف ومعطيات عصره ومهدت له الطريق للحصول على فرصة ذهبية لتوثيق فنه بصوته في فترة بواكير بدء التسجيلات الصوتية في العالم العربي، حيث تمكن من تسجيل تلك الألحان على الأسطوانات الصوتية القديمة من خلال رحلات خارجية متكررة قام بها مع بدايات العام (1933) أنقذت تلك الألحان من الضياع وتم توثيقها بصوت مبدعها الأصلي وهذه إضافة فنية هامة لم يتمكن كل من الفنان الكبير الشاعر محمد بن لعبون أو الفنان الكبير عبدالله الفرج أو من سبقهما من الاستفادة منها حيث لم يدركا تلك التقنية في بواكيرها فلم تصل إبداعاتهم موثقة بأصواتهم بل بأصوات المؤدين والمؤديات في فرق الفنون الشعبية ، وقد حظيت (اللعبونيات) بالمكانة الرفيعة وعرف مبدعها على أنه من أشهر من غنى ووقع ألحانه وإيقاعاته على الطار، وقد كان بن لعبون منغمسا ومتعاطيا للفنون الشعبية حتى الثمالة إلى الدرجة التي أصبح فيها مضرب الأمثال بين الناس في مجتمعه، بل استطاع أن يؤثر تأثيرا فنيا بليغا حتى على الأجيال الفنية التي جاءت من بعده ، في حين حظيت الأصوات الكويتية لمبدعها عبدالله الفرج على نفس المكانة الرفيعة وتعتبر من الأصول التي بنيت عليها الأغنية الخليجية الحديثة. 

مميزات الصوت والأداء :

لقد أنجزت وزارة الإعلام بمملكة البحرين في العام 2008 عملا طيبا تشكر عليه من خلال توثيق أعمال محمد بن فارس ضمن مجموعة شاملة من الأعمال احتوت على اسطوانات مدمجة لعدد من أعلام الطرب البحريني، وقد اشتملت الأسطوانة المدمجة الخاصة بالفنان محمد بن فارس على عشرة أصوات تعتبر نموذجا واضحا لأهم إبداعاته في فن الصوت هي:

- على دمع عيني.         - ياواحد الحسن.

- مال غصن الذهب.      -إغنم زمانك.

-قريب الفرج.              -لمع البرق اليماني.

-إن العواذل.               -دمعي جرى.

-الله اليوم.                  -يقول بومعجب.

استطاع بن فارس في هذه المجموعة أن يأخذ بفن الصوت إلى مستويات متقدمة من الأداء الموسيقي المتقن، من حيث العزف والغناء وإحكام صياغة القوالب الموسيقية الجديدة التي اختلفت وتنوعت من حيث تفاصيل البنية اللحنية للقالب الموسيقي وتوظيف المقام والإيقاع. والإيقاع هنا يصنف بشكل عام إلى نوعين أساسيين هما (الصوت العربي) و(الصوت الشامي) مع بعض المصطلحات الاستدلالية التي تعنى بالتفاصيل من حيث نوعية النص الشعري ومصادره مثل (صنعاني، شحري، شامي، بحريني). كل ذلك في وحدة موضوعية مترابطة، بالإضافة إلى القدرة على خلق نسق متسق يجمع التراكيب اللحنية الثرية والمتدفقة مع انتقالات لحنية ومقاميه أضفت الكثير من الجماليات على فن الصوت دون الإخلال بالسياق العام من خلال تطويع النص الفصيح - أو النصوص الأخرى من الشعر الحميني والشعبي - لنكهة الأداء الشعبي والمزاج العام، دونما انتقاص، مع الحفاظ على الأوزان الشعرية الأصلية والقدرة على مواكبة معاني الكلمات بألحان مؤثرة وذات دلالة مباشرة لمعانيها، حيث نجد الثراء والبساطة والمقدرة الفذة في توصيل مضامين المعاني اللغوية بجمل موسيقية اتسمت بقدر كبير من الخلق والابتكار والعفوية، واستطاع من خلالها أن يحاكي وجدان ومشاعر المتلقي من جميع طبقات المجتمع منذ وهلة الاستماع الأولى وأن يصل به إلى أقصى مراحل النشوة والطرب.

 

تشمل هذه الأصوات مجموعة القوالب الغنائية التي يطلق عليها الاصطلاحات التالية :

- الصوت العربي أو (السداسي)

- الصوت الشامي أو (الرباعي)11

«يعد فن الـ(صوت) من أهم وأحب القوالب الغنائية إلى شعوب المنطقة وأكثرها انتشارا، كما أن الفنان الذي يغني ألحان هذا القالب أو يعزف موسيقاه يحظى بتقدير خاص، يطلق اصطلاح (الصوت) في الفن الغنائي الخليجي على قالبين غنائيين مختلفي الإيقاع، القالب الأول يتكون إيقاعه من 12 وحدة زمنية صغيرة. وقيمة الوحدة الصغيرة التي نعنيها هنا هي وحدة الزمن الموسيقــــي الإيقاعيــة المسمــــاة الكــروش() ويدون هذا الإيقاع بميزان 6/4 ويطلق عليه اصطلاح (الصوت العربي) أو (السداسي) ويدون على النحو التالي.12

المثال رقم (1)

 

القالب الثاني من قوالب الصوت يتكون إيقاعه من ثماني وحدات زمنية صغيرة (كروش) ويدون بميزان 4/4 ويطلق عليه الصوت الشامي أو (الرباعي). ويدون على هذا النحو.13

المثال رقم (2)

 

«لقد ورد اسم (الصوت) كثيرا في كتب الأقدمين الموسيقية ، وكان يستخدم للدلالة على الشعر الملحن أياً كان إيقاعه أو قالبه الغنائي. ولكننا نطلق هذا الاصطلاح الـ(صوت) في الفن الغنائي على قالبين إيقاعيين غنائيين ويقصد بهما قالبي فن الـ(صوت) الشعبي، وعند المقارنة نجد تطابقا تاما لمعظم الإيقاعات العربية القديمة والإيقاعات المستعملة في فن الصوت حتى اليوم، والتي لا شبيه لها مع إيقاعات أخرى في وقتنا الحالي في الموسيقى العربية المعاصرة، فمثلا نجد إيقاع الصوت العربي (السداسي) يتطابق تطابقاً تاماً ومذهلاً مع إيقاع الهزج كما شرحه (صفي الدين عبد المؤمن البغدادي الأرموي) المتوفى عام 693 هجري – 1294 ميلادي في كتابه (الأدوار في معرفة النغم والأدوار) الذي لا يزال مخطوطاً. وذلك في الفصل الثالث عشر من هذا الكتاب الخاص بالإيقاعات».14

- مقام الراست من مقامات الموسيقى العربية مبني على نغمة الراست (دو - C  )

المثال رقم (3)

 

تحرك بن فارس في حدود نطاق الطبقة الصوتية التي تمتعت بها حنجرته وهي الطبقة الصادحة من النغمات لدى الرجال أي الانطلاق من النغمات المتوسطة إلى النغمات العليا، وفي هذا الشأن برع بن فارس وتحرك في حدود طبقته الموسيقية بحرية تامة حسب مقتضيات اللحن، فنجده تارة يبدأ من النغمات العالية نزولا أو التدرج في الصعود النغمي حتى منطقة الذروة اللحنية، واستطاع أن يوظف حنجرته بشكل أساسي لخدمة المسار اللحني، حيث أن اللحن مرتبط عضويا بالمعاني العميقة للنصوص الشعرية وهنا تكمن عبقرية بن فارس من حيث فهمه الحسي العميق للنص والقدرة الموسيقية على ترجمته من خلال النغم والإيقاع.

- مقام الجهاركاه من مقامات الموسيقى العربية وهو تصوير لمقام الراست على نغمة (فا - F).

المثال رقم (4)

 

إن الطبقة الصوتية لدى بن فارس هي طبقة التينور (TENOR) وهي الطبقة المسماة (الصادح) من الأصوات لدى الرجال القادرة على أداء النغمات العليا من المقام الموسيقي العربي المسماة منطقة (الجوابات) لذلك نرى أن غالبية أصحاب هذه الطبقة من المغنين الرجال يقومون بتصوير مقام (الراست) الذي هو على درجة (دو) القرار يصورونها أي ينقلونها لأداء أبعاد المقام المطلوب على درجة أعلى وهي هنا درجة (فا) المسماة (الجهاركاه) في نغمات الموسيقى العربية. ومن هنا ترتـفع الطبقة الصوتية بمقدار (4 نغمات صاعدة) مما يساعد المغني على الابتعاد عن النغمات في منطقة القرارات (النغمات غير الحادة) وذلك على عكس الطبقات الصوتية لدى الرجال مثل (الباريتون أو الباص) (baritone-Bass) حيث تأتي أصوات الباريتون لتجيد أداء النغمات المتوسطة الشدة في حين أن أصوات الباص تؤدي النغمات الغليظة، وتجدر الإشارة إلى أن أغلب مغني منطقة الخليج يندرجون ضمن طبقة التينور، عدا بعض الاستثناءات النادرة.

لذلك فقد استطاع محمد بن فارس أن يميز طبقته الصوتية واستطاع أن يوظف لها الألحان في حدود النغمات التي كان يبرع في إصدارها مع مقدرة على أداء (الزحلقة اللحنية) الصاعدة في بعض الألحان بشكل خاص، من هنا فإن محمد بن فارس في مجموعة النصوص التي تم اختيارها نجده ينطلق من قاعدة لحنية مقاميه محددة في نطاق إمكانيات صوته واستطاع من خلال هذه الطبقة أن يؤدي ويغني بكل راحة وسلاسة، ونستطيع القول بأن طبقة بن فارس المقامية هي من نغمة (الجهاركاه إلى جوابها مع لمس نغمة الصول العليا المسماة السهم) وبذلك فقد امتلك مسافة نغمية غنائية في حدود ديوان موسيقي واحد أي ما يسمى (بالأوكتاف الموسيقي) وبهذه الطبقة تمكن من صياغة الألحان ضمن هذا النطاق المحدد من خلال تداخلات وركوز لحني مغاير في كل لحن يختلف عن الآخر في النصوص العشرة المختارة فهو ينطلق من قاعدة مقاميه تشتمل على مقامات (راست الجهاركاه، وبياتي النوى، وبياتي الحسيني، ومقام المحير) مع القدرة على التطعيم واللمس الخفيف لبعض النغمات ضمن السياق اللحني.

انتقل إلى رحمة الله في يوم العاشر من محرم 1367هـ الموافق 23نوفمبر 1947 ودفن في مقبرة المحرق.

خاتمة :

لقد توفي محمد بن فارس في اليوم العاشر من شهر محرم 1367 هـ الموافق للثالث والعشرين من شهر نوفمبر 1947 م ، ودفن في مقبرة المحرق، فأية موهبة فنية تلك التي امتلكها بعفوية ذلك الفنان المبدع وبرع في صقلها وتوظيفها وعمل على تطويرها وإغناء جوانبها بما توفر له من ثقافة ذلك الزمان الموسيقية. إن مرور أكثر من ستين عاما على رحيل بن فارس يدعونا إلى تأمل تجربته الفنية والتعمق في دراسة الظروف المحيطة بها والمؤثرات التي أسهمت في نضجها إلى الحد الذي ابتدع منحى مميزا لفن عريق ذي جذور ارتبط باسمه وتلون بأسلوبه وبنهج تفكيره وبطريقة تذوقه ومعايشته للفنون الرائجة في زمانه.

يبدو لنا بأن هناك العديد من المؤثرات والظروف والجوانب الفنية الخاصة بأصول وتطور فن (الصوت) الشعبي وبشخص بن فارس وبالشخوص التي أحاطت بتجربته وبالزمان الذي عاش فيه، بحاجة إلى المزيد من الكشف والدرس والتحليل وهو ما يدع الباب مفتوحا للمزيد من الجهد والاجتهاد.

 

نصوص اصوات محمد بن فارس

دون الباحث الأستاذ مبارك عمرو العماري مجموعة من نصوص الأصوات التي تغنى بها الفنان محمد بن فارس وصنف ألحانها وأضاف إليها بعضا من نصوص التوشيحات التي كانت تؤدى في ختام أداء الأصوات ، وقام بنشرها ضمن كتابه المهم الموسوم (محمد بن فارس أشهر من غنى الصوت في الخليج)  الذي صدرت طبعته الأولى عن وزارة الإعلام بمملكة البحرين عام 1991، وإلحاقا بما أشار إليه الأستاذ خالد عبدالله خليفة في مقالته بهذا العدد من أهمية لهذه الأعمال الغنائية يسر (الثقافة الشعبية) أن تعيد نشر نصوص هذه الأصوات، كما وردت في كتاب العماري، كما يسرها أن تهدي القارئ مرفق هذا العدد قرصاً مدمجاً (CD) يحوي تسجيلات هذه الاصوات وذلك بإذن خاص من هيئة شؤون الإعلام فلها الشكر والتقدير.

التصنيف

الصوت

الشاعر

صوت عربي

على دمع عيني

حسام الدين الحاجري

على دمع عيني من فراقك ناظر              ترقرقه إن لم   ترقه المحاجر

فديتك ربع الصبر بعدك دارس                على أن فيه منزل الحب عامر

يمثلك الشوق الشديد لناظري                  واطرق   إجلالا  كأنك  حاضر

وأطوي على حر الغرام جوانحي             وأظهر اني  عنك  لاه  وصابر

عجبت لخال يعبد النار دائما                  بخدك لم يحرق  بها وهو كافر

واعجب من ذا ان طرفك منذر               يصدق في  أياته  وهو  ساحر

ألا يالقومي أراق دمي الهوى                 فهل لقتيل الأعين النجل ناصر

ومذ خبروني أن غصنا قوامه                 تيقنت  ان  القلب  مني   طائر

يكاد لعيني أن يفيض غديرها                 اذا  انسدلت  كالليل تلك الغدائر

الفنان محمد بن فارس ( أرشيف الثقافة الشعبية )

 

 

التصنيف

الصوت

الشاعر

صوت شامي

(عربي حجازي)

ياواحد الحسن

حسام الدين مصطفى

 

يا واحد الحسن ارحم واحد الكمـد            حاشاك من حرق تصلي به كبـدي

في كل جارحــة منه لسـان هوى             يشكو اليك رسيس الهـم والكمــد

يطول سقمي وفي فيك الشفاء ويا             ظلمي وانت أمير الحسن في البلـد

ان كان تذيب قلبي فيــك أو تلفـي            مما يسرك يا كـــل المنــى فــزد

انت الذي مابــدا للعيــن طلعتـه              إلا وعوذتــه بالواحـــد الصمــد

كم  من  اسيـر غــرام لافكاك لــه           من مقلتيك ومقتـــول بــلا قـود

لولاك مابت أرعى النجم مفتـرشـا            شوك القتاد قليل الصبـر والجلــد

روحي الفداء لظبي من بنـي أسـد            وأعجب الأمر  لظبي من  بني اسـد

التصنيف

الصوت

الشاعر

صوت شامي  

(بحريني رخيم)

اغنم زمانك

ــــــــــ

غنم زمانـك امانـك يـا حبيب اغنــم           مادام عادك صغير السن طيشاني

خايف عليك بعد ستعشر سنه تنـدم             تنسى  شبابك  وأحبابك وتنساني

يلّي العسل من شفاتك خلّنـا نطعــم           قل لي جبا لك عسل حالي وشي ثاني

وفك صدرك انا باشـم صــدرك شـم           باموت من بين هذا النهــد والثاني

من عجبتي لي نظرت البحر كالخاتم          ولا افتهم لي انا فــي أي لوطانـي

الليم يلّي  بصدرك  قل لنا مـن كــم           وارمي بحبه  جبا يا قرة  اعيـاني

التصنيف

الصوت

الشاعر

صوت عربي

مال غصن الذهب

احمد الأنسي

ما لغصن  الذهب  مولـــى البنان المخضـب           زمهري  الشنب بـدر الكمـــا المحجـــب

سمهري القوام من مــر فــي بعض الأيـــام           وبخل بالسلام واعرض وولـــى وجنـب

خبروني انا يــانـــاس مفتـــون مضنـــى               عشق ريم اللوى من كـان بالحـب معجب

ذا  مليح الجمال ساجي الرنا مسكـي الخـال           ما رآه الهــلال إلا وشــــرق وغـــــرب

قلت يا  أهيف  من أين هذا الرنا ياضيا العين         يا قضيب اللجين  يا  بدر في جنح غيهب

فالتفت وابتســــم أومــا بكفــه تـقــــدم                 ثم جاوب نعـم مالـك نتســــأل تــجنب

الشاعر عبد الله الفرج ( كتاب المصور البدوي)

 

 

التصنيف

الصوت

الشاعر

صوت عربي   (يمني)

قريب الفرج

ــــــــــ

قريب الفرج يا دافع الهم والعســر            تفك الضجر تمحو الكدر كن لنا معيـن

قِلْ عثرتي  سألك  بطـه  وبالزمــر           بالبيت  والحجر  المعظم  مع الحطين

محمد شفيعي سيدي وسلة البشـر              فــي  يوم   لا  ينفعنا   مالٍ  ولا  بنين

صلاتي تخصه عد ما طشطش المــــــــــطر وما حثحث الركبان للبيت زايرين

يقول الفتى بوقايد القلب قـد  ذكـر            مضانين  عيني  يوم  امسوا  نازحيـن

فيهم كحيل الطرف اهيف أزج حور           مدملج دعج  اغنج مغنج  غنج فطيـن

هلكني ملكني هاشني باهـي الـغرر           محنّي  وعذبني   وانا  ناصحٍ   اميــن

له غرة بيضا  كما  طلعـت  القمــر          ونون  الحواجب  ملتوٍ  زجلها  قريــن

وعينين مقباسين يرمي بهـم شـرر             وهاروت في وسط المقل قد عمل مكين

التصنيف

الصوت

الشاعر

صوت شامي  

(بحريني )

لمع البرق اليماني

حسام الدين الحاجري

لمـــع البــرق اليمانـي              فشجاني ما شجانـي

ذكـرى دهــري وزمانـي            بالحمــى أي زمــان

يا وميض البرق هل ترى           جمع أيـام التدانــي

وترى يجتمــع الشمــل              ونحظى بالأمـانــي

أي سهـم فــوق البيـــن              مصيبا فــرمـانـــي

أبعــد الأحـبـاب عنـــي              وأرانــي مـا أرانــي

يـــا خليلـــي اذا لــــم               تسعدانــي فذرانـي

هـذه اطــلال سعــــدى              والحمى والعالمانـي

أين أيـام التصـــابــــي              وزمـــان العنفواني

 ذهبت  تــلك البشاشات             مـع الغيد الحســان

التصنيف

الصوت

الشاعر

صوت عربي

( شحري )

إن العواذل

الشيخ عبدالله محمد الشبراوي

إن العــواذل قــد كووا              قلبي بنار العــذل كـي

ومرادهم اسلــو هــواك             وانت نقطــة مقلتـــي

عذلوا وما عـذروا وقــد             وصل الأسى منهم إلـي

كحم شيعـوا وتشيعـوا               وتزوروا كذبــا علــي

وأنا  وحقـك لــم تؤثـر               عنـــدي العذال شــي

حاشا يكـون يـا منيتـي               لقولهــم أثــر لـــدي

يا سائق الأظعان يطوي               البيد بالأحبــاب طـي

مهـلا بهـم حتــى امتـع              ناظري منهـم شـــوي

يـا عاذلـي فيهــم لقــد               اسمعت لو ناديت حي

قــل لــي بأيــة سنــة                الحـب عــار أم بـــأي

لا يـا أخـي أنـا لـم أقـل             ............................

الشاعر محمد بن لعبون ( أمير شعراء النبط)

 

 

التصنيف

الصوت

الشاعر

صوت شامي  

(صنعائي)

دمعي جرى في الخدود

مبارك بن حمد العقيلي

دمعي جـرى بالخـدود               والجفن عاف الرقــادي              ممــا طــرى بالفؤاد

والنـاس عنــي رقـود                وانا بصوتــي انــادي                الداد  يا  أهل الـوداد

اشكو الجفـا والصـدود               ممـن صفـا لــه ودادي              والحيل  مني استباد

يا زين باللــه تجــود                 في الحب لي بالمـرادي             وتجوز عن ذا العناد

توفـي لنــا بالعهــود                 ترحـم  غريـم  الفــؤاد              بالوصل قبـل النفـاد

وتغيض عن كل حسود              لاعـاش هـو والمعـادي              من دون كــل العبـاد

ضيعت كــل العهـــود               واخلفت كــل الوعـادي              الحب كلـــــه نكـاد

قل لي متى يـا عنـــود               القى وعــودك وكـادي               ونقول ذا الخـل جـاد

واشوف منك السعــود               في الوجد بالجود بادي               ونقول ذا العيد عــاد      

عندي علـى ذا شهــود               دمعي ولوعـة فــؤادي               في كـل يـوم تـــزاد 

التصنيف

الصوت

الشاعر

صوت عربي   (قسم)

الله اليوم انا

ابو ناصر

الله اليوم انا سألك بطه والحزاب    ياكيمان           يـــــــا اللـــــــه

سهـل الـــرزق وافتـــح  لنــــا البــاب                 واستر العيب يا الله

قال بو ناصر إن العشــق داهــي وغـلاب             وانما حسبي اللـــه

مـن بلي بالمحبــة غــدا زمانـــه تقـلاّب               قال بختي على اللـه

من بغى الزين يصبـر لو رقـد فـوق لهاب             قال ذا جنـة اللــــه

قلت يا هركلي العبد واقف علــى البـــاب             قال قله علـى اللـــه

ايه سبب همّلي مرضوم من فوق الأتعـاب             قال ذا خلقـة اللـــه

التصنيف

الصوت

الشاعر

ختم

يقول بو معجب نهار الأحد

يحيى عمر اليافعي

يقول بو معجــب نهــار الأحــد               صادفت مرقـوم البنــان والخـــد

ابيض هلالـي ناســــلٍ مجعــد                يقول في الدعوى جمالــي أزيــد

يقول بياضي في الجمال شهــره              كالشمع لـه بهجــة بكــل سمـره

والخضر في المقعد فلا لهم قدره             اسود جبينه مثــل ليــل الأســود

جوّب الأخضر وقال لـــي شـان              حنا حباب اخضــر بكـل بستــان

                 (1)                           ومن عشقنــا مـا هنــي بمـرقــد

احنا المطر نسقي جميع الاشجار             فـــي كل وادي قـــد لنا بالأثمـار

والبيض فيهم من بياض الأسوار              سوى سوى في حبل تحـت مربــد

قالت البيضـا كلامـــج اعـــوج               حنـا قمـاش السورتـي وبـــروَجْ

وانتـم ثيــاب القطــن المدبّــج                              (1)

 حنا القمر والشمس حين تطلـع               والبيض زايد نـورهـم وشعشــع

وكل اخضر فـي السـواد يفجــع              مثــــل الغــــراب دائـماً مطــرّد

قالـت الخضـرا جمالـي اخضــر              زباد بالقفلــه ومســــك وعنبــر

حنــا دلال العيـن حيـن تسعــر               نستر سواد العيــن قـبـل تـرمــد

حنا كما الحنـا نعــود خضــره                والبيض في الخضره فلا لهم قدره

اخضر الى هز الـدلال الاخضـــر            مثـل الخديــوي لابــسٍ مـزنـــد

قالـت البيضـا طلـــع بياضــي                لـــون البياض ولبـس كل قاضي

وحكمنا عالعـاشقيــن ماضـــي                كالسيــف مسنــونٍ رهيّف الحــد

البيض في الخضره لهم معانــي              حازوا ثلاث اربـاع فـــي الغواني

انتم مـدر وإحنـا كمـا الصيانـي               مسكوب فيهــا الصافـــي المبـرّد

قالت الخضـرا لــمــا فشلتـــي                وفـي كلامـــك والنبــي كذبتـــي

في الشمس لو نخرج انا وانتــي              لترجعيـن كالسختيـــان وازيـــد

الخضر حـازوا الفــن والبلاغــة              والعز والنامـوس والـرشــاقـــة

حنا حرير اخضــر بكــل طاقــه              وطعمنـا حالــي عســـل مسلسل

قالـت البيضــا كلامـــك فيــش               انتم ياخضره كالذباب فـي العيش

حياتكم عزره وسوادكــم بيــش               يا غــــارة اللـــه والنبــي محمد

حنا خيار الـبز شاش منقـــوش                فــي كل جمعة للصلاة مفـــروش

وكل اخضر فــي القبيح مدهوش             ماجـــا الشمـــال الاّ ذبـــل وقَعّد

قالت الخضـــرا  لـمـا تمـــاري              ما تنظـــرين تمــر رطب خضاري

وكل مــن فـــي حبنا يجـــاري                                (1)

من عانــق الخضـره يبات راوي             ومن عانق البيضـا يبــات خاوي

1 - هذه الأشطر ناقصة من رباعياتها وتركت كما غناها محمد بن فارس

نماذج من توشيحة الصوت :

 

          على طاب طاب الســــمـــر                  واثمرت منها الأغـصان

          على يا من يريــد الحســان                   يصبر على جور ما كان

                                        وانا المسيكين انا

                                           ************

          يا أم عمرٍ جزاك الله مكرمـة                  ردي علي فؤادي أينما كانا

          لا تأخذين فؤادي تلعبين به                     فكيف يلعب بالإنسان إنسانا

                                          ************

على حسبي على أهل الهوى        هــم بالهوى ولعونــــي        من يوم ثوبي ذراع

عطشـــــان ظمــيـــــان         أنا يا أهل الهوى ادركوني          شربه هنية بساع

أعداد المجلة