«مهرجان التراث» في البحرين: تجربة في إحياء الثقافة الشعبية
العدد 4 - شهادات
لعل من المصادفات الجميلة عند انتقالي من عملي الأكاديمي، أستاذاً للأنثروبولوجيا بجامعة البحرين، إلى تولي رئاسة قطاع الثقافة والتراث الوطني بوزارة الإعلام، أن أجد نفسي في الأسابيع الأولى أمام فرصة قيادة الفريق العامل بـ «مهرجان التراث» الخامس لعام 1996م.1 فقد أتيح لي التصدي لتطبيقات أنثروبولوجية عملية في مجال اقتراح السياسات والبرامج العملية المتعلقة باستنهاض الخطط والفعاليات التي تساعد على الصياغة الإيجابية لعلاقة التراث الثقافي بالهوية الوطنية. كان «مهرجان التراث» الذي دشن عام 1992م تحت رعاية عاهل البلاد المفدى، منذ أن كان وليّاً للعهد،2 أحد المشاريع الثقافية الوطنية التي خلقت توازناً كانت البحرين في أمسّ الحاجة إليه آنذاك، أي خلق حالة من التوازن والتوافق بين مسار الحداثة والتنوير الذي اختطته البحرين منذ بدايات القرن العشرين، والرغبة الملحة التي أخذت تتبلور أكثر فأكثر منذ عهد الاستقلال لصيانة الهوية الوطنية، وتعزيزها وذلك من خلال استنهاض التراث الثقافي البحريني بتجلياته المتعددة، المؤكدة على انتماء هذه الهوية والتراث للثقافة وللانتماء الأشمل، أي الثقافة العربية.
القرية التراثية
شكلت القرية التراثية بأحيائها الحضرية والريفية، ساحة عامة لاحتفالات المهرجان. ووسط هذه الأحياء والأسواق التقليدية، التي جرى استحضارها عبر نماذج واقعية مُستقاة من مدن البحرين وقُراهَا، تم بعث الحياة فيها من خلال عدد كبير من الحرفيين والباعة الشعبيين والفرق الشعبية الفنية، من الرجال والنساء، الذين عكسوا الحياة والثقافة الشعبية في مدن وقرى البحرين.3 أصبحت هذه القرية التراثية تخضع بشكل سنوي للدراسة وإجراء التعديلات والتوسعة المطلوبة وفق الموضوع الرئيس للمهرجان، ففي أحد المهرجانات أضيف نموذج بيت ريفي من قرى البحرين، وفي مرة أخرى تم تشييد إسطبلات للخيول وذلك عندما كان موضوع المهرجان «الخيل العربية: 1997»، وكذلك الحال عندما كان الموضوع «التراث والبحر: 2002» إذ تم تشييد مجسمات حية لمواقع عمل تقليدية لصيادي الأسماك على ساحل بحريني. كما أجريت إضافات أخرى هامة مثل مجسمات لسوق شعبي للطيور، وبيئات طبيعية مناسبة لموضوع المهرجان السابع «التراث والبيئة: 1998» من خلال أحد الطيور المحلية المهددة بالانقراض، وهو طير «البلبل». وفي مناسبات أخرى تطلب الأمر تشييد مجسم كبير لسفينة صيد جرى توظيفها لأناشيد وأغاني البحر، وذلك عندما كان موضوع المهرجان «صيد اللؤلؤ: 1999».
ومع اتساع مساحة القرية التراثية بالإضافات المتتالية التي تمت عبر سنوات المهرجان، توافرت نماذج من البيوت التقليدية، الحضرية والريفية منها، وعليه فقد تم توظيف ساحات وممرات وغرف تلك البيوت في بعض المهرجانات حيث تطلب الأمر وجود فرق للفنون الشعبية، كفن العرضة، والفنون البحرية، وفن الصوت، وغيرها من الفنون الموسيقية والغنائية الشعبية. فقد أتيح لزوار المهرجان مشاهدة تلك الألوان من الموسيقى والغناء وهي تُؤدَّى في بيئاتها الطبيعية، مما مكن الجمهور والمؤدين في تلك الفرق الشعبية من تحقيق قدرٍ كبيرٍ من الحميمية والتلقائية في التواصل أثناء العرض. ولعل من أبرز تجليات تلك الحالات من التواصل والتعرف المباشر على تلك الفنون الشعبية ما تم إنجازه خلال مهرجان «فن الصوت: 2000» و«التراث والبحر:2002» و «صيد اللؤلؤ: 1999».4
الحرفيون والصُناع التقليديون
شكل أصحاب الحرف والصناعات التقليدية من مدن وقرى البحرين العمود الفقري للمهرجان، إذ شكلت مشاركة هؤلاء الحرفيين والصناع التقليديين بؤرة استقطاب نمت واتسعت عبر سنوات المهرجان، ومما ساعد على اتساعها الكمي والنوعي تنوع موضوعات المهرجان من عام إلى آخر، بل أصبح هناك اصرار على المشاركة من قبل الحرفيين والصناع في مهرجان العام التالي، حتى وإن كان موضوع المهرجان لا يعني الحرفة أو الصناعة التي ينتمي إليها أولئك الحرفيون والصناع. وهكذا فرض التراكم والتنوع في الصناعات والحرف المشاركة كل عام، على إدارة المهرجان الحاجة الملحة لإجراء توسعات وإضافات في مخطط القرية التراثية، وذلك بإضافة أسواق شعبية جديدة، وأروقة وساحات عامة تستطيع استيعاب الحرفيين والصناع، من الرجال والنساء، وكذلك الباعة في الدكاكين والمقاهي الشعبية.
لقد تطلب الأمر، مع مرور السنوات ودورات المهرجان المتعاقبة، تنظيم مشاركة أولئك الحرفيين والصناع والباعة، بحيث تتاح فرصة عادلة أمام الراغبين أو المدعوَّين من قبل إدارة المهرجان للمشاركة في المهرجان. ولم يخلُ الأمر من صعوبات كثيرة في البحث عن هؤلاء الحرفيين والصناع والباعة، فقد تم إقناع البعض بجدوى المشاركة، والعودة مرة أخرى إلى إقناع بعضهم إلى إتاحة الفرصة للآخرين من زملائهم للمشاركة، خاصة أن بعضاً من أولئك الحرفيين والصناع بدأ يتعامل مع مشاركته في المهرجان كما لو أنها مشاركة سنوية مضمونة.
مع تطور المهرجان عبر دوراته السنوية وإزدياد أعداد المشاركين، وكذلك الزوار، أخذ يتشكل على أرض الواقع سوقٌ شعبيٌّ سنويٌّ، أخذ الصناع والحرفيون والباعة الشعبيون في البحرين يعملون له حسابه، مثلما تشكل لهذا السوق جمهور وزبائن من الزوار الدائمين. شكل هؤلاء جميعاً على مدى السنوات جمهوراً دائماً للمهرجان، وأصبحت وجوهاً مألوفة فيه، وكان اعتذار إدارة المهرجان لأحد الحرفيين أو الصناع عن عدم دعوته للمشاركة أو عدم قبول مشاركته في مهرجان العام، يُشَكّلُ شعوراً بالإحباط والتذمر، ويدعوه إلى التردد على المسؤولين بقطاع الثقافة لتقديم الالتماس أو الإصرار على إعطائه فرصة أخرى للمشاركة. وفي سنوات لاحقة، وبعد انتقالي للعمل في موقع آخر بوزارة الإعلام، وفي ضوء علاقات التواصل التي ربطتني مع مشاركين سابقين في «مهرجان التراث»، وجدت أن الكثير منهم قد احتفظ بشهادات المشاركة في المهرجان في إطارات بارزة في محلاتهم في الأسواق أو على جدران مجالس الضيوف في بيوتهم، وأصبحت تلك الشهادات بالنسبة لهم مصدراً للاعتزاز والتفاخر، وقد عز على بعضهم أن تكون علاقته قد انقطعت مع المهرجان لسبب من الأسباب.
رعاية الفنون الشعبية
قدمت تجربة «مهرجان التراث» على مدى سنوات لمؤسسة رسمية مثل وزارة الإعلام، المجال لاختبار قدرتها على رعاية الفنون الشعبية، خاصة الموسيقى والغناء الشعبي الذي عُرفت به البحرين مثل: فن الصوت، وفنون البحر مثل الفجري، والعرضة، وأخرى مثل الخماري، والعاشوري، والليوة، والطنبورة. كانت تلك الفنون الشعبية تعاني من مشكلات عديدة، مثل: رحيل جيل من المؤدين الشعبيين من جهة، وضعف الإمكانيات والبنية التحتية التي تمكن تلك الفنون الشعبية من مواصلة طريقها في خضم التحولات الاجتماعية والثقافية السريعة التي شهدتها البحرين وغيرها من مجتمعات الخليج والجزيرة العربية خلال النصف الثاني من القرن العشرين من جهة أخرى. على أن هذا التحدي، السلبي في مظهره، كان يقابله تحدًّ آخر اتسم بإيجابية في مظهره، أي ظهورجيل جديد من الشباب من الممارس والمتحمس للفنون الشعبية، وقد شكل وجود هذا الجيل الجديد تحدياً للفرق الشعبية ولجمعيات الفنون وكذلك لوزارة الإعلام. لقد فرضت هذه الحالة علينا في إدارة المهرجان الرغبة في المساهمة في تقديم بعض من الحلول الممكنة من خلال مهرجان سنوي معني بالتراث والثقافة الشعبية، أحد تلك الحلول تمثَّل في توسيع رقعة مشاركة الفرق الشعبية خلال فترة المهرجان، وتوفير كل الإمكانيات الممكنة لتسهيل المشاركة، وإتاحة الفرصة أمام قدرٍ كبيرٍ من تفاعل الجمهور والزوار مع الفرق والمؤدين الشعبيين من أعضائها.
وكان للحماسة والإقبال الذي أبداه زوار وجمهور المهرجان، الأثر المشجع للمسؤولين بقطاع الثقافة بوزارة الإعلام آنذاك لتضمين البرنامج السنوي للفعاليات الثقافية عدداً مضاعفاً من الأمسيات الموسيقية والغنائية قام بتأديتها فنانون وفرق شعبية في مركز الفنون وأروقة متحف البحرين الوطني.
على أن الحدث الأبرز في مسيرة الاهتمام ورعاية الفنون الشعبية خلال تجربة «مهرجان التراث»، هو ما أبداه جلالة الملك المفدى، ولي العهد الأمين آنذاك، عندما أمر بجعل «فن الصوت» عنواناً لـ «مهرجان التراث» الثامن عام 2000م، فقد شهد هذا المهرجان نقلة نوعية في مسيرته، عندما تمكن في إدارة المهرجان من توظيف البيوت في القرية التراثية لتقديم «فن الصوت» من خلال الفنانين البحرينيين الشباب والفرق المصاحبة، كما شاركت «فرقة البحرين للموسيقى العربية»، فرقة قطاع الثقافة آنذاك، بإقامة أمسيات لفن الصوت لفنانين معروفين مثل: أحمد الجميري، وعبدالله الرويشد، وخالد الشيخ.5 كما جري تكريم رواد فن الصوت مثل: محمد بن فارس، وضاحي بن وليد، ومحمد زويد، وأقيمت حلقة نقاشية قدمت فيها بحوث ودراسات حول «فن الصوت» شارك فيها باحثون محليون وعرب وأجانب.6
لقد دفع نجاح تجربة «مهرجان التراث» الثامن حول «فن الصوت» المسئولين في قطاع الثقافة لاستضافة مؤسسات وجهات موسيقية عربية معنية برعاية ودعم فنون الموسيقى والغناء، وعليه فقد تم استضافة اجتماع المجلس التنفيذي للمجمع العربي للموسيقى في «مهرجان التراث» التاسع، عام 2001م. وقد جرى أثناء وجود أعضاء المجلس التنفيذي تقديم أمسيات موسيقية وغنائية عكست ثراء الموسيقى والغناء العربي في البحرين، كما كرمت وزارة الإعلام، في حضور المجمع العربي للموسيقى، عدداً من رواد الموسيقى والغناء الشعبي في البحرين.
توظيف المتحف
لعل من التحديات التي سعيت مع الفريق العامل معي في قطاع الثقافة والتراث الوطني إلى مجابهتها مهمة الترويج لمتحف البحرين الوطني وتفعيل دوره ليصبح تدريجيّاً مركزاً ثقافيّاً يضم إلى جانب قاعاته المتحفية الأركيولوجية الإثنوغرافية، نشاطات وفعاليات ثقافية وفنية معاصرة. وهكذا تزامنت إقامة المعرض السنوي للفنون التشكيلية في الرواق الرئيسي للمتحف، مع تجربة إقامة عروض سينمائية على مدار الأسبوع، وأمسيات موسيقية ومحاضرات عامة، ومعارض تشكيلية. وعليه وجدنا في إدارة المهرجان ضرورة الاستفادة من جمهور المهرجان الذي يواصل زياراته للمهرجان على مدى أسبوعين لنقل بعض من عروض المهرجان وفعالياته المصاحبة إلى رواق المتحف وبعض قاعات العروض فيه، وهكذا شهد المتحف أُمسيات موسيقية وغنائية للفنون الشعبية، ومعارض صور، ومقتنيات إثنوغرافية من متحف البحرين الوطني جرى توظيفها في عروض تتناسب وموضوعات المهرجان. كما استُغل المتحف خلال فترة المهرجان لإقامة الحلقات النقاشية والندوات والمحاضرات العامة، وكذلك العروض السينمائية التثقيفية ذات الصلة بموضوع المهرجان.
اجتهادات أكاديمية
استطاعت إدارة المهرجان أن تحقق قدراً من التفاعل الايجابي مع جمهور المهرجان وزواره من جهة، ومع النقاد والمهتمين بتجربة المهرجان في الوسط الثقافي والإعلامي، فبالإضافة إلى تناول تجارب المهرجان في الصحافة المحلية، فقد دأبت إدارة المهرجان على التعرف على آراء الجمهور والزوار من خلال بحوث استبيانية تم من خلالها رصد الآراء والملاحظات، كان من بين تلك الملاحظات: الحاجة إلى وجود ندوات ومحاضرات عامة وخاصة، وحلقات نقاش يتم من خلالها إلقاء الضوء والتعريف بموضوع المهرجان، وتوفير المناخ العلمي للمختصين للالتقاء عبر حلقات نقاش للبحث والتداول في موضوعات هامة في التراث والثقافة الشعبية، فقد عُقدت مثلاً على هامش مهرجان «فن الصوت: 2000» و «التراث والبحر: 2002» حلقات نقاش قدمت فيها بحوث ودراسات شارك فيها باحثون من داخل البحرين وخارجها عالجوا من خلالها «فن الصوت» وفنون البحر مثل «فن الفجري» خصوصاً ألوان الموسيقى والغناء المتجسدة في تلك الفنون.7
وفي حالات أخرى، دعيت شخصيات علمية وأكاديمية معروفة برصانتها وتجربتها العلمية في مجالات عكفت تجارب المهرجان على تناولها عبر دوراته المتتالية، فقد دعيت شخصيات أكاديمية بارزة لإلقاء محاضرات عامة ومتخصصة في موضوعات، مثل: الحياة الفطرية في البحرين والخليج، والموسيقى التقليدية في الخليج والجزيرة العربية، والخيل العربية، وصيد وتجارة اللؤلؤ، والأزياء التقليدية.
تزامن هذا الجهد التعليمي والأكاديمي مع إصرار إدارة المهرجان على إصدار مطبوعات مصاحبة للمهرجان كان من بينها نشر مادة إثنوغرافية مسرودة عن موضوع المهرجان، وكانت في معظم الحالات نتاج فرق للجمع الميداني تم تشكيلها عبر دورات المهرجان، استطاع جهدها أن يضع أمام جمهور وزوار المهرجان مادة إثنوغرافية مبسطة سعت إلى إيضاح وتعريف ما تكتنزه الثقافة الشعبية والمجتمع البحريني من جوانب مادية ومعنوية تخص موضوعات عالجها المهرجان، مثل: الغوص على اللؤلؤ، الحرف والصناعات التقليدية، صناعة السفن التقليدية، الأزياء التقليدية، الأكلات الشعبية، وغيرها من الموضوعات.8 واستكمالاً لهذا الجهد الأكاديمي والثقافي، سعت مجلة «البحرين الثقافية» وهي المجلة الثقافية التي تصدر عن وزارة الثقافة والإعلام على نشر ملفات خاصة تضمنت البحوث والدراسات التي قدمت خلال المهرجان، سواء من خلال الحلقات النقاشية أو المحاضرات والندوات العامة.9
خاتمة
لم تهدف هذه المقالة، كما يتضح من أجزائها، إلى الاكتفاء باستعراض تجربة عملية في مجال إحياء الثقافة الشعبية، وذلك من خلال مشروع ثقافي وطني مثل «مهرجان التراث». برأينا أن هنالك، بالإضافة إلى «مهرجان التراث»، عدداً آخر من المشاريع الثقافية الوطنية الطابع، التي نُفذت في البحرين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين، مثل: تشييد متحف البحرين الوطني، وترميم القلاع التاريخية والبيوت التراثية،10 وإقامة متحف إثنوغرافي مثل مركز التراث، الذي أطلق عليه بعد ذلك متحف الغوص واللؤلؤ، وتخصيص قاعات وأروقة إثنوغرافية بمتحف البحرين الوطني للعناية بالثقافة الشعبية.11
لقد لعبت هذه المشروعات من خلال مختلف سردياتها الأركيولوجية والإثنوغرافية، داخل قاعات وأروقة المتاحف والقلاع والبيوت التراثية، وأخرى خارج أسوار هذه الأمكنة، في المراكز الثقافية والساحات العامة، دوراً في إعادة صياغة الهوية الثقافية والوطنية للمجتمع والدولة الحديثة في البحرين. استطاعت تلك المشروعات، ومن بينها بطبيعة الحال «مهرجان التراث»، أن تُظهر من خلال سردياتها عمق وقدم الحضارة العربية في هذه البقعة من العالم العربي، وعلى قوة وصلابة جذور الانتماء إليها بين مختلف الفئات والطبقات الاجتماعية في مدن وقرى البحرين. وسوف يسجل للتجربة البحرينية هذه رياديتها، خاصة عند مقارنتها بمثيلاتها في دول الخليج والجزيرة العربية، التي وجدت بعد سنوات من الطفرة النفطية كم هو ضروري إن لم يكن ملحاً المحافظة على الهوية الثقافية والوطنية لمجتمعاتها في خضم التحولات التي تشهدها دولهم، وأمام التبعات التي تتعرض لها من جراء العولمة. وعليه وفي ضوء هذه الخلاصات وغيرها، فإنه من الضروري التوقف أمام تجربة «مهرجان التراث» نقداً وتقييماً لاستخلاص العبر والدروس، خاصة وأن مجتمعات عربية عديدة أصبحت تتعرض ثقافاتها وقيمها الاجتماعية إلى حملات متتالية من التقويض والتشويه، إما من خلال التشكيك في القيم السامية للحضارة العربية، وبالتالي جدوى استمرار الانتماء إليها، أوالعمل على نشر وتكريس العقائد والأيدولوجيات الدينية والعرقية المتطرفة في المجتمعات العربية، الساعية إلى نشر الكراهية والعنف الهادفين إلى تقويض المجتمع والدولة.
مراجع وهوامش
1 - عمل الكاتب أستاذاً للأنثروبولوجيا بجامعة البحرين (1991- 1996م)، ثم وكيلاً مساعداً للثقافة والتراث الوطني بوزارة الإعلام (1996- 2002 م).
2 - أقامت وزارة الإعلام «مهرجان التراث» الأول عام 1992م تحت رعاية صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه، وذلك عندما كان جلالته وليّاً للعهد، ولا يزال المهرجان يقام سنوياًّ في الساحة الخارجية لمتحف البحرين الوطني. أما هذه الورقة فهي تعالج تجربة «مهرجان التراث» الممتدة بين عام (1996- 2002 م) فقط، أي خلال فترة ترؤّسي لإدارة المهرجان. حول تجربة الكاتب في إدارة العمل الثقافي بوزارة الإعلام بصورة عامة، راجع المصدر التالي:
حسين فهيم، عبدالله يتيم: في حوار حول مسيرته ومؤلفاته، مجلة أوان، (البحرين)، العدد 4/3، 2003.
3 - الثقافة الشعبية: يتبنى الكاتب في هذه المقالة تعريفاً عملياً لمفهوم «الثقافة الشعبية»، بعيداً عن أي تعقيدات أكاديمية وفكرية، ويكاد يكون هذا المفهوم برأينا هو الذي كان يسود في أذهان واضعي سياسات «مهرجان التراث». أما التعريف فقد صاغه المفكر الفرنسي «ميشال دو سرتو»، يقول معرفاً: «الثقافة الشعبية بوصفها الثقافة «الاعتيادية» للناس الاعتياديين، أي ثقافة تُصنع يوماً بيوم، خلال الأنشطة العادية والمتجددة، يومياً، وفي آن معاً». أنظر: دنيس كوش، مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية، ترجمة: منير السعيداني، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، 2007م، ص 125.
4 - نلفت نظر القارئ إلى أن دورة «مهرجان التراث» لعام 1999م قد أُجلت وذلك بسبب ظروف الحداد التي صاحبت وفاة المغفور له صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير البلاد آنذاك، على أن هذا العام شهد إقامة مهرجان «صيد اللؤلؤ» وذلك في شهر أكتوبر، أي بعد انقضاء فترة الحداد، وكان أول احتفال ثقافي عام يقام بعد فترة الحداد تحت رعاية جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى.
5 - أُسِست «فرقة البحرين للموسيقى العربية» عام 1997م، وكانت تدار من قبل قطاع الثقافة والتراث الوطني بوزارة الإعلام، على أن الوزارة قد استبدلت اسم الفرقة عام 2002م لتصبح بعد ذلك «فرقة البحرين للموسيقى»، حول نشأة الفرقة وتطورها، انظر: حسين المحروس، فرقة البحرين للموسيقى: نوتات التأسيس، وزارة الإعلام،المنامة، 2007م.
6 - انظر: «أعمال الحلقة النقاشية حول فن الصوت»، «مهرجان التراث» الثامن، تنظيم المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، مجلة البحرين الثقافية، (البحرين)،المجلد8، العدد 27، 2001م.
7 - انظر نتاج تلك الدراسات في أعداد متفرقة من مجلة «البحرين الثقافية» الصادرة عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بين عامي 1999-2002م.
8 - راجع نماذج من مواد تلك الكتيبات في الكتاب الذي أصدرهُ قطاع الثقافة والتراث الوطني، بنادر التراث، وزارة الإعلام، البحرين، 2003م.
9 - تولى الكاتب الحالي رئاسة تحرير مجلة «البحرين الثقافية» خلال الفترة الممتدة منذ عام 1996م وحتى عام 2002م. كانت المجلة تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب التابع لوزارة الإعلام، انظر أعداد المجلة خلال الفترة المشار إليها.
10 - نُشير في هذا الصدد إلى أعمال الترميم التي تمت للقلاع والبيوت التراثية التالية: قلعة البحرين، وقلعة الرفاع، وقلعة عراد؛ أما بالنسبة للبيوت المباني التراثية، فهي على النحو التالي: بيت الشيخ عيسى بن على آل خليفة، وبيت سيادي،و بيت الجسرة، ومبنى محاكم البحرين، ومدرسة الهداية الخليفية.
11 - اشتملت قاعة التراث في متحف البحرين الوطني على مواد إثنوغرافية عكست الحياة والثقافة الشعبية في مجتمع وثقافة ما قبل النفط في البحرين، كما حاولت تلك العروض الإثنوغرفية أن تكون مُعبرة عن البيئات الاجتماعية الحضرية والريفية للمجتمع البحريني.
أما مركز التراث، متحف الغوص واللؤلؤ لاحقاً، فقد ضمت قاعاته عروض إثنوغرافية شملت الحرف والصناعات التقليدية، اللأزياء والموسيقى التقليدية، العادات والتقاليد، أنماط من الحياة الحضرية والريفية، وأخرى تنتمي إلى بدايات الحياة الاجتماعية الثقافية لمجتمع ما بعد النفط في البحرين. نُلفت النظر إلى أن المبنى المذكور قد أُعيد ترميمه في الألفية الثالثة ليصبح في عهد الأصلاح السياسي مقراً للمحكمة الدستورية.