“النّجمة” ظاهرة ثقافية فنية طقوسية واحتفالية
العدد 13 - عادات وتقاليد
1.1 تعريف “النّجمة”:
لقد أكد لي الرّواة أحفاد الهمامة1 أن “النّجمة” توارثوها عن أجدادهم من قبيلة الهمامة وما يدعم ذلك محتويات الأغاني التي لازالت تردد بطولات هذه القبيلة وتصف الحالات الاجتماعية والحياة البدوية القديمة كالنجع والرحيل وآليات العيش من خيل وابل وخيام ،كما أشاروا إلى أن “النجمة” قديما كانت تقام مدة خمسة عشر ليلة وذلك بتقسيمها على النحو التالي: سبعة أيام قبل العرس، يوم العرس وسبع أيام تليه، وتكون السّبع نجوم الأولى عبارة عن متنفس لما يقومون به في النهار من تحضير لمراسم الاحتفال والذي يتعلق عادة بالمكان واللباس والأكل وكل متطلبات هذه المناسبة. تكون “نجمة” العرس هي “النجمة” المتميزة والأكثر حضورا لأفراد القبيلة، بينما السبع أيام الأخيرة هي تتويج للاحتفال ترافق فيها “النجمة” عدد الأيام التي تحتجب فيها الزوجة ببيت زوجها.
ولا تنتهي “النجمة” إلا بخروجها في اليوم السابع لزيارة أهلها، ولكن مع التطور التاريخي والتغيرات الاجتماعية والثقافية تقلص عدد النجوم إلى سبع فقط، حيث تسبق الاحتفال ثلاث وتليه ثلاث سهرات، ولكن رغم ذلك لم تتغير العناصر الأساسية أو العادات والتقاليد المكونة ل“النجمة” فظلت الطقوس التي تمارس في “النجمة” متواجدة لدى سكان منطقة بحثنا إلى يومنا هذا وان طرأ بعض التغيير على الجانب الاحتفالي والنمط الغنائي بإدراج بعض الجوانب الدخيلة على “النجمة” والمتمثلة في الرقص والإيقاع واستعمال الآلات وكل ذلك بتعلة إرضاء الذوق العام ومواكبة الأغاني العصرية...
1.1.1. تسمية “النّجمة”:
إن الروايات المتداولة في منطقة بحثنا اجتمعت كلها على أن تسمية “النّجمة” مستنبطة من النجمة الكوكب,إذ تشاركها في توقيت الظهور أي أثناء الليل وكذلك من التنويرة التي تفتتح بها “النجمة” كل ليلة من ليالي الاحتفال فيشاهد نورها من بعيد كنور النجمة الكوكب.
2. مكونات “النّجمة”:
تتكون “النجمة” من جملة من العناصر الأساسية التي تمثل ركائز هذه الظاهرة من خلال الممارسات الطقوسية والاحتفالية لمنطقة بحثنا.
1.2. التّنويرة :
هي عبارة عن مشعل تفتتح به “النجمة” وقد اختلفت مكوناتها من منطقة إلى أخرى ومن زمن إلى آخر.
فالروايات المتداولة عن قبيلة الهمامة المستقرة في قمودة2 والمجموعات الممارسة ل“النجمة” أن التنويرة كانت تتألف من مطرق وهو عبارة عن قصبة طويلة يصل طولها 3 أمتار (تستعمل في النسيج)، ومن الأعشاب الجافة التي تكون عادة من الحلفاء تربط في رأس المطرق ويتم إشعالها، ولكن في المناطق التي تبتعد عن الجبال فقد تعوض الحلفاء بقطعة من المنسوجات القديمة القابلة للاشتعال.
وقد ارتبطت هذه المكونات بالإطار الصانع لها. ففي الفترات الأولى لاستقرار الهمامة بربوع قمودة كان المجال شاسعا والكثافة السكانية منخفضة لذلك فان التنويرة بهذه المكونات تؤدي الغرض، حيث يراها السكان على بعد أميال.
ولكن ومع التطور التاريخي والنمو السكاني تغيرت غاية التنويرة التي لم تعد قادرة على الظهور وسط المباني الشاهقة وكذلك الأضواء المتعددة فبالتالي تغيرت مكوناتها لدى بعض العروش وأصبحت تعتمد على الورق، حيث تلف مجموعة من الأوراق في شكل مشعل ثم تستعمل. وهنا أصبحت غاية التنويرة رمزية أكثر من أي شيء آخر، فهو طقس تعود السكان على استعماله في بداية كل “نجمة” لأسباب قد تتعلق بالنار والنور وبالعين والحسد.
والملاحظ أن الاختلافات في مكونات المشعل لم يغير طريقة استعماله.
1.1.2. طريقة استعمال التّنويرة:
تأخذ صاحبة الاحتفال المشعل وتكون عادة أم العريس أو أم المختون وفي غيابهما إحدى المقربات من العائلة ولابد أن تتقن الزغردة، ثم تقف في مكان مرتفع ومكشوف للجميع في ساحة المنزل وتلتفت إلى القبلة ثم ترفع المشعل وترافق الرفعة بالزغردة وقد تشترك معها النسوة في ذلك ثم تنزل المشعل، وهكذا دواليك إلى أن تكتمل سبع رفعات مع سبع زغاريد، ثم تضع المشعل على الأرض وتتركه ينطفئ لوحده وتبدأ النسوة في الغناء.
2.2. النّساء المؤديات في “النّجمة”:
هن مجموعة من النسوة تكون عادة خمس نساء من كبيرات السن ذات دراية سواء بكلمات الأغاني أو بالنغمات الخاصة بكل أغنية وتكون لهن أصوات قوية وجميلة، وقد تتغير مجموعات النسوة من حين إلى آخر وحسب مراحل “النجمة”، نظرا لطولها ولصعوبة أداء هذه الأغاني ويكون الأداء في سهرة “النجمة” دون مقابل مادي فغايتهن مشاركة أهل الاحتفال فرحتهم وذلك بالحضور والغناء. غير أن هذه الممارسة الفنية والثقافية التي تجسدها المرأة بامتياز تحت لائحة الاتفاق الجماعي لا تمثل سوى عملا بالمثل المتداول“يوم لنا ويوم لكم”.
3.2. نمط الأغاني المؤداة في “النّجمة” وطريقة الأداء
1.3.2. الطّواحي:
تكون الأغاني المؤداة في “النجمة” عادة من نمط أغاني الطواحي، وهي أغاني تعتمد الإنشاد الصوتي فقط. يمثل الطواحي الأغاني النسائية الأكثر صعوبة في الأغاني البدوية الريفية سواء من حيث طريقة الأداء والطبقات الصوتية والآهات المستعملة أو من حيث الحفظ لطول هذه الأغاني التي تصل أحيانا إلى أكثر من 15 جُرَّادَة (مقطع)
وما يميز هذه الأغاني هو غياب الآلات والإيقاع المرافق لها وان تنوعت الأغراض المتناولة وتعددت الأغاني في “النجمة”.
2.3.2. طريقة الأداء :
تؤدي النسوة الأغاني وهن واقفات حيث تكون أربع نساء متقابلات الواحدة أمام الثانية والمرأة الخامسة تقف بجانبهن وتكون امرأة ذات دراية بالأغاني حيث تذكرهن بأجزاء الأغنية إذا تم نسيانها. ويتم الأداء ثنائيا من البداية إلى النهاية وتعرف النساء المؤديات للأبيات “بِالْجَرَّادَة 3” وأما المؤديات للطالع أو (رأس الأغنية) فهن” شَدَّادَة4” والأداء غالبا في طبقات حادة وبأصوات مرتفعة نظرا للإطار الذي تؤدى فيه هذه الأغاني فهو مكان مفتوح وشاسع وتختلف فيه مواقع الجمهور أي الحضور من نساء ورجال وشباب فلا بد أن يصل الصوت لكل طرف من هؤلاء.
فالأداء إذا بهذه الطريقة التي أطلق عليها الباحثون في الاتنولوجيا الموسيقية5 تسمية“6L’ antiphonie” لم يكن اعتباطيا وإنما هو نتاج لعدة عوامل مثل المجال الشاسع والخصوصيات الاجتماعية لمنطقة بحثنا وربما هذا ما جعل الأصوات في «النجمة» لا تكون منفردة أبدا. وقد يعود أيضا إلى حياء المرأة الذي يجعلها تخفي صوتها عبر هذه الثنائية في الأداء، كما تخفي شكلها بالوقوف داخل مجموعة نساء “النجمة”.
4.2. جمهور “النّجمة”:
يكون جمهور “النّجمة” من كافة الشرائح الاجتماعية شيوخا، رجالا، نساء،أطفالا فهم في الأصل عائلات متكاملة تأتي ل”النّجمة” من الأقارب والجيران وكذلك الأصدقاء لما يرون في ذلك من واجب يلتزمون به بالحضور والمشاركة في الاحتفال الذي تلعب فيه المرأة دور الزّعامة بصوتها وأدائها.
ولكن رغم هذه القرابة والحميمية بين العائلات الحاضرة في “النّجمة” فان الأجناس
تحدّد المواقع، فتقسم ساحة المنزل إلى مكان للرجال، مكان للشباب ومكان يكون الأقرب إلى المنزل للنساء والأطفال، وهنا يكون الصوت والغناء هو محور تقارب والتقاء هذه الفئات الاجتماعية وان اختلفت أماكنها.
هذا ونشير إلى أن في الفترات القديمة قد كانت قبيلة الهمامة تحدد الأماكن ببناء خيمات كل واحدة تسمى بالفئة التي تجلس فيها كأن نقول خيمة الشباب ...ولا تطوى هذه الخيام إلا إذا انتهت عدد النجوم السبعة التي تلي العرس وتخرج العروس لزيارة أهلها، هنا تنتهي مراسم الاحتفال.
3. النّجمـة كظاهـرة احتفاليـة
إن التراث الغنائي الشّعبي ثقافة لها عمقها التّاريخي متجذرة في الذاكرة الجماعية “هذه الذاكرة التي ترفض أن تسكت”، تعبر عن الواقع بطريقة تلقائية وبطابعها الشفوي، وقد مثلت الأغاني البدوية الريفية الأغاني الأكثر قربا من حياة المجموعة الصانعة والمستهلكة لها. تزخر هذه البيئة الاجتماعية بآليات تعبيرية هامة ومتنوعة كان أبرزها الشعر والغناء
تتعدد أغراض الشعر الشعبي فنجد الأخضر7، العكس8، النجع9، البرق10، الكوت11... وتتنوع الأنماط الغنائية النسائية البدوية الريفية فنذكر أغاني الملالية12، الأطراق13، الطواحي وأغاني المحفل14...
فهذا الإرث الغنائي” ألوان من ألوان التعبير الإنساني عن أحاسيس النفس من فرح وترح ورغبة ورهبة وما إليها. وقديما قالوا: النغم فضل بقي في المنطق لم يقدر اللسان على استخراجه بالحروف فاستخرجته طبيعته بالألحان”. يخضع الكم الهائل من الأنواع الغنائية إلى مواقيت محددة فتقسم بحسب الإطار المكاني والزماني والضوابط الاجتماعية للمناسبات. تعتبر “النجمة” بمنطقة الهيشرية نموذجا لتلك الضوابط الغنائية، فكل الأنماط الغنائية التي أسلفنا ذكرها متداولة وتمارس يوميا بمنطقة بحثنا إلا أن “النجمة” تقتصر على نمط غنائي واحد وهي أغاني الطواحي وتخضع إلى تنوع في الأغراض الشعرية من مرحلة إلى أخرى أثناء العرض.
فالممارسات الاحتفالية عامة تشترط في تكوينها مجموعة من الخصوصيات الأساسية كالعادات والتقاليد من مواقف وحركات وأفعال، وكذلك الموسيقى من رقص وغناء وحضور. وتعتبر “النّجمة” ظاهرة احتفالية شاملة من خلال علاقتها بالبنى الاجتماعية تتجلى ملامحها في الممارسة الطقوسية والفنية. تتعدد أطر قيام “النّجمة” بمنطقة الهيشرية فنجدها في كل المناسبات الاحتفالية الدنيوية ولها خصوصيات ثابتة لا تتغير في جميع المناسبات، تتمثل في الهيكل العام للنجمة كظاهرة كلية، تحتوي على ممارسة طقوسية لها غايات ورؤى اجتماعية وكذلك على جانب فني احتفالي تعبر عنه الأغاني النسائية في “النّجمة”.
يمكننا التطرق إلى العنصر الثلاثي المشكل لعرض “النجمة”، يتمثل في النساء المغنيات، الأغاني، والجمهور
الجمهور - النّساء المؤديات- الأغاني
يعتبر الجمهور العنصر الأكثر تأثيرا في سير مراحل العرض، الجمهور يختلف من مرحلة إلى أخرى في سهرة”النّجمة”. في المرحلة الأولى يكون الجمهور من كافة الشرائح الاجتماعية ذا حضور غفير لذلك تكون الأغاني المؤداة ذات طابع ديني، قصصي، ملحمي وتتغنى بالقبائل والنجع وبالمعارك التاريخية للمجموعة، وما دام الجمهور من كافة الشرائح والنساء المغنيات من نفس المنطقة فهم يجتمعون في “النجمة” مع أهاليهم فتكون الأغاني المؤدات في البداية بشيء من الاحتراز، حتى لا تفقد المرأة حياءها وقيمتها واحترامها لكبار القوم أي الشيوخ المتواجدين في “النجمة”، ولكن شيئا فشيئا ينسحب كبار السن ليتغير مسار الأغاني وتصبح أغاني أكثر جرأة ذات أغراض غزلية بالأساس، وتؤدى كلها طواحي دون مصاحبة إيقاع أو تعبير جسماني وذلك للفكر السائد للجماعات في هذه المنطقة وللعادات والتقاليد المتوارثة والتي تحدد دور كل طرف من الممارسة الاحتفالية وترفض رفضا كليا الرقص خاصة للمرأة وتجيزه للرجل على صهوة جواده إذا كان فارسا.
4. عـرض “النّجمة”:
إن ما يوحي بأن “النجمة” قالب فني منظم ومسترسل هي تلك المراحل التي تتخللها فتحددها أغراض الوصلات الغنائية المتناولة، حيث نجد ثلاث مراحل كبرى.
1.4. المرحلة الأولى:
يمكن تسميتها أيضا بمرحلة الاستفتاح، تنطلق “النجمة” دائما بالتنويرة وهي الجزء الأول من هذه المرحلة التي تحتوي على جملة من الممارسات الطقوسية وقد تعرضنا لذكرها سابقا، ثم يلي هذا الجزء أغاني المرحلة الأولى والتي تفتتح بأغنية دون سواها وهي أغنية “ سبقناك”
1.1.4. الأغاني الدينيّة :
وهي أغاني يفتتح بها الاحتفال بطلب الخير والبركة والتقرب إلى الخالق والدعاء لتحقيق هذا الاحتفال وفي ما يلي نورد أغنية الافتتاح “سبڤناك”.
سَـبِّـْنَـــاكْ
سَبِّڤْـــــنَاكْ لاَ سَبِّڤْنَا حَـــدْ مْعَــاكْ يَا رَبِّي
سَبِّڤْـــنَاكْ وسبڤنـا الرّسول معــاك يا ربّي
يَجْعِلْهَا أَيَّامُــو ِزينَـة .
يَا مِـــنْ يِصَلِّي عْلَى نَـبِينَا
نَا ِنتْمَنَّى ِوالعَزيْز عْلَـــــيَّـا .
نَا نِتْمَنَّى ِوالْكِمَالْ عْلَى الله
نَا نِتْمَنَّى ِوالْمَحَافِلْ تِدْعِسْ .
نَا نِتْمَنَّى ِوالْخُيُولْ تْبَرْدِسْ
وهذه الأغنية لها مكانة خاصة في منطقة بحثنا سواء من خلال الترتيب فهي تحتل المرتبة الأولى من الأغاني ولا تعاد بعد ذلك أبدا أو من ناحية الأداء فيختلف أداؤها عن بقية أغاني “النجمة” التي تخضع إلى تقسيم بين الشَدَّادَة والجَّرَّادَة، فأغنية “سبڤناك” تعاد مقاطعها لدى المجموعتين على حد السواء من البداية إلى النهاية دون تقسيم.
وكما لا حظنا من كلمات هذه الأغنية هي التقرب إلى الله سبحانه وتعالى وطلب العون لتحقيق هذا الاحتفال من خلال التمني برؤية المحافل الكثيرة والخيول التي تجول في الساحة والمقصود بها الفروسيّة، فالمحافل والفروسيّة هي التي تحدد قيمة الاحتفال لدى هذه الجماعات، أما الأغنية الثانية فهي أغنية “صلّى الله على نبينا”
صَلَّى الله عْلَــــى نَبـِيـــــــنَا
مُحَـمَّـدْ مَــا أبْـهَـى صْبَـاحِـي
شَمْـسُـو زَرْڤَتْ فِــي مْرَاحِــي
مَــايْ تُــزْرُ ِوتْــعَــــلِّــي
صَــــلَّى الله عْـلَى نَـبِـيــنَـا
الطَــلْــبَــة فِـــي رَبـِّـــــي
صَـــلّى الله عْلـَى نَـبِـيـــنَـا
مُـحَـمَّــدْ يَـا بَـابَـا الْـزُهْــرَة
لْشَمْسُـو زَرْڤَتْ عَمتْلـَتْ بُهْـرَة
مَــايْ تُـــزْرُ ِوتْـعَــلِـّـــي
صَلـّــى الله عْلـَى نَـبِــيـنَــا
يَـا مْسَافِـــرْ فِي الـطَّــيَـارَة
زَايِــرْ مَكَّة ِومْرَوَّحْ لِـدْيَـــارَه
يّـعِـــــزْ عْـــلَـى رَبِــّــــــي
صَـــلّى الله عْــلَى نَـبِـيــنَــا
يَــا مْسَــافِــرْ فِـــي الْبَابُــورْ
زَايِـــرْ مَــكَّــة ِوالــرَّسُـــولْ
يّـــعِـــــزْ عْــلَـى رَبّـِـــــي
صَلّــى الله عْلـَـى نَـبـِــيــنَـا
يـَـا مْسـَـافِـرْ فِي الْمَـشِيــنَــا
زَايـِـــرْ مَـكَّــة ِوالْـمَـدِيـنَـــة
يّــــــعِـــزْ عـْـلـَــى رَبِّــــي
صَـلّــى الله عْلـَى نَــبـِيــنَــا
وكما لاحظنا في مقاطع هذه الأغنية وكلماتها في مدح الرّسول صلّى الله عليه وسلم، فهي أيضا أغنية ذات منحى ديني طقوسي، تغنيها النسوة في هذا الجزء الأول من “النجمة”. لقد توارث سكان منطقة الهيشرية هذا الترتيب في أداء الأغاني منذ القدم وخاصة الأغنية الأولى والثانية ثم يتطرقون بعد ذلك إلى الغناء عن الأولياء الصالحين
في هذه المرحلة من “النجمة” نرى أن هناك تدرج حسب المعتقدات، لقد كانت البداية بذكر الله سبحانه وتعالى ثم مدح الرسول (ص) بعد ذلك نجد التّغني بالأولياء الصالحين، بالرغم من الاعتقاد المفرط في الأوساط الشعبية في الطرق والزوايا.
ويمكن تسمية هذه المرحلة من عرض “النجمة” بمرحلة الأغاني الدينية الطقوسية التي لابد من حضورها في هذه المناسبات أو التظاهرات الاحتفالية الدنيوية. “إن الذاكرة الشعبية البدوية خليط من القيم الدينية والقيم القبلية لأن الدين أو المقدس عموما له حضور متميز في اجتماع أهل البوادي والأرياف لما يوفره من ايجابيات على وضعيات هذا الفضاء الذي تحدق به الأخطار من كل جانب”.
2.4. المرحلة الثانية:
1.2.4. الأغاني القصصية والتاريخية للقبيلة
تعتبر هذه المرحلة من “النجمة” من المراحل الأكثر تعبيرا عن الحياة التاريخية للمجموعة وعن البيئة التي تجسدها أغاني النجع، البرق، الخيول، القبيلة... يمكننا أن نصف الجزء الثاني من “النجمة” بمرحلة الأغاني القصصية، الملحمية والتاريخية.
قد تتداخل وتتواتر الأغراض في الأغنية الواحدة وذلك لطول هذه الأغاني التي تصل في بعضها إلى أكثر من خمسة عشرة “جُرَّادَة” (مقطع) ولكن الشكل والمحتوى العام للأغنية في هذه المرحلة يجب أن يكون مقبولا وخاضعا للمقاييس والضوابط الاجتماعية وبالتالي يتحقق التكامل الثلاثي للعناصر المشكلة لعرض”النجمة” (النساء المؤديات، الأغاني والجمهور) فتكون العلاقة بين الباث والمتقبل علاقة مشوبة بالحذر، مبنية على الاحترام المتبادل حسب البعد القيمي للمجموعة، والتي يكون فيها الشيوخ خاصة في المرتبة العليا للقوم وقد تساهم في ذلك الفروض الدينية كالحج مثلا وهذا ماورد في أغنية “يا الحاج يا غالي الفية”
يَا الْـحَـاجْ يَا غَالِـي الْفَيَّه
*هُوَ بَطَا مَا جَاشْ... .
نِـحنَا قَـطَعْـنَـا الْخِــيـِريّــه
خَــلاّصْ كُـــــلْ أَوْحَــــــالْ
يَا الْـحَـاجْ يَـاغَـالِـي الْـفَـيّــه
نَـجْــعْ الْهَــمَامَـــة ِرَحَــــلْ
وبَـــاجْـحَــافُـــوا طَــــــلْ
بَأسْلاَقـُـو وبَخْيُـولـو تهْــِولْ
بَــسّــطْ خِـيَــامُــو ونْـــِزلْ
فِــي عِـــيــثـَـة ورْمَــــــلْ
حْـلِـيـلْ الْـمَتْـهُـومْ بِالْـعَـقَـلْ
قــَـلــبُـــو تْــخَــلْـــخِـــلْ
شَاهِي شَرْبَـاتْ مِــن الْعَـسـَلْ
تــِــبْـــــِري الْــعِـــلَــــلْ
لاَ حِــقْ مَرْحُــولْـهَــا غَـــدَى
الْهَـجْـفَــا مِـيـجَــالِكْ بِـطَــا
*هُوَ بَطَا مَا جَاشْ … .
أَحْــمَـدْ وَلَــدْ مَــنْ جَـابَاتُــو
جـْـمِيعْ الْعُرُوبَـة طَاعَـاتُـــوا
فِــي الْهَــارْبَــة دَرْقَـــــاشْ
عَلْى الْلاَبْسَـة جَــرْدْ النّيـلِــي
وَالْـخُـــرُصْ والــنَـــــوّاشْ
شَـمْـبِيـرْ وزَادَاتُـــو لَـيــّــه
سَـلّـمْ عَـلَـى لَــحْــبَــــــابْ
يَا الْــحَـاجْ يَاغَـالِي الْفَيـــــّه
*هُوَ بَطَا مَا جَاشْ … .
أَحْـمَــدْ حَلَــفْ بِالـصُّـــــومْ
وقَــالْ الــنَّوَاجِــعْ تِتْـفَـيَّــه
ويغِـــيرْ عْـلِـيــهَا الْقُـــــومْ
وتُقْعُـدْ خْيَــامْهُــمْ مَرْمِيّــــه
*هُوَ بَطَا مَا جَاشْ … .
أَحْمَدْ وَلـَـدْ فُــــوقْ عْدِيـــَدهْ
بُرْنِـي حَــرَجْ شَــافْ قْتِـيلـَه
فِـي الْهَــارْبَـــة دَرْقَـــــاشْ
عَلْـى اللاَبْسَة حْرَامْ النّــــِيلِي
الْـخُــرصْ والــــنَّـــــوَاشْ
شَمْبِـــيـرْ وزَادَاتُـــو لَيّـَـــه
سَــلِّــــمْ عَـلى لَحْــبَـــــابْ
يـَـا الْحَـاجْ يَاغـَالـِي الْفـَيّـــه
*هُوَ بَطَا مَا جَاشْ... .
أَحْمَـدْ رَحَــلْ قَالــُوا غَــــرّبْ
ذكْرُوهْ عْلَــى قَفْصَـة مـــَـِرّقْ
بَــأجْحَـــافْ ونـْـوَاقِـــيـــزْ
ولِبْنَاتْ مَرْقُو فِـي الْعَكــــِري
شَـعَّــالْ وعَـنْبَـرْ قِــــيـــزْ
يـقُلّــكْ سِـوَاري بَحْــِريَّـــة
سَـلّـمْ عَـلَـى لَـحْــبَــــــابْ
يَـا الْحَــاجْ يَـاغـَالِي الْفَيّـــه
*هُوَ بَطَا مَا جَاشْ … .
الله ولاَكُــــوتْ مـيَــصِّـــلْ
مَرْبُوطْ فِـي الرِّتْعَــة يَصْهَــلْ
ركْـبُــو وَلَـــدْ مَـــاطَــــاحْ
لَـْو كَــانْ لَسْمَــرْ يـتْــكَـلَّـم
فِي وَسْـطْ الجَّـعَــبْ طَــوَّاحْ
يُـقْـتُـلْ ومَــا يَعْطِــي دِيّـــه
سَــلِّــمْ عَـلـى لـَحْـــبـَــابْ
يـَـا الْحَـاجْ يَاغَـالِـي الْفَيّـــه
*هُوَ بَطَا مَا جَاشْ … .
الله ولاَ كـُـــــوتْ ربَــــــعْ
والــــدِّيـــــرْ مْــهَــلّـَـــعْ
سَرْجَه بِالــذهْــبْ مَرَصّــــعْ
فـِــي الـحَــــافِـــي يـــرِعْ
مـُـولاَهَ مَـاشُــــو بَــايـَـــعْ
الهـَجْـفَــا مِيجَــالَكْ بـِطَــــا
*هُوَ بِطَا مَا جَاشْ… .
يـَاوخَيْـتِـي قَلـْبِــي انْـــدَرَكْ
وانْــحِــسـُـــوا حـَـــــارِكْ
عَلّتْـنِــي اللاّبـْسَــة الـشّـرَكْ
ورِيــتْ الــمَــضْــحِــــــكْْ
تـَبْـــرُورْ وصَـبُـــو مَـلَـــكْ
فِـــي عـَــــرْضْ مـْـــطَـــرْ
الهَجْفَا مـَا جَـانِــي خَــبَـــرْ
*هُوَ بِطَا مَا جَاشْ… .
يـَاوخَـيْـتِي جِـيتَكْ بِالجَــاهْ
وخْــيَـالَــكْ مَـــاأَبْـــهَــاهْ
صَرْوِلْ فِي جْنَـانُــوطَـغَــى
والــــــــرَّبْ عْــطَــــــاهْ
وخَــيَـــّكْ فِـــي مَــــكّـــة
ذَنْـــبُـــو تِـــــمْـــحَـــى
*هُوَ بِطَا مَا جَاشْ… .
يـَاوخَيـْتِي قَلـْبِي مَهْمُــــومْ
وصْفَـكْ شَقْـرَة نَهَـارْ القُــوْم
زَادِتْ فِـــي الـــسُّـــــــومْ
مُــولاَهَــا طَــالِبْ الغَـــــلاََ
الْهَـجْـفَــا مِـيـجَالِـكْ بِطَـــا
*هُوَ بِطَا مَا جَاشْ... .
هذه الأغنية احتوت على 12 مقطعا توزعت على عديد الجوانب المتصلة بحياة القبيلة، حتى أنه أصبح من الصعب فهم غرض هذه الأغنية من الوهلة الأولى، ولكن الباحث في أصول هذه الأغنية وعلاقتها بالنظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتاريخية لفترة إنتاجها يجد أنها مرجع غني جدا عبرت عن علاقة الفرد بالمجموعة وولاء المجموعة للفرد (الحاج سيد القبيلة) وعن علاقة المجموعة بالنظام الحاكم في الفترة الاستعمارية بالبلاد التونسية.
لقد تبين جليا آليات العيش البدوية التي تتمحور حول النجع، الإبل، الخيل، والخيام دون أن ننسى المرأة وبعدها القيمي للقبيلة. يمكن القول أن أغنية “يا الحاج يا غالي الفية” أغنية عميقة في خباياها رمزية في أدائها، تخفّت المرأة وراء صور الوصف للخيل للمرأة، للنجع ولفتوة الفتيان لتفصح عن واقع غالبا ما يكون مسكوتا عنه. “إن رمزية الألحان، مثل رمزية الألوان تعبر عن ارتداد نحو التطلعات الأكثر بدائية للنفس، ولكنها تشكل أيضا وسيلة للتخلص من الحتمية الزمنية ومحاولة للتعايش مع الزمن من خلال تلطيفه”.
تتضح الخبايا اللحنيةبمجرد معرفتنا لشخصية “أحمد” الذي تبدو المرأة وكأنها تمدحه في الأغنية، لكن في حقيقة الأمر أحمد بن يوسف هو ڤايد الهمامة في الفترة الاستعمارية، كان يقوم بجمع الضرائب من القبيلة حسب المواسم الفلاحية، ومما جاء في الأغنية أنه صادف قدومه غياب الحاج عن القبيلة والذي يمثل السند الأساسي لكل متطلبات المجموعة في أفراحهم وأتراحهم.
فعلى رأس كل قبيلة كان شيخ أوسيد يعمد إلى حل كل المشاكل التي يعود نفعها على القبيلة وكان أفراد القبيلة هذه يتأرجحون بين قطبين، بين المحافظة على الشخصية الفردية واحترامها، وبين التعلق بروابط القبيلة التي هم جزء منها لا يتجزأ.
عبرت الأغنية عن حالة الفراغ الذي تركه هذا الحاج (خلاص كل أوحال) وعن عجز المجموعة في مواجهة القايد أحمد بن يوسف الذي حلف “بالصوم” إن لم تتحقق مطالبه سيقوم بما لا يرضيهم(تبقى خيامهم مرمية) ولكن هذه المشاكل الحقيقية التي تحتويها الأغنية لطفت نسبيا بوصف المرأة وملابسها وشكلها الخارجي إلى جانب الخيل وما تكتسيه من أهمية للحياة البدوية، حتى أصبحت الأغنية قادرة على الحضور في المناسبات الاحتفالية لهذه المجموعة.
تتجلّى في هذا الإطار أهمية الأغنية البدوية الرّيفية في التعبير عن الواقع، ويتضح للدارس أسباب طريقة الأداء لأغاني الطوّاحي والتي تقتصر على الصوت فقط، مع غياب مرافقة الآلات التي ربما قد تمنع التركيز على معاني الكلمات في الأغنية.
تتميز أغاني “النجمة” عن غيرها من الأغاني في المناسبات الاحتفالية، فهي تتطرق إلى مواضيع قد تبدو لا علاقة لها بالاحتفال والفرح، ولكن في حقيقة الأمر هي عملية تنشيط للذاكرة الجماعية وربط بالجذور التاريخية وبالانتماء القبلي الذي يثير لدى المجموعة نوعا من الاعتزاز بالأمجاد والبطولات القبلية. قد تتحول بعض الأغاني القصصية إلى نموذج تحذيري من الخروج عن البعد القيمي والأخلاقي الجماعي فتكون مثالا متداولا في المناسبات الاحتفالية ك”النجمة” ولعل أغنية “عالقد فلانة” خير شاهد على ذلك.
عــَـالْـڤـــــدْ فْلانَـــــــه
عـَـالْڤـدْ فـْـلاَنـَه فـَرْحَاتْ سَـــارْ وخَلاَّنَه
هـَـا خَـــــــــــــالْ
عـــَـالـْـــڤـــــدْ مْــلِـــيـــــحْ
شَعْـوِيّـة ويـذرِيهَـــا الرّيــــــحْ
وسْخَابْ عَالَـــى الصّـــدْرْ يمِيــحْ
وشَــــرَكْ مْــوَاتِـــي لَضْمَـانَـــه
هـَـا خَـــــــــــــالْ
*عَــالْـڤـدْ فْـلاَنَـه... .
جــَـــابُــــــوهْ يـــــهِــــــسْ
مِـتــْـحَـدِّدْ بَحْـدِيـــــدْ فْــــرََْسْ
عـَطْـشـَــان ْوالـّريـــقْ يـبِـــسْ
ويشَحِّــــي عَلَـى مَلڤـــى فْلاَنَــه
هـَـا خَـــــــــــــالْ
*عَــالْـڤـدْ فْـلاَنَـه... .
فـَــــرْحـَــــاتْ الـْـــڤــيــــفْ
كي ضَرْبـُــو مْحَمّــدْ بِالسِّـيـــفْ
ڤـَـالُـــــو ويـنَــكْ يـَــاڤِــيــفْ
تَعْـقِـلْشْ نْهَـــارْ الـڤـومَـانَـــــه
هـَـا خَـــــــــــــالْ
*عَــالْـڤـدْ فْـلاَنَـه... .
عَـــالْــــڤِــــدْ الــــرّيــــتَــَـه
والـلّعــِبْ والضّحِــكْ نْسِــيـتـَـه
فَـرْحَــاتْ ڤـَـاعـِدْ فِـــي بِـيـتـَـه
ڤـَـدّمْـتْ وكــَـادْنـِـي بَدْيـَـانَـــه
هـَـا خَـــــــــــــالْ
*عَــالْـڤِـدْ فْـلاَنَـه... .
هــَـــــانـْـهـِــمْ جــَـابـــُـــوهْ
عـَالْكـَــافْ الْـوَاعِـــر لـَـــــزّوهْ
تـَـكّـُـو عـَـلِــيــْه وذَبـْحـُــــوهْ
وتـَـــاڤُوعَلـىَ جْرَايــِدْ مِسْلاَنَــه
هـَـا خَـــــــــــــالْ
*عَــالْـڤِـدْ فْـلاَنَـه... .
جـَـــابـُـــــوه ْعــْـشـِــيّـــــه
مَضْــرُوبْ عَلــىَ عْــرُو الرِّيَــه
فـَـرْحَـــاتْ عِــــزْ الْـمَـهْـرِيّـَــه
سَـــامـُـورْ وتـَـــوِّ دُ خَــانـَه
هـَـا خَـــــــــــــالْ
جــَــــابـُـــوه ْيـــــــــــدَادِي
مَضْـــرُوبْ بــحـَبْ الْفـَــــرَّادِي
رَڤـبـَـــةْ ْغـْـــزَالْ الْـعَـــــرَّادِي
وهـَـــذاَك َحَــــالْ الرَّجَّـــــالـَه
هـَـا خَـــــــــــــالْ
*عَــالْـڤِـدْ فْـلاَنَـه... .
جـــَـــابـُــوه ْمِـــنْ عَــمْــــرَة
جـَـابُوهْ عَلَى الْبَغْلَـــة الْحَمْـــرَة
مَضْرُوبْ عَلــىَ الطُّفْلَــة السَّمـْـرَة
وهـَـــــذاَكَ حـَــالْ الـرّجَّــالـَـه
هـَـا خَـــــــــــــالْ
*عَــالْـڤـدْ فْـلاَنَـه... .
عبرت هذه الأغنية عن قصة “فرحات” الشخص الذي تجاوز العشيرة (فرحات سار وخلانا) وخرج وراء فتاة (فلانة) وقع في حبّها، ولكنه تعرض إلى التعذيب من طرف أهلها (جابوه يهس متحدّد بحديد فرس) ثم قتله (تكو عليه وذبحوه). فكأني بالمرأة في هذه الأغنية تندب حظ هذا الرجل الوسيم (رقبة غزال العرّادي ) وتروي قصة مطاردته وقتله من أهل الفتاة ثم تختم بالقول (هذاك حال الرّجالة ) وهي عملية تلطيف لما حصل فتريد القول أن الرجل معرض في كل الأحوال إلى جميع المخاطر.
وتمثل هذه الأغاني مركز الثقل في عرض “النجمة” وكما أسلفنا الذكر فهي مرتبطة بحضور الجمهور وخاصة كبار السن الذين ينسحبون تدريجيا وتصبح الأغاني أكثر جرأة في المعاني ذات الأغراض الغزلية الصرفة.
3.4. المرحلة الثالثة
1.3.4. الأغاني الغزلية:
تمثل هذه المرحلة الجزء الأخير من “النجمة” ويمكن تسميتها بمرحلة الأغاني الغزلية، ولقد لاحظنا ذلك من خلال الأغاني المؤداة في سهرة “النجمة” ميدان بحثنا. تعتبر المرحلة الثالثة من “النجمة” الأكثر جرأة وحرية للنساء المؤديات ويعود ذلك إلى الجمهور وتأثيره على العرض من خلال العلاقة الجدلية بين الباث والمتقبل، فالحضور في هذه المرحلة يكون معظمهم من الشباب، فلا تجد المرأة حرجا في تناول مواضيع غزلية بعد انسحاب الشيوخ بنهاية المرحلة الثانية من “النجمة” ويعود ذلك إلى عدة أسباب منها عدم تحملهم لطول السهر ... إذا كانت المرحلة السابقة أكثر عمومية فلم يتم ذكر الحبيبة إلا بالتلميح والإشارة من بعيد مثال (عالقد فلانة) فان هذه المرحلة أكثر خصوصية تنطلق من العواطف الفردية وتبلغ من الصراحة والجرأة إلى حد الإفصاح عن اسم الحبيبة مثل ما ورد في أغنية “ما تجيبلي لخبار”.
*مَاتْجِيبْلِي لَخْبَارْ... .
مـَــاتْـجِـيـبْـلِـي لَخْـبـَـــــارْ
تـَــرَّاسْ لْـجـَانـَا مِـتْــعَـنِّــي
سـَــاسْ الْـحَــرَمْ والْـكـَــــارْ
ويَانَاسْ مـِنْ يُوصِــلْ زَعْــــرَة
*مَاتْجِيبْلِي لَخْبَارْ... .
ويـَازَعْـرَة مَاكْ الْخَرْخُـوطـَة
لِـبْسَتْ حِرَامْ تَحْـتَهْ فُوطَـــه
وتـَـحْـتْ الـِـرّدَى خَـلْخَــالْ
شَـمْـبِــيـرْ وزَادَاتَــهْ لَـيّـَه
عَـلـَـى كَحــْلـَـةْ لَــسْـهـَادْ
زَعْــرَة غـِــزَالْ الــدَّاوِيـَّــه
ويَانَاسْ مِنْ يُوصِلْ زَعْرَة .
ويـَـزَعْرَة رَاوْ ڤِـدَّكْ بَـاشَــا
رَاوْ بَـيْ مْحَـرِّجْ بَـادْباَشـــَا
بـَـعْـسـَـاكـْرَه ودِيـــــوَانْ
وطْبُولْ عَلَــى رَاسُــو تِرْنِـي
مـِـنْ الصُـبُـحْ لِـلْمِسْـيَـــانْ
ويَاناسْ مِـنْ يُوصِــلْ زَعْـرَة
*مَاتْجِيبْلِي لَخْبَارْ... .
ويَازَعْـرَة رَاوْ ڤِـدَّكْ يُونِــسْ
رَاوْ بَـيْ مْحَـرِّجْ فِــي تُونِسْ
بـَـعْـسَــاكـْـــرَه ودِيــوَانْ
وطْبُولْ عَلـىَ رَاسُــو تِرْنــِي
مـِـنْ الصُّـبُـحْ لِـلْمِسْـيَـــانْ
ويَانَاسْ مِــنْ يُوصِـلْ زَعْـرَة
*مَاتْجِيبْلِي لَخْبَارْ... .
يـَـازَعْـرَة تُـفـّـَاحْ السـَّاحِـلْ
رِيڤَـكْ عَسَـلْ شَهْدْ مْنَاحِــــلْ
مَـڤـْـطُــوعْ مـِنْ لـَـجْـبـَـاحْ
وَدِّيـنَـهْ لِلْــبَــيْ هـْــــدِّيـَّه
عَـلـَـى كـَحْـلـَةْ لـَـسْــهـَـادْ
زَعْــرَة غـِـزَالْ الــدَّاوِيـَّـــه
ويَانَاسْ مِنْ يُوصِلْ زَعْرَة .
يـَـازَعـْـرَة تُـفـَّــاحْ تْـبِـسَّـة
ريڤـَكْ عَسَلْ شَهـْدْ الْغَــرْسَـة
مَـڤْــطُــوعْ مِـنْ لـَـجْـبــَاحْ
ودِّيـنَـهْ لِلْــبَــيْ هـْــــدِّيـَّه
عَـلـَـى كَـحـْلـَـةْ لَــسْــهـَادْ
زَعْــرَة غـِـــزَالْ الـدَّاوِيــَّــه
*مَاتْجِيبْلِي لَخْبَارْ... .
تكونت هذه الأغنية من ستة مقاطع كانت كلها في وصف الحبيبة المسماة زعرة ما عدا المطلع الذي عبر عن الشغف لمعرفة أخبار الحبيبة من الضيف القادم إليهم (ترّاس الجانا متعني). جاء المقطع الأول في وصف المرأة ولباسها (حرام، فوطة، الرداء، خلخال، شمبير...) لقد تجاوزت المعاني في هذه الأغنية من الوصف الظاهر إلى تعظيم مقام المرأة الاجتماعي وتشبيهها بأعلى المناصب (باشا، بي) وما يحضون من بهرج وحاشية لخدمتهم طوال النهار (من الصبح للمسيان) تواصل هذا التشبيه والرّقي بمنزلة زعرة طيلة مقطعين من الأغنية وهما المقطع الثاني والثالث.
تدرج الغزل في الأغنية ليصل ذروته في المقطع الرابع والخامس (ريقك عسل شهد مناحل)، (ريقك عسل شهد الغرسة) ويمثل ذلك جرأة كبيرة في معاني هذه الأغنية من خلال تجاوز المنزلة الاجتماعية والوصف الخارجي إلى الوصف الدقيق بخصوصيات الحبيبة. ربما تلك التعابير التي جعلتنا نقول أن هذه المرحلة من “النجمة” الأكثر جرأة في الأغاني، وهذا ما وجدناه أيضا في المثال الغنائي “شارد لريام زينة”. تمثل المرأة محور هذه الأغاني باعتبارها مبعثا للغزل والتعبير عن الأحاسيس الوجدانية، ولقد كانت الصور الشعرية والتعبيرية مستوحاة من الطبيعة ومن مشاهد البيئة البدوية الريفية كالصيد والفروسية ونورد في هذا الصدد نص أغنية “شارد لريام زينة”
شَــاِردْ لَرْيَــامْ ِزينـَـة .
نـَـجَـــعْ أُبـَــيـِّـكْ ويـنَـهْ
يـَاشَـاِردْ لـَرْيـَـــامْ ِزينَــة
يَـازِيـنَة يَـابـْنَـيّـتْ عَـمِّـي
مـَاصَابِك ْعِلْكــَة فِــي فُمِّـي
رَايْ بِيـــنْ أَنْيَابِــي دِيمَــه
يـَا شَـاِردْ لـَرْيـَـامْ ِزيـنَــة
*نَجَعْ أُبَيِّكْ وينَهْ ... .
يَازِيـنَة حُمـر الشَّــــوَاِربْ
رَايْ صِيفَةْ لَرْياَلْ هَـــــارِبْ
كِي شَافُو الصّيَــــادْ زَاِربْ
كـِي شَـافـُــو رَڤّـــّدْ عـِينهْ
يـَاشَـاِردْ لـَرْيـَــامْ ِزينَـــة
*نَجَعْ أُبَيِّكْ وينَهْ ... .
*نَجَعْ أُبَيِّكْ وينَهْ ... .
الْـمَحْفِـلْ جَا مِـنْ الْمِزُّونَــة
جـاَبَـاتَهْ سُـودْ عْـيُـونَـــهْ
رَاْي مَـشْـيَـة وتْذهْلِيلَـــــة
يـَاشَـاِردْ لـَرْيـَــامْ ِزينَـــة
*نَجَعْ أُبَيِّكْ وينَهْ ... .
الْـمَحْفِـلْ جَا مِــنْ ڤَـمُّــودَة
جَاباَتَهْ زُهْـرَة ومَسْعُـــودَة
رَايْ مَـشْيَــــة وتْذهْلِيلَــة
يـَاشَـاِردْ لـَرْيـَــــامْ ِزينَـة
*نَجَعْ أُبَيِّكْ وينَهْ ... .
الْمَحْفِـلْ جَا مِنْ الظّوَاهِـرْ
جَـابَاتَـهْ عْـرَبْ الجَّوَاهِـرْ
رَايْ مَـشْيَـة وتْذهْلِيلَة
يـَاشَـاِردْ لـَرْيـَــامْ ِزينَــة
*نَجَعْ أُبَيِّكْ وينَهْ ... .
افتتحت هذه الأغنية بمطلع في شكل سؤال، ومن العنوان نلاحظ تشبيه المرأة بالغزال الشارد وهي الصورة التي تتكرر كثيرا في الأغاني الغزلية. تكونت هذه الأغنية من ستة مقاطع غنائية تراوحت بين التغزل بذات الحبيبة (زينة حمر الشوارب) وبشكلها الذي مثله بالغزال من خلال تعديد أسمائه لريال، لريام (راي صيفة لريال هارب) وكذلك بالمكانة الاجتماعية للحبيبة والتي تحددها كثرة المحافل القادمة إليها من مختلف الأماكن.
ما لاحظناه في هذه المرحلة الغنائية من “النجمة” أن مواضيعها وأغراضها الغزلية تتراوح بين الشوق والحنين والحب وألم الفراق وشكوى البعد والذي يعبر عنه بالمرض أحيانا .
2.3.4. أغنية الاختتام
يختتم عرض “النجمة” بمنطقة الهيشرية بأغنية واحدة وهي “دام الفرح”، ولا يمكن غناؤها قبل نهاية السهرة أبدا وفي ما يلي نصها:
دَامْ الْـفَـــرَحْ
صَـلـّيـتْ عَـالـنَّـبي صَلـّيــــــتْ
وأثنوا بالصلاة عليــــــــــــــه
خِـيــرَة وبَـرْكة الـْحِـجَّــــــــاجْ
يـــدُومْ الــْفــَرَحْ لـِمّـالـــــــِيـهْ
ومن كلماتها نتبين أنها أغنية دينية، فهذا الشكل الغنائي وجدناه أيضا في مرحلة الافتتاح "للنجمة. وقد جاء في معانيها الصلاة على النّبي والتمني بالخير والبركة ودوام الفرح لأهل الاحتفال، والملاحظ أن هذه الأبيات الغنائية تؤدى بطريقة مخصوصة، فتعاد الأبيات سبع مرّات من قبل "الجَّرَادَة" و"الشَّدّادَة" على حد السواء، فعملية "التسبيع" للفرح طقس لابد من حضوره في الافتتاح والاختتام لعرض "النجمة".
الهوامش
القادمون من الجزيرة العربية والمستقرين بالبلاد التونسية.
2 - قمودة: الاسم القديم لولاية سيدي بوزيد
3 - الْجَرَّادَة: هن النساء المؤديات للمقاطع الطويلة من الأغنية وهو الجانب الأكثر صعوبة في أغاني “الطواحي” التي تتطلب إمكانيات صوتية هائلة إضافة إلى طول النفس لأن “الجُرَّادَة” الواحدة قد تتجاوز الستة أبيات تؤدى مسترسلة دون توقف مع إضافة الآهات الخاصة بالأغنية وتمديد الأحرف.
4 - الشَّدَادَة: هن النساء اللاتي يلتزمن بأداء الطالع إذا كان على نفس نغمة بقية الأغنية، أما إذا تغيرت فتؤدين الجزء الأخير من “الجُّْرَّادَة”داخل المقطع الواحد ويعودون إلى الطالع بعد نهايته. ويمثل دور”الشَّدَادَة” في بعث قسط من الراحة “ِللْجَرَّادَة”أثناء الأداء وكذلك في المحافظة على النغمة وعلى الطبقة الصوتية قبل رجوعهم لغناء المقطع الموالي.
5 - الاتنولوجيا الموسيقية هي «الدراسة العلمية لموسيقى المجتمعات غير المصنعة والموسيقى الشعبية للمجتمعات الصناعية»
طريقة اداء ثنائية ولكن تختلف عن البوليفونية.: L׳antifonie 6
7 - الأخضر:غرض الغزل
8 - العكس: غرض الهجاء والنقد للأوضاع الحياتية بطريقة غير مباشرة
9 - النجع: غرض يعنى بوصف النجع وآليات العيش فيه
10 - البرق:غرض وصف الطبيعة،السحب، الأمطار.
11 - الكوت: غرض يعنى بوصف الحصان ويمثل أيضا احد أسمائه.
12 -الملالية: أغاني شعبية يفتتح فيها كل بيت بلفظة “يا لا لا”.
13 - الأطراق :تؤدى من طرف النساء أوالرجال وقد ترافقها بعض الآلات الشعبية كالقصبة والطبل.
14 - أغاني المحفل: أغاني نسائية تؤدى أثناء تنقل المحفل .
المصادر والمراجع
-الحبيب(محمد)،"التراث الفني في تونس”، التراث الفني العربي وطرق عرضه ص 14
-بن عثمان (محمد عبد العزيز)” قضايا التراث في الموسيقى العربية”، التراث الفني العربي وطرق عرضه ص 90.
- بلاشير، تاريخ الأدب العربي، باريس ،1952 م، ص.21.
- خواجة (أحمد)، الذاكرة الجماعية والتحولات الاجتماعية من مرآة الأغنية الشعبية. 361 ص.
-دوران(جلبير),الانتروبولوجيا رموزها أساطيرها أنساقها .ترجمة:د مصباح الصمد، ص.202.
-مصادر شفوية(قا ئمة طويلة من اللقآت).
-مصادر سمعية بصرية لظاهرة النجمة.
Nouveau Larousse encyclopèdique,Volume I
LEOTHAUD, Gilles, Initiation à l’ethnomusicologie, CNED , Institut de vanves. P.98-99.
1- ZANNAD BOUCHRARA(Traki),La ville mémoire contribution a une sociologie de vécu, Ed, meridiens klincksiék, Paris . 1994.p2