فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

الرقصات الأفرو – يمنية / بحث في افريقانية اليمن الموسيقية

العدد 5 - موسيقى وأداء حركي
الرقصات الأفرو – يمنية / بحث في افريقانية اليمن الموسيقية
كاتب من اليمن

حديثي يستعرض الصيرورة التاريخية لرقصات شعبية يمنية تدين بأصولها إلى البر الزنجي المواجه لشبه جزيرة العرب والذي ظل على مدى التاريخ المؤيد بالشواهد المادية التي تقدمها لنا علوم الآثار والعلوم الأخرى المساندة لعلم التاريخ  مصدرا من مصادر التأثير والتأثر الثقافي لعرب شبه الجزيرة لا سيما  القاطنين في سواحلها حيث نشطت حركة التجارة وتبادل السلع المختلفة ونشطت معها التحركات الديمغرافية على شكل هجرة للآخر أو احتلال له وكان من الطبيعي أن تكون الجسر الذي تمر عبره المؤثرات الثقافية ومنها الفنون التعبيرية الأدائية من موسيقى ورقص وغناء وفي الاتجاهين معا. كما لا يمكن أن نغفل تجارة الرقيق كنشاط اقتصادي مستقل  دام حتى العصر الحديث ليختفي نهائيا في القرن الميلادي العشرين بعد ان قام المستعمر البريطاني في عدن بحملات على هذه التجارة. ومن يدري فقد يوفق بعض علماء الاثنوميوزيكولوجي ذات يوم في تقديم بانوراما متكاملة عن المثاقفة المذكورة بين سواحل جزيرتنا

العربية والبر الزنجي  بحيث تكون دراسة جامعة مانعة لا تترك صغيرة أو كبيرة إلا وتفحصتها وحللتها تجريبيا موظفة في ذلك كل معارف ومهارات البحث الاثنوميوزيكولوجي أو (علم موسيقى الشعوب) .

ففي دول الخليج العربية بما فيها جنوب العراق قدمت دراسات عديدة بدءا من الستينات من القرن المنصرم لهذه الرقصات (الأفرو- خليجية) قام بها باحثون محليون وعرب ومستشرقون .

وعموما فان كتب التراث العربي صريحة في الإشارة إلى الآصرة بين الزنج والطرب. وقد ورد في ألأثر ما ينم عن تفهم المعلم الأول محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم لهذا الميل الفطري عند الزنج وقصته مع الحبشة ورقصهم معروفة. ويشير الدكتور محمد عبد المجيد عابدين في كتابه (العرب والحبشة) الى أن عرب الحجاز أخذوا عن الحبشة رقصة (الحجل) وهذا يفيد عراقة تسرب الفنون الأدائية الزنجية إلى جزيرة العرب.حتى أن الدكتور ناصر الدين الأسد  أشار في كتابه (القيان والغناء في العصر الجاهلي)1 إلى أن تسمية الجارية المغنية بالقينة في العصر الجاهلي  ربما كان مشتقا من (القنين) وهو (طنبور) أهل الحبشة. وفي هذا السياق أذكر رأيا جديدا  كنت قد سمعته من الباحث السوداني بدرالدين عبدالرزاق2 في محاضرة قدمها في صنعاء عام 1990م, أشار فيها إلى أن طنبور أهل الحبشة كان معروفا في عصر النبي محمد صلى الله عليه وسلم, وأن سيدنا بلال أول مؤذن في الاسلام كان يعزف عليه ولذلك عرف بأبي الطنابير كما عرف أيضا بأبي السناجك. ويضيف هذا الباحث ان الرسول صلى الله عليه وسلم قد سأل بلال عن تعلقه الشديد بهذه الآلة في الجاهلية والإسلام فذكر له بلال أنها تذكره بمواعيد الصلاة  فلم ينهه عنها!

أما لفظة (سنجك) هذه فربما كان أقدم اشارة اليها في العصر الفاطمي بمصر حيث نجد أن (الطبلخانة) أو فرقة الموسيقى العسكرية  في عهد السلطان غياث الدين الغوري ( ت 1022م) كانت تضم السناجك السلطانية والخليفية. أما في العصر الحديث فنجدها رائجة في السودان وفي مدينة عدن3 حيث يقصد بها عازف آلة الطنبور, واللفظة مشتقة من اللغة التركية حيث تعني هناك الضابط في القوات غير النظامية في الجيش العثماني– المصري4. وفي  زمان الدولة العباسية ببغداد نجد المفكر الجاحظ(ت 869م) يقول ما نصه: (الزنج أطبع الخلق على الرقص الموقع الموزون والضرب بالطبل على الإيقاع الموزون من غير تأديب أو تعليم وإنّ من تمام آلة (الزمر) أن تكون الزامرة سوداء). ونسمع كلاما مماثلا من المفكر ابن خلدون (ت1405م) .

أما المؤرخ السوداني  دكتور يوسف فضل حسن5 فيقول ما نصه: (والواقع أن حب السود الفطري للغناء والرقص كان واحدا من معالم الثقافة الإفريقية القليلة التي ظلت آثارها باقية في اليمن وباقي شبه جزيرة العرب ذلك أن فن الغناء والرقص المعاصر في الجزيرة العربية ينطبق عليه  هذا الحال الذي كان شائعا عند ظهور الاسلام, مثلا ما زال هذا الفن  كما توضح وسائل الإعلام المرئية في يد جماعة من الخلاسيين والخلاسيات)!

ويتحدث النسابة ابن حبيب البغدادي (ت860م) في كتابه (المحبر) عن غرابي قبيلة عك، غلامين أسودين يتقدمان وفد قبيلتهم وقد أشرف على الوصول من مضاربه في تهامة اليمن إلى مكة للحج ويكونان عريانين على جمل يقولان (نحن غرابا عك) فينشد الناس من خلفهم :-

عك اليك عانية

عبادك اليمانية

كيما نحج الثانية

على الشداد الناجية

 

ولعل من أقدم الاشارات التي صادفتها عن تميز الغناء الذي يؤديه السود في اليمن ما قيل بأن المطرب العباسي أبا القاسم اسماعيل بن جامع كان يغني فيما يغني للخليفة العباسي هارون الرشيد(ت 809م) أغاني النسوة السود في اليمن, وأرجح أن يكون ذلك إن صح قد حدث بعد أن عاد ابن جامع من اليمن الى بغداد حيث تذكر لنا الروايات أنه هرب من أبيه الى أخواله في اليمن لفترة من الزمان وأنه غنى (أصواتا) يمانية غير هذه التي ذكرنا.

ويبدو المؤرخ اليمني أحمد بن أحمد الشرجي الزبيدي (ت 1497م) في كتابه (طبقات الخواص)6 ساخطا على جماعة من (أخدام) اليمن تعرف بالسناكم تقطن قرب زبيد بتهامة اليمن فهم لا يراعون الشرع الإسلامي فيأكلون ما تعفن ويشربون المذهبات للعقل كما أن شيخهم له طبل يعزف عليه ويصنفهم الشرجي كعبيد. ويعلق المستشرق البريطاني دكتور روبرت سارجنت  على هذا النص بقوله أن لفظة العبيد كانت تطلق على مجامع عدة من السكان الداكني البشرة وذوي الملامح غير العربية. ولعلنا نلاحظ أنّ العزف على الطبل أو التطبيل مازال وصمة اجتماعية في هذه المنطقة من اليمن كما يفيدنا المستشرق البريطاني  اندرسون باكويل7 فلربما عزف رجال القبائل في تهامةعلى الآلات الوترية أو الهوائية لكنهم يترفعون عن التطبيل باعتباره فن فئة الاخدام التي تمثل أعمال الاطراب مصدر دخل لرجالها ونسائها, وفي رأي الباحث اليمني محمد سالم شجاب فان هذه الفئة تشكلت في اليمن عندما قام الخارجي علي بن مهدي بسبي افرادها ممن وفد أصلا من الحبشة لمؤازرة أبناء جلدتهم من النجاحيين في تهائم اليمن فأصبح لهم وضع اجتماعي خاص منذ ذلك القرن الخامس الهجري وحتى يومنا هذا.

ويذكر المؤرخ اليمني محمد عبد القادر بامطرف8 أن مدينة الشحر التي تقع في حضرموت على بحر العرب كانت تحتضن عام 1522م مرقصا تجلب راقصاته من جزيرة(لامو) التي تتبع الآن دولة كينيا  ليقدمن عروضا فنية متواصلة لستة أشهر ثم ينتقلن للأمر نفسه الى مدينة عدن  أو مدن الحجاز وربما يعدن الى وطنهن, وفي كل حال يحل محلهن لفترة مساوية راقصات يجلبن من الهند. ويضيف ما نصه (وفي الشحر عدد من حانات الشراب الذي يعصر محليا وفي المدينة ماخور ومرقص يديرهما أحد الهنود بالاشتراك مع بعض أهالي الشحر. والربان باسباع يطلق على الماخور والمرقص  اسم محلات الغرام والهيام والمدام). ولقد ارتبطت مدينة الشحر بصلات ملاحية قوية بالمنطقة السواحلية في شرق إفريقيا حتى أنّ أهل الشحر يسمون موسم عودة السفن من البر الإفريقي إلى مدينتهم موسم (الديماني)9. وأورد هنا مطلع أهزوجة كان يغنيها بحارة اليمن حينما يتوجهون للسواحل ويغامرون  في التصدي للأمواج المجنونة التي تعترض رحلتهم:-

بربرا وحافوني وموجها المجنوني

حافوني وبربرا وموجها كما ترى10

 

ويشير الرحالة الألماني فون مالتزان في مقالة له بعنوان (المنبوذون في جنوب جزيرة العرب)11عام 1872م إلى المجاميع الزنجية الأصل في اليمن  ويعتبرها جميعا منبوذة اجتماعيا الا أنه يميز بين (الأخدام) و(الشمر) ويورد نصوصا لأغانيهم ثم يعلق عليها. وكان الرحالة النمساوي أدوارد جلازر12والذي تجول في اليمن ما بين عام 1885م وعام 1908م قد كتب عن اشتغال فئة الأخدام في اليمن بالترفيه الموسيقي  وكيف أنهم يتكسبون بعزفهم على الطبول والمزامير.

ونستطيع القول أن جميع المجاميع الزنجية الأصل في اليمن قد فقدت مع الزمن رابطتها الاثنية بالقارة السوداء وتيمننت تماما, وقياسا على ذلك  فان ما تقدمه اليوم من فنون أجدادها قد طرأ عليها الحذف والإضافة تطبيقا للمقولة الانثروبولوجية المعروفة من أن الحضارات عندما تقتبس مكونات ثقافية خارجية تفد عليها فإنها في الآن ذاته تعيد إنتاج هذه المكونات وتلبسها حلة جديدة وعناصر مستحدثة بحيث تتمكن في النهاية من إدماج الوافد كلية في المحيط الثقافي والوسط الاجتماعي الجديد.

وأما اليوم فيحدثنا الباحث اليمني آدم يحيى أحمد13 في كتابه ( تهاميات.. أوراق من الموروث الشعبي) أن للأخدام رقصات خاصة بهم في تهامة  وقد يشاركهم فيها فئة (المزاينة أو الريسة) وهذه الرقصات رقصات جماعية يختلط فيها الجنسان وذات طابع خاص وإيقاع خاص مميز وهي كالتالي:-

- رقصة الكندو أو الكندة: يقوم الراقص أو الراقصة بهز الأكتاف والدق بالقدم على الأرض وعند نهاية الرقص يهبط إلى الأرض فجأة ثم ينهض وعادة ما يقوم المشتركون في الرقص متقابلين ويصدر صوت مصاحب لدبكة على الأرض, ومثل هذه الرقصة في أفريقيا كثير.

- رقصة الزفة : يقوم الأخدام بتأديتها  بعد عقد قران العريس. ويصحبها أهازيج مثل:-

وا فرع امجنى حقنا لنا

وا فرع امجنى قرشنا سلمنا

يهناه ذا الغزال يهناه

من بلاد بعدي حنا أتينا

 

وترد عليه النسوة:-

وا فرع امجنى حقنا لنا الخ.......

 

- رقصة الطبعة: يقوم الأخدام بتأديتها عندما تزف العروس إلى بيت زوجها وأثناء الاحتفالات التي تسبق موعد الزفاف. تؤدى في بيت العريس وإيقاعها سريع وتأتي خفيفة وثقيلة ولها مسميات أخرى كالزحفة والزف والكدي بضم الكاف. وعلى الرغم من أن الرقصة مختلطة إلا أنها توجد أيضا كرقصة للرجال وحدهم أو للنساء وحدهن.

- رقصة الملأ: وهي خاصة بالعبيد في زبيد.

- رقصة الريسي: ويشترك فيها الأخدام مع الريسي على ايقاع الدفوف والطبول ولا تستخدم فيها السيوف أو العصي  وإيقاعات هذه الرقصة شبيهة بغيرها ممّا عند الاخدام.

فإذا انتقلنا بعد هذه الفذلكة التاريخية إلى زمننا المعاصر فسنجد ان اخصائيا حضرميا في الرقص هو الأستاذ سعيد عمر فرحان14 يرى أنّ حضرموت قد استعارت من الساحل الافريقي رقصات:-

 (الطنبرة)

و(الليوا)

و(البامبيلا)

و( السواحيلي)

بينما تنفرد المستشرقة النمساوية الدكتورة جابرويلا براونه باضافة رقصة حضرمية أخرى إلى هذه الفنون الأفرو – يمنية هي رقصة (الدربوكة).

 

ولنبدأ من رقصة (الطنبرة): والتي تعرف في أجزاء من الخليج العربي برقصة (النوبان) نسبة لمنطقتها الافريقية الاصلية وهي بلاد النوبة شمال السودان. ويعتبر طقس (الزار) لصيقا بهذه الرقصة وما يصاحبها من دراما غنائية . وإنك لتجد فروقا في تفاصيل الطنبرة من محافظة يمنية إلى أخرى  نتيجة للمرونة التي تميز الفنون الشعبية عموما فيأتي الإخراج النهائي للمشهد مختلفا بعض الشيء من منطقة الى أخرى.

والآلة الوترية المميزة لرقصة الطنبرة هي آلة (السمسمية) أو آلة (الطمبرة) الأكبر حجما وكلاهما سليل لآلة عرفت في النقوش السبئية هي آلة (الكنارة). ورغم هذا فإننا نجد من يقول ان إعادة اكتشاف السمسمية إنما تم عبر زيارة من فنان حجازي من ثغر ينبع جاء الى حضرموت عام 1877م واسمه مبروك رمضان ويذكر المؤرخ اليمني محمد عبد القادر بامطرف15 ان مجيء الآلة أثار حفيظة الجامدين من علية القوم والأعيان  الذين قاوموا دخولها بعنف باعتبارها آلة شيطانية16.ويشير المستعرب الاسرائيلي الدكتور حيمنون شيلوح17  في دراسة له خلال الاحتلال الاسرائيلي لسيناء أن البحارة والصيادين في جنوب شبه جزيرة سيناء يقولون أن  طائفة الأغاني المعروفة لديهم ب(اليمانية) والتي تعزف على السمسمية جاءتهم من اليمن ويمكن قول نفس الشيء عن رقصات (السماكة) بشرق السودان والتي يؤديها بحارة سودانيون من أصل يمني ومن أشهر مؤدّيها هناك الراقص والعازف على المزمار المرحوم باعكيري الذي يؤدي رقصة(العصا) ورقصة (الدربوكة) ويغني أغنيات يمنية مثل (سرى الليل وا نايم على البحر ) وهي من أغنيات (دان الدحيف) في أبين بجنوب اليمن و(الزمان الزمان أخضر يا ليمون) التي سمعناها من المطرب اليمني الراحل أحمد ناجي وكلتا الاغنيتين تقومان على السلم الشرقي السباعي وليست خماسية كباقي أغاني السودان18.

وقد كان الرحالة الألماني ليو هرش19 الأسبق إلى ذكر هذه الآلة بتسميتها الطمبرة فهو يشير في دراسة نشرت في ليدن بهولندا عام 1897م إلى مشاهدته لها في مدينة عدن  قائلا إن العرب يفتقرون لمهارة الأفارقة في العزف على هذه الآلة وغيرها من آلات الاطراب ! كما يسرد المستشرق السويدي الكونت كارلو دي لاندبرج20 الآلات الموسيقية التي وقف عليها في اليمن فيذكر وصفا لآلة وترية في أواخر القرن التاسع عشر يسميها الطنبور لكن الرسم المرافق يوضح أنها آلة من عائلة العود وليس الكنارة.

أما الأديب والشاعر اليمني ادريس حنبلة21 فقد درس رقصة الطنبرة والمشتغلين بها في حي الشيخ عثمان في مدينة عدن في الخمسينات من القرن العشرين وأشار إلى أن أول وجود لها هناك كان عام 1800م حيث كانت تعرف برقصة النوبان وأن ذلك العام شهد وفود رقيق نوبي من السودان. وهو يرى أن طقس الزار اللصيق برقصة الطنبرة  قد عرف في المدينة منذ ذلك الحين وأنّ الممارسات له في زمانه هن من أصول سودانية ويسمى الفرق:-

 - باكوته      - ونصره

 - وجماله     - وفتح الخير

كما يذكر أن الباكوته هو لقب رئيسة حفلة الزار كما أن السنجك لقب عازف آلة الطمبرة.

والمؤرخ اليمني حمزة علي لقمان22 يرى ان العلقة وهي لفظة ذات جذر حبشي وتعني رتبة عسكرية هو لقب رئيسة الحفلة الزارية.

وفي عام 1917م نشر البريطاني آر.سكيني23 ما يفيد أن إيقاع(النوبي) إيقاع لرقصة طنبرة الزار  كان قد أحضره الجند السودانيون الموجودون هناك. وفي الستينات من القرن المنصرم استعرض البريطاني رونالد كودراي24 رقصة الطنبرة في عدن مشيرا إلى جذورها الأفريقية  فهو يرى أن أسلوب التطبيل دخيل على المنطقة من أفريقيا. وفي نفس ذلك العقد من القرن المنصرم نقرأ للمستشرق البريطاني روبرت سارجنت25 إشارة إلى انتشار الآلة بين جماعة الجبرت الزنجية الجذور في مدينة عدن المعروفة برقصة (الدرمامة). ويميز روبرت

سارجنت بين فئة الجبرت وفئة الاخدام كما يميز بين ثلاثة مجاميع من الرقيق الأسود في حضرموت هم:-

- (النوبان) القادمون من النوبة

- و( البحارة)القادمون من منطقة السواحل

- و(التلود) من الرقيق المولودين والناشئين بحضرموت نفسها26.

ويصف الفنان اليمني المعاصر أحمد محمد ناجي أسلوب العزف على الآلة بقوله: (يتم التصبيع بوضع الإبهام بين الوترين الأول والثاني والسبابة على الثالث والخنصر على الرابع والبنصر على الخامس وتقف الوسطى كمايسترو لترقص مع كل نبضة أصبع )27. ويوفر لنا الفنان اليمني صالح عبدالباقي28 معلومات عن رقصة الطنبرة في محافظة لحج بجنوب اليمن  قائلا إن الروايات الشفهية هناك تشير إلى قدوم الرقصة من مدينة عدن عبر عناصر  النوبة السودانيين حوالي منتصف القرن التاسع عشر فهم حسب قوله أول من كون فرقة لرقصة الطنبرة  وأخذوا يتكسبون بإحياء حفلات الأعراس والعزف في بلاط سلاطين لحج لا سيما في أعياد ميلادهم .وهو يذكر أن إحدى أغنيات الرقصة تسمى ( مسيمبا) وهي كلمة سواحيلية تعني الأسد.ويفيد أن الجنسين قد يشتركان في أداء الرقصة ويحتفظ بآلة الطمبرة في مكان خاص هو بيت الطمبرة ويكون لها قدسية معينة. يذكر صالح عبد الباقي أن هناك حجمين للطمبرة الكبير يعرف بالأم والصغير يعرف بالبنت وبغض النظر عن الحجم تعرف أوتار الآلة بـ :-

 بومة – شرارة – غليظ – جواب – لاغارس.

وبالنسبة للآلات الايقاعية المصاحبة يذكر طبلا كبيرا يسمى الجراب وطبلا صغيرا يسمى الحبشي أو الدبة. وكلاهما مصنوع من المعدن ومغشى بالجلد ويوقع عليه بعصا, كما تلعب آلة المنجور دورا إيقاعيا زخرفيا ومميزا لرقصة الطنبرة في لحج.وسنأتي على وصف هذه الآلة عند الحديث عنها في منطقة تهامة. ونجد إشارات أخرى لرقصة الطنبرة في لحج منها ما ذكره الباحث اليمني  لطفي منيعم29 من أن سلطان لحج علي احمد علي والذي قتل خطأ عام 1915م عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى بين القوات العثمانية والقوات البريطانية في جنوب اليمن كان له مجلس من الأدباء والفنانين يتصدره المطرب الشخصي له سعيد درينة خال الفنان اللحجي المعروف محمد سعد الصنعاني وكان سعيد درينة عازفا بارعا على آلة الطمبرة. ومن الإشارات الى رقصة  الطنبرة في لحج ما جاء به الكاتب اليمني جمال محمد السيد30 من أن الطنبرة في لحج تعني أيضا فيما تعني شكلا من الشعر العامي الساخر القريب نوعا ما من الشعر الحلمنتيشي في السودان وفي مصر فيقول:(للسلطان العبدلي فرقة موسيقية من العبيد تخرج في الأعياد والمناسبات إلى شارع المدينة تعرض ألعابا ورقصات وأغاني  أفريقية تقوم موسيقاها على الطبول المغربية وآلة الطمبرة وتعرف باسم فرقة الطنبورة ولمجيء حرف النون الأنفية بين الطاء والباء نطقها العامة الطمبورة  بالميم ثم لحجوها إن جاز التعبير فغدت طمبرة). كما يذكر نفس الكاتب أنّ الشاعر والملحن اللحجي عبدالله هادي سبيت سخر من الطمبرة وأهلها إذ يقول في الطبعة الأولى من ديوانه (الدموع الضاحكة) في الخمسينات من القرن المنصرم:

قلبي عبدلي الحب ما هو طنبري

يا غارة هوانا بالله احضري31

 

ويضيف الفنان اليمني عبد القادر أحمد قائد32 أن آلة الطمبرة كانت الآلة الوترية الشائعة في لحج قبل تكوين التخت الموسيقي اللحجي المعاصر في أواخر الثلاثينات وبداية الأربعينات من القرن المنصرم على يد الفنان اللحجي أحمد فضل العبدلي الشهير بالقمندان ( ت 1943م ). ومن أبرز الفنانين اللحجيين الذين عزفوا على الطمبرة الفنان سعد عبدالله صالح والذي كان يقدم حفلاته في قرى الوهط والحمراء وسفيان من محافظة لحج وهو والد الفنان والشاعر اليمني المعاصر محمد سعد عبدالله33, كذلك الفنان صالح عيسى وهو والد الشاعر المعاصر أحمد صالح عيسى, والفنان فضل محمد اللحجي (ت 1967م)34.

أما في حضرموت فمن أشهر من عزف على آلة السمسمية أو الطمبرة الفنان عبدالله حاج بن طرش (ت1980م) والفنان عوض عبدالله المسلمي (ت1975م)35 والفنان محمد جمعة خان (ت1963م)36 والذي تعلم العزف بدوره على آلة السمسمية من المطرب الشعبي فرج مفتاح فرج.

وفي منطقة تهامة على ساحل البحر الأحمر كان المستشرق الفرنسي كريستيان  بوخه37 في السبعينات من القرن العشرين أول من اهتم بدراسة شكل ومضمون رقصة الطنبرة وقد انفرد برأي يقول إن الكلمات غير العربية في نصوص الطنبرة التهامية ذات جذور سقطرية نسبة لجزيرة سقطرى اليمنية, وما أعرفه هو أن غناء الطنبرة العمانية  في مدينة صور يعود إلى الفنانة عائشة مرجان الفارسي الشهيرة بعائشة الونجا وكانت هي وأمها قد رحلوا إلى صور من جزيرة سقطرى اليمنية38. ويقدم كريستيان بوخه التسمية التالية لأوتار آلة الطمبرة التهامية من النغم الحاد الى الغليظ:-

شرارة- مكلم – أخو مكلم – البوم – أخو البوم, مؤكدا على أن أنغامها لا تخرج عن السلم الخماسي والذي تستخدمه الموسيقى السودانية اليوم. وفي الثمانينات من القرن العشرين قدم المستشرق البريطاني  أندرسون باكويل39 تفاصيل عن رقصة الطنبرة  في تهامة ولاحظ أن هناك فرقا في مشهدها ما بين وادي مور حيث تؤدى مختلطة بينما تؤدى في ميناء المخا بانفصال الجنسين.كما أشار أندرسون باكويل إلى أن الرقصة وطقس الزار الذي قد يترافق معها تؤديه فئة الاخدام, وأن السلم الطاغي على موسيقى أغاني تهامة هو السلم الخماسي الذي يشكل تأثرا واضحا بالبر الأفريقي المقابل, ويذكر ان ما يؤدي على السمسمية هو أغاني بحرية تعرف ب (النبية) أما ما يؤدى على آلة الطمبرة الكبيرة فهو حصريا طقس الزار. وفي تقديري أنه كان عليه ان يميز بين( البنتاتون) الخماسي و( البنتاكورد) الخماسي ففي مصر مثلا تدوزن السمسمية في مدن الاسماعيلية وبورسعيد وفق السلم القوي المنتظم بحيث يتكون تسلسل سلمي من خمس درجات من مقام الراست المصور على درجة النوى أي نغمة صول وهكذا توجد قفزات تصل درجة أو درجة ونصف – بيمول أو ديز- ليصبح لدينا بنتاكورد اي خمس درجات متتابعة سلميا, بينما تدوزن طمبرة أسوان والنوبة في جنوب مصر كسلم خماسي ضمن السلم الهارموني الطبيعي وكسلسلة توافقية على الأوتار الخمسة للطمبرة :-

 سول – لا – سي – رى – مي .

ومن الملاحظات الموسيقية الهامة لهذا الباحث أنه يرى أن الأوركسترا المستخدمة في رقصة الطنبرة تشمل المزمار الذي يلعب دورا إيقاعيا وليس ميلوديا وخاضعا لهيمنة آلات الإيقاع من صحفة ومرفع ومدف.

وفي التسعينات من القرن الماضي أثارت المستشرقة النمساوية جابرويلا براونه40 جدلا في مؤتمر مدريد عام 1992م عندما قدمت نصوصا لغناء بحارة تهامة على السمسمية وقالت إنها تحمل إجابات عن المراحل التي مرت بها صيرورة الموشح الاندلسي الذي قالت إنه يحمل بصمات يمنية!

لكن أغنى المعلومات الميدانية التي وصلتنا عن رقصة الطنبرة التهامية جاءت في منتصف التسعينات من القرن الماضي في أطروحة الماجستير للباحث اليمني الدكتور فهد محمد الشعيبي41 وقد حرص الشعيبي أن يميز بين استخدامات آلة السمسمية الصغيرة الحجم واستخدامات آلة الطمبرة الكبيرة الحجم  والمستخدمة حصريا لطقس الزار. فهو يقول إن السمسمية ترتبط بالغناء الساحلي ويصنع صندوقها الصوتي من قدح عبارة عن قطعة خشب من جذع شجرة منحوتة ومفرغة من الداخل على هيئة القدح والقدح نوع من المكاييل قطر فوهته حوالي 37 سنتمتراً وهو يصنف من السمسمية الصغيرة الحجم نفسها ثلاثة انواع:-

1 - نوع يغطي وجه صندوقه بقطعة من الصفيح مثبتة بمسامير على حافة القدح وتفتح أربع فتحات على الوجه تسمى عيون: الفتحتان السفليان تؤديان وظيفة الشمسية حيث تساعد على خروج الصوت وتسمى سماعة, والفتحتان العلييان يخترقهما عمودان كل منهما يسمى كرمان يلتقيان في نهاية القدح مارة بالكرسي الفرس .

2 - نوع يغطي صندوقه الصوتي بجلد الابقار ويثبت بخيوط جلدية .

3 - نوع صندوقه الصوتي عبارة عن جالون من الصفيح ومفاتيحه من القماش وهو الأكثر انتشارا في تهامة.

وعن طريقة العزف على السمسمية يقول:(يحمل العازف الآلة أفقية أمام الصدر ويؤدي العزف عليها بريشة من سعف النخل أو من البلاستيك باليد اليمنى بينما تنبر الاوتار باصابع اليد اليسرى من خلف الآلة).

وفي أطروحته للدكتورا بعنوان (الأغنية الشعبية بمنطقة تهامة بمحافظة الحديدة باليمن)42يذكر الدكتور الشعيبي أغنية زار في زبيد بتهامة ويسميها أغنية عبد القادر الجيلاني وهي من السلم الخماسي النوع الثاني على درجة الدوكاه وإيقاعها 2 على 4 والمصاحبة لآلة الطمبرة تكون بطبل الليوا  ويذكر المكلم  والمردد كأوتار آلة الطمبرة ويذكر شرارة كوتر أعلى وبومة كوتر سادس .

ثم عندما ينتقل للحديث عن آلة الطمبرة التهامية فإن الباحث يصف موسيقاها وغناءها بأنه ذو طابع إفريقي يتجلى مع مصاحبة الآلات الإيقاعية. وآلة الطمبرة  أيضا يصنع صندوقها الصوتي من قدح عبارة عن قطعة خشب من جذع شجرة منحوتة مفرغة من الداخل  على هيئة القدح المكيال ويغطى وجه الصندوق بقطعة من جلد الأبقار وتفتح بالوجه اربعة فتحات تسمى عيون الفتحتان السفليان تؤديان وظيفة الشمسية حيث تساعد على خروج الصوت وتسمى سماعة والفتحتان العلييان يخترقهما عمودان كل منهما يسمى قائم يلتقيان في نهاية القدح ويشكلان مثلث قاعدته عامود آخر يسمى مخدة تثبت فيه مشدات من القماش تسمى ملازم أو مزر  يثبت فيها خمسة أو ستة أوتار من أمعاء الجمال تتجمع بحلقة من الحديد في نهاية القدح مارة بالفرس الذي يسمى الكرسي. أما عن طريقة العزف على آلة الطمبرة فإن العازف يحمل الآلة أفقية أمام الصدر ويؤدي العزف عليها بريشة من قرن الثور في اليد اليمنى بينما تنبر الأوتار بأصابع اليد اليسرى من خلف الآلة. ويقر الشعيبي التسمية التي قدمها كريستيان بوخه لأوتار الطمبرة التهامية في مدينة زبيد فقط أما في مدينة اللحية فأوتار الطمبرة ستة بدلا عن الخمسة وتدعى:-

 شرارة – مرد – مغني- مجاوب – بوم – مرد المغني .

 

جدول بقياسات آلة السمسمية بالسنتمتر

مصدر الآلة

مدينة الحديدة

مدينة المراوعة

اجزاء الآلة

قطر الصندوق الصوتي

37

طول الجلن30

الضلعان المتقابلان

69

68

القاعدة

58

55

قطر الفتحات

6

3.5

 

جدول بقياسات لثلاثة من آلات الطمبرة بالسنتمتر

مصدر الآلة

مدينة زبيد

مدينة اللحية

اجزاء الآلة

قطر الصندوق الصوتي

94

48

الضلعان المتقابلان

98

93

القاعدة

90

90

قطر الفتحات

8

7

 

 

كما يزودنا الباحث بوصف لآلة المنجور المستخدمة في رقصة الطنبرة: (نوع من المشخشخات يتكون من مجموعة قطع صغيرة من أضلاف الخراف أو الماعز تثبت على قطعة من الجلد أو القماش بخيوط من النايلون أو بسيور من الجلد بعد ثقبها وتأخذ شكل التنورة النسائية المفتوحة من أحد أطرافها. يلبس العازف المنجور على خصره بعد تثبيته ويقوم بتحريك الجزء الأسفل من جسمه في حين يبقى الجزء العلوي ثابتاً وبهذه الحركة ترتطم الأطراف المتدلية بعضها ببعض وبتصادمها تحدث أصواتا عند كل حركة). وفي مطالعات أخرى أجد من يميز بين خامة أوتار الطنبرة والتي تكون من الجلد أو النايلون وخامة أوتار السمسمية  التي تكون من المعدن.وفي وصف آخر لرقصة الطنبرة حينما تلعب كلعبة أطفال في تريم بحضرموت نجد: (لعبة افريقية الملامح يتجمع لها الشباب مشكلين دائرة يبلغ قطرها 18 مترا ويسير اللاعبون حول محيط الدائرة بإيقاع منتظم على أنغام السمسمية أو المزهر وأصوات الطبول النحاسية والتي تثير الرعب في نفوس الأطفال أحيانا ويستمر الرقص على أنغام وأصوات الطبول ويطلقون أهازيج متعددة منها – ومكة بيت الله ويا رسول الله- وقد تنفصل عرى الدائرة لتتحول الى صفين يزحف الصف على الآخر ثم يتولى عنه ويقبل الصف الآخر نحو أخيه ويعود أدراجه وهكذا يستمر الرقص والغناء والناس يتجمهرون من حولهم وما أن تتوالى الإيقاعات حتى تبعث الانتشاء في أحدهم فيزعم أنه قد ابتلي بالجان حيث يحدث حركات هستيرية مضحكة يتدحرج على الأرض ويهدد الحاضرين حتى أن الذعر يسري في بعضهم ولكن هيهات له ذلك فقد خصص خمسة رجال أشداء من بين اللاعبين بمراقبته وفي نهاية اللعبة يغطى بغطاء ساتر ليغادر الجني رأسه ).

ويورد الباحث المصري رفعت محمد خليفة دويب43 نصا من نصوص رقصة النوبان في دولة الإمارات العربية المتحدة ترد فيه اشارة الى ميناء المخا بتهامة, يقول النص :-

يا مخا في سبيل الله

يا مخا عذبت روحي

 

أما أقدم من دون لنا نوتة موسيقية  لطقس الزار في اليمن فهو المستشرق البريطاني برترام توماس44 الذى أتى بنموذج  موسيقي على إيقاع 8 على 4  قال إنه كان يستخدم في الثلاثينات من القرن المنصرم. ويتلو تلك الفترة قرار بالمنع الرسمي لطقس الزار أصدرته السلطة البريطانية المستعمرة لعدن (1923-1932م)45حيث دارت  رحى معارك قضائية مثيرة انتهت بخسارة شيخات الزار لحقهن في إقامة هذه الطقوس والتكسب بها وانتصرت إرادة خصومهن  الذين كالوا لهن تهما مختلفة من ضمنها إزعاج الجيران بأنغام الطنبرة وما أسموه بأغنيات التم تم - وهي أيضا أغنيات سودانية ظهرت في نفس الفترة في مدينة كوستي بالسودان -  ونقرأ في أربعينات القرن المنصرم رأي الباحث البريطاني أوليفر مايرز46 من أن الزار ربما يكون قدم إلى عدن من مصر قبل الإسلام, كذلك جاء الحديث عن موسيقى الزار في الأربعينات من القرن المنصرم في عدن عند المستشرقة البريطانية دورين انجرامز47. كما شهدت السنة الأخيرة من أربعينات القرن العشرين صدور تعليقات أحد أهم فقهاء عدن حول طقس الزار وهو الشيخ محمد  سالم حسين الكدادي البيحاني48 التي نددت بطقس الزار. ومن حيث التسلسل التاريخي حول ما دونته الأقلام عن الزار في اليمن تأتي كتابات المؤرخ اليمني حمزة لقمان49  عن الزار في عدن إذ يقول: ( وفي هذه الحفلات يدور الرقص والغناء على دقات الطبول الصاخبة ويقوم المريض بالرقص العنيف). ونقرأ عند السوسيولوجي اليمني الدكتور حمود العودي50: (تقام حفلات الزار ويحصل فيها الرقص ودق الطبل على ما يلائم صاحب الزار من التلحين والترنيم). والسوسيولوجي اليمني الدكتور عبدالله مقبل معمر56 يحدد أنواع الزار في تهامة بالتالي:-

- الجبلي

- البحري

- التهامي

- الحبشي

- السوداني

وهذا الأخير قادم من السودان لكنه يعود فيقول أنها جميعا ذات طابع إفريقي وسواحيلي, نقتطف منه قوله عن أثر موسيقى الزار خلال الحفلة: (وعند الموعد المحدد تبدأ الجلسة بدق إيقاعات الرقص لكل نوع من أنواع الزار المختلفة وبالطبع فإن البداية تكون إيقاع الزار الذي يملكه الشيخ نفسه ليقوم الشيخ للرقص أولا. ويستمر في ذلك إلى أن يتوقف الشيخ عن الرقص فيتحول الإيقاع إلى نوع آخر. وكل شخص من الحاضرين يستمع إلى الموسيقى التي تتناسب مع الزار الذي لديه – صاحب رأسه كما يسمى – يقف للرقص. مع العلم هنا أن الرقص لا يقتصر على المريض فقط بل يكون لعامة الحاضرين فالجلسة تكون جلسة زار عامة وكل من يسمع الإيقاعات الموسيقية يرقص عليها, فإذا أتت الموسيقى التي تنسجم مع نوع الزار الذي يصاب به المريض فإنه يقف للرقص وتستمر الموسيقى حتى يقع المريض مرميا على الأرض وإذا حدث وتوقفت قبل وقوعه على الأرض فإنه يصاب بحالة تشنج عصبي لايفيق منها إلا عند إعادتها, لذا فإن الإيقاعات الموسيقية تستمر حتى وقوع المريض على الأرض عندما يقترب منه الشيخ الذي يتحاور مع الزار عن طريق المريض وفي حالة رفض مصدر الزار التحاور مع المريض فإنه يعود إلى الشيخ الذي يسلمه شريط كاسيت مسجل عليه جلسة الزار وعند سماع ذلك الشريط على مقربة من مكان المصدر وبحيث يسمع المصدر الشريط إلى أن يصل إلى نوع الموسيقى التي بها يطرب نوع الزار الذي يحمله فيحدث له حالة هيجان شديد وتشنج مصحوبا بصراخ عنيف وتستمر هذه الحالة إلى أن يطلب السماح من المريض ويتفقان ويتعاهدان على الصداقة الدائمة).

وترى المستشرقة الإيطالية تزيانا باتان52 التي قامت بأبحاثها عن الزار في اليمن عامي 1992م و1993م إن الزار في اليمن ليس بالضرورة مشتقاً من لفظة أمهرية تعني الجن أو الروح كما ورد عند المؤرخ اليمني حمزة لقمان إذ ربما كانت آتية  من فعل زار يزور حيث يشخص الزار بأنه زيارة لروح شريرة لبدن المصاب  وتنفرد هذه الباحثة بأن تصف لنا مناسبة مازالت حية من مناسبات الزار هي حفل الزار السنوي الضخم المقام في قرية عمران الساحلية بمحافظة عدن والتي يقطنها 300 من الصيادين وذلك في الأسبوع الأخير الذي يسبق شهر رمضان من كل عام هجري وتسميه (الزار العمراني) ولهذا الحفل روحان أسطوريان أحدهما عسكري  أسود ينحدر من الجند الرقيق. ويصف الباحث الشعيبي تأثير الموسيقى على المريض في الزار التهامي كالتالي: ( تقرع له الطبول وبعد كل فقرة يطلب المريض تغيير الايقاع أو الأغنية أو السرعة أحيانا وتصدر منه أصوات وكلام غير مفهوم ونجده تارة يرقص وأخرى يتمايل وتظهر انفعالاته على كل جزء من جسمه خاصة وجهه ونظراته ويستمر لمدة ساعات قد تصل إلى أربع أو خمس ساعات بعدها يقع على الأرض ).

 

نأتي الآن الى رقصة (الليوا): وأول ذكر لها وقفت عليه كان في أربعينات القرن المنصرم حيث يذكر المؤرخ حمزة لقمان53 أنها رقصة فئة زنجية هي (الجبرت) في عدن في ذلك الوقت. ويضيف أن الجبرت جماعة يمنية أصيلة و إن بدت ملامحهم زنجية دنكلية في نظر علماء الاجناس البشرية. ويشير الباحث اليمني عبدالله صالح الحداد54 إلى وجود رقصة الليوا في سقطرى وتفسيرات كلمة الليوا عديدة منها :-

- هي اسم مبتكر الرقصة في مدينة مومباسا الكينية أو نسبة لقبيلة اللو الكينية وتسمى هناك (كي ليواه)

- تعني ليوا باللغة السواحيلية  أحد أمرين: فاما تعني اليوم مثل قولهم ( هيا يا ليوا هيا) أو تعني الشرب أي شرب الخمرة مع نشوة الاحتفال بالرقصة وقبلها

- هي دائرة الرقص أو ما يعرف خليجيا بالمكيد

- هي تصحيف لكلمة لواء العربية وهو العلم الذي كثيرا ما نراه منصوبا عند الحفلة ويدور الراقصون حوله

- يقترح الباحث والقاص اليمني المعاصر  حسين سالم باصديق55 أنها اختصرت من عبارة كثيرا ما يرددها البحارة اليمنيون هي (والليله واه) أي ماذا معنا الليلة أو كيف سنسمر الليلة ؟ وهو يشير إلى انتشارها كرقصة في عدن ولحج وأبين ومناطق ساحلية أخرى ففي عدن يقيمون حفل الحناء للعريس في المساء قبل ليلة الزفاف ويؤدون في هذا الحفل رقصة وأغنية شهيرة لليوا يقول مطلعها:-

دورت له ما لقيته يا ممباسا

هذا الليد بحراني ما بمشي معه

      

ومن أغنيات الليوا:-

سمارة يا سماره أوه يا الله

كذلك حسبما جاء في وثائق مهرجان القمندان التي أعدتها ككتاب الصحفية اليمنية سلوى محمد سعد الصنعاني :-

بدوية خطبها نصيب

وهذه الأغنية نالت إعجاب الشاعر الملحن اللحجي أحمد فضل القمندان في العقود الأولى من القرن المنصرم. ويقول الفنان الشحري سعيد عبد النعيم أن نصها السواحيلي يقول :-

شرنجي شرنجي

يا شرنجايا

 

ونلاحظ وجود هذا النص ضمن نصوص فن (أم ديمة)56 في دولة الإمارات العربية المتحدة حيث يغنى هناك:-

بنية خطبها نصيب

رغبانه وبوها غلب

سرى الليل يا العاشقين

 

وهناك أيضا نص يمني آخر في أغنيات الليوا الخليجية هو:-

اغنم زمانك أمانه يا حبيب اغنم57

 

تعد رقصة الليوا من أشهر الرقصات الشعبية التي يرقصها اليمنيون اليوم في قرية فقم وضاحية الشيخ عثمان في مدينة عدن وكذا في محافظة لحج وبدرجة أقل في محافظة تهامة وحضرموت حيث يعتقد أنها انتقلت من مدينة عدن إلى مدينة الشحر. تؤدى الرقصة مقتصرة على الذكور في أمسيات الأفراح.

وحول المميزات الموسيقية للرقصة تخبرنا الدكتورة جابرويلا براونه58 بأن مقام النهاوند هو الأكثر شيوعا في أغانيها على إيقاع 2على4. وهي ترى أن نصوص الليوا يمنية بحتة ولا كلمات سواحيلية دخيلة فيها وإنما يكثر فيها الدعاء الإسلامي والوصف المباشر للمرأة وذكر ميناء ممباسا الافريقي كما تقدم في أحد النماذج, كما يلعب الكورال دورا مهما في الرقصة. وطبل الليوا في ئهامة اليمن أسطواني يشد عليه الجلد بصورة مباشرة على صندوقه المصوت, والطبل مصنوع من الحديد مفتوح من الجهتين ارتفاعه 47 سنتمتر وقطره 34 سنتمتر ويثبت على كل فوهة قطعة من جلد البقر بعد وضعه في ماء مملوح ليسهل ازالة الشعر الموجود بالجلد ويكون التثبيت بواسطة سيور من نفس الجلد تمر عبر الثقوب التي تفتح على محيط الغشائين المتقابلين مكونة بذلك ربطا منتظما ومتناسقا. وتضبط الآلة بشد السيور وأحيانا بتعريض الجلد لحرارة النار ويستخدم الطبل بجلوس العازف واضعا له بين ركبتيه مستخدما يده اليسرى وعصا بيده اليمنى في الضرب على الجلد  الكبير الموجود في الفوهة العليا أما الجلد القصير فيعتبر قاعدة الطبل. وتستخدم الرقصة كآلات إيقاع أيضا طبل الدنبق وهذه الكلمة محرفة من كلمة دمبك أي الطبل بالهندية. وكذا التنكة ويقال أنها تعرف في اليمن بطبل الباتو وبعض الأدوات النحاسية الأخرى. وهذا وصف للرقصة كما تؤدى اليوم في عدن: (يقف طابور من اللاعبين في صفين متقابلين ومتماسكي الأيدي ويرددون مقاطع غنائية معروفة تنتهي دائما بمقطع واحد هو (أوه و الله). وتقوم حركة الرقصة على قرع الطبول التي يكون أصحابها خلف اللاعبين  الذين يتحركون باتجاههم ثم يعودون في صف واحد وحركة واحدة ويتجاوز الصف أكثر من 20 لاعبا أو بحسب المساحة التي يدور فيها الرقص. ويلاحظ أن الحركة العامة تسير عكس عقارب الساعة وعندما تتشكل الدائرة تجد بعض الراقصين يقفزون إلى وسطها ويأتون بحركات امتداد للجسم إلى الأمام مع ثني بسيط لليد والرجل اليمنى ثم لليد والرجل اليسرى عند الاستدارة للعودة ).

ويقول البحارة اليمنيون أن رقصة الليوا – وهذا أيضا اسمها في جزيرة زنجبار التنزانية – تؤدى ببطء مقارنة بالليوا السواحيلية لكن يكفي أن نقرأ الوصف التفصيلي لرقصة الليوا كما هي اليوم في زنجبار وكما وصفتها عالمة الرقص روث ستون59 لنرى مدى التحوير الذي طرأ على النموذج الأصل بعد امتصاصه في اليمن.

 

ونأتي الى رقصة (البامبيلا): والتي لا معنى لها حتى في السواحيلية, ويعتقد أن الرقصة قدمت إلى مدن الشحر والمكلا في الثلاثينات من القرن المنصرم مع البحارة الأفارقة الذين ما زالوا هم أكثر من يرقصها ويجيدها. ويلاحظ أن نصوصها يمنية لكنها جريئة الخطاب في الغزل تمشيا مع تحرر الغناء الافريقي من القيود في هذا الشأن. ويبدأ الغناء بصوت منفرد دون مرافقة إيقاعية يليه تصفيق ثم الضرب على الإيقاع على ميزان 2 على4, ثم يأتي دور الأغنية الرئيسية التي يسمونها (صوت) على مقام نهوند. وهذا وصف الرقصة كما تؤدى اليوم في حضرموت60: (تتشكل من صفين متقابلين من الراقصين وعلى مسافة متباعدة نوعا ما من بعضهما. وتتسلل أقواس الراقصين بين الصفوف وراقصو الوسط يرتدون أوراق الأشجار الاستوائية الكبيرة الحجم والتي يقومون بتلوينها وهؤلاء الراقصون عددهم اثنان إلى أربعة يدورون حول أنفسهم في سرعة كبيرة تواكب إيقاع الطبل الوحيد في الرقصة والمعروف بالهاجر الحضرمي بشد مرتخ لجلده بعض الشيء ويضرب عليه بالعصا. ويتشكل راقصو الوسط أحيانا كدائرة أو نصف دائرة ويكون ارتداء الأوراق على طبقات مربوطة من أسفل الذقن مغطية كل الجسم حتى منتصف الساقين بحيث يخيل للمشاهدين أن الراقصين لا يرتدون شيئا تحت أوراق الأشجار ويبدو الراقص كأنه رجل من الأدغال. وفي الحقيقة فأن راقصي الوسط يرتدون سروالا يصل للركبة وفنلة كما يضعون طربوشا طويلا على شكل مخروطي بحيث يبدون في النهاية كبهلوانات . وتشمل الرقصة رقصة الجلوس لصائدي الأسماك مترافقة مع التصفيق وأداء الكورال).

ونأتي الى رقصة( زامل وشرح  العبيد أو المماليك أو الموالي): وهي الرقصة التي ذهب الفقيه الحضرمي علي أحمد سعيد باصبرين  إلى تحريمها كونها منافية للاسلام وحمل على آلة المزمار المسمى العنفيطة وهو المزمار ذو القصبتين  وسمى رسالته في ذلك ( الانفتاح في تحريم المزمار وآلات اللهو الأخرى) وقد كان على قيد الحياة عام 1844م. ويذكر الباحث اليمني سامي محمد بن شيخان61 أن هذه الرقصة توجد في مدينة غيل باوزير في حضرموت خلال الأعياد والزيارات السنوية والموسمية  وتبدأ مثلا من جامع غيل باوزير في يوم الزينة أي أول أيام العيد بعد أداء الصلاة  ويكون الراقصون في آخر الموكب الذي ينتهي أمام حصن الأزهر بالغيل مرورا بشوارع الغيل أو عبر الصرك أي الشارع الرئيسي.

تردد في الزامل عبارة (يا حبيبي الله الله ) عندما يكون الزامل لأجل الفرح بالزواج في مدينة تريم .ويصف أحمد ضياء علي شهاب62 في كتابه (عادات بادت) رقصة الطنبرة قائلا: (ربما رافقها العزف بآلة الطمبرة ويبدأ الراقصون من عند العازف في خط دائري مع حركات عجيبة متزنة تبعا للتوقيعات وأكثر الحركات إلى الوراء ثم يتقدمون الى الأمام) .

 ويذكر الباحث اليمني جعفر السقاف63 أن من يقوم بهذه الرقصة في حضرموت هم من كان يعرف في الماضي بالعبيد الرقيق أو حرس الحاكم وهم جند افريقيون سابقون وتعج الرقصة بالمفردات أو الجمل السواحيلية مثل قولهم :-

نامطوطو ناكويشاء امطوزي نمارا

 

وإن كان بعض الألفاظ غير سواحيلية حقيقة وإنما مشابهة لبعض مفردات القاموس السواحيلي.

ويقول الباحث اليمني سعيد عمر فرحان64 في خصوص هذه الرقصة: (من الزوامل المشهورة في حضرموت زامل خاص بالعبيد يسمى زامل العبيد وهو من الرقصات الوافدة إلينا  ويتضح من خلال الحركة والكلمة أنه من الرقصات التي وفدت إلينا من إفريقيا, وهذا الزامل يعتمد على الحركة السريعة وهو الزامل الوحيد الذي تستعمل فيه آلة المزمار  مع الهاجر والمراويس والرق, وهذا الزامل غالبا ما يصاحب مواكب السلاطين والولاة عند تحرك مواكبهم في مواسم الأعياد  ويوم الجمعة وزيارة بعض الشخصيات المعروفة في المدينة فهو يأتي في نهاية الموكب ملازما لزامل يافع والذي يعرف ب(المرفع). ويقوم عبيد الوالي وخدمه بتأدية الرقصة وهي رقصة سريعة تعتمد على الحركات الرأسية في طلوع ونزول ويلاحظ  أن ألحانه أقرب إلى موسيقى الزنج  وكلماته  أفريقية مثل :-

لا يا ابمبي كوايا وا مصلي عليه.

 

وهي أقرب إلى رقصات المسيرة كالرزحة أو المرجوزة كما أن لأدوات النفخ دورا كبيرا في بث الحماس أثناء الرقصة كالصفارة والبوق وأصداف البحر).

أما الباحث اللغوي اليمني  مصطفى العيدروس65 فيقول حول زامل العبيد: ( تتشكل هذه الرقصة في حضرموت بأن ينتظم الراقصون في أربعة إلى خمسة صفوف مترابطي الأيدي و دونما تصفيق. ويطوحون بأيديهم المتشابكة إلى الأمام بصورة موقعة بينما العازفون  على طبل هاجر صغير ومنتفخ الوسط شبيه بالطبل الهندي واثنان أو ثلاثة طبول أخرى يوقعون إيقاعات إفريقية سريعة وخاصة بحيث تجد أنها تنحصر في رقصة زامل العبيد ولا يتم استخدامها في أي رقصات أخرى. وعندما يلتفت العازفون لمواجهة الراقصين فإن الراقصين يلتفتون بدورهم إلى الوراء أو يتشكلون في دوائر. وآلة الناي أساسية في الرقصة وبها عشر فوهات ويترك عزفها لمختص. تبدأ الرقصة بالتحرك من موقع ما إلى منزل العريس قاطعة مسافة كيلومتر تقريبا ثم من هناك ترافقه في طريقه الى المسجد حيث يتم إجراء عقد الزواج كما هي العادة في الزواج في وادي حضرموت – وفي السودان أيضا -, والرقصة سريعة وقصيرة تحرك فيها الأقدام إلى الأمام وإلى الخلف. وأحيانا يخترق العازفون الصفوف ويأخذون بالعزف داخلها  كما يشتد التفاعل والانفعال أحيانا بين الراقصين فتراهم يطعنون في الهواء بخناجرهم وكأنما تلبستهم الأرواح ). ويرفدنا مصطفى العيدروس بعدد من النصوص المستعملة في غناء زامل العبيد والتي توضح بقوة نفوذ اللغة السواحيلية فيه :-

 1-  طلعت البنديرة بنديرة التركي

في العبر يا عفندي

آيا بانا كويلي

كويلي با مسيمبا

كويلي كويلي

طمبطوطو  نهيمبا يا مسيمبا

كويلي كويلي يا مسيمبا

آيا بان

 

ونفس هذا الزامل يذكر المؤرخ اليمني المعاصر محمد عبدالقادر بافقيه أنه كان يلقن  للأطفال في حوطة مدينة الشحر66

2- عرب يا مومبو كواكيا أوه

سيمبا سيمبا ناكوليا

أوه سيمبا كوليا سيمبا سيمبا ناكويليا

أوه و المامبو لا يلا ال يا مفوفو

 

والمعنى التقريبي هو أن العربي خدع الأسد والأسد يأكل .... يحدث طقسيا .... هو ينام كالميت والملهاة الليلة.

3- هيا بانا كويلي

كويلي يا مسيمبا

والمعنى التقريبي هو حقا أنه أي العريس أسد عظيم

4- نكوند ناكوندا ناكوندا تعباني

 

والمعنى التقريبي هو أنا ذاهب ذاهب ذاهب منزعجا, ويؤدى هذا النموذج بايقاع متطابق مع الموسيقى الهندية!

ويذكر الباحث اليمني جعفر السقاف67  أن الجنود الأفارقة في مدينة تريم بوادي حضرموت  يؤدون الرقصة بمناسبة الاعياد ويستخدمون  الدفوف وكذا الخنجر المعروف بالجنبية والسيف المعروف بالنمشة ويأتون خلال الرقصة بحركات بهلوانية  يقول أنها تحكي أساطير أفريقية.

 

ونأتي الى رقصة (السواحيلي): وهي رقصة نسائية سريعة في حضرموت تؤدى في الأعراس وتتميز يإيقاعاتها السريعة وتقول النساء في حضرموت إن أكثر من يجيدها هن النساء السواحيليات ومن هنا جاءت التسمية .

 

ونأتي إلى رقصة (الميدان): التي تنحصر في منطقة سيحوت بالمهرة على الحدود العمانية حيث يقوم أحفاد فئة العبيد هناك بالرقص والضرب على طبل يعرف بطبل الميدان يقدسونه وتكون الرقصة يوم 16 من شهر ذي الحجة .

ويفيدني الأستاذ سعيد عمر فرحان68 أن سكان وادي حجر السود في حضرموت يرقصون رقصتين تسمع فيها الكلمات السواحيلية ويعني بهما رقصة(السكنكو) أو زفة العروسة على الجمل في منطقة ميفع ورقصة ( الحضبة)

ونأتي إلى رقصة (الدحيفة):  في خنفر بأبين والتي يصف المستشرق البريطاني روبرت سارجنت69 مشاركة فئة الأخدام فيها بقوله: (يقوم خادم من الأخدام بأداء الموسيقى بالقرية ويكون عادة من مدينة زبيد بتهامة ومعه مزمار وترافقه النساء بالدفوف وهي نوع من الطبول أربعة في مجموعها ويدق عليها بالأصابع  ويزدحم المكان بجمهور من رجال القبائل ومن فئة الحجور وترقص إحدى النساء الأخدام مع الرجل داخل  الدائرة الا أنها حركات معقدة بالفعل ). 

ونأتي إلى رقصة (الحجور أو شرح الصبيان)70 : ويقدم هذه الرقصة مواطنو منطقة وادي  حجر بحضرموت وهم شديدو السواد من أصل افريقي  وتشترك فيها المرأة مع الرجل إذ تقف النساء قبالة الرجال ثم يأخذون في الغناء والرقص بشكل غريب جعل المؤرخ اليمني المعاصر محمد بن هاشم  يشبهها برقصة النار التي يقيمها زنوج افريقيا عند افتراسهم القرابين.والصبيان يقعون في أسفل السلم الاجتماعي  كما يقيمون رقصتهم هذه في مدينة المكلا ضمن أهل حي الشرج.

ونأتي إلى رقصة (الدربوكة)71: وهي رقصة في حضرموت تمثل دراما الصيد والمرسى وأبرز من يرقصها بحارة السفن الشراعية الأفارقة الأصل لا سيما قبل النزول إلى البحر أو بعد صيد السمك. وتغنى بعض نصوصها بلغة سواحيلية صرفة وبشكل جماعي. ويورد المستشرق البريطاني روبرت سارجنت72 مشاهدة بحارة أفارقة  سواحليين وصومال يؤدونها في ميناء بلحاف بحضرموت عام 1947م على أنغام آلة السمسمية ويأتون بحركات هز الخصر بعد ربط عمامة حوله وتسمى هناك (اللوك) وهي تثير تعليقات جنسية لاذعة عند الحضور! أبرز موازين الإيقاع في الرقصة ميزان 2على 4 وأبرز مقاماتها المستخدمة النهوند والكرد ولكن بعض ألحانها يقوم على السلم الخماسي الخالي من أنصاف التون. وهذا وصف الرقصة كما تؤدى اليوم: ( تتشكل بوجود زوج راقصين مع نصف دائرة واسعة مكونة من رجال يجلسون على الركب يواجههم عازف السمسمية وهو المغني عادة, وتبدأ بتصفيق ثم تسكت الكفوف فيبدأ غناء موال زهيري حزين خماسي الأبيات أو رباعي الأبيات تتخلله نغمات السمسمية مع غناء ليالي – يا ليل يا عين – وريسيتاتيف أي حر من الايقاع  ثم يأتي ما يعرف (بالصوت) وهو الغناء المضبوط اللحن والزمن والمحاكي لحركة البحر والعمل ويدور غالبا في الغزل. ويلعب الكورال دورا هاما حيث يقوم أحيانا بعمل ما يعرف (بالاستيناتو) أي غناء جواب على المغني في لحن قصير مغاير للحن المنفرد ويتألف عادة من ثلاثة إلى أربعة نغمات ويردد باستمرار, كما أن التصفيق فيها يتم بطريقة التلاعب ويرقص الجميع بأكفهم في حالة التكسير يثبون الى حلبة الرقص. وتلعب السمسمية ذات الأوتار الخمسة دورا ميلوديا وايقاعيا معا في هذه الرقصة إلى جانب طبول الدربوكة و المرواس والكاسر والدنبك التي يختص أحدها بتلوين الإيقاع وزخرفته فيعرف بالطبل المخرط المؤدي للتخريط بأزاء طبلين آخرين يؤديان ايقاعا ثابتا يسمى التمسيك)73.

 

المراجع

1- ناصر الدين الأسد, القيان والغناء في العصر الجاهلي, بيروت 1988م, ص 134-136.

2- بدر الدين عبد الرزاق, الطمبرة كشكل من أشكال العلاج التقليدي الشعبي في السودان, مجلة دراسات يمنية, اكتوبر- ديسمبر, صنعاء 1990م, ص 236 - 249.

3- نزار غانم, جسر الوجدان بين اليمن والسودان, صنعاء 1994م

4- جي ماكريز, خلق التاريخ حالة من السودان(بالانجليزية), مجلة المصادر التاريخية لإفريقيا السودانية, المجلد الخامس, النرويج, 1994م, ص 114.

5- جاء هذا الرأي في دراسة للدكتور يوسف فضل حسن أسهم بها ضمن مجلد عن العلاقات التاريخية العربية الافريقية صدرعن اليونيسكو العربي في تونس, منتصف الثمانينات..

6- أحمد أحمد الشرجي الزبيدي, طبقات الخواص, القاهرة  1903م, ص 94.

7- أندرسون باكويل, الموسيقى في تهامة (بالانجليزية), ضمن كتاب دراسات عن تهامة, اعداد فرانسين ستون ,لندن 1985م, ص 104- 108.

8- محمد عبد القادر با مطرف, الشهداء السبعة, عدن, ص 42

9- محمد عبد القادر بامطرف, باحسن الرائد والفنان, عدن 1985م, ص 22

10- حسن صالح شهاب, أضواء على تاريخ اليمن البحري, بيروت 1981م, ص 178

11- فون مالتزان, المنبوذون في جنوب جزيرة العرب (باللألمانية), في سلسلة البلاد الأجنبية, العدد 44, ميونخ 1872م, ص 1024- 1028.

12- أدوارد جلازر, رحلتي في أرحب وحاشد (بالانجليزية), ترجمة دافيد وربرتون وتقديم دانيل مارتن فاريسكو, المعهد الأمريكي للدراسات اليمنية بصنعاء, 193م.

13- آدم يحي أحمد, تهاميات أوراق من الموروث الشعبي, صنعاء2005م, ص 82 – 83.

14- سعيد عمر فرحان, الرقص في مدينة المكلا أواصر محبة, دورية الفنان, المكلا, ص 36 / انظر كذلك سعيد عمر فرحان, الموروث الشعبي اليمني إحياؤه والحفاظ عليه, صحيفة الثقافية, تعز مايو 1999م.

15- نفس مصدر 9, ص 5.

16- عمر أحمد بن ثعلب, محمد جمعة خان حياته وفنه, 1984م, ص14.

17- حيمنون شيلوح, السمسمية آلة وترية لمنطقة البحر الأحمر (بالانجليزية ), مجلة الموسيقى الآسيوية, 4/1, 1972م.

18- نزار غانم, جسر الوجدان بين اليمن والسودان, صنعاء 1994م.

19- ليو هرش, رحلات في جنوب الجزيرة العربية  وبلاد المهرة وحضرموت (بالالمانية), ليدن 1897م, ص114 من الطبعة الثانية.

20- نزار غانم, المستشرقون وموسيقى اليمن, ضمن كتاب أصالة الأغنية العربية بين اليمن والخليج,دمشق 1991م.

21- ادريس أحمد حنبلة, حركة الطنبرة في الشيخ عثمان, صحيفة الشباب,العدد67, عدن 10 مارس 1951م  انظر أيضا لعلوي عبدالله طاهر جماعة الطنبرة الشعبية في عدن, مجلة المسار, مايو 1984م, ص 60-61.

22- حمزة علي لقمان, أساطير من تاريخ اليمن,بيروت 1988م, ص 31.

23- آر. سكيني, الرقصات والطقوس العربية والسواحيلية (بالانجليزية), مجلة المعهد الملكي للأنثروبولوجيا, لندن 1917م, ص 413-434.

24- رونالد كودراي, الغناء في عدن والمحميات (بالانجليزية), في: حوليات ميناء عدن, أمانة ميناء عدن, 1960 و1961م.

25- روبرت سارجنت, الجنوب العربي والعناصر الأفريقية والاثيوبية في سكانه(بالانجليزية ), بحث مقدم للمؤتمر العالمي الثالث للدراسات الاثيوبية, جامعة هيلا سيلاسي الأولى, أديس أبابا 1966م, ص 25-33.

26- روبرت سارجنت, أشكال الطلب دليل شافعي من الشحر (بالانجليزية)  ضمن كتابه القانون العرفي والشرعي في المجتمع  العربي,القسم السادس, بريطانيا 1991م, ص6.

27- أديب قاسم, الفنان أحمد محمد ناجي, مجلة الفنون, عدن.

28- صالح عبد الباقي, مجموعة مقالات في الصحيفة الانجليزية يمن تايمز, صنعاء عام 2000م.

29- لطفي حسين منيعم, الغناء اللحجي أعلام وأحداث, صنعاء2000م, ص92.

30- جمال محمد السيد, في الحلمنتيشي والطنبرة, مجلة الحكمة عدن, نوفمبر 1990م, ص 27-38.

31- انظر الطبعة الأولى من ديوان الدموع الضاحكة للشاعر عبدالله هادي سبيت, عدن, الخمسينات.

32- عبدالقادر أحمد قائد, القمندان والأغنية اللحجية ايقاعاتها رقصاتها مقاماتها الموسيقية دراسة تحليلية, بحث مقدم إلى المهرجان الثالث للقمندان, لحج, فبراير ومارس 1997م.

33- نفس مصدر 29, ص 115.

34- صالح نصيب وأحمد صالح عيسى, فضل محمد اللحجي حياته وفنه, عدن 1984, ص 13 و55.

35- أحمد بو مهدي , المسلمي حياته وفنه قصة حياة الفنان اليمني الراحل عوض عبدالله المسلمي, عدن 1984م, ص 13 و15.

36- نفس مصدر 16, ص 34.

37- صدرت ملاحظات كريستيان بوخه هذه بالانجليزية  كتعليقات مطبوعة مرفقة بالاسطوانة التي أعدها لليونيسكو العالمي بباريس عن الموسيقى اليمنية / انظر ايضا لبول بوننفانت, أحياء زبيد ملاحظات حول التاريخ الاجتماعي (بالفرنسية) في مجلة (حوليات يمنية) المعهد الفرنسي للدراسات اليمنية بصنعاء , عدد 1998 و1999م, ص110.

38- يوسف شوقي, معجم موسيقى عمان التقليدية, مسقط 1989م, ص 501.

39- نفس مصدر7, نفس الصفحات.

40- جابرويلا براونة , موسيقى الساحل في العربية الجنوبية (بالألمانية),فرانكفورت 1997م, ص 294-310 وانظر لجابرويلا براونه, موسيقى الصيادين في منطقة بحر العرب, بحث مقدم للندوة العلمية الأولى للموسيقى اليمنية, صنعاء 27 – 29 يوليو 1997م/ وانظر لجابرويلا براونة, انتشار الموشح (بالانجليزية), بحث مقدم إلى اجتماع  الجمعية العالمية لعلم الاثنوميوزيكولوجيا, مدريد 1992م.

41- فهد محمد الشعيبي, آلات الموسيقى الشعبية واستخداماتها في اليمن,رسالة ماجستير مقدمة للمعهد العالي للموسيقى العربية, القاهرة 1995م / انظر ايضا لفهد الشعيبي بحثه المقدم للندوة العلمية الأولى  للموسيقى اليمنية بعنوان (الآلات الموسيقية المستخدمة في مصاحبة الغناء الشعبي بمنطقة تهامة ) بتاريخ 27-29 يوليو 1997م, ص 16و42-44 و54-55.

42- فهد محمد الشعيبي, الأغنية الشعبية بمنطقة تهامة بمحافظة الحديدة باليمن, رسالة دكتورا مقدمة للمعهد العالي للموسيقى العربية, القاهرة 2001م

43- رفعت محمد خليفة دويب, أغاني الأعراس في دولة الإمارات العربية المتحدة, أبوظبي 1982م, ص 151.

44- برترام توماس, العربية السعيدة ( بالانجليزية ), لندن 1932م, ص 380 وما بعدها.

45- لدواين كابتجنس وجاي سبولدنج, نساء الزار وحساسيات الطبقة الموسطة في مستعمرة عدن 1923-1932م(بالانجليزية ), مجلة المصادر التاريخية لإفريقيا السودانية, المجلد الخامس, النرويج 1994م, ص7 – 38.

46- أوليفر مايرز, فلكلور عدن الصغرى ( بالانجليزية ), مجلة المعهد الفرنسي للآثار الشرقية, القاهرة 1947م, ص 177-233.

47- دورين انجرامز, بحث في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في محمية عدن ( بالانجليزية ), أسمرا 1949م.

48- محمد سالم حسين الكدادي البيحاني, أستاذ المرأة, طبعة  بيروت, 1996م, ص 39-40

49- نفس مصدر 22, ص31.

50- حمود العودي, التراث الشعبي وعلاقته بالتنمية في البلاد النامية دراسة تطبيقية عن المجتمع اليمني, بيروت 1986م, ص 228.

51- عبدالله مقبل معمر, جلسات الزار في تهامة, مجلة اليمن الجديد,7, 1988م, ص42-75 انظر للكاتب نفسه بحثه عن الزار في مؤتمر بالخرطوم في يناير 1988م وبحثه المعنون (الزار كأحد الأساليب العلاجية التقليدية في المجتمع اليمني) المقدم للمؤتمر الرابع العربي للطب النفسي, صنعاء, ديسمبر 1989م.

52- تزيانا باتان, معلومات عن طقس الزار في اليمن والتلبس بالشياطين (بالايطالية), مجلة الدراسات العربية, العدد 13, روما 1995م, ص 117-130.

53- حمزة علي لقمان,خواطر, مطبعة فتاة الجزيرة بعدن,مطلع الأربعينات.

54- عبدالله صالح الحداد, رجال الشحر في شرق أفريقيا من خلال أدبهم الشعبي, المكلا 2006م, ص 95-96.

55- حسين سالم باصديق, في التراث الشعبي اليمني, صنعاء 1993م, ص 196-197.

56- جمعية النخيل للفنون الشعبية, لمحات من تراث وفلكلور مجتمع الإمارات, ابوظبي 1996م, ص 81 نقلا عن أحمد حسن خرخور.

57- تغنى هذه القصيدة في اليمن أساسا على لحن صنعاني.

58- نفس مصدر 40, ص 310-314 انظر أيضا لمحمد القويعي الطبعة الثانية من الجزء الأول من كتابه (تراث الأجداد) 1995م, ص 43.

59- روث ستون, عمان والغربة الافريقية في الغناء والرقص والتعبير الجمالي, الوثائق الكاملة للندوة الدولية لموسيقى عمان التقليدية, جزء ثالث, مسقط 1994م, ص67 – 84.

60- نفس مصدر40, ص 308 – 310.

61- سامي محمد بن شيخان, نفحات وعبير من تاريخ غيل باوزير, طبعة ثانية 2005م.

62- أحمد ضياء علي بن شهاب, عادات بادت وص49-50.

63- جعفر محمد السقاف, الأغاني والرقصات الشعبية في وادي حضرموت, مجلة الثقافة الجديدة, عدن يناير 1974م, ص 34

64- سعيد عمر فرحان, الجذور التاريخية للزوامل اليمنية,مجلة الثقافة, عدد 35 , صنعاء ابريل 2000م, ص 47 و51 و52 .              

65- مصطفى العيدروس, الكلمات المستعارة في حضرموت دراسة في اللغة و الاتصال الثقافي في المحيط الهندي (بالانجليزية ), بحث مقدم إلى مؤتمر شمال غرب المحيط الهندي كبوابة ثقافية, جامعة استوكهولم,17-19 يناير 1997م.

66- نفس مصدر 54.

67- جعفر محمد السقاف, لمحات عن الأغاني والرقصات الشعبية في محافظة حضرموت, وزارة الثقافة بعدن, ص 22 و25 نقلا عن وصف للاستاذ محمد بن هاشم للرقصة عام 1931م في كتابه (رحلة الثغرين), ص 43.

68- معلومات شخصية من خبير الرقص الحضرمي سعيد عمر فرحان, المكلا, ديسمبر 2006 انظر أيضا بحث لسعيد عمر فرحان غير منشور وعنوانه (بحث في الازياء والايقاعات والآلات الشعبية في أمثالنا وأشعارنا الشعبية).

69- روبرت سارجنت, نثر وشعر من حضرموت, ترجمة سعيد دحي وتقديم محمد عبدالقادر بامطرف,المكلا 1980, ص82.

70- سالم الخنبشي, حارات المكلا, صنعاء 2005م, ص 114 انظر كذلك المصدر 67.

71- محمد سالم الرمادي, من الفكلور رقصة الدربوكة, صحيفة الحق, صنعاء 21 فبراير 1993م ص 6  انظر كذلك دراسة غير منشورة ومجهولة المؤلف بعنوان (الرقص والغناء الشعبي دراسة ميدانية  حضرمية تشمل رقصة الدربوكة والكمبورة الخ ), مركز الابحاث الثقافية, المكلا.

72- روبرت سارجنت, نفس مصدر 69

73- نفس مصدر 67, ص 20 و21 انظر ايضا دراسة منشورة بالاستنسل لاحمد عوض باوزير عام 1984م بعنوان ( الغناء والرقص الشعبي في حضرموت ).

أعداد المجلة