فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

التراث الشفوي دورة تدريبية سادسة بوزارة الثقافة والإعلام بمملكة البحرين

العدد 6 - أصداء
التراث الشفوي دورة تدريبية سادسة بوزارة الثقافة والإعلام بمملكة البحرين
كاتب من البحرين

عقد قطاع الثقافة والتراث الوطني بوزارة الثقافة والإعلام في مملكة البحرين  الدورة السادسة في التراث الشعبي خلال الفترة من 7 إلى 11 يونيو 2009م، تحت “التراث الشفوي”، حاضر فيها الدكتور محمد الجويلي أستاذ الأدب العربي والانثروبولوجيا الثقافية في كلية الآداب والفنون والإنسانيات  بجامعة منوبة بتونس.     

حضر الدورة موظفو قطاع الثقافة وطلبة من جامعة البحرين، ويعض من خريجي علم الاجتماع، وعدد من المهتمين بالتراث الشعبي في البحرين.

عُقدت الدورة في قاعة متحف البحرين الوطني، واشتملت على المحاور الرئيسية التالية:

- مدخل إلى دراسة التراث الشفوي.

- تطبيقات على نصوص مقتطفة من كتاب (الأحلام) لمحمد بن سيرين.

- تطبيقات على نصوص حكايات خرافية، ومثلية من المحيط  إلى الخليج العربي.

- تطبيق على بعض المقاطع الغنائية  من التراث الشفوية.

 وتحددت أهداف الدورة في عدة نقاط منها :

- تدريب ، وتأهيل الباحثين لدراسة التراث العربي الشفوي.

- التعرف على أهم التجارب العربية المعمول بها في مجال المأثور الشعبي.

- إنشاء قاعدة بيانات تضم مادة علمية مكتوبة، ومسموعة، ومرئية حول مختلف العناصر التراثية في مملكة البحرين.

- إعداد أرشيف تراثي دقيق ومتنوع يستكمل كافة البيانات المختصة بالتراث الشعبي، لتسهيل عملية الحصول على المعلومات من قبل الباحثين، والمهتمين بالتراث.  

بدأ د. الجويلي محاضراته بالتأكيد على أهمية الحفاظ على التراث الشفوي كإرث  إنساني على وشك الفناء نتيجة للتطور العلمي المذهل، وانصراف الناس للوسائل التكنولوجية الحديثة  كالمحطات الفضائية ، والشبكة العنكبوتية العالمية “الانترنت”، وغيرها من وسائل التسلية المتاحة بأزهد الأسعار، مما أثر على استمرار التواصل بين الأجيال كما كان يحدث سابقاُ. 

ونوه المحاضر على أن تحويل الشفوي إلى مكتوب هو إماتة له، واعتداء عليه، ولكن ذلك هو قدره إذا أردنا أن ندرسه، ونزيل عنه  الغبار، ونعيد إليه الاعتبار. وفي هذا الصدد أكد على أهمية قيام وزارات الثقافة، والمؤسسات العلمية، والتربوية، والمهتمين بالتراث في الوطن العربي بدورهم في الحفاظ على التراث الشفوي جمعاً، ودراسة، وإلا سنجد بعد عقود من الآن أجيالا لا تمت إلى جذورها وتراثها، و لا تحمل من الهوية إلا القشور. كما طرح  إمكانية الاستفادة القصوى من تلك الوسائل الحديثة، وجعلها تصب في مصلحة التراث الشفوي بدل من خلق صراع بينهما. 

وفي موضوع أخر تطرق المحاضر إلى الطفل في الحكاية الشعبية، وأبان بأن تربية الأطفال في المجتمعات التقليدية كما لاحظ الانتروبولوجي الفرنسي “فان قينب” تتم عبر التخويف، والإضحاك أي عبر وسيلتين تقفان على طرفي نقيض، غير أن هذه الوظيفة لا تكتمل إلا بتوفر عنصر آخر ألا وهو  الأمل “ بيداغوجيا الانتصار” في آخر المطاف .            

وتطرق الدكتور الجويلي إلى “الربّاج”1، أو ما يُعرف بأغاني المهد: من رحم الأم إلى رحم الكلام.  فـ “الربّاج” له جذوره في الثقافة العربية القديمة كما هو في جميع الثقافات، فقد عُرف عن العرب منذ القدم بتربيج  أطفالهم فهذه أعرابية ترقص ولدها قائلة:

يا حبذا ريح الولد ريح الخزامي في البـلد

أهـكذا كــل ولد ؟ أم  لم  يلد مثلي  أحـــد

 

وبين أن أهم الأشياء التي تعنينا في هذا الموضوع هو التواصل بين الأم، والطفل عن طريق اللغة، والكلام، والعمل على تهيئته تدريجياً للالتحاق بعالم الكبار. وليس بالضرورة أن يكون الربّاج حكراً على الأم فيمكن للجدة، والعمة، والخالة، والأخت، والأقرباء، والصديقات وحتى للرجال في بعض الأحيان.

كما بين كذلك أن «الربّاج» هو أغناني  ترددها  الأم لهدهدة طفلها في المهد لكي تساعده على الخلود إلى النوم، كما أن هناك أهداف أخرى من بينها مداعبة الطفل، أو تهدئته، أو التواصل معه.

الربّاج عادة ما يقع فيه إسقاط مشاغل الكبار على الصغار، و حالة الطفل حينئذ تصبح ثانوية، ويصبح الرباج متنفساُ للمربجة للتعبير عن همومها عوض عن محاورة الطفل كما كان متوقعاً.

وعلى هذا النحو يلعب الربّاج وظيفة مزدوجة: الأم وهي تجهد نفسها لتهدئة رضيعها، تبحث من خلال ما تبدعه من كلام تهدئة نفسها ذاتها، وتسكن آلامها الشخصية، وتضميد جراح ذاكرتها، والتحرر من ثقل المعاناة التي تعيشها كما في النموذج التالي:  

                             

بيكْ الللْ وبيك اللـلْ        ريتكْ في امزيودْ فلفلْ

ريتك في جبّارة سلْ        ريتك في مرداس البلْ

وريتك ما جيتي بالكلْ 2

 

هكذا تصل ذروة تبرم الأم من إنجابها بنتاً، وكأن لعنة، وكارثة عظيمة قد حلت بها، حتى أنها كانت تتمنى لو لم تنجبها من الأساس. كما تطرق المحاضر إلى مواضيع أخرى مرتبطة بالتراث الشفوي.

وكان للحضور مشاركاته الفعالة من خلال المداخلات، والنقاشات المختلفة، وطرح الأسئلة بعد كل محور من محاور ورشة العمل السادسة مما أضفى نوع من الحيوية على سير المحاضرا.

وقد خرجت الدورة بتوصيات واقتراحات متعددة تصب في مصلحة الحفاظ على التراث الشفوي، وتفعيله بحيث يأخذ حقه من الجمع، والتحليل، والرصد، وسوف ترفع تلك التوصيات إلى الجهات ذات الاختصاص لتنال حقها من التفعيل. 

وفي الختام تم توزيع الشهادات على المتدربين المشاركين، كما قدمت بعض الهدايا للمحاضر عرفاناً بدوره في تنوير الحاضرين بمعارف جديدة في التراث.

 

الهوامش

1 -  الربّاج كلمة عربية بمعني أغاني المهد.

2 -  يحكي الربّاج السابق (أغنية المهد) عن معاناة الأم عندما أنجبت بنتاً فكانت تتمنى أن تضع صغيرتها  في أناء مملو بالفلفل (امزيودْ فلفلْ )، أو تضعها بين  شوك النخلة الصغيرة (جبّارة سلْ)، أو في مكان رعي الإبل (مرداس البلْ)، ويصل بها الحال أن تتمنى لو لم تنجبها بالأساس (ريتك ما  جيتي بالكلْ). 

أعداد المجلة