الحلي المصرية كنز الأثرياء.. وزينة البسطاء
العدد 6 - حرف وصناعات
أشرف عويس
كاتب من مصر
الحلي، خاصة الذهب، هي دفتر الأحوال الذي يعبر بوضوح عن غنى وفقر الناس في مصر، من خلال ما تلبسه النساء -وأحيانا الرجال- كوسائل للزينة، أو ما يدخرونه «لوقت عوزة» جرياً على المثل القائل «القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود».
وقد وصل استهلاك مصر من الذهب وفقاً لإحصائيات مجلس الذهب العالمى لعام 2001 إلى 120 طنًّا من الذهب الصافي عيار 24 قيراط سنويًّا، 7% منها يستخدم في صناعة الحلي للطبقة الشعبية والفلاحين، ثم تأتي بعد ذلك الحلي الأكثر قيمة والتي توجه للطبقة الثرية حيث تقدم في أشكال وتصميمات أكثر تنوعاً وثراء.
يمكننا بسهولة رسم خريطة للحلي المصرية، وفقاً للمنطقة التي تنتمي لها المشغولات الذهبية ووفقاً لطريقة الصنع، حيث إن التفاصيل كثيرة والاختلافات كبيرة جدًّا، فلكل منطقة في مصر شخصيتها وخصائصها، وهويتها التي تميزها عن غيرها من بقية المناطق، كذلك فإن الأصول التاريخية والعرقية وبيئة المكان وشكل الأزياء، كلها من المحددات التي تسهم في تحديد ملامح حُلي كل منطقة، وعلى هذا الأساس يمكن تقسيم الحلي المصرية إلى ثلاثة أنواع رئيسية هي: الحلي النوبية، والحلي الصحراوية، والحلي الشعبية وحلي الفلاحين.
الحلي النوبية
هل صادفك الحظ وأنت تعبر الشارع ذات مرة والتقيت بفتاة فاتنة إلى درجة السمار؟.. هل رأيت على صدرها عقداً جميلاً تتوسطه دائرة ذهبية تحيط بها مجموعة فصوص رائعة يسمونه « القمر بوبا»؟.. هل زرت مكاناً لتجمع النوبيين في القاهرة.. حي عابدين مثلاً؟.. أو كنت أكثر حظًّا ورأيت تجمعاتهم الأكبر والأجمل في أسوان؟
سواء كانت الإجابة بنعم أو لا.. فنحن ندعوك الآن إلى رحلة رائعة إلى النوبة الساحرة.. نتعرف من خلالها على عالم الحلي والزينة عند النوبيين.. تلك البوابة التي يعبرون من خلالها عن عشقهم للجمال والفن.
تقع النوبة القديمة في الجنوب من الأراضي المصرية.. وفي الشمال من الأراضي السودانية، ومن قديم الأزل كانت أرض النوبة نقطة التقاء مهمة للتجارة.. خاصة حيث وجدت مناجم الذهب المصرية، حتى إن بعض الباحثين يعتقد بأن كلمة النوبة اشتقاق من الكلمة المصرية القديمة «نب».. والتي تعني «الذهب».. في إشارة إلى تسمية النوبة بأرض الذهب، وبعد الهجرة صارت أجمل أغانيهم تقول: مشتاقين يا ناس لبلاد الذهب، وتعد الحلي النوبية ظاهرة ثقافية فلكلورية فريدة من نوعها.. تعبر بشكل حقيقي عن عادات وطقوس أهل النوبة.
والأسباب التي أدت إلى ظهور الأشكال والتيمات المميزة الموجودة في الحلي النوبية، ترجع إلى زمن قديم منذ أيام قدماء المصريين حيث يمكن أن نلمس ذلك التأثير في طريقة ارتداء الأقراط (الحلقان).. فالجزء العلوي من الحلق النوبى مزين بدائرة أو دائرتين.. والحلق نفسه على شكل دائري، وهو نفس الأسلوب الذي يمكن مشاهدته في رسوم تل العمارنة الجدارية.. التي ترجع إلى عصر إخناتون حيث تظهر الرسومات بناته وهن يرتدين الحلقان بنفس الأشكال وبنفس الطريقة.
أما عن التأثير الإسلامى فنلحظ أن الشكل الهلالي يمثل ملمحاً أساسيًّا في كثير من قطع الحُلي النوبية.. فهو أحياناً يتوسط العقد أو الكردان، وفي أغلب الأحوال تكون الأقراط (الحلقان) على شكل هلال، وقد يرجع سبب هذا إلى أن الأتراك العثمانيين حين حكموا مصر أرسلوا فرقاً عسكرية إلى مناطق النوبة المختلفة، وكانت كل فرقة تحمل العلم العثمانى الذي يتوسطه هلال كبير، ومن ثم أخذ الرمز «العلم» يدخل كمفردة جمالية في أشكال زيناتهم.
والتأثير المسيحي أيضاً يبدو واضحاً بشكل كبير في الحُلي التي يستخدمها النوبيون الفادجتا وأبرزها «قصة الرحمن» وهي قطعة ذهبية توضع على الجبهة وتلبسها النساء المتزوجات فقط، وهي مثلثة الشكل على نحو متقارب.. وتشبه هذه القطعة الصليب الذي ارتدته النساء الأوروبيات على جبهاتهن خلال العصور الوسطى، وهناك أيضاً «سوار الرازان» وهو عبارة عن مجموعة من وحدات الخرز يشبه في تكوينه السوار البيزنطى.
كما يظهر بوضوح التأثير الإفريقي على الحلي النوبية من خلال ارتداء قرط الأنف وهو ما يطلقون عليه «زمام».. وهي قطعة شائعة الاستخدام ومنتشرة بين النساء النوبيات.
وتلعب الحلي دوراً مهمًّا في طقوس الزواج عند النوبيين، فحفلات الزواج هي المناسبة الأهم في المجتمع النوبى، والحلي والمصوغات هي المكون الأساسى في مهر العروس.. حيث يتكون المهر من جزء نقدي يقدم في مظروف مغلق وعليه ختم، والجزء الآخر يقدم في شكل حلي من الذهب والفضة.. ويتم تقديمها بشكل علني أمام الناس كل قطعة بمفردها حتى يراها الجميع، ويكون ذلك في احتفال خاص له طقوسه عند كل قبيلة.
في قبيلة الكنوز أهم قطعة يقدمها العريس لعروسه هي «قصة الرحمن»، وأيضا «الجاكيد» وهي ست دوائر ذهبية مربوطة بحبات من الخرز تتوسطها دائرة سابعة كبيرة محفور عليها كلمة «ما شاء الله»، كما يقدم العريس لعروسه يوم الصباحية الخلخال (الحجل) ويكون مصنوعاً من الفضة، والمهر عند الفادجتا يتكون من قصة الرحمن والويدا وخواتم الفضة، وفي قبيلتي الكنوز والعقيلات العربية يقدم العريس مهره من الذهب الخالص ويطلق عليه «البندقي».. وعيار البندقي يوازى 3.5 جرام، وكان العريس يقدم ما يزيد عن 20 بندقي في ذلك الوقت.. لأن عيار البندقي كان هو السائد حتى فترة الخمسينيات، أما بعدها فقد أصبح عيار 21 قيراط هو السائد حتى اليوم.
والمرأة النوبية تستخدم زينتها في كل المناسبات، فهي ترتدي بعض حليها حتى وهي تؤدي عملها اليومي في الحقل، والنساء الكبيرات السن يرتدين الحلي حتى وهن جالسات أمام المنازل في قعدات السمر، أما المرأة التي تعاني من الإجهاض المتكرر فترتدي خلخالاً وحيداً في إحدى قدميها.. ويكون بلا زخرفة أو نقوش.. وتظل تلبسه حتى يتم حملها بسلام.
لكن المناسبة الوحيدة التي لا ترتدي فيها المرأة النوبية حليها هي الوفاة. فلا ترتدي نساء عائلة المتوفى أي قطعة حلي، وكنوع من المشاركة المجتمعية تلبس نساء القبائل الأخرى حليها خلف الرقبة ولا تكون مدلاة على الصدر.
والمرأة النوبية لا تتخلى عن حليها ومصاغها حتى في أصعب الظروف.. لأن هذا هو كنزها الخاص الذي تقدره بشدة.. والذي تدخره أيضا للزمن، وإن اضطرتها الظروف لذلك فإنها تصبح في عار وسط قومها.
والكلمة النوبية «تَبد» تعني صائغاً أو حداداً.. ويقال إن الصاغة النوبيين الأوائل بدؤوا كحدادين قبل أن يتعلموا مهنة الصياغة على يد أسطوات الحرفة في الجنوب المصري، أما الطريقة التي يتبعها الصاغة النوبيون في تشكيل الحلي من الذهب والفضة فهي تسخين المعدن بشدة حتى يتحول لونه إلى الحمرة.. ثم نقله وطرقه على مسطح تمهيداً لتشكيله، وقد كان بعض الصاغة النوبيين في مطلع القرن العشرين يحمل الواحد منهم أدواته في حقيبة ويتجول بها هنا وهناك.. يطرق الباب على السيدة التي أعطته سابقاً حليها بغرض التصليح، وفي أحيان أخرى كان يجلس أمام الباب ويفترش أدواته ويبدأ في تصليح قطع الحلي أمام المنزل، وفي حالة عدم قبول القطعة للإصلاح فإنه يصهرها ويعيد تشكيلها من جديد في تصميم مختلف، ولقد اشتهر الصاغة النوبيون بالمهارة الشديدة والدقة في حرفتهم.
حلي الصحراء
إن صحراء مصر بما تحويه من واحات تمثل الجزء الأكبر من مساحة مصر، وبالنظر إلى حلي نساء هذه المناطق فإنك تلاحظ التباين والاختلاف الذي يميزها عن حلي مناطق مصر الأخرى، ذلك أن التصميمات الصحراوية بسيطة وبدائية حتى في صنعتها مع استثناء واحد في ذلك تمثله واحة سيوه. ربما يعود السبب في ذلك إلى قلة الموارد الطبيعية كمصدر يتأثر به الصناع أو ربما لعدم اهتمام البدو وعائلاتهم منذ القدم بالحلي، مما جعل الصناع يوجهون إبداعهم ومنتجاتهم لمناطق الطلب على الذهب والحلي وهي المناطق الأكثر ثراء في دلتا النيل وعلى ضفاف نهره.
وبوجه عام.. فإن حلي الصحراء على تنوعها لها مشتركات فيما بينها مثل مكوناتها من الكور الفضية، والأحجار الكريمة وشبه الكريمة والخرز الزجاجى الملون، لكنه هناك اختلاف في التصميمات من منطقة إلى أخرى.
ولما كان الصائغون غير متوافرين في هذه المناطق المتنقلة ومن ثم لم تتوافر الإمكانات والعدد اللازمة لصنع حلي مكتملة كان الصحراويون يلجأون إلى معادن أقل كلفة من الذهب مثل الفضة وخليط النحاس والنيكل.. حيث يخلط النيكل بالنحاس فيعطيه مظهر الفضة اللامع ويكون طيع الصنع فلا يحتاج إلى حرفية ومهارة شديدة في الصنع.
الحلي الشعبية
لفظة «الفلاحون» تشير إلى القوم الذين يسكنون المناطق الريفية ويعيشون على ضفتى نهر النيل في قرى الصعيد ودلتا النيل ويعملون بالزراعة، أما الطبقة الشعبية فهم الطبقة تحت المتوسطة.. الأفقر نسبيًّا، ويعيشون في القاهرة والمدن المصرية الكبرى. من ناحية الشكل والتصميم فإنه من الصعب جدًّا التفريق بين ما هو شعبي وفلاحي حيث إن الطبقتين تمثلان الأغلبية السكانية بين المجتمع المصري ويرتدون حليًّا متشابهة، بينما الاستثناءات القليلة فإنها تعبر عن مناطق بعينها حيث للناس فيها ذوق خاص وملبس خاص وبناء عليه مطلب خاص في شكل الحلي.
في أكثر الأحيان تصنع الحلي من الذهب عيار 21 قيراط فهو يُعد الأكثر قيمة، وبالنسبة للفضة يشغلها الصائغون من عيار 80 أو60 قيراطاً، كما تصنع الحلي أحياناً من معدن النحاس أو الفضة ذات العيار الخفيف ثم تغطى بطبقة من الذهب وهو ما يسمى بـ «ذهب قشرة» وله جمهور عريض وسوق كبيرة بين الفقراء ممن يرغبون في تزيين أنفسهم ومشابهة الأغنياء. ولما زاد الطلب على الذهب القشرة ظهرت شركتان في مصر هما «الجمل» و»السمكة» وكلاهما أنشئ عام 1912م على يد يهود مصريين، وكلا الشركتين كان لهما على الأقل 60 فرعاً تغطي أنحاء مصر، وكانت منتجاتهم من أعقاد وغوايش وأقراط وكافة المشغولات التي كان من الصعب جدًّا التفريق بينها وبين الحلي الذهبية الحقيقية، وفي عام 1957م تم بيع الشركتين حيث هاجر أصحابها من مصر، بعدها تم دمج الشركتين في شركة واحدة تحمل الاسم التجاري «الجمل» ثم في عام 1989م غيرت الشركة نشاطها ووجهته لصناعة الحلي الذهبية الخالصة.
تستخدم الأحجار الكريمة وشبه الكريمة في الحلي الشعبية وحلي الفلاحين، بيد أن هاتين الطبقتين تفضلان اقتناء الحلي التي تحوي أكبر قدر من الذهب حتى لا يفقدوا كثيراً من قيمته حال بيعه فوظيفته كمدخرات تفوق وظيفته التزينية.
إن الحلي الشعبية وحلي الفلاحين تتميز بدقة صنعتها وثراء تفاصيلها ودقة الروابط بين مكوناتها، وذلك في قطع الحلي المسطحة أو ثلاثية الأبعاد.. وعادة ما يكون وزنها خفيفاً حتى يكون سعرها معقولاً.. وفي مثل هذه الحلي يظهر تأثير البيئة المصرية والثقافة الريفية والشعبية واضحين تماماً.. فالتصميمات مستوحاة من أوراق الشجر الرقيقة أو عيون البنات الواسعة أو شكل النهر المتدفق.
عاشقة الحلي
وأنا أبحث في عالم الحلي المصرية التقيت كتاباً رائعاً هو كتاب: «الحُلي المصرية الساحرة.. الفن والصنعة»، وهو كتاب شيق وممتع قدمته لنا مصممة الحُلي المتميزة الفنانة عزة فهمي، وصدر باللغة الإنجليزية عن قسم النشر بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وقد رصدت فيه المؤلفة أهم قطع الحُلي وأشكالها وقيمتها الفنية.. وما يرتبط بها من معتقدات وأساطير، كما رصدت فيه أهم ملامح رحلتها الممتعة والطويلة في عالم الحلي.. كيف بدأت؟.. وإلى أين وصلت؟.. وما هو أهم ما رصدته في هذا العالم؟.. ولماذا فكرت في تسجيله في كتاب بعد كل هذه السنوات؟
تقول الفنانة عزة فهمي في مقدمة كتابها: البداية كانت عند زيارتى لمعرض القاهرة الدولي للكتاب عام 1969م حيث وقفت أمام الأستاذ الألماني معجبة بكتاب أنيق باللغة الألمانية عنوانه «الحلي التقليدية في العصور الوسطى» لمؤلفه كليمنت بندا والمنشور عام 1966م. وكان كلما تصفحت الكتاب زاد انبهاري بالصور الفوتوغرافية رغم جهلي باللغة الألمانية، غير أن هذه الصور على الفور استدعت في ذاكرتى الحلي التي ترتديها والدتي وبقية نساء العائلة، كذلك الحلي التي ترتديها نساء الطبقة الفقيرة والحلي التي أراها في فاترينات الصاغة عندما أزور منطقة خان الخليلي، لقد كان هذا الكتاب بمثابة بوابتي لدخول عالم لا أعرف عنه شيئاً.
كان الاختيار الوحيد أمامي لدراسة هذه الحرفة هو الدراسة بكلية الفنون التطبيقية، وبعد زيارتي للكلية ترددت، فهناك أربعة سنوات أخرى للدراسة وكل ما كنت أحتاجه هو تعلم الحرفة أو الصنعة، لذا رأيت أنه من الأفضل اللجوء لواحد من أمهر صناع الحلي والتدرب معه.. إنها حرفة قديمة ولكل حرفة صبية فلم لا أكون «صبي صائغ» .. وبالتحدث مع صديقتى سارة الموجي أخبرتني أنه يوجد أسطى يدعى رمضان في خان الخليلي، اعتادت أن يصنع لها بين حين وآخر خاتماً أو سواراً بشكل معين.. وقررت بالفعل الذهاب إليه وخوض التجربة.
في «الرَبع» في خان الخليلي حيث ورش الصاغة بحثت عن الأسطى رمضان حيث دخلت حارات وممرات ضيقة وتسلقت سلالم أضيق وولجت إلى أماكن أحسست ساعتها أنه عالم مختلف تماماً يعرفه فقط العاملون فيه، وبعد أن أخبرت الأسطى رمضان عن رغبتي في تعلم الحرفة والتدرب لديه اندهش كثيراً فقد كنت أول فتاة ترغب في ذلك.. فقد اعتاد أن يكون صبيته من أبنائه أو من الأولاد الذين تسربوا من التعليم، لكن أن يكون الأمر فتاة وخريجة كلية الفنون الجميلة فهذه أول مرة وأعرب عن موافقته بقوله «ربما تصبحين يوماً الأسطى عزة».
الآن.. وبعد ثلاثين عاماً من العمل الشاق والخبرة التقنية، رغبت أن يشاركنى أكبر عدد من الناس خبرة استكشاف كنوز الحلي المصرية والجمال الكامن في كل القطع الفريدة التي استطعت أن أجمعها عبر السنين، أردت من القارئ أن يتفهم المهارات المتنوعة لهؤلاء الذين أبدعوا هذه القطع، وأردت أن أخبر القارئ أيضاً بأسرار الحرفة التي خبّرنى إياها أسطواتها.
لم تكن الحلي فقط من أجل التزين والجمال بل كانت وظيفتها كمظهر من مظاهر الثراء وخير دليل على المستوى الاجتماعي. كذلك كان للحلي دور مهم آخر حيث غاب عن المجتمع المصري نظام تأمين اجتماعي يحمي المرأة ويحمي الأسرة بأكملها فكان اقتناء الذهب أحد أهم أشكال الادخار حيث يمكن بسهولة بيعه وقت الحاجة.. إن شعور المرأة بالاستقرار والأمان إنما في هذه الحال يتوقف على كم الذهب الذي تحوزه المرأة بغض النظر عن طبقتها الاجتماعية التي تنتمي إليها، فمثلاً في الريف تعتبر المرأة أن مقتنياتها من الذهب هي كل مدخراتها وقت العوز، وعادة ما يبتاع الفلاح لزوجته أو ابنته حلقًا على شكل «الهلال» وذلك بعد بيعه للمحصول.. فمن ملاحظاتى انتعاش سوق الذهب خاصة بعد جني محصول القطن وبيعه حيث يتحول ثمن المحصول إلى قطع ذهبية تأخذ شكل الأقراط والأساور والعقود وغيرها.
من خلال لمحة سريعة لما ترتديه المرأة من حلي فإنه يخبرنا عن الطبقة الاجتماعية التي تنتمي لها المرأة، سواء الأثرياء أو الطبقة الشعبية أو حتى الطبقة الأكثر فقراً.
فمثلاً في الطبقة الشعبية، التي من بين نسائها من يدرن مشروعاتهم الصغيرة مثل إدارة المقاهي وبيع الخضراوات، تعتبر المرأة «الغوايش» أهم قطعة حلي وهن يرتدين على الأقل من ست إلى ثماني غوايش في اليد الواحدة يجلجل صوتها عندما تحرك المرأة يدها، يشترك في ذلك معهن زوجات التجار والحرفيين، فالذهب الذي يرتدينه حول رقباتهن وفي أيديهن ينم عن حالتهن الاقتصادية والطبقة الاجتماعية التي ينتمين لها. كما يتميزن بـ «سنة ذهبية» تلمع عندما يبتسمن.
إن صياغ القاهرة ينتجون المئات من الغوايش التي لا تحتوي على أشكال فنية معقدة، فهم لا يضيعون وقتهم في ذلك، هي فقط منقوشة بتحزيزات بسيطة على السطح.. وعند بيعهم لقطع المشغولات الذهبية يضيفون مبلغ مقابل صنعتهم يذهب للصائغ الذي شغل هذه القطعة، ودائماً تضع المرأة في اعتبارها القيمة الخالصة للذهب المشترى تحسباً لبيعه رغبة منها في تغيير الموديلات التي يجددها الصائغون كل عام أو لأنها تعتبره ادخاراً لوقت الحاجة.
إننى أسخر مجهودي في هذا الكتاب لدراسة الحلي المصرية التي يرتديها أغلبية المصريين على مدار فترة زمنية تقدر بحوالى مائة عام، تبدأ من نهاية القرن الـ19 أو بدايات القرن الـ20 كذلك أتناول مجموعتي الخاصة التي كونتها منذ بدأت احترافي للمهنة.
ما قدمناه هنا حول عالم الحلي المصرية لا يعد إلا لمحة بسيطة عن عالم واسع من الجمال والتاريخ والأساطير، نرجو أن تسمح لنا ظروف المستقبل بدراسة أعمق وأوسع له، سواء منا أو من غيرنا، فهذا العالم رحب بما يتسع لعدد كبير من الدراسات ومن الباحثين، فإلى الغد.. حتى نلتقي.