فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

مدخل أنثربولوجي إلى فنون السَّماع الصُّوفي بالغرب الإسلامي

العدد 6 - موسيقى وأداء حركي
مدخل أنثربولوجي إلى فنون السَّماع الصُّوفي بالغرب الإسلامي
كاتب من تونس

لقد ساهمت المناهج المعاصرة في مجال العلوم الإنسانيّة ومباحث الأنتربولوجيا الثقافيّة في إعطاء أهميّة بالغة للدّراسات والمقاربات المتعلّقة بالأدب الشّعبي والفلكلور والطّقوس الاحتفاليّة الاجتماعيّة التي تتشكّل على هامش التمثّلات الذّهنيّة والنّفسية المختلفة للمعتقد الدّيني وللقيم الروحيّة التي جاءت بها نصوصه.

وتهدف تلك التمثّلات في مجملها إلى المزاوجة بين العمل بفحوى المعتقد في تفاصيله الدّقيقة والبحث فيه عمّا يحقّق توازنات روحيّة وانسجاماً مع الواقع، رغبة في إنتاج معنى أو تصوّر ما لوجود تلك المجموعات البشريّة التي آثرت نمطاً ما من الحياة الرّوحيّة جسّمته مجالس السّماع الصّوفي1، فمضت تستبطن ما استقرّ في أذهانها وتتمثّل ما بدا لها أنّه من جوهر هذا المقدّس، وفق مناح ذوقيّة وممارسات طقسيّة احتفاليّة ترتقي إلى مستوى من الجمال الفنّـي في الكلمـة وطرائق الأداء الصوتـي أو المسار اللّحني الذي لا ينفصل بدوره عن انتظام في الحضور “الرّكحي”، يتجلّى في مشاهد فرجويّة تظهر بمثابة

العمل المسرحي. وهي ليست مسرحاً لكونها لم تقصد ذلك في مستوى الفكرة، ولم تحتكم إلى منطق الكتابة الركحيّة أو الإخراج. بل لعلّها نشأت أصلاً في بيئة ثقافيّة وحضاريّة غاب فيها المسرح ولم تهتم كلّيًّا بالتّأصيل لتقاليد العمل المسرحي إنتاجاً وفرجة كما عرفته الثّقافة الإغريقيّة والحضارة الرّومانيّة.

ذلك هو شأن مجالس السّماع والإنشاد والذّكر الجماعي لدى الطّرق الصوفيّة التي انتشرت على نطاق واسع في بلاد الغرب الإسلامي منذ قرون، وساهمت في إثراء المشهد الثّقافي، فوفّرت بذلك إشباعات نفسيّة وروحيّة لما تنطوي عليه من حسّ وجدي عميق وافق انتظارات الذّائقة الجماليّة العامّة. وقد نجم عن ذلك إغناء لمخزون التّراث الشّفوي في مجال الأدب الشّعبي وشعر الرّقائق وفنون الإنشاد والموسيقى، فبعيداً عن المواقف الفقهيّة المتباينة من هذه الظّاهرات، فإنّها تبدو جديرة بالدّراسة والبحث وفق مناهج الأنتربولوجيا والعلوم الإنسانيّة وفلسفات الفنّ لمقاربة ما تضمّنته في متون بنيتها العميقة من قيم جماليّة وروحيّة عالية شكّلت بالضّرورة بعداً هامًّا  من أبعاد الشخصيّة الحضارية والهويّة الثقافيّة لمجتمعاتنا العربيّة والإسلاميّة2.

لقد انتشرت مجالس السّماع الصّوفي، وحلقات الذّكر والإنشاد في كامل أرجاء العالم الإسلامي وخصوصاً في البلاد المغاربيّة أو عالم الغرب الإسلامي (حسب اصطلاح القدامى)، إذ تنوّعت أنماط السّماع والإنشاد لدى مختلف الطّرق الصوفيّة (القادريّة الشاذليّة العيساويّة السّلامية التيجانيّة)، وانتشرت هذه التقاليد بالرّباطات والزّوايا (الخانقاوات) التي مثّلت في العصور الوسيطة والحديثة وإلى عصرنا الحاضر فضاءات لممارسة فنون الذّكر والسّماع وأداء ألوان من الإنشاد والمديح النّبوي بالفصحى والعاميّة وبمصاحبة آلات التّوقيع وأحياناً آلات وتريّة أو نفخيّة أو دون مصاحبة لأيّ آلة. إذ أنّ الأصل في عمل هذه الطّرق هو الذّكر دون آلات من خلال ترديد التّسبيحات الإلهيّة والتّصلية على الرّسول محمّد (صلّى الله عليه وسلّم) والاستغفار والدّعاء طلباً للرّحمة والغفران، ورغبة في دفع الشرّ والأذى وتحصيل البركة، لكن وفي سياق التطوّر التّاريخي لمثل هذه الظّاهرات الثقافيّة الدّينيّة الرّوحيّة استوجب الأمر انفتاحاً ضروريًّا على الفضاء الاجتماعي، وذلك خاصّة عند إقامة الاحتفالات ببعض المناسبات الدّينيّة فتمّ إدخال نمط من المديح للأنبياء والأولياء الصّالحين واعتمد في ذلك الآلات الموسيقيّة لا سيّما منها آلات الإيقاع. وأدخلت مظاهر زينة الفضاء لتتخذ من تلك السّناجق (الأعلام) المرفوعة والشّموع الموقدة والمباخر (وهي مواقد ناريّة كبرى توضع فيها أنواع من البخور...) عناصر ديكور، إضافة إلى اعتماد زيّ موحّد في الشّكل واللّون، ويتميّز فقط الشّيخ (المسمّى بالمقدّم في أدبيات الطّرق الصوفيّة) بارتداء لباس مغاير ومختلف في الشّكل، إضافة إلى عمامة توضع فوق رأسه تكون أكثر زركشة، لتوحي بالهيبة والوقار، وتسرّ لها أعين النّاظرين، وأحياناً يرتدي الشّيخ ما قلّ وخفّ، فقد يرتدي ثياباً أكثر بساطة، وفي ذلك رمز إلى التقشّف في متاع الدّنيا، وزهده فيها.

لكن كيف تمفصلت ظاهرة الطّرق الصوفيّة من التصوّف ذاته - من جهة كونه منحى أخلاقيّا فكريًّا مداره الإخلاص في العبادات والطّاعات، ومداواة القلوب بالذّكر وتطهير النّفوس وإصلاحها بتربيتها على الفضائل والسمّو بها عن الرذائل - لتصبح (هذه الطرق) ظواهر ثقافيّة فنّية جماعيّة، ثمّ تتحوّل إلى تشكيلات اجتماعيّة شعبيّة تنتج نوعاً من التمثّلات الذهنيّة البسيطة والعفويّة لجوانب من المعتقد الدّيني ترتبط في عمقها بمعاني الفنّ والجمال، بل أمست عبر تلك الممارسات الطقسيّة تصنع الفرجة والمتعة المشهديّة التي يذهب بعض الدّارسين إلى اعتبارها قد ملأت ذاك الفراغ الذي خلّفه غياب فنّ المسرح في الثّقافة العربيّة، وقد تكون أغنت عنه، لاستجابتها لحاجة تذوّق فنون الفرجة المسرحيّة في ارتباطها بينابيع المقدّس واندراجها ضمن دائرته الكبرى التي مثّلت وجها من وجوه تجلّيه في التّاريخ وهو ما كان عاملاً حاسماً في هذا التّأثير وذاك التّمظهر الجمالي الفاتن والخلاّب.

I- الجـذور والتّقاليـد الأولـى:

لقد كان لذاك التّباعد الجغرافي بين عالم الغرب الإسلامي من جهة ومركز الدّيانة ومنبع الرّسالة الخاتمة (الإسلام) من جهة أخرى أثره في تزكية نار الشوق إلى زيارة بيت الله الحرام وإذكاء محبّة الرّسول محمد (ص)، ولم ينفصل هذا وذاك عن الاستغراق في محبّة الله والعمل على الإخلاص في طاعته، فترجمت تلك المشاعر في ألوان من أدب الرّقائق وأشعار المديح والابتهال، لتدوّن في الغرض قصائد ومطوّلات شعريّة وموشّحات وأزجال، من ذلك مثلاً المنظومة الشعريّة المطوّلة التي كتبها الفقيه والعالـم الزّاهـد عبد الله الشقراطـسي (ت 466 هـ/1073 م) “في مدح خاتم النبيّين الرّسول الأعظم محمّد صلّى الله عليه وسلّم وفي ذكر مآثر صحابته” (رضوان الله عليهم) وأطلق عليها اسم “الشقراطسية”. وقد عشّرها تلميذه أبو الفضل النّحوي (ت 513 هـ/1119 م)3. ثمّ جاء بعد ذلك المحدّث والفقيه الزّاهد العابد القاضي عيّاض السّبتي (ت 544 هـ) فوضع كتابه “الشّفاء بحقوق المصطفى”هذا الأثر الذي تسرّب بسرعة إلى حلقات الزّهاد والصوفيّة، فأخذوا في قراءته بعد صلواتهم، رغبة منهم في الإكثار من الصلاة على النبيّ محمد عليه أفضل الصّلاة والسّلام، وإظهار فضائله.

ولمّا قدم الشيخ أبو مدين شعيب الأنصاري (ت 594هـ/1197 م) (ذو الأصل الأندلسي) من الحجّ، بعد أن أخذ خرقة الصوفيّة على الإمام عبد القـادر الجيلانـي (ت 561 هـ/1165 م)، كان له تأثير بارز في الحياة الرّوحيّة بشمال أفريقيّة وبلاد الغرب الإسلامي. فتتلمذ إليه جمع كبير من المريدين، وأخذوا عنه الأوراد والأشعار والابتهالات والحكم والأدعية التي ستتسرّب إلى سائر حلقات الصوفيّة ومجالس الذّاكرين والزّاهدين العابدين يردّدونها وينشدونها، وقد التقى به أثناء إقامته بتونس - مجاوراً بمسجد سوق السكّاجين – جمع كبير من أعلام التصوّف الذين سيصير أكثرهم شيوخاً لطرق صوفيّة ومجالس ذكر وإنشاد تعمّر الزوايا والرّباطات وحتى الجوامع والمساجد وكذلك الشأن عند حلوله ببجاية وتلمسان (الجزائر).

وبعد وفاة الشيخ أبي مدين ترسّخت عوائد الاجتماع لترتيل القرآن وإقامة الذّكر وقراءة التسابيح والأدعية وأشعار الرّقائق في الزّوايا والرّباطات على الأخصّ، قبل أن تنتشر هذه التّقاليد الطقسيّة الفنيّة على نطاق واسع في سائر أرجاء بلاد الغرب الإسلامي وتتخذ أشكالا ذات صبغة جماليّة تترجمها رؤية مشهدية خلاّبة تستلذّ سماعها الآذان، وتستعذب رؤيتها الأعين.

وقد اضطلع كلّ من الإمام أبي الحسن الشاذلي (656 هـ/1258 م)، والشّاعر الصّوفي أبي الحسن علي النميري الششتري (ت 668هـ/1270م) بمهمّة الحفاظ على تقاليد الاجتماع للذكر، وترسيخ ذلك التّقليد في نظام الحياة الروحيّة الذي عرفته الزّوايا والرّباطات بالغرب الإسلامي وفي المدن الساحليّة على الأخصّ (تونس، بجاية، قابس، طرابلس و طنجة)، وللإشارة فإنّ الشّاذلي والشّشتري لم يأخذا مباشرة مبادئ الطريق الصّوفي عن الشيخ أبي مدين وإنما عن تلامذته.

فبالنسبة إلى أبي الحسن الشاذلي الذي انتشرت طريقته على أوسع نطاق نجد أن المنتسبين إلى هذه الطريقة4، قد أخذوا في ترديد نصوص أحزاب الدّعاء والاستغفار وأوراد الأذكار دون استعمال الآلات لكن مع الحرص على إحكام الأداء الصوتي، وإتقان نبرات النّطق وهو ما تجلّى خاصّة في إنشاد القصائد والأدعية بصوت رنيم مؤثّر، يتراوح بين الشدّة واللّين، إمّا فرديًّا وإمّا جماعيًّا على هيئة كورال يردّد البيت الطالع، ومن الواجب لدى مريدي - الطّريقة الشاذليّة - سلامة النّطق وحسن الأداء وزجالة العبارة التي غالباً ما تكون فصيحة وهم يقدّمون لذلك بتلاوة ما تيسّر من الذّكر الحكيم.

أمّا الشاعر والصّوفي الكبير أبو الحسن علي النميري الششتري وهو زجّال ووشّاح من طراز رفيع5، فقد تسرّبت أعماله الشّعريّة إلى نوبات الطّرب الأندلسي المنتشر في أقطار المغرب العربي والمسمّى بـ”الغرناطي”، و”المالوف”، أي ما ألف النّاس أداءه (غناءه)، وهو ينقسم إلى نوعين: “مالوف الجدّ” ويتعلّق بذكر فضل الله وصفاته الدّالة على كماله مع مناجاته طلباً لرحمته ومغفرته. ويرتبط كذلك هذا النوع بمـدح الرّسول الكريـم، ووصـف الشّوق إلى بيت الله الحرام “الكعبة”، وذكر أحوال مـن أخلصوا فـي محبّـة الله كمـا هو الشـأن بالنّسبـة إلى العابـدة رابعة العدويّـة (ت 185هـ/801م) ويقابل ذلك “مالوف الهزل” وضمنه يندرج القدر الأكبر من الغناء الأندلسي ومداره على وصف خضرة الطّبيعة ورياضها وجمال المرأة والشّوق إلى الوصال بين الأحبّة والعشّاق. وأغلب أشعار ابن الخطيب وابن زمرّك وابن سهل الإسرائيلي وابن زيدون وعبد الكريم القيسي في هذا الشأن.

وأهمّ ما يؤثر عن الشّشتري في مجال السّماع الصّوفي والإنشاد هو إدخاله لآلة الرّق (الدّفّ الصغير ذي الصنوج) في مجالس الإنشاد والمديح، للتّوقيع بها وضبط حركات الأداء ومساراته الزمنيّة. وهذا دور فنّ الإيقاع في الإنشاد. وقد انتشر هذا التّقليد حتى صار يسمّى أولئك الّذين يستعملون الرّقّ في الإنشاد والمديح الصّوفي بـ”الششتارة” نسبة إلى الإمام الشّشتري الّذي أمسى لقبه (الشّشتري) دالاًّ على نمط من الكتابة الشعريّة الزجليّة ذات النّفس الصّوفي المدحي. وللششتري صنعة وفنون محبكة في هذا اللّون، وهو الذي عبّر في بعض أبياته عن ذلك، انظر مثلاً إلى قوله:

بدأت بذكر الحبيب

               وعيشي وكأسي يطيب

 

وقوله كذلك لمّا عرض عليه منصب القضاء بطرابلس وامتنع ولم يوافق – وقد استحمقه الناس مستغربين كيف يرفض منصبا كهذا- فأنشد عندها قائلا:

رضي المتيّم في الهوى بجنونه 

               خلّوه يفني عمره في فنونــه

لا تعذلوه فليس ينفع عذلكــم

               ليس السّلو عن الهوى من دينه

 

وقال مبدياً فضل طريق الصوفيّة:

إن شئت أن ترقـــى

                         فخـلّـي الأكـــــــوان

إفنَ وزد عشقـــــا

                         يكـون لـك الشــــــان

واتّبع الحـــــــق

                         وارحـل للميـــــــدان

تنال ما تطلــــــب

                         علــى الكـمـــــــال

هِـمْ فـي هـوى المحـبـوب ولا تـبــــال6

 

هكذا نلاحظ مدى إيثار الشّشتري لطريق الصوفيّة منهجاً في التربيّة الرّوحيّة، وهذا يشترط إخلاصاً في محبّة الله مع التّماهي الكلّي بذلك. وقد أخذ هذا المنحى مسارات أخرى بعد الشّشتري، إذ ستعرف ألوان الإنشاد والمديح الصّوفي نقلتين بارزتين مثّلت كلاّ منهما طفرة نوعية في تطوّر هذا الفنّ الرّوحي الطّقوسي الذي انتشر على نطاق واسع لدى الفئات الاجتماعيّة العريضة ليؤثّر فيها بقوّة، ويستجيب لذائقتها الجماليّة الفنيّة ضمن رؤيا طقسيّة جماعيّة للفنّ تتبلور من خلال علاقة حيويّة بالدّين أو بالمقدّس تتأسّس بدورها على انسجام بين أفراد  المجموعة البشريّة، وتساهم في إنتاج تعبيرات ثقافيّة ومعالم تصوّر للوجود ومنزلة الإنسان فيه. وهو ما يمكن أن يدركه الباحث الأنتربولوجي الذي يعتمد فلسفة الفنّ وعلم الجمال ضمن أدواته النظريّة7.

 

II- المقدّس والجمالي: تجلّيات مختلفة:

لقد تجلّت الطّفرة الأولى المشار إليها أعلاه من خلال ما انتهت إليه الطّريقة الجزوليّة العيساويّة نسبة إلى محمد الجزولي (ت 876 هـ/1421 م) ومحمّد بن عيسى (ت 933هـ/1525 م) ومنبعها مكناس وفاس بالمغرب، فأصحاب هذه الطّريقة آثروا إدخال آلات إيقاع أخرى إضافة إلى الرّق مع ميل إلى إعمال الآلات النفخيّة في بعض الأحيان مثل آلة الزّرنة خاصّة ذات الأصل التّركي، وتمّ الارتقاء بمجلس السّماع والمديح الصّوفي لديهم إلى نمط من الاحتفال الطّقسي من خلال حضور مشهدي منظّم: صفّان متقابلان جلوساً ينقرون على الدّفوف ويتوسّطهم شيخ الحلقة المسمّى “بالمقدّم” أو “شيخ الششتارة” والعمل، ويقف المريدون أو الدّراويش المسمّون في أدبيات الطّريقة بـ”الحضّارة” للشّطح والحركة تفاعلاً مع معاني الأبيات الشّعرية والأزجال الصوفيّة، وتناغماً مع حركة الإيقاع الموسيقي بحثاً عن مواجد روحيّة وحالات انجـذاب  نفسـي (extase) تنتشي بموجبها النّفوس وتنجُم عنها سعادة روحيّة قصوى، يصعب رصد كلّ تفاصيلها وتمظهراتها الخارجيّة كما يتعذّر وصفها وصفاً دقيقاً بمفردات المعجم اللّغوي المتداول.

إنّ ما يعتري المريدين من أحوال عجيبة وأطوار غريبة تصل إلى حدّ إتيان الخوارق كتحدّي سمّ الأفاعي وأكل الزّجاج واختراق النّار يُعدّ أفعالاً يُراد منها إبراز أثر السّماع في نفس المريد وجسده على السّواء. وتتنوّع مثل هذه الظّواهر في شكل احتفاليات سماع روحاني تلتقي فيه الحركة بتواجد الأرواح في حالات انتشاء وانجذاب، وتتكيّف من خلاله مع نسق حركة الجسد وتسامي النفس في تناغم وتجاوب تامّ مع الإيقاع الموسيقي وبالتوازي مع ذلك تأخذ الرّوح في القرب من المتعالي. وفي هذا السّياق يمكن أن نفهم  ذاك التّعريف البسيكولوجي الذي وضعه دورنيق Durning للسّماع الصّوفي في معرض حديثه عن فروع الطّريقة الشاذليّة حينما قال: “إنّ الصّوفيّة المسلمين الذين يتمركزون في شكل حلقات دينيّة روحيّة في بداية القرن الحادي عشر ميلادي وإلى عصورنا هذه يتبنون الموسيقى باعتبارها وسيلة للتأمّل والصّفاء الرّوحي، تساعد على الوصول إلى حالات الانتشاء والمحبّة، لتغذّي الرّوح وتوقظ الجسم والقلب الغائب أو الغافل. إنّ السّماع في كلّ الحالات يحمل في أصواته صبغة فنيّة موسيقيّة تحيل إلى رغبة في استكناه معنى الموجودات وإدراك الأسرار العميقة المخفيّة في الكون والوجود”8. ومعنى هذا أنّ السّماع يحقّق الحضور في مقابل الغياب الذي قد تقع فيه الذّات عند غفلة منها. وكما نلاحظ فإنّ الطّريقة العيساويّة التي أنجز أتباعها مدوّنة إنشاد ومديح في مجال “مالوف الجدّ” اصطلحوا عليها بـ”سفينة المالوف العيساويّة”9، أدمجوا في ممارستهم لهذا السّماع طقوساً وتقاليد سابقة على الإسلام أعادوا صهرها في مدوّنتهم وطوّعوها لمبادئهم. ومن هنا قال أحد الدّارسين المعاصرين: “تعتبر الطّقوس العيساويّة تركيباً من ممارسات صوفيّة منحدرة من تقليد عريق. ومن عناصر مستحدثة انضمّت إلى هذا التّركيب بعد الانتشار الواسع الذي عرفته الطّريقة (فجمعت) بين ممارسات تنتمي إلى المعتقدات الشعبيّة التي علقت بالمبادئ الصوفيّة تبعاً للتّجربة المغربيّة خلال ما يزيد على أربعة قرون”10.وهذا المنحى نجده خاصة لدي عيساويّة تونس وشرق بلاد الجزائر، أمّا في غرب الجزائر (تلمسان) والمغرب الأقصى (فاس ومكناس) فتأخذ العيساويّة التي تسمّى هناك “عيساوة” شكل غناء الطرب الأندلسي (آلات وتريّة وآلات إيقاع مع تواجد وانتشاء دون طلب للجذب Extase).

أمّا الطّفرة الثانيّة فقد جسّمتها الطّريقة السّلامية نسبة إلى الشّيخ عبد السّلام الأسمر (ت981 هـ/1573 م) المغربي الأصل دفين زليتن بليبيا11 لكونها نأت بمجالس السّماع عن المسار الإسراري الخارق أو لنقل المظهر السّحري الغريب العجيب، لتتمّ العودة على نحو ما إلى تقاليد السّماع كما رسمها الششتري وتلامذته: حلقة أكثرها من حملة الدفّ إلاّ الشيخ (المقدّم) ينقر رّقا، ولا وجود «للحضّارة» (الدّراويش الشّاطحين). وهو ما يعني أنّه ليس هناك رغبة في إيجاد أيّ نوع من الإبهار المشهدي أو فنون الفرجة، فهناك تشديد غير معلن على تأكيد متعة السّماع وبلوغ حالات الانتشاء الرّوحي، وثمّة دعوة إلى الاعتبار بمعاني الأشعار وأزجال الأمداح، غير أنّ مشهديّة الفرجة تتسلّل وتحضر بشكل أو بآخر من خلال أناقة اللّباس ومعالم الهيبة والوقار التي تظهر على الشّيخ وبعض المنشدين، وترتسم من خلال حالات الانصهار الكلّي بين عناصر هذه الحلقة (الذّاكرين والمادحين) – وعبر تملّي المعاني المستقاة من نصوص الأناشيد- تلك المعاني التي تستحيل اعتبارات ذهنيّة ومواجد نفسيّة تساعد على التلذّذ الرّوحاني بالوجود، أو لنقل على تحقيق الحضور للذّات في الوجود، فعبر تلك القوالب الشّعريّة الشعبيّة والفصيحة، ومن خلال أشكال الإنشاد المصطلح عليها بـ»سلسلة الفزوع» و»التّصلية» (الصّلاة على النبيّ). «والبحور» و»التّهليلة»12، تؤسّس المجموعة السّلاميّة لاحتفاليّة سماع ذات مقاصد روحانيّة متعاليّة يكون مدارها مناجاة الله، واستعادة التّاريخ الرّوحي للعقيدة، مع إعادة تشكيله في المتخيّل الجمعي على صورة تبدو متناغمة مع مخزون الذّاكرة الجمعيّة، وتغدو حيّة في بنيان هذه الذّاكرة، لكونها تساهم في إيجاد صلات وروابط متينة بين أفراد الجماعة، رغبة في تحقيق الاندماج والانصهار في كلّ حضاري ثقافي ديني روحي يصل الدّنيوي بالمقدّس ويمنح للتّجربة الروحيّة معقوليّة ما، تكون عناصرها مستقاة من بنية المقدس ذاته ومن منطق الثّقافة السّائدة.

وهكذا مهما انفتحت الممارسة الطقسيّة لفنون الإنشاد والسّماع الصّوفي في الإسلام على ثقافات وتجارب روحيّة وجماليّة لأمم أخرى، فإنّها تظلّ محافظة على عناصر جوهريّة أصيلة يستقيم بها استمرارها في التّاريخ، وتحقّق بموجبها انصهارها في الكلّ الحضاري والثّقافي الذي به تتجسّد وحدة الجماعة، ومن خلاله يتكوّن كيانها ونسيج هويّتها.

 

III- أنماط سماع وسياقات ثقافيّة:

يضاف إلى ما تمّ التطرّق إليه أعلاه أنّ هناك طُرقاً صوفيّة كثيرة انتشرت منذ فترة مبكّرة ببلاد الغرب الإسلامي، وانفتحت بقوّة على أنماط إنشاد ومديح ذات شحنات روحانيّة من شأنها أن تؤثّر في المريدين، ومنها طريقة الشّيخ سيدي أبي علي النّفطي (ت610 هـ/1253م)(13) بالجريد التّونسي (الجنوب الغربي)، فرغم أنّ هذا الرّجل من العلماء وله مؤلّفات ورسائل في مسائل العقيدة، إلاّ أنّ أتباعه اتّجهوا بطريقته إلى إرساء تقاليد طقسيّة يصحبها لون من الشّطح وتحدث بموجبها حالات تروحن وانجذاب بالغ يصبحه وقع آلات “الدفّ والقندي وهو طبل صغير صنع من فخار، ويكون هرمي الشّكل”14.

وكذلك الشّأن بالنّسبة إلى الطّريقة التّيجانيّة التي تنسب إلى الشّيخ أحمد التّيجاني دفين فاس (ت 1230 هـ/1814 م) وهي من أكبر الطّرق انتشاراً وأكثرها عدداً من جهة الأتباع (المريدون) الذين يسمّون بعضهم بعضا “الأحباب” وهي طريقة هادئة في أداء أذكارها وأناشيدها ومحافظة إلى أبعد حدّ، “لا جذب فيها ولا رقص ولا خوارق”.

أمّا أوراد هذه الطّريقة فهي عبارة عن استغفار وصلوات على النبيّ (ص) في صيغ مختلفة (صلاة الفاتح، وصلاة جوهرة الكمال) ثمّ ذكر “لا إله إلا الله”. وتسمّى مجموعة تلك الأذكار والصّلوات “الوظيفة”. وتؤدّيان بمعدّل مرّة يوميّا في المساء. وقد أخذ الشّيخ إبراهيم الرّياحي أحد أبرز علماء الزيّتونة (ت 1266هـ/1850م) مبادئ هذه الطّريقة عن الشيخ التيجاني بفاس لينشرها في تونس. كما ألّف اتّباع هذه الطّريقة منظومات كثيرة في مدح شيخهم أحمد التيجاني15، أغلبها باللّسان الدّارج. وفي الفترة نفسها ظهرت من رحم الشّاذلية الطّريقة الحرّاقية بشمال المغرب (طنجة وتطوان) نسبـة إلى سيـدي محمّد الحـرّاق (ت1261هـ/1840م) الشّاعر الصّوفي الذّائع الصّيت، وأغلب قصائده بالفصحى وتؤدّى على نمط الطّرب الأندلسي، بل لعل ّمريديه كغيرهم من أصحاب أغلب الطّرق الصّوفيّة الأخرى ساهموا بقدر وافر في الحفاظ على الموروث الموسيقي العربي16.وظهرت في فجر القرن العشرين ومن فروع الشاذليّة  الطّريقة العلاّوية نسبة إلى أحمد العلاوي المستغانمي بالجزائر وهي طريقة تؤدّي أورادها في شكل قصائد ومديح بالآهات فينطقون في نبرة واحدة توقيعا سريعا أه أأه، أه، أأه ... فيبدو ذلك في شكل وحدة إيقاعيّة يتمايل على صداها المريدون.

وفي هذا الإطار يمكن أن ندرج كذلك أذكار الطّريقة الرّحمانيّة التي تنسب محمّد بن عبد الرحمان القشطولي (ت1793م) دفين الجزائر ومدارها على ذكر اسم الله والصّلاة على نبيّه وإنشاد القصائد دون آلات.

ومن الطّرق التي انفتحت على نماذج من فنون السّود الأفارقة في الإيقاعات والأنغام وأنماط الرّقص طريقة جماعات سيدي سعد الشوشان أو بوسعدية بتونس أو للاّ ميمونة بالمغرب. ويسمّى مديحهم بـ”السّطمبالي”، لدى أهل تونس وبـ”قناوة” لدى أهل المغرب الأقصى. وقناوة نسبة إلى البلد الإفريقي غينيا الذي جاء منه هؤلاء السود ليتوزع بجنوب البلاد المغاربيّة. وهم ينسبون أنفسهم من ناحية أخرى إلى بلال مؤذن الرسول (صلعم).

وتكاد المصادر والمراجع أن تكون مفقودة تماماً حول هذه الطّريقة ما عدا بعض الإشارات المتناثرة هنا وهناك أو بعض الشهادات الحيّة التي دوّنت مؤخّراً عن بعض أعلام هذه الطّريقة.

لقد ارتبط فنّ السّطمبالي بالأحباش والسّود القادمين من الجنوب الشّرقي للقارّة السّمراء وظهر تقريباً في القرن التاسع عشر ونسب خطأ إلى الباشا آغا السّطمبولي الذي ينحدر من مدينة إسطنبول التّركية. وقد ارتبط هذا الفنّ بفكرة العلاج بالموسيقى من خلال الانتشاء الرّوحي وطلب الجذب عبر التّركيز على سماع الإيقاعات والأهازيج التي تحدثها الآلات المستعملة في هذا النّمط الموسيقي مثل “القمبري” وهي آلة وتريّة وإيقاعيّة في آن تستخدم مع الطّبلة والشقاشق والقراقب كآلات إيقاعيّة ذات جرس موسيقي نحاسي، من شأنه أن يساعد على تحصيل النّشوة وإيجاد حالات نفسانيّة ينصهر بموجبها الفرد في المفارق (المطلق) ويصطلح على ذلك في اللّهجة المتداولة  بـ”الجذبة” أو “التّخميرة” وفي هذه التسمية استعارة مجازيّة، بمعنى أنّ صاحب هذا الحال يصيبه طور من الاختمار والانتشاء النّفسي، فيكون مثله كمثل المخمور غير أنّ السّكر هنا روحي والخمرة كلمة ينجذب من خلالها إلى عالم مفارق، فتذوّق معنى الكلمة واستغراقه بالكلّية في معناها يفرز لدى أهل السّماع أحوالاً وأطواراً من التّفريج النفساني عمّا هو كامن في اللاّوعي الفردي أو اللاّوعي الجمعي. وهذا اللّون من السّماع الطّقسي الذي يمكن أن نقول عنه إنّه سحري منتشر في البلاد التونسيّة وفي المغرب الأقصى بمدن الصويرة وأغادير ومرّاكش وببلاد السّوس (جنوب المغرب) ويصطلح عليه لديهم كما سبقت الإشارة إلى ذلك بـ”قناوة”، نسبة إلى البلد الإفريقي (غينيا) الّذي انحدر منه أغلب هؤلاء، وهم يعتقدون أنّ كائنات روحانيّة كالجنّ وغيرها تحضر عند العزف والنّقر على القمبري والدندفة المستعملة في جنوب المغرب (مراكش، أغادير والصويرة).

وفي بعض الأحيان تقدّم هذه الطّريقة أناشيدها بلهجة غير عربيّة أصلاً وإن تكن قريبة منها، ويسمّى ذلك بـ”العجمي”، ولا يقصد به أيّ انتساب إلى العجم أو إلى أقوام من غير العرب، وإنّما المقصود به مخاطبة قوى روحيّة من غير جنس البشر كالجنّ مثلا فتسمع ألفاظاً من نوع: “قلاديمة” و”بابا جاطو” و”أمي يانا” و”يامو”... يردّدها مريدو هذه الطّريقة وأغلبهم من الزّنوج مريدي الوليّ الصّالح سيدي سعد الشوشان. ولديهم نوبة تسمّى “نوبة بوسعديّة” يتغنّون فيها بمناقب هذا الوليّ الصّالح.

 

وفي خاتمة هذه المقاربة يمكن أن نلخّص إلى نتائج ثلاث أساسيّة،

أولا: استلهمت عديد الفرق الموسيقيّة والمسرحيّة تراث الإنشاد والسّماع لدى الطّرق الصوفيّة، وأبرز تجربة تميّزت في هذا المجال هي مجموعة “ناس الغيوان” التي بدأت في الظّهور سنة 1970 في إطار فرقة مسرحيّة بالدّار البيضاء – المغرب كان يشرف عليها المخرج والكاتب المسرحي الطيّب الصدّيقي. لتبرز بعد ذلك بمثابة المجموعة الموسيقيّة التي تستلهم التّراث الصّوفي والشّعبي على السّواء في تركيبة معاصرة فيها تعبيرات سرياليّة ومنازع وجوديّة ومواقف من الواقع17، وقد حقّقت انتشاراً وشهرة واسعتين في البلاد العربيّة وفي العالم أوروبا على الأخصّ.

ثانيـا: موسم 1993/1994 شهدت البلاد التونسيّة ميلاد عرض موسيقي مسرحي فنّي ركحي انطلق من محاولة استعادة عناصر فرجويّة وقيم جماليّة تضمّنتها مدوّنة السّماع الصّوفي بالبلاد المغاربيّة، و”الحضرة” كناية على حضرة الشّهود وحضرة مقام النبوّة أو مقام الولاية. وقد قام بإنجاز هذا العرض المخرج المسرحي الفاضل الجزيري الذي عرف كيف يفجّر ذاك التدفّق الرّوحاني الإشراقي وما يشتمل عليه من حسّ وجدي استبطنته منذ قرون تجربة السّماع والإنشاد الصّوفي، وجسّم جماليّة تلتقي فيها حبكة المشهد بمتعة السّماع الذي تشارك في إنتاجه الجماعات المتابعة والمشاهدة لهذه الأنماط الفنيّة الفرجويّة. وفي الإطار نفسه ظهر عرض “طمبلة” الذّي أعدّه الفنان جمال بوكراع واستلهم فيه موسيقى السطمبالي وقناوة.

ثالثا: لقد حافظت مجالس السماع والإنشاد للطرق الصوفية على جانب كبير من التراث الشعري والغنائي الشعبي والفصيح منه، ذلك أنّ الكثير منها تلقن لمريديها ذاك التراث18 لتنسج على منواله أو تركب على ألحانه كلمات وأشعاراً ذات مقاصد صوفيّة تتصل بالحبّ الإلهي والمديح النبوي وذكر مناقب الأولياء والصّالحين.

 

الهوامش

1- تجدر الملاحظة هنا إلى أنّ مصطلح السّماع يحيل إلى مفهوم إشكالي يرتبط بحقول دلاليّة مختلفة، فمن السّماع الذي يفيد إنشاد الشّعر وتلقّيه لدى العرب القدامى، والسّماع للألحان وما يحيل إليه من معان الطّرب والانتشاء إلى السّماع الرّوحاني المتعالي الذي يرتبط بسماع القرآن عند تلاوته، إلى السّماع المتداول في مجالس الطّرق الصوفيّة والذي يراد به صقل الهمّة والسموّ بالنّفس طلباً للوجد ورغبة في تحصيل السّعادة الروحيّة عبر التحقّق بمحبّة الله والإخلاص في ذلك. فالسّماع بهذا المعنى نمط إنشاد طقسي ذو خصوصيّة تطوّرت بتطوّر الحياة الروحيّة في الإسلام وكان ظهوره أوّلا بالمشرق لينتشر بعد ذلك في بلاد الغرب الإسلامي مع القرن السابع للهجرة. راجع في هذا: فؤاد (فاطمة)، السّماع عند الصوفيّة، تصدير عاطف العراقي، الهيئة المصرية العامّة للكتاب، 1997. وانظر بحثنا. جماليات السّماع والإنشاد الصّوفي بتونس، مجلّة التّقاليد والفنون، تصدر عن المعهد الوطني للتّراث، العدد 13، سنة 2001. وانظر البحث الذي أعدّه الفرنسي جان دورنيق

Jean Durning : Musique et extase. L’audition (السّماع) mystique Dans la tradition soufie. Paris édition Albin Michel, 1988.

 - كما هو معلوم عرفت الثّقافة العربيّة الحديثة جدلاً عميقاً حول أسباب غياب فنّ المسرح في الحضارة الإسلاميّة: هل هي –تلك الأسباب–  عقدية دينيّة (كالموقف من التصوير) أم ثقافيّة فنيّة ترتبط بالدور الوظيفي الهام الذي لعبه الشعر العربي من خلال فنون إلقائه وإنشاده أو أنّ ما تضمّنته احتفاليات المناسبات الدّينيّة كالموالد والأعياد والمواسم وغيرها من أنماط فرجة يلتقي فيها الغناء بالتّعبير الجسدي والرّكحي كانت وراء ذلك. راجع عزيزة (محمد)، الإسلام والمسرح، ترجمة رفيق الصّبان، منشورات عيون القاهرة، 1988. وانظر كذلك الناجي (سعيد)، المقدّس في المسرح العربي، أطروحة دكتوراه دولة نوقشت بكليّة الآداب – فاس، المغرب، الموسم الدّراسي 2002/2003.

2- ونحن نراهن على مثل هذه المقاربة لكون الدّراسة الأنتربولوجيّة الأتنولوجيّة لأنماط الأدب الشّعبي تنظر إلى هذه الفنون في تطوّرها التّاريخي من خلال: “ذاك الارتباط المتين منذ البداية بعالم العقائد والطّقوس التي هدفت بالدّرجة الأولى إلى إشباع الحاجات الاجتماعية والنّفسيّة والرّوحيّة ... (فظهرت) هناك علاقة وثيقة بين الشّعر الغنائي L>art Lyrique الذي ارتبط بدوره بالرّقص والموسيقى والطّقوس الاجتماعيّة، فالشّعر وكذلك الأغاني في المجتمعات التقليديّة ترتبط أكثر من غيرها ارتباطاً وثيقاً بالعالم الرّوحي والطّقوسي والسّحري» راجع، إبراهيم الحيدري، أتنولوجيا الفنون التّقليديّة، دار الحوار، سوريّة اللاّذقيّة، ط1، 1984، ص 117.

3- انظر البهلي النيّال، الحقيقة التاريخيّة للتصوّف الإسلامي، مكتبة النجاح تونس 1965، ص 167-168. وقد كانت الشقراطسية سببا في ظهور «بردة» الإمام البوصيري (ت 696 هـ/1295 م) التي نظمت في مدح خير البريّة باعتبارها جاءت معارضة لها، وقد انتشرت بسرعة في كامل أرجاء العالم الإسلامي لا سيما في مصر والبلاد المغاربيّة وإلى اليوم يتداولها الناس، وعليها شروح كثيرة، منها شرح الشيخ محمّد الطّاهر بن عاشور الجّد (ت 1284 هـ/1868 م) المعنون بـ»شفاء القلب الجريح بشرح بردة المديح» راجعه وقدّم له عبد الوهاب الدّخلي وجمال الدّين دراويل، منشورات وزارة الثّقافة والمحافظة على التراث، تونس، 2008.

4- انظر بخصوص هذه الطّريقة كتاب ابن عطاء الله السّكندري (ت 709 هـ/1309 م) «لطائف المنـن في مناقب أبي العبّـاس المرسـي وشيخه أبي الحسـن»، ط، دار الكتب العلميّـة، وانظر الشّيخ عبد الحليم محمـود التصوّف والمدرسة الشّاذليـة، ط دار المعـارف مصـر، ط3، وراجع كتبه بول نويا

Paul NWYIA, Ibn Atâ Allah et la naissance de la confrérie Šadilite, Dar Machreque Beyrouth, Liban 1986

5- حقّق ديوانه وقدّم له علي سامي النشّار، ديوان الششتري، ط دار المعارف الإسكندرية، 1965.

 - فعل أمر اشتقّ من الهيام: هام يهيم، هِمْ.

6- انظر ديوان الششتري (سبق ذكره)، وراجع عبد القادر التليدي، المطرب بمشاهير أولياء المغرب، ط، 3 دار الأمان الرباط، 2000، ص 128 و133.

7- لقد أصبح الباحثون المعاصرون في جماليات الفنون يفتحون نوافذ مقارباتهم ودراساتهم على حقول علوم الإنسان والأنتربولوجيا وهو ما بدا ضروريًّا ومن شأنه أن يساعد الباحث على استكمال مطلب فهم ماهيّة العمل الفني في أبعاده الدلاليّة والوظيفيّة المختلفة. راجع مثلاً:

-     Magnet Jacques : L’anthropologue et le esthétique, Traduit par : Denise Paulme Sophie le Mao, éd, Métailié, Paris, 1993

- نستعمل هذا المصطلح في جذره اللغوي العائد إلى مصطلح «وجد» ومنه التّواجد الذي يعني لدى الصوفيّة البحث عن آثار المحبّة والشّوق في ذات المريد ووجدانه بعد أن يكون أقدم على ذلك.

8- أنظر كتاب،

     Les voies d’Allah Sous la direction de Alexandre Popovic et Gilles  Veinstein, Librairie Arthéme Fayard. 1996, During, Musique et Rites : Le Samâ, P 157 

9- صدرت عن المكتبة العتيقة تونس ط2.

10- انظر، بونبت (عز الدّين): الطّقس العيساوي: حدود المقدّس والفرجة، ضمن مجلّة «قراءات» فصليّة أكاديميّة، أكادير المغرب، خريف 2005، ص 94.

11- انظر في ترجمته وفروع طريقته . البرموني (كريم الدين)، تنقيح روضة الأزهار، المكتبة الثقافيّة الشعبيّة، بيروت (د.ت) وله رسائل صوفيّة أدبيّة حقّقها عمران رابعة، صدرت بعنوان رسائل الأسمر إلى مريديه، دار المدى، بنغازي - بيروت 2005.

12- راجع في هذا الشأن البحث الجامعي الذي أعدّه فتحي زغندة بعنوان: «الطّريقة السلاميّة: أشعارها وألحانها»، منشورات بيت الحكمة قرطاج، 1991، ص 89-100.

13- حول ظهور هذه الطّرق في التّاريخ، وطبيعة الفنون التي تقدّمها يمكن مراجعة: محمد بن عثمان الحشائشي، العادات والتّقاليد التونسيّة، تحقيق الجيلاني بالحاج يحي، سيراس للنّشر تونس 1994. وأنظر كذلك الصّادق الرزقي «الأغاني التونسيّة».

فصل «أناشيد الطّرق الصوفيّة» بالقطر التّونسي، ط2، الدّار التونسيّة للنشر، 1989.

14- الرّزقي (الصّادق)، الأغاني التونسيّة، ص 153.

15- انظر مثلا سفينة قصائد مديح الأحباب، منشورات المكتبة العتيقة ، تونس، 1353هـ/1934م.

16- راجع مثلاً التازي (عبد الهادي)، دور الطّرق الصّوفيّة في المحافظة على التّراث الموسيقي، مجلّة المناهل المغربيّة، العدد 13، السنة 1978.

17- انظر في هذا،

 Ahmed Aydoun, Musique du Maroc, édition Eddif,              

Casa Blanca – Maroc, 1992. Le courant Nass El Ghiwân, P 151 et suivant.

18- انظر في هذا، عبدالوهاب (حسن حسني) ورقات عن الحضارة العربية بإفريقيّة، ج2، مكتبة المنار، تونس، 1981.

 

المراجع

-    البرموني (كريم الدين)، تنقيح روضة الأزهار، المكتبة الثقافيّة الشعبيّة، بيروت، د.ت.

-    التازي (عبد الهادي)، دور الطّرق الصوفيّة في المحافظة على التّراث الموسيقي، مجلّة المناهل المغربيّة، العدد 13، السنة 1978.

-    التليدي (عبد القادر)، المطرب بمشاهير أولياء المغرب، ط3، دار الأمان، الرباط، 2000.

-    الحشائشي (محمد بن عثمان)، العادات والتّقاليد التونسيّة، تحقيق الجيلاني بالحاج يحي، سيراس للنّشر، 1994.

-    الحيدري (إبراهيم)، أتنولوجيا الفنون التّقليديّة، دار الحوار، سوريا اللاّذقيّة، ط1 1984.

-    الرّزقي (الصادق)،  الأغاني التّونسيّة، الدّار التونسيّة للنّشر، 1989.

-    زغندة (فتحي)، الطّريقة السلامية: أشعارها وألحانها، منشورات بيت الحكمة، قرطاج تونس، 1991.

-    السكندري (ابن عطاء)، لطائف المنن في مناقب أبي العباس المرسي وشيخه أبي الحسن، ط، دار الكتب العلمية، 2002.

-    الششتري (أبو علي النميري) الديوان تحقيق علي سامي النشار، مكتبة دار المعارف الإسكندرية، 1960.

-    عزيزة (محمد) الإسلام والمسرح ترجمة رفيق الصبّان، منشورات عيون القاهرة، 1988.

-    فؤاد (فاطمة) السّماع عند الصوفيّة، تصدير عاطف العراقي، الهيئة المصرية العامّة للكتاب، 1997.

-    الكحلاوي (محمد)، جماليّات السّماع والإنشاد الصّوفي بتونس، مجلّة التّقاليد والفنون، منشورات المعهد الوطني للتّراث، تونس، العدد 13، السنة 2001.

-    الناجي (سعيد)، المقدّس في المسرح العربي، أطروحة دكتورا دولة، نوقشت بكليّة الآداب فاس الموسم الدراسي 2002/2003.

-    النيال (البهلي)،  الحقيقة التاريخيّة للتصوّف الإسلامي، مكتبة النّجاح، تونس 1965.

-    عبدالوهاب (حسن حسني) ورقات عن الحضارة العربية بإفريقيّة، ج2، مكتبة المنار، تونس، 1981.

-     Ahmed Aydoun, Musique du Maroc, édition Eddif, Casa Blanca – Maroc, 1992.

-     Jean Durning : Musique et extase. L’audition (السّماع) mystique Dans la tradition soufie. Paris édition Albin Michel, 1988.

-     Les voies d’Allah Sous la direction de Alexandre Popovic et Gilles  Veinstein, Librairie Arthéme Fayard. 1996.

-     Magnet Jacques : L’anthropologue et le esthétiques, Traduit par : Denise Paulme Sophie le Mao, éd, Métailié, Paris, 1993.

-     Paul NWYIA, Ibn Atâ Allah et la naissance de la confrérie Šadilite, Dar Machreque Beyrouth, Liban 1986

 

أعداد المجلة