أغراض الشعر الشعبي التونسي
العدد 6 - أدب شعبي
إذا نظرنا في رصيد الشعر الشعبي التونسي وفحصنا مدوناته بقطع النظر على مايحفظه الرواة ولم يدون . وجدنا أنه يمتاز بالفخامة والكثرة والتنوع في الأغراض والأوزان . والحس المناخي والتأثر بالطبيعة التي ولد فيها واللغة التي انتظمته. وإن كنا لا نقف عند اللغة كثيرا لأن اللغة واحدة وإنما نقول اللهجة التي تختلف بين كل جهة وأخرى بل كل ربض وربض آخر.
والملاحظ أن شعر الحواضر قليل بالنسبة لشعر البوادي والأرياف لأن الحواضر يكاد الشعر فيها ينحصر في الأغاني التي هي أقرب إلى حياة اللهو والترف التي يعيشونها. ولهذا شعرهم لا نجده في المدوّنات الكبيرة ولا عند الرواة من حفظة التراث وينحصر فيما يتداوله الناس في أعراسهم وحفلاتهم والسبب في وجود الشعراء بكثرة في البوادي والأرياف هو الجو الملائم للتأمل والعزلة. والشعر صحراوي من بدايته. والاستثناء موجود في كل زمان ومكان. ولأمر ما اشتهر أهل الجنوب في تونس بكثرة الشعراء من الفحول الذين سار ذكرهم شرقا وغربا.
نشأة الشعر الشعبي التونسي:
انبثق الشعر الشعبي التونسي من أشعار بني هلال الذين دخلوا إلى تونس واقتحموا القيروان وخربوها ثم تفرقوا في أنحاء البلاد واندمجوا في أهلها ونشروا لغتهم وعاداتهم وتقاليدهم ومن جملتها الشعر الذي جاؤوا به من نجد معهم وقد ذكر ابن خلدون نماذج منه في مقدمته وقد تجاوزوا فيها علامات الإعراب . ومن أشعارهم على لسان الشريف بن هاشم يبكي الجازية ويذكر ضعفها مع قومها إلى شمال افريقيا.
ونادى المنادى بالرحيل وشددوا
وعـــرج عاربـها عـلــى مستعيرها
وشد لها الأدهم زيـاد بـن غانــم
على ايد بن ماضي وليد مقرب ميرها
ومـن هذا الشعر الذي يغلب عليه اللحن والغموض وعدم التحري في الوزن.
جاء الشعر الشعبي التونسي بالاحتكاك مع قبائل بني هلال والاندماج في وسطهم.
ومن ذلك الوقت حذا الشعر الشعبي التونسي حذو الشعر الشعبي الهلالي في شكله وموضوعاته. ونحن وإن لم تصلنا النماذج القديمة من هذا الشعر إلا أن على ألسنة الرواة يدل على ما قلناه سابقا والبدايات التي وصلت لنا كلها من القرن التاسع عشر. وأكثرها من التي قيلت في الأزمات والحروب. أما عندما احتلت فرنسا تونس سنة 1881م فقد نطقت ألسنة الشعراء وتدفق الشعر واصفا كل ما وقع من كوارث سببها الاستعمار.
أوزان الشعر الشعبي:
إن الأوزان التي اتبعها الشعراء في نظمهم لشعرهم الشعبي بعيدة كل البعد عن أوزان القصيدة العربية فيما عدا الشكل فهو مماش للقصيدة العمودية القديمة ثم بعد ذلك للموشح الأندلسي .
والأوزان في الشعر الشعبي التونسي لا تتعدى الأصول الأربعة وهي:
1) القسيم :
وله فروع عديدة ومثاله :« برق»
بـرق اللعــج لاح شيـار
مبــــروك بشــار
كي اتشاوفت ليه الأنظار
زدم وزامت رعوده
2) الموقف:
وسمي «موقف» لأن الذي يغنيه يكون واقفا، ومثاله :
موقـف نجيبـه بتحكــار
مرتــوب ما صــار
كي نخش للبيت والــدار
نترجم بنغمه ذكيه
3) الملزومة:
ويتفرع عنها انواع عدة وهي أكثر الأوزان تداولا ومثالها :
قامت مشت حلفوا عليها اتولي
ضوا خذها قام الإمام ايصلّي
وهي تشبه في شكلها الموشح. وتأخذ من توزيعه الشئ الكثير.
يقول المرحوم محمد المرزوقي في كتابه “الأدب الشعبي” ص – 83 – “ الشعر الشعبي الحديث لا يمكن أن نطبق عليه البحور القديمة. ولا أن تزنه بتفعيلاتها. وهذا راجع للهجة الخاصة. فالتفاعيل القديمة بنيت على لغة تشتمل على أسباب و أوتاد وفواصل أي حركة وسكون. أما اللهجة التونسية الدارجة فلا تشتمل إلا على الأسباب والأوتاد فقط. أي حركة وسكون أو حركتان وسكون” ولو حاولنا اختراع تفعيلات لهذا الشعر لما أمكن أبدا بالر جوع إلى موازين الفصيح بل سنعثر على موازين خاصة. ولا يمكن أن نضبط موازينه إلا بواسطة الإيقاع .
وتبقى موازين الشعر الشعبي التونسي خاضعة للإيقاع. فلا غريب أن نسمع كل يوم وزنا جديدا.
أغراض الشعر الشعبي:
الغرض هو الموضوع الذي يهدف إليه الشاعر ويركز عليه قوله والأغراض أمّا أن تكون ذاتية منبثقة من وجدان الشاعر أو وصفية تسلط الضوء على ماحوله من طبيعة أو شجون نفسية أو وصف لما خلقه الله من بشر وحيوان أو غير ذلك. وأمّا أن تكون تأملية تصوّر مايطرأ على الشاعر من تجارب وتحولات. وأكثر مايكون هذا الغرض عند الشعراء الكبار الذين قضوا ردحا من الدهر في مصارعة الزمان. وعرفوا مداخله ومخارجه واتعضوا بما ذاقوه من مرارته.
ونعود الى ذكر الأغراض بل أهمها التي انصرفوا إليها في شعرهم والتي منها - الغزل- وهو مايسمى عندهم - الأخضر - ووصف مظاهر الطبيعة - كالضحضاح - وهو السراب في الصحراء – والبرق – وهو تباشير المطر - والنجعة – وهي السفر في طلب الماء والكلأ – والكوت – وهو وصف الفرس- والجمل – والنجع – وهو القافلة – وشكوى الزمان – والعكس – وهو رؤية الأشياء بخلاف ما هي عليه كقول بن عون:
نفذ قلبي فــي الجـواجـي ذوب
وريت الدجاجة في الجمل تقود
ومن أغراضهم أيضا وصف – ظلم الأصدقاء – كقول أحمد البرغوثي:
حبيب انزعلي في ضميري غصه
ومن كبدتي منبت هواه انقصه
ومن الأغراض أيضا في شعرهم مايسمونه “ محل شاهد” وهو تضمين مثل معروف في نهاية قصيدة حكيمة مثال ذلك قول أحمد بن موسى:
هـذي أمـور مقيــدة مجتمعـــه
جاوبني بـالك عليـك كذبـت
من لا يتحاسب نهار الجمعه
لازم يتحاسب نهـار السبـــت
ومن أغراضهم أيضا وصف الكبر والشيب كقول محمد العياري:
شيب ارثى لاح نقر خدودي
ملكنــــــــي بوجــــــودي
قلل شبح النظر من سهودي
ومن أغراض الشعر الشعبي أيضا – المكفر – وهو الشعر الديني الذي ينصرف فيه الشاعر إلى ذكر صفات الله ومدح الآله . وما جره على عبده من نعم. وكذلك مدح الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم وذكر شمائله الزكية وتعلق الشاعر به وبأهل بيته الطاهرين وكأنه بذلك يكفر ما جرّه عليه لسانه من مبالغة وتهويل في ما قاله من شعر مثال ذلك قول محمد بورخيص في ذكر الله تعالى:
سميت بالله راقــــــــــب
علــى كــــل مطلــــــــــب
ولا غالب الله غالــــــــب
الحـي اغتنى مــن اســبـابـه
ومما جاء في مدح الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام قول أحمد بن موسى وهو من فحول الشعراء الشعبيين بتونس.
صليت على تـاج الأكــوان
مــن نـــســــل عـــدنـــان
يشعـشـع بنـوره ويزيـان
فــــوز الرضــا تــاج الأمان
المختــار جاء بالشهادة
ومن أغراض الشعر الشعبي” شعر الكفاح” وما قاله الشعراء إبان الإحتلال والإستعمار وذكر الوقائع والأبطال الذين خاضوا المعارك والشهداء الذين سقطوا في الساحة ووصف الحالة الاجتماعية آنذاك. وهذا الشعر وإن لم يكن يوثق فإنه يذكر بما عانته البلاد من اضطهاد وأوجاع ومن ذلك ماقاله الحبيب بن عبداللطيف مخاطبا تونس:
لي زمان اليوم نرعى في مشوارك
يــا عمـهــوج خيــــــــارك
لاح عليك الضيم وسلمت في صغارك
والعمهوج: الشابة في ريعان شبابها
ومن أغراضهم شعر الحكمة والأدب والنصايح ويسمونه” الثوامر” وهو شعر يهدف الى النظر في عواقب الأمور. وهدفه التربية والتعليم وإرسال الحكمة في مضامينها. ومن أشهر ماعرف في هذا الغرض” أليف الأدب” للشاعر أحمد ملاك 1884 الذي مطلعه:
اش كلفك يا إنســـــــــــان
على شي ليس تطيقـــــــه
والي حواليه كتــــــــــــان
باطل يخش الحريقــــــــة
ومن أغراضهم أيضا “ العرس” وهو وصف لما يقع في الأعراس من احتفالات ومواكب ومحفل ومثال ذلك قول محمد الرويسي :
يا والله محفل يعجب ماصار
فيه الصبايا والبنات صغار
ومن الأغراض أيضا “ شعر الهجاء” ويسمى عندهم “ بالأحراس” لما فيه من حدة في الألفاظ وهجوم على الشخص المهجو كقول الزريبي:
لـزوك عـل العيـب دزوك
جـا دور مدبــار عرفـــوك
في نار ولهيب حـرقـوك
يا شــبّعتك بالصطاكــــه
ومن أغراضهم “ الفخر” وهو ماينسبه الشاعر لنفسه من صفات يبالغ فيها كما شاء كقول أحمد البرغوثي 1934:
أنا أحمد جياب الأشــعار
قيــــاس حكـــار
هرشام في بني الأســوار
كسارعبد ان تعامى
نسقيه من كاس الأمــرار
نكويه بالنـّــــــار
نرميّه في موج الأبحـار
ماعاد تسمع كلامه
ومن الأغراض أيضا “ شعر الملاحم” كنظم قصة “ الجازية الهلالية” و” المائسة” و”تغريبة بني هلال إلى تونس” و”قصة حسونة الليلي” وقصة “ عنتر” التي نظمها الهادي بن سليمان ومطلعها.
بكرى عنتر فارس الحرب والأهوال
اذا خاض المعركة يكيد الأبطال
ومن الأغراض غرض “ الشعر الصوفي” وهو مايظهر الشاعر فيه مواجيده وتعلقه بالحب الإلهي من خلال مدحه للأولياء والصالحين. وهو شعر يغلب عليه الصدق ورقة العاطفة والشوق الطاغي لمحبة الله وأوليائه ومن أمثلة ماقاله الشاعر السوفي محمد بن تواتي في الشيخ عبدالقادر الجيلاني:
منك السراح عبدالقـادر اعجل اراح
الارواح ضايقه اخلوقي مكموده
لا لـــــــــــــــــــــي رواح
غيــــر محـــــل الجـــــوده
ومعناه: ياسيدي عبدالقادر إني مقيد وبيدك سراحي فهيا عاجلا فإن روحي في ضيق وأخلاقي في كمد وليس لي من راحة إلا في محلك وبالقرب من أهل الجود والسخاء الذين أنت القدوة لهم.
ومن أغراض الشعر الشعبي “ الرثاء “ وهو غرض معروف ومنه الندب الشعبي.
ومن أغراض الشعر الشعبي أيضا “ الاجاجي والألغاز” وهو المسمى بالمعمّى كقول أحدهم ملغزا في الرسالة:
علــى طـفـل شهـلــول بــهلــول
علـى راس خـــده أمـــــــاره
بعـثوه مــن بـر الســـــلاطيــن
جابوه لـبــــــــر النصـــاره
بقي غرض أخير وهو الشعر الفكاهي وسنتحدث عنه في آخر العرض.
الغـــزل ... الأخضـــر
الغزل هو الغرض المتصدر في مدونة الشعر الشعبي التونسي لشموله ولعدد فروعه ولكثرة نظم الشعراء فيه و ولوعهم به وذلك لشدة التصاقه بالذات وانبثاقه من العاطفة الصادقة والحسّ الدافق بالحب. يقول أحدهم متحدثا عن نفسه:
من خزرة العين جسمي اتأذى
وقلبــي تغــــــذى
طعم العجب ريت في المرض لذة
يقول : عندما أنظر بعيني إلى الجمال أحسّ بجسمي قد وهن وألم بي المرض ولكنني رغم ذلك أشعر بلذة في قلبي ما بعدها لذة.
إن الشاعر هنا قد ذهب بنا مذهبا عكسيا فيما كنا نتوقعه من نظرته للجمال. والعين دائما هي الجانية على القلب وهي التي تسبقه في العشق.
أما سبب تسميتهم لشعر الغزل “بالأخضر”، فذلك لما فيه من اخضلال الكلمات المفعمة بالعاطفة المشبوبة ولطلاوة الموضوع وقربه من النفس واتصاله بالروح كقرب اللون الأخضر الذي هو لون الطبيعة من كل النفوس في كل زمان ومكان.
وشعر الغزل ينقسم الى قسمين:
1) وصفي: يهتم بوصف المرأة من رأسها إلى قدميها وصفا ماديا مقارنا ذلك بالأشياء المناسبة للموصوف . فالشعر يشبه ريش الغربة (جمع غراب) وفي ذلك يقول الشاعر محمد الرويسي التوزري.
حنا غثيثك ممشوط اغمار
ريش الغربة خفق ماطار
حنا: أيتها الحنينة- الغثيث: الشعر المتهدل – اغمار: جمع غمر وهو مايكمش على اليد – خفق: ضرب بجناحيه ولم يطر.
ومن قولهم في وصف “ الغثيث” الشعر قول صالح بوراس الذي وقف شعره على الشعر وما تفرع منه وأبدع فيه أيما إبداع موقف:
هفا غثيثها فـوق الأنهــاد
بــــــــردى علــى واد
وجبينها بـــرق وقــــاد
كما بدر بضياه سـاطــع
يصف شعرها “ غثيثها” عند نزوله فوق نهديها كأنه بردى “نبات كان الفراعنة يصنعون منه الورق للكتابة عليه” تهدل على واد، وهي صورة فيها من الجمال مايلفت لها النظر. وفي حديثه عن الشعر يذكر السالف وهو خصلة من الشعر تأخذ من الرأس فيقول:
ســـالـف ممشــــــوط
كاسي صـدر الجعـــاره
كأنـــه حــــــــــانوت
تحلت سـوق العطـــاره
يقول عندما امتد سالفها إلى صدرها وكساه فاحت منه العطور فكأن حانوت عطار فتح أبوابه. وفي نفس الموضوع يقول الشاعر ملزومة:
ســالف راوي
بالطيب قاوي
فاح عطره غاوي
عجمي قناوي
للزقارة ناوي
في ايده جناوه لخضار المرسى
المفردات: راوي: اكتفى بشربه- قاوي: قديم – عجمي: زنجي – قناوي: ولي زنجي مشهور مدفون في المغرب- الزقاره: نوع من الموسيقى الزنجية – جناوي: جمع جنوى – سكين مصنوع بجنوى في ايطاليا.
والمعنى: أن هذا السالف روى من العطر القوي القديم حتى فاح في الأرجاء أما في لونه فكأنه زنجي قناوي يستعد للعب بالزقاره وفي يده جنوى سكين يدافع بها على مرسى السفن.
ومن أجمل ماقاله صالح بو راس في الشعر قوله:
مظفــــــــور حديـــــــــــد
كيـف سبســـب بدهانــه
كاســـــــــي التنهيــــــــــد
مغطـي الصـدر وثديـانـه
تقول طيــــــر فريـــــــــــد
فيه يلزوا فرســـــــانـه
وهو هنا يتحدث عن الشعر المظفور الذي روى حتى اصبح لينا منسدلا على الصدر الذي غطاه وغطى الثديين. ثم مثله بالطائر الفريد وهو الصقر الذي ضايقه الفرسان الذين يصطادون به.
ثم ينتقل الشاعر الى وصف الجبين الذي يشع بالضوء ويلوح به من بعيد وكأنه في اشعاعه قمر يخرج من بين سجوف السحاب.
غثيثهـا جــــوانـــح فريـــــد
وجبينـها يـوقـد وقيــــد
وفي قصيدة يجمع فيها منصور العلاقي كل أوصاف المرأة وذلك حيث نراه يقول معددا أوصافها – الوزن- موقف –
غثيثـهــا طـــــاح بكمــــــال
في الطول يطـــــــــوال
شوشـان أســـود ويكحـــــال
فـي وسط ســـوق الدلالة
جبينـها بــــــرق شـــــــعال
فيــــرعــــد زلــــــــــزال
الحاجب كما خـط عـدال
ياعارفيـــــــن العــدالــــة
عيونها كما حـرب قتـال
والنــيــــــــــف مــــا زال
خدود ور د فــي خمــال
فــي جنــان واعــر قدالــــه
الشفه من اللك تذبــــال
والريــــق ياخــــــــــــال
أنياب تبرور شـــــعال
جا من بــــــلاد الجـهـالـــه
الرقبه كما رقبه غزال
نهـــــــود وافصـــــــــال
الصدر ماابهاه يعتــال
بزول قايــم خـــــــــــلاله
القد نحزيه ينهـــــــال
يعـــــــدال يمهــــــــــال
كما سروله بين لجبال
والريــــح داله بدالــــــه
الشرح: غثيثها: شعرها – شوشان: زنجي – عدال: شاهد عدل- النيف: الأنف- خمال: جمع خميلة وهي الأشجار الملتفة- قداله: عشيه – اللك: نوع من الصباغ الأحمر- يعتال: يعظم ويكبر- خلاله: حلية يشد بها الأزرار وتسمى ايضا: الابزيم- نحزيه: أحكره وأقدره – داله بداله: مرّة بعدها مرة أخرى.
في هذه القطعة التي جاءت على وزن الموقف نراه قد جمع كل أوصاف المرأة وجاء لها من النعوت بما يناسبها. وهو وصف مادي لا تدخل فيه العواطف ولا هواجس النفس ولكن الشيء الذي يبرز من خلال الوصف هو تبرج الصورة في حدودها وتجانسها بما يناسبها من الموصوفات على اختلاف أنواعها.
ومن القصائد التي تنحصر في موضوع واحد وهو وصف “ العينين “ قصيدة أحمد البرغوثي “ غروضات بان العرض بين هدبهم”. فهذه القصيدة تعد من أجمل قصائد الشعر الشعبي التونسي في وصف العينين. وهي ملزومة من نوع بورجيله المزيود يتحدث عن العينين ويصورها كالسهم المصوب الى المقتل- أو الرمية التي عندما يرمى بها يصاب صاحبها بالرعب.
وفي ذلك يقول:
غروضات بان الغرض بين هدبهم
رعوبات رعبوا خاطري يرعبهم
وهو يراهما عندما ترشقانه بالنظر كأنما أخذ النوم بمعاقدهما. فهما يغازلانه تارة ثم مايلبثا أن يغفوا فتتنزل أهدابهما على الخدين كأنهما جناحا “خطاف” قد عبث بهما الهواء وقلبهما ظهرا لبطن . ثم يشبههما بطلقتين من رصاص بندقية صوبتا إليه فأردتاه قتيلا:
غروضـات فـــي شــــــــــبوا
نعيسات دوبا يغازلوا ويغبـوا
شواويطهم فـــوق الخـدود يهبوا
جوانيح خطيفه الهوا شقلبهــم
منين شيعوا وجهيـــن في كبــوا
كراطيش بوسته رقيق جعبهم
وفي “العرف” الثالث يصفهما وهما تنظران إليه “بزرارات موزر” وهما رصاصات لنوع خاص من السلاح يسمى “الموزر” قد أصابته في أبعد منافذ القلب مما جعله يستغيث ويطلب من الله أن يخفف عنه ما أنزله به. أما إذا مات فإنه يتصدق بدمه المهدور على من يحبها.
منيـن شـــيعـوا وتـوطـــــــوا
خذوا قبل على النيشان في حطوا
زرارات موزر فــي كنينـي لطــوا
عيطت يالطيف هـــز تعبـهــم
كان متت قولوا للعـدول يحـطـوا
صدقت دم هدر علـى صاحبهـم
المفردات: شيعوا: ضرب من بعد- توطوا: ضربوا قريبا من الوطى الأرض- النيشان: التصويب الى الهدف- زرارات: رصاصات- موزر: نوع من السلاح الخفيف- كنيني: في داخلي – لطوا: ضربوا بقوة- هدر: بدون مقابل.
وما أجمل قول أحمد بن موسى 1849 في نفس الموضوع – روشن-
شـــــــــفرك فيه هـــــلاك
منـــــــه ذقـــــــت ادراك
نخزي في مثيل الحرب خزراتك
غزال الصحرا تماثلوا خزراتك
وعن الخدود تحدث الشعراء الشعبيون ووصفوها بالورد والجلنار وبوقرعون “شقائق النعمان” وبلمعان البرق كقول بن موسى.
الـــورد خلـــق معـــــــاك
بخــمــــــوره غـــــــذاك
نتوحد ربي اللي نشا صفاتــك
نجم الزهره حفل على وجناتك
وفي نفس الموضوع يقول محمد الصغير الساسي 1976
أم الخــــــــد شــــــــعيل
يحلف ورده مفتحه في خملها
في محــبس متبحبه في رملها
وهناك من أفرد قصيدة كاملة لوصف الخدود كالشاعر محمد الفرحان المولود 1908 بقرية الحشيشينة ولاية صفاقس. وذلك حيث يقول:
خدك يامكحـــــــــول أرماقه
منيــــن بــأن براقــــــــــه
يضوي على ضي العلاقـــــه
خدك يامكحول أرماشــــــــه
كيــــــف المـشـمـــاشــــه
والخرص معلق نواشــــــــه
كــمـــا خبـشــــة باشــــا
قاهر بأمحالـه وشواشـــــــه
وكي تجي تتماشـــــــــــى
تلبس م المزلــوق قماشـــــه
ولا هــي قــــــلاقـــــــــه
عربيـــه من غير دراقـــــــه
المفردات: مكحول ارماقه: اسود العينين – براقة: بريقه- العلاقة: الخرص أو القرط من الذهب أو الفضة- النواش: حلية لشد غطاء الرأس – الخبشة: الطغراء- الامحال: الجنود أتباع الباشا- المزلوق: المخمل- قلاقه: يعتريها القلق- من غير دراقه: من غير خفيه.
المعنى: خذ سواد العينين عندما ظهر بريقه تراه يشع بضوئه تحت قرطها كما تشع طغراء الباشا فوق رأسه. وهي عندما تمشي تتيه عجبا بما تلبسه من ملابس فاخرة.
وهم في أوصافهم عمن يتحدثون عنها لا ينسون “الأنف” فيصفونه بالمنقار وبالطير الذي يسقط على البيض من أعلى يقول أحدهم:
ريـت نيفهــا منقـــار
طيران سقط على الدحي جا مبروم
والدحي: بيض النعام.
ومن أجمل ما نختم به الجزء الأول من قسم الغزل هذه القطعة على وزن”الروشن” لمحمد الصغير الساسي يصف فيها امرأة خرجت في يوم” العرس “ حافلة بزينتها. وقد تفنن الشاعر في وصف ملابسها وحليها . وتحدث عن الأحاسيس التي أثارتها فيه يقول الشاعر:
حفلـــت بالـــديـبـــــاج
والــــذهــب الــوهـــــــاج
مكحــولـــــة الأغــنــاج
طـفـلـــــــة عـوجــــــــه
طلعت مابين الغوالي خوجـه
حفـلــت بـالكـنــتــيـــل
وخـــواتــــم روبيـــــــــل
فــازت فـــوق الجيـــــل
بـجـمــــايــلــهـــــــــــا
حتى ملكها بالعقل كملهــا
صــــور زيــــن جميــل
في الأرحـــــــام حفيــــــل
نزلت من جوف أمها بعقلها
بوها اميصل وأمهـا ميصلـهــا
أخــــوتــها مـــــدالــيل
فـــــوق ظهــــور الخيــــل
موالي همه وأهلها في محلها
نزيد نفهم كل مــن يجملهــــا
نعانــــي سهــر الليــــل
ليــن يبـــــان ســـــهـيــل
اصغــــوا هــا التمثيـــل
فــــي صمـــايــلــــهـــــا
صنيعة ربي في الشعر مكحلهــا
ســوالفـهــا مســـابيــل
على الصدر مخابيـــــــــــل
القصة فم المشط ذبلهــــا
ثريا فوق جبينها مشعلهـــــا
حـــواجــبهــا تنزيــــل
تعـــريـــق جـــــداويــــل
والرمقه متغرغر بكحلهـــا
مثـل النبله قليل مــن يحملها
المفردات: الديباج: الحرير- الأغناج: العينان- عوجة: تتمايل –حوجه: أميرة- الكنتيل: نوع من خيوط الفضة- الربيل: نوع من الحجارة الكريمة- سهيل: نجم- صمايلها: صفاتها- جداويل: جمع جدول- النبلة: السهم.
المعنى: يتحدث الشاعر عن امرأة خرجت في اجمل ملابسها وأبهى حليها تتمايل كأنها بين أندادها “خوجة” أميرة وقد فازت بجمالها وكمال عقلها. وهي أصيلة الأب والأم، تفاخر بإخوة فرسان تربوا في ظل العزة والنخوة. ثم يتحدث الشاعر عما يعانيه من سهر الليل وهو يفكر فيها وفي لواعج حبه، ثم يأخذ في ذكر أوصافها.
أما النوع الثاني من أنواع الغزل فهو الغزل التأملي الذي يتحدث فيه الشاعر عن هواجس النفس وما يحس به تجاه المحبوب من شوق وانتظار للمواعيد وتخيلات تذهب به بعيدا حتى أنهم أحدثوا غرضا في هذا الباب سموه” المنام” حيث يحلم فيه الشاعر بمن يحبها ويرتع في عالم كان يتمناه في الواقع. ولم يستطع أن يحققه إلا في المنام. ويدخل في هذا الباب “سجع الحمام” هذا الطائر الأليف الذي يحمله الشاعر رسالته الى من يهواها ويحبها وكثيرا مايكون ذلك الخيال. كقول احدهم :
بـــــــاللـــه يــاحمــام
يا ساكن البرج العالي ماترد الســـلام
ســـــلم على بنت الغالـي
يا الواهمــــــــه ردي سوالي
ومن أغراض الشعر الشعبي مايسمونه”الجرح” وهو الذي يستغيث فيه الشاعر بقوله “مجروح” كقول أحمد ملاك:
كيــــــفـاش تســـــاوي
مجروح ياقلة طبيب الي ايداوي
ناري كواي من فم ســـماوي
طامــــــــع بـــــدوايــــا
-عرف أول-
أنـا داي فـي الجــاش نفـــد
عــدت منـــه حايـــزو نكــد
مشيت برمـى عند أهـل الجـد
خـــــــــــــط جــــــدول
نلقــــى داي فــي فم أســـد
كــــيــف نــعــــمــــــــل
بيـن نــابـه وضرسـه والخد
لا ينجـــم يوصلـــه حـــــد
قلــت زعمـه تمـرقـش اليــد
خفــــــــت نــــعــطـــــل
وإذا نبطــل يوقـــع لي الغـد
كنـــــــــــت نـــعــقــــل
مثلــي فـقـري مقطـوع اليــد
صاب خزنه من ذهـــب وقــد
كيـف بــرزبـيـهـا وجــبــد
جــــــا الــمــــــوكــــــل
أقصـاه عنــهــا والشي بعـد
راح نـــــــقــــــــــــــل
ومن أجمل الجراح جرح الشاعر محمد العياري من بلدة مكثر وهو شاعر مرهف الحس يمتاز شعره بالسلاسه والعذوبه. يقول: مسدس:
مجروح في كبدتي بالسـويـة
جــــراحي خـــفـيـــــــــه
طبيب الهوى خاني وغربيـــه
مجروح في كبدتـي بالقميـره
جــــراحي غـــــزيـــــــره
نا صاحبي خان ما اقل خيره
ها الجرح مالقيتلاشـي جبيره
هــمــومي كـثــيــــــــــره
ودواي لا صبتلاشي ثنيـــــه
مجروح في كبدتـي جرح حب
جــــراحي انعطـــــــــــب
نا صاحبي خان حبي هرب
أصل الغنا جايبه بالســــبب
على مــن اتحــــــــــــــب
نا حاسبه صاحبي قرب ليا
وفي شعر الجراح تمتد الشكوى الى الأبعد ويتعالى صوت الشاعر وهو يبث مافي قلبه من يأس يتجاوز حدود اليأس.
وهناك غرض من الأغراض البلاغية وهو ذكر المحبوب وتكرار ذكره في البيت الواحد والقصيدة الواحدة كقول مالك بن الريب:
لقد كان في أهل الغضى لودنا الغضى مزار ولكن الغضى ليس دانيا والغرض من ذلك هو التلذذ بذكر من يحب.
ونجد في الشعر الشعبي أنماطا من هذا النوع كقول أحمد التونسي:
يا فاطمة طال بي منـــاك
وقلبــي بغــــــــــاك
يافاطمة لمتين نترجــــاك
يافاطمة مناك من غير حجه
وقلبــــــي توجــــــــــــا
يافاطمة لمتين نترجــــــاك
يافاطمة هواك في القلب مرجه
هكـــه رضــــــــــــــــاك
يافاطمة نموت وانا حــــذاك
وهذا التكرار لاسم فاطمة لم يأت عفو الخاطر وإنما تعمده الشاعر لكي يتلذذ سمعه بإسم من يحبّها. وقد ساعد وزن المسدس على ذلك.
وتارة يلتقي الشاعر الشعبي مع الشاعر العربي الذي يكتب بلغة فصيحة ويكون ذلك صدفة كقول أحدهم في ملزومة مقطوفة:
نتـــرعد نتقفـــــــــــط
ألا سمعت منه باسمها يتلفــظ
كيف طير بل المطر يتنفـظ
هكاك يهتز البدن بكلــــــــــه
شبيه قول مجنون ليلى:
واني لتعروني لذكراك هزة
كما انتفض العصفور باكله القطر
أو قول الآخر:
كل ما سألت القلب قتله اتحول
حلف قال ماانفارق حبيبي الأول
فهو مشابه لقول أبي تمام:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى
ما الحـب إلا للحبيـــــب الأول
وهذا الغرض غرض الغزل لا نهاية له لتفرعه وتشعبه وقد عرفنا بما يمكن أن ندخل له عند قرائتنا لنماذجه.
الغنــّـــــــــــايا:
التقاليد الراسخه هي التقاليد العريقة التي تكون جزء من حياة شعب مافي بلد من اي من بلدان العالم. وبما أن عصرنا عصر التقارب والاختلاط. فقد انقرضت كثير من هذه التقاليد بدخول التكنولوجيا العصرية والآلات السمعية والبصرية. وانصرف الناس للأشياء الأكثر بهجة وتطورا. وغابت الكلمة في الصخب العارم والضجيج الذي يصم الآذان، ويلوّثها . والشعوب العريقة لا تتخلى عن عاداتها وفنونها سواء الاستعراضية المصاحبة للرقص أو الغنائية والموسيقية. وفي تراثنا حشد هائل من الأعمال الاستعراضية، التي تبرز في كل المناسبات طيلة العام.
والغناي- هو رجل محترف للغناء يحضر في كل ليلة العرس فيما يسمونها “بالنحمة” ومعه “سفعاة” وهما اللذان يرددان بعده مايغنيه. وهو دائما يتغنى بمن يحبها وقد يتظاهر بعدم الرغبة في الغناء كتيه المغنين دائما كقول أحدهم:
أنا حالف عل الأعراس
مـــن بكــــرى بطلــت الهيّة
بعثتلي مصقول النـــاب
قالــت جيــب القــول عليّـه
ويدخل “الغناي” وسط حلقة من الرجال في دار العروس وخلف الحلقة النساء، ويبدأ وصلته وهي تتركب من “ركاب” مطلع وقسيم – ومسدس- وملزومة. و“الركاب”مثاله:
جملك والجحفـــــــــــه وقتــب التــــــــــــــوت
وانت ياتحفــــــــــــــه زينـــك منعـــــــــــــوت
والماضي يحفــــــــــى والحــي يمــــــــــــــوت
وللركات لحن خاص. ثم يبدأ في غناء القسم الثاني وهو القسيم. وقد يعوضه “بموقف” وهونوع من القسيم مثاله:
مـــعـــــــــــــــــدول
في الذهـــن مقبــــــــــول
ومولاه حاذق وشــــهلول
على الشعر عنــــده غلايــل
إذا دخل في سـدور غــزول
يسدي بلا نــــــــــــــول
في سدور لا تفرزه عقـــول
يقرا الكتب والدلايــــــــــل
قتلني هوى ســمحة الزول
قداش مـــــــن حـــــــول
صابر على فراقها طــــول
ربيت منها العلايـــــــــــل
ومن زينها العقل مخبـــول
هزع قدها ريــم مجفـــــول
وسالف مع الخرص مفتول
وجبين سرج القوايــــــــل
وحاجب كما خط منـــزول
فـــي دفتـــــر عــــــدول
شفرها كما النيل مســـلول
ومولاه في الفتن طايـــــــل
وخدود ورد محلـــــــول
في جنان مقـــــــــــــدول
مندي وفاتح ومبلــــــول
المنقال طير القنايـــــــــل
المضحك من العاج مفتـول
الرقبه كما غزال منقــــــول
في جرته سلاق وخيـــول
على شبحهم جا محايــــــل
وصدر تايق وبـــــــزول
وذراعها سيف مســـــلــول
من يصدفه طاح مفصــول
الاصباع بسر النخايـــــــل
وتلوي على الجوف مجدول
كما كــوت لاحـق المرحــول
في نهار فتنات وطبــــول
مروح من البر ضايــــــــل
والأفخاذ يا سامع القـــول
عرصات من ذهب مشعـــول
من مملكه في اســــطنبول
الأتراك قدوا الشغايـــــــل
وخلخال في السـاق مقفول
والقد بابور معــــــــــدول
مظمار لاهوش مختـــــول
يجلي الدرك والوكايـــــــل
الشرح: الوزن- موقف مريع
شهلول: جميل وحاذق- غلايل: حرقات- هزع: فاجأ- ريم مجفول: غزال شارد- الخرص: قرط كبير- مجدول: حزام من صوف- المرحول:القافلة.
المعنى: في الأبيات الثلاثة الأولى يصف الشاعر شعره في صيغة الافتخار بأن هذا الشعر معدول أي حسن ومقبول عند السامع يسدي بلا نول- كناية على براعته.
أما القسم الثاني فيوظفه لوصف حبيبته «سمحة الزول» بهية الشكل التي مرّعليها أكثر من عام”حول” لم يرها وقد صبر على فراقها حتى لحق به المرض من أجلها. ثم يبدأ في أوصافها ويبدأ بقدها الذي يراه كأنه غزال جافل. ويصف بعد ذلك السالف والجبين والحاجب والخدود وأنفها. والأنف كأنه منقار نسر وكلمة الطير عندهم تطلق على النسر كقولهم:
الي يعرف الطير يشـــريه ويصطـــاد به الحبــــــاره
ولما يعرف الطير يشــويه
ويصهده فوق نـــــــــاره
ثم يتمادى في وصف بقية أعضائها وملامحها.
أما “المسدس” والملزومة مما يغنيه الغناي فقد تقدمت نماذج منهما في قسم الغزل. ويدخل في وصف العرس وما يتبعه“ وصف الليل” الذي تقع فيه حفلة “النجمة” ويجد فيها الشاعر مجالا لاستعراض مواهبه في الغناء والشعر.
يقول محمد الصغير الساسي أحد الشعراء “الغناي”:
الليل لي وانا لليــــــــل
والليـــل يواتينــــــــــي
ولا نشبع من سهر الليــل
ولا تاخذنـــي عينـــــــي
إذا طاح الليل وحجـــــب
على الأهـــــواد ســــرابه
مايشقه كان المــــــدرب
مايقراش حســـــــــــابه
سكران من الحب معـــذّب
دايــــــــــح ماينتـــابه
مديه الداعي مشغشـــــب
على مصقـــــول أنيابــــه
يلفي مثل سحاب مرطــب
وبروقــــــه لهابــــــــه
يتكون من بعد المغـــرب
لين يبــــــان عقابـــــــه
في مارس والزرع مركــب
تثبـــــــت بيه الصابــــه
والمدب كيف يبدا يكتـــب
يتأمــل فــي كتـــــــــابه
صاحب حكمة طاهر طيـب
ويفــــــــك المصـــابـــه
والشاعر كيف يبدا يرتــب
يتلفـــــــــت لا جنابــــه
يقرا حساب المضـــــرب
كل واحـــد فـــي قابـــــه
يغني وأهل الذوق تقــرب
للي غميص حســـــــــابه
الليل بايت والقمره تلهــب
لأحبابــــــــه وقرابـــــــه
والمحفل زاهي تنصـــــب
في كســـــــاوي مصوابـــه
كيف ندخل للعرس وتطرب
منيــــــه لأم عصـــايـــــه
وهي من خلاها تنـــــحب
دمعتهـــــا ســـــــــــكابه
المفردات: طاح الليل: مد ظلامه- الأهواد:الأماكن المنخفضة- سرابه: مايحجب الرؤية – يتنابه: لا ينتبه – الداعي: الذي يدعوه للغناء- مصقول أنيابه: كناية عن الحبيبة – المضرب: المكان الذي دعاه للغناء – قابه: مرتفع من الأرض- غميق حسابه:بعيد غوره.
المعنى: في القسم الأوّل من الملزومة يتحدث عن الليل لا يشق ظلامه كان “المدرب” الفرس الأصيل ويعني به نفسه. الذي لا يعنيه من خطورة الليل شيئا فهو سكران بالحبّ معدّب جاء به داع وهو حبيبته.
ثم في القسم الثاني يتحدث عن الطبيعة في الربيع في مارس حيث الزرع يمتد بساطه والخضرة تغمر كل شيء.
ثم في القسم الثالث يتحدث عن “المدب” ويعني به نفسه. ويمدحها بكل الصفات الجميلة: صاحب حكمة وطاهر وطيب. ثم يتحدث عن دخوله إلى حلبة الغناء وكيف أبهت كل من استمع إليه. ويتمادى “الغناي” في غنائه منتقلا من نوع إلى نوع إلى طلوع الفجر.
وينبثق من هنا غرض من أغراض الشعر الشعبي وهو “الفجر” خاتمة المطاف في حفلة العرس وذلك عندما يطلع ويعم بنوره أرجاء الكون وينحدر الليل بعلامة النهاية. يقول الشاعر العربي النجار- 1916- في مسدس “فجر”:
الفجر م الشرق بين علامه ووقظــوا النيامــــــــــــه
اتصبحوا بالهنا والسـلامه
الفجر م الشرق بين شعاعه النايــم تواعـــــــــــــــى
اتصبحوا بالهنا ياجماـــه
ماعاد شي للمغنى بضاعــه كـــان الوداعـــــــــــــــه
بيناتنا والمدامع ســجامه
الفجر م الشرق بين تباسـم ضـــــوات المراســــــــــم
اتصبحوا بالهنا يا عـوارم
للجامع أنا وسعفاي عــازم نقـــضــوا اللـــــــــــوازم
فرض الصلا وصبح رفقه أمامه
الفجر م الشرق بالنـور لاح صــــــوات البطــــــــــاح
اتصبحوا بالهنا يا مـــلاح
غنيت عليت صوتي بحــاح
طلــبـــــوا الســـــــــماح
سعفاي ولوا يمشوا جهامه
وبذلك يختم العرس ويتفرق الحفل وقد يتجدد في طلوع النهار بصورة أخرى لاتكون بحضور “الغناي” وإنما بالمواكب الاستعراضية خصوصا في اليوم الأخير يوم خروج الجحفة “الهودج”حيث تحمل العروس إلى بيت زوجها ووراءها المغنيات يغنين:
ومنين صقعوا جحفتهـــــا
بالملف والحــريـــر ألـــوان
دارو القميص عل ليتهـــــا قبه في جامــــع الســــلطان
و«الغناي» له شروط لأنه لا يتعدى لهذا المنصب إلا من كان له موهبة الشعر وجودة الصوت وقوة الحضور وجمال الهيئة يقول أحدهم:
أصل الغنا ليه نظمــــــان
في بهجة الصــــوت مزيــان
لايزيد لا يخص نقصــــان
والطبـع خانــه بخانـــــــه
ليه الذي شــيخ نبهـــــان
أديــب من أدبة زمـــــــان
الفصل الشـعر بيبيـــان
بتفاكــره والفطـــــــــانه
ولا يخلو كلام هذا الشاعر من صدق. فالنباهة والمعرفة بصناعة الشعر وقوة العارضة كلها من صفات المغني الناجح.
الوصف :
وشعر الوصف نعني به هنا وصف الطبيعة بمظاهرها المختلفة. ومنه وصف “البرق” وما يتبعه من رعد، ومطر، ونبات ، ووصف الصحراء والفحفاح والنجعة وهي تتبع مواقع الماء والكلاء، و الطيور- والحيوانات-الجمل والفرس- والبحر- ووصف المعارك البحرية.
البرق :
من مظاهر الطبيعة وصف “البرق” والرعد الذي يعقبه وطبيعي أن يكون في المقدمة لأنه المبشر بالمطر رمز الخصب والخير ولأنه نسغ الحياة في كل زمان ومكان به يحيا كل شيء.
ويأتي بعد ذلك مايتركه المطر من بهجة وفرح. فالطير يملأ الكون بأغاريده والأرض تكتسي بحلة من الخضرة اليانعة والأزهار تبهج بألوانها العيون، والحيوانات ترتع مطمئنة بما توفر لها من عشب وماء. والشاعر يقف عند كل هذا مفتونا مبهورا بما وهبه الخالق لعباده من نعم ظاهرة وباطنة والبرق في موضوعه يشبه المعلقة الجاهليّة في تعدد أغراضه وانتقاله من موضوع إلى موضوع آخر وسوف نمثل لذلك ببرق محمد العياري من مكثر بولاية سليانة حيث يقول مبتدئا بوصف “البرق”
شير شـــرع بين الأمزان
ويتوق توقــــــــــــــان
يرمي ويسطع بغيــــان
في عــاقــب الليــل الأظلـم
وقت ان صـعد قام الآذان
في القوس ديــــــــــــان
شالي بالأنوار يــــزيان
ماأبهـاه وقــت ان تبســــم
مابين الأفلاك ســــرعان
خفيف لعجـــــــــــــــــان
ينقد يعواج يليــــــــان
تحـت الحجــب كيــف علــم
ففي القسم الأول يتحدث عن البرق سطع بقوة بين سجف السحاب“الأمزان” يلوح ثم يختفي “يومي” ثم يسطع بقوة في آخر الليل المظلم عندما قام الآذان يؤذن لصلاة الفجر يلوح بألوانه، فما أجمله كأنه يبتسم ينعم بين الأفلاك. ثم ينقد ويعوج تحت السحاب الذي يغطي السما ثم ينتقل الى وصف الرعد وذلك حيث يقول:
دوى الرعد ماأقواه صديان
ويــزف زفـــــــــــــــــان
قالق وحامق وحرجـــان
يطــرشــق يـزلــزل يقمقـــم
درز في السـما زاد غليان
وينــــــق نقــــــــــــــان
حارج وماديه غيـــــوان
دكم ســـــــحابــه وظلــــم
ثم يصف الرعد بدويه الذي يصم الآذان عندما يأتي بسرعة ويختفي صوته بسرعة فكأن انسانا تملك منه الغضب فهو يأتي بكل الأصوات التي تدّل على ذلك.
ثم ينتقل إلى وصف المطر فيقول:
بدت المطر غير زفـــــان
وتصب صبـــــــــــــــــان
وتدركت فوت ماكـــــان
والريح قبلـي تنســـــــــــم
والرعد في مثل شوشــان
يبكـي بالأعيــــــــــــــــان
عجمي مغشش وغضبـان
من ضـــرب سيـــده مطمطــم
بعد مادوى الرعد بدأ المطر يتهاطل أكثر مما كنّا نتصوره وجاءت الريح الجنوبية وكأنها تزفه وتدفعه أمامها. ثم يعود لوصف الرعد بالشوشان”الزنجي” وهو يبكي بعدما تعرض لغضب سيده بالضرب وبعد ذلك “نحزيه” قدره وظنه كما فارس في ساحة القتال:
نحزيه ونظن ظنـــــــان
كما فارس افتنــــــــــان
فزع عســـــاكر وقومـان
بالهند فيهم يحمحـــــــم
منه اتدلت الفرســـــــان
ومشات طشــــــــــــان
صنديد دقاق بالـــــــزان
للحرب كوته ملجــــــــم
والا كما صيد جوعـــــان
ايهد هـــــــــــــــــدان
على الخلق داخل الميــدان
بالكف يومي ويغشــــــم
وفي هذا القسم من “البرق” يمثله بفارس “بطل” تصدى للقتال وفزع وراء جنوده وهو بسيفه الهندي يحمحم أي يضرب الرؤوس وينزل الخوف بأعدائه الذين تفرقوا “طشان” شجاع يدق برمحه مستعد للحرب”بكوته” فرسه الملجم، ثم يصفه في غضبه بالأسد عندما يشتد به الجوع ويقوى زئيره. أو كما “باي” سلطان جالس في ديوانه ثم يعود لوصف البرق بكنز مرصود فيقول:
والا كما كنز مليــــــــان
مرصود رصـــــــــــدان
جا طالبه حكيم طلبــــان
عجعج وبخر وعـــــــزم
جاته عفاريت سمـــــران
عبيد وصفــــــــــــــان
تلالهم حزب قـــــــــرآن
صوب عليهم اتحرجهــــم
وعليه وكلا وضمـــــــان
مافيه فكــــــــــــــــان
ابداوا بالكود رجمــــــان
بطل حروكه وســــــــلم
ثم يصفه بكنز “مرصود” موقوف في مكانه وهو ملآن بالذهب جاءه حكيم ليفك رصده بما له من بخور وعزائم فتعرضت له عفاريت من الجان ففرقهم عندما قرأ القرآن أمامهم وهي صورة من صور اعتقاداتهم الشعبية ضمنها شعره. وهو في الحقيقة لا يهتم إلا بالبرق الذي تحدث عنه في حالاته المختلفة.
لاني على الكنز والجـــان
على السبب فيه ننظـــــــم
ولاني على بطل فرســـان
في يوم ميــــــــــــــدان
ولاني على عبد شوشــان
الا على البرق خطـــــــــم
هذا الشاعر الذي تلقى ثقافة شعبية جمعها من هنا وهناك استطاع أن يدخل في موضوعه من نوافذ لا يدركها الإنسان العادي، وكان موفقا في ذلك.
ثم يتحدث عن المطر وماجرّه من خير وبركة على الأرض وعلى الناس وكل ذلك من فضل الله عزّوجل فيقول:
وقت ان شبحته بالاعيـان
مدلـــــــــــــــــول دلان
وملايكه ليه عــــــــوان
من فضل معبــود يرحــــم
روى كل بالي وظمـــــآن
لين عاد رويـــــــــــــان
حملت من السيل وديـــان
صبح ماه في ســـــلجـــم
تباشرت بيه الأوطـــــان
من الأربــــع أركــــــــان
صبح كل فلاح شــرهــان
مولى الهزيلـة تنعــــــــم
فرحت بوادي وعربــــان
وزادت البلــــــــــــــدان
مشى الخط في كل فــدان
بالجوز والبــور يقســـــم
المفردات: شبحته: رأيته – بالأعيان:بالعينين- مدلول:قريب- بالي:جاف – ظمآن: عطشان- سلجم: غدير – الهزيلة: الشاة الضعيفة- البور: الأرض المهملة.
يقول الشاعر: عندما نظرت إلى “البرق” يتدلى الى الأرض بإعانة الملائكة وبفضل الله الرحيم هزني الفرح بالمطر الذي روى الأرض العطشى بما حملته الوديان حتى أصبح كل غدير ملآن بالماء مما جعل الناس يستبشرون بفضل الله عليهم. والفلاح صاحب الشاة الهزيلة يهزه الفرح العارم. ثم يواصل الشاعر حديثه عن أثر المطر في الأرض وما أخرجته من عشب وأزهار:
عشب الوطا فز فـــــزان
كســــى الأرض كسيــــان
قدالات من غير صــــوان
للــي ضعيفـــه تقــــــوم
فتح الشجر دار الأغصـان
مهنــــــدل بقضبــــــــان
من بعد ماكان كســـــدان
دار الـــورق ليـــن غــمــم
المفردات: الوطا: الأرض- فز:طلع- قدالات: العشب العميم – الصوان:نوع من الصخور- دار : اطلع – مهندل:متهدل- القضبان: جمع قضيب – العصا – كسدان: لاحق به البوار- غمم: غم الشجرة أي غطاها. ثم يتحدث عن النجعة وطلب العشب والمرعى وأماكن المياه فيقول:
جاته نواجــــع العربان
في مثـــــــل جــــــردان
تبعوه بالسعي تبعـــان
على جرته ويـن خطــــــم
يلقوا الصحارى والأوطان
فـــي مثـــــل بســــــتان
مخالفه جميع الألــــوان
عروسه جلت في المختــــم
والهوش راتع ومطمـــان
لا شافشـي انســـــــــان
وعل مع ريم غــــــزلان
والوحـش والهيق الأدهـــم
والساف وفروخ بيـــزان
فحـول شــــــــــــجعان
والصقر سابل الجنحــان
جزار في الفــرق يرشـــــم
المفردات: النواجع: جمع نجع- القافلة تذهب إلى المراعي – الجردان:الجراد- السعي: الغنم- خطم:مشى- جلت: خرجت في جلوتها – المختم:القماش المزين- الهوش: كل أنواع الحيوان- الوعل:من فصيلة الغزال- الريم: الغزال الأبيض- الهيق: ذكر النعام- الساف: طائر من فصيلة الصقور- الباز: النسر.
ثم يختم“البرق” بالحمد والشكر لله والفخر بنفسه فيقول:
سميت بالله رحمــــــن
في الملك ســــــــــــــلطـان
ماهو غافل وزهــــــدان
ولا شي علــى اللــه يعظــــم
تميت هالحرف تمـــــان
من غير ذهـــــــــــــــــلان
الحا والميم ببيـــــــان
والــدال نكتــب ونرشـــــــم
وفي الناس لا نيش خوان
ولاندير بهتـــــــــــــــــان
من أول الجد كهـــــــان
مـن أول عيـــار ننظـــــــــم
أنا ندهة اللي ابلغبــــان
في يوم ميـــــــــــــــــدان
قهار في كل طغيــــــان
وانا مدفـع اذا تكلــــــــــــم
سلامي على كل ســهران
شـــــايـــب وشـــــبــــان
والحافلة سود الأعيـــان
وعن كـل حاضــر تســــلـــم
فهذا “ البرق” صار فيه الشاعر على الطريقة التقليدية فجاء متعدد الأغراض مع الشعور بالإحساس الطاغي في نسجه للشعر.
ومن شعر الوصف أيضا مايسمى عند الشعراء الشعبيين “بالضحضاح” والضحضاح في اللغة العربية الماء اليسير أو القريب. ويقال ضحضح وتضحضح السراب ترقرق. ومن هنا نفهم أن الضحضاح عندهم هو السراب “الذي يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا”.
وقد توسع الشعراء في الضحضاح فجعلوه أشبه بالمعلقة الجاهلية بالانتقال من غرض إلى غرض فهم في القسم الأول يصفون الصحراء في بعدها اللا متناهي ووحشتها وحيواناته. ثم يصفون الفرس أو الجمل المطية التي يستطيعون بها أن يجتازوا هذه الفجاج الخالية. ثم الفارس ولباسه وسلاحه والسبب الذي دعاه إلى اقتحام المخاطر بالدخول إلى الصحراء ووصف الحبيبة والجري وراءها ويختم بالحديث عن نفسه مفتخرا بشجاعته وفروسيته.
وأشهر ضحضاح في الشعر الشعبي التونسي هو ضحضاح أحمد البرغوثي “ضحضاح مااشناه يزراق” الذي يقربنا من مقارنة “الضحضاح” بالسراب في الصحراء وذلك حين يقول :“موقف”
ضحضاح مشـــناه يزراق
يوسـاع يغــــــــــــراق
غيمه على روس الاشفــاق
دخان غطــى رواقـــــــه
مهاميد شـينه ورقــــراق
وخنـق وطبــــــــــــاق
وجبال تعلى وتشـــــهاق
هي وســحابه تلاقــــــى
ياموحشه فـج رهــــــاق
مقطــوع الارفــــــــــاق
يصعب على كل وهـــــاق
يخليه مشــين ارقاقـــــه
ضعن العرب فيه ياســاق
والبـــوم نفتـــــــــــاق
والذيب بالصوت عــــواق
والضبع يســـمع زهاقـــه
جند القطا دايــر افــــراق
والريــــم صعفــــــــاق
والهدرقه بين الأهيـــــاق
لا رافعاتـــه قلاقــــــــه
المفردات: ماشناه: ماأقبحه – الاشفاق: جمع شفق – رواقه: غطاءه- مهاميد شينه: منخفضات قبيحة- ورقراق: شهيلي- خنق: جمع خنقه- المضيق بين جبلين- تشهاق: شاهقه- رهاق: مخيف- مقطوع الارفاق: ليس فيه مصاحب- وهاق:خائف- مشين: ماأقبح- ضعن العرب: قافلتهم- ياساق: ممنوع – الريم : الغزال – والهدرقه: أنثى النعام – الأهياق: النعام.
المعنى: يقول الشاعر أن هذا “الضحضاح” قبيح عند النظر إليه فهو شديد الزرقة بعيد يحسبه الرائي قريبا يرين عليه غيم ملتصق بالشفق ويغطيه دخان وتحيط به منخفضات ومرتفعات وجبال تناطح السحاب، تغلب عليه الوحشة ويخيف كل من يراه ولذلك لا ترى فيه أحدا إلا البوم والذيب وأسراب القطا تحلق في ارتفاع كبير والغزال يرتع نافرا وجماعات النعام تنتقل من مكان إلى مكان آخر في غير قلق ولا خوف.
على حاز مكحــول الأرمـاق
بو هذب حـــــــــــــــراق
من فرقته خاطــري ضــاق
منيش طايق فراقــــــــــــه
نوم الهنا عدت مشـــتـــاق
لانغمض أحــــــــــــــداق
من الوحش وارياح الأعشاق
حرمت قوتـــــي مذاقــــــه
شهد العسل عاد دريـــــاق
من كدر الأخــــــــــــــلاق
زول الي بيه خاطري تاق
ماابعد علـــــي ســـــباقه
المفردات: حاز : حجز- مكحول الأرماق:سوداء العينين- بوهذب : صاحب الأهداب- أحداق:عينان- الأعشاق:العشاق- درياق:ترياق- كدر الأخلاق:همها- زول: شكل – تاق:اشتاق- سباقه:مسابقته.
المعنى: هذا “الضحضاح” حجز عنه ومنعه من ملاقاة حبيبته سوداء العينين. ويعبر الشاعر عن حاله بعد فراقها وكيف ضاقت خواطره ومنع من النوم وصار مشتاقا لمن يحبها حتى حرم الطعام والشراب وأصبح العسل في فمه ترياقا.
ثم ينتقل إلى وصف “الكوت” الفرس ويسهب في وصفه قائلا:
الله لا كوت حمـــــــاق
في الجري ســـــــــــباق
عذي سـيرته موش قلاق
مطلوق ايده وســـــــــاقه
ولد الكحيلي ينحـــــــاق
جـابــــــــوه ســــــــراق
باعــــوه بيعـان تــدراق
قبلـوه بثلاثيـــن ناقـــــــه
أزرق كماصم الأمــــــداق
فــي اللـــون يغمـــــــــاق
مرشـوش ترشريش الأوداق
داره بداره صفـــاقـــــــــه
مهدول ريشـات الأشــداق
في الصــــرع لهمـــــــــاق
عيونه كما صـل بلحـــاق
تغلق وتفتح انشــــــــــاقه
أغـدف ووذنيــه تلبـــاق
وكرو مته شنــــــــــــــاق
عرصة جهـل بني عمــلاق
في برج طـاحــت اتطاقـــــه
صدره كما صيد الأخنــاق
وقوايمـــــــه رقـــــــــاق
وحوافره مثل الأطبـــــاق
والعاج أســـــود حواقــــه
متين الظهر موش هقهــاق
دفــــــات وازيــــــــــاق
وكفل مكفوف بزنــــــاق
ودلال كـــرة اشـــاقـــــــه
عليه سرج متموم الانعـاق
مرســــوم الأخــــــــــلاق
وستارته شغل حـــــذاق
مشـــى طرزهم بالحذاقــــه
والبشت حفـــزوه الاوراق
وركــــاب شلهــــــــــــاق
وخدود بالطرز تفيـــــاق
والســير تضبح ســــلاقـــه
طواي في البعد شـــولاق
فــــي الأرض مـــــــــزاق
إذا عرق ونشــــيف وفاق
يطرب وتســــخن أطواقــــه
تخلي الوعر حافره زقــاق
الصـــــــم دقـــــــــــداق
مجدوب في بعض الأسواق
ضربوا الجــواذب اطـواقــــه
ثم يصف سلاح الفارس وكسوته فيقول:
بيه نوصل البر دقـــاق
لا نخــــــاف عيــــــــاق
مقرون كرطوش لصـاق
وسنقي خيـــــار الســناقه
كسوه من حرير تـزلاق
من صبــغ الارفــــــــــاق
برانيس وحرام وتمــاق
في الرجل يعمل زواقــــــه
المفردات: الكوت: الفرس- حماق:حرون-عذى سيرته: سريع الجري – مطلوق الأرجل: سريع حركة الأرجل – ولد الكحيلة : أصيل المنبت والكحيلة فرس أصيل تنسب له الخيول الجيدة – باعوه بيعان سراق: كناية على ارتفاع ثمنه – صم: حجر- الامداق: الحجر الذي يدق عليه – يغمان: يشتد سواده – مرشوش: منقط- انشقاقه: خنافره- عيونه كعيون سمل “نوع من الحيات” – أغذف : كثيف شعر الجبين – وذنيه تلباق: رقيقتان، وظهره عريض صلب كأنه سارية من سواري الرومان”بني جهال”. أما صدره فهو كصدر الأسد، دقيق الأرجل عريض المناكب، كالأطياف يطوقها عاج أسود اللون- متين الظهر: غير ضعيف – متين الضلوع: مكتنز النمى: أملسه. يطوي في جريه الأرض طيا حتى يكاد يرصفها – أطراقه: الايقاع الذي يناسبه. إذا أحس بوضع الركاب اندفع لا يلوي على شيء كأنه ومضة نار من بندقية فيسبق بسرعته الرياح الشرقية. وفي آخر الأمر نسأل لماذا هذا الفرس فنجد الجواب عند الشاعر أحمد البرغوثي:
نوصل قدا روح الاعلاق
عمــهــــــوج مرهــــــاق
ســبحان مولاي خـلاق
تــم زينــها والرشــــــاقه
ويواصل بعده الحديث عن حبيبته واصفا كل جزء من بدنها وقد كنا قدمنا نماذج من الوصف المادي فيما تتلف.
المراجع
1 - مختارات من الشعر الشعبي التونسي – وزارة الثقافة – تونس: أختارها وشرحها وقدم لها محي الدين خريف.
2 - الشعر الشعبي التونسي أوزانه وأنواعه – تأليف محي الدين خريف- الدار العربية للكتاب.
3 - الأدب الشعبي- محمد المرزوقي – الدار التونسية للنشر 1967.
4 - الغزل في الشعر الشعبي – محي الدين خريف- مخطوط.
5 - مختارات من شعر أحمد بن موسى – وزارة الثقافة.
6 - ديوان “منصور العلاقي” – مخطوط المكتبة الوطنية.
7 - ديوان “أحمد ملاك” – مخطوط المكتبة الوطنية.
8 - مختارات من شعر “العربي النجّار” – وزارة الثقافة.
9 - ديوان”محمد الصغير الساسي” – مخطوط المكتبة الوطنية.
10 - ديوان”صالح بوراس” – مخطوط المكتبة الوطنية.
11 - ديوان “أحمد البرغوثي” – مخطوط المكتبة الوطنية.
12 - ديوان”محمد العياري”- مخطوط المكتبة الوطنية.
13 - ديوان”عبدالرحمن الكافي” – دار سحر.
14 - ديوان “ بن عون الصليعي” – مخطوط المكتبة الوطنية.
15 - ديوان” محمد بورخيص” – مختارات مطبوعة.
16 - ديوان “ محمد بلفرحان”- مخطوط المكتبة الوطنية.
17 - فقه اللغة “أبو منصور الثعالبي”- المكتبة التجارية القاهرة.
18 - فنون الأدب الشعبي- علي الخاقاني- بغداد.
19 - “مقدمة ابن خلدون” – مطبعة دار الشباب تونس 2006.
20 - مجلة التراث الشعبي العراقية – في أعداد متفرقة.