فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

محطات من التراث الثقافي المادي بالمجتمعات الواحية المغربية: واحة تغجيجت أنموذجا

العدد 67 - ثقافة مادية
محطات من التراث الثقافي المادي بالمجتمعات الواحية المغربية:  واحة تغجيجت أنموذجا
كاتب من المغرب

تقديم عام:

شكل مبحث التراث الثقافي المادي خلال المرحلة الراهنة مجالا خصبا، عرف اهتماما واسعا من طرف الدول العربية والجهات المعنية نظرا لأهميته الكبرى في العملية التنموية، بحيث يعد هذا المبحث رافدا من روافد التنمية الاجتماعية والاقتصادية ومدخلا أساسيا لرفع عجلة التنمية المحلية للدول الحديثة بشكل عام وبالنسبة للمغرب بشكل خاص. اعتبارا لذلك، ومع تولي مختلف الدول العربية والعالمية العناية المتزايدة لهذا المجال من خلال التصديق على المعاهدات الدولية وإصدار تشريعات وقوانين لحمايته، وضع سياسات وبرامج من أجل المحافظة على التراث وتدبيره وتوظيفه لما يخدم التنمية الثقافية والاقتصادية عبر نهج مقاربات تنموية في ميدان التراث والآثار.

تكتسي دراسة التراث الثقافي المادي بواحات واد نون عامة أهمية كبيرة، تكمن في كون هذه المادة لها جذور ضاربة في أعماق التاريخ الاجتماعي والثقافي لهذه المجتمعات الواحية والصحراوية، حيث يعود بعضها إلى قرون ما قبل التاريخ والبعض الآخر مرتبط بالأسر الحاكمة للجنوب المغربي عامة ولمنطقة واد نون خاصة. ويلعب التراث الثقافي المادي دورا مهما وأساسيا خلال السنوات الأخيرة، إذ يتجلي في الرفع من عجلة التنمية المحلية، ولدوره كدعامة أساسية ورافعة كفيلة لتحقيق تنمية محلية بالمنطقة.

لقد حظي موضوع التراث الثقافي بشكل عام والتراث الثقافي المادي بكيفية خاصة في الوقت الراهن باهتمام كبير من طرف الباحثين والخبراء ومختلف المؤسسات المعنية بهذا القطاع الثقافي والتراثي. وشمل هذا الاهتمام الجانب المادي خصوصا المواقع الأثرية الثابتة والأشياء المنقولة وغيرها... غير أن مستوى الاهتمام والعناية يختلف من جهة إلى أخرى، وقد يرجع ذلك إلى، قلة الموارد المالية والبشرية في صيانة وحماية هذا التراث الثقافي المادي.

وتأتي هذه المقالة العلمية وراء مجموعة من الدوافع أهمها، قلة الدراسات والأبحاث المهتمة بموضوع التراث الثقافي عامة والتراث الثقافي المادي خاصة بلغة الضاد، الشيء الذي جعلني أخوض غمار البحث والتنقيب عن المؤهلات الثقافية المادية بالواحات المغربية نموذج واحة تغجيجت. كما أن الوجود القوي للأدوار الاقتصادية والتجارية والاجتماعية والتاريخية لواحات واد نون في الدراسات الأكاديمية جعلنا نتساءل عن مكانة تراثها داخل المنظومة الأثرية والثقافية للمغرب؟. هذا بالإضافة إلى، أن الخصوصية السوسيو-ثقافية والتاريخية لمنطقة واد نون ولواحة تغجيجت خاصة، تعد من بين الحوافز التي دفعتنا إلى المساهمة في إنجاز هذه المقالة العلمية.

وتتمحور إشكالية الموضوع حول علاقة التراث الثقافي المادي بالتنمية المحلية، إذ سنحاول دراسة وجرد أهم العناصر المكونة للتراث المادي بواحة تغجيجت مع إبراز كيفية توظيفه في التنمية المحلية بهذه الواحة؟ وبعبارة أخرى هل تتوفر واحة تغجيجت على مؤهلات ثقافية مادية؟ وكيف ستساهم في رفع مستوى التنمية المحلية بالواحة؟.

وللإجابة عن الإشكالية السابقة، لجأنا إلى استخدام مجموعة من المناهج العلمية، اعتبارا لأهميتها العلمية ولضرورة انفتاح المناهج على جميع ميادين العلوم الاجتماعية. ومن بين هذه المناهج المستعملة في إطار هذه المقالة أو الدراسة الميدانية، نذكر المنهج التاريخي والمتمثل في المصادر الشفوية والوثائق المحلية والسجلات التاريخية والآثار، بغية جمع المادة التاريخية حول الواحة والمواقع المدروسة، كما استعملنا المنهج الكيفي لجمع البيانات والمعطيات. وهذا ما سيتطلب منا استخدام المقابلة، نظرا لما توفره من معطيات كثيرة وغزيرة عكس الاستبيان الذي لا يسمح من حصول على المعطيات الكيفية الكثيرة.

إلى جانب هذه المناهج، فقد تم الانطلاق من مجموعة من الدراسات السابقة التي تناولت موضوعنا منها: دراسة «مدينة موكادور-الصويرة دراسة تاريخية أثرية» للأستاذة مينة لمغاري، ودراسة «عمران سجلماسة: من خلال المصادر التاريخية والخريطة الأثرية» من إعداد الأستاذ لحسن تاوشيخت. كما اعتمدنا أيضا، على منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية حول «التراث الثقافي المادي بجهة سوس» من تنسيق الأستاذين محمد آيت حمزة، الوافي نوحي 2013.

بالإضافة إلى ذلك، اعتمادنا على البحث الببليوغرافي من مراجع ومصادر ذات صلة بموضوعنا، وكذا البحث الميداني لمختلف المواقع الأثرية والمصالح الإدارية والتقنية من وزارة الثقافة ومندوبية الثقافة بكلميم، والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، والمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، والمركز الوطني للنقوش الصخرية بأكادير، ثم الوكالة الحضرية بكلميم والجماعة القروية لتاغجيجت. كما لجأنا إلى أخذ بعض المعطيات الكيفية من خلال البرامج التليفزونية الوثائقية، كبرنامج أمنير، والمسلسل الوثائقي أمودو.

لمحة عامة حول واحة تغجيجت بالجنوب المغربي:

تنتمي واحة تغجيجت إلى نطاق الواحات المغربية والتي تمتد جنوبا وشرقا على حدود المنطقة الصحراوية. ويضم المجال الواحي الواحات التالية: دير الأطلس الصغير، أودية «درعة» «زير-واد داس» «تافيلالت وفكيك». وتنقسم مناطق الواحات المغربية اعتمادا على الحدود الإدارية والخصائص الطبيعية والبشرية والاقتصادية إلى أربعة أحواض كبرى: - كلميم طاطا- درعة – زيز- فكيك. وهي بدورها مقسمة إلى أحواض واحية صغرى، وتتموقع واحة تغجيجت في الحوض الكبير لكلميم- طاطا وبضبط حوض واد صياد.

تقع واحة تغجيجت ضمن واحات باني التي تقع في القسم الشمالي الغربي من الصحراء الشمالية الغربية1، والمنتمية إلى أقاليم تسمى ببلاد الجريد أو المجالات الواحية الصحراوية الغربية حيث يكثر بها النخيل وتبدأ شرقا بالواحات وتمتد غربا إلى بلاد النون على ساحل البحر المحيطي وتصل شمالا إلى سفوح الأطلس الجنوبي لتتلاحم رمال الصحراء جنوبا2.

وتعتبر قبيلة آيت براهيم من بين أهم القبائل الصحراوية الرعوية المستقرة بحوض واد صياد. وتنتمي هذه القبيلة «آيت براهيم» إلى اتحادية تكنة الصحراوية، حيث يشمل مصطلح تكنة مفهومين «التوأمة» و«زوجة بالعطف» أو «زوجة أخرى»3.

فحسب عدد من المسنين ونقلا عن آبائهم وأجدادهم، فسكان واحة تغجيجت، المنتمية إلى قبيلة آيت براهيم، قد عرفها عبد العزيز بن عبد الله بما يلي: «قبيلة من الرحل أصلها من واد النون حيث كانت في القرن التاسع الهجري، الخامس عشر ميلادي، ثم انتقلت إلى تكموت بتاغجيجت فاستقرت فيها»4، حيث وصل الجد الأول «إبراهيم» إلى منطقة «أقا ايزورن»5 بتغجيجت، وفيه نصب خيمته، فأخذ يتردد على السوق وكانت المنطقة آنذاك تعرف نزاعات بين الرحل والمستقرين، حول تولية مشيخة القبيلة فاحتكموا إلى الولي الصالح «سيدي حساين»6 والذي نصب إبراهيم شيخا للقبيلة ومن هنا أخذت قبيلة آيت براهيم هذه التسمية.

ويرى بعض الباحثين الفرنسيين ومن أبرزهم، الفرد لوشاتولي (A. Le chatelier) والذي تحدث عن قبيلة آيت براهيم، إذ اعتبرها قبيلة أمازيغية أصلها من لف جزولة، وتنقسم إلى فئتين: فئة الرحل والمستقرين في قصور (Ksourien) واد صياد. تمتد حدود قبيلة آيت براهيم إلى واد تمنارت من الشرق، ومن الغرب جبال قبيلة لخصاص إلى غاية آيت لاخلف، كما تمتلك القبيلة جزءا مهما من تراب آيت امربط. وتنتشر القبيلة في جل القصور المحاذية من واد صياد، خصوصا عند السدود المائية الموجودة بالمنطقة، وعلى مقربة من قصر تاغجيزت ( Taghejizt) الذي يأخذ اسمها من خلال رافدين، واد مايت وواد تينزرت7.

أما بول مارتي فقد تحدث عن قبيلة آيت براهيم على أنها قبيلة ينتسبون إلى جدهم الإبراهيمي. وهم من حلف آيت بلا أي تكنة الشرق، يتكلمون اللغة العربية والأمازيغية «تشلحيت»، وتضم حوالي 300 عائلة8.

وحسب بعض المستجوبين، فقد ارتبط تشكيل قبيلة آيت إبراهيم تاريخيا بانهيار الدولة السعدية، إذ شهدت الواحة آنذاك صراعات بين التكنيين حول تولية مشيخة القبيلة، مما دفع بسيدي حساين الشرحبيلي إلى تعيين إبراهيم شيخا لتسيير أمور القبيلة. أدى التعيين إلى صراع نتج عنه طرد آيت حماد وأزوافيض وآيت ياسين من واحة تغجيجت، بينما بقي إبراهيم وأبناؤه ليشكلوا إطارا قبليا واسعا في المنطقة9. وتتشكل قبيلة آيت براهيم أساسا من فرقتين أو مجموعتين:

1. فرقة أولاد سعيد ولحسن: ويتواجدون بدوار أولاد سعيد، الحندق، إغير نتزكارت، إرز، ادبلاهمو، اكرمن، ادبوتكجدا وادبونيدوم. هؤلاء هم المستقرون عن أولاد سعيد ولحسن خلافا لرحالتهم المتمثلين في أبناء أحمد أوسعيد، ادلحسن أوسعيد، اد رضوان، اد مبارك أوبراهيم، وآيت وحمان وآيت تركمايت.

2. فرقة اد سعيد ابراهيم: الذين يستقرون في دوار بموسي، توريرت ورحالتهم في كل من اداوبيان ودودرار، اد موسى أو داود. ويتمثلون في اد عبد المولى وادبوكيوض وهم رحل يتوزعون على المخازن الجماعية بقصبة اد موسى وتاكموت.

وتغطي الجماعة القروية تغجيجت مساحة شاسعة تقدر ب 138.500 هكتار، وتتميز التضاريس في هذا الوسط الطبيعي بالتنوع، من جبال تتخذ شكل أعراف وتلال أهمها كتلة الأطلس الصغير القديمة التي تطل على الواحة من الشمال الشرقي. إضافة إلى مجموعة من الأعراف التي تشكل جزءا من سلسلة جبال باني وتشرف على عدة منخفضات مفتــوحة وأخرى مغلقة كعرف أماوون و عـرف مايت وعرف أدرار إرمان .

أما المناخ فيعرف تأثيرات المناخ الصحراوي، فهو حار وجاف صيفا بارد شتاء. فعلى مستوى التساقطات المطرية، تنحصر بين 20 و40 ملمتر سنويا علاوة على تذبذبها السنوي والتي تتعرض لتبخر بسبب ارتفاع درجة الحرارة10.

أما بالنسبة للغطاء النباتي فيتأقلم مع طبيعية المناخ شبه الجاف المتميز بارتفاع درجة الحرارة وندرة التساقطات المطرية. ويتميز بوجود أشجار ونباتات شوكية قصيرة متفرقة كالأركان والطلح والسدرة والدغموس التي تنتشر في المرتفعات الجبلية، هذا إضافة إلى بعض النباتات العشبية التي تستعمل كدواء الزعتر والشيح مثلا. علاوة عن أنواع أخرى من النباتات المنتشرة على ضفاف الأودية خاصة واد صياد وواد خيبر كالدفلة و«أزْمَايْ» والقصب والشيح ...الخ.

وتتوفر الواحة المدروسة على مؤهلات سوسيو إقتصادية مهمة، أهمها الفلاحة والتجارة وتربية المواشي. وتعتبر الفلاحة القطاع الأساسي في اقتصاد واحة تغجيجت، حيث أنه هو الممون الأساسي لعيش السكان، إذ يحقق نوعا من الاكتفاء الذاتي للأسر. ويمتد المجال الفلاحي على شكل أشرطة متفاوتة المساحة والأهمية تبعا لمؤهلاتها المائية والطبوغرافية. ويتركز قطاع الفلاحة داخل الواحة على مقومات أساسية وهي زراعة الحبوب، والخضروات، ثمار النخيل، وبعض الفواكه الجافة. أما بالنسبة للتجارة، فقد شكلت واحة تغجيجت خلال قرون جزءا من محطة القوافل التجارية بين شمال وجنوب الصحراء، بحيث لعبت أدورا اقتصادية مهمة، كانت تشكل نقطة عبور القوافل التجارية الآتية من واحة إفران الأطلس الصغير ولاخصاص في اتجاه تمدولت وأقا حيث تمر من واحة تينزرت. كما أن المركز التجاري لقبيلة آيت ابراهيم يتمثل أساسا في السوق الأسبوعي المدعو «لخميس تغجيجت» والذي تتم فيه المبادلات التجارية بين أفراد القبيلة والقبائل المجاورة، بالإضافة إلى التبادل التجاري مع الجهات البعيدة عن الواحة، وذلك عبر خطوط تجارية صحراوية وأخرى شرقية. كما تعد تربية المواشي من بين أهم الأنشطة الاقتصادية التي يمارسها السكان بالواحة والرحل في آن واحد. لقد اهتم سكان الواحة بتربية الماشية مند القديم، باعتبارها من بين الموارد الاقتصادية التي يرتكز عليها سكان الواحة والرحل، حيث تلبي حاجياتهم من اللحوم والألبان والصوف لصناعة الألبسة الصوفية.

المؤهلات الثقافية المادية بواحة تغجيجت:

تزخر واحة تغجيجت بمؤهلات ثقافية مادية تشكل ذاكرة جماعية وتختزل تاريخا عريقا، يتطلب منا أولا اكتشافه ودراسته قصد معرفة تاريخ الواحات بناءا على مجموعة من المواقع الأثرية والتاريخية القديمة التي تختزل لمسات تاريخية من مرحلة ما قبل التاريخ عبر نقوش صخرية ومقابر جنائزية تعود إلى عصور حجرية قديمة، تم وصولا إلى مرحلة المرابطية والموحدية. ومن هنا فإن واحة تغجيجت تستحق أن توصف بفضاء تلاقح الثقافات ومنبع القيم، حيث تعايش فيها الإنسان الأمازيغي مع العربي الصحراوي، ومع العبري الوافد على المنطقة جنبا إلى جنب، الشيء الذي أنتج تأثيرا إيجابيا في إغناء الحضارة والثقافة المحلية بشكل خاص. ومن أهم المؤهلات الثقافية المادية المدروسة نذكر:

1. الموقع الأثري الزرزم:

يعد هذا الموقع الأثري من أهم المواقع الصخرية التي تم اكتشافها من طرف البعثة العلمية المغربية الإسبانية في إطار الأبحاث العلمية الأركيولوجية المشتركة بين البلدين. ويعتبر من بين أحد أكبر المتاحف المفتوحة على الهواء على الصعيد الوطني والذي يقع في الشمال الشرقي لواحة تغجيجت، على جبل صغير وهو على شكل سلسلة من التلال الصخرية، يطل على الضفة اليمنى لنهر واد صياد، ويبعد بحوالي عشرة كليومترات من مركز تغجيجت.

يحتوي الموقع على أزيد من 300 نقيشة صخرية، جلها أنجزت بواسطة تقنية النقر Le piquetage إما عن طريق الدف المباشر أو غير المباشر فوق الصخرة بواسطة أداة حجرية أو معدنية. وتؤرخ هذه التقنية حسب الأبحاث الأركيولوجية إلى فترة البقريات بشكل عام أي الفترة الليبية الأمازيغية. وتتمحور جل موضوعات النقوش الصخرية في هذا الموقع حول الحياة البرية القديمة. ومن بين الحيوانات المنقوشة في هذا الموقع الأثري نجد لوحات خاصة للفيلة ووحيد القرن والغزلان، والظباء والقطط والنعام وغيرها من الطيور والحيوانات غير المعروفة. وقد يهيمن عليها حيوانات محلية: كالماشية، الخيول، الكلاب..الخ. بالإضافة إلى عربات مجرورة ثم أشكال ورموز مختلفة ومتنوعة.

20 قبرا جنائزيا، تعود معظمها إلى القرن السادس قبل الميلاد11. عموما، يعتبر موقع أدرار زرزم أو تمرهلت ن زرزم محطة أركيولوجية نظرا لتوفرها على لوحات خاصة للنقوش الصخرية ومقبرة جنائزية ما قبل التاريخ، وبنيات حجرية مجهولة ربما تدل على مساكن أو مدافن جنائزية أو غيرها. إن الدراسات والحفريات الأثرية التي أجرتها البعثة العلمية بهذا الموقع الأثري أحصت إلى حد الآن ثلاث مقابر جنائزية والتي تتخذ شكلا دائريا، وتتجمع فيها أحجار كثيرة على شكل أكركور.

إجمالا، لقد أصبح التراث الصخري أو الأركيولوجي بواحة تغجيجت بمثابة شواهد ووثائق أثرية شاهدة على حضارة الإنسان القديم ومدى غناء فكره الحضاري والإنساني المشترك، حيث تشهد هذه النقوش الصخرية والمقابر الجنائزية والمدافن التي تختزلها المنطقة على طريقة عيش الإنسان وعاداته وتقاليده ومعتقداته وعلى أنواع الحيوانات التي كانت تعيش في تلك العصور الحجرية القديمة.

وتبقى هذه المادة الأثرية الثمينة من أهم مكونات التراث الثقافي المادي، إلا أن صعوبة تاريخ هذا التراث يصعب علينا إيجاد تأويل له، مما يجعلنا نقف أمام صعوبات جمة ومتنوعة، بالإضافة إلى مخاطر وإكراهات طبيعية وبشرية تتعرض لها هذه المواقع الصخرية بشكل مستمر ودائم.

وفي ظل هذا الواقع، لابد من الإشارة إلى ضرورة القيام بدراسات وأبحاث أثرية مهمة مرتبطة بفترات ماقبل التاريخ وماقبيل التاريخ بالمجتمعات الواحية والصحراوية، تمت تنقيبات ومسوحات أثرية في جل المناطق المجاورة لواحة تغجيجت بهدف معرفة هذا الإرث التاريخي وجرده وتصنيفه على مستوى القائمة الوطنية. بالإضافة إلى تعميق البحث والدراسة في هذا المجال بغية إعادة قراءة تاريخ المنطقة من جديد، وفتح آفاق واسعة أمام الباحثين والطلبة، وتشجيع مبادرات المحافظة والعناية بهذا الإرث الحضاري العريق.

2. قصر السلطان أو تيكمي اوكليد:

Tigummi Ouguellid

تقع هذه البناية التاريخية على قمة جبل سراس Saras وعلى سلسلة جبلية تنتمي إلى جبال باني المطلة على واحة تغجيجت من جهة الجنوب. وتوجد على ارتفاع كيلومتر من القمة الجبلية المشرفة على الواحة من الناحية الشرقية، والقمة عبارة عن جرف صخري يطل على الجهات الأربعة للواحة.

ويطلق على هذه البناية المعمارية عدة تسميات منها، تيكمي أوكليد، دار السلطان، أكادير إزناكن، قصر السلطان، وهي كلها تسميات متعددة لمعلمة أثرية واحدة. إلا أن التسمية الأكثر استعمالا وتداولا بين سكان المنطقة هي تسمية تيكمي أوكليد، في حين أن الباحثين والدراسيين لتاريخ المغرب يستعملون ويتداولون تسمية دار السلطان. لقد وصف الدكتور ريكارديور سير أن قصر تيكمي أوكليد يقع على مرتفع يتشكل من ممر صعب التسلق في الجانب المقابل للفتحة التي يجري فيها واد صياد، تستغرق الرحلة إلى الأعلى أكثر من ساعة12.

ومن الناحية التاريخية، تقول جل الدراسات الميدانية والأكاديمية أن قصر «تكمي أوكليد» يعود إلى الحقبة المرابطية خاصة فترة حكم علي بن تاشفين التي عرفت بناء القلاع والحصون في وجه الخصم الموحدي13. وفي نفس السياق يؤكد الأستاذ الباحث مصطفى ناعمي أن دراسة الطبيب دغكسي الميدانية تؤكد أننا بصدد معلمة أثرية مرابطية، ترتبط بالسلطان الصنهاجـــي مما يؤشر على تواجد إزناكن أي« قبيلة زناكة» الصنهاجية بتغجيجت14. وتضيف الباحثة الفرنسية Jacques Mennie في نفس الاتجاه أن معلمة تكمي أوكليد مرابطية الأصل15، في حين يرى الضابط الفرنسي De la reulle أن قبيلة آيت حربيل- واحة أداي حاليا- ساهمت في تشييد القصر «أكادير زناكز» خلال الفترة إجيزولن أي قبيلة جزولة16. وفي اتجاه آخر ترى الدراسات والحفريات الأثرية التي أجريت على طول وادنون خلال السنوات الأخيرة أن قصر تكمي أوكليد تم تشييده في العصر الموحدي17، وهذا ما أكده لنا الأستاذ يوسف بوكبوط، حيث يرى أن التصميم الهندسي لباب الرواح بمدينة الرباط بالمغرب يشبه كليا باب قصر السلطان «تكمي أوكليد» بواحة تغجيجت بالجنوب المغربي.

هذا الرأي الأخير، خلق لنا نوعا من الاختلاف بين الموقفين حيث تزكي جل الدراسات الأكاديمية الموقف الأول، في حين ترى الدراسات الاركيولوجية بأن المعلمة الأثرية تكمي أوكليد ترجع إلى الفترة الموحدية، ما جعلنا نرى بأن الرأي المعارض لا يختلف تماما مع المعطيات التاريخية. فقد تكون فرضية المد الموحدي ووصولهم إلى واحات الجنوب المغربي واستقرارهم بها زمن عبد المؤمن الموحدي ترجح بأن المعلمة الأثرية مرابطية الأصل وموحدية بين التعديلات والتغييرات التي أضفاها الموحدون على الهندسة المعمارية للقلعة، حيث من المعروف تاريخيا، أن الموحدين عملوا على تغيير المعالم المرابطية وإضفاء معالم جديدة لجعل البنايات المعمارية المرابطية موحدية بامتياز. لكن تبقى هذه المعلمة التاريخية حسب الدراسات الأكاديمية الميدانية (دعكسي، ركارد، مصطفى ناعمي...) مرابطية من حيث الأصل والبناء التاريخي، ومن جانب الشكل الهندسي والدراسة الأثرية فهي موحدية.

وتنتصب المعلمة الأثرية بمفردها وعلى مساحة كبيرة، تتخذ الشكل الهندسي الرباعي الأضلاع، يحيط بها سور ضخم يتراوح علوه ثلاثة أمتار. وتقدر مساحتها الإجمالية ب m2 181.268.797 وتحتوي على بابين، الباب الأول أمامي وهو الباب الرئيسي للقصر يطل على واحة تغجيجت، فهو ضخم من حيث الحجم وفريد من حيث الهندسة والزخرفة المعمارية. وثلاثة أبراج صغيرة الحجم للسور الموالي لجهة الشمال الغربي والمطلة على منخفض زناكن أو زناكز Znagz oU znagn، والبرجين المتبقيين في جهة الجنوب الشرقي للقصر. ومن المدخل الرئيسي يمتد فناء يظهر كبهو يتخذ شكلا مستطيلا، وفيه بوابتان واحدة من الجهة اليمنى والثانية من الشمال، تسمح هذه الأخيرة بولوج الدرج الأيسر قصد الصعود إلى السطح. ومن المدخل الرئيسي للقصر غرفة صغيرة تتجه نحو المدخل الحقيقي للقصر عبر بابين مقوسين..الخ.

ومن المدخل الحقيقي للقصر خزانات مائية أو ما يسمى محليا ب«تنوطفي» يبلغ عددها ثلاثة صهاريج مغطاة على شكل أسطوانة. وهي عبارة عن غرف محفورة في باطن الأرض مشيدة بشكل حرفي، وقد بنيت باستعمال الحجارة والجير أو الجبص.. وفي الجهة العليا من القصر مازالت آثار غرف ومساكن موجودة وكلها مبنية بالأحجار، لكنها غير واضحة التصميم الهندسي.

لقد استعملت في تقنية البناء مواد طبيعية ومحلية. فالقصر جله مبني بالحجارة المتراصة، بالرغم من وجود جدار صغير مبني بالطوب المحلي قاعدته من الأحجار، وهو الوحيد المبني بهذه الطريقة. بالإضافة إلى استعمال مادة الجبص والجير في تزيين الواجهة الأمامية للباب الرئيسي للقصر.

3. قصبة إداوبيان: Ksabah Ida oubien

تقع هذه المعلمة التاريخية بدوار إدوبيان وسط واحة تغجيجت. ويرجع تاريخ بناء القصبة إلى الحقبة المرابطية حيث عمل عبد الله بن ياسين19 على بناء مسجد تزونت أيام تنقلاته بين واحات التوات وواد نون بدوار إدوبيان. ويطلق عليها أيضا قصبة تزونت نسبة إلى أهل تزونت السكان الأوائل المستقرين بالقصبة.

ويرجع تاريخ بناء القصبة زمن قدوم عبد الله بن ياسين إلى الواحة، حيث قام بتشييد هذه القصبة أمام مسجد تزونت التاريخي. وقد عمل الموحدون أثناء انحطاط الدولة المرابطية على إظفاء تعديلات ولمسات فنية معمارية وزخرفية على قصبة إدوبيان، بالموازاة مع قصر تكمي أوكليد كنموذج للقصور والتحصينات الدفاعية التي ظهرت مع انهيار الدولة المرابطية وبداية العهد الموحدي.

إن الحديث عن تاريخ قصبة إدوبيان يستوجب منا استحضار تاريخ بناء قصر دار السلطان، بحيث يزعم الباحثون والدارسون لتاريخ الجنوب المغربي أن بناء قصبة إدوبيان ومعلمة دار السلطان جاء مع بداية ازدهار الدولة المرابطية بمنطقة واد نون حيث النشاط الاقتصادي والتجاري للقوافل التجارية الآتية من الصحراء والعابرة لها، فرضت على عبد الله بن ياسين بناء القصبات ووالقصور والحصون على جنبات واد صياد لتأمين مسالك القوافل التجارية القادمة من تيندوف والمتجهة إلى مدينة نول لمطة. وهذا ما يبين أن الطرح الذي أعطاه دو لاريول لتاريخ قصبة إدوبيان يكشف التاريخ الحقيقي الذي طالما غاب عن بعض الدراسيين الذين زعموا أن بناء قصبة إداوبيان وقصر السلطان يرجع تاريخه إلى الفترة الموحدية20.

إلى جانب الموقع الجغرافي والحقبة التاريخية لقصبة إداوبيان، نجد الهندسة المعمارية الفريدة لقصبة إداوبيان، كوحدة سكنية مكونة من عدة منازل أو «تيكما» يتراوح عددها ما بين 20 إلى 26 منزل. يستقر فيها حاليا مجموعة من السكان الآتين من قرية المغيميمة كإكرامن، وآيت حماد من تيدلت وغيرهم. وتتخذ القصبة شكلا هندسيا مستطيلا يميل إلى شبه منحرف. كما يتخذ شكل المنزل في بعض الأحيان مربعات صغيرة الحجم ملتحمة بعضها البعض، يتراوح علوها ما بين 10 أمتار إلى 12 مترا في طول الأسوار الخارجية، أي ما يعادل ثلاثة طبقات في كل منزل.

عموما، إن الشكل الهندسي لقصبة إدوبيان يتميز بانتشار تصاميم هندسية مشتركة بين جل المنازل الموجودة داخل القصبة، بحيث نجد أن بنايات القصبة متلاصقة ومتداخلة فيما بينها وهذا راجع بالأساس إلى نمط البناء العمراني المعروف في تلك الحقبة التاريخية، حيث أن روح الجماعة تساهم في بنائه بشكل جماعي أي عن طريق التويزية أي العمل الجماعي. وهذا ما يفسر أن الأشكال الهندسية لبعض بنايات القصبة تستمد نمطها الهندسي والمعماري من الحضارة الأمازيغية التي استقرت بشمال إفريقيا، إلى جانب هذا النمط من الشكل الهندسي نجد نوعا آخر من البنايات التي تتميز بأشكال هندسية فريدة كأقواس ودوائر ترجع بالأساس إلى الفترة المرابطية التي نشرت الثقافة الإسلامية بواحة تغجيجت خاصة، وبمنطقة وادنون عامة خلال أيام ازدهار حضارتها.

وتتوفر قصبة ادوبيان على بنايات عتيقة مشيدة من اللوح وجذوع النخيل والدفلة لتسقيف السطوح. ومن بين هذه البنايات منزل سيدي إدريس، ومنزل اذبوجديد، وادعلال، وسيدي محمد عبد الرحمان وغيرها. وتحتضن القصبة الكثير من المنازل والأزقة المعروفة بالدرب، وأربعة أبواب رئيسية. كما تتوفر على مسجد تزونت الذي بناه عبد الله بن ياسين أثناء تنقله بين واحة تغجيجت وواد نون21، وهو مسجد لا مئذنة له. وقد تعرض لتغير خلال السنوات الأخيرة بحيث تم إعادة بنائه بطريقة عصرية. وإلى جانب مسجد تزونت، تحتضن القصبة مقبرة سيدي محمد اعبد الرحمان، وضريحه المنفتح على بساتين تغزوت Taghzout، تم الزاوية التيجانية. بإضافة إلى ساحات كثيرة تقام فيها حفلات دينية واجتماعية تسمى محليا بالمسارع.

يعتمد نمط البناء التقليدي بهذه القصبة على مواد أولية محلية والتي تجود بها الواحة، ويمكن تقسيمها إلى نوعين: النوع الأول يسمى اللوح. أما النوع الثاني يسمى بالقالب أي الياجور المكون من الطين. يتميز هذا النوع بخاصية الصلابة والقوة والقدرة على تحمل الظروف الطبيعية والمناخية التي تعرفها المنطقة حسب الفصول السنوية، خاصة أن الواحة تتميز بمناخ شبه صحراوي يستدعى من السكان المحليين استعمال مواد محلية تقليدية تتلاءم مع الظروف الطبيعية والمناخية الحارة، حيث تستعمل فيه مجموعة من الأدوات التقليدية كالقفف أي «تمشغالت»، التابوت، الحبال... لبناء لوح جديد ومتماسك. أما النوع الثاني من البناء المعماري فيعتمد على القالب الذي يصنع من الطين الصلب باستعمال آلة خشبية، حيث يتم سقي التربة الجيدة والخالصة لمدة شهر أو أسبوعين كاملين، من أجل تماسك وعدم نفادية التربة، وبعد ذلك يتم وضع الطين في الآلة المخصصة لإعداد قوالب البناء وبعد مدة يتم وضعها في الأفران أو في الشمس لمدة أطول وذلك لتماسك الطين بشكل جيد.

بالإضافة إلى هذا، نجد أن الأسوار الخارجية وأبراج القصبة تجعلنا نعمق البحث داخليا للكشف عن الزخرفة والتصاميم الهندسية للمنازل من حيث شكلها ومكوناتها ووظيفتها التي تختلف عن نظيرتها القريبة، لأن الإنسان الواحي مسوؤل عن اتخاذ الإجراءات اللازمة عن النمط الهندسي والزخرفي للمنازل المتواجدة بالقصبة، بحيث نرى وجود غرفة الضيوف بمدخل المنزل وكذا في الطابق الثاني دليل على اختلاف التصاميم الهندسية، وربما تكون تقاليد وعادات وطقوس السكان محافظة وسببا في خلق هذا الاختلاف والتنوع من منزل إلى آخر. وهذا ما يدل على أن فضاء النساء يكون دائما منعزلا عن بقية الفضاءات وذلك لقيمة الاحترام والحشمة .

أما بخصوص وسط المنزل فنجد غرفا عديدة تتنوع وظائفها وطبيعة مساحتها حسب الفئات العمرية، الأطفال، الرجال، النساء والضيوف. فبالنسبة لغرفة الأزواج والضيوف فإنها تحظى بأهمية كبيرة، وتحتل مكانا شاسعا ومحترما، وتقع إما في ركن المنزل أو في وسطه، وهي أصلا مفروشة بأثاث تقليدي (إليوش، تزربيت، افاكو، ...). إلى جانب هذه الغرف نجد بعض البيوت كغرفة التخزين «الخزين»(lkhzine) المخصصة لتخزين المواد الغذائية الجافة، والحبوب، القطاني والألبسة والأدوات الفلاحية. وبيت الطبخ «أنوال» (Anwal) الذي يكون دائما متصلا مع الخارج ومعزولا عن الغرف، نظرا للروائح الكريهة التي تصيب الأطفال الصغار، حيث طبيعة المواد الخشبية المستعملة في الطهي تختلف حسب جنسها وموادها الشيء الذي يحتم على أفراد العائلة جعل مكان الطبخ منعزلا عن باقي بيوت المنزل. وتتخذ وجهة البيوت المزينة بالصلصال المحلي لتزيين الجدارن وأرضية المنزل منظرا جذابا، أما سقف البيت فنجد أنواعا كثيرة ومتنوعة من المواد التقليدية المستعملة ومنها ما يسمى بالدفلة «أليلي» أو عسف النخلة أو جريد النخيل.

إن المواد المستعملة في البناء التقليدي بقصبة إدوبيان تكشف لنا مدى اهتمام الإنسان المحلى بالموارد الطبيعية بين ضروراته وحاجياته اليومية، كبناء المنازل والقصور والقصبات وغيرها من الأنماط العمرانية المحلية وتبقى هذه الطريقة التقليدية أسلوبا يبرهن على عبقرية الإنسان التغجيجتي في البناء العمراني للواحة، وقد تكون هذه الطريقة خاصية مشتركة بين مختلف القصبات والبنايات التقليدية في الواحة.

وعلى العموم، يكتسي التراث المعماري بواحة تغجيجت، قصورا وقصبات، أهمية بالغة، إذ يعكس المراحل التاريخية لتطور المجتمع الواحي، كما يعد وثائق شاهدة على أحداث تاريخية مرتبطة بعمارة الواحة الصحراوية بالجنوب المغربي. وإن تنوع وتعدد المؤهلات المعمارية بواحة تغجيجت هي صورة ومرآة مجتمع الواحة خلال العصور الوسيطة والحديثة، الشيء الذي يدل على انفتاح الواحات على الثقافات والحضارات الأخرى دون الانغلاق على محيطها المحلي. فوجود قصبات وقصور تاريخية بواحة تغجيجت عاصرت المرحلة المرابطية والموحدية والسعدية، أكبر دليل عن حدوث تواصل ثقافي وحضاري بين واحة تغجيجت والمجالات الواحية الصحراوية الأخرى.

4. مسجد أكادير مقورن: Agadir M’qourn

تقع هذه المعلمة الدينية بدوار تكموت التابعة إداريا لجماعة تغجيجت والتي تبعد عن المركز بأربع كيلومترات. وتعتبر هذه البناية من أقدم البنايات الدينية بواحة تغجيجت والتي يرجع تاريخ بنائها إلى قدوم شيخ قبيلة آيت براهيم إلى منطقة تكموت خلال القرن 7هـ. وتشير دراسة دولاريول حول قبيلة آيت براهيم إلى أن كلمة «أكادير مقورن» هي الكلمة الأصلية لهذه المعلمة الدينية حيث أن أفراد القبيلة لا يتحدثون عن هذا الموقع باسم «تمزكيدا» أي مسجد، لكن ينعتونه بتسمية أكادير مقورن التي تعتبر التسمية الأكثر اعتماد واستعمالا. ويقول: إننا نتحدث عن أكادير مقورن كمخزن جماعي الذي يشبه المخازن الجماعية للأطلس الصغير... فهو حصن دفاعي عسكري وديني يشبه بعض الكنائس الأوروبية خلال القرون الوسطى22.

ويعد مسجد أكادير مقورن من بين المساجد الدينية المستقلة بالواحة والتي تحيط بها مقبرة كبيرة المساحة من كل الجهات الأربع يدفن فيها أهل تكموت وآيت براهيم المتواجدون بدوار توريرت وجل الابراهميين في هذه المقبرة الكبيرة التي يحيط بها سور يتراوح مابين متر ونصف ومترين. وأمام صومعة مسجد اكادير مقورن يتواجد ضريح الولي الصالح سيدي افروخ. كما يحتوي المسجد على مرافق اجتماعية ضرورية للوضوء من النوع الكلاسيكي، وقاعة للصلاة مستطيلة الشكل مقسمة إلى ثلاثة أجزاء بصنفين من الأعمدة المربعة القصيرة مرتبطة بعضها ببعض أقواس أما المحراب فلا إضافة فيه، واستنادا على الحائط الجنوبي لهذه القاعة تنصب الصومعة التي تأخذ شكلا هرميا... ويوجد هنا أسلوب أمازيغي صحراوي، ازدهر في مجتمع الواحات الواقعة شمال الصحراء الجزائرية والذي يختلف عن الأسلوب المغربي23.

قديما، بني مسجد أكادير مقورن بمواد محلية حيث استعمل الطابية والحجر في بناء الجدران والأعمدة والأقواس الداخلية لقاعات، منها قاعة الصلاة «لمقصورة»(Lmksourt) وقاعة الوضوء. كما اعتمد على جريد النخيل وعسفه لتسقيف القاعات. إلا أنه مع نهاية القرن 19م تم تغيير نمط البناء التقليدي إلى الشكل العصري الجديد الذي تستعمل فيه مادة الخرسانة كمادة أساسية في البناء، بحيث تم هدم جل المرافق الموجودة بداخل المسجد مع المحافظة على التصميم القديم للمسجد وبعض الأشكال الزخرفية، وخلال السنوات الماضية تم بناء جل مرافق المسجد بطريقة عصرية حديثة.

لقد تجاوز مسجد أكادير مقورن أدوارا تعبدية ودينية إلى وظائف اجتماعية واقتصادية وسياسية. إذ كان مركزا ونقطة التقاء لأبناء قبيلة آيت براهيم اللذين يأتون من جل المناطق والقبائل المجاورة. وقد أكدت الدراسة الميدانية أن بداية إقامة الحفل السنوي لأكادير مقورن تزامنا مع بداية رجوع إبراهيم بن لحسن بن عثمان الجد الاسمي لقبيلة آيت براهيم من بلاد التوات بالجزائر بعدما تعرض لخناق من طرف قبيلة كانت مستوطنة آندك في واحة تغجيجت وتكموت. ويعد الموسم السنوي «أكادير مقورن» أو تارامت مناسبة يجتمع فيه أبناء القبيلة لممارسة بعض طقوسها وعاداتها وتقاليدها الاجتماعية والدينية. فالموسم الديني هو فرصة إلقاء طقوس اجتماعية وأخرى دينية، متمثلة أساسا في تعقيد أحوال المسجد والمدرسة العتيقة وجمع الهبات والمساهمات التي تكفل للمؤسستين ضمان استمراريتهما. كما أنه يشكل مناسبة لتبادل السلع والبضائع، ومن هنا تكمن الأهمية الاقتصادية لهذه المعلمة الدينية، إذ كان لليهود دور كبير في تطوير بعض الصناعات المعدنية بتكموت.

إلى جانب هذا، لازال موسم أكادير مقورن يؤدي وظيفة سياسية تتمثل في احتواء التجمعات السنوية التي يحتضنها، بالإضافة إلى اتخاذ القرارات وتحديد السياسات العامة والمهمة التي تسير شؤون قبيلة آيت براهيم، وفي بلورة عوامل الانسجام بين مختلف مكونات القبيلة، بغية الحفاظ على تماسكها الاجتماعي واللغوي والحضاري وعلى مكانتها السياسية بين مختلف قبائل الثكنة الصحراوية. وعموما، يمكن اعتبار مسجد أكادير مقورن نواة قبيلة آيت براهيم، بحيث يعد من بين المؤسسات الدينية التي شيدت خلال الفترة المرابطية والتي لعبت أدوارا أساسية في تاريخ قبيلة آيت براهيم حسب دراسة دولاريول والمعلومات الميدانية المستقاة في عين المكان.

إجمالا، إن جل هذه المؤهلات الثقافية الدينية الموجودة بواحة تغجيجت، هي آثار مادية تعبر عن مدى اهتمام ساكنة تغجيجت بأمور الدين والدنيا، ومساهمتهم الهندسية العبقرية في فن العمارة الواحية والتي تنم عن العمق التاريخي للمنطقة وإشعاعها الروحي والثقافي المتجسد في التنوع الثقافي الديني، كالأضرحة والزوايا والمساجد والمدارس العتيقة.

5. الخطارات:

إن البحث عن تاريخ بناء الخطارات بواحة تغجيجت يذهب بنا إلى العودة إلى معرفة أصل هذه التقنية. فحسب العديد من الدراسات التي أجريت حول الخطارات، تنتشر هذه الأخيرة في العديد من مناطق العالم، بدءا من الهند والصين، مرورا بإيران وشبه الجزيرة العربية، وصولا إلى المغرب وإلى شبه الجزيرة الإيبيرية «إسبانيا»، كما نجدها أيضا بالبيرو وبواحات بيكا بشيلي وغيرها من المناطق والدول العالمية.

وحسب بعض آراء الباحثين والمهتمين بدراسة تاريخ الخطارت، نجد أن Goblo يرى بأن هذه التقنية تعود إلى الفترة المنجمية التي اكتشفها إنسان المعادن. أما الباحث Colin فيرى أن تاريخ الخطارات في المغرب ارتبط بإنجازها في حاضرة مراكش من طرف أهالي واحات الصحراء بتوات وكورارة. ومن هنا حاولنا إعطاء فرضيات وتخمينات أولية حول تاريخ بناء الخطارات بواحة تغجيجت، فبناء على جل الدراسات التي أجريت حول المنطقة والتي ترجع مرحلة ازدهار واحة تغجيجت إلى فترة المرابطين واستقرارهم بهذا المجال الذي ينتمي إلى واحات وادنون، فإن تاريخ بناء هذه الخطارات يرجع إلى الفترة المرابطية أي القرن 11م .

بالإضافة إلى هذا، نجد طرحا ثانيا مفاده انتماء واحة تغجيجت إلى واحات درعة السفلى حيث استعمال ساكنة المنطقة مفهوم الخطارة يعد دليلا على إمكانية تأصيل هذه التقنية بالواحة. أما الطرح الأخير، نرجعه بالأساس إلى الأصل اليهودي أي استقرار اليهود بالمنطقة إفران الأطلس الصغير وتواجد الملاح فيه ومعرفتهم بالتقنيات المنجمية والنحاسية ربما يكون عاملا مؤديا إلى بناء هذه التقنية وهذا الطرح زكاه الأستاذ العجلاوي بقوله إن الخطارات بمنجم ايمضر الأطلس الصغير استعملت في المنجم كتقنية استخراج المياه الباطنية، والذي كان بدوره غنيا بالأحجار المعدنية كما أن تقنية الخطارة ليست غريبة عن المنطقة24. وتبقى جل هاته الأطروحات الأولية قيد البحث والنقاش مع الباحثين في هذا المجال، قصد معرفة وتحديد تاريخ هذا التراث الهيدورفلاحي.

وتتوفر واحة تغجيجت على عشرة خطارات يوجد بعضها بمجال أماون، ومنها تركى اكرامن، تركى الجديد، مي إكلكيزن، تجعرونت، أكادير مقورن، أكادير ادران، سيدي منصور. ويتراوح طول كل واحدة أزيد من 1000 متر، ويبلغ عدد آبارها ما بين 100 بئر إلى 150 بئر. ويمكن تصنيف الخطارات بمنطقة تغجيجت إلى صنفين:

- خطارات نشيطة: ومنها تركى ايكرامن، تركى إيزورن، اكادير مقورن، اكادير إدران.

- خطارات ضعيفة: مي إكلكيزن، تركى الجديد، سدي منصور،...

عموما، تعد هذه الخطارات من أهم التقنيات الفلاحية القديمة والمستعملة في استخراج المياه الجوفية إلى سطح الأرض، ومن بين الأساليب التقليدية المستعملة لسقي المشارت بواحة تغجيجت. فقد تم حفر هذه الخطارات من طرف السكان عن طريق العمل الجماعي أو ما يسمى بتوزي أي بالتويزة. وهي عبارة عن قنوات باطنية تقوم باستخراج مياه العين «الخطارة» من المنبع إلى الحقول الزراعية والمشارات، وتتخللها منافذ تستعمل لاستخراج الأوحال والأعشاب الزائدة في القناة وذلك لنظافة المجاري المائية، قصد تسهيل عملية جريان مياه القناة حتى تسير بسرعة يمكن لها الوصول إلى الحقول الزراعية بالواحة. لقد اعتمد الإنسان المحلي في عملية الاستصلاح هذه الخطارات، على وسائل تقليدية ،كالفؤوس والقفف «تزكوين» بدءا من رأس العين «أفضنا» (Afdna) مرورا بالسواقي، وتنتهي الأشغال بالوصول إلى الشاريج. بالإضافة إلى، إزالة الأوحال والأشجار وتغطية الخطارات لحمايتها من الأتربة والفيضانات.

إن وجود هذه التقنية التقليدية دليل على وجود مؤسسة اجتماعية وإدارة ترابية محلية قوية داخل البنية الاجتماعية لواحة تغجيجت. وتتجلى أساسا في القبيلة أو«لجماعت ن ومان» التي تسهر على تسيير الشأن الفلاحي للقبيلة وتقسيم مياه الخطارات بشكل عادل بين أهالي المنطقة تفاديا للنزاعات والصراعات. هذا العمل يدل على عبقرية الإنسان المحلي وقدرته على تحمل المشقات وعلى خلق إبداع هندسي معماري محلي فريد.

عموما، تؤدي الخطارات بواحة تغجيجت أدوارا مهمة. فمن جهة، تقوم بتصريف المياه الجوفية نحو الخارج، ومن زاوية ثانية تؤدي قنوات تصريف المياه دورا مهما يتجلى في تهوية الورش أثناء إنجاز الأشغال وإزالة الأتربة والأوحال وكذا خلال إنجاز عمليات الصيانة أو النظافة. إلى جانب تسهيل الولوج إلى قناة تصريف المياه الجوفية في حالة الضرورة وتعليل عملية تبخر المياه25.

التراث الثقافي المادي وآفاق التنمية المحلية بواحة تغجيجت:

تشكل التنمية المحلية الهدف الأساسي الذي يوحد كافة الفاعلين المحليين على أساس تشاركي وتشاوري فيما بينهم.«فخلق تحالف من فاعلين عموميين وآخرين خواص، منتخبين وغيرهم يشكل شرط اتخاذ القرارات ووضع سياسات فاعلة وناجعة»26. ولتحقيق تنمية محلية داخل واحة تغجيجت يجب اعتماد المقاربة التشاركية والنظرة الشمولية في التعامل مع الموارد التراثية بين الفاعلين المحليين والمؤسسات الحكومية قصد بلورة المشاريع المدرة للدخل ومحاربة الفقر والإقصاء والتهميش والفوارق الاجتماعية والمجالية.

ويعتبر تثمين التراث الثقافي المادي عن طريق الحفاظ والترميم والصيانة والتجديد بمختلف أصنافه من بين الأسس التنموية في البلاد. إذ يعد التراث إحدى الركائز المعتمدة في مسلسل التنمية المحلية، وذلك بالعمل والتركيز على تنوع الأنشطة المدرة للدخل والتكيف مع الوسط الطبيعي والمحيط الثقافي للسكان، ومراعاة الذاكرة الجماعية والهوية المحلية والاهتمام بالموارد الطبيعية التراثية باعتبارها عناصر بالحفاظ عليها يمكن تحقيق تنمية محلية مستدامة.

إن مفهوم التراث الثقافي المادي لا يحدد إلا عبر التثمين وتحسين الواقع الاجتماعي والاقتصادي للسكان، وكذا تفعيل مجموعة من البنيات السوسيو-اقتصادية دون المس بالتوازنات الثقافية المادية للواحة. فالتراث الثقافي المادي هو قيمة حضارية وإنسانية مشتركة بين الجميع، حيث يعبر عن هوية ووعي الجماعة بمكوناتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بالإضافة لكونه موردا اقتصاديا قادرا على خلق تنمية محلية وتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لسكان المنطقة.

ومن هنا يمكن اعتبار أن مجال التراث والثقافة عامة عناصر فاعلة في التنمية المحلية المستدامة، فالروابط المتبادلة بين ما هو اجتماعي وثقافي واقتصادي وايكولوجي يمكن لها أن تتمظهر بشكل جلي. فإذا كانت الجماعة القروية والجمعيات المحلية قد تركت التدخل الفعلي في مجال التراث خلال السنوات الماضية، فإنه يلاحظ مؤخرا بأن قطاع الثقافة والتراث بدأ ينال نصيبه من الاهتمام، وأصبح موضوعا أساسيا للتنمية المحلية ولوضع السياسة الثقافية المحلية من طرف الإدارات الجهوية والوطنية والمحلية التي لها القدرة على المحافظة والحماية على ما تبقى من التراث الثقافي المادي واللامادي الواحي وعلى إدراك قيمته وأهميته في العملية التنموية داخل الواحات.

1. إستراتيجية تثمين التراث الثقافي المادي بواحة تغجيجت:

يعد التراث المادي المحفز للطاقات المنتجة من أجل تنمية مندمجة ومستديمة. لهذا الاعتبار أصبح التراث يشكل بعدا أساسيا في التنمية بصفة عامة والتنمية المحلية بشكل خاص، ومكونا من مكونات التهيئة المجالية، حيث يقتضي الصيانة والتثمين في إطار نظرة شمولية تأخذ بعين الاعتبار، رصد مختلف التفاعلات بين التراث وباقي القطاعات، كالثقافة والصناعة التقليدية والسياحة،...الخ.

إن تثمين التراث وتعبئته مسألة ملحة في وقتنا الحاضر، هذا ما جعله مكونا أساسيا في سياسة إعداد التراب، إذ أولاه التصميم الوطني لإعداد التراب والتنمية المستدامة عناية كبيرة. وترتكز هذه السياسة على انتهاج مقاربة مندمجة لصيانة التراث تقوم على نسق متكامل من التدابير والإجراءات الهادفة إلى ضمان استمراريته في محيط طبيعي وبشري ملائم، يتم توظيفه توظيفا عقلانيا للاستفادة من منافعه حاضرا ومستقبلا، وذلك عبر:

1. إصدار قانون توثيق التراث وحمايته، بالاعتماد على مجموعة من التدابير التقنية والقانونية والتنظيمية، التي يتعين تحديدها، أخذا بعين الاعتبار كون التراث يشكل جزءا لا يتجزأ من النسق الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.

2. حماية التراث يحين ويكمل القوانين القائمة، ليتخذ كمرجعية لتصنيف مكونات التراث بغية المحافظة عليها27.

ومن هذا المنطلق يعد إدماج التراث في مسلسل التنمية ضرورة قصوى، عبر تعبئة مختلف مكوناته الثقافية والطبيعية والمعمارية، وذلك من أجل المساهمة في التنمية المحلية المستدامة.

انطلاقا من تشخيص الوضعية الراهنة للمؤهلات الثقافية المادية بواحة تغجيجت، تم العمل على صياغة مجموعة من المحاور الأساسية لإستراتيجية تنموية ثقافية محلية بالواحة، الغرض منها المساهمة في رفع الإكراهات والمشاكل عن مكونات التراث الثقافي المادي وإدماجه في مخططات التنمية المحلية. ومنها ستة محاور كبرى وهي على الشكل الآتي:

- المحور الأول: التحسيس، والتوعية:

Sensibilisation

1. تنظيم حملات تحسيسية حول موضوع «التراث الثقافي المادي بواحة تغجيجت» لجميع الفئات والشرائح.

2. نشر الوعي لدى الساكنة المحلية بقيمة التراث وبأهمية الحفاظ عليه.

3. عقد ندوات وطنية وجهوية ومحلية حول التراث الثقافي المادي بصفة خاصة والتراث الثقافي بشكل عام.

4. تقديم محاضرات علمية ولقاءات تواصلية حول التراث والتنمية.

5. القيام بدورات وأيام تحسيسية ودراسية في مواضيع ذات صلة بالموضوع: التراث الثقافي، السياحة، التنمية المحلية.

- المحور الثاني: التربية والتكوين مع تشجيع الدراسات والأبحاث العلمية

Education, Formation, avec Travaux D’études et de recherche scientifique

1. التربية والمحافظة على التراث وتقوية الانتماء والهوية.

2. تكوين الباحثين والفاعلين والمنتخبين في القطاع الثقافي والتراثي من أجل هيكلة القطاع.

3. إدماج مادة التراث الثقافي المادي واللامادي في المقررات الدراسية كمادة الشأن المحلي سابقا.

4. تشجيع إنجاز دراسات ميدانية تهتم بالتراث الثقافي المادي بواحة تغجيجت والواحات المغربية والعربية.

5. تشجيع الباحثين وطلبة الواحة بالاهتمام بهذا الموضوع.

6. دعم البحوث والدراسات التاريخية والأركيولوجية والسوسيولوجية حول الواحة.

7. استقبال بعثات علمية من الجامعات والمعاهد الوطنية والدولية لتشجيع البحث العلمي بالواحة.

8. إحداث جمعية خاصة بالباحثين تجمع بين جميع التخصصات: الأركيولوجيا والتاريخ والسيوسلوجيا، الهندسة.

9. إنجاز خرائط جغرافية للمؤهلات الثقافية المادية، ورسم مسارات ومدارات سياحية داخل الواحة.

- المحور الثالث: التنشيط، الإعلام، النشرAnimation, Media, Diffusion

1. إنجاز أشرطة وثائقية تعرف بالتراث الثقافي المادي واللامادي للمنطقة: (النقوش الصخرية، القصبات، القصور، الزوايا والمدارس القرآنية، الخطارات،...)

2. إنجاز مطويات تعرف بالمؤهلات الثقافية المادية لواحة تغجيجت.

3. بث برامج ثقافية ووثائقية ذات صلة بالتراث الثقافي المادي بواحة تغجيجت من خلال المنابر الإعلامية.

4. نشر الأبحاث العلمية والثقافية والأعمال الميدانية.

- المحور الرابع: الترويج، التسويقPromotion,

1. وذلك عبر تسويق المنتوج الثقافي المادي عبر شبكات الإعلام والتواصل، والتعريف به جهويا ووطنيا ودوليا.

2. إنشاء بوابة ألكترونية تعرف بأهم الموارد التراثية والسياحية داخل المنطقة، وما تزخر به من تراث طبيعي وثقافي.

3. خلق مكتب التواصل الثقافي داخل واحة تغجيجت وباقي الواحات المغربية، يهتم بالتعريف وترويج المنتوج الثقافي المحلي.

- المحور الخامس: السياحة الثقافية المحلية والمستدامة

Tourisme culturel local et durable

يشمل هذا المحور عدة نقط ومقترحات أساسية ومنها:

1. تشجيع السياحة الواحية الثقافية والصحراوية عبر إنشاء دار الضيافة، فنادق، مطاعم..

2. إنشاء جمعيات تهتم بالشأن السياحي، باعتبار السياحة الثقافية الواحية مدخلا أساسيا لتحقيق تنمية محلية مندمجة.

3. تشجيع مبادرات المتاحف الاثنوغرافية، بناء دار الضيافة لاستقبال الأجانب وتوفير البنيات التحتية اللازمة للسياح.

4. إحداث فضاءات ومحطات الاستراحة والتنشيط الثقافي بالقرب من الخطارات، القصبات، المواقع الأركيولوجية.

5. دعم مشاريع التنمية الثقافية والسياحية بالمنطقة.

- المحور السادس: التمويل، والتسيير Financement, Gestion

يتضمن هذا المحور مجموعة من المقترحات:

1. إنشاء الصندوق المحلي للعمل الثقافي، كمحاولة رسمية لخلق إطار مؤسساتي وقانوني يسعى إلى حماية وتثمين قطاع التراث الثقافي المادي واللامادي.

2. البحث عن شركاء وممولين جدد في ميدان الثقافة والتراث سوءا محليا ووطنيا ودوليا.

3. وضع خطة منهجية طويلة المدى وإيجاد الحل للجانب القانوني والمادي.

4. أخد المبادرة من طرف الجماعة القروية والفاعلين المحليين للمحافظة على التراث الثقافي المادي.

2. التراث الثقافي المادي الواحي رافعة للتنمية المحلية بالمجتمعات الواحية:

يعتبر التراث الثقافي المادي بالمجال المدروس دعامة أساسية لتحقيق تنمية محلية حقيقية، إذ إن إنعاش قطاع الثقافة والتراث سيمكن واحة تغجيجت من تحقيق عدة أهداف أهمها المحافظة على استقرار السكان، والحد من ظاهرة الهجرة، وتطوير الاستغلال الفلاحي، وأخيرا توسيع الأنشطة والخدمات الاجتماعية ..الخ.

ومن هنا تكمن أهمية الموضوع، انطلاقا من كون التراث وسيلة فعالة في تحقيق تنمية محلية ومستدامة بالمجال المدروس، حيث سيمكن هذا القطاع الثقافي التراثي من خلق فرص جديدة للشغل، كما سيساهم من جديد في إنعاش قطاع الفلاحة والصناعة التقليدية القروية التي عرفت اندثارا متزايدا بسبب الجمود الذي أصاب القطاع التنموي بالواحة. كما أنه سيكون بمثابة فرصة حقيقية لربط مجموعة من المواقع الأثرية والتاريخية بمجموعة من التجهيزات التحتية كتعبيد الطريق والربط بالكهرباء والماء.

وتجدر الإشارة إلى أن التراث الثقافي المادي كفيل بدعم اقتصاد الواحة عن طريق السياحة وذلك بإزالة الإكراهات والمشاكل التي يعاني منها القطاع من خلال إبراز المؤهلات الثقافية المادية واللامادية. بالإضافة إلى أن إمكانية توظيف المؤهلات الثقافية المادية في المسلسل التنموي المحلي، باعتبارها أداة فعالة في العملية التنموية برمتها، سيؤدي إلى تحقيق هدفين مهمين في نفس الوقت وهما المحافظة على التراث باعتباره جزءا من الهوية المحلية والوطنية، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية عبر إشراك جميع الفاعلين التنمويين. كل هذه المعطيات ستكون لها انعكاسات إيجابية على مسلسل التنمية وستدفع بالمنطقة إلى الأمام إذا ما تم الأخذ بعين الاعتبار.

ووعيا منا بدور التراث في التنمية المحلية، فإن واحة تغجيجت ستشكل خلال السنوات القادمة قبلة جديدة للسياح الأجانب والمستثمرين السياحيين، نظرا لزخم المؤهلات التاريخية والعمرانية والأركيولوجية والفلاحية التي تتوفر عليها الواحة. كما أنها ستكتسب شهرة وطنية ودولية، هذا ما يفرض على الجماعة الترابية وجمعيات المجتمع المدني الأخد بزمام الأمور وتضافر الجهود قصد توفير أرضية ثقافية وتنموية للمستثمرين الأجانب وللسياح، إيمانا منا بدور الأنشطة السياحية كمورد اقتصادي مهم ينضاف إلى بنية النسيج الاقتصادي الواحي على المستوى المحلي والإقليمي والجهوي ولم لا الوطني والدولي.

خلاصة:

وفي ختام هذه المقالة العلمية، نخلص إلى أن واحة تغجيجت، كغيرها من المجالات الواحية الصحراوية، تتوفر على مؤهلات ثقافية مادية غنية ومتعددة الروافد تكسبها خصوصيات متفردة تحتاج إلى التثمين والصيانة. وهذه مسؤوليتنا جميعا كباحثين ومتخصصين في مجال التراث، والتاريخ، والسوسيولوجيا. فمن خلال الدراسة التحليلية يتضح جليا أن من شأن المؤهلات التراثية المادية الغنية لواحة تغجيجت تحقيق تنمية محلية شاملة. ولذا يلزم توفير الحماية القانونية في مسلسل المخططات المحلية والجهوية يضمن رد الاعتبار لتراثنا العريق والحفاظ عليه وتثمينه.

وكما يتضح أن واحة تغجيجت لها من المؤهلات المادية ما يؤكد أهميتها وقيمتها الثقافية والحضارية والإنسانية. غير أن قطاع التراث بهذه المنطقة ما زال يتخبط في مجموعة من الإكراهات والمشاكل لعل أهمها قلة الوعي لدى ساكنتها، بالإضافة إلى غياب إستراتجية واضحة للمحافظة وتثمين المواقع الأثرية.

لقد أصبح من الضروري تطبيق أدوات وآليات وعمليات جديدة لحماية هذه الثروة الثمينة قصد الحفاظ عليها واستغلالها في الميدان السياحي والاقتصادي، قصد تحقيق تنمية محلية حقيقية، تتركز بالخصوص على المؤهلات الثقافية المادية قوامها التراث الاركيولوجي والمعماري والفلاحي.

ويمكن تحقيق هذه الأهداف بوضع استراتيجيات ومخططات تعبوية وسن قوانين زجرية تكون مكملة للقوانين المتوفرة وطنيا ودوليا لتحقيق هدف المحافظة وصيانة التراث الثقافي. باعتباره مرجعية تاريخية وثقافية حاسمة في تقوية الشعور بالهوية والانتماء وعامل اطمئنان وسكينة في ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية والمجالية التي يعرفها المجتمع الدولي، بحيث أصبحت جل شعوب وأمم العالم أمام وضعية تفرض عليها مجموعة من التحديات للرفع من اقتصادها، مما يحتم عليها بالضرورة استغلال مواردها التراثية بهدف الحفاظ على هويتها وحماية ثوابتها وتقوية مناعتها أمام تصاعد تيار العولمة ومواجهة المنافسة الخارجية وتأمين حاجيات الأجيال الحالية وضمان سبل العيش الكريم للأجيال المقبلة.

ومن خلال دراستنا لدور التراث الثقافي المادي في التنمية المحلية، تبين لنا أنه سيشكل دعامة أساسية في تنمية الواحة، إذا ما تم الوعي بأهميته وحسن استغلاله في المخططات والاستراتيجيات التنموية، ولعل ما يؤكد ذلك هو كون الواحة تتوفر على مؤهلات تاريخية وثقافية تتمثل في القصبات والقصور التي لعبت منذ القدم دور صلة وصل بين شمال إفريقيا وإفريقيا جنوب الصحراء، عبر تأمين القوافل التجارية العابرة للواحة تغجيجت والقادمة من منطقة تندوف في اتجاه لمطة وتكاوست واكادير. وكذا نقوش صخرية، ومآثر دينية، ومنشآت فلاحية، التي تؤرخ لفترات وحقب زمنية قديمة كان لها دور حاسم في التاريخ الاجتماعي والثقافي والديني لواحة تغجيجت خصوصا ووادنون عموما.

الهوامش:
1. منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن زهر،أكادير، لماذا واحات باني"، واحات باني: العمق التاريخي ومؤهلات التنمية. منشورات الكلية. الطبعة الأولى، 1999 ص24.
2. منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية أكادير، واحات وادي نون بوابة الصحراء المغربية   الطبعة الأولى، 1999 ص20.
3. مصطلح محلي أمازيغي يتداول بين جميع مختلف شرائح المجتمع الواد نوني.
4. عبد العزيز، بن عبد الله. "الموسوعة المغربية للأعلام البشرية والحضارية معلمة المدن والقبائل". سنة 1977. ص71.
5. مكان يقع في الجنوب الغربي لواحة تاغجيجت.
6. سيدي حساين: ولي صالح وعالم يقال أنه أسود اللون وهو من أقطاب الناصرية، أسس سوق تاغجيجت خلال القرن 16م- حسب الرواية الشفهية.
7. Alfred Le chatelier, Tribus du sud Ouest marocain Basins côtiers entre Sous et Draa , Parais 1891, p 74.
8. Paul Marty, les tribus de la haut Mauritanie, publication comite de l’Afrique français, Parais 1915, P 69.
9. مقابلة مع الحاج الحسين. ض، 88 سنة.
10. تحريات ميدانية من مصلحة الأرصاد الجوية بتغجيجت، أبريل 2014.
11. Youssef boukbot, George onrubia pintado; Néolithique, protohistoire, archéologie islamique et ethnoarchéologie du sous tekna, patrimoine culturel matériel dans la région Sous-Massa-Draa, coordonne par ait hamza, el ouafi nouhii,  publication IRCAM colloques et séminaires n 35, p 77.
12. R. Ricard: une forteresse Maghrébine de l’Anti-Atlas 11 siècle. Édition 1937, p 16.
13. موسوعة معلمة المغرب الأقصى، الجزء الرابع ص 1127.
14. مصطفى ناعمي، مادة تاغاجيجت، معلمة المغرب، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر مطابع سلا 1992 ج 6 ص 2069
15. D.Jacques – Meunie,  Le Maroc Saharien Des Origines Au XVI siècle, volume1 , 1982 p 277.
16. De la reulle, Les Tekna Berbérophones du haut oued Seyed les id Brahim et leurs tributaires, C.H.E.A.M, université de Paris, N457, 1941, p 4.
17. استنتاجات توصلت إليها حفريات أثرية التي قام بها فريق مشترك مغربي إسباني في علوم الآثار والتراث على امتداد مجرى واد نون.
18. تحريات ميدانية أبريل 2012.
19. زعيم الدولة المرابطية  بالمغرب، يعود أصله إلى منطقة تمنارت والتي تبعد عن واحة تغجييجت بحوالي 60 كيلومتر شرقا.
20. De la reulle, ibd, p9.
21. مقابلة مع الحبيب م 71 سنة.
22. De La reulle, ibd, p 42.
23. De La reulle, ibd, p 42-43.
24. المساوي العجلاوي، تقنيات استخراج المياه الباطنية في مناجم الفضة بالمغرب، الماء في تاريخ المغرب، سلسلة ندوات رقم 11 منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق مطبعة المعارف الجديدة الطبعة 1996، ص 111.
25. مقابلة مع فلاح محمد.ع. 52 سنة.
26. بوشتى الخزان، محمد حمجيق"المدينة القديمة بفاس تراث إنساني بين التهميش والإنقاذ"، مجلة دفاتر جغرافية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز فاس، مطبعة أنفو- برانت، العدد 2، دجنبر 2005, ص.30
27. مديرية إعداد التراب الوطني الميثاق الوطني حول إعداد التراب الوطني, الطبعة الأولى 2001 ص 53.
المصادر والمراجع باللغة العربية:
- بوشتى الخزان، محمد حمجيق" المدينة القديمة بفاس تراث إنساني بين التهميش والإنقاذ"، مجلة دفاتر جغرافية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز فاس، مطبعة أنفو- برانت، العدد 2، دجنبر 2005.
- عبد العزيز بن عبد الله، "الموسوعة المغربية للأعلام البشرية والحضارية معلمة المدن والقبائل"، سنة 1977.
- مديرية إعداد التراب الوطني الميثاق الوطني حول إعداد التراب الوطني, الطبعة الأولى 2001.
- المساوي العجلاوي، تقنيات استخراج المياه الباطنية في مناجم الفضة بالمغرب، الماء في تاريخ المغرب، سلسلة ندوات رقم 11 منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق مطبعة المعارف الجديدة الطبعة 1996.
- مصطفى ناعمي، مادة تاغاجيجت، معلمة المغرب، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر مطابع سلا 1992 ج 6.
- موسوعة معلمة المغرب الأقصى، الجزء الرابع.
- واحات باني: العمق التاريخي ومؤهلات التنمية، تنسيق: حسن بنحليمة، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن زهر أكادير سلسلة الندوات والأيام الدراسية، أعمال ندوة طاطا، 15-16-17 مارس 1995، مطبعة المعارف الجديدة، الطبعة الأولى 1999م.
- واحات وادي نون بوابة الصحراء المغربية، تنسيق: حسن بنحليمة، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن زهر أكادير، سلسلة الندوات والأيام الدراسية، أعمال الندوة الوطنية 9-10-11 نونبر 1995، مطبعة الهلال العربية للطباعة والنشر الرباط، الطبعة الأولى 1999م.
المصادر والمراجع باللغة العربية:
- Alfred Le chatelier, Tribus du sud Ouest marocain Basins côtiers entre Sous et Draa , Parais 1891.
- D.Jacques – Meunie,  Le Maroc Saharien Des Origines Au XVI siècle, volume1 , 1982.
- De la reulle, Les Tekna Berbérophones du haut oued Seyed les id Brahim et leurs tributaires, C.H.E.A.M, université de Paris, N457, 1941.
- Paul Marty, les tribus de la haut Mauritanie, publication comite de l’Afrique français, Parais 1915.
- R. Ricard : une forteresse Maghrébine de l’Anti-Atlas 11 siècle. Édition 1937.
- Youssef boukbot , George onrubia pintado ; Néolithique, protohistoire, archéologie islamique et ethnoarchéologie du sous tekna, patrimoine culturel matériel dans la région Sous-Massa-Draa, coordonne par ait hamza, el ouafi nouhii,  publication IRCAM colloques et séminaires n 35.
-
الصور :
- الصور من الكاتب.

أعداد المجلة