النسق الثقافي للحليّ ودلالاتها الرّمزية عند المجتمع الأمازيغي بالجزائر- مقاربة سيميائية تحليلية
العدد 67 - عادات وتقاليد
مقدمة:
يبرز مفهوم الشفرات الاجتماعية التي تعمل على تنظيم المجتمع، وتدل عليه من خلال تعيين موقع الفرد داخل الجماعة، والجماعة داخل المجتمع1، ترتيب العلاقات الاجتماعية، وتنظيمها والدلالة عليها - مؤسسية، عائلية، ودينية...، ودوال هذه الشفرة هم الأفراد أو الجماعات أو العلائق، فالإنسان هو الدال، والمدلول في الوقت نفسه. بمعنى آخر، يكون فيها الإنسان هو حامل العلامة، ومادتها، ويستعملها الفرد من أجل تحديد هويته، وانتمائه إلى جماعة سوسيوثقافية معينة.
على أساس كل ما ذكرناه، تهدف هذه الدراسة إلى الغوص في دلالات عينة من الشفرات الاجتماعية، والمتمثلة في شفرة الحلي، بوصفها بعدا تواصليا عميقا يتدخل في تنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع، وبالتالي هيكلة النظام التواصلي الاجتماعي، لأي مجتمع إنساني من خلال تحليل مختلف الرسائل، والمعلومات التي تنقلها، وتحملها هذه الشفرات في إطار الدلالة، والتواصل الاجتماعيين، من خلال سياق معين ألا وهو سياق المجتمع القبائلي الجزائري، وذلك من خلال طرح الإشكال التالي:
كيف يتمظهر التواصل الاجتماعي في المجتمع القبائلي الجزائري من خلال شفرة الحلي؟
ولإثراء هذه الإشكالية صغنا جملة من التساؤلات أوردناها كالتالي:
1. كيف تؤطر خصوصية الحلي الفضية القبائلية، بوصفها شفرة اجتماعية، لموقع المرأة ضمن التراتبية الاجتماعية في المجتمع القبائلي الجزائري؟
2. ما هي المدلولات التي تحملها الحلي كإحدى الشفرات الاجتماعية، والتمظهرات التعبيرية بالنسبة للمجتمع القبائلي الجزائري؟
3. ما هي طبيعة البناء الدلالي الذي يميز النسق التواصلي الاجتماعي في المجتمع القبائلي الجزائري؟
4. كيف تتدخل الشفرات الاجتماعية الثقافية كإطار تواصلي اجتماعي دلالي في بلورة خصوصية المجتمع القبائلي الجزائري؟
إن مجالات البحث العلمي تعددت وتنوعت، وقد نشأ عن ذلك ترابط بين العلوم المختلفة. مما طرح على الساحة الفكرية عديد النقاشات الايبستيمولوجية، حول منهجيات البحث في العلوم الاجتماعية والإنسانية. كما ترتب عليه استخدام أنواع متعددة من طرق البحث وإجراءاته2. إضافة إلى أن من أهم المشاكل التي تعيق تقدم أي علم، مشكلة المنهج، ذلك لأن كل علم، وكل مبحث له منهاجه الخاص به3. إذا، يكون الباحث مرغما على الحسم في خيار منهجي يكون الأقرب إلى الإجابة عن إشكالية البحث. لذلك، فإن اختيارنا تم من منطلق الاقتراب من المعاني التي تختزنها الشفرة الاجتماعية الثقافية - حلي - بالنسبة للمجتمع القبائلي الجزائري، من أجل تحديد الخصوصية التواصلية الاجتماعية لهذا المجتمع، وقد اعتمدنا تحقيقا لهذه الغاية المنهجية طريقة التحليل في الدراسات السيميولوجية.
الحلي القبائلية، وطبيعتها:
1. طبيعة الحلي القبائلية:
فن صناعة المجوهرات قديم جدا في جبال القبائل، وقد تم في القرن 19 إحصاء 130 ورشة لصناعة الحلي وتركيب الأسلحة. وقد بقيت مجموعة كبيرة من القرى، والمدن القبائلية تحافظ على صناعة المجوهرات إلى غاية يومنا هذا4. غير أن المراكز الصناعية الهامة قد شيدت في القرى الصغيرة، مثل: آيت لربعاء، ثوريرت ميمون، آيت لحسن، أغوني أحمد، ثوريرت الحجاج، وأخيرا في قرية «بني يني» التي أقيمت في أعلى قمة في جبال القبائل5.
في هذا السياق، تتكون الحلي القبائلية الفضية أساسا من الخيوط المفتولة؛ حيث تحدد دعائمها الخطوط المنكسرة، والأشكال الهندسية البسيطة، وفي بعض الأحيان يضاف إليها بعض من الخطوط المتموجة أو المكللة بالزهور أو الموشاة بكريات فضية تزيد من جمال زخرفة الخيوط المفتولة. كما توشى أيضا بالمرجان ذي اللون الساطع الذي يعكس لون الفضة الباهت. لكن لمعان لون طلاء الميناء الأزرق، الأخضر، والأصفر هو الذي يحدد طابع حلي القبائل، خاصة في منطقة «بني يني»6.
وفي القرية كما في المدينة تتزين العروس يوم الزفاف بكامل حليها التي اشتريت بفضل المهر الذي قدمه الخطيب لأسرتها، فالعروس تضع فوق رأسها وشاحا حريريا أسود، وأصفر اللون، وتعقده على جبينها كما تضع وشاحا آخر أسود اللون كعصابة فوق الوشاح الأول، ثم تتزين بالإكليل القطعة الأساسية، والهامة من بين الحلي. ويبلغ طول هذا الإكليل 74سم، وعرضه 26سم. وتعد هذه السعة فعلا مدهشة، ولذا تركت العروس مؤخرا هذه الحلية؛ لأنها مزعجة وباهظة الثمن. بالإضافة إلى هذا تلبس العروس رداء يدعى «ثملحفت» يمسك على الكتفين بأفزيمين عريضين مثلثي الشكل ومزخرفين بكل دقة بطلاء الميناء. وتمسك العروس وشاحها على الجانب بأفزيم صغير مستدير يدعى أذوير، يصنع عادة من قطعة نقدية فضية فيها دبوس7. كما تتزين العروس بأقراط الأذنين التي تدعى «لتراك» التي كانت توضع قديما في الطرف الأعلى من الأذن8، وقد اختفت منذ أوائل هذا القرن وعوضت بحلقة مزينة بمغلاق مرجاني أو مطلاة بالميناء، لأنها تحمل بسهولة9.
وتعتبر الأساور أكثر الحلي استعمالا، فالزوجة تحمل منها أعدادا كثيرة في كل ذراع، وهي أنواع منها ما يدعى أمشلوخ، وهو الأكثر انتشارا، ويزين بخيوط مفتولة، كما يطلى بالميناء والترصيعات المرجانية، ومنها ما يدعى الدح، وهو أكبر حجما من الأول، ويعتبر من الحلي القديمة والنادرة.
أما العقود فهي متنوعة جدا، فالسلاسل الفضية قد أدخل في تركيبها الأنواط، والمرجان، واللآلئ والعلب المطلاة بالميناء، والأيادي الفضية، والقطع النقدية. أما الخلاخل فمنحوتة، ومزخرفة ومطلاة بالميناء على جهة واحدة، وأقدم أنواع الخلاخل نجده ضيقا في جزئه المركزي، غير أن هذه الحلية تركتها النساء بسبب كبر حجمها10.
التحليل السيميولوجي لشفرة الحلي في المجتمع القبائلي:
- منطقة بني يني نموذجا-
تعد الحلي القبائلية كشفرة اجتماعية من وسائل تحديد موقع المرأة القبائلية ضمن جماعتها الاجتماعية، وتتدخل في تصنيفها اجتماعيا، وتشير إلى تراتبيتها في إطار مجتمعها. كما تشكل في الوقت ذاته، رسائل تواصلية بالغة الدلالة، رسائل اعتمدتها الجماعة الاجتماعية، وهو ما يجعلها رسائل مشفرة بالنسبة لسياق اجتماعي، وثقافي آخر. ومنه، تشكل الحلي القبائلية دلائل هوية تتميز بها المرأة خارج المجموعة، وداخلها.
في هذا الإطار، تعتبر منطقة «بني يني» بالقبائل الكبرى، من أشهر المناطق في صناعة الحلي الفضية القبائلية. إذ تتميز صناعة الحلي فيها بالبساطة والأصالة، التي تخبرنا عما اعتقده الأسلاف، وما اعتمدته المرأة القبائلية كدعائم اتصالية في تواصلها مع العالم الخارجي الذي قيد حريتها.
التحليل الخاص بمستويي التعيين والتضمين عند رولان بارث:
تقتضي عملية التحليل للأنساق الدلالية حسب مقاربة رولان بارث، المرور عبر مستويين في التحليل، المستوى التعييني الذي يتمثل في القراءة التعيينية السطحية، والمستوى التضميني الذي يهتم بالدلالات والإيحاءات المخفية.
1. ثافزيمث:thavzimth
القراءة التعيينية:
مشبك مدور من ناحية الوجه، من الفضة المطلية بالميناء، بمحيط قدره 22 سم. ويتميز هذا الشكل الدائري المسطح، بأن طلاء الميناء الذي يأتي عليه يكون مقطعا -القفا-. تتدلى من «الثافزيمث» أنواط عديدة «Pendeloques» بشكل رأس ثعبان، والمسمى بالأمازيغية «أقزو بزارم»، «ثابو حماسث» وبذرة الشمام «ايغيس أوفقوس». هذه الأنواط التي تتدلى تتموقع عند أطراف «الثافزيمث»، كما نجد أنها مشغولة في كلا وجهيها.توجد في مركز هذه الحلية حبة مرجان محاطة بأربعة مسامير مرجانية أخرى، إضافة إلى ثمان حبات فضية تنبعث منها ثمانية خطوط أخرى.
القراءة التضمينية:
- الحبة المرجانية الكبيرة المتموقعة في الوسط والمحاطة بالحبات الفضية الثمانية: رمز للشمس.
- ثمانية خطوط محددة للفصل بين كل دائرة وأخرى: هذه الخطوط دليل سيميولوجي يرمز لأشعة الشمس.
- الأنواط المتدلية:
1. أنواط إيغس أوفقوس: رموز لبذور الشمام
2. أنواط ثابو حماسث: دلائل سيميولوجية ترمز لحبوب الحمص11.
3. أقزو بزارم، رأس ثعبان: الثعبان هو رمز بعث الموتى، والخصوبة.
- الألوان: الأخضر، الأصفر، الأزرق، الأحمر: حيث نتحصل على كل لون بدمج مواد معينة مع بعضها بعضا، كما أن لكل لون رمزيته.
فاللون الأخضر، يرمز للزيتون، إلى الأرض، والخصوبة. كما يمثل لون القوة، والأمل12.
أما اللون الأصفر، فيرمز للشمس الممثل في الإله «آمون»، إذ يعبر عن ضوء الشمس الذي تنبثق منه الحياة. كما يعكس اللون الأصفر مفهوم الرمزية الكونية13.
اللون الأزرق، يرمز للسماء، وإلى الحماية، والخلود.في حين أن اللون الأحمر، يساعد على إبراز وإخراج الأشكال التي تزين المركز. إذ يرمز إلى لون النار، والدم.
لون الفضة الصافي، لكون معدن الفضة مادة بيضاء، فهو يرمز للصفاء، والنقاء والصراحة، على عكس ما هو عليه معدن الذهب الذي يرتبط بكل العيوب، والعلل نظرا للمعانه.
- المسامير المرجانية الخمسة: والتي ترمز إلى اليد الخامسة التي لها دور وقائي، وسحري؛ حيث يعتقد أنها تدفع العين الشريرة والحاسدة.
حسب اعتقادات أهل المنطقة، فإن شكل «الثافزيمث» الدائري يرمز لدورة الطبيعة «خريف، ربيع، صيف» لكي تكون المرأة سعيدة بأولادها على مدار السنة. كما ترمز الخطوط الثمانية الفاصلة بين كل دائرة وأخرى لأشعة الشمس المنبعثة من المسمار المرجاني الموجود في المركز، والذي يرمز للشمس، وبهذا فإن أشعة الشمس هم الأولاد الذين سيضيئون حياة أمهم.
من جهة أخرى، نجد أنه في كثير من المناطق القبائلية، يقوم الزوج بشراء هذه الحلية لزوجته، إذا رزق منها بولد - كما يمكن أن يتلقياها كهدية-، فهو يعبر عن مكانة المرأة. إذ يوضع، وبكل كبرياء على جبين المرأة؛ حيث تعلن للكل على أنها أعطت مدافعا للقرية.
فالذكر هو الفاعل الاجتماعي الوحيد القادر على ترسيخ مكانة الأم، وتعزيز مركزها في بيت زوجها، فالزوج عادة ما يتخذ من مسألة ميلاد البنات دون الذكور سببا كافيا للطلاق أو تعدد الزوجات. كما تجدر الإشارة، إلى أن «ثافزيمث» ذا الحجم الصغير قد يوضع في مناسبة ختان الطفل على صدره ليحتفظ بها لمدة شهر على ظهره14.
2. ثعصابث:tha’sabth
القراءة التعيينية:
شكل بربري للعصابة، التي تعني التاج في المدن. يبلغ علوها 16سم مع طول قدره 58سم. تتألف من خمس صفائح من الفضة المطلية بالميناء، والمزينة بأنواط «ايغيس أفقوس» و«ثابوحماسث»، تتصل فيما بينها بحلقات، وأنصاف كرات فضية. يعلو الصفيحة المركزية من هذه الصفائح الخمس شكل معين محاط بدائرتين، كما تحمل عند أطرافها شكل مثلثين مصحوبين بمشابك لأجل تثبيت حلية «ثعصابث».
القراءة التضمينية:
إن الأشكال المكونة لحلية «ثعصابث» وكذا ألوانها ذات دلالات، ومعان خاصة نوردها كالتالي:
- الدائرة: رمز للشمس أو القمر.
- المثلث: يرمز للجنس الأنثوي، وللجنس الذكري.
- المعين: يمثل المعين أو المجسم حسب بريل العضو التناسلي للأنثى، إذا فهو رمز أنثوي يجسد رحم الحياة. يعني باب عالم تحت الأرض، فهو يعني التبادلات بين السماء والأرض؛ أي ربط العلاقة بين عالمين، وبين جنسين15.
- الألوان: الأخضر، الأصفر، الأزرق، الأحمر: حيث نتحصل على كل لون بدمج مواد معينة مع بعضها البعض، كما أن لكل لون رمزيته.
فاللون الأخضر، يرمز للزيتون، إلى الأرض، والخصوبة. كما يمثل لون القوة، والأمل.
أما اللون الأصفر، فيرمز للشمس الممثل في الإله «آمون»، إذ يعبر عن ضوء الشمس الذي تنبثق منه الحياة. كما يعكس اللون الأصفر مفهوم الرمزية الكونية.
اللون الأزرق، يرمز للسماء، وإلى الحماية، والخلود.
في حين أن اللون الأحمر، يساعد على إبراز، وإخراج الأشكال التي تزين المركز. إذ يرمز إلى لون النار، والدم. لون الفضة الصافي، لكون معدن الفضة مادة بيضاء، فهو يرمز للصفاء، والنقاء والصراحة، على عكس ما هو عليه معدن الذهب الذي يرتبط بكل العيوب، والعلل نظرا للمعانه.
- الأنواط المتدلية:
1. أنواط إيغس أوفقوس: رموز لبذور الشمام.
2. أنواط ثابو حماسث: دلائل سيميولوجية ترمز لحبوب الحمص.
نقل إلينا ابن خلدون، بأن العصبة تدل على التحالف بين القبائل في حالة الحرب. كما أن ارتداء المرأة القبائلية للعصابة ليس دليلا، ورمزا فقط لجماعتها التي تنتمي إليها على أنها متزوجة؛ بل إشارة لباقي القبائل في حالة حدوث إغارة، فلا يقترب منها أحد. لكن نظرا لثقلها الذي يعيق أداء أعمالها اليومية يمكنها أن تعوضها بافزيمن. كما تؤكد رمزية هذه الحلية على معاني إخصاب المرأة، والسعادة التي ستغمر حياتها بأولادها التي تمثلها الأنواط المتدلية من «ثعصابث». كما صممت هذه الحلية في خمس صفائح فضية لتكون بمثابة تعويذة لإبعاد أي ضرر أو عين حسود.
3. السخاب:sekhab
القراءة التعيينية:
«السخاب» عبارة عن عجينة معطرة تستعمل لصنع العقود، ذات رائحة جذابة ومثيرة، يعتبر استعمالها ذا أغراض محددة عند المرأة القبائلية. عجينة «السخاب» تأتي قطعا صغيرة جدا بأشكال هرمية، ذات ثقوب في كل القطع، وكذا خيوط على شكل صفوف، وتتخلل هذه الصفوف مجموعة من أغصان المرجان، والقرنفل، والقطع الفضية، والعنبر الذي يعتبر من بين المكونات الأساس التي تدخل في صنع «السخاب».
القراءة التضمينية:
- العجينة الهرمية المثلثة الشكل: المثلث يستعمل كحرز ضد التأثيرات المضرة، فهو يجمع في القاعدة القوى الثلاث المتمثلة في الحكمة، القوة، والجمال. وعلى الجوانب التي تلتقي هي رعود وضوء. رمز مجرد يرمز للمياه، وللجنس الأنثوي16. أي الإخصاب.
- أغصان المرجان: يملك خصائص وقائية للونه الأحمر الذي يرمز للدم، والحياة، كما تنسب إليه القدرة على إبعاد العين الشريرة، فاتخذ كتعويذة «حرز» لتوقيف النزيف الدموي.
- قطع الفضة المغزلية: معدن الفضة مادة بيضاء، فهو يرمز للصفاء، والنقاء والصراحة، على عكس ما هو عليه معدن الذهب الذي يرتبط بكل العيوب، والعلل نظرا للمعانه.
تضع النساء القبائليات العازبات «السخاب» في كل سنة عندما يحين وقت قطف الزيتون، يشاركن في الطقوس التي تنظمها الجماعة؛ حيث تقوم النساء بقطف الزيتون، والشباب يتطلع عليهن خفية، ثم يختار كل شاب الفتاة التي أعجبته، ويتقدم لخطبتها. وما إن تخطب المرأة حتى يكون بإمكانها وضع «السخاب» لكن عند حضور خطيبها للبيت فقط، كما تضعه عند الزواج، وبحضور زوجها، ونجدها تؤكد على وضعه خاصة في الأشهر الأولى للزواج. تحرص المرأة القبائلية كل الحرص على صنع «السخاب» لكي تتأكد من أنها لم تنس المواد المطلوبة، فوضعها لكل هذه المواد سيضمن لها إمكانية التأثير على الرجل. فتثبت المرأة «السخاب» في رقبتها جيدا، وتحرص على أن يغطي كل الصدر، ويصل إلى غاية الخصر، وتضع وسطه أحيانا خامسة كبيرة لإبعاد العين الشريرة.
4. أفزيم:avzim
القراءة التعيينية:
مشبك مثلث كبير بالميناء المقطعة، 28سم*15سم، مشغول على كلا الوجهين؛ حيث يزين المرجان وجهه الأمامي. كما يتم تثبيت الملابس بواسطة المشابك عن طريق لسان «الأفزيم»، الذي تدور حوله دائرة شبه مغلقة يقرص فيها القماش.
القراءة التضمينية:
- لسان الأفزيم الذي تدور حوله دائرة شبه مغلقة يقرص فيها القماش: دليل سيميولوجي يرمز لإتحاد العضوين التكاثريين الذكري، والأنثوي؛ أي الإخصاب.
- الأشكال المثلثة: يستعمل المثلث كحرز ضد التأثيرات المضرة فهو يجمع في القاعدة القوى الثلاث المتمثلة في الحكمة، القوة، والجمال، وعلى الجوانب التي تلتقي هي رعود، وضوء.
وعندما نجد قمته موجهة للأعلى فهو يرمز للنار، وللجنس الذكري. أما إذا كانت القمة للأسفل. فذلك يرمز للمياه، والجنس الأنثوي. كما نجد شكل المثلثين يلتقيان في القمة، وهنا معناه التقاء الجنسين؛ أي أن هناك ربط علاقة بين نوعين أو جنسين. وإذا التقى مثلثان في قاعدتهما سيشكلان المجسم الذي يرمز للأنوثة.
- الألوان: الأخضر، الأصفر، الأزرق، الأحمر: حيث نتحصل على كل لون بدمج مواد معينة مع بعضها البعض، كما أن لكل لون رمزيته. فاللون الأخضر، يرمز للزيتون، إلى الأرض، والخصوبة. كما يمثل لون القوة، والأمل.
أما اللون الأصفر، فيرمز للشمس الممثل في الإله «آمون»، إذ يعبر عن ضوء الشمس الذي تنبثق منه الحياة. كما يعكس اللون الأصفر مفهوم الرمزية الكونية.
اللون الأزرق، يرمز للسماء، وإلى الحماية والخلود. في حين أن اللون الأحمر، يساعد على إبراز، وإخراج الأشكال التي تزين المركز. إذ يرمز إلى لون النار، والدم.
لون الفضة الصافي، لكون معدن الفضة مادة بيضاء، فهو يرمز للصفاء، والنقاء، والصراحة، على عكس ما هو عليه معدن الذهب الذي يرتبط بكل العيوب، والعلل نظرا للمعانه.
- المسامير المرجانية التي يحملها الأفزيم: دفعت ببعض الباحثين إلى تشبيه هذه الحلية بالقناع الإفريقي؛ إذ يمثل كلا المسمارين الواقعين على طرفي الصفيحة المثلثة عينا القناع في حين أن فمه يصور بالمسمار الواقع بوسط الأفزيم17.
من الناحية الرمزية فإن شكل «الأفزيم» وهو «المثلث» يرمز للجنس الأنثوي. كما تؤكد المعاني التي تحملها مختلف العناصر المكونة «للأفزيم» على مفهوم الإخصاب؛ إذ يرمز كل من اللسان، والحلقة المتمثلين في مغلاق الحلية إلى اتحاد العضوين التكاثريين الذكري والأنثوي، في حين أن مكوناته الأخرى تصور جسم المرأة بحيث ترمز المثلثات الصغيرة المتواجدة على حوافها العلوية للقسم العلوي من جسمها، أما المسامير المرجانية، فيمثل العلويان منهما ثديي المرأة في حين أن المسمار السفلي يرمز إلى رحمها الذي تتفرع منه مجموعة من الأشكال المطلية بألوان الميناء الحاملة لمعاني إخصاب هذا الجزء.
5. إفزيمن:ivzimen
القراءة التعيينية:
غالبا ما يتكون «الإفزيمن» من مثلثين عند دمجهما نتحصل على معين. يثبتان على الصدر من الجهة اليمنى، واليسرى متصلين بسلسلة تتوسطها علبة بداخلها حرز، في أغلب الأحيان تتدلى منها أنواط من نوع «ثيكفيسث»، وتتكون السلسلة من عناصر زخرفية رائعة الجمال.
وفي معظم الأحيان تأتي الزخارف الداخلية التي تزين العلبة على شكل زهرة، وتكون الزهرة مشكلة من أربعة قلوب متقاربة فيما بينها. كما يلاحظ وجود خطين منبعثين من الزهرة، واحد عمودي والآخر أفقي، ليشكلا صليبا.
القراءة التضمينية:
- الأشكال المثلثة: دلائل سيميولوجية ترمز للعضو التكاثري الذكري، والأنثوي.
- العلبة المربعة: دليل سيميولوجي يرمز للأرض، ولبيت الزوجية.
- الألوان: لكل لون رمزيته،
1. اللون الأزرق: دليل سيميولوجي يرمز للسماء، وإلى الحماية والخلود.
2. اللون الأخضر: دليل سيميولوجي يرمز للزيتون، إلى الأرض والخصوبة.كما يمثل لون القوة والأمل.
3. اللون الفضي: دليل سيميولوجي يرمز للصفاء، ولقوى كوكب القمر. لكون معدن الفضة مادة بيضاء، فهو يرمز للصفاء، والنقاء والصراحة، على عكس ما هو عليه معدن الذهب الذي يرتبط بكل العيوب والعلل نظرا للمعانه.
4. اللون الأصفر: دليل سيميولوجي يرمز للشمس الممثل في الإله «آمون»؛ إذ يعبر عن ضوء الشمس الذي تنبثق منه الحياة. كما يعكس اللون الأصفر مفهوم الرمزية الكونية.
أنواط ثيكفسيث: رمز لنبتة تنمو بجبال جرجرة.
- الأشكال الزهرية الشبيهة بالشمس: دلائل سيميولوجية ترمز لحرارة الشمس المخصبة.
- الأشكال القلبية: رموز لرجل طير الحجل «ثاسكورث».
- الصليب: يرمز إلى الأرض18.
جاءت هذه الحلية في شكل مثلثين أحدهما يرمز للجنس الأنثوي، والآخر للجنس الذكري، وعندما ندمج المثلثين نتحصل على معين، الذي يرمز للخصوبة، فالمرأة ستدخل في إطار الخصوبة. يربط المثلثان بسلسلتين تلتقيان في علبة مربعة الشكل ترمز للبيت، وهذه العلبة عبارة عن تعويذة يوضع بداخلها نص من القرآن أو تركيبة مكتوبة19، تضعه المرأة لكي تحمي بيتها. تتدلى من هذه العلبة الأنواط التي تمثل ثمار اتحاد هذين المثلثين أو الزوجين المتمثل في الأطفال. ليتبرك بثيكفيسث لما لها من قوة في التضاعف20.
من النماذج اللغوية التي ارتقت إلى غاية تطبيقها في تحليل، واستنطاق مضامين الأنساق غير اللفظية ودلالاتها، ألفينا مقاربة رولان بارت. والتي حاولنا من خلالها التحليل الدلالي والسيميائي لمختلف رموز الحلي القبائلية المعتمدة كمفردات بحث. وقد استأنسنا ببعض النماذج على سبيل المثال وليس الحصر.
خاتمة:
اتضح لنا من خلال الدراسة المقتضبة أن الحلي القبائلية تمثل مجموعة فريدة من نوعها؛ إذ تجسد أمثلة لفن شعبي أصيل، يعكس انشغالات، ومعتقدات سكانها، وتؤرخ لماضيهم، وتترجم معاناة وأفراح الأفراد الذين صنعوها. فهي بصورتها الجمالية الجذابة لها القدرة على أن تعكس معطيات الواقع.
كما تبين أن كل حلية تعتبر نظاما سيميولوجيا يحتوي على مجموعة من الوحدات كل وحدة تأخذ معنى معين عند تقابلها مع باقي الوحدات. إذ تتشكل من رموز متنوعة كل رمز له معنى، يرتبط بالسياق الاجتماعي.
الحلي تجسد أمثلة لفن شعبي أصيل؛ لأنها تعكس مباشرة تصورات، وإحساسات مجالية وزمانية متماشية مع أسلوب حياة محدد.
أهمية الحلي، ومرافقتها لمختلف المراحل الحياتية للمرأة القبائلية؛ حيث تحرص هذه الأخيرة على وضعها؛ أي الحلي، في مختلف انشغالاتها اليومية، وكذا في المناسبات.
إن الحلي القبائلية تشكل دعائم تواصلية لجأت إليها المرأة القبائلية في تواصلها مع العالم الخارجي، خاصة الرجل، من منطلق الوسط القبلي المغلق الذي قيد حريتها.
أيضا تعرفنا من خلال فحوى هذه الدراسة، إلى أن وضع المرأة القبائلية للحلي كدلائل هوية لانتمائها لمجموعة معينة، لا يتوقف عند هذا الحد أو المعنى؛ بل تحاول تبيان مكانتها، ووضعها الاجتماعي داخل المجموعة. فالعازبة، والمخطوبة، والمتزوجة لها حليها الخاصة التي تميزها مجموع الأشكال، والألوان، التي اعتمدت دلالاتها الجماعة الاجتماعية.
تميز الحلي الفضية التي تضعها المرأة القبائلية عن باقي حلي النسوة الأمازيغيات؛ حيث تشكل دلائل هوية تستعملها المرأة القبائلية كإشارات، والتي نتعرف من خلالها على انتمائها إلى مجموعة التي تعتبر المنظم الحقيقي لدلائل الهوية.
للحلي القبائلية التي تضعها المرأة، دور وقائي وسحري، مثل: حلي الطلسم، والمرجان الذي نجده بكثرة في الحلي القبائلية؛ إذ لديه قيمة وقائية وهي قدرته على إبعاد العين الشريرة. وتبيان مدى تمسك المرأة القبائلية باعتقادات وأساطير منطقتها، كوضعها للخامسة لإبعاد العين الشريرة، وكذا وضعها للخلخال والطلسم «الحرز» كتعويذة.
تستعمل الألوان لإبراز الأشكال، والرسومات المرغوب تجسيدها على الحلية، وهي مستمدة من الطبيعة بالدرجة الأولى، وكذا ميولات القرى، وصناع الحلي.
ترتبط الألوان الموجودة في الحلي القبائلية بما يوجد في الطبيعة من كواكب ونبات.
إن الحلي القبائلية مشبعة بالرموز التي استلهمها الإنسان من الطبيعة. خاصة، وقد كان يعيش في خوف، وقلق دائمين من هذا العالم المجهول، لهذا أخذ من جسمه والمعادن ترجمة لرموز بغية التقرب من القوى ما فوق طبيعية واسترضائها.
كما تتميز الحلي القبائلية بصفات عديدة عن باقي الحلي الجزائرية الأخرى، من حيث تقنية طلاء الميناء، زخرفتها المهذبة والرائعة، حجمها، وكذا شكلها. مما يعكس خصوصية تنفرد بها عن حلي الجزائر عامة، والأمازيغ خاصة.
إن منطقة القبائل أنتجت طبقا لتقاليدها الفنية، والتقنية حليها الخاصة.