فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
66

قراءة في كتاب طقوس الخصوبة في التراث الشعبي «قرى الصعيد نموذجا» للباحث أشرف أيوب

العدد 66 - فضاء النشر
قراءة في كتاب  طقوس الخصوبة في التراث الشعبي  «قرى الصعيد نموذجا» للباحث أشرف أيوب
كاتب من مصر

 

مقدمـة:

 تحمل الثقافة الشعبية في صعيد مصر، الكثير من الموروثات الإنسانية التي تمتد إلى مئات الأعوام، فقد عرف الصعيد الطقوس الشعبية في الأفراح والأحزان، والخصوبة والزواج والطلاق والطهور، ... وغيرها، فتوارثتها الأجيال جيلا بعد جيل . وتحتفظ القرية المصرية في الصعيد بالكثير من هذه الطقوس التي تحولت إلى عادات وتقاليد وأعراف شعبية صارت بمثابة القوانين التي تتحكم في تصرفات البشر . بل صارت أيضا أكثر تأثيرا في الوعي الجمعي الشعبي في الصعيد، تجلى ذلك في كتاب «طقوس الخصوبة». فقد صدر عن سلسلة الدراسات الشعبية بالهيئة العامة لقصور الثقافة/ القاهرة/2022، دراسة لافتة في حقل الثقافة الشعبية للباحث المصري أشرف أيوب معوض بعنوان«طقوس الخصوبة». 

منهج الكتاب:

يعتمد المؤلف في كتابه على المنهج الوصفي، وإجراءاته العلمية كالتحليل والتأويل، مستخدما العينة من قرى محافظة سوهاج بصعيد مصر، مستعينا بالإخباريين الذين قطنوا هذه القرى منذ مئات السنين وتوارثوا هذه الطقوس عن آبائهم وأجدادهم حيث جاء الكتاب في مقدمة، وستة فصول، وخاتمة، ويعد هذا الكتاب هو الكتاب الثالث للباحث أشرف أيوب معوض المتخصص في التراث الثقافي الشعبي غير المادي المصري بعد صدور كتابين له من قبل حول الثقافة الشعبية القبطية، والموالد القبطية، «مولد الأنبا شنودة نموذجًا». 

بين النظري والتطبيقي:

يعتمد أشرف أيوب في كتابه طقوس الخصوبة على الحفر في تشكلات الثقافة الشعبية في صعيد مصر، وخاصة قرى محافظة سوهاج بصعيد مصر، محاولا الوقوف على تأصيل النظري والتطبيقي للطقوس الشعبية في الجنوب، بدءا من عصر الأساطير الفرعونية وحتى اللحظة الراهنة التي نعيش فيها، حيث تمارس المجتمعات في صعيد مصر بعض العادات والتقاليد القديمة متمسكة بطقوسها وممارستها اليومية في كل مناسباتها الخاصة، فيقوم الكاتب بربط هذه الطقوس بأسطورة إيزيس وأوزوريس في إشارة لافتة إلى استمرارية الحضارة المصرية القديمة بوصفها عمق المخزون، الثقافي، و الفكري، والحضاري، والتاريخي.

المرأة و طقوس الخصوبة:

 يقدم الباحث أشرف أيوب مصطلح «طقوس الخصوبة» من خلال الممارسات التي تلجأ إليها المرأة في محافظة سوهاج بصعيد مصر ؛ بغرض تحقيق أمنياتها وهي الإنجاب وكذلك حل المشكلات المتعلقة بها، ويرجع سبب عدم إنجاب المرأة أو تعطلها أو تأخرها إلى ما يسمى بالكبسة ،أو المشاهرة «عند دخول أحد أشخاص على المرأة وهي في حالات معينة عروسة، واضعة فطمت طفلها حديثًا» دون أن ترى هلال الشهر العربي الجديد. ويرى في مجتمع البحث أن هناك أشخاصا، بعينهم من شأنهم أن يحدثوا الكبسة عند دخولهم على المرأة. ويعرض مجموعة من طقوس حماية المرأة، وكذلك طرق فك الكبسة، بهدف أن تكون المرأة، قادرة على الإنجاب، فتبدأ بممارسة بعض الطقوس الموروثة عبر الزمن. فيؤكد أيوب في مقدمة كتابه أن الكثير من العادات والمعتقدات والسلوكيات التي نمارسها في عصرنا الحديث ليست سوى امتداداً لمعتقدات بدائية قديمة. حيث بدأ المؤلف البحث في عاداتنا وطقوسنا الشعبية وربطها بالمعتقدات والأساطير المصرية القديمة، حتى تبين أن الكثير من العادات والتقاليد التي كان يمارسها المصريون القدماء لا تزال باقية إلى اليوم كالاعتقاد في السحر، وفنونه، وقدرته على النفع والإيذاء والتحبيب، والتفريق، واستخدام الدمى التي تخرق بالدبابيس وتحرق بالنار، وتقلد التمائم والأحجبة والتعاويذ، وتعليق البصل في الأعياد واستخدام طاسة الخضة، والوصفات الطبية، والاعتقاد في القديسين والمشايخ المحليين، والاحتفال بوفاء النيل وشم النسيم وتقاليد الزواج والولادة والرضاعة، والعادات المتعلقة بالحزن والوفاة والاعتقاد بأن روح المتوفى تعود إلى القبر في أيام الطلعة لرؤية الأقارب والأحباب، فكل هذه العادات لها مثيلاتها في مصر القديمة . فتمثل الطقوس القديمة المرتبطة بالخصوبة تحديدا موروثا شعبيا ممتدا عبر الزمان والمكان في مصر القديمة وحتى يومنا الراهن في ظل ممارسة العادات الطقسية نفسها في القرية المصرية بشكل خاص، حيث يقول المؤلف أن «استمرارية الحضارة المصرية القديمة، في وجداننا تمثل بعدا شعبيا وجوهريا في كل معتقدات التراث الشعبي، حيث يلجأ الكاتب إلى قراءة متون الأهرام وما هو مدون على جدران المعابد ما فعلته إيزيس كي تستعيد زوجها المتوفى، إذ حلقت فوق جثته، ورفرفت بجانحيها، فبعثت فيه الحياة، فاستطاع أن يخصبها، فجعلها تحبل».

محتويات الكتاب.

جاء كتاب طقوس الخصوبة في مقدمة وستة فصول وخاتمة، جاء الفصل الأول بعنوان مفاهيم نظرية، وقف الكاتب عند بعض المصطلحات النظرية المرتبطة بالتراث الشعبي، ومنها المعتقدات الشعبية، قدم مفهوما لها من منظور اجتماعي وثقافي فيقول : المقصود بالمعتقدات الشعبية هي التي يؤمن بها الشعب فيما يتعلق بالعالم الخارجي والعالم فوق الطبيعي وما إذا كانت هذه المعتقدات قد نبعت من نفوس أبناء الشعب عن طريق الكشف أو الرؤية أو الإلهام، وأنها كانت أصلا معتقدات دينية إسلامية أو مسيحية، حيث تصبح المعتقدات الشعبية هي خبيئة في صدور الناس، وهي لا تلقن من الآخرين ولكنها تختمر في صدور أصحابها وتتشكل بصورة مبالغ فيها أو مخففة، يلعب فيها الخيال الفردي دوره ليعطيها طابعا خاصا . ثم يؤسس المؤلف لمصطلح الشخصيات المسببة للمشاهرة، فقد طرح مجموعة من الصور لهذه الشخصيات مثل (القادم من المدافن، أو من شارك في واجب العزاء، القادم من السوق ويحمل معه لحما نيئا، أو باذنجانا أسود، القادم ويكون حالقا ذقنه حديثا، رجل أو امرأة ترتدي ذهبا، امرأة تكون عليها الدورة الشهرية . 

مفاهيم ومعتقدات وطقوس:

 يطرح الكاتب مفهوم الطقوس الشعبية فيقول: «الطقس هو مجموعة من الإجراءات والحركات التي تأتي استجابة للتجربة الدينية الداخلية»، وتهدف إلى عقد صلة مع العوالم القدسية، ولعل الموسيقى الإيقاعية والرقص الحر كانا أول أشكال هذا السلوك الطقسي التلقائي الذي تحول تدريجيا إلى طقس مقنن تجري تأديته وفق قواعد مرسومة، وقد ترافق تقنين الطقس وتنظيمه من خلال معتقدات واضحة تؤمن بها الجماعة. ومن الملحوظ أن هناك فرقا واضحا بين المعتقد والطقس، فإذا كان المعتقد حالة ذهنية، فالطقس حالة فعل من شأنها إحداث رابطة، وإذا كان المعتقد مجموعة من الأفكار المتعلقة بعالم المقدسات، فإن الطقس مجموعة من الأفعال المتعلقة بأسلوب التعامل مع ذلك العالم . وجاء الفصل الثاني، بعنوان طقوس الخصوبة، حيث ارتكز المؤلف على التأسيس لمصطلح الخصوبة وعلاقتها بالطقس، فيقول: إن مصطلح طقوس الخصوبة في مجتمع البحث (سوهاج/ صعيد مصر) هي تلك الممارسات الشعبية التي تلجأ إليها المرأة التي لا تنجب أو التي توقفت عن الإنجاب، أو لديها مشكلات متعلقة به، كالرضاعة الطبيعية وغيرها. وتسمى هذه الممارسات بالخرافات الشعبية الموروثة منذ القدم، ومن هذه الممارسات على سبيل المثال (الذهاب إلى المقابر، أو أن تخطو المرأة العقيم الخشبة التي يحمل عليها المتوفى، الدحرجة من فوق الجبال، المرور في حقل باذنجان أسود، اللجوء إلى السحر لفك العمل/ السحر). ثم يطرح الكاتب أشكال بعض الطقوس الموروثة لفك الكبسة والمشاهرة، فالكبسة هي ضرر أو أذى يصيب المرأة عموما في مراحل معينة من دورة حياتها العمرية (طفلة، عروسة، أم) في أوقات ختانها أو زفافها، أو إنجابها وأحيانا في وقت فطامها لمولودها.. 

جاء الفصل الثالث بعنوان، إيزيس والخصوبة، حيث يلجأ المؤلف إلى الوقوف على العلاقة الأزلية بين الأسطورة والخصوبة، مستدعيا أسطورة إيزيس وأوزوريس، فقد اهتم الفراعنة القدماء بالخصوبة والإنجاب، والزواج المبكر، ويرجع ذلك إلى أن مصر بلد زراعي منذ فجر التاريخ، حيث اهتم الفلاح المصري بضرورة الزواج وكثرة الإنجاب حتى يساعده أبناؤه في أعمال الزراعة والبناء وغيرها. حتى صار الإنجاب هدفا للعلاقة الزوجية بالأساس. ويدلل المؤلف على ذلك بأسطورة إيزيس وأوزوريس، وكيف قامت إيزيس بالبحث عن زوجها كي تنجب منه إلها كي يحكم البلاد. ثم جاء الفصل الرابع بعنوان: السحر وطقوس الخصوبة، فيطرح أشرف أيوب، العلاقة بين السحر والخصوبة، ويرصد بعض ممارسات السحر في قرى محافظة سوهاج بصعيد مصر، ومنها طقة السبحة وهي عبارة عن سبحة حباتها من قطع الخشب يملكها أحد الأشخاص حيث تذهب المرأة المتوقفة عن الإنجاب إلى الشيخ مالك السبحة وتجلس أمامه ويسمح لحبات السبحة أن تسقط واحدة تلو الأخرى فوق بعضها، فتحدث صوتا (طق). والمغزى من الأمر أن حبات السبحة تنزل فوق بعضها هكذا الأولاد سوف يأتون واحدا تلو الآخر. ومن الممارسات الأخرى عروسة الحنة، ولبن الفطام حيث تبل قطنة من لبن الفطام وتخطو عليها سبع مرات، ثم طريقة ربط العريس. أما الفصل الخامس جاء بعنوان البركة، وطقوس الخصوبة، ويطرح المؤلف من خلاله علاقة الأماكن المقدسة بالخصوبة، سواء أكانت هذه الأمان خاصة بالعقيدة المسيحية أو الإسلامية، مثل المساجد أو الكنائس والأديرة، والأضرحة الخاصة بالأولياء والقديسين،.. وغيرها. حيث تذهب المرأة إلى زيارة هذه الأماكن التي أكسبها الناس قدسية معينة مثل حجر معين أو بئر معينة أو نخلة بعينها، رغبة في الحمل والإنجاب، وتعقد المرأة بين الولي وبينها نذرا إذا تحقق هدفها من زيارته، وجاء الفصل السادس بعنوان التخطي، والطواف حول الأشياء، مثل الدوران حول قمينة الطوب التي كانت تنتشر في القرى لصناعة الطوب الأحمر حيث تبنى القمينة، بوضع الطوب اللبني فوق بعضه على هيئة مكعبات ويصل طولها، وعرضها وارتفاعها ثلاثة أمتار في كل جهة، وتحتوي ما يقرب من عشرة آلاف قالب طوب ويرش السولار من الداخل أثناء وضع الطوب وخارجها، ثم تشعل النيران فيها لمدة ثلاثة أيام . فيتحول الطوب اللبن إلى طوب أحمر يصلح لبناء المنازل . ثم يطرح أيوب ممارسة أخرى وهي التخطي على بعض الحيوانات. أن تخطو المرأة فوق السلحفاة، أو على حيوان (الورن)، أو البومة وغيرها. أو الكلبة المنجبة حديثا أو الحمار والحصان . 

الخاتمـــة :

ثم جاءت الخاتمة لترصد النتائج التي توصل إليها البحث، حيث يذكر أيوب أن معظم الممارسات المرتبطة بطقوس الخصوبة هي ممارسات فرعونية قديمة ممتدة، وقد صارت شكلا من أشكال الموروث الثقافي لدى المصريين وبخاصة في محافظة سوهاج بصعيد مصر وهي تمثل العينة البحثية التي اعتمد عليها أشرف أيوب في كتابة بحثه واختبار فروضه العلمية . كما توصل أيضا إلى التنوع الثقافي والمعرفي لدى المصريين من خلال تحويل مثل هذه الطقوس من مجرد خرافات إلى عقيدة ثقافية تسهم في تشكيل وعيهم وعلاقتهم بالحياة . 

 

أعداد المجلة