فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
66

فن الرقص الشرقي وجاذبيته الفريدة في التراث الثقافي

العدد 66 - موسيقى وأداء حركي
فن الرقص الشرقي  وجاذبيته الفريدة في التراث الثقافي

 

توطئة:

إن الكتابة عن الرقص الشرقي أكاديميا ليست من السهولة بمكان، نظرا لندرة المراجع التي يمكن الرجوع إليها أو الاقتباس منها نظرا للتهميش العلمي المقصود والغير مقصود في المجتمعات العربية والناتج عن الإرث الثقافي للخلط بين مفاهيم أشكال التعبير الحركية التي يختلف معناها الضمني من مجتمع لآخر. الأمر الذي أدى إلى عزوف الكثير من متخصصي الرقص الناطقين باللغة العربية عن الخوض في كتابة أبحاث علمية تصبح مراجع متخصصة يمكن الارتكاز عليها لهذا الشكل من الأداء الحركي، مع ترك التحدث والكتابة عن هذا الفن لغير المتخصصين يدلون بدلوهم ويبرزون أفكارهم كما لو أنها الحقيقة المطلقة التي لا رجعة فيها أو حتى تنقيحها من قِبل المتخصصين إن كانت على صواب أو خطأ. وعلى النقيض، أصبح هناك الكثير من الأفرع التي تدرس هذا الفن عمليا ونظريا داخل الكثير من المعاهد والأكاديميات المتخصصة في فنون التعبير الحركي تحت مسمى «الرقص الشرقي» في معظم الدول الغربية وأمريكا وشمال آسيا. كما أصبحت هناك دراسات عليا سوف تنتج لنا متخصصين أكاديميين قريبا وسيكون لهم أثر في هذا الفن الذي تلفظه أرضه ومجتمعاته تحت الادعاء الخاطئ بالخلاعة والمجون والابتذال. ومع ذلك، هناك الكثير من المراجع العربية التي تشير إلى هذا الفن بمعناه ومضمونه الصريح بعيدا عن مصطلح «الرقص الشرقي» قد استخدم الباحث بعضا منها. كما استخدم أيضا علمي السيميائية والكنسيولوجي في تحليل أشكال التعبير الحركي في التوصل لإنهاء هذه المقالة البحثية.

مقدمة:

كثيرا ما نشاهد ونقرأ كتابات ومقالات عن الرقص الشعبي، ولكن القليل منها متخصص مع أن هذا الشكل من فنون الأداء الحركية ارتبط مع الإنسان منذ بدايات ظهوره على الأرض، ذلك لأن التعبير الحركي كان هو اللغة الأولى التي استخدمها الجسد لقدسيته الخاصة في التعبير عن مشاعر وأحاسيس الإنسان، الأمر الذي جعل الكثيرين يعتقدون أنه من السهولة التحدث عنه وشرحه بكل بساطة، هذا بالإضافة إلى سهولة استخدامه كأحد طرق التواصل للتعبير عن الفِكر الجمعي داخل فئات المجتمع المختلفة عند التعبير بحركة إيقاعية ما باستخدام جزء أو عدة أجزاء من الجسد لتوصيل معنى ضمني لهذه الفئة أو تلك داخل المجتمع، مما جعل أشكال الحركات الراقصة تشير في مضمونها إلى عملية إرسال واستقبال كما لو أنها ذاتية الأداء، نظرا لأن مؤديها لا يتوقعون قبل أدائها إذا ما كان مشاهدوها سوف يفهمونها أو لا. إن هذه الأشكال الحركية الراقصة تتكون إما من مجرد حركة واحدة بسيطة أو عدة حركات مجمعة معا لذات المعنى، تنتج عن تحرك جزء أو عدة أجزاء من الجسد تقابلها صور ذهنية إما ثابتة أو متحركة، مخزنة في عقل مشاهديها، وهذه الصور الذهنية قد جُمعت في أذهان فئات المجتمع من خلال خبراتهم الحياتية التي اكتسبوها من خلال نوع العمل، والتعامل مع بعضهم البعض في حياتهم، وحتى طرق الحوار واللغة المستخدمة ... إلخ، وأثرت في حياتهم مما جعلها تُخزن وتُطبع داخل أذهانهم، فعندما تتقابل الصورة البصرية المرئية الثابتة أو المتحركة مع أحد الصور الذهنية المخزنة ويحدث بينهما تطابق، ينتج عنهما دمج يؤدي إلى فهم المعنى أو المضمون من الشكل الحركي لهذه الصورة البصرية. وبتتابع الصور البصرية، الواحدة تلو الأخرى يتكون في ذهن المشاهد أثناء مشاهدته تشكيلات حركية يُطلق عليها تعبير حركي، وعند ارتباط هذا التعبير الحركي بإيقاع واضح منتظم، يُطلق عليه رقصات شعبية، نظرا لارتباطها بشعوبها التي تؤديها. إن هذه الرقصات الشعبية أصبحت شكلا من أشكال القوى الناعمة والتمثيل الدبلوماسي في تقديم الفئات داخل المجتمع أو المجتمعات أو حتى الشعوب لبعضها البعض في عصرنا الحالي. ولأن الحياة مرتبطة بإيقاعها المنتظم الذي بدونه تنتهي هذه الحياة، لذلك نجد أن الرقص الشعبي ارتبط ارتباطا وثيقا بهذا الإيقاع المتمثل لفئته داخل المجتمع، حيث التشكيلات التعبيرية الحركية السريعة أو البطيئة، متأثرة بجغرافية وبيئة وثقافة أهلها داخل أسلوب حياتهم العامة والخاصة. كما نجد أن فئات المجتمع يختار أفرادها وينتخبون أشكال حركاتهم الراقصة للتعبير عن ذاتهم من خلال اختيار أدق تشكيل حركي يمكن تقديمه في أقل وقت أدائي على أوضح إيقاع مرتبط بنوع اللغة المنطوقة التي يستخدمونها. فكلما كانت اللغة المنطوقة شديدة السهولة في الوصول للمعنى المراد منها، كان شكل التعبير الحركي شديد التجريد والعكس صحيح. وهنا نجد الفارق بين الرقص الشعبي والرقص الرسمي، حيث أن الأخير يرتبط باللغة المكتوبة المرتبطة بالأسس والقواعد اللغوية البعيدة عن اللسانيات. ولن نغفل في هذا الصدد مدى الملل الذي أحيانا ينتاب المشاهد الغريب عن الفئة أو الجماعة التي تؤدي رقصاتها الشعبية نظرا لتكرار خطواتهم التعبيرية لفترات طويلة أثناء الأداء، والتي سببها الرئيس هو التأكيد على المعنى الضمني لهذه الخطوات داخل الفئة، والمرتبط بالفكر الجمعي في ثقافتهم الشعبية. كما لن نغفل أشكال التعبير الحركي الأساسية والمشهورة عالميا، مثال أشكال حركات الأيدي التي تشير إلى الحب والعشق والرفض والاحتياج والشكر والعفو وطلب العون ... إلى آخره من أشكال هذه الحركات التي تستخدم ضمن التعبير الحركي للإنسان في جل المجتمعات. ومن المدهش أن الدور الأكبر في اختيار وانتخاب أدق أشكال التعبير الحركي الجمالي للجسد والمرتبط بمشاعر وأحاسيس الإنسان الداخلية يرجع معظمه إلى المرأة ومدى رشاقة جسدها في توصيل المعنى والمضمون من خلال الأشكال الحركية التجريدية التي تؤديها. الأمر الذي ساعدها دوما في ابتكار الكثير من التشكيلات الحركية ذات الدلالات الخاصة. كما ساعدها ذلك في ابتكار شكل من أشكال الرقص أخذ مكانا ملحوظا على عرش فنون الأداء التعبيرية الحركية لجمال ودلال تشكيلات حركاته التي كان ولا يزال لها بريقها الخاص وانفردت به المرأة داخل فنون الأداء التعبيرية الشرقية. وقد أُطلِق حديثا على هذا الشكل التعبيري مصطلح «الرقص الشرقي» نظرا لارتباطه بدلالات حركاته النابعة من المجتمعات الشرقية، حيث أنه لا يوجد أي ذكر لهذا المصطلح في أي من المراجع القديمة التي تحوي ذِكرا لمعظم أنواع الرقصات التي كانت مشهورة قديما ولكن بها إشارات للمعنى منه فقط. 

مصطلح الرقص الشرقي:

إن مصطلح «الرقص الشرقي» يعد ضمن المصطلحات غير المعروفة المصدر ولكنه وبكل الأحوال يحوي شمولية المعنى والمضمون. يشير مصطلح «الرقص الشرقي» عمومًا إلى فنون الرقص التقليدية في المناطق الشرقية من العالم، وهو مصطلح يُستخدم لوصف تلك الأشكال المحددة للرقص التي انبثقت من تقاليد ثقافية في مناطق مثل الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وشمال أفريقيا وبعض المناطق الآسيوية شمالا، حيث نجد نساء كل مجتمع من هذه المجتمعات استطعن وضع بصمة تراثية حركية داخل تشكيلاته الحركية التعبيرية عبر التاريخ مما أضفى جمالا حركيا شرقيا بامتياز. ولا يوجد تاريخ محدد لظهور مصطلح «الرقص الشرقي»، حيث كانت الفنون الراقصة تتطور وتتشكل على مر العصور كجزء من التقاليد الثقافية لهذه المناطق، كما يمكن أن يكون استخدام مصطلح «الرقص الشرقي» قد تطور بمرور الوقت ليصف هذا النوع من الرقص على نطاق أوسع، وقد أصبح شائعًا في العصور الحديثة للإشارة إلى أسلوب معين من الرقص يتميز بالتأثيرات الشرقية. ويتم استخدام المصطلح «Oriental dance» و«Belly dancing» في اللغة الإنجليزية وغيرها من اللغات للإشارة إلى نوع محدد من الرقصات التي تعبر عن التراث والثقافة الشرقية. كما يُشير المصطلح إلى تنوع فنون الرقص في هذه المناطق ويشمل العديد من الأساليب المختلفة، مثل الرقص الشرقي العربي، والرقص الهندي، والرقص التركي، والرقص الشعبي لإحدى الأمم الصينية والواقعة جهة الشرق، والعديد من التقاليد الأخرى التي تمتاز بسمات فريدة تعكس الهوية الثقافية لكل منطقة. ويعود تاريخ وظهور المصطلح إلى تطور اللغة والثقافة وكيفية تفاعل الناس مع تلك الفنون الراقصة على مر العصور. إن مصطلح «الرقص الشرقي» يعتبر تسمية عامة لمجموعة واسعة من التقاليد الحركية الراقصة التي ازدهرت في المناطق الشرقية، وهو مصطلح يستمر في الاستخدام لوصف تلك الفنون المميزة والمتنوعة.

يعتبر الرقص الشرقي فنًا يتجاوز حدود الزمان والمكان، حيث يحمل في طياته تاريخًا عظيمًا يمتد عبر الحضارات والثقافات الشرقية. كما يعد هذا الفن الساحر مرآةً تعكس تنوع العالم الشرقي وتفرد تقاليده، فهو ليس مجرد مجموعة من الحركات، بل هو لغة فنية تحكي قصصًا عميقة عن الهوية والعاطفة الإنسانية. وتأتي قيمة الرقص الشرقي من تلازم الإيقاع والجسد، حيث يتناغم الراقص مع اللحن والإيقاعات بتناغم يشبه الحوار بين الروح والموسيقى. ومن خلال هذا الفن، يعبر الفرد عن مشاعره وآماله بشكل يتجاوز حدود اللغة المقروءة أو المنطوقة. إن الرقص الشرقي ليس فقط مصدرًا للترفيه، بل هو أيضًا عبارة عن رحلة ثقافية تأخذنا في رحاب التاريخ، حيث تمتزج التقاليد بالحداثة لتخلق تجربة فنية فريدة.

تطور الرقص الشرقي:

شهد الرقص الشرقي تطوراً مستمراً على مر العصور، حيث تأثر بالتقاليد والتطورات الثقافية والاجتماعية. من خلال فترات التاريخ المختلفة، حيث شهد الرقص الشرقي تأثيرات من الشرق والغرب، مما أضاف إليه طيات جديدة وأبعاد فنية، وينقسم تطور الرقص الشرقي إلى عدة فترات:

 - الفترة الكلاسيكية: خلال العصور الوسطى، أسهمت الفترة الإسلامية في تطوير فن الرقص في المناطق الشرقية، وقد تأثر الرقص بالعديد من التقاليد الثقافية والدينية، وظهرت الرقصات التقليدية التي اعتبرت جزءًا من التراث الشرقي.

 - الفترة العثمانية: تطور الرقص الشرقي بشكل كبير، حيث تأثر بتقاليد مختلفة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأصبح الرقص جزءًا لا يتجزأ من الحياة الاجتماعية والثقافية، وظهرت في هذا الوقت العديد من الأنماط المميزة بسبب جلب الكثير من الجواري وتوظيفهم داخل القصور.

 - العصور الحديثة: في العصور الحديثة، استمر تطوير الرقص الشرقي، وأصبح يتأثر بالعديد من التيارات الفنية والثقافية الجديدة، وفي القرن العشرين، شهدت هذه الفنون توسيعًا وتنوعًا، وظهرت فترة من التجديد والابتكار.

 - التأثيرات العالمية: مع تزايد التواصل العالمي والتبادل الثقافي، أصبح للرقص الشرقي تأثيراته في الفنون العالمية. كما يشهد الرقص الشرقي اليوم تجمعًا بين التقاليد القديمة والابتكار الحديث، ويُدمج مع أساليب أخرى من الرقص لإنتاج تجارب فنية فريدة.

 - الرقص الشرقي في العصر الحديث: استمر الرقص الشرقي في أن يكون محبوبًا في مجتمعات متنوعة حول العالم. كما أخذ يُدرَّس ويُمارَس في مدارس الرقص، ويظهر في العروض الفنية والمهرجانات الثقافية عالميا. ويتنوع أداء الرقص الشرقي بين الأسلوب الكلاسيكي والفولكلوري والمعاصر، مما يمنحه طابعًا حديثًا وديناميكية استجابة لتطورات العصر الحديث.

تأثير الرقص الشرقي على المجتمع:

يمتد تأثير الرقص الشرقي إلى مجالات متعددة في المجتمع، بدءاً من التعبير الثقافي والاجتماعي حتى الفنون الأخرى مثل الموسيقى والتمثيل. ويساهم الرقص الشرقي في إغناء التجارب الفنية والتعبير الإنساني، وقد كان يعتبر عنصراً أساسياً في الفعاليات والاحتفالات العامة في مصر حتى وقت قريب. ويعتبر الرقص الشرقي وسيلة للتعبير عن الهوية الثقافية الأنثوية، حيث يشكل فن الرقص جزءًا لا يتجزأ من التراث الأنثوي في المجتمعات الشرقية. ويشجع الرقص الشرقي على الحركة البدنية ويُعتبر نشاطًا رياضيًا يساهم في تعزيز اللياقة والصحة البدنية والنفسية. وفى الدول الغربية يشارك الناس في فصول الرقص الشرقي والورش الفنية، مما يؤدي إلى تشكيل مجموعات اجتماعية وترابط بين الأفراد الذين يشاركون في هذا النشاط الفني. وقد أصبح الرقص الشرقي عنصرًا جذابًا للسياحة الثقافية، مما يُحفز الاقتصاد المحلي من خلال الفعاليات الفنية وورش العمل والعروض التي تشمل هذا النوع من الرقص. وقد بدأ يُدرَّس الرقص الشرقي في المدارس والمراكز الثقافية في الخارج، مما ساهم في تطوير المهارات الفنية للشبان والشابات وعزز تعلمهم وتربيتهم، كما عزز الرقص الشرقي التنوع الثقافي، حيث يجمع بين مشاركين من خلفيات مختلفة ويعكس تنوع المجتمعات. وبالرغم من مساهمة الرقص الشرقي في تعزيز صورة إيجابية للمجتمعات التي ينتمي إليها، حيث يظهر الفن الشرقي الجمال والأناقة، إلا أن هناك خلاف شديد للموافقة في المجتمعات العربية داخل أروقة الأكاديميات والجامعات والمعاهد المتخصصة في التعبير الحركي والرقص على إدراج الرقص الشرقي ضمن فنون الأداء التعبيرية الحركية الدراسية لديهم، نظرا لأن معظم هذه المجتمعات قد وقعت في الخلط بين أشكال الرقص الشرقي ونوع آخر من الأداء يدعى برقص البطن، مما جعل هناك رفض ضمني شبه معلن له من قِبل هذه المجتمعات. ومن المدهش وجود موافقة تامة واضحة على مشاهدة أداء هذا الشكل التعبيري في احتفالات الزواج من ناحية، ومن ثمَّ رفض لهذا التعبير الحركي نظرا لربطه بأشكال الخلاعة داخل الفِكر الجمعي لهذه المجتمعات من ناحية أخرى.

الفرق بين الرقص الشرقي ورقص البطن:

«الرقص الشرقي» «Oriental dance» و«رقص البطن» «Belly Dancing» هما مصطلحان يشيران إلى نماذج مختلفة من الرقص، ولكن في بعض الأحيان يُستخدمان بشكل متبادل. في حين أن «رقص البطن» يمكن أن يكون نوعًا محددًا من الرقص الشرقي، إلا أن هناك بعض الفروق الفنية والتقنية بينهما. 

إن «الرقص الشرقي» هو مصطلح عام يشمل مجموعة واسعة من أساليب الرقص التقليدية والفولكلورية في المناطق الشرقية، مثل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى وبعض المناطق الآسيوية شمالا، ويتنوع الرقص الشرقي بين الأساليب الكلاسيكية والفولكلورية، ويتأثر بالتقاليد الموسيقية والثقافية المحلية. أما «رقص البطن» هو نوع محدد من الرقص الشرقي يركز بشكل أساسي على حركات البطن ومنطقة الحوض. ويتميز رقص البطن بتسليط الضوء على حركات دقيقة في منطقة البطن، مثل حركات الارتجاف والتموج والتنفس العميق. كما يستخدم رقص البطن تقنيات خاصة مثل عزف الطبل والتناسق بين الحركات الرقيقة والتكنيك الدقيق لتعزيز التفاعل بين الراقصة والموسيقى. وعلى الرغم من أن رقص البطن قد يؤديه الرجال أيضًا، فإنه غالبًا ما يُعتبر فنًا نسائيًا ويمارس بشكل أكثر شيوعًا من قبل النساء.

الفارق الرئيسي:

 - «الرقص الشرقي» يشمل مجموعة واسعة من الأساليب والتقاليد في المناطق الشرقية، بينما «رقص البطن» يشير إلى نوع محدد من الرقص الشرقي يركز بشكل أساسي على حركات البطن.

 - يُستخدم «رقص البطن» كمصطلح للتأكيد على التركيز الكبير على منطقة البطن والصدر في الرقص الشرقي.

 - يرتكز «رقص البطن» في أدائه على تشكيلات من الحركات التعبيرية الغريزية.

وعند تحليل التشكيلات الحركية المكونة للرقص الشرقي نجد أنه على أعلى درجات فنون الرقص الشعبي، حيث أن أشكال تعبيره الحركية لها خصوصية المعنى البعيد عن الابتذال الحركي، ونابعة من أشكال التعبير الحركي الجمالي المرتبط بالرقصات الشعبية بعد تنقيتها والارتقاء بحركاتها التعبيرية الجسدية. هذا بالإضافة إلى توظيف القليل من أشكال الخطوات الحركية الغريزية بعد تنقيحها والارتقاء بأدائها. لذلك نجد أداء هذا التعبير الحركي مشاهدا في الكثير من الحفلات العامة المتواجد بها عائلات وبالأخص احتفالات الزواج. أما رقصات البطن تنبع أشكال خطواتها الحركية من الحركات الغريزية للجسد، هذا بالإضافة إلى توظيف القليل من خطوات التعبير الحركي للرقصات الشعبية داخل أدائها. مما جعل رقصات البطن هي أساس أشكال الاستعراض الحركي في المواخير والأماكن الخاصة التي مريدوها أكثرهم من الذكور، كما يُقدَم داخلها مشروبات كحولية، ومن ثم يتطلب فيها تقديم حركات غريزية تبعد كل البعد عن الفنون الحركية المرتبطة بأحداث هامة مرتبطة أو تخص فئات المجتمع.

ولأن فنون المشاهدة عامة ما يرتبط نجاحها بما يُقدم داخلها من قصص تحاكي ما قد حدث بالفعل أو ما يحدث في الوقت الحالي أو يتخيل كاتبها لحدث سوف يحدث مستقبلا أو ربما حدث خيالي، هذا بالإضافة إلى أن معظم هذه القصص ما هي إلا تفاعل ما في ذهن كاتبها نتيجة حدث قد مر به أو شاهده أو حتى سمعه، مما يجعل الكاتب يتفاعل مع تلك الأحداث، فيقدمها من خلال فكره الخاص. وهنا نجد مدى السهولة لدى الكاتب الشرقي في توظيف إباحية جسد المرأة داخل القصة للتشويق أو لإثارة المشاعر الغريزية من خلال توظيف أشكال رقصات البطن الناتجة عن تفاعل ذهن الكاتب ومدى تأثره بالبيئة التي نشأ فيها بالإضافة إلى خبراته الحياتية التي اكتسبها من تفاعله مع من حوله. الأمر الذي أثر على التصور الذهني داخل الفكر الجمعي لدى المجتمعات الشرقية سواء عند قراءة هذه القصص أو مشاهدتها سينمائيا، مما أوصلنا إلى تأكيد خلط الرقص الشرقي برقص البطن لعموميتهما.

ومع أن المجتمعات الغربية لها أشكال رقصاتها الشعبية التي تمثلها، إلا أن الكثير من هذه المجتمعات قد ابتعدت بشكل أو بآخر عن الفِكر الروحي منذ عقود وارتبطت بالفِكر المادي، مما جعل مادية الجسد أساسا مؤكدا داخل الفِكر الجمعي في الرقصات الحديثة لهذه المجتمعات، والذي أدى بدوره إلى توظيف تشكيلات الجمال الحركي للجسد التي تشير إلى المادية حتى وإن كانت هذه التشكيلات الحركية غريزية المعنى الضمني أو حتى الصريح منها في رقصاتهم تحت مسمى الحداثة وما بعد الحداثة. ومع عدم إغفال أن كل ما وراء ستار شفاف يؤدي إلى الإثارة، مما جعل معظم هذه المجتمعات الغربية تجتمع على قصة سالومي واستخدامها للأحجبة السبعة ذات الأقمشة الشفافة أثناء أدائها الراقص أمام الملك وحاشيته، ولكن هذه القصة واحدة ضمن أحد الأسباب الرئيسة لاستخدام الأقمشة الشفافة كأساس داخل الأزياء في استعراضاتهم الحركية الحديثة عند بناء أشكال حركية تشير إلى غريزية الإثارة الحركية الجسدية من قِبل النساء، والذي أدى إلى عمومية استخدام هذه الأقمشة في استعراضاتهم، بالرغم من أنه لا يوجد أي دليل على تأكيد حدوث واقعة هذه القصة في الحقيقة ولكنها نتاج الفِكر الجمعي داخل الكثير من المجتمعات الغربية ومدى ارتباطهم قديما بحرمانية جسد المرأة. على النقيض في المجتمعات العربية التي تستخدم راقصاتها في أزيائهن هذه الأنواع من الأقمشة بتحفُظ في القليل أو الخاص لبعض من أنواع رقصاتهن. ومن الملاحظ أنه بسبب التراكمات الثقافية الناتجة عن تداخل واندماج الكثير من محاور الثقافات العابرة بالمستوطنة في المنطقة العربية، الأمر الذي ساعد أيضا في انشار خطأ الخلط بين الرقص الشرقي وما يسمى برقص البطن، والذي ساعد وأدى بدوره إلى انتشار هذه المعلومة الخاطئة لاحقا في المجتمعات الغربية لمدى اعتقادهم وتصديقهم في مادية الجسد. وبسبب ذكورية فِكر معظم المجتمعات، الأمر الذي جعل المجتمع العربي آخذا في رفضه ضمنيا -وأحيانا علنيا- لهذا التعبير الحركي المتمثل في الرقص الشرقي وربطه دائما بالخلاعة والمجون، ولكنه ارتضى به في بعض من الاحتفالات العامة والكثير من الاحتفالات الخاصة، بل قام بتوظيفه منذ فترة قريبة لخدمة الوطن في بعض من الحالات.

الرقص الشرقي على رقعة فنون التعبير الحركي:

من المرجح أن البدايات الأولى لظهور أشكال الرقص الشرقي كانت داخل القصور العربية من قِبل الجواري حين بدأن في تكوين تشكيلات من التعبير الحركي تضم بعضا من أشكال التعبير الحركي الشعبية التي كانت منتشرة في بلادهن، وقد استساغها مشاهدوها في ذاك الوقت، الأمر الذي أدى إلى انتشار هذا الفن الحركي في معظم القصور بين علية القوم الذين صقلوا تلك الفنون التي كانت الجواري تقدمنها بتعيين المتخصصين ذوي المستويات الرفيعة من الشعراء ومدربي الموسيقى والغناء وفنون الأداء لتدريبهن والارتقاء بفنونهن حتى يصبحن الوجهة المشرفة داخل القصور في ذلك الوقت، مما أثرى وأثقل هذه الفنون بعد ذلك. وقد بدأت هذه الفنون في الانتشار بين العامة عندما قامت بتقديمها بعضا من الجواري في دورهن بعد أن أخذن حريتهن وأصبحن يقمن خارج تلك القصور. 

كانت الجواري يقمن أشكالا من الاحتفالات الخاصة أسبوعيا داخل دورهن، يقدمن فيها الكثير من فنون الموسيقى والغناء وإلقاء الشعر بالإضافة إلى التعبير الحركي الراقص، وأضحى لهن رواد مداومو الحضور للمشاهدة والاستمتاع بكل ما يُقدم من هذه الفنون. الأمر الذي خلق لاحقا منافسة بين الجواري على من تقدم فنونا تجذب جمهورا من المشاهدين أكثر من الأخرى وكيفية الحفاظ على هؤلاء المشاهدين ليصبحوا مداومين. وقد أخذت هذه الظاهرة في الانتشار داخل المجتمع وأصبحت بعد ذلك منافسا شرسا لظاهرة الغوازي التي كانت متواجدة من قبل. والفارق بين ظاهرتي «الجواري» و «الغوازي» أن أنواع الفنون الموسيقية والغناء والرقص التي تقدمها عائلة الغوازي في ذلك الوقت كانت أقل في المستوى الفني لارتباطهن بالفئات الدنيا داخل المجتمع، نظرا لأن المعلمين الأساس في تعليمهن كانوا من قبائل الغجر الذين كانوا يدربونهن ليستخدموهن في حفلاتهم العامة والخاصة من أجل كسب المزيد من المال بعيدا عن الارتقاء بالفنون. ومع أن عائلة الغوازي كانت تقطن داخل المدن مثلها مثل الجواري السالف ذكرهن، إلا أن الغوازي اشتهرن بتقديم فنونهن في معظم الوقت على قارعة الطرق، على العكس من الجواري، الأمر الذي ساعد في انتشار فنونهن من جهة وارتباطهن بالفئات الدنيا من جهة أخرى. وإذ تجدر الإشارة هنا إلى أن السبب الرئيس في الحفاظ على الموسيقى والغناء الشعبي في مصر يرجع إلى قبائل الغجر وعائلة الغوازي، حيث كانت هذه القبائل تطوف الكثير من النجوع والقرى والبلدان وتندمج في ثقافات فنون مجتمعاتهم من موسيقى وغناء ورقص شعبي، فتؤديها وتعلمها بعد ذلك لعائلة الغوازي، مما جعل هناك ما يمكن أن نطلق عليه مدرسة خاصة لحفظ الفنون الشعبية من موسيقى وغناء وأشكال من التعبير الحركي المرتبط بفئات ومجتمعات تلك القرى والبلدان، تتوارثها أجيال قبائل الغجر وعائلة الغوازي جيلا بعد جيل. إن هذه الأشكال من فنون الأداء، سواء ما كان يُقدم من الغوازي والغجر للفئات الدنيا من جهة، وما كان يقدم من الجواري للفئات الأعلى داخل المجتمع بالإضافة إلى ما كان يُقدم من الجواري داخل القصور من جهة أخرى قد ساعد في إنتاج كم من الزخم الفني الذي غذى الرقص الشرقي بفنون الموسيقى والغناء وزخم من الفنون الحركية التعبيرية ذات المعاني العامة والخاصة وخاصة الخاصة، وجعل له مكانة أخذت المنحى السلبي منها والإيجابي داخل الفِكر الجمعي. كما ساعد في ظهور أماكن خاصة ارتبطت بتقديم عروض تجمع بين المبتذل منها والمحتشم من فنون الأداء. وقد ظل الحال كما هو عليه وازداد ظهور أماكن تقديم هذه الفنون وتجَّمُعات خاصة بالموسيقيين والمغنين والراقصين التي أصبح بعض منها أماكن مشهورة لسكنهم مثل حارة العوالم بشارع محمد علي والتي أخرجت لنا الكثير من الموسيقيين والمغنين الذين أثروا هذه الفنون، حتى ظهر كباريه بديعة مصابني في بدايات القرن العشرين بالقاهرة، والذي كان الأساس بجانب حارة العوالم في ظهور معظم موسيقيين ومغني القرن وممثليه وراقصيه الذين كان لهم عظيم الأثر في فنون الموسيقى والغناء والرقص. 

كانت بديعة مصابني لا ترتضي بظهور أحد من المغنين أو الراقصين على مسرح كازينو بديعة أمام المشاهدين إلا بعد تدريبات خاصة ترتبط بنوع الفن الذي سوف يقدَّم للجمهور، ومن المدهش أنها كانت تأتي بمدربين أجانب لتدريب الراقصات والراقصين على فنون الأداء المسرحي، مما جعل كازينو بديعة كما لو أنه مدرسة الفنون الحديثة التي يجب على كل من يود النجاح في هذه الفنون التخرج منها. ورغم ذلك فقد كان هناك شكل من أشكال التقليل والرفض بشكل أو بآخر داخل المجتمع المصري لهذه الفنون وبالأخص فنون الرقص الشرقي نظرا لتوارث هذا الرفض جيلا بعد جيل. وقد تخرج من هذه المدرسة الكثير من الراقصات على رأسهن راقصتان كان لهما شديد الأثر في فنون الرقص الشرقي، إحداهما من شمال شرق مصر مما جعل خطوات رقصاتها تأخذ طابعا خاصا يسحر القلوب، وأما الأخرى كانت من جنوب مصر مما جعل خطوات رقصاتها يأسر العقول. 

الراقصتان الأشهر في فنون الرقص الشرقي:

فأما الراقصة الأولى هي تحية كاريوكا التي أتت من الإسماعيلية، وقد تحدت الكثير من الصعاب حتى أصبحت لها بصمة فنية خاصة في أداء تعبيرها الحركي الجمالي على مستوى العالم أجمع. إن البيئة وجغرافية المكان بالإضافة إلى المجتمع متمثلا في الأحداث التي مرت بها تحية كاريوكا قبل احترافها الفن كان لها شديد الأثر في تكوين شخصيتها الفنية على صعيد الرقص الذي احترفته بداية من مشوارها الفني ثم التمثيل بعد ذلك، فعند دراسة منطقة مدن القناة وبالأخص مدينة الإسماعيلية التي نشأت فيها نجد أنها ذات طابع خاص يتسم بأشكال معمارية هندسية قريبة الشبه من المعمارية الأوروبية، هذا بالإضافة إلى وقوع مدينة الإسماعيلية على المجرى الملاحي لقناة السويس المليء بالبواخر العابرة وطريقة سريانها البطيء نسبيا داخل ممر القناة مما يضفي انطباع الهدوء النسبي في الحركة، عكس مدينة السويس حيث المتعاملون مع البواخر عند وأثناء دخولها بوغاز السويس، وعلى عكس مدينة بورسعيد الواقعة على البحر المتوسط، حيث نجد مجتمعها سريع الحركة المشوبة بالانفعال نظرا لخروج البواخر من المجرى الملاحي لقناة السويس إلى عرض البحر، ولتقلبات المناخ التي لها تأثيرها الخاص والواضح على النفس البشرية لقاطني مدينة بورسعيد. وكعادة أهل هذه المناطق الساحلية المصرية نجد أنهم شديدو القرب لبعضهم البعض، ولكن اختصت مجتمعات مدن القناة بانغلاقية فكرية خاصة، وحِرصٌ داخلي شديد ناتج عن الكثير من الأحداث التاريخية التي مرت بها مجتمعات هذه المدن من قوافل عابرة وحروب بالرغم من تعامل أهلها مع غير المصريين، سواء تلك القوافل أو المتعاملين بقناة السويس أو حتى المسافرين المارين بتلك المدن ذاتها. 

تحليل أداء تحية كاريوكا:

إن حياة تحية كاريوكا تعكس التطورات الاجتماعية والثقافية في مصر في فترة زمنية معينة. وقد كان رقصها يعكس تلاقي الثقافات والتأثيرات المتنوعة، وكانت تجسد تفردًا ثقافيًا. كما إن تحية كاريوكا كانت تجمع بين التقنيات الراقصة التقليدية والحديثة. وقد قدمت مزيجًا من الحركات الشرقية التقليدية مع لمسات من الابتكار الشخصي. كما كان لديها قدرة على التعبير عن الأحاسيس من خلال حركاتها، مما أضفى جاذبية خاصة على رقصاتها. 

عند تحليل التشكيلات الحركية في رقص تحية كاريوكا نجد تأثرا ووضوحا شديدا لجغرافية المكان والمعمارية الهندسية البنائية لمدينة الإسماعيلية من خلال تكوينات التعبير الحركي أثناء أدائها. ومثالا على ذلك فكل تشكيل حركي تؤديه جهة اليمين، يصاحبه تشكيل حركي مساويا له جهة اليسار، مما يحدث توازنا للرؤية داخل عقول المشاهدين. وأما أوضاع الذراعين في الهواء ما هي إلا نتيجة المنطقة المفتوحة الناتجة عن مجرى قناة السويس وارتفاع البواخر مما جعل السمة الأساس في أوضاع الذراعين تكون لأعلى، وبالرغم من ذلك، نجد أن حركات أوضاع الذراعين تبدأ من الأسفل ثم إلى الأعلى وتنتهي في معظم الوقت عند نهاية كل تشكيل حركي إلى جانبي الجسد بتناغم وهدوء، إشارة على التأثر الدال على الاحترام الأسري لمجتمع أهل المدينة السالف ذكرها. وأما اتزان وهدوء التشكيل الحركي في أدائها ناتج عن وقوع مدينة الإسماعيلية على الممر الملاحي لقناة السويس البعيد عن البحر بأمواجه العالية المتأثرة بالمناخ. كما إن الهدوء النسبي لمياه ممر قناة السويس له تأثيره على مدى ارتباط أفراد المجتمع ببعضهم البعض، أما الضحك مع النظر يمينا أو يسارا فهو ناتج عن أحداث مؤلمة قد حدثت وتود الراقصة الهروب منها، كما يشير إلى الخجل الذي كان إحدى سمات شخصية تحية كاريوكا التي كانت تحاول دائما إخفاءه. وبالرغم من الأحداث الأسرية الصعبة التي عاشتها تحية كاريوكا في بداية حياتها، إلا إن معظم التشكيلات الحركية التي تؤديها داخل رقصاتها كانت تتسم بالأداء في المكان، بمعنى أنها لا تتحرك على كامل مساحة المكان أو المسرح الذي تؤدي فيه رقصاتها، وهو دليل على مدى تأثرها بالأماكن المغلقة عندما بدأت حياتها الفنية، هذا بالإضافة إلى مدى تأثرها الضمني لمشاهدة البواخر العابرة أثناء سريانها البطيء بممر القناة. أيضا في البحث عن التماسك الأسري بالإضافة إلى تأثرها بمحاولات التماسك المجتمعي النابع من الأحداث التي مرت بها كما أسلفنا سابقا. وأخيرا، إن تأثير تحية كاريوكا لا يقتصر على عصرها بل امتد ليؤثر على الأجيال اللاحقة من الراقصات الشرقيات. وقد كان لها دور في تحفيز وإلهام الراقصات الجدد وتشجيعهن على استكشاف أساليب تعبيرية حركية جديدة ومبتكرة.

وأما الراقصة الثانية هي سامية جمال التي نشأت في مدينة بنى سويف التي تُعد أول مدن صعيد مصر بعد مدينة الجيزة الملاصقة لمدينة القاهرة، وقد سميت سامية جمال بفراشة الرقص الشرقي وأيضا راقصة مصر الرسمية بعد ذلك. وعند دراسة منطقة صعيد مصر نجد أنها تتكون من عدة مدن تبدأ بمدينة بنى سويف وتنتهي بمثلث حلايب وشلاتين وأبو رماد، وهي المنطقة الأكبر على خريطة مصر. إن مدن صعيد مصر تتسم بشديد التمسك بجذور العادات والتقاليد المصرية التي يصعب تغييرها في هذه المجتمعات بسهولة. وبالرغم من ذلك نجد أن مدينة بنى سويف تعتبر هي الأقرب لمدن شمال مصر حيث أنها تبعد عن القاهرة بحوالي 45 كم جهة الجنوب مما ساعد على سهولة السفر منها وإليها. 

تحليل أداء سامية جمال:

عند تحليل التشكيلات الحركية في رقصات ساميه جمال نجد مدى التأثر الواضح بجغرافية وبيئة مكان نشأتها، هذا بالإضافة إلى الأحداث الاجتماعية التي مرت بها. إن لخطواتها التعبيرية دليل واضح على اتساع الحقول التي أثرت في فِكرها كما لو كانت هي فراشة تطير وتتحرك بين الأزهار، كما أنه دلالة على الحرية التي كانت تبحث عنها دوما والتي تتضح في أدائها المتسم بالسرعة داخل تشكيلات التعبير الحركي التي تؤديها. كما إن التشكيل الحركي داخل رقصات سامية جمال كان متسما بالسرعة التي مفادها الهروب من الأحزان التي مرت بها في حياتها، كما أنه مليء بالحيوية النابعة من الحقول التي نشأت فيها وهي صغيرة. ولقد اشتهرت سامية جمال بحركتها الخاصة التي كانت تؤديها بكتفها والدَّالة على مجتمعها، حيث أن الكثير من البنات يؤكدن اللامبالاة بالإجابة أو الرفض بتحريك الكتفين لأعلى ثم لأسفل كعلامة جسدية مكملة للمعنى، وأما في حالة الدلع، يُستخدم كتف واحد في الحركة لأعلى ثم لأسفل كعلامة مكملة للمعنى بالإيجاب، وعند تحرك كتف واحد للأمام ثم الخلف دلالة على الدلع في الموافقة على شيء ما. ولقد كانت سامية جمال هي الأساس في جعل الكثير من الراقصات يؤدين رقصهن حافيات نتيجة شهرتها بهذا الشكل من الأداء عند خلعها الحذاء في أول عرض قدمته على مسرح كازينو بديعة مصابني، نظرا لحادث كسر كعب حذائها بالصدفة عند أول ظهور لها وفى أول خطوة قامت بأدائها على المسرح، الأمر الذي جعل الكثير من الراقصات أخذن في تقليدها بعد ذلك. كما اشتهرت سامية جمال بحركات ذراعيها على الجانبين أثناء أدائها كما لو أنها فراشة مستخدمة جناحيها لتطير في الهواء، وقد كان لثقافة المكان تأثير كبير على أداء سامية جمال حيث تقع مدينة بنى سويف في صعيد مصر المعروفة مجتمعاته بمدى تمسكهم بالعادات والتقاليد، مما جعل أداء سامية جمال يبتعد عن أشكال خطوات الرقص المبتذلة والخليعة. كما ارتبطت تشكيلات أدائها التعبيرية الحركية بالرقص الكلاسيكي نظرا لتدريبها في بدايات تعلمها هذا الفن على أيدي مدربين أجانب لفترة طويلة داخل كازينو بديعة.

إن هاتين الراقصتين أثرتا في أشكال فنون التعبير الحركي كثيرا، وبجمال أدائهما التعبيري قد تغير مفهوم الفِكر الجمعي للرقص الشرقي في العصر الحديث، كما أعادتا الرقص الشرقي إلى مكانه الطبيعي داخل الفنون، حتى أن الكثيرات من بنات الأسر الراقية في المجتمع أخذن في تقليد حركات تحية كاريوكا وسامية جمال سواء في الاحتفالات العامة والخاصة أو حتى بين بعضهن البعض. ولكن الشيء المحزن أنهما قد ساعدتا مع الكثير من الراقصات الأخريات في استخدام وتوظيف هذا الشكل من التعبير الأدائي في الكثير من الميديا والأفلام بغرض الإباحية والنزعة الغريزية التي كانت تُطلب منهما مكملا في تأدية أدوار الشخصيات السينمائية، مما جعل الفِكر الجمعي يرتد مرة أخرى إلى ما كان عليه في الماضي من اعتراض على هذا الفن. 

فهل هناك بارقة أمل للتعرف على فنون الرقص الشرقي مرة أخرى، ووضعها في مكانها الصحيح داخل إطار التراث الثقافي للمجتمع؟ 

 

 

المراجع العربية

 - أبى الفرج الأصفهاني على بن الحسين. (1994). كتاب الأغاني. القاهرة: دار إحياء التراث العربي.

 - إدوارد وليم لين. (1999). عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم. (سهير دسوم، المترجمون) القاهرة: مكتبة مدبولي.

 - تامر يحيى. (ربيع 2015). رقصات الغنج من أين وكيف ظهرت؟ الثقافة الشعبية، 29.

 - تامر يحيى. (ربيع 2019). رقصات الغوازي. الثقافة الشعبية، 45.

 - تامر يحيى. (صيف 2018). رقصات الموشحات الآندلوسية. الثقافة الشعبية، 42.

 - سعيد بنكراد. (2012). السيميائيات مفاهيمها وتطبيقاتها (الإصدار الطبعة الثالثة). اللازقية، سورية: دار الحوار للنشر والتوزيع.

 - سمحة الخولي. (1992). القومية فى موسيقا القرن العشرين (المجلد 162). الكويت، الكويت: عالم المعرفة.

 - عصام أبو العلا. (1996). مدخل إلى علم العلامات فى اللغة والمسرح. القاهرة: الهيئة العامة لقصور الثقافة.

English References

 - Birdwhistell, R. L. (1970). Kinesics and Context - Essays on Body motion communication. Pennsylvania: University of Pennsylvania Press Philadelphia.

الصور :

 - الصور من الكاتب.

 

 

أعداد المجلة