فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
66

عروسة المولد بين الرمز والواقع

العدد 66 - عادات وتقاليد
عروسة المولد بين الرمز والواقع

اعتاد المصريون الاحتفال بذكرى المولد النبوي، والذي يوافق يوم 12 ربيع الأول من كل عام هجري، وشراء «عروسة المولد» المصنوعة من الحلوى، وهي قطعة من الحلوى تكون على شكل عروسة صغيرة مزينة بالألوان وأوراق الكروشية، كي يلهو بها الأطفال. ولا يرتبط المولد النبوي لدى المصريين بالحلوى فقط، بل تمتلئ الميادين في جميع مدن مصر، خاصة في القاهرة، بالرواد، خصوصا في مساجد الأولياء الصالحين، كمسجد الإمام الحسين والسيدة زينب. وتقام سرادقات لزوار هذه المساجد من مختلف قرى مصر، وينتشر معها الباعة الجائلون والألعاب، كما تنتشر الطرق الصوفية بكثرة، وتجوب الشوارع بأعلامها الشهيرة، في استعراضات ملفتة.

ومن أشهر أنواع الحلوى التي تنتشر في المولد «السمسمية» و«الحمصية» و«الفولية» و«الملبن» المحشو بالمكسرات وجوز الهند، وعشرات الأنواع الأخرى فمنها الأقراص والحمصية والسمسمية وأنواع مختلفة من الملبن، والفستقية والبندقية واللوزية، يشتريها المصريون للاحتفال بأجواء المولد النبوي الشريف. أما عرائس الموالد فتختلف أنواعها بين الأحياء والأماكن، وأشهرها «العروس الملاك» و«الأميرة» و«سندريلا» و«العروس الفراشة» التقليدية، التي تزين بأشكال جميلة، مزودة بفانوس كبير في الداخل يجعلها تضيء.

وتتباين أشكال عروسة المولد في حجمها بين الصغير والكبير وهذا ليس مهما، ولكن أهم ما يميزها أنها عروسة جميلة في قمة تزينها، تلبس فستانًا رائع الجمال منفوش بألوان مبهجة وجميلة وغالبًا يكون لونه أبيض ولامع ومزين بالورود والأحجار. شعر عروسة المولد مُهنْدم يزيد جمالها الأخّاذ الذي يجذب الكبار والصغار من البنات، وفي ظهر العروسة تُثبّت مروحة دائرية الشكل ذات ألوان جميلة ومزينة بأجمل الزينة، وقد يستبدل صانع هذه المروحة بتاج ذهبي ينسدل منه وشاح أبيض منفوش خلف العروسة الجميلة، وتقف هذه العروسة بطريقة معينة واضعة يديها على خصرها بطريقة تزيد من جمالها.

وتمثل عروسة المولد بشكلها ولونها وتعبيراتها وما حملته من معاني تاريخية وأسطورية وسحرية وشعبية وجمالية وغير ذلك، مصدرا حسيا لموضوع مثير يتناوله الفنانون على اختلاف ميادينهم وأساليبهم، لأنه موضوع يتصل بالحس والوجدان والعاطفة.

وتعكس العروسة أسمى معاني الحب والغرام والجمال والهيام والأحلام والخيال.. لذلك کانت العروسة مصدر إلهام للفنانين في کثير من الأعمال.. وتعددت أنواع العرائس التي ارتبطت بأشياء کثيرة توارثناها جيلا بعد جيل.. عروسة النيل وعروسة البحر وعروسة الحسد وعروسة القمح وعروسة الزار وعروسة المولد.. وقد استحوذت عروسة المولد علي شهرة کبيرة لما لها من شعبية متوارثة منذ عهد الفاطميين.. وللمناسبة الدينية الجليلة التي أکسبت العروسة بعدا روحيا.. لذلك کانت عروسة المولد محورا لعدد کبير من الأعمال الفنية بما تحمل من معان کثيرة‏.‏

كانت العروسة الحلاوة في هذا الوقت هدية يقدّمها أهل العريس إلى عروس ابنهم، وهي عادة لا تزال باقية عند قطاعٍ كبيرٍ من المصريين حتى الآن، ففي كثير من الأماكن لا يزال العريس يقدم لعروسه في المولد النبوي عروسة المولد الشهيرة كتقليد وتراث اشتهر به المصريون.

ويُثَمنُ العقل الجمعي Collective Mind للجماعة الشعبية العروسة بشكل بالغ؛ لذا نجده قد أضافها، أو أضاف إليه الأشياء الأثيرة لديه، أو حتى التي يخشاها أو يحذرها في ممارساته اليومية، ونذكر منها:

- عروسة البحر

- عروسة كعك الأعياد

- عروسة الحسد «يتم قصها من الورق باليد، أو بالمقص».

- عروسة النيل

- عروسة الدُمَى البلاستيكية.

- عروسة سَعَفْ النخيل، كانت تصنع في البيوت على المستوى الشعبي في الأعياد المسيحية، وقد قَلّ هذا الآن.

وتمثل العروسة الأنثى بمواصفاتها الجسدية وأشكالها المتعارف عليها: جميلة الملامح بزيها اللافت للأنظار دائماً، ولها أهميتها في الأسرة والمجتمع بصفة عامة، ولها أهميتها التي ترتبط بالقيم الأخلاقية، وعادات وتقاليد، ومعتقدات المجتمع، وتبلغ ذُرْوة جمالها ليلة زفافها. والعروسة فكرة في المقام الأول تُلَخصُ كاسم وهيئة معنى الحياة كرمز للجمال والخصوبة اللذين تعشقهما النفس، وهو ما يعني استمرار الحياة.

أما عروسة المولد فهي العروسة الحلاوة التي يتم تصنيعها في قوالب خشبية داخل مصانع الحلوى، وهي الأشهر لدى الجماعة الشعبية، في مدن وقرى، ونجوع القطر المصري كله؛ وذلك لارتباطها بمناسبة دينية / اجتماعية لها تقدير واحترام بالغين لدى الجماعة الشعبية، وهي الاحتفال والاحتفاء بصاحب المناسبة محمد ﷺ.

ويقتصر الاحتفاء الشعبي بالمولد النبوي الشريف بتصنيع عرائس المولد على مصر فقط دون غيرها من الدول العربية؛ «حيث إننا لم نعثر على مرجع، أو نص يشير إشارة واضحة إلى ظهور هذا الشكل الفني أثناء إقامة المراسم والاحتفالات بالمولد النبوي في أي بقعة من البقاع الإسلامية في المشرق، أو المغرب».

تاريخ عروسة المولد:

هناك تباين بين المؤرخين حول التاريخ الدقيق لنشأة عروسة المولد، فقد رأى بعض المؤرخين إن أصول عروسة المولد ترجع إلى عصور الحياة المصرية القديمة، ومن بينهم د.عبد الرحيم ريحان، الباحث الأثري المعروف، الذي يقول إن تلك العروس الملونة المصنوعة من السكر، صناعة مصرية خالصة، وإن المصريين الفراعنة، سبقوا الفاطميين في تلك الصناعة بقرون، عندما صنعوها من السكر، واستخدموها في الاحتفال بالعديد من الأعياد والمناسبات القديمة، تجسيداً لأسطورة إيزيس وأوزوريس، التي تجسد الصراع بين الخير والشر، في الميثولوجيا المصرية القديمة.

وتؤكد الشواهد التاريخية أن عروسة المولد مصرية خالصة يرجع ظهورها بشكلها المعروف إلى العصور المصرية القديمة، بدليل العثور على نماذج مصنوعة من العاج والخشب في مقابرهم، حتى إنه عند تجريد رأس العروسة من زينتها نجدها شبيهة بشكل الإله حتحور، ربة الحب والجمال والغناء عند أجدادنا القدماء، وأشار البعض إلى أنها تعود إلى العصر الروماني، حيث تشبه عرائس «التناجرا» التي ترتدى رداء رومانيا اسمه «الهماتيون». ووصف الرحالة الإنجليزى «مارك جرش» الذي شاهد المولد النبوي في مصر عروسة المولد بأنها متألقة الألوان، وتوضع في صفوف متراصة، ترتدي ثيابا شفافة كأنها حقيقية (عبير العشري، 2017).

إلا أن ثمة إجماع على أنها ظهرت في زمن الدولة الفاطمية (969م- 1171 م)، وتحديدا مع قدوم المعز لدين الله الذي جلب معه من المغرب ثقافة خاصة للاحتفاء بالمناسبات الكبرى، فمما لا شك فيه أن الفاطميين هم أول من احتفل بالمولد النبوي الشريف بالشكل المُتَعَارَف عليه حالياً، ويرجع هذا إلى رغبتهم في نشر مذهبهم الشيعي. وقد بدأت احتفالاتهم دينياً، ولكنها سرعان ما ارتبطت بالجانب الشعبي الذي يستند إلى أساس ديني.

وعندما جعل الخليفة الفاطمي المعز لدين الله مدينة القاهرة عاصمة خلافته، أمر بإقامة أول احتفال بالمولد النبوي الشريف عام 973هـ. وقد ذكر العلامة المقريزي في خططه الاحتفالات التي اهتم الفاطميون بها، وهي الموالد الستة، وفصّلها بأنها مولد الإمام الحسين (5 ربيع الأول)، ومولد السيدة فاطمة الزهراء (20 جمادى الآخرة)، ومولد الإمام علي (13 رجب)، ومولد الإمام الحسن (15 رمضان)، ومولد الرسول (صلى الله عليه وسلم) (12 ربيع الأول)، وأخيرًا مولد الخليفة الحاكم للبلاد.

وقد تفنن الفاطميون عند دخولهم إلى مصر، في الاحتفال بذكرى المولد النبوي، ويروي المقريزي في خططه، كيف كان الخليفة الفاطمي يقيم خيمة كبيرة بجوار قصر الحكم، توضع عند أبوابها أحواض من الجلد، تُملأ بالماء المحلى بالسكر والليمون، وتعلّق حولها الأكواب المصنوعة من النحاس الأصفر، والمزينة بالنقوش الجميلة، فيما يقف حولها طائفة من «غلمان الشرابخانة»، الذين كان يقتصر دورهم على مناولة شيوخ الطوائف، الذين يدعون لحضور الاحتفال أكواب الشراب.

وقد كانت هذه الاحتفالات بمثابة الترويج السياسي لحكمهم وليس فقط الاحتفال الديني، فضلاً عن أن الفاطميين هم أول من صنعوا حلوى المولد وقاموا بعمل مخازن لصناعة الحلوى، وقبل المولد النبوي بشهرين تُجهّز الحلوى وتوزع مجانا على الشعب، وعندما زادت الاحتياجات بدأ ظهور محلات لبيعها، وحلويات المولد كانت تسمى «العلاليق»، لأنها كانت تعلق على أبواب المحلات التجارية في سوق مخصوص للحلويات كان يسمى سوق الحلوين، ومن ثم أصبحت عادة سنوية مستمرة حتى يومنا هذا.

وقد تباينت قصص وروايات ظهور عروسة المولد النبوي، ومن أشهرها إن الحاكم بأمر الله كان يحب أن تخرج إحدى زوجاته معه في يوم المولد النبوي، فظهرت في الموكب بثوب ناصع البياض وعلى رأسها تاج من الياسمين، فقام صنّاع حلوى المولد برسم الأميرة والحاكم في قالب الحلوى على هيئة عروس جميلة، والحاكم تم صنعه فارسًا يركب جوادًا. وأمر الحاكم بأمر الله أن تتزامن أفراح الزواج وعقد القران مع المولد النبوي، مما يفسر سر عروسة المولد النبوي التي تُصنع في ذلك الموسم بشكلها المزركش وألوانها الجميلة (إسراء خالد، 2022).

وقد فسر أحد المؤرخين ظهور عروسة المولد بأن الحاكم بأمر الله قرر منع إقامة أي من الزينات أو الاحتفالات بالزواج إلا في المولد النبوي، لذلك كان الشباب وعامة الناس ينتظرون أيام المولد لإتمام زواجهم، وكانت العروسة المصنوعة من الحلوى والمزينة بأبهى الألوان بمثابة الإعلان عن قرب الزواج وإقامة الأفراح، وكانت عروسة المولد النبوي هدية أهل العريس للعروسة.

ويقول أستاذ التاريخ الاسلامي الراحل د. أحمد شلبي: «إن الخليفة الفاطمي المستنصر بالله عندما كان يتأهب لتأديب بعض قبائل الصحراء المغيرة على أطراف مصر قال لجنوده وقادته مشجعا لهم على القتال: حاربوا بمهارة، وعندما ننتصر سأزوج كلا منكم عروسا رائعة الجمال، وانتصروا، فزوجهم من أجمل جواريه، وفى الاحتفال بالمناسبة في العام التالي تصادف التاريخ مع وجود المولد النبوي، فقام ديوان الحلوى التابع للخليفة بصنع عرائس جميلة من الحلوى وتقديمها هدايا للقادة المنتصرين، وعامة الشعب، خاصة الأطفال، ومن يومها أصبحت عادة ومن مظاهر الاحتفال بالمولد».

وفي تفسير آخر لبداية هذه الاحتفالات أنه في عهد المستعصم بدأت دول الشمال الإفريقي التي كانت تحت السيادة المصرية تثور مُطَالبَة بالاستقلال؛ فأمر الخليفة بزحف عربي إلى هذه الدول، وكانت الركوبة الأساسية الحصان، وكان البطل الذي يبذل جهداً كبيراً يقدمون له عروساً يُزَفُ إليها. وبهذا التقط الفكر الشعبي هذا الحدث وعمل رموزاً له من خلال عمل عروسة من السكر في ملابس الزفاف المزركشة والحصان يمتطيه الفارس الشجاع، وتنوعت بعد ذلك الأشكال التي يُعَبرُ كل منها عن صفة، أو فكرة ما يؤمن بها المبدع الشعبي.

وعندما تولى الأيوبيون، وهم من السُنة، الحكم في مصر، سعوا لتغيير العديد من العادات والاحتفالات، التي أقامها الفاطميون، في محاولة لمحو نفوذ الفاطميين، الذين كانوا على مذهب الشيعة من مصر، ولكن محاولاتهم إلغاء احتفالات المصريين بالموالد عموما فشلت فشلا ذريعا، واستمرت هذه الاحتفالات حتى اليوم.

وقد مرت الاحتفالات بالمولد النبوي بالكثير من المنعطفات التاريخية والسياسية والاجتماعية، وأصبحت شكلا من أشكال الصبغة الدينية، ويذكر المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي، الذي عاش في زمن الحملة الفرنسية على مصر، فعندما جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر بقيادة نابليون بونابرت، لم تحتفل مصر بالمولد النبوي في هذا الزمن بسبب المشاكل الاقتصادية التي كان يعاني منها البلد، ومن ثم حاول نابليون التودد لكسب المصريين لاستمالتهم بالاهتمام بكل الاحتفالات الدينية وعلى رأسها المولد النبوي، سنة 1213هـ الموافق لـ1798م، وذلك من خلال إرسال نفقات الاحتفالات، إلى منزل الشيخ البكري (نقيب الأشراف في مصر) بحي الأزبكية، وأُرسلت أيضًا إليه الطبول الضخمة والقناديل.. وفي الليل أقيمت الألعاب النارية، احتفالاً بالمولد النبوي، وعاود نابليون الاحتفال به في العام التالي لاستمالة قلوب المصريين إلى الحملة الفرنسية وقوادها، لكن ذلك فشل فشلا ذريعا في تحقيق أي نتيجة، ودحرت حملة نابليون دحرا، بقيادة علماء الأزهر الشريف. في مصر الخديوية انتقل من الاحتفال الشعبي لاحتفال رسمي مسؤول عن تنظيمه وزارة الأوقاف (مينا غالي، 2021).

ويعد شارع باب البحر الأحمر في القاهرة معقل صناعة حلوى المولد، حيث يضم الكثير من المصانع والورش المتخصصة في صناعة عروسة المولد. كما اختلفت الحلوى كثيرًا عن السابق، فحاليًا أصبحت تصنع بشكل مميكن ويوضع لها اشتراطات صحية، ويدون عليها تاريخ الإنتاج، والصلاحية.

ومن أشهر العائلات التي يعمل أفرادها في حِرْفَة النحاتة قديماً في طنطا بمحافظة الغربية: عائلة أبو النصر، وعائلة الشرقاوي، وعائلة الحاج عبد القادر حسنين، الحاج يحيى، وعائلة زكريا. ومن أشهر العائلات التي تعمل في تصنيع عرائس المولد بقويسنا: عائلة النمر «كامل النمر، وفاروق النمر» رحمهما الله، وعائلة جودة. وحتى ثمانينيات القرن العشرين المنصرم كان في قويسنا (3 مصانع) تشارك في الاحتفالية الشعبية بتصنيع، وبيع عرائس المولد، ولم يبقَ منها سوى مصنع كامل النمر.

وترتبط عادة حلوى المولد بفلسفة حب العطاء عند المصريين، خاصة في المناسبات الدينية، فكانوا يتصدقون بإعطاء الحلوى للمساكين في ذكرى المولد النبوي، ومازال التقليد موجودا لدى عدد كبير من العائلات المصرية.

ومع اختلاف الروايات تظل حقيقة واضحة وأكيدة، أن عروسة المولد ليست لعبة للأطفال، وهدية العريس لعروسه، لكنها شاهد تاريخي على تغير الحقب والثقافة الشعبية عبر العصور، فنجد صناعتها بدأت بالسكر والماء والنشاء، وبيعها لتؤكل، وأصبحت الآن للزينة فقط، وتٌصنع من البلاستيك كما يدل اختلاف مظهرها وملابسها على اختلاف الزمن والثقافات (عبير العشري، 2017).

أما الحصان المصنوع من السكر؛ فقد اعتبره المصريون رمز الفروسية، والرجولة، وروح القتال. وكان يُصنع على شكل حصان يمتطيه فارس شاهرا سيفه، وخلفه علمه، والعلم يتغير بتغير الدول، وهو شكل يثير روح الفروسية والبطولة لدى الأطفال والكبار.

تصنيع عروسة المولد «المصنعة من السكر»:

تتنوع حاليا المواد التي تُصنع منها تلك العروس ما بين الخشب الزجاج والقماش ومؤخرا البلاستيك والخيوط، إلا أن النسخة القديمة المصنوعة من السكر والحلوى ذات اللون الوردي تظل الأكثر شهرة وخلودا في الذاكرة على مر الأجيال.

أما عن مكونات ومراحل تصنيع العروسة الحلاوة، فهي عبارة عن إضافة الماء على كميات كبيرة من السكر والقليل من ملح الليمون وإجراء عملية التسخين لإتمام التجانس، ثم مزج الخليط يدويًا ثم صبه في قوالب خشبية لاستخراج الأشكال المتنوعة من «عروسة، حصان، طاووس، سفينة وغيرها»، ووضع القوالب لتصفيتها من الزوائد ثم تفريغ القوالب لتكون بصورة نهائية لها ثم تأتي مرحلة «الزينة» لتزيينها بالورق المصدف والألوان الزاهية، لتكون بذلك جاهزة للعرض وبيعها.

ويتم تصنيع عروسة المولد وفقًا للمراحل الآتية:

1. مرحلة عمل قوالب خشبية وتتم هذه المرحلة في ورش صغيرة قريبة من مصنع عروسة المولد ويتم صنع هذه القوالب حسب الأوزان التي يطلبها صاحب مصنع العرائس فهي تباع حسب وزنها من السكر. وفي هذه المرحلة يتم تقطيع الاخشاب على شكل متواز مستطيلات حسب حجم العروسة ثم يشقه إلى نصفين طوليين متوازيين يرسم على أحدهما شكل يمثل النصف الأمامي للعروسة وعلى الآخر شكل يمثل النصف الخلفي لها ثم يتم صب السكر المعقود داخل القالب .

2. مرحلة ربط القوالب ونقعها بالماء حيث يتم في هذه المرحلة ربط القوالب الخشبية مع بعضها بخيط من الكتان وتغمر بالماء حتى يتخلل الماء جميع مسامها ولا يلتصق بها السكر المعقود وحتى تنخفض درجة حرارة القالب فيساعد على سرعة تجمد السكر وبعد عملية النقع يتم نقل القوالب على لوح من الزنج وترص القوالب وطرفها المفتوح المفرغ لأعلى .

3. مرحلة عقد السكر يتم وضع مقدار معين من السكر يتناسب مع مقدار معين من الماء في إناء نحاسي كبير على الموقد ثم يتم إضافة قطعة من الخميرة تتناسب مع كمية السكر المعقود ويضاف إليها ملح الليمون أو عرق حلاوة وتضرب جيدا حتى يصبح لونها أبيض وتستخدم يد خشبية لتقليب السكر .

4. مرحلة صب السكر المعقود في القوالب فيتم صب السكر المعقود في القوالب المرصوصة على قالب الزنك وتترك لمدة 10 دقائق حتى يتجمد السكر.

5. مرحلة فك القالب لإخراج العروسة .

6. مرحلة تزيين عروسة المولد وتنقسم هذه المرحلة إلى عدة مراحل هي «تركيب الجيبونة، تركيب الفستان، المكياج، تركيب المراوح والورود».

ومازال الاحتفاء الشعبي بهذه المناسبة مصحوباً بمظاهر الاحتفاء المصاحبة له مثل انتشار شوادر بيع عرائس المولد في الشوارع الرئيسة وأسواق المدن المصرية.

ويسعى المبدع الشعبي إلى إبراز التفاصيل الجسدية لعروسة المولد والتي تمثل، أو تعبر عن الإغراء الذي تتميز به الأنثى، ويهتم المبدع الشعبي بإظهار مصادر الإغراء والجمال في العروسة؛ إذ أنها تحرك المشاعر والأحاسيس. ويلجأ المبدع لهذه الحِيل الجمالية كعامل جذب لزبائنه من الصغار والكبار، حتى تزداد مبيعاته ويستطيع مواجهة أعباء الحياة.

ويرى البعض أن هذه المهنة في طريقها للانقراض، بينما يرى آخرون غير هذا، وأنها ستستمر؛ «لأنها أصبحت طبيعة، أو عادة». ولعل التعبير عن التقدير بالحلوى من أساليب الحياة المعتادة، المقبولة في مجتمعنا؛ إذ أن تقديم الحلوى للضيوف في مجتمعنا يُعَد تقديراً، احتفاءً بهم. وربما يرجع تعبير الشعبي عن حبه لرسول الله ﷺ بتشكيله للسكر وتصنيعه عروسة المولد، وهي النموذج المحبب لدى الجميع مع أشكال أخرى، يُعَد هذا احتفاءً، وتقديراً شعبياً لصاحب هذه المناسبة الدينية / الاجتماعية المهمة الراسخة في العقل الجمعي للمجتمع المحلي، ويبدو «أن العقل الجمعي collective mind يلجأ إلى صُنع أنساق فكرية خاصة يستطيع من خلال ممارساته نحوها أن يتواءم مع البيئة المحيطة به» (الفرماوي، 2018، 23).

ومثلما احتفى المصريون بعروسة المولد، وربطوها بالسعادة والفرح بقدوم مولد النبي محمد عليه الصلاة والسلام، فقد احتفى بها الفن المصري في الغناء والمسرح والسينما والرقصات الاستعراضية، وكذلك في امتحانات الرسم.

ومع بداية القرن الواحد والعشرين، بدأت العروسة المصنوعة من الحلوى تتحول إلى لعبة من البلاستيك، واحتفظت بنفس المواصفات الخاصة بالشكل التراثي لعروسة المولد، وظهرت أشكال عصرية وجديدة ومستحدثة لعروسة المولد، والتي تجمع بين الموروث الثقافي العربي، والثقافة العالمية، وتتنوع حاليا المواد التي تُصنع منها تلك العروس ما بين الخشب الزجاج والقماش ومؤخرا البلاستيك والخيوط، وتطورت إلى أن أصبحت بلاستيك وإلكترونية وكهربائية أيضًا ومزينة بإضاءات مبهجة، وملابس مختلفة.إلا أن النسخة القديمة المصنوعة من السكر والحلوى ذات اللون الوردي تظل الأكثر شهرة وخلودا في الذاكرة على مر الأجيال.

كما رافقتنا عروسة المولد أوقات الأزمات وكانت تعكس التغيرات الطارئة على المجتمع، ولعل من المضحك والمميز في نفس الوقت ظهورها في وقت انتشار فيروس كورونا - كوفيد 19 وهي مرتدية الكمامة، وهي لافتة كوميدية قام بها بعض البائعين لتوعية الناس وحثهم على اتباع إجراءات السلامة.

وبتغير الحالة الاقتصادية التي أثرت على الجميع عالميًا بدأت بعض الأمهات في صنع عرائس المولد بالتريكو أو بالخامات المنزلية المتاحة، ولكنهن لم يفكّرن أبدًا في أن يمر عام واحد دون إدخال الفرحة على بناتهن بسبب الظروف الاقتصادية احتفالًا بالمولد النبوي الشريف.

الآن وفي السنوات الأخيرة واستمرارًا لتطور عروسة المولد بدأ ظهور التصميمات الخشبية التي تحتوي على مجسم خشبي لها ويُستخدم لتزيين المنزل ويتبادله الأصدقاء والأقارب بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف.

ومع اختلاف الروايات لكن تظل هناك حقيقة واضحة وأكيدة، أن عروسة المولد عادة متوارثة شاهدة على تغير الثقافة الشعبية عبر العصور، فنجد صناعتها بدأت بالسكر والماء والنشاء، وبيعها لتؤكل، وأصبحت الآن للزينة فقط، وتٌصنع من البلاستيك كما يدل اختلاف مظهرها وملابسها على اختلاف الزمن والثقافات.

المراجع:
- أسامة الفرماوي (2018): المظاهر الاحتفالية لمولد الشيخ رمضان دراسة فولكلورية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ص 23.
- أسامة الفرماوي (2022): عروسة المولد بكامل زخرفاتها في قويسنا – تلخيص معنى الحياة ورموز الجمال والخصوبة، مجلة الثقافة الجديدة، العدد 373 ص 108 إلى 113.
- إسراء خالد (2022): هل كانت لتزويج الجنود المنتصرين؟.. حكاية عروسة المولد النبوي، جريدة المصري اليوم، https://www.almasryalyoum.com/
- رشا أحمد (2023): عروسة المولد... من أساطير الحاكم بأمر الله إلى أميرات ديزني، جريدة الشرق الأوسط، https://aawsat.com/
- عبير العشري (2017): عروسة المولد بدأت فى مصر القديمة، الأهرام، العدد رقم (47842). 
- مينا غالي (2021): "حلاوة المولد".. قصة "العروسة" و"الحصان" وتاريخ الاحتفال بالمولد في مصر، موقع مصراوي، https://www.masrawy.com/
- الهيئة العامة للاستعلامات (2009): عروسة المولد، https://www.sis.gov.eg
الصور :
- الصور من الكاتب .
1.2 www.vetogate.com

أعداد المجلة