فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
66

الأندلس وموسيقاها الشعبية

العدد 66 - أدب شعبي
الأندلس وموسيقاها الشعبية
كاتب من مصر

توطئة:

نظرًا لتنوع وثراء الموسيقى في العالم الإسلامي بوجه عام وفي الأندلس على وجه الخصوص بشقيها الكلاسيكية التقليدية -عند أهل الخاصة والتي راجت في قصور الخلفاء والحكام والأمراء- أو الشعبية -والتي نالت قسطًا من الاهتمام من قبل العوام والمتصوفة- وما شهدته من تطورات وتحسينات بمرور الوقت؛ سنقتصر الحديث في هذه الدراسة على بعض سماتها الأساسية مع التركيز على الآلات الإيقاعية والهوائية بشكل خاص كما جاء ذكرها في بعض المصادر ككتب الأمثال والحسبة والنوازل الفقهية أو الاكتشافات الأثرية الحديثة.

المجتمع الأندلسي والموسيقى:

تعكس الثقافة الأندلسية –الفنية والمعمارية- ذلك التنوع الجمالي والمزج الحضاري الذي لم ينحدر عن جذر عرقي أو اجتماعي أو ثقافي واحد، وإنّما يُمثل اندماجًا لفنون المشرق والمغرب والغرب نتيجة لحالة التعايش، والموسيقى الأندلسية تشارك هذا الواقع الأندلسي فهي تنتمي لهذه الحضارة التي صاغت منها هويتها، فهي موسيقى رحبة وكاملة بأبعادها الفنية والغنائية والشعرية والفلسفية1، وفي هذا السياق يشير بعض الباحثين إلى أنَّ البحث في موسيقى الأندلس بدأ مع نهاية القرن التاسع عشر بمراحل وموضوعات مختلفة انصب عليها تركيزها، ومع بداية القرن العشرين ركز البحث على تأثيرات موسيقى الأندلس على القصائد الغنائية والمؤلفات الأوروبية، وعلى بعض الموضوعات الجديدة كالتحليل الموسيقي والبنيوي، ودور الموسيقى ضمن رؤية جديدة للأنثروبولوجيا الثقافية، لذا تعتبر دراسة الموسيقى الشعبية أمرًا ذا صعوبة كونها لم تدون لذلك لا يمكننا تصورها إلا من خلال المصادر المخطوطة أو الأثرية، وبشكل تقليدي نُقلت موسيقى الأندلس شفهيًا لمختلف البلدان الإسلامية، غير أنَّ هذا لا يمنع امتلاك مجموعة من المصادر الوثائقية المكتوبة السردية منها والتاريخية والفقهية والأدبية العربية منها والإسبانية2.

وفي مجملها الموسيقى تعكس مضامين المجتمعات وتكشف عن نمط حياتها، وموسيقى الأندلس الشعبية هي نتاج للتعايش بين الثقافات -الإسلامية العربية، القوطية، اليهودية- والتي ربما تكون قد حددت التطور التاريخي للموسيقى الإسبانية حتى يومنا هذا، فتلاحمت الفنون الموسيقية بفنون الشعر التي ابتكرتها مدرسة الأدب الأندلسي كالموشح3 والزجل4؛ فالأول كُتب بالعربية الفصحى وآخر أبياته أصابها اللحن، والثاني يحمل ملامح اللهجة الأندلسية، كلا النوعين لاقى قبولاً من الشعراء الأندلسين، فكثيرًا ما كان كبار الشعراء يلحنون أشعارهم بأنفسهم، وهناك ارتباط وثيق بين الموشح والموسيقى والغناء، فما وجدت الموشحات إلاّ للتلحين والغناء، ومن هنا ارتبطت دراسة الموسيقى الأندلسية بدراسة الموشحات بل وربما اقترن فن التوشيح منذ البداية بفن التلحين والغناء، فكان الوشّاحون يضعون الألحان لمنظومتهم، والمعروف عن ابن باجة مثلا - وهو فيلسوف الأندلس- أنّه كان وشاحًا وملحنًا ومغن5. وبشكل عام كان الموشح والزجل والقصائد الشعرية المكونة لمجموعة الموسيقى الأندلسية جميعها تُغنى في الأندلس، مما ترتب عليه تخلي الأندلسيين عن الإبداعات الشعرية التقليدية كالقصيدة الشرقية فأدى لابتكار تلك التراكيب الشعرية الجديدة التي قدمت إمكانيات أكثر في التركيب اللحني والإيقاعي والصوتي بين نهاية فترة الخلافة وبداية ممالك الطوائف (422هـ/1030م-488هـ/1095م)6، وبعد سقوط الأندلس وزوال الحكم الإسلامي بسقوط غرناطة آخر المدن (897هـ/1492م) وقيام محاكم التفتيش بالتنصير القسري على من تبقى من مسلمي الأندلس؛ مما تسبب في اندثار متسلسل ومتتابع لموسيقى البلاط الأندلسي من مملكة غرناطة بعد المراسيم التي أصدرتها محاكم التفتيش بحق الأندلسيين وأدى لاختفاء وتشتت تدريجي للفرق الموسيقية والموسيقيين المسلمين خاصة ممن عزفوا في القصور والمناسبات الخاصة وهو ما يفسر ذلك التباين في أنواع وأحجام وخصائص آلات الموسيقى وما يتناسب مع البقايا الأثرية والحفريات7، وتكونت الفرق الموسيقية عادة من ثلاث أنواع من الآلات كالعود والرباب والطبول والدفوف، والعازفين في المناسبات الموسيقية رتبوا على شكل ربع هلال أثناء العزف فالحفلات الموسيقية وفقًا للترتيب التالي؛ يحتل عازف العود مركز القوس بحيث يراه جميع الموسيقيين، بينما يجلس عازفو الطنبور والرباب على اليمين ويجلس باقي العازفين على اليسار، من أقصى اليسار تواجد على التوالي المغني، وعازف الطبل، وعازف الدف الذي يغلق القوس8. ومن جانب آخر شهدت مصادر السرد المسيحي اهتمامًا أكبر بموسيقى الأندلس الشعبية في سلسلة من الوثائق ذات قيمة كبيرة لدراسة الإطار الاجتماعي لموسيقى المملكة النصرية في غرناطة والمرحلة اللاحقة لها لما أتاحه الوضع الإداري والسياسي الجديد في الأندلس والذي جلب معه مجموعة من المصادر كانت نادرة في الفترات السابقة9.

وجمعت موسيقى الأندلس– عند الخاصة والعامة- بين ثقل ثقافي وفني واسع، من خلال تلك المجموعة المتنوعة من الألحان الموسيقية والتركيبات الشعرية والعروض والإيقاعات والألحان والآلات والأنواع10، وعرف المجتمع الأندلسي نوعين من الموسيقى؛ إحداهما للخاصة عُزف في قصور الأمراء والخلفاء بناءً على طلب أهل السلطة والتي لا يمكن الحديث عنها دون الإشارة لحالة المزج بين الشعر الشرقي والأندلسي الذي اختاره الموسيقيون بهدف تكييفها مع الغناء والإيقاع والطريقة، لذا حظيت الموسيقى بعناية كبيرة وانتشرت بشكل واسع طيلة الحكم الإسلامي، وتعددت مظاهر الحفاوة والتكريم والتقدير التي أحيط بها رجالها، فنجد الحكم بن هشام الرضا بن عبد الرحمن الداخل الملقب بالربضي (180-206هـ/796-822م)، يستقدم مغنين ومغنيات من المشرق مثل زرقون وعلون ومنصور والعجفاء، وكذلك الخليفة عبد الرحمن بن الحكم والمعروف بعبد الرحمن الثاني أو الأوسط (206-238هـ/822-852م) والذي خرج بنفسه لاستقبال زرياب عند وصوله لقرطبة عام 206هـ/822م، كما لم يفقد الموسيقيون مكانتهم الرفيعة في المجتمع حتى خلال فترات الانقسام والفتن التي كانت تمر بها البلاد في بعض الأحيان، كما لم يكن الاهتمام بالموسيقى مقصورًا على الطبقة الحاكمة وأبناء النخبة فقط، بل إنَّ الطبقة الشعبية أيضا شاركتها ذلك؛ فكانت ممارسة الموسيقى والغناء عادة شائعة بين عامة الناس، فيذكر التجيبي واصفًا ليالي قضاها مريضًا في مالقة عام 406هـ/1015م «كنت إذا جنني الليل اشتد سهري وخفقت حولي أوتار العيدان والطنابير والمعازف من كل ناحية، واختلطت الأصوات بالغناء، فكان ذلك شديدًا عليّ وزائدًا في قلقي وتألمي، فكانت نفسي تعاف تلك الضروب طبعا وتكره تلك الأصوات جبلة، وأود لو أجد مسكنًا لا أسمع فيه شيئًا من ذلك ويتعذر على وجوده لغلبة ذلك الشأن على تلك الناحية وكثرته عندهم»11.

مصادر دراسة موسيقى الأندلس الشعبية:

موسيقى الأندلس الشعبية هي التي انتشرت بين عوام الناس واستخدمت اللهجة الدراجة العامية في غنائها والآلات البسيطة في عزفها، وبرزت في مجالس اللهو والسمر التي عجت بالموسيقى والغناء خاصة الموشح والأزجال، وهي في مجملها خليط جمع الجانب الدنيوي متمثلا في الحب والطبيعة والمواقف الحياتية والجانب الديني فَغُنت قصائد في الغزل وسرد الحكايات والقصائد المدحية وخصوصًا مدح الرسولﷺ، كما ارتبط عزفها ببعض العادات الاجتماعية والاقتصادية، فاستمتع العوام بها في احتفالاتهم بجانب الشعراء والزجالين وركزت على الأغاني المرتبطة بالأعياد والاحتفالات والمناسبات كالختان وعودة الحجاج، لذا يمكن أن يرجع نقص المعلومات حول الموسيقى الشعبية لطبيعتها الشفوية وليس التدوينية12.

ولإجراء دراسة تاريخية للموسيقى الشعبية في الأندلس، هناك مجموعة من المصادر المهمة للتوثيق والتأصيل للموضوع في ظل حالة التباين للمصادر التي تناولت الآلات الموسيقية بشكل أكثر أو أقل، سواء من خلال الدراسات الأثرية والحفريات في ظل غياب نماذج حية للآلات الموسيقية في العصور الوسطى بصفة عامة وفي الأندلس بصفة خاصة، ويظل المصدر الأساسي لدراسة الآلات الموسيقية هو ما تم تصويره على جدران القصور أو ما رُسم على بعض القطع الخزفية أو نحت على بعض اللوحات الفنية، أو ما تناوله الأدب الشعبي المتمثل في الأمثال العامية، أو ما ذكرته المصادر الفقهية والذي يعكس الحضور الكبير للموسيقى في الحياة الأندلسية فمن خلالها يمكننا إدراك الثقل الذي كان للموسيقى في جميع أنحاء العالم الأندلسي من خلال النوازل والفتاوى في ظل حالات التحريم والإباحة لبعض الآلات، كما كان لبعض الأيقونات المسيحية في العصور الوسطى دور كونها حملت إشارات تعكس الرواج الموسيقي للأندلس بتمثيل الآلات الموسيقية أو ما تبقى منها وجميعها تعتبر حلقة من حلقات دراسة الموسيقى بصفة عامة والشعبية بصفة خاصة13.

العوام والموسيقى الشعبية:

ارتبطت الموسيقى بالمناسبات والاحتفالات عند الأندلسيين على وجه العموم وعند العوام بصفة خاصة، حيث اُعتبرت شكلاً من أشكال تمثيل الذات لهم، وبالنسبة للغير نموذج لما هو أندلسي تجسّد في الموسيقى الشعبية تعبيرًا عن سمات الهوية الأندلسية والشخصية لشعبها، فكانت التركبية الثقافية والاجتماعية والفنية لمن قطنوا الأندلس قبل وبعد الحكم الإسلامي على مدى العصور التاريخية المتلاحقة؛ شكلت موروثا فنيا طبع بطابع الأندلس14، فالأندلسيون بطبيعتهم محبون للهو والترف والمجون والاحتفال بأعيادهم الكثيرة ومناسباتهم العديدة والمختلفة، منها ما هو إسلامي كعيد الأضحى وعيد الفطر والمناسبات الدينية كعاشوراء ونصف شعبان وليلة القدر، ومنها غير الإسلامي كعيد العنصرة وينير والعصير وغيرها، والتي كانت مدعاة للخروج للحدائق والجنان والمتنزهات15، مما ساعد على انتشار الموسيقى وآلاتها، ويُشير بعض الباحثين أنَّ استخدام الآلات الموسيقية في الاحتفالات والأعياد الشعبية في الأندلس سيكون مفسرًا لاختفائها من الأندلس بعد السقوط نظرًا لارتباط تلك الممارسات الموسيقية بالهوية الإسلامية للأندلس16.

فاشتهرت العديد من المدن الأندلسية بالملاهي وانتشار مجالس السمر والسهر، كمدينة بلنسية التي تفاخر أهلها بكثرة تلك المجالس فيقولون «عند فلان عودان وثلاثة وأربعة وأكثر من ذلك، ولا تكاد ترى فيها من أهلها أحد إلا وقد اتخذ مغنية أو أكثر من ذلك»17، وفي هذا يشير الشقندي بقوله «لقد تميزوا بجمالهم الطبيعي وحيوية فنهم، وقدرتهم على التوفيق بين السيوف والنرد وأداء خفة اليد»، ويؤكد الشقندي أيضا أنَّ بإشبيلية جميع أدوات الطرب «ما في هذا البلد من أصناف أدوات الطرب كالخيال والكريج والعود والروطة والرباب والقانون والمؤنس والكثيرة والفنار والزلامي والشقرة والنورة وهما مزماران الواحد غليظ الصوت والآخر رقيقه والبوق وإن كان جميع هذا موجودا في غيرها من بلاد الأندلس فإنه فيها أكثر وأوجد وليس في بر العدوة من هذا شيء إلا ما جلب اليه من الأندلس وحسبهم الدف»18، ويزيد أيضا ابن خلدون في حديثه عن إشبيلية بقوله «بإشبيلية بحر زاخر وتناقل منها بعد ذهاب غضارتها إلى بلاد العدوة بإفريقية والمغرب، وانقسم على أمصارها وبها الآن منها صبابة على تراجع عمرانها وتناقص دولها، وهذه الصناعة آخر ما يحصل في العمران من الصنائع لأنها كمالية في غير وظيفة من الوظائف إلا وظيفة الفراغ والفرح، وهو أيضا أول ما ينقطع من العمران عند اختلاله وتراجعه»19، ومن تلك النصوص نستطيع القول أنَّ إشبيلية كانت عاصمة للموسيقى الأندلسية مثلما كانت قرطبة عاصمة الإنتاج العلمي والأدبي المكتوب. أمّا عن مدينة أبدة20 فعُرفت بأصناف الملاهي والمراقص فكان يرقص بها راقصات مشهورات ومعروفات بحسنهن فكن يمارسن العديد من الألعاب والحركات أثناء رقصهن كاللعب بالسيوف كما يذكر المقري بقوله «فإنهن أحذق خلق الله تعالى باللعب بالسيوف والدَّك وإخراج القروي والمرابط والمتوجه»21.

وفي سياق ذلك استخدم الأندلسيون الموسيقى في احتفالاتهم بالمناسبات كموسم العصير والذي سمي زمن العصير أو أيام العصير أو عيد العصير كما ورد في المصادر المختلفة، والذي امتد الاحتفال به لعدة أيام وهو وقت جني العنب في الأندلس، فيخرج الناس مع أولادهم للحقول ولبس أجمل ما عندهم من ملابس وحلي ومعهم أصناف المأكولات والمشروبات وآلات الموسيقى والطرب وما يتبع ذلك من غناء ورقص وينزلون في الأودية والأنهار ويسبحون22، بالإضافة لموسم العصير كان موسم صباغة الحرير وهو أشبه به فكان الأندلسيون يحتفلون ويرقصون مصطحبين معهم آلات الموسيقى ليغنوا ويلهوا، ولم نجد لهذا الاحتفال ذكرًا إلا عند المقري حيث يعرفه بأنّه «أيام يصبغ فيها الحرير على ضفاف الوديان، وتكون أياما احتفالية بشتى وسائل الغناء والطرب واللهو»23.

كما مثلت حفلات العرس الأندلسية شكلاً من أشكال تلك الاحتفالات والتي تخللها استخدام الآلات الموسيقية ورافقها بعض الراقصات رفقة الأغاني الشعبية والأزجال التي كانت تُغنى فيها24، وجاءت الأمثال لتصف لنا حفلات العرس في المجتمع الأندلسي والتي كانت تستمر ليوم أو لعدة أيام، تصاحبها فقرات من الطرب والعزف على الآلات من المغنين والمطربين والعازفين كما في المثل «إذا انضارب الزمار طاب العرس»25، كما صاحب تلك الحفلات ضروب من اللهو والعربدة وشرب الشراب26، وهو ما أشارت إليه الأمثال باعتباره خير دليل لوصف ما كان يقع في تلك الحفلات من عادات منافية للدين والمجتمع بقولهم «بحال عرس إبليس يسمع واش يرى»27، كما اعتبرت الأعراس ملتقى للعلماء والحكماء برفقة الملهين والعازفين من أهل الأندلس، وهو ما يذكره الحميدي بقوله «دعاني يومًا رجل من إخواني إلى حضور عرس له في أيام الشبيبة والطلب، فحضرت مع جماعة من أهل الأدب، وأحضر جماعة من الملهين وفيهم ابن مقيم الزامر وكان طيب المجلس صاحب نوادر»28، وتواجد بعض العازفين في تلك الحفلات كان أمرًا شبه محتوم في مثل تلك التجمعات، وهو ما أشار إليه الحميدي عند حضوره أحد الأعراس بقوله «فلعهدي بعرس في بعض الشوارع بقرطبة، والنكوري الزامر قاعد في وسط الحفل وفي رأسه قلنسوة وشي وعليه ثوب خز عبيدي وفرسه المحلاة يمسكه غلامه»29.

بالإضافة لحفلات العرس كانت حفلات الختن والتي شهدت طقوسها استخدام بعض الآلات، فتجتمع النّسوة قبل يوم الختان وتجهزن للطفل ملابسه الخاصة بذلك اليوم، كما تخضّبن يديه ورجليه بالحناء، وفي اليوم الموالي يستدعى الحجام لختنه، وبهذه المناسبة السعيدة التي لا يفوقها سوى الأعراس في كثرة الإنفاق والتباهي، تقام الوليمة، بحضور الأهل والجيران والأصدقاء، وينثر على الطفل المختون الجوز، واللوز، والسكر، وبعض الدنانير التي يستفيد منها المدعوون ويستأثرون30، وأمّا الأسر الفقيرة فاكتفت باستدعاء الحجام للبيت ليختن الطفل وتدفع له أجرته، أو تترقب دعوة من أحد الوجهاء ليتكفل بهذا الأمر فكان بعضهم يلحقون ختان أبناء العامة لجانب أبنائهم على سبيل التقرب من الله عزّ وجل وصاحب ذلك بعض مظاهر الاحتفال البسيط31.

كما نجد بعض العوام ممن مارسوا مهنًا متعلقة بالاحتفالات والمهرجان استخدموا الآلات الموسيقية في عروضهم كقارضي الشعر والأزجال بقصد تسلية الناس وإلهائهم، فمنهم من يسير بالأزجال والأشعار في الشوارع وخاصة وقت الخروج للغزوات والحروب لبث الحماسة كانوا يستخدمون بعض الآلات الموسيقية وفي ذلك يذكر ابن عبد الرؤوف بأنًه «يُمنع الذين يمشون على الأسواق بالأزجال والأزياد وغيرها أنَّ لا يكونوا في وقت يُنفر فيه للجهاد ويُمشى فيه إلى الحجاز»32، فيمرون بالأسواق والشوارع والحواري يغنون بأزجالهم مما يسبب الضجر والإزعاج للأهالي لما يطلبونه من مقابل نظير إلقاء أزجالهم أو يثيرون بعض الشغب أو يلحون في طلب المال من الناس33، وصاحب القاص في مثل تلك الحالات استخدام أنواع من العزف على الآلات، وكذلك بعض القوالين من المتصوفة فأنشدوا القصائد الصوفية المشهورة في المجتمع الأندلسي ويحتفلون ويتغنون بها ولعلهم أيضا استخدموا آلات الموسيقى كالدف مثلا وهو ما يفهم من سياق ما وصفه ابن الخطيب عن إحدى القصائد «كلف بها القوالون والمسمعون بين يديه»34.

الآلات الموسيقية في الموروث الشعبي:

ازدهرت صناعة الآلات الموسيقية في الأندلس وتعددت أنواعها نتيجة لما عرفته الموسيقى من انتشار واسع، وما حظيت به من رعاية وتشجيع من لدن الطبقة الحاكمة في كثير من المدن وهو ما أشار إليه الشقندي في رسالته عن «فضل الأندلس» وذكره لأكثر من ثلاثة عشر آلة موسيقية، بعضها يحمل أكثر من شكل في نوعه «كالخيال والكريج والعود والروطة والرباب والقانون والمؤنس والكثيرة والفنار والزلامي والشقرة والنورة وهما مزماران الواحد غليظ الصوت والآخر رقيقه - والبوق»35، ومن هذا النص نستطيع أن نقيس مدى ثراء وانتشار الآلات الموسيقية، فإذا كانت إشبيلية بها هذا الكم من الآلات الموسيقية فإنَّ باقي مدن الأندلس التي اشتهرت بالطرب والغناء واللهو وجد بها مثل تلك الآلات أو أكثر، وهو ما يعكس رواج تلك الصناعة والقائمين عليها، ومما يدل على شهرة إشبيلية بالصناعات الموسيقية ما ذكره ابن رشد بقوله «إذا مات عالم بإشبيلية فأريد بيع كتبه حملت إلى قرطبة حتى تباع فيها، وإن مات مطرب بقرطبة فأريد بيع آلاته حملت إلى إشبيلية»36، ومما يصور براعة الأندلسيين في صناعة الآلات الموسيقية أنّ أبا عامر محمد ابن الحمارة الغرناطي اشتهر عنه أنَّه كان يعمد للشعراء فيقطع العود بيده، ويصنع منه عودًا للغناء وينظم الشعر ويلحنه ويغني به37.

وتنقسم الآلات الموسيقية كما يذكر ابن خلدون إلى آلات إيقاعية وأخرى هوائية بقوله «أهل علم الموسيقى وتكلموا عليها كما هو مذكور في موضعه وقد يساوق ذلك التلحين في النغمات الغنائية بتقطيع أصوات أخرى من الجمادات إما بالقرع أو بالنفخ في الآلات»38، فالآلات الإيقاعية هي تلك التي يخرج منها الصوت نتيجة الضرب عليها مثل الدف والطبول، أمّا عن الآلات الهوائية أو آلات النفخ فهي المُصدرة للنغمات عن طريق النفخ داخلها مثل البوق والناي والنفير وغيرها، أمًا عن الأدوات الوترية وهي التي يصدر منها النغمات بواسطة تحريك أوتار مشددة فيه مثل العود والطنبور والرباب وغيره.

1.آلات الإيقاع في الموسيقى الشعبية الأندلسية:

تتيح دراسة تلك الآلات لنا الاقتراب من الأنماط الموسيقية الشعبية بعيدًا عن الموسيقى الأرستقراطية في الأنظمة الحاكمة، كواحدة من الإشارات القليلة عن الممارسة الموسيقية الشعبية الإسلامية في الأندلس، والتي تجاهلتها المصادر العربية أو تناولت بعض الشذرات عنها في سياق بعض الكتابات، فصمتت معظم المصادر العربية في الأندلس عن ذكر الموسيقى الشعبية للمجتمع الأندلسي، وفي المقابل نجد تفصيلات حول موسيقى البلاط للحكام بداية من الأمويين (138هـ/755م-316هـ/928م) إلى بني الأحمر (629 - 897هـ/1232 - 1492م).

وكانت الطبول والدفوف أكثر الآلات الإيقاعية استخدامًا في المناسبات الشعبية الأندلسية لتوافر موادها الخام وسهولة عزفها وكذلك إباحة استخدامها من قبل الكثير من الفقهاء والعلماء، ويعرف الإيقاع عامةً بأنّه «حركات متساوية الأدوار تضبطها نسب زمانية محدودة المقادير على أصوات مترادفة في أزمنة تتوالى متساوية كل واحدة منها تسمى دورًا» وهو أيضا «مجموعة نقرات تتخللها أزمنة محددة المقادير على نسب وأوضاع مخصوصة بأدوار متساوية» وتوضح التعريفات السالفة أنَّ الإيقاع شرقًا كان واضحًا ومحددًا وأكثر دقة وسعة ليشمل العديد من الآلات الأخرى المتداولة كالطبول والدفوف التي تضبط الإيقاع بشكل أساسي.

- الطبول:

الطبول آلة موسيقية إيقاعية استخدمت في جميع أنحاء الأندلس منذ وصول الإسلام لشبه الجزيرة الايبرية حتى السقوط، استخدمت بشكل أساسي في السياقات الإسلامية الشعبية لمرافقة الغناء، ربما صاحبتها آلات وطبول أخرى أو منفردة أثناء الاحتفالات والمناسبات والطقوس المرتبطة بالمجتمع الأندلسي، ومن المحتمل أن تكون النساء والأطفال استخدموها في بعض المناسبات المختلفة39، ولا تظهر الطبول صراحة في كتابات المؤرخين والعلماء كابن حيان أو في كتابات الآخرين، فهناك ثمة تجاهل من قبل الشعراء الأندلسيين ممن أفردوا في شعرهم مشاهد لبعض الآلات الموسيقية كالعود والناي والمزامير مقابل تمثيلات قليلة للطبول وهو شيء ملفت للنظر أشار إليه الباحثون الإسبان، بينما تظهر بعض الإشارات لهذه الآلات في القليل من المصادر المكتوبة في العصور الوسطى الإسلامية والمسيحية يمكن أنَّ تلقي مزيدًا من الضوء حول استخدامها (شكل رقم[2])40، ككتب الحسبة وكتب الأمثال والأزجال والتي تناولتها بشكل متقطع لأنها على الأرجح ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بالتقاليد والطقوس الشعبية فكانت شائعة الاستخدام في حفلات العرس والأعياد وبعض المناسبات الاجتماعية الأخرى كحفلات الختان أو أثناء عودة الغائب.

وبدراسة المصادر العربية تبرز بعض المرادفات اللغوية للطبول، فيذكر ابن سيده الأندلسي لفظ الطبل ويعرفه بقوله «طبل وأطبال وطبول، الطبال: صاحب الطبل وحرفته الطبالة وقد طبل يطبل ومن أسمائه الكبر والكوبة ومنه حديث عبد الله بن عمر: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمر والميسر والكوبة والغبيراء وكل مسكر) وقال الشاعر في الكبر:

وإذا حنت المزامير والمزهر

تسمو بصونه الأوتار

وتغنى الشادي المغرد لما

جاوبتها الدفوف والأكبار»41.

كما يظهر مصطلح آخر لبعض الطبول في الأندلس يُعرف بـ(الكَبَرُ) عرفه ابن منظور بقوله «والكَبَرُطبل له وجه واحد. وفي حديث عبد الله بن زيد صاحب الأَذان: أَنه أَخَذَ عوداً في منامه ليتخذ منه كَبَراً؛ رواه شمر في كتابه قال: الكبر بفتحتين الطبلُ فيما بَلَغَنا، وقيل: هو الطبل ذو الرأْسين، وقيل: الطبل الذي له وجه واحد. وفي حديث عطاء: سئل عن التعويذ يعلق على الحائط، فقال: إن كان في كَبَرٍ فلا بأْس أَي في طبل صغير». الكَبَرُ : «الطَّبلُ ذو الوجه الواحد والجمع كِبار، أكبار»42.

ويتكرر ذلك المصطلح في الإشارة التي ذكرها الشاعر ابن الجزار السرقسطي43 في ديوانه عند حديثه عن مهنته وهي الجزارة (القصابة) أنَّ من بين أولئك الصناع الذين يعتمدون عليه وهم صانعو الطبول والدفوف وذكرهم بـ (الكَبّار):

فَمنهم الكرّاش وَالسلاخ

إِلَيهُم السبّار وَالطباخ

وَالصَنع المَألوفُ وَالجلاد

وَدابغ الجُلود وَالحِداد

إِلَيهُم الرواس وَالبلاجي

ثُمَ الفَتى المَدعو بِالسَراج

وَمنهم الفرانُ وَالزقاق

يَليهُم الرَقاق وَالمواق

وَبائع الأَخفاق وَالخفاف

وَبَعده الكَبّار وَالدَفاف

وَمنهُم الفَران وَالخَراز

إِلَيهُم الغربال وَالشكّاز

وَصانعُ الأَوتار للعيدان

بَينَ مثالثٍ إِلى مَثاني

ويذكر أيضا يحيى بن عمر في كتابه (أحكام السوق) الكَبَرُ حينما سُئل عن حكم استخدام الآلات الإيقاعية في حفلات العرس والختان والولائم «عن الرجل يدعى إلى العرس، وهي الوليمة أو الختان أو إلى صنيع، فيسمع فيه صوت بوق أو ضرب كَبَر أو ضرب مزهر أو ضرب عود أو طنبور، أو يعلم أنَّ فيه شراباً مسكراً، هل ترى له أنَّ يجيب إذا دعي ؟ فأما الكبر والمزهر المدور فقد سهل فيه في العرس، ولا بأس أنَّ يجيب إليها وأما غير هذا مما ذكرت مثل البوق والطنبور والعود فلا يجيب»44.

أمّا عن مصطلح الطبول فقد ورد ذكره في سياق الأمثال العامية عند الأندلسيين كما في المثل «أفقر من قائد القلعة الذي سرق من الطبل بش عمل قجت لصباط» والصباط عند أهل الأندلس هو الحذاء، وفيه إشارة لإعادة استخدام جلود الطبول في الأندلس لصناعة الأحذية45، وكذلك المثل الذي أشار إليه ابن عاصم الأندلسي «ضرب الطبل تحت الكسا» والذي جاء بصيغة أخرى عند الزجالي بقوله «ليس يضرب دف تحت قطيفة»46، وجميعها إشارات صريحة لاستخدام لفظ الطبول في الأندلس.

واتساقًا لما أشارت إليه الأحاديث النبوية عن شرعية وجواز استخدام الطبول أو الدفوف فإنَّها أباحت استخدام الدُّفِّ، فكانت كلُّها للنِّساء والصِّغار، ولا تخلو في العُرس أو العيد أو قدوم الغائب أو بعض العادات والطقوس الاجتماعية، ونحن هنا لا نتناول تحريم قرع الطبول والدفوف وآلات النفخ كالبوق والمزامير في المناسبات والاحتفالات الاجتماعية في الشريعة الإسلامية وفي المجتمع الأندلسي، لأنها مسألة تطرق لها العديد من الفقهاء والمختصون، ولكن ما يعنينا في الشأن هو استخدام تلك الآلات وأنواعها وأصنافها، وربط ابن عمر استخدام تلك الآلات الموسيقية في سياق الاحتفالات الاجتماعية وأنكرها عن باقيها بقوله «عمن استرعاه الله رعية إذا سمع في هذا العرس اللهو مثل البوق والكبر والمزهر، أو يسمعه في دار غير دار العرس والاختان، هل يغيره أيضاً ؟ وهل ترى العود والطنبور مثله ؟ قال يحيى: أرى أن ينهى عن ذلك كله إلا أن يكون في عرس فقد بينته قبل هذا فيما ينهى عنه، وما سهل فيه أهل العلم لإظهار العرس. قال: إن كان الشيء الخفيف والدف والكبر والشيء الذي يلعب به النساء فلا أرى به بأس».

ومسألة حظر وتحريم الموسيقى كانت مسألة نظرية أكثر من كونها أمرا واقعيا في الأندلس على الرغم من التحذيرات التي أصدرها المحتسبون وتشديدهم تجاه هذا الأمر نظرًا لما يصاحبها أيضا من حالات الانفلات كما يذكر ابن عبدون بقوله «قطع الملهين واجب، فإن لم يقدر على ذلك، فلا يخرجوا إلى البداية إلا عند إذن القاضي ويخرج معهم من الأعوان من يحرس العرس من العربدة»47، وكذلك ابن عبد الرؤوف بقوله «ويؤمر بمنع اللهو كله على أنواعه في الأعراس وغيرها، كالعود وغيره، إلا ما كان من الدف العربي الذي هو شبه الغربال خاصة، واختلفت في الكَبَر»48، ويذكر ابن عبدون أنَّ يمنع الملهون بقوله «قطع الملهين واجب، فإن لم يقدر على ذلك، فلا يخرجوا إلى البداية إلا عند إذن القاضي ويخرج معهم من الأعوان من يحرس العرس من العربدة»49، وكذلك ابن عبد الرؤوف بقوله «ويؤمر بمنع اللهو كله على أنواعه في الأعراس وغيرها، كالعود وغيره، إلا ما كان من الدف العربي الذي هو شبه الغربال خاصة، واختلفت في الكَبَر»50، ومع ذلك تبدو الطبول والآلات الإيقاعية شائعة الاستخدام ومتأصلة في الهوية الثقافية والممارسات الاجتماعية في الأندلس بحيث لا يتم حظر استخدامها رغم مطالبة الفقهاء والمحتسبين بهذا الأمر.

وعلى الرغم من التناقض والتباين الموجود بين المصادر التي تناولت ذكر الطبول في سياقها مع الأخذ في الاعتبار أنَّ معظم المصادر المكتوبة أنشئت في دوائر اجتماعية قريبة من السلطة، بينما تظهر الطبول في السياقات الشعبية للعوام في الأندلس كما في الأمثال أو الأغاني الشعبية وبعض الاحتفالات أو في أماكن صناعة تلك الطبول في الأحياء القديمة أو ما تبقى من أفران الفخار، وهو ما يساعد في فهم الممارسات الاجتماعية الثقافية الأندلسية وارتباط تلك الآلات والتي تم التقليل من قيمتها بشكل عام لصالح الممارسات الموسيقية الكلاسيكية العربية الأندلسية أو الموسيقى المغربية التقليدية51.

وهنا لابد لنا من الإشارة لعملية صنع الطبول في الأندلس والتي كانت من الفخار عادة وهو ما أظهرت الحفائر الأثرية، حيث أضحت من الإنتاج الشائع للخزافين والفخارين ومستخدمة على نطاق واسع(شكل رقم[3])، لما بلغته صناعة الفخار منذ مطلع ق4هـ و8م درجة من الإتقان والرقي وبربع الفخارين في إنتاج العديد من الأدوات والأواني الفخارية لتلبية احتياجات الناس ورغباتهم ومن جملة ذلك القدور والجرار والقلل والقصاع والأباريق والكؤوس والأطباق والصحون والقوارير والقناديل والمصابيح ومن بينها الآلات الموسيقية، وتدل البقايا الفخارية في قرطبة على وجود ثلاثة أنواع من الخزف في عصر الخلافة وهي الخزف الشعبي والخزف المزجج والخزف المذهب، أمَّا الخزف الشعبي الذي شاع استعماله بين عامة الناس، فينقسم لقسمين؛ الأول مجرد من الزخرفة والثاني يزدان بزخارف مدهونة بألوان مختلفة على سطح الآنية مباشرة، تمثل في معظم الأحيان رسومًا هندسية من دوائر معينات، أمَّا الخزف المزجج، فقد عُثر على كميات كبيرة منه مختلفة الأشكال والألوان، وكان من جملتها جرار مخروطية وقدور ذات أربعة مقابض مزخرفة وأباريق مختلفة الأشكال، وقلل وقصاع وقناديل ومصابيح، وأكواب وأطباق مطلية بألوان الأصفر والأخضر، وجرار وأطباق تحمل زخرفة مطلية باللون الأبيض، وسيقان نباتية، وأطباق وصحون مزدانة برسوم حيوانية وآدمية وكتابات كوفية52، ومن بين المناطق التي اشتهرت بالفخار غرناطة فأضحت مركزًا لصناعة الفخار حيث وجد بها بابًا يسمى (باب الفخارين)، كما أنَّ أحد أرباضها يُعرف بـ (ربض الفخارين)، ويقع شمال شرق غرناطة في قرية يقال لها (قرية الفخار)53.

ويؤكد السجل الأثري الأندلسي أنَّ الطبول الفخارية كانت أكثر الآلات الموسيقية شيوعًا وهو ما كشفت عنه الحفريات الأثرية في إسبانيا في الآونة الأخيرة وتحديد الكثير من القطع الكاملة أو شبه مكتملة من الطبول الفخارية(شكل رقم[4])، والتي لم تقتصر على منطقة معينة بل كانت موزعة في أنحاء متعددة في الأندلس، فأضحت تلك الاكتشافات انعكاسًا صادقًا للحياة الأندلسية فوجدت بعض العينات بالمناطق الريفية وفي المدن، ويوضح التسلسل الزمني الخاص بتلك القطع أنّه يُغطي عمليًا الوجود الإسلامي بأكمله من الفترة الأموية للفترة النصرية، فبعضها يعود للقرن الأول والثاني الهجريين/الثامن والتاسع الميلاديين، والبعض الآخر يرجع تاريخه للقرن الثامن الهجري/الرابع عشر الميلادي، لذلك فإنَّ الطبول ليست عديدة فحسب بل شائعة الاستخدام في جميع أنحاء الأندلس54.

وتقدم التحليلات للقطع الأثرية المكتشفة الكثير من المعلومات المتعلقة باستخدام الطبول وأنواعها وأحجامها، ووجودها بتلك الكميات يؤكد على استخدامها الشعبي خارج سياق موسيقى الخاصة والتي تحدثت عنها المصادر الأدبية بكثرة، فتظهر أحجام متباينة للطبول منها صغيرة الحجم حيث يبلغ حجم أصغر الأمثلة قرابة (7.9 سم و 8.54 سم) وبعضها لم يتجاوز طولها (12.5سم) ويمكن أنَّ يصل أطولها إلى (32.2 سم) (شكل رقم[5])، ربما استخدمت الطبول الصغيرة ضمن الآلات الموسيقية رفقة طبول أخرى أو مصاحبة للغناء وليس بشكل منفرد وهو ما يفسر العدد الكبير منها، وتتمثل المكتشفات الأثرية للطبول الأندلسية الفخارية في شكلين أساسيين شكل الكأس أو شكل ساعة رملية(شكل رقم[6])55، تميز مجملها بوجود جزء علوي عريض وقصير وجزء سفلي ضيق وطويل، الجزء العلوي نصف كروي أو مخروطي مفتوح للأعلى وله حافة يشد عليها الجلد وهو مصدر الصوت، أمّا الجزء السفلي فهو أسطواني تقريبًا مفتوح أدناه56، ويمكن ملاحظة أنَّ نسبة الطبول ذات الشكل الكأس أعلى بكثير من نسبة الطبول ذات شكل الساعة الرملية، حيث تبرز الأولى لصغر حجمها57.

ويطرح الحجم الصغير لبعض الطبول تساؤلاً حول استخدامها من قبل الأطفال، على الرغم من أنَّ الأطفال ربما استخدموها في هيئة ألعاب بسيطة، وهو ما يُشير لتعدد الاستخدام الوظيفي لتلك الآلات موسيقية بوجود وظائف ثقافية محددة لها، كما أنَّ السياق الأدائي للطبول «الكَبَرُ» يُعد متوافقا مع خصائص الطبول الفخارية صغيرة الحجم بشكل عام ولا يمكن عزفها بمفردها أو بأدوات موسيقية، وفقًا للإشارات الفقهية عُزف على الكبار والدف معًا، دون أي نوع آخر من الآلات الوترية أو آلات النفخ، بقول أصبغ: ولا يعجبني المزهر وهو الدف المركن، وأحب إليّ أن لا يكون مع الدف غيره، وهو الذي مضت به الرخصة في الزمان الأول في العرس، وإن ضرب معه بالكبر فلا بأس به، ولا يجوز معهما غيرهما، ولا يجوز الغناء على حال فيه ولا في غيره.

- الدفوف:

الدفوف من آلات الطرق ذات الغشاء الواحد، يذكره ابن سيده الأندلسي بقوله «الدف والجمع دفوف والدفاف صاحبها والمدفف صانعها والمدفدف ضاربها والدفدفة استعجال ضربها. صاحب العين: الضفاطة: الدف. ابن دريد: الضفاط: اللعاب بالدف. صاحب العين: القلس والتقليس: الضرب بالدف. أبو عبيدة: الدرداب: صوت الطبل»58. وللدفوف أنواع متعددة الأشكال والأحجام تستخدم في كافة المناسبات والطقوس والاحتفاليات؛ كالمزهر والذي ذكر في سياق تحريم قرع الطبول سالف الذكر عن يحيى بن عمر59، فذكر عن مالك في الدف والكَبَرِ أنه لا بأس بهما، فعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أظهروا النكاح واضربوا عليه بالغربال»60 يعني الدف المدور، عرفه بعض الفقهاء بالطار أو الغربال وهو ما يظهر حديث عائشة رضوان الله عليها، وهو المغطى بجلد من جهة واحدة، سمي بذلك لتدفيف الأصابع عليه، وقال بعض المالكية الدف هو المغشى من جهة واحدة إذا لم يكن فيه أوتار ولا جرس، وقال غيرهم ولو كان فيه أوتار ولأنّه لا يباشرها بالقرع بالأصابع، وقد يكون له جلاجل أو صراصر أو حلق من نحاس أو غيرها توضع في خروق تفتح لها في جوانب الدف. ويتميز الدف بإطار دائري رفيع من الخشب غالبا يتراوح عرضها بين 5 – 15سم ويشد عليها رق من جلود رقيقة مرنة من الحيوانات، أما الـ «مزاهر» فقطر دائرة الواحد منها 50 سم تقريبًا، وتستخدم الدفوف خاصة لمصاحبة الشعراء والمداحين والمغنين الشعبيين المتخصصين في الملاحم والسير والقصص الشعبي، وهو آلة أساسية في حلقات الذكر والمواكب الصوفية ويدخل ضمن التشكيل الرئيسي لفرق الموسيقى الشعبية والفرق الموسيقية المختلفة لمصاحبة الغنائيات والرقصات الشعبية61.

وارتبطت صناعة الآلات الإيقاعية وبخاصة الدفوف بصناعة الجلود ودباغتها، حيث اشتهرت الأندلس بوفرة المراعي الطبيعية وما ترتب عليها من كثرة الجلود، كمدينة قرطبة حيث اشتهرت بدباغة وصناعة الجلد إبان القرنين الخامس والسادس الهجريين/الحادي والثاني عشر الميلاديين، وكذلك مدينة لبَّة ومالقة وإشبيلية وباجة وطليطلة وسرقسطة التي وجد بها أحد الأرباض عرف بـ (ربض الدباغين) إضافة لغرناطة وباجة حيث اشتهرت بدباغة الجلود في القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي62، كما كانت مالقة حسب وصف ابن الخطيب أنها «معدن صنائع الجلد المنتخب» مما يدل على براعة أهلها في تلك الحرفة63.

وهو ما أكده ابن الجزار السرقسطي عن الدفوف واعتمادها على الجلود في سياق حديثه64: بقوله

وَمنهم الفرانُ وَالزقاق

يَليهُم الرَقاق وَالمواق

وَبائع الأَخفاق وَالخفاف

وَبَعده الكَبّار وَالدَفاف

وَمنهُم الفَران وَالخَراز

إِلَيهُم الغربال وَالشكّاز

وَصانعُ الأَوتار للعيدان

بَينَ مثالثٍ إِلى مَثاني

ووجد في الأندلس نوعان من الدفوف، الأول الدف مربع الشكل والذي تناولته الأمثال العامية والتي كانت خير دليل على وجود الدف المربع بالأندلس بقولهم «أكْفَر من سَلم المُغَنِّي الذي باع المُصحَف واشْتَرى الدُّف»65، وما جاء في المثل «مُربَّع بحل دف»66، ووردت بعض الإشارات الأخرى عن الدف المربع في المناظر التي صُورت على جدران القصور، فهناك مشاهد تجسد نساء يرقصن ويلعبن آلات إيقاعية صغيرة، والتي يستخدمها علماء الموسيقى عادةً لتوثيق تاريخ الموسيقى الإسبانية في العصر الحديث من منظور موسيقي من أجل تصور الآلات الموسيقية وطرق تأديتها، فهناك جدارية واسعة لغرناطة صممها جوريس هوفناجيل (1542-1600) تظهر ثلاث نساء يعزفن على دف مربع، ويرقصن ويقمن بفرقعة أصابعهن، اثنتان منهن معهما مسبحة تتدلى من معصميهما (شكل رقم[7])67، وفي مشهد آخر مماثل لمدينة إشبيلية هناك تمثيل لنساء يرقصن ويلعبن، حيث ترقص امرأتان بينما تجلس أخرى تعزف على الدف وهو يشبه الدف الممثل في غرناطة؛ ويوجد رجل يعزف على الناي وامرأة تمسك بمسبحة ومعها دف مربع(شكل رقم[8])68.

كما تمدنا الأمثال العامية أيضا بذكر الدفوف الأخرى وتواجدها في المناسبات والاحتفالات العامة والخاصة، وما جاء في المثل «كثرة الكفوف، وقلة الدفوف»69 والذي يعبر عن استخدام الدفوف في حفلات العرس التي قل بها الحضور كذلك تعكس مدى استخدام الدفوف في الحفلات والمناسبات، وكذلك المثل الآخر «ليس يضرب دف تحت قطيفة»70، وجاء المثل بصيغة أخرى «ضرب الطبل تحت الكسا» عند ابن عاصم والذي يعبر على أنًّ عزف الدفوف مرتبط بالحضور، بينما يشير مثل آخر للاستخدام الدائم للدفوف بقولهم «بحل دف الصبايا، إنّ لم يُضرب يُعلق»71.

2. الآلات الهوائية:

رغم تعدد أشكالها فهي في الأصل قصبة مجوفة تغيرت إمكاناتها وأشكالها وتبدلت وظائفها وتنوعت أصواتها ونغماتها ودرجاتها تبعا لتعددية الخبرة الإنسانية ومجالات استخدام الآلة في مختلف المناسبات على مر العصور(شكل رقم[9])، وآلات النفخ الهوائية اشتهرت في الأندلس بكثرة فشاع استخدامها في أنحاء متفرقة من البلاد، وآلات النفخ هي «تغني عن الكثير من الآلات في العديد من المقاطع الموسيقية التي تعبر عن مكنونات العازف عليها فهي بمقدورها أن تحمل إلى السامع الحالة التي يشعر بها الفنان العازف وكأنها كلمات تتلى على مسامعه»72.

يذكر ابن سيده الأندلسي عن الآلات الإيقاعية وخاصة المزمار بقوله «يقال المزمار والمزمر والزمارة...القصاب المزامير واحدتها قصابة...والزمخرة الزمارة...الزمخر المزمار الكبير الأسود والرماثة: الزمارة. غيره ومن أسمائه الناي...من أسمائه اليراع وهو المعمول من قصب قال الشاعر يصف سحابا وإن حركته الريح أسبل صوبه وحق كما حق اليراع المثقب وقد يسمى الكعب من القصب قبل التثقيب والزمر فيه يراعا... البوق شبه مثقاب ينفخ فيه الطحان ويقال للذي لا يكتم السر إنما هو بوق مثل به»73، كما يقدم ابن خلدون وصفًا لها وخاصة الزلامي والبوق «ومن جنس هذه الآلة المزمار الذي يسمى الزلامي وهو شكل القصبة منحوتة الجانبين من الخشب جوفاء من غير تدوير لأجل ائتلافها من قطعتين منفردتين كذلك بأبخاش معدودة ينفخ فيها بقصبة صغيرة توصل فينفذ النفخ بواسطتها إليها وتصوت بنغمة حادة يجري فيها من تقطيع الأصوات من تلك الأبخاش بالأصابع مثل ما يجري في الشبابة ومن أحسن آلات الزمر لهذا العهد البوق وهو بوق من نحاس أجوف في مقدار»74.

وارتبط استخدام تلك الآلات -كما سبق وذكرنا- بالمناسبات والاحتفالات ومنها حفلات العرس، وجاءت الأمثال لتصف لنا حفلات العرس في المجتمع الأَنْدُلُسي وما يتخللها من فقرات وأوقات من الطرب والعزف على الآلات من المغنين والمطربين والعازفين، وجاءت الأمثال لتُشير لاستخدام آلات النفخ وخاصة المزامير في تلك الحفلات كما في المثل «إذا انضارب الزمار طاب العرس»75، وهناك إشارات كثيرة عما يكون في هذه المناسبة من غناء ومزامير تعبيرًا من العَوامّ على حاجتهم إلى الزامر في العرس بقولهم «دلت زامر في مكبة عرس»76، وأيضا «من يعير بوق في يوم عرس»77، وأيضا «إذا انضارب الزمار طاب العرس»78، وتؤكد الأمثال العامية على استقدام الزامرين في مناسباتهم واحتفالاتهم، كما في المثل «من يزمر ما يخبي لحية»79، وكذلك «صاحب الدار غائب، والزمّير قائم»80، فضلا عن المثل «عارف بحر لَكّ زمَّر»81، بالإضافة للمثل الآخر «زمير ومدغ زفت»82 وهو كناية عن استخدام النفخ في عملية الزمر لا يمكن أن يفعل معها أي شيء آخر، كما قيلت بعض الأمثلة حول الزامر وإتقانه «الزمر في الأصابع» والمعنى أن سر جودة الزمر هو في أصابع الزامر وليس في المزمار83.

كما استخدمت المزامير في الحفلات الموسيقية عن الخاصة كمحمد بن سعد بن محمد بن أحمد بن مردنيش الجذامي (ت567هـ) والذي «كان له يومان في كل جمعة؛ الإثنين والخميس، يشرب مع ندمائه فيهما، ويجود على قواده، وخاصته وأجناده، ويذبح البقر فيهما، ويفرق لحومها على الأجناد، ويحضر القيان بمزاميرهن وأعوادهن، ويتخلل ذلك لهو كثير، حتى ملك القلوب من الجند، وعاملوه بغاية النصح، وربما وهب المال في مجالس أنسه»84.

واشتهرت الأندلس بالعديد من العازفين –الزامرين- ممن ذاع صيتهم وعرفوا داخل أوسط المجتمع الأندلسي، ومن بينهم أشهر الزامرين ممن عرفوا بنوادرهم وطرائفهم الزامر المعروف بـ (الطنبوري) والزامر (قنبوط) فذاع صيتهما في قرطبة إبان القرن الخامس الهجري85، وجاءت الأمثال لتعكس مدى انتشار تلك الفئة في الأعراس وكذلك سخطهم عليهم لما يصنعونه من أمور خارج الدين «الزَّامر مِن أهْل النَّار»86، وعادة الزامر يذهب للحفلات في جماعة من أهل صنعته وهو ما أكدته لنا الأمثال بقولهم «عزة الزمار يمشوا ركبان يجوا على ساقيهم»87، وقالوا أيضا في الزامر «زامر القرى ما يلهي»88، والمثل الآخر «زامر القرى ليش يلهي»89، وكذلك «ما بين قاضي وزامر»90، وفي هذا المثل إنكار لحال الزامر ما بين العلية والسفلة من الناس.

كما ذكرت بعض الآلات الهوائية كآلة النفير كما في المثل «أوحش من نفير الصبيان في شهر شعبان»91، النفير وهو البوق ولعلها بعض الصافرات التي استخدمها الأطفال كنوع من الألعاب وشاع استخدامها بكثرة(شكل رقم[10])، حيث جرت العادة في الأندلس صنع نماذج مصغرة من تلك الآلات –النفير- في شهر شعبان تشترى للأطفال ليتلهوا بها فيملؤون الدنيا صداعًا، أو لينذر به عن قرب حلول شهر رمضان92.

الآلات الموسيقية في الآثار الأندلسية:

تمثل التحف والأيقونات الأثرية المتبقية من الحضارة الأندلسية والموجودة بالمتاحف الأوروبية جزءًا مهمًا لفهم الأداء الموسيقي لتلك الآلات، ومن بين أشهر تلك التحف علبة مجوهرات المغيرة بن عبد الرحمن الناصر لدين الله الأموي93، وهي علبة عاجية منقوشة من قطعة واحدة من ناب الفيل يعود تاريخها لعام 968م(شكل رقم[11])، عُثر عليها في مدينة الزهراء في الأندلس، وتعتبر إحدى أهم روائع الفن العربي الأموي من خلال تفاصيلها شديدة الدقة وتوجد حالياً في متحف اللوفر بباريس، وهي مُزينة بزخارف نباتية وأشكال آدمية وحيوانية، وغطاء العُلبة يُحيط به كتابات بالخط الكوفي المُورَّق نصها «بركة من الله ونعمة وسرور وغبطة للمُغيرة ابن أمير المُؤمنين رحمه الله مِما عُمل سنة سبع وخمسين وثلاثمائة» وسَطح الغطاء لا يختلف في زخرفته ونقوشه عن سائر جوانب العلبة وتُحيط بها أربعة قلائد متعددة الفصوص، أهمها التي تشير لصورة لشابين مُتربعين حافيي القدمين يتوسطهُما عازف عود، الأول يساراً يحمل حنجوراً والخيزرانة المَجدولة الخاصة بالأُمويين، والآخر يميناً يحمل مروحة شبيهة بالقُرص(ربما قابلة للطي)، شعرهم قصير ومستقيم ورؤوسهم مكشوفة، ولا يرتبط غطاء الرأس عادة بأشخاص من ذوي الرتب العالية94.

ومن بين التحف التي تُظهر الآلات الموسيقية وتعتبر مصدرًا مهمًا لفهمها ودراستها؛ صندوق عبد الملك العاجي أو (صندوق ليير) (شكل رقم[12]) وينسب لسيف الدولة عبد الملك بن المنصور بن أبي عامر حاجب الخليفة هشام المؤيد بالله، والحاكم الفعلي للخلافة الأموية في الأندلس في عهد الخليفة هشام المؤيد بالله خلفًا لأبيه الحاجب المنصور، ويعود لعام 395هـ/1004-1005م، تم حفر قطع الصندوق بطريقة جميلة متقنة، يظهر بعضها أشخاصًا يشربون أو يعزفون على آلات موسيقية، ويظهر عازف العود قصير اليد في الوسط محاطًا بعازفين، أحدهما بآلة هوائية من القصب وأنبوبين أسطوانيين من الممكن أن يكونا مزمارًا مزدوجًا، ولكن طريقة نفخ الهواء في الشكل يرجح آلة القصب وآخر يعزف على البوق95.

وتظهر الآلات الموسيقية في الأندلس على قطعة أثرية أخرى مثل قنينة فخارية تعود للقرن العاشر الميلادي يبلغ ارتفاعها قرابة 24 سم(شكل رقم[13])، ذات بطن مدور وعنق طويل ضيق من الأعلى اكتشفت في قرطبة، أهم ما يميزها هي رسم لأشخاص ذكور ومعظمهم ملتحون، يوجهون نظرهم نحو عنصر مركزي96، ويمثل الشكل موسيقيًا ينفخ بوقًا يمثل الشكل المقابل شخصية أخرى ملتحية يبدو أنها تحمل عنصرًا منحنيًا ربما يكون الدف، وخلف الشكل الأول رجل جالس آخر، ملتح ويرتدي عمامة مخروطية الشكل، ينظر إلى الموسيقيين بجانبه شخصية أخرى بلحية وعمامة تحمل بيدها عصا طويلة وتظهر شخصية بلا لحية تحمل آلة موسيقية تشبه آلة النفخ97.

وهناك مثال آخر يعود لفترة الطوائف ولبداية القرن الحادي عشر وهو عبارة عن حوض من الرخام الوردي(شكل رقم[14]) تم تمثيل عازف للعود وبعض الموسيقيين والراقصين، تم تمثيل بعض العازفين وهم يعزفون على آلة موسيقية، حيث تواجد أربعة عازفين على كل وجه من وجوهها موسيقي يعزف على العود98.

ومن العناصر التصويرية الأخرى ما وجد بقاعة الأسود بقصر الحمراء بغرناطة (شكل رقم[15])، خاصة مجموعة مشاهد الصيد الموجود ضمن لوحات قاعة الملوك تصوِّر بعض أشكال الحياة اليومية للناس، وخاصة تلك التي يمارس فيها الفرسان عاداتهم في صيد الحيوانات المفترسة من فوق صهوات أحصنتهم، واللوحة رُسمت عبر منظر عام أشبه بالغابة، حيث رُسِمَت الأشجار والطيور حولها بشكل أنيق، في منتصف الصورة يوجد برج يشبه الأبراج الحربية لكنه أيضًا ليس على النمط المعماري الغرناطي، وأهم ما يخصنا هو صورة شخصين أحدهما يمسك بدف مربع الشكل ربما استخدمه لإثارة الطيور لكي تحلق كجزء من عملية الصيد الخاصة بالملوك فيظهر في الدف المربع بشكل واضح، بينما يظهر شخص آخر يمسك بالبوق99.

الهوامش:
1. Amina Alaoui: El Canto Andalusí: aproximación histórica y geográfica a la Herencia Andalus, Papeles del Festival de música española de Cádiz, Núm. 2 (2006), p.315.
2. Reynaldo Fernández Manzano: La música de al-Andalus en la cultura medieval, imágenes en el tiempo, Tesis doctoral. Director: Dr. Antonio Malpica Cuello.niversidad de Granada, 2012, p.343.
3. الموشح: كلام موزون على وزن مخصوص، استخدم في الغناء فاستخدام أغراضًا شعرية مثل الغزل والخمريات ووصف الطبيعة ثم استخدمت بغرض المدح، ولا تختلف كثيرًا عن القصائد التقليدية حيث تبدأ بداية غنائية ثم تنتقل إلى المدح. جلول يلس: الموشحات والأزجال، ضمن منشورات التراث الغنائي، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1975م، ج1، ص21.
4. الزجل: فن غنائي يسير وزنه على حسب ما يتفق مع الغناء، وضع أساسًا للغناء ولا تسير موسيقاها حسب الوزن والقافية التقليديين وإنما يتبع نظامًا جديدًا متحررًا بحيث يتغير الوزن وتتعدد القافية ويصاغ بالعامية. مجدي شمس الدين: ابن قزمان والزجل في الأندلس، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2007م، ص30-31.
5. عبد الإله ميسوم: تأثير الموشحات في التروبادور، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر 1981م، ص 88.
6. Amina Alaoui: Op.cit., p.310.
7. Raquel Jiménez Pasalodos: Op.cit., p.41.42.
8. Amina Alaoui: Op.cit., p.312.
9. Reynaldo Fernández Manzano: Op.cit., p.212.
10. Manuela Cortés García: Músicas en la Andalucía islámica Poesía cantada, música popular y danza, AH Andalucía En La Historia , Año XVII , número 65 , julio - septiembre, 2019, p.12.
11. عباس إحسان: تاريخ الأدب الأندلسي، بيروت، 1960-1961م، ص121.
12. manuela Cortés García: Op.cit., p.9.
13. Op.cit., p.279.
14. صلاح حيدار: الفنون الشعبية في الأندلس الإسلامية وصلتها بالتمثيل، مجلة مؤتة للبحوث والدراسات، العلوم الإنسانية والاجتماعية، الأردن، المجلد 9، ع(1)، 1994م، ص93.
15. عصمت عبد اللطيف دندش: الأندلس في نهاية المرابطين ومستهل الموحدين "عصر الطوائف الثاني510–546هـ/1116–1151م"، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، 1408هـ/1988م، ص324-325.
16. Raquel Jiménez Pasalodos: Op.cit., p.41.42.
17. العذري، أحمد بن عمر بن انس بن الدلائي (ت478هـ/1048م): نصوص عن الأندلس من كتاب ترصيع الأخبار وتنويع الآثار والبيان في غرائب البلدان والمسالك إلى جميع الممالك، تحقيق: عبد العزيز الاهواني، مطبعة الدراسات الإسلامية، مدريد، 1962م، ص18.
18. الشقندي: فضائل الأندلس وأهلها، تحقيق: صلاح الدين المنجد، دار الكتاب الجديد، الطبعة الأولى، ١٩٦٨م، ص51.
19. ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد (ت808هـ/1409م):المقدمة، الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، 2007م، ج2، ص897.
20. أبدة: مدينة بالأندلس من كورة جيان، تعرف بأبدة العرب. بينها وبين بياسة سبعة أميال وعلى مقربة من النهر الكبير. الحميري، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد المنعم الحِميرى (ت900هـ/1494م): صفة جزيرة الأندلس منتخبة من كتاب الروض المعطار، عنى بنشرها وتصحيحها وتعليق حواشيها: ليفي بروفنصال، دار الجيل، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1408هـ/1988م، ص 11.
21. الشقندي: المصدر السابق، ص56، المقري، شهاب الدين أحمد بن محمد المقري التلمساني (ت1041هـ/1631م): نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، لبنان، 1388هـ/1968م، ج3، ص217.
22. عصمت دندش: المرجع السابق، ص328. 
23. المقري: المصدر السابق، ج 1، ص 178 .
24. نادر فرج زيادة: الترف في المجتمع الأندلسي، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب، جامعة غزة، 2010م، ص142.
25. ابن عاصم، محمد بن محمد بن محمد، أبو بكر ابن عاصم القيسي الغرناطي (ت829هـ(: حدائق الأزاهر في مستحسن الأجوبة والمضحكات والحكم والأمثال والحكايات والنوادر، المكتبة العصرية للطباعة والنشر، 1992م، ص294.
26. خالد حسن حمد: أثر الزواج المختلط ما بين العرب والإسبان من الفتح الإسلامي للأندلس حتى سقوط الخلافة، رسالة ماجستير، كلية الدراسات العليا، الجامعة الأردنية، 1995م، ص 35-36.
27. ابن عاصم: المصدر السابق، ص 313.
28. الحميدي، أبى عبد الله محمد بن أبى نصر الأزدي (ت 488هـ): جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس، الهيئة العامة المصرية للكتاب، 2008م، المصدر السابق، ص398.
29. الحميدي: المصدر السابق، ص143.
30. زاهية خلافي: الطفولة في المجتمع الأندلسي ما بين القرنين الرابع والسادس الهجريين، رسالة دكتوراة، جامعة مصطفى اسطمبولي معسكر، الجزائر، 2019م، ص177-179.
31. المقري: المصدر السابق، ج1، ص597؛ زاهية خلافي: المرجع السابق، ص181.
32. ابن عبد الرؤوف، أحمد بن عبد الله القرطبي (424هـ): آداب الحسبة والمحتسب، نشره وعلق عليه: ليفي بروفنسال، القاهرة، 1955م، ص113.
33. مجدي شمس الدين: المرجع السابق، ص259. 
34. صلاح حيدار: المرجع السابق، ص105.
35. المقري: المصدر السابق، ج3، ص213.
36. المقري: المصدر السابق، ج1، ص155.
37. هو أبو محمد بن حمارة أبو عامر الأندلسي الغرناطي الشاعر الوزير، تلميذ ابن باجه وخليفته في علومه، سكن غرناطة وبمكناسة بالمغرب، برع في علوم الألحان. جهاد غالب: المرجع السابق، ص105.
38. ابن خلدون: المقدمة، ج2، ص895.
39. Raquel Jiménez Pasalodos: Op.cit., p.41.
40. Raquel Jiménez Pasalodos: Op.cit., p.24.
41. ابن سيده، أبى الحسن علي بن إسماعيل الأندلسي (ت 458هـ): المخصص، المطبعة الاميرية ببولاق، مصر، 1317هـ، ص13.
42. ابن منظور: لسان العرب، مادة (كبر).
43. ابن الجزار السرقسطي، أبي بكر محمد بن يحيى (ت606هـ): ديوان الجزار السرقسطي المسمى: روضة المَحاسن وعمدة المُحاسن، حقيق ودراسة واستدراك: منجد مصطفى بهجت، عالم الكتب الحديث، إربد-الأردن، الطبعة الأولى 2008م، ص88.
44. يحيى بن عمر(ت ق3هـ): أحكام السوق، بقلم محمود علي المكي، فصلة من صحيفة المعهد المصري، الشركة التونسية للنشر والتوزيع، تونس، ص61-62.
45. الزجالي، أبي يحيى عبيد الله بن أحمد الزجالي القرطبي(ت694هـ): أمثال العوام في الأندلس، تحقيق وشرح ومقارنة: محمد بن شريفة، منشورات وزارة الدولة المكلفة بالشؤون الثقافية والتعليم الأصلي، المغرب، ص118.
46. الزجالي، مثل رقم 1192.
47. ( )ابن عبدون الإشبيلي (عاش في القرن السادس الهجري): رسالة في القضاء والحسبة، منشور ضمن ثلاث رسائل أندلسية في آداب الحسبة والمحتسب، تحقيق: .ليفي بروفنسال، القاهرة، ١٩٥٥م، ص53.
48. ابن عبد الرؤوف: المصدر السابق، ص83.
49. ابن عبدون: المصدر السابق، ص53.
50. ابن عبد الرؤوف: المصدر السابق، ص83.
51. Raquel Jiménez Pasalodos: Op.cit., p.41.42.
52. جهاد غالب: الحرف والصناعات، ص142.
53. جهاد غالب: الحرف والصناعات، ص145.
54. Raquel Jiménez Pasalodos: Op.cit., p.41.42.
55. Raquel Jiménez Pasalodos: Op.cit., p.21.
56. Francisco de Asís Escudero: Op.cit., p. 148.
57. G. Rossella Bordo: Instrumentos musicales en barro cocido: una pervivencia medieval, Música oral del Sur: revista internacional, Nº 2, 1996, p.29.
58. ابن سيدة: المصدر السابق، ج4، ص13.
59. أحكام السوق، ص62.
60. صحيح ابن ماجه للألباني برقم 1538 – 1/ 320.
61. محمد محمود فايد: الدفوف عصب الإيقاعات الشعبية، مجلة الثقافة الشعبية، ع(26).
62. جهاد غالب: الحرف والصناعات في الأندلس منذ الفتح حتى سقوط غرناطة، رسالة ماجستير، كلية الدراسات العليا، الجامعة الأردنية، 1994م، ص95.
63. جهاد غالب: المرجع السابق، ص100.
64. ابن الجزار السرقسطي: المصدر السابق، ص88.
65. الزجالي، مثل رقم 515.
66. الزجالي، مثل رقم 1505.
67. Ascensión Mazuela Anguita: Las andaluzas en la vida musical de la Edad Moderna La iconografía del baile espanol, p.15
68. Ascensión Mazuela Anguita: Op.cit., p.16.
69. الزجالي، مثل رقم 1157.
70. الزجالي، مثل رقم 1192.
71. الزجالي، مثل رقم 677.
72. محمد محمود فايد: الناي أقدم آلات الموسيقى الشعبية العربية، مجلة الثقافة الشعبية، ع (12).
73. ابن سيدة: المصدر السابق، ص11.
74. ابن خلدون: المصدر السابق، ج2، ص895.
75. ابن عاصم: المصدر السابق، ص294.
76. الزجالي، ص212.
77. الزجالي، مثل رقم 1275.
78. ابن عاصم، ص294.
79. الزجالي، مثل رقم 1281.
80. الزجالي، مثل رقم 1590.
81. الزجالي، مثل رقم 1671.
82. الزجالي، مثل رقم 1032.
83. الزجالي، مثل رقم 307.
84. ابن الخطيب، لسان الدين محمد بن عبد الله الوزير الغرناطي (ت776هـ/1374م): الإحاطة فى أخبار غرناطة، تحقيق: محمد عبد الله عنان، مكتبة الخانجى، القاهرة (د.ت)، ج2، ص71.
85. صلاح حيدار: المرجع السابق، ص104.
86. الزجالي، مثل رقم386. 
87. ابن عاصم، ص343.
88. الزجالي، مثل رقم1026. 
89. ابن عاصم، ص 323.
90. الزجالي، رقم 1516.
91. الزجالي، مثل رقم 515.
92. الزجالي، مثل رقم 515.
93. Jerrilynn D. Dodds: Al-Andalus: The Art of Islamic Spain, Metropolitan Museum of Art (New York, N.Y.), Patronato de la Alhambra Metropolitan Museum of Art, 1992, p. 197.
94. علبة مجوهرات المغيرة والمؤرخة في 357هـ/ 968م من العاج والمعدن 15سم؛ بقطر 8 سم وموجودة بمتحف اللوفر (القسم الإسلامي)، باريس برقم 4068.
- Reynaldo Fernández Manzano: La música de al-Andalus en la cultura medieval, p.280.
95. موجود بمتحف نافارا, بامبلونا (بنبلونة), شمال إسبانيا. وهو صندوق مجوهرات من العاج بقياس 23.6 × 38.4 × 23.7 سم، ذو غطاء على شكل جذع مخروط.
- Jerrilynn D. Dodds: Op.cit., p. 199.
96. Jerrilynn D. Dodds: Op.cit., p. 233.
97. https://www.museosdeandalucia.es/web/museoarqueologicodecordoba/obras-singulares/-/asset_publisher/GRnu6ntjtLfp/content/botella-de-los-musicos
98. Jerrilynn D. Dodds: Op.cit., p. 261.
99. Reynaldo Fernández Manzano: La música de al-Andalus en la cultura medieval, p.280.
الصور:
- الصور من الكاتب .
1. Al Andalus The Art of Islamic Spain (dragged) 
2. Raquel Jiménez Pasalodos: Los tambores de cerámica de al-Andalus
3. Francisco de Asís Escudero Los tambores musulmanes del alfar de la calle San Pablo, 95-103 de Zaragoza
4. Francisco de Asís Escudero Los tambores musulmanes del alfar de la calle San Pablo, 95-103 de Zaragoza
5. Francisco de Asís Escudero Los tambores musulmanes del alfar de la calle San Pablo, 95-103 de Zaragoza
6. Raquel Jiménez Pasalodos: Los tambores de cerámica de al-Andalus
7. Ascensión Mazuela Anguita: Las andaluzas en la vida musical de la Edad Moderna La iconografía del baile español
8. Ascensión Mazuela Anguita: Las andaluzas en la vida musical de la Edad Moderna La iconografía del baile español
9. Raquel Jiménez Pasalodos: Los tambores de cerámica de al-Andalus
10. متاحة على موقع قصر الحمراء
- https://www.alhambra-patronato.es/silbatos
11. Jerrilynn D. Dodds: Al-Andalus: The Art of Islamic Spain, Metropolitan Museum of Art (New York, N.Y.), Patronato de la Alhambra Metropolitan Museum of Art, 1992
12. Jerrilynn D. Dodds: Al-Andalus: The Art of Islamic Spain, Metropolitan Museum of Art (New York, N.Y.), Patronato de la Alhambra Metropolitan Museum of Art, 1992
13. Jerrilynn D. Dodds: Al-Andalus: The Art of Islamic Spain, Metropolitan Museum of Art (New York, N.Y.), Patronato de la Alhambra Metropolitan Museum of Art, 1992
14. Jerrilynn D. Dodds: Al-Andalus: The Art of Islamic Spain, Metropolitan Museum of Art (New York, N.Y.), Patronato de la Alhambra Metropolitan Museum of Art, 1992
15. Reynaldo Fernández Manzano: La música de al-Andalus en la cultura medieval

أعداد المجلة