فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
66

أنموذجات من حزاوي وألغاز الشّيخة حصة التّيتونية

العدد 66 - أدب شعبي
أنموذجات من حزاوي وألغاز  الشّيخة حصة التّيتونية
مملكة البحرين

المهاد النّظري:

لقد مرّت البشرّية بألغاز كبرى في تاريخها الطويل كانت أهمّ سمة من سمات الغموض، ولعلّ أقدم لغزٍ عرفته البشرّية ذلك الذي طرحه أبو الهول على أديب، وطلب منه أن يحلّه حول الكائن الذي يمشي صغیرًا على أربع، ناضجًا على اثنين، وفي كبره يسير على ثلاث. ثم بدأ البشر أشبه ما يكون بأديب يمرون من لغز إلى آخر، ومن غموض إلى غموض في مجموعة من الألغاز البشرية لا يتّسع المقام لذكرها هنا.

وتأتي أهمّية الألغاز في حياة الشّعوب والأمم في أنّ الزّمن يدور عليه فتزداد غموضًا، تمتلئ القلوبُ والعقولُ بالحَيرة، ولا يستطيع أحدٌ أن يتوصّل إلى الإجابة إلا في ما تواضعوا عليه وأمّا ابتداءً فصعبٌ أن تتوصّل إلى الإجابة وكشف اللّغز، فلابدّ أن تكون لك معرفة مسبقة به ولعلّ هذه الألغاز باقية في أذن البشر وتاريخهم المجيد لاسيما ما يخصّ منطقتنا العربية وبحريننا الحبيبة، وما ذاك إلّا دليلٌ صارخٌ على أنّ العقل البشري يهتّم بها ويميل دائمًا إلى الأمور الغامضة ليكشفها أو قل لتبقى الألغاز الشعبية أسئلة مفتوحة لها دورها الاستراتيجي العميق الذي يروي لنا حكايات الماضي العريق لأبناء هذه الأرض الطّيبة أرض البحرين، وتبقى الإجابات المغلقة لا يعرفها إلا من مرّ عليه اللّغز إجابته سلفًا، تتحرّك الحياة شيئًا مع الألغاز ويظّل الغموض من أكبر سماتها على الإطلاق.

ولاشكّ في رسوخ مثل هذه الألغاز في ذاكرة الإنسان وتوظيفها بالشّكل الصّحيح، يعني إنّه يستوعب النّفس الأسطوري بشكل متناغم مع هذه المعطيات ويسهم في تحقيق التّواصل الثّقافي والجغرافي والحضاري في الأسرة الخليجّية بشكل خاص والعرّبية بشكل عام.

وللألغاز الشّعبية التقليدية دورها الاستراتيجي العميق الذي يروي لنا حكايات الماضي العريق في سلسلة من الألغاز التي يحاكي بها ذلك الواقع بكلّ أبعاده وتفصيلاته... ويعكس لنا صفحات من الأمجاد والتّاريخ شاهد على ذلك.

تعريف الألغاز :

إنّ الأمثال والألغاز في أغلبها ذات وظيفة مركزّية لم تذع وتنتشر اعتباطًا أو ترفًا بل هي هوّية مجتمع قادرة أن تعكس الأثر العميق وراء هذا المثل لتنتقل إلى وعي المتلقّي عبر قناة استنطقت الفكر والإدراك واستحضرت معالم مقروءة من خلال الذات الفاعلة لإيصال معنى ربما لم يتبادر إلى الأذهان يوما إلا عندما أصبح منطوقًا به ومذاعًا في أكثر من جهة، وقد يكون مثلًا مشتركًا بين عددٍ من الدّول التي تستعملها بنفس المعنى أو بالمضمون ذاته وبعض الهدف والغاية نفسها.

والألغاز مظهر من مظاهر الأدب الشّعبي، وهي جزء من ثقافة الشّعب وتعبير عن جوانب ثقافته الماديّة والعقلّية والرّوحية والاجتماعّية. فاللّغز من خلال السّؤال والجواب يعطي ملامح خاصة لنوعية الثّقافة الشّعبّية السّائدة في المجتمع. ويهتم دارسو الآداب الشّعبّية بدراسة الألغاز باعتبارها شكلًا من أشكال التّعبير الأدبي في المجتمع، بجانب ما تحتلّه من تصوير لبعض جوانب الحياة البيئية وإظهار المهارة الفكرية، فالألغاز الشّعبية عرفها الإنسان منذ القدم تستخدم تعبيرات متناقضة تعتمد على المهارة الفكرية، فالألغاز والمسميات المتشابهة لأشياء متغيّرة ومختلفة، إلا أنّها تعطي إجابة بسيطة وبساطتها هذه تفاجئ السّامع الذي يبحث عن إجابة للمعنى المغلق أو المحتجب فتتنوّع الألغاز وتتعدّد وتتحدّد وتختلف في شكل الصّياغة وأسلوب التّركيب اللّغوي باختلاف البيئة التي نشأت فيها، كما تتضمّن موضوعات تعبّر عن المناخ الفكري لمجال نشأتها، وتعد الألغاز من أقدم الأشكال الأدبيّة التراثيّة مثلها في ذلك مثل الأمثال الشعبّية. ويزخر التّراث الشّعبي عامّة بالألغاز التي تحتوي على العديد من صور البيئة التي كان يحفظها ويتبادلها الآباء والأجداد عادة للتّسلية، في جلسات ما، لإظهار القدرة على التّفكير السّريع وقّوة الملاحظة مثلا: من هي (أم الخضر والليف)؟.

قد يبدو من البداية أنّ السّؤال يحتاج إلى وقت للتّفكير والخيال؛ ولكن سرعان ما نعرف الجواب، وهو (النّخلة).

والألغاز التي كُتبت بالعامية، موجّهة للعامّة والخاصّة معًا، ونظرًا إلى تميّز الألغاز بالذّيوع والانتشار، والسّلطة التي تكسبها في اللّغة اليومية، فإنّها صارت تملك صورة الحكمة التي تفرض خضوع المتلقي والقيادة لمقاصدها. فهي نتيجة لتجارب إنسانيّة فردّية أو جماعّية تسعى إلى هدف واحد وهو تنمية الذّكاء.

أسباب نشأة الألغاز:

لقد نشـأ اللّغـز منـذ العصور القديمة جدًّا حيثمـا كـان الـعقـل البـدائـي الأوّل يـمـرّن نفسـه علـى التّلاؤم مـع الكـون الـذي يـحـيـط بـه. ذلـك أنـّه كلّمـا كـانـت الرّؤيـة أكثـر نضــارة ووضوحًا، ازدادت الرّغبــة فـي غـدر الظّواهر الطبيعيـة وظـواهر الحياة، و إدراك القوانين والعلل التي تحيط بالإنسان.

اللّغز في الموروثات الشفاهية:

يحفـل التـّراث الشّعبي البحرينـي بـالكثير مـن الألغـاز الشـفاهية المتنوعـة، ولعلنـّا اليـوم لا نسمع إلا القليــل منهـا لتبـدّل الأيــّــام وتبـدّل الأحـوال ممّـا أثـّر علـى استنباط الألغـاز و تداولها فـي وقتنا الحاضر

نماذج من الألغاز الشعبية الواردة على لسان طيبة الأنفاس الشّيخة حصة:

إنّ مثل هذه الألغاز والأمثال باتت تجمع بين الأصالة والحداثة و تضاف إلى الثّقافة الشّعبية حتى أصبحت وسیلة ناجحة للتّواصل بين الشعوب دون أن تفقد في يوم ما بريقها وبعدها التّاريخي في المثل يظلّ يبحث عن النّقلات النّوعّية المتمّثلة في آليّات الذّهن والفكر والوجدان؛ لأنّه يمكن الإحساس بها ويتحكم في قابلية المجتمع لمثل هذه الأمثال التي تتمّ وتتوالى سيكولوجيًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا ومعرفيًّا على حسب الطّاقة التعبيّرية التي تمثّلها تلك الأمثال لتصل إلى قلب ووجدان جمهور المتلقّين والألغاز الشّعبيّة كذلك تعمل عملها في وجدان المتلقّين.

نستحضر هنـا أنموذجات مـن الألغـاز الشّعبية مـع إجابـات الشّيخة حصّة عليهـا وقد دوّنّاها بهـدف إفادة المتلقي وهي على النحو الآتي : نأتي أوّلًا باللّغز كما ورد على لسان الراّوية الشّيخة حصة، وبعد ذلك نضع جواب اللّغز، ثم نقوم بشرح اللّغز ودلالاته شرحًا وافيًا.

1. اللّغز: «أم الخضر والليف».

- الجـواب: هو (النّخلـة) .

شرح اللّغز أو المعنى: كـان أهـالي منطقة البرهامة يعيشـون علـى كـلّ مـا تنتجـه النّخلة حيث يصنعون منــــــازلهم مـن ســعفها وجـذعها. ويصنعون أيضًا السّـلال مـن خوصها وسعفها كمـا يـأكلون ثمرهـا .

يستخدمون ســعفـها فـي أعراسـهم للزّينـة و التبـّرك . كمـا يضـعـون سعفها مـع الميـّت تعبيـرًا عـن ارتباطهـا بوجـوده واستخدمها الأهــــالي فـي تأديــــب أولادهــــم وجعلهــــم يلتزمــون بالبيـت، ولا يخرجـون وقت الظهيـرة خـوفًـا عـلـيـهم مـن حـرارة الشّـمس فيقولـون لهــــم: إن خرجـتم سـتختطفكم «أم الخضـر والليـف» أي النّخلـة، ولكـن الأطفـــال يعتقدون «أم الخضـر و الليـف» جنّيـة ســتخطفهم وتــــؤذيهم فيلتزمون البيت ويسمعون كلام الأهل.

2. اللّغز: «أخضـر أخضـرانـي فـي السّـوق لاكـاني، عليـه فـي السّـوق اعمامــه خـضـرة و ثوبه خراساني».

- الجـواب : (الباذنجـان) .

المعنى : «الباذنجـان أو البيلجـان» كـمـا يحلو لأهـل البـحـرين قديمًا تسميّته، وهـو مـن الخضـار الشّـتـوية التـي اشـتهرت البحـرين بزراعتهـا فقد كان وما يزال يُستخدم في الكثير من الطّبخات في مملكة البحرين.

3. اللّغز: «إذا أدرت رأسه بكى».

- الجـواب: (البلبة الحنفيـة) .

المعنى : دخلـت «البلبة»: وهي الحنفيـة فـي المنـازل في منتصـف سـتينات القرن الماضـي. كـان النّـاس قبلهـا يجلبـون المـاء مـن العيـون المنتشـرة بكثـرة فـي منطقـة البرهامة إحدى ضـواحي مدينة المنامـة، و يتمّيـز أهلهـا بالطّيبـة والأخـلاق العاليـة، ويعمـل أهلها في مهنة الزّراعة، وصيد الأسماك لعـلّ هـذا اللغّـز يـعبّـر عـن عملّية تحول تاريّخية في حياة أهل القرى.

4. اللّغز: «أخذته بستين عمارة البساتين».

- الجـواب : (السّـخين) .

المعنى : و«الصّـحين»: وهي تنطق بالسّين وبالصّاد، وهـي آلة تقليدية بسيطة تستخدم في تنظيم التّربة الزّراعية في معظم بساتين مملكة البحرين، فلا غنى للفلاح البحريني عنها. إذ يعـيـش جـزءٌ كبيـرٌ مـن أهـالي منطقـة البرهامـة ومنهـم أبـي الحـاج أحمـد بـن مـهـدي بـن عِمران آل عِمران والذي كــان فلاحًـا علـى خمسة مـن بــسـاتين القريــة .

5. اللّغز: «أخذتها بمالي و لا دشت داري».

- الجـواب : (الجـالبوت نـوع مـن السُّـفـن )

المعنى : كـان النّواخـذة وهم ربابنة السُّفن يمتلكـون العديــد مـن السُّـفن منهـا : الجـالبوت، والسُّفن الشِّراعية، والمحمـل معظمها لنقـل البضائع ومعظمهـا للغـوص بحثـًا عـن اللؤلـؤ، وأذكـر هنا الغوّاص الحاج عليّ الأسد جارنا من قرية البرهامة.

6. اللّغز: «أنا أمشي، و هو يمشي».

- الجــواب: هي (الفيّة).

المعنى : الفيــة باللهجة العاميــة، وهـو الظّل، فظـلّ الإنسـان هو نتيجـة ضوء الشمس السّاقط على جسم الإنسان بالنّهار.

7. اللّغز:«اگلبه أزيد» (أقلبه و يزيد) .

- الجـواب: رقـم (6) بـا لإنجليزي.

المعنى: وقـد يـعبّـر بهـذا اللّغـز عـن مـدى تأثر النّاس في البحرين باللّغة الإنجليزية من قديم الزّمان وخصوصًا أهل منطقة البرهامة الذين عملوا في مستشفى السّلمانية وتأثروا باللّغة الإنجليزية وأرقامها الموجودة على الأبواب، والطّوابق، والأجنحة، والغرف...

8. اللّغز :«بنتنـا بنـت الهلال راكبــه الزّوالـي تحـرس مراكـب أبوهـا الشّيح بالجبالي».

- الجـواب: (النّخلـة)

المعنى: النّخلـة مـن أهـمّ الأشـجـار التـي ارتـبـط بـهـا إنسان البحرين في حياته و موته، والبحرين قديمًا بلد المليون نخلة، ولأهالي البرهامة قصص كثيرة لا يسع المقام ذكرها هنا.

9. اللّغز:«تسهر معي في اللّيل، وماليها عين».

- الجــواب: هي(الشمعة )

المعنى: فقـد كانوا قديمًا يستعملون الشّمعة ليلًا للإضـاءة، فـالبعض يقضـي اللّيـل قـراءةً، و كتابـــةً والبعض الآخر يراجـع حســـــاباته وتجارتـــه ... فكانت الشّمعة هي بمثابة المصباح الذي نستخدمه اليوم.

10. اللّغز: «حجـر حجنجـر لا تبـيض لا تفقس ماهي دجاجـة لها رقبـة طويلة ماهي زرافه».

- الجـواب: هي (السّلحفاة ) .

المعنى: السّلحفاة سـواء البحريـة أو التـي تـعـيش فـي المياه العذبـة شـكّـلـت جـزء مـن حيـاة أهـل البـحـرين حيـث جزيـرة البحـرين تحيط بهـا الـميـاه مـن كـلّ صـوب و تنتشـر فيهـا عيـون المـاء العذبـة، وأشـهـرهـا «عـيـن عـذاري». وألفـت الأغـانـي علـى السّلحفاة مثـل «اتسـبحـي فـي البمبـوع يالغيلمـه». البمبـوع هـو عبارة عن «سـاب» جـدول الماء، و «الغيلمه»: هي ذكر السّلحفاة.

11. اللّغز:«عنـدي انخيلـه فـي الكطيـف الكطيـف حملــه حمـل اللطیف، سعفتها تحمي العريش، ورطبتها حول السنة».

- الجـواب: وهي (النّخلـة).

المعنى: النّخلة وثمرهـاالرّطب: وهـو نـوع مـن أنـواع الفاكهـة التـى اشتهرت بهـا مملكـة البحـريـن مـن القديم، وهي مـتــــوفـرة فـــي البساتين الخمسة المحيطة بمنطقة البرهامة وهي على النحو الآتي: «الشّطيبان، والسّويفية، والفيصلية، ودوركان، خربادان»، وكان- رحمه الله- والدي الحاج أحمد بن عمران متضمنًا هذه البساتين من حاكم البحرين الشّيخ عيسى بن علي آل خليفة طيب الله ثراه .

12. اللّغز : «كبه» قبة خـضـرة وداخلهـا عبيـد، «الحكــم حـكــم الله ومفتاحها حديد».

- الجـواب: (الجحـّـــه أو البطّيخـه ).

المعنى: البطيخة فاكهـة صـــيفية تـزرع فـي أراضي مملكة البحرين كافة، ومنطقة البرهامة على وجه الخصوص.

13. اللّغز: «هو في السّوق، وحسه في الصّندوق».

- الجواب: «البيزات» وهي الأموال.

المعنى: يطلق أهل البحرين على النّقود مصطلح «البيزات» من قديم الزّمان، وهي المادة التي تستخدم في عملية البيع والشّراء.

14. اللّغز: «هي هيه، وهي ميه، وهي في البيت مرمية»

- الجواب: «المخمة» وهي آلة الكنس للمنزل.

المعنى: «المخمة» وهي آلة يدوية بسيطة تستخدم في كنس البيت قديمًا، مصنوعة من سعف النخيل.

15. اللّغز:«هو في البيت ولحيته في السكة».

- الجواب:«المسبح/ المرحاض».

المعنى: المسبح: وهو مكان موجودٌ في البيت يستحم فيه أصحاب البيت،

وجدوله يمتد من داخل البيت إلى خارجه، ولقد عبّر اللّغز عن وجود اللحية في الطريق، وهي الامتداد الطبيعي للوجه، فنهاية الوجه تكون اللحية، فالماء موجودٌ في البيت يخرج منه عبر الجداول حتى يصل إلى خارج البيت، فهو في البيت ولكن لحيته في السكة.

16. اللّغز:«يأمر بالمعروف، وينسى نفسه»

- الجواب:(المحش).

المعنى: (المحش): وهو المنجل، والمنجل: هو تلك الآلة التقليدية البسيطة التي تستخدم في قطع الحشائش وتزيينها وتزيين الحدائق، وتنظيمها تنظيمًا أفقيًا جميلًا ورائعًا يترك أثره في النّفس البشرية، فالمكان أخضر بألوانٍ من الحشائش الممتدة على طول البصر شمالًا وجنوبًا.

17. اللّغز:«أسألك يا قاضي تعش من مسألة أربعتش إفنين حاضرين وإفناعشر غايبين».

- الجواب: (السّماوات السّبع، والأراضين السّبع).

المعنى: السماوات السبع+ الأراضين السّبع= العدد(14). فالسماوات مجموعها كما ثبت في القرآن الكريم أنّ الله تبارك وتعالى خلق سبع سماوات، كما خلق سبع أراضين، قال تعالى: ﴿الله الذي خلق سبع سماوات، ومن الأرض مثلهنّ يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أنّ الله على كل شيء قدير وأنّ الله قد أحاط بكلّ شيء علمًا﴾ الطلاق/ 12. فالإثنان الحاضران: السماء والأرض، والإثنا عشر الغائبة: وهي بقية الأرضين والسماوات.

18. اللّغز:«فاطمة بن النّبي زوجة عليّ من هو أبوها»

- الجواب: خاتم الأنبياء محمّد بن عبداللهﷺ.

المعنى: فاطمة بنت النّبي محمّد بن عبدالله، وهي زوجة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام. والسؤال هو: من أبو فاطمة عليها السّلام في منطوق اللّغز يكمن الجواب وهو محمّد بن عبدالله النبي الأكرم ﷺ.

19. اللّغز:«أرفع من ديج، وأهبط من جمل، أسود من ظلام الليل، وأبيض من قمر».

- الجواب: «اللوهة».

المعنى:«اللوهة» وهي طائر بحري (أرفع من ديج) يعنى أنّ اللوهة أكبر قليلًا من الديك و (أهبط من جمل) يعني أنّ اللوهة أصغر قليلًا من الجمل. وهي مع ذلك لونها أسود من ظلام الليل وهي كالقمر، وهذه الأوصاف تنطبق على هذا الطائر البحري الذي يرونه في البحر وعلى السواحل، وهو من أشهر الطيور البحرية في مملكة البحرين، وفي قرية البرهامة، وهو طائر اجتماعي يعيش في أسراب على الشّواطىء، ويكاد لا يذهب إلى اليابسة أبدًا. وجمع كلمة لوهة: لوه، ولونها أسود، وله القدرة على الغوص وخطف الأسماك، ورجله تشبه رجل البطة، وله منقار ينقر السّمك، وجسمه مغطى بالدّهن لا يتأثر بالماء.

20. اللغز: «إبرا عليها أمغبية».

- الجواب: فاكهة البمبر أو شجرة البمبر.

المعنى: «البمبر» أو الغوج البحريني: هو نوعٌ من أنواع الفاكهة التي تكثر في مملكة البحرين. وسميت بهذا الاسم بسبب إحداث ثمارها الناضجة صوتًا قويًّا عند اصطدامها بالأرض، وثمار البمبر وحيدة النّواة وحلوة الطّعم، وهي تشبه في شكلها إلى حدٍّ ما ثمرة التّين، وتحتوي على مادة هلامية، يستعملها أهل البحرين في علاج بعض الأمراض منها: أوجاع البطن «المعدة»: فالبمبر من شأنه وبما يحمل من مضادات أكسدة تعمل على محاربة المركبات الضّارة في المعدة، وتعمل على تحسين صحة المعدة وتخليصها من السّموم الضّارة التي أدّت إلى أوجاع البطن، وثمار البمبر غنية بالحديد والفوسفور فهي تحسن الدّورة الدّموية، وتقوي العظام وتمنع هشاشتها وضعفها، وتعالج التّعب والأرق الذي يصيب الإنسان من جراء العمل الشّاق في البستان أو البحر في منطقة البرهامة قديمًا، وتعالج بعض مشكلات الجلد مثل حب الشّباب، والتّجاعيد، والنّدوب وغيرها.

وهذه الفاكهة«البمبر» تشبه إلى حدٍّ ما الإبرة حيث إنّها تحدث لمعانًا وبريقًا عندما تتعرض لأشعة الشّمس أو للضوء؛ ولكن بسبب وضعها في كيس خاص بها تكون مختفية(أمغبية) فكذلك هذه الثمرة «ثمرة البمبر» فإنّ داخلها أبيض برّاق يشبه الإبرة في اللمعان والبريق؛ ولكنه غير مرئي بسبب وجود القشر الأخضر والذي يتحوّل عند النّضج إلى أصفر وعند إزالته تجد ذلك البريق واللمعان واللزوجة فسبحان الله الذي أتقن كلّ شيءٍ صنعه، وجعل في ثمار البمبر كلّ هذه الفوائد العظيمة خدمة لبني الإنسان.

21. اللغز: «أمّ الصّوف مرّت على عجوز نايحة كالت ليها قومي حقّ انروح حقّ الأسود المدّلدل».

- الجواب: أمّ الصوف: وهي «الخوخة».

عجوز نايحة: وهي«الرّمانة».

الأسود المدّلدل: وهو «البادنجان أو البيلجان» .

المعنى: في هذا اللغز تبرز ثلاث جملٍ بسيطة هي على النّحو الآتي:

- الجملة الأولى: وهي «أمّ الصّوف»: وهو وصف للفاكهة المطلوب معرفتها وكشف هويتها وهي: (الخوخة) فاكهة صيفية عليها قشرة تشبه الصّوف إلى حدٍّ ما فهي أم الصّوف في اللغز البحريني المشهور.

- الجملة الثّانية: «عجوز نايحة»: هذا اللغز هو وصف لامرأة عجوز قد تسربلت بثيابها فما عاد يرى منها شيء كما الرّمانة، فشجرة الرّمان ذات أزهار بيضاء وحمراء جميلة تتحول إلى ثمار لذيذة ذات جلد قرمزي اللون أو أصفر محمر، ويحتوي غلاف هذه الثّمرة على المئات من الحبوب المائية اللا معة الحمراء أو البيضاء اللون، والرّمان فاكهة خريفية مفيدة صحيًّا.

- الجملة الثّالثة: الأسود المدّلدل: وهو لغزٌ يشير إلى وصف ثمرة الباذنجان المتدلّي على الأشجار في بساتين مملكة البحرين بكثرة.

كما أنّ هذا اللغز فيه روح الحكاية، وفلسفة الحدث وتسلسل الشّخصيات المقنّعة، وهنا تكمن جماليات السّرد في اللغز الشّعبي البحريني القصير، وصولًا إلى الغرض من سرد هذا اللغز، فأمّ الصّوف وهي: (الخوخة) مرّت في طريقها على العجوز النّايحة وهي: (الرُّمانة)، وقامت بالاتفاق معها للذّهاب إلى(الأسود المدّلدل) وهو الباذنجان، و توقفنا الرّاوية البحرينية الشّيخة حصة على الهدف من معرفة هذا اللغز الحكائي الرائع وهو إبراز المنتجات البحرينية الأصيلة من خضار مملكة البحرين وفاكهتها، ولكي يبقى هذا اللغز علامة وضاءة في أذهان الأبناء وعلى ألسنتهم على مرّ السّنين والأيام تتناقله الأجيال جيلًا فجيلًا، وأنّ هذه الأرض الطيبة كانت ومازالت تعطي صنوفًا من الفاكهة والخضروات على مدار العام منذ فجر الخليقة وحتى يوم النّاس هذا.

على سبيل الخاتمة:

تمتلك الشّيخة حصّة التّيتونية إمكانات كبيرة جعلت منها راوية عظيمة للموروث الشّعبي البحريني، و تتحلى بذاكرة قويّة جدًّا، وذكاء خارق في الفنون كافة، كالأمثال والحزاوي والألغاز، والقصص والحكايات، والفكاهة والنّادرة والأشعار الشّعبيّة، جعلت منها قامة «موسوعّية» فيما ترويه وتحدث به النّاس من أهالي منطقة البرهامة وضواحيها من الأهل والخلّان، والصّديقات والصويحبات، من الأولاد والبنات، ومن الأحفاد والحفيدات. فهي عندما تخبرك بالألغاز، وتسردها ينغلق عليك الفهم فلا تهتدي إلى الجواب؛ ولكنها تعمل بعض الحركات البسيطة التي توحي وتقرب لك الجواب: منها حركات الوجه، ومنها حركات اليد... فتكون إجابتك الصواب لذلك اللّغز المُحيِّر حقيقة.

ونلاحظ أنّ بعض ألغازها جاء بروح الحكاية الشّعبية، الحاملة للحدث وفعل القول...، ولقد جاءت معظم ألغازها من قلب البيئة البحرينية الصّرفة، وتوزّعت على حقلين كبيرين أولهما: الزّراعة، وثانيهما: البحر. فحضور المساحات الخضراء من البساتين والثّمار والنّخل واضحٌ ومعلومٌ، وحضور البحر حيث السّفن الشّراعية و(الجالبوت) ظاهرٌ ومشهودٌ، فقد ثبت أنّ الألغاز الشّعبية اِبنة بيئتها البحرينية.

 

الصور:

صور مولدة باستخدام الذكاء الاصطناعي .

 

أعداد المجلة