فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
66

تحية لرائحة حبر الطباعة على الورق

العدد 66 - المفتتح
تحية لرائحة حبر الطباعة على الورق
رئيس التحرير

منذ أولى مساهماتي الشخصية في تحرير المجلات العلمية والثقافية المختصة بمجال الثقافة الشعبية عند منتصف سبعينيات القرن الماضي بمجلة «التراث الشعبي» العراقية، ومن ثم تأسيس ورئاسة تحرير مجلة «المأثورات الشعبية» التي أصدرها مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية بدولة قطرعند منتصف ثمانينيات القرن الماضي، ثم تأسيس ورئاسة تحرير مجلة «الثقافة الشعبية» بمملكة البحرين عام 2008، شاءت لي الأقدار أن أعاصر عن قرب مدى ما كان يؤمل لميدان التراث الشعبي من اهتمام وازدهار وطموحات حقيقية صادقة، باركتها العقول النيّرة الأقرب لصناع القرار. 

ومع تقلب مستجدات الظروف بكل زمان عاصرت شخصياً التقلبات التي مرت بهذا الميدان وأدى أغلبها إلى تغييب أوتعثر واحتجاب تلك المطبوعات الدالة بكل تأكيد على ازدهار العناية بهذا الجانب المهم من الثقافة العربية في وجدان نخبة من المجايلين، فقد احتجبت المجلة العراقية، ويتعثر بين حين وآخر إصدار المجلة المصرية «المأثورات الشعبية»، ولم يتوقف إصدار المجلة الخليجية فقط، وإنما تم إغلاق مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية برمته في العام 2006. وبعثرة منجز الجمع والتدوين الذي تم بعلمية واحتراف عن طريق توزيعه على الدول الأعضاء الذي ترك في أغلبه أو مجمله للضياع، كتركة ليست ذات قيمة.

ومع اختلاف ظروف ومستجدات حالة كل مطبوعة عربية على حدة، إلاّ أن كل واحدة منها كانت تأتي تحت مظلة التزامات تلك الدول بالثقافة، التي هي أول ما يُضحى به أمام أولويات الالتزامات المعيشية الأخرى .

وفي العهد الزاهر لحضرة سيدي صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين المعظم، وبرؤية فكرية ثاقبة من سعادة طيّب الذكر الاستاذ الدكتور محمد جابر الأنصاري مستشار جلالة الملك المعظم للشؤون العلمية والثقافية وقتها، جاء استحداث منبر ثقافي عالمي بست لغات ليحمل (رسالة التراث الشعبي من البحرين الى العالم): جاءت مجلة (الثقافة الشعبية) في العام 2007 وتم تكليفي التشرف برئاسة تحريرها، منذ ذلك الوقت وحتى كتابة هذه السطور.

لم يكن مشوار هذه المطبوعة هيّناً، أو مفروشاً بالورود والرياحين، وإنما كان مشوار جد وعمل دؤوب لاستعادة تأسيس تلك المنظومة التي تركتها بمركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية، ولقد جاءت الظروف مؤاتية حين تم انتخاب مملكة البحرين لرئاسة المنظمة الدولية للفن الشعبي «IOV»، وهي كبرى منظمات اليونسكو الأهلية، وكأن الله قد هيأ للبحرين أن تحقق الرؤية الملكية بأن تكون رسالة التراث الشعبي من البحرين الى العالم.

لم يكن التقاط كوة هذا الضوء هيناً أو يسيراً، وإنما احتاج جهود فريق هيأه الله سبحانه وتعالى لتولي العديد من المسؤوليات والمهام المتنوعة بكفاءة وبإخلاص وتفان .

فلقد أمكن لـتلك الرسالة أن تنطلق فعلياً من البحرين إلى العالم عبر هذه المطبوعة بجد وبانتظام عبر شبكة مُحكمة من محترفي توزيع المطبوعات في الوطن العربي والعالم، إضافة إلى جهود 179 فرعاً من فروع المنظمة الدولية للفن الشعبي «IOV» بمختلف بلدان العالم، وعبر موقع إلكتروني احترافي نشط ، باللغات الست المعتمدة لدى منظمة اليونسكو، يؤمه المتصفحون بالملايين من مختلف أنحاء العالم، هذا إلى جانب المواقع الالكترونية الرديفة المتعاونة التي تسهل استخدام طلبة الجامعات في العالم الاستعانة بما ينشر عندنا من مواد.

لقد فتحت مجلة «الثقافة الشعبية» عبر مسيرتها الممتدة لأكثر من ستة عشر عاماً مجال النشر العلمي الأكاديمي المحكّم أمام علماء العالم وأساتذة الجامعات وخبراء الاختصاص من ذوي الخبرة والمكانة، وكسبت أعدادً لا يُستهان بكمّها من القراء والمتابعين اللذين تشهد بأعدادهم الغفيرة الحركة النشطة لتوزيع المطبوعة الورقية على ساحة كل الوطن العربي الى جانب أهم عواصم العالم، هذا إلى جانب التعاون الاستراتيجي مع المنظمة الدولية للفن الشعبي «IOV» في دعم وصول كل عدد من أعداد المجلة إلى كل فروع المنظمة في 179 بلداً من بلدان العالم. هذا من جانب، ومن جانب آخر فالموقع الإلكتروني للمجلة فعل فعله المنتظر بكسب ملايين القراء نشيطي المتابعة وأغلبهم أساتذة اختصاص وطلاب معرفة ومتابعون عابرون، يشهد لنا بصحة ذلك، ما وثّقته معامل التأثير (Arcif) في تقارير دورية منتظمة.

هذا المنجز الثقافي الذي نفخر بأن يرعاه ويموله الديوان الملكي بتوجيه حضاري من المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة الملك المعظم، وأن يحتل هذا المنجز واجهة عالمية مرموقة هيأته لأن يكتسب عن جدارة الصدقية والوثوق كمصدر للبحث والمعرفة، كان وسيظل يؤدي واجبه الوطني.

واليوم والمجلة تواصل الصدور بنسختها الإلكترونية عبر الموقع العتيد من بعد أن اضطررنا للتخلي عن الإصدار الورقي، رغم أهميته لنا، ولعدد لا يستهان به من القراء والمتابعين الكرام في زمن يتجه حثيثاً نحو المعلومة الرقمية، مع فقد لا يستهان به لرائحة حبر الطباعة على الورق، نود أن نؤكد من جديد وعلى الدوام التزامنا الفكري والأخلاقي والعاطفي أيضاً، بأن تقلبات الأحوال المالية والاعتبارية، وأمزجة كائن من كان من البشر، لن تمس قناعاتنا الفكرية العميقة بأهمية هذا الجانب من الثقافة العربية ودوره المهم في تأكيد الهُوية الوطنية والقومية، مع ضرورة رفده بحياتنا المعاصرة، على الرغم من كل التحديات والمستجدات المتوقعة وغير المتوقعة حاضراً ومستقبلاً .

تحية تقدير وامتنان يرفعها فريق «الثقافة الشعبية» إلى المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة الملك المعظم، الذي تؤكد مواقف جلالته المؤمنة بقيمة الهُوية بأن الثقافة الشعبية مكوّن أساس من أهم مكوّنات الذات العربية الصميمة .

بارك الله مملكة البحرين وشعبها الأبي وحفظ مليكها وولي عهده الأمين . وعلى بركة الله وهديه نسير.

 

 

أعداد المجلة