صناعة الحلي الذهبية بمملكة البحرين
العدد 65 - نافذة على التراث الشعبي البحريني
تعتبر صناعة الذهب من أقدم الصناعات التي عرفها المجتمع البحريني حيث دلت التنقيبات الأثرية التي أجريت في مختلف مناطق البحرين على أن سـكان دلمون كانوا يسـتخدمون الحلي والمصوغات الذهبية مثل الخواتم والأسـاور وقطعاً من صفائح الذهب عـثر عليها مع الهياكل العظمية، حيث من عادة الأقوام السـابقة في دلمون وغيرها من الحضارات القديمة دفن المقتنيات الثمينة مع موتاهم.
وقد عرفت البحرين منذ القدم الذهب والحلي النادرة عـن طريق التجارة المتبادلة التى كانت تجري بين دلمون ووادي الرافدين ومصـر والهند حيث تجارة الذهب والنحاس والفضة معروفة ومتداولة بين هـذه الحضارات. وتحدثنا الدراسـات القديمة بأن النساء في فترة تايلوس كن يفضلن ارتداء المشـغولات الذهبية واللآلئ والأحجار الكريمة وقد بذلن ما في وسـعهن حتى يظهرن بمسـتوى راقٍ من الجمال والأناقة .
ومع ظهور الإسـلام في شـبه الجزيرة العربية وبالأخص في البحرين في تلك الفترة من الزمن ازدهرت صناعة الذهب بشـكل ملحوظ نظراً لاتصال بعض تجار البحرين بالمناطق المجاورة وخاصة الهند والتعامل مع تجارها. وقد حققت البحرين في تلك الفترة شهرة فائقة الصـيت كبلد اشـتهر بمغاصات اللؤلؤ النفيس والنادر، ومع احتكاك البحرين بمناطق حضارية متنوعة ونزوح العديد من الجاليات إلى جزيرة البحرين تم التعامل مع أشـكال مختلفة من الذهب والفضة جلبها القادمون معهم من مناطق تواجدهم وإعادة صياغتها مرة أخرى من قبل الصائغ البحريني ليضـفي عليها الطابع المحلي ويسـتوحي بخياله المبدع أشـكالاً ونماذج غاية في الدقة والإتقان مسـتوحاة في أغلبها مـن البيئة المحلية سـواء ما يتعلق منها بالبيئة البحرية أو الزراعية أو الصحراوية .
ولم يقتصر اسـتخدام الذهب على زينة المرأة فقط بل امتزج بالعادات والمعتقدات الشـعبية حيث اتجه العديد من الناس في البحرين إلى وضع الأسـاور حول سواعد الأطفال والخلاخيل حول الكواحل ظناً منهم بأنها تحميهم من الشرور والأذى ! أما المرأة فقد كانت تحمل قلائد الذهب كتعاويذ وتمائم للزينة وللحماية مـن الغيرة والحسـد. ولا عجب في أن يسـتقطب الذهب كل هذا الاهتمام والمكانة الجمالية والتراثية، فالذهب من المعادن النقية غير القابلة للفسـاد ويحتفظ ببريقه ولمعانه فترة طويلة من الزمن، على هـذا الأساس اعتبر وعلى مر العصور رمزاً للخلود والبقاء، وهذا ما يؤكد قيام الفراعنة بدفن موتاهم في توابيت من الذهب كما كانوا يغطون وجوه الموتى بأقنعة من ذهب. فالذهب يسـاهم – كما يعتقدون – في إضفاء الصـفة الأبدية لتلك الروح.
أما النقوش المسـتخدمة في المشـغولات الذهبية المسـتوحاة من الأشـكال والرسـوم التي تزخر بها الحياة الطبيعية تجدها هي نفسها تتكرر كرسـوم في الأزياء الشـعبية وفي النقوش الجصية وفي الزخرفة (الخشـبية) وغيرها من فنون النقش والإبداع الشـعبي .
1. صياغة الذهب في البحرين:
يشـتغل في صـناعة الذهب صنَّاع مهرة، يطلق عليهم في البحرين اسـم (الصاغة) ومفردها (صائغ) وهو الحرفي الذي يعمل في تشـكيل الذهب والفضة، فيشكل منها الحلي المزخرفة بأحلى النقوش المرصعة باللآلئ والياقوت والزمرد، ويسـتخدم الصائغ في إعداده للحلي الذهبية بعض الآلات والأدوات التقليدية.
تحتاج هذه الصناعة إلى مهارة ودقة في الإتقان، وقد برع الصائغ البحريني وأجاد في صناعته نتيجة لتمرسـه الطويل في هذه الحرفة، كما ترك بصماته الواضـحة على الأشـكال والزخارف المنقوشة على القلائد والأساور والأقراط، مسـتوحياً أغلب تلك الأشـكال والرسـوم والنقوش من البيئة البحرينية، وكثيراً ما نجد رسـوم الأشـجار والأوراق والأزهار إضـافة إلى بعض الأشكال والنماذج البحرية كالمحار والقواقع البحرية الأخرى، وقد اسـتخدمت المرأة البحرينية أنواعاً كثيرة من الحلي الذهبية زينت بها مواضع عـدة من جسـمها مبتدئة من الرأس فالأذنين فالرقبة والصـدر ثم اليدين وأخيراً القدمين، ولهذه الحلي تسـمياتها الخاصة التي تختلف من حيث النوع والشـكل وطرق ارتدائها ونوعية الزخارف المسـتخدمة عليها.
2.أنواع الحلي المسـتخدم في البحرين :
2. 1. حلي الرأس والشـعر:
تهتم المرأة البحرينية اهتماماً خاصاً بزينة الشـعر، فهي تحرص على إطالته وترتيبه وعمل الضفائر الكثيرة فيه. ويعتبر الشـعر الطويل عنواناً للجمال والأنوثة، لذا حرصت المرأة في البحرين على وضـع اللمسات الأنيقة في شـعرها لكي تزداد بريقاً وجاذبية. أما أنواع الحلي الذهبية التي زين بها شـعر الرأس فهي :
1. مشـمومة القصة: وهي عبارة عـن قطعة من الذهب تعلق بخيط من الصوف وتُجدل مع ظفائر الشـعر من الأمام والخلف، كما يعلق المشـموم الأخضـر الطبيعي مع (مشـمومة القصة) فيبدو الشـعر في غاية الجمال.
2. القبقب: وهو قطعة حلي شهيرة بحجم كف يد الصغيرة، تتدلى من جوانبها مجموعة من السلاسل الذهبية توضـع فوق الرأس، وتتدلى منه السلاسل على الجوانب. وقـد أخذت تسمية هـذه الحلية من الحيوان البحري المعروف بإسـم سرطان البحر (القبقب)، ويُزين سـطح هذه القطعة الذهبية بالفصوص الملونة وتسـتخدمه الفتيات الصـغيرات في السن .
3. الهلال: وهو قطعة ذهبية تجدل في الشـعر عند قمة الرأس، وهذه الحلية شـبيهة بالهلال ومنه أخذ الاسـم، وتسـتخدم هذه الحلية لتزيين الأطفال.
2.2. حلي الأذن :
توجد على شـكل أقراط مختلفة من ناحية الحجم والشـكل، وأهم تلك الأقراط التي ارتدتها المرأة البحرينية هي : (الشـقاب – إغلاميات – صباح الخير – طعامة – العشـارج – نخيلات – إشـكاب – الكواشي)، وتزين هذه الأقراط بمجموعة من الأحجار الكريمة مثل الياقوت والفيروز.
2.3. حلي الرقبة :
هناك أنواع مختلفة لتزيين الرقبة والصـدر، وتمتاز هذه الحلي بالكثافة وكثرة النقوش عليها، ومن أشـهر تلك الأنواع (المرتعشـة – المعري – المنشـور – المرتهش – المريًة – الياسـمينة – النكلس - الينزيل – اليامعة) .
2.4. حلي اليد :
تزين المرأة يديها بعدد مـن الأسـاور، التي توجد أنواع مختلفة منها تلبس في الأيام العادية والمناسـبات السـعيدة مثل: (البناجري – شـميلات – حب الهيل – صويرات)، وهناك أيضاً المضاعد (المعاضد) منها ما يسـمى (الملتفت) أما (الخصور) فيأتي على شـكل حبات من المرجان الأحمر والأسـود تحيط به وحدات زخرفية بارزة. و(البناجري) التي تلبس في معصم اليد ولها مفاتيح خاصة تسـهل عملية الارتداء حسب القياس. أما الكف أو (الجف) فهو عبارة عـن خمسـة خواتم تلبس في كل أصـبع مـن اليد وتتصل بسـوار في المعصم أو سـلسـلة ذهبية تتدلى بشـكل جميل ومتناسق .
2.5. حلي الأصابع:
تعتني المرأة بتزيين أصابع اليدين حسب تقليد متبع ومعروف. فلكل أصـبع هناك خاتم يعرف باسـمه وهي : الخواتم والمرامي والشواهد واليباير والخناصـر.
2.6. حلي الأنف :
يزين الأنف عـن طريق ثقب الفتحة اليسرى للأنف، ويدخل في هـذه الفتحة نوع مـن المشـابك يسـمى (زمام)، وهو عبارة عـن قطعة صـغيرة مـن الذهب عليها بعض (الفصوص) الملونة.
2.7. حلي الثياب:
لم تكتف المرأة البحرينية بتزيين جسـمها بالمصوغات الذهبية، بل امتد ذلك ليشـمل الملابس التي ترتديها، حيث أخذت بتعليق أو نشـر القطع الذهبية فوق الملابس، خاصة المسـتخدم منها في الأفراح والمناسبات السـعيدة .
2.8. حلي القدمين:
تزين القدمان بارتداء (الحيول) الخلخال، ويأتي عـلى عـدّة أنواع مختلفة في الشـكل والحجم، ويسـتخدم أكثر أنواع (الحيول) للأطفال، كما تقوم النسـاء بارتدائه في بعض المناسـبات السـارة.
ومن تلك المصنوعات تأتي (العمايل) ومفردها (عميلة)، وتعلق كل واحدة منها على جانب من جوانب (الدفة) العباية النسـائية، وهناك أيضاً (مشـبك محلاب) وتسـتخدمه النسـاء في تزيين الثياب التي ترتدى في المناسـبات والأعياد.
أما المحزم (الحزام) فيعتبر من أهم الحلي الذهبية التي تلف حول الخصر، ويأتي المحزم بعدّة أشـكال مختلفة، ويلبس المحزم المصنوع مـن الفضة من بعض نساء الأسـر البحرينية للمناسـبات الإجتماعية السـارة.