فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

الموسيقيون الغَجَـر في علاقَتهم بالآلات الموسيقيَّة

العدد 65 - موسيقى وأداء حركي
الموسيقيون الغَجَـر في علاقَتهم بالآلات الموسيقيَّة
كاتب من مصر

 

للغَجَر دور بارز في استخدام الآلات الموسيقية، ويأتي هذا الدور ليوضح أمرين، الأول: أن العازف الغَجَري يتعرف على الآلات والأدوات الموسيقية منذ المراحل المبكرة من عمره، فمنذ نعومة أظفاره وهو يراها في أيدي أبيه وعمه وخاله وسائر أقاربه من الموسيقيين، ولذلك فإن معارفه الأولى بقواعد الأداء على آلة من الآلات الموسيقية هي نتاج التربية والصلة المباشرة بمناخ المعرفة الفنية الذي يوفره المحيط الأسري.. ومع نمو المعرفة، وحتى مرحلة الاحتراف، يكون العازف قد تشرب القواعد الموسيقية وتقاليد الأداء الشائعة لدى قومه من الموسيقيين، وفي هذا الشأن عُرف عن العازف الغَجَري - المحترف - المهارة في الأداء وهي الميزة التي عرفت عن العازفين الغَجَر على الدوام.

والأمر الثاني، أن العازف غالبًا ما يكون متمثلًا خصوصية الأساليب الخاصة التي يتعين عليه اتباعها دائمًا أثناء الأداء على آلته الموسيقية، يضاف إلى ذلك أن تمتع العازف الغَجَري بقدرات في الأداء تجعله - في أغلب الأحوال - لا يهمل العمليات الموسيقية الداخلية التي تأتي - في الأداء - على هيئة تفاصيل رهيفة تكسب الأداء صفات التميز التي عرفت بها الموضوعات الموسيقية الخاصة بالغَجَر.

وللموسيقيين الغَجَر قدرات خاصة في استخدام كل صنوف الآلات والأدوات الموسيقية التي عرفتها الثقافة الشعبية الموسيقية في مصر ومنها الرَّبابة والدُّف والمزمار والسُّلامية والرّق والدَّرَبُكَّة والصَّاجات وغيرها، ولا توجد حالات متميزة من البراعة وإتقان الأداء على هذه الآلات إلَّا وكان للموسيقيين الغَجَر السبق في إظهارها وفي ترويجها أيضًا وفي التفوق فيها على أقرانهم الموسيقيين من غير الغَجَر. ومع ذلك يبقى أن للموسيقيين الغَجَر علاقة وثيقة بآلات موسيقية بعينها باتت إرثًا في بنية إبداعاتهم الموسيقية ولا نجدها تستخدم خارج دائرة الإبداع الموسيقي الذي يضطلع به الغَجَر إلَّا ما ندر وهي «الربابة» و«المزمار» و«دُفّ الغَجَر»، أما عن الكيفية التي توثقت بها العلاقة بين الغَجَر وهذه الآلات فيمكن بيانها وفق التسلسل التالي:

1.الرَّبَابَة1:

الرَّبَابَة آلة موسيقية وترية من فصيلة الآلات الوترية، تتكون من ساعد خشبي في نهايته مصوت مجهز من ثمرة جوز الهند، مشدود على فوهته رَقُّ من جلد الماعز ترتكز عليها قنطرة يمر فوقها وَتَر أو وتران من شَعْر الخيل أو من السلك الصلب. وتسوى الأوتار (تُضْبَط) بشدها بواسطة مفاتيح خشبية مكانها في الطرف العلوي من ساعد الرَّبَابَة، ويصدر الصوت عن الآلة بِجَرِّ قوس على وتريها. وقد عُرفت الرَّبَابَة - في مصر 2ـ مرتبطة بالمغنين الذين تخصصوا في أداء الغناء القصصي الطويل وأبرزه السِّيرَة الشعبية التي اختص بأدائها الشُّعَراء وجميعهم من الغَجَر.

والرَّبَابَة التي يستخدمها المغنون الغَجَر المعاصرون لاتزال الآلة الموسيقية الشعبية الوحيدة لرواة السِّيرَة في مصر (وخاصة السِّيرَة الهلاليَّة) ولا يزال استخدامها يمثل عاملًا أساسيًّا في تشكيل هذا الصنف من الغناء القصصي على النحو الذي يمكن وصفه بأنه الشكل التقليدي (النموذج) لطرق أداء السَّيرَة على الرَّبَابَة، وليس من قبيل المصادفة أن تتوافر الشواهد التي تدل على انتماء بعض العناصر الفنية المستخدمة في الأداء المعاصر للسِّيرَة الهلاليَّة إلى أصول قديمة، فهناك ثَمَّ تشابه يسهل ملاحظته بين الكيفية التي يتشكل بها الأداء المعاصر للسيرة والكيفية التي كان يتشكل بها نمط مماثل قديم كان شائعًا في مدينة القاهرة في أواخر القرن الثامن عشر3.

على أن الآلة الموسيقية التي كان يحملها شعراء القرن الثامن عشر كانت ذات وتر واحد وذات مصوت من الخشب المكسو برق من الجلد (رَبَاَبة الشَّاعر أو الْقَدَح)، أما الآلة الموسيقية التي تخص الشعراء الغَجَر المعاصرين فهي تلك التي يشد عليها وتران وذات مصوت مجهز من ثمرة جوز الهند وهي التي كانت تعرف باسم «الْكَمَّنْجَة». ومع أن آلة الرَّبَابَة الْقَدَح لم ترج في دلتا مصر أو في جنوب البلاد في مصاحبة غناء السِّيرَة، وشاعت بدلاً منها الرَّبَابَة الجديدة «الْكَمَّنْجَة» فإن الكثير من تقاليد الأداء الموسيقي المعاصرة التي اعتمدت عليها هذه المصاحبة الآلية المفردة لم تختلف كثيرًا عما كان متبعًا في التقاليد النظيرة التي عرفها الشُّعَرَاء الذين كانوا يستخدمون الرَّبَابَة الْقَدَح4، خاصة وأن أساليب العزف وكذلك النظم الفنية التي كان يتعين مراعاتها عند الأداء على هاتين الآلتين لم تظهر جميعًا أي اختلاف فني جوهري من شأنه أن يؤثر على محصلة الأداء، أو يؤثر فيما يمكن تسميته بالقواعد الأساسية التي يقوم عليها استخدام هذه الآلة بتنوعاتها في مصاحبة هذا الصنف من الغناء. على أنه ليس هناك من أسباب يمكن أن تكون وراء هذا التشابه الذي يربط بين طرق الأداء القديمة والمعاصرة (من حيث الشكل وآلية الأداء وتقاليده) سوى تلك الأسباب التي يمكن استخلاصها بالرجوع إلى ما يمكن اعتباره المبدأ الفني الذي قام ويقوم عليه أداء الغناء القصصي بمصاحبة تلك الآلة الموسيقية (الرَّبَابَة) خاصة وأن الأمثلة الحية المتبقية لأداء هذا الغناء على الرَّبَابَة تنحو بصورة عامة تجاه قواعد موسيقية قديمة وهو الأمر الذي يستوجب تتبع هذا المبدأ الفني ومناقشة الأسباب التي انبثق عنها.

1.1. الرَّبَابَة وشُعَرَاء السِّيرَة :

ليس هناك أدلة قاطعة أو معلومات وافية تُيَسِّر لنا تكوين رأي قاطع حول الأسباب الحقيقية التاريخية والفنية التي ربطت بين الآلة الموسيقية المسماة «رَبَابَة» وغناء الشِّعْر الروائي الذي ارتبط بالمغنين الغَجَر، لكن إذا أمكن للجهود العلمية المعاصرة وللممارسات الفنية المتبقية أن تُخْبر بشيء في هذا الصدد؛ فإن ثمة معلومات وشواهد لها منطقها المقبول يمكن أن تساعد في توضيح بعض الأسباب التي أحاطت بهذه العلاقة، وإذا ما جاز لنا الأخذ بما توفر من معلومات وشواهد أمكن التسلسل في تتبع تلك العلاقة وأسبابها المحتملة على النحو التالي:

لم تعرف مصر القديمة آلة الرَّبَابَة وليس هناك من أدلة تشير إلى أن المصريين القدماء كانوا يُوَقِّعون بالقوس على أية آلة موسيقية وترية5، وفي مقابل ذلك تتوافر الأدلة التي تحفظ للعرب دورهم المؤكد في دخول هذه الآلة إلى مصر.

والرَّبَابَة (بوصفها آلة وترية ذات قوس) ليست اختراعاً عربيًّا صميمًا، فقد عرفت الهند (منذ أكثر من خمسة آلاف عام - (ق. م.) آلة وترية ذات قوس عُرفت باسم «رَاڤانَا اسْترُون» لكنها لم تبق كثيرًا فانزوت من الحياة الموسيقية الهندية6.

على أن الدور الذي لعبه العَرَب في هذا الخصوص (والذي بدأ منذ القرون الميلادية الأولى) كان منصبًا - في المقام الأول - على إحياء الآلات الموسيقية القديمة ومنها الآلات ذات القوس7، وبفضلهم في هذا المجال انتشرت آلة الرَّبَابَة وتنوعت أشكالها، فعرف منها في مصر والمغرب العربي رَبَابَة الشَّاعر وصندوقها على شكل مربع مقوس جانباه إلى الداخل شيئًا ما، ورَبَابَة أخرى تسمى «كَمَّنْجَة» صندوقها نصف جوزة هند ثم ربابة شمال أفريقيا المستعملة في بلاد المغرب، ثم الربابة التركي وقد انتشر استعمالها في بلاد البلقان، وصندوقها المصوت يكوِّن مع ملاويها (المفاتيح) شكل أرنب ولذلك سميت هذه الآلة «الأرْنَب» أو «الأرْنَبَة»8.

على أن تنوع الآلةـ من حيث الشكل أو من حيث عدد الأوتار - (كما جاء في الوصف السابق) لا يعني في حقيقة الأمر أنها آلة واحدة هي الرَّبَابَة في أشكال متباينة، فإذا كان الاستخدام المعاصر للفظ «رَبَابَة» جمع بين هذه الأشكال المتباينة لمجرد أنها تندرج جميعًا تحت مبدأ فني واحد (هو الذي يصوغ طرق الاستخدام)؛ فإن تنوع آلات القوس (من حيث الشكل) لا يأتي دون أسباب مهمة، وأيًّا كانت هذه الأسباب فإنها تؤكد أن الاختلاف في الشكل يعني اختلافًا من حيث الإمكانات ومن حيث الاختصاص ويؤكد أيضا أن التغيير الذي يلحق بشكل آلة موسيقية معينة لا يأتي من قبيل المصادفة ولا من قبيل التغيير لذاته، وإنما هي عملية مرهونة بمقتضيات ذات خصوصية فنية وثقافية وتخضع - في الوقت نفسه- للإمكانات المادية (المورفولوجية) التي تدخل في تركيب هذه الآلة أو تلك، وهي عملية لابد أن تخضع أيضًا للاختبار وللتجريب وتقليب النظر المستمر إلى أن تستقر على الصورة التي يتحقق معها الغرض المنشود.

وعلى ذلك فإن الرَّبَابَة «الْكَمَّنْجَة» ليست هي الرَّبَابَة «الْقَدَح» وإنما هي آلة مستقلة (من حيث الشكل والإمكانات الصوتية) وإذا كان يُطلق عليها اليوم اسم «ربَابَة» فإنها لم تك منذ قرن مضى تُعرف بهذا الاسم ولم تك تستخدم للقيام بالدور الفني نفسه الذي كانت تستخدم فيه الرَّبَابَة الْقَدَح ذات المصوت الخشبي، فقد كان استخدام الْكَمَّنْجَة محصورًا في نطاق فرق الآلاتية الذين كان فنهم يدور في دائرة قواعد وتقاليد الموسيقا الشرق عربية، فضلاً عن أن هؤلاء الآلاتية كانوا يصاحبون العوالم والراقصات9.

ويبدو أن دخول الرَّبَابَة الْكَمَّنْجَة إلى دائرة الشعراء المغنين واكتسابها اسمها الحالي «رَبَابَة» كان يقابله انحسار تدريجي للرَّبَابَة «الْقَدَح» قبل أن تختفي الأخيرة تمامًا من حياة هؤلاء الشعراء10.

أما الرَّبَابَة الْقَدَح، فقد ظل استخدامها - في مصر- قاصرًا على الشعراء ولم تر قط تستخدم في مصاحبة أي نوع من الآلات الموسيقية الأخرى التي اعتاد الآلاتية (غير الغَجَر) على استخدامها11.

أما الإطار الفني والثقافي الذي انبثقت عنه الرَّبَابَة الْقَدَح (بشكلها وبإمكاناتها الصوتية) فهناك أدلة تشير إلى انتماء هذا الشكل من الآلات إلى «البدو» وتستند هذه الأدلة إلى الشواهد الحية المعاصرة، فالرَّبَابَة الْقَدَح لا تزال تستخدم لدى بعض بدو الصحراء رغم اختفائها من المدن والعواصم الكبرى، كما أن الكثير من النماذج العينية (الحيَّة) التي لا تزال تستخدم قام بتصنيعها أفراد بدويون أو أفراد ينتمون إلى الثقافة البدوية، وعلى الرغم من أنهم راعوا في تصنيعها نواحي التعديل والتشذيب؛ فإن الآلة ما تزال تحاكي (بشكل أجزائها وبساطة تركيبها) الرَّبَابَة الْقَدَح التقليدية التي كانت حتى وقت قريب تجهز من عيدان وقوائم الشجيرات    ويكسى مصوتها برَقِّ من جلد الماعز.

ومن الملاحظات التي يجدر التنويه إليها بخصوص هذا النسب أن هناك العديد من المعلومات تؤكد أن العرب عرفوا هذه الآلة (الْقَدَح) منذ زمن بعيد، لكن هذه المعلومات لم توضح في أي إطار فني كانت تستخدم ومن الذي كان يستخدمها وأين. وبالإضافة إلى ذلك لم يرد في تاريخ الموسيقا العربية ما يفيد أن الرَّبَابَة الْقَدَح كانت آلة معتمدة في بلاط السلاطين أو في قصور الأمراء في أي عصر من عصور الخلافة الإسلامية على غرار بقية الآلات الموسيقية الأخرى المعتمدة كالْعُود والْقَانُون والنَّاي والدُّف، وهذا يعني أن الرَّبَابَة الْقَدَح لم تكن منتمية من الناحية الفنية إلى تقاليد الثقافة الموسيقية الرسمية، وهو الأمر الذي يرجح صحة الأدلة التي تنسب هذه الآلة إلى البدو12.

أما الكيفية التي دخلت بها الرَّبَابَة الْقَدَح إلى مصر ومن ثم إلى مجال أداء الغناء القصصي فإن الجدل حول هذا الأمر ما يزال قائمًا إلى اليوم، ففي الوقت الذي يمكن فيه تقبل فكرة أن الرَّبَابَة الْقَدَح دخلت مصر مع العرب (إبان الفتح الإسلامي) ضمن ما حملوه معهم من أدوات وعادات وتقاليد؛ فإن ثمة أفكار أخرى ترمي إلى أن الرَّبَابَة الْقَدَح دخلت مصر مع الغَجَر الذين هاجروا من الجزيرة العربية مع بَني هلال (في وَقْت التَّغْريبَة) ومن أجدادهم أبو زيد الهلالي نفسه الذي كان أول شَاعر ينشد على الرَّبَابَة13، وأن الرَّبَابَة آلة موسيقية غَجَرية، وأن هؤلاء القوم (الغَجَر) احترفوا إنشاد السِّيَر العربية بعد أن اعتبروا أنفسهم الحاملين الحقيقيين لهذا التراث القصصي والمحافظين عليه بعد أن تمثلوا مادته التاريخية القديمة المتناقلة أيام العرب وحولوها إلى روايات تاريخية فروسية مكونة من أجزاء شعرية وأجزاء نثرية لها شعبية كبيرة عند العامة14.

وعلى الرغم من أن هذه الفكرة تفتقد - من الناحية التاريخية - الأدلة القاطعة التي تثبت حقيقة العلاقة بين بني هلال والسيرة من ناحية، وآلة الرَّبَابَة من ناحية ثانية، وبينهما وبين الغَجَر من ناحية ثالثة؛ فإن ثم جانبا في هذه الفكرة لا ينبغي تجاوزه أو المرور عليه دون محاككته بالواقع الفني المعاصر لرواة السيرة، ولا نقصد بذلك أننا نميل إلى معالجة الموضوع من تلك الزاوية العرقية أو أننا ننوي التسليم بهذا السياق التاريخي المبهم، وإنما نقصد التذكير بواقع الإطار الفني والثقافي الذي يحيط بالسِّيرَة وبعالم الغناء القصصي وبرواته المعاصرين الذين أبدعوه شعرًا وموسيقا، أما فيما يتعلق بهذا الواقع المعاصر فإن الشواهد الميدانية الحية تؤكد أن رواة السيرة (الشُّعَرِاء) ومؤدّي الغناء القصصي (الْمَدَّاحين) ينتمون جميعًا إلى فئة الغَجَر15 وأن من النادر أن يوجد من بين هؤلاء المبدعين من لا ينتمي إلى هذه الفئة16.

على أن كل ما تقدم من أقوال وتفسيرات لم يوضح بعد وبصورة وافية كيف ارتبطت آلة الرَّبَابَة بالغناء القصصي وبالسِّيَر التي اختص بأدائها المغنون الغَجَر، ولاشك أن الكيفية التي ربطت بين الرَّبَابَة وعازفيها - ورغم صعوبة التحقق منها تاريخيًّا - لاشك - أنها من الأمور بالغة الأهمية بسبب ما يمكن أن تقدمه من تفسيرات فنية لعالم الغناء القصصي ومؤديه، أما وأن هذه الكيفية تفتقد الأدلة القاطعة، فإن ثمة معالجة لتلك الرابطة يمكن أن توجد سياقًا مقبولاً لواحد من الأسباب التي تقف وراء اختيار الغَجَر آلة الرَّبَابَة في صحبة غنائهم ويقصد بذلك توجيه النظر إلى الأسس الفنية التي تنظم عملية المصاحبة الآلية، أي التركيز على الآلة نفسها من حيث إمكاناتها الصوتية ومن حيث وظائفها التكوينية.

والمعروف أن هناك مبدأ فنيًّا عامًا وراء استخدام الآلات الموسيقية لمصاحبة الصوت البشري يتمثل في مساندة الصوت وإطالته، ووفق هذا المبدأ تتدرج كل العمليات الموسيقية المستخدمة في المصاحبة الآلية وفق الإمكانات الصوتية لكل آلة - ووفق طبيعة التقاليد الفنية التي تنتمي إليها17. وفق هذا المبدأ تمتعت آلة الرَّبَابَة بأهلية مكنتها من مصاحبة الغناء خاصة وأن إمكاناتها الصوتية وتقاليد الاستخدام أبرزت فيها صفات وخصائص فنية مميزة لاتختلف اختلافًا بينًّا في الرَّبَابَة المعاصرة (الْكَمَّنْجَة) ذات الوترين عنها في ربَاَبةَ الشَّاعر القديمة (الْقَدَح) ذات الوتر الواحد، وهو الأمر الذي ينبغي الوقوف عنده بعض الشيء خاصة وأن الصفات والخصائص الفنية التي سوف تُدْرَج تباعًا لا تقوم ولا تتسق إلا بفهم هذا الأمر وتوضيحه. فالمعروف أن إضافة وتر إلى الآلة يمثل حلقة مهمة من حلقات تطور هذه الآلة وهو - في الوقت نفسه - يعد إضافة إلى إمكاناتها الصوتية وإضافة إلى وظيفتها الفنية18، وبالرغم من ذلك فإن الإفادة المحدودة التي درج عليها العازفون المعاصرون فيما يتعلق «بالْوَتَر الثاني» باعدت بين الرَّبَابَة وبين ماكان يُرْجَى من وراء إضافة هذا الوتر، إذ تحول - نتيجة استخدامه استخدامًا محدودًا - إلى وتر «رَدَّاد» تُسْتَعار منه نغمة واحدة فقط لاستكمال سلسلة النغمات التي تعلوه وهو الحال الذي يتفق وطبيعة العمليات الموسيقية التي تجري في الموسيقا الشعبية المصرية بصفة عامة وتجري في أداء الغناء القصصي على نحو خاص، ويتم استعارة هذه النغمة المفردة على النحو الذي تُسْتَعَار به نغمة «الحسَّاس» في السلم الموسيقي، ولذلك فإن معالجة وضعية الرَّبَابَة ذات الوترين «الْكَمَّنْجَة» (من حيث الإمكانات الصوتية وتقاليد الاستخدام) لا تختلف عن المعالجة نفسها التي تعالج بها وضعية الرَّبَابَة القديمة ذات الوتر الواحد «الْقَدَح» وهي المعالجة التي نوردها على النحو التالي:

1.     يعمل استخدام الرَّبَاَبة (في مصاحبة الغناء) على إبراز النغمة الأساس Tonique التي يظل تأثيرها مسيطراً طوال فترة الأداء فيتحدد بذلك الإطار المقامي للمغني. والنغمة الأساس هي النغمة التي يتخذها المغني منطلقًا لتحديد إطار التكوين النغمي ويتخذها كذلك أساسًا لتحديد القفلات والنهايات التامة، ولا يشترط أن تكون هذه النغمة أغلظ نغمة تصدرها الرَّبَابَة. أما الإطار النغمي فيقصد به حدود وعدد النغمات التي يصدرها المغني بصوته، ويتحدد نوع هذا الإطار وفق طبيعة الفواصل الواقعة بين النغمات وبعضها البعض، وهناك قواعد (سيجري بيانها بالتفصيل في حينها) تحدد المساحة الصوتية وعدد النغمات التي يتعين على مغني الروايات القصصية ألا يتجاوزها وهي متفقة تمامًا مع مورفولوجية  آلة الرَّبَابَة وإمكاناتها الصوتية المحدودة سواء كانت بوتر واحد ٍأو بوترين.

2.    تعمل الإمكانات الصوتية لآلة الرَّبَابَة (وفقًا لطبيعة تكوينها) على تيسير استخدامها استخدامًا ذا خاصية نوعية ويتمثل هذا الاستخدام في سهولة إيجاد علاقات تفاعلية ومتآلفة بين صوت الآلة وصوت المغني وذلك من خلال إيجاد مسافات زمنية ثابتة يستطيع المغني أن يجد فيها نقطة لدخول الغناء بالنسبة لدخول صوت الآلة مستفيداً في ذلك من طبيعة صوت الرَّبَابَة الذي يقترب -  في طبقته وفي لونه - من طبقة ولون الصوت البشري الرجالي، كما يفاد من هذه الخاصية في الحصول على دور الاستجابة والرّد.

3.     يستطيع المغني أن يوجد صلة بين صوته وصوت الرَّبَابَة حينما يستخدمها أحيانًا كبديل لصوته، لأن المُغَنِّي - في بعض أجزاء الأداء الغنائي للقصص الطويل - قد يكرر بالرَّبَابَة لحن المقطع الشعري الذي انتهى لتوه من أدائه بمعنى أن الرَّبَابَة يمكن استخدامها لتغني ألحان الشِّعر وليس فقط ترديد اللزمات والفواصل النغمية.

4.     تستخدم الرَّبَابَة في تحديد شكل الحركة الإيقاعية للحن وفي تحديد الاتجاه النغمي لهذه الحركة والتي تمد نظيراتها في الشعر الذي يصوره اللحن.

5.      تستخدم الرَّبَابَة في تغيير مستوى القدرة الصوتية (شدة الصوت وضعفه) التي يستخدمها شعراء الغناء القصصي أحيانًا لإضفاء شعور خاص على مقطع معين من الشِّعر.

6.    تستخدم الرَّبَابَة لأداء أصوات متتالية دائمة التدفق وذلك عن طريق أداء أصوات ذات شكل إيقاعي ثابت يكررها العازف في بعض أجزاء الأداء خاصة وأن الربابة تجمع - من هذه الناحية - بين خاصيتين تقليديتين، الأولى إمكان الحصول على الصوت في أقصر مدى زمني له عن طريق نَبْر الوتر بإصبع اليد Pizzicato أو عن طريق حَكِّه حكًا سريعًا بأحد طرفي القوس، أما الخاصية الثانية فهي إطالة زمن الصوت عن طريق جَرّ طول القوس جرَا بطيئًا على الوتر للمدى الزمني الذي يريده المُغَنِّي العازف.

7.    تستخدم الرَّبَابَة لتوليد أشكال لحنية منظمة للخط الإيقاعي ومؤكدة سرعته، مثال ذلك حينما يستخدم القوس بطريقة Pizzicato لتقسيم زمن النغمة إلى وحدات زمنية صغيرة تتساوى - في زمنهاـ - مع زمن النغمة الأصلية19.

بالإضافة إلى ذلك هناك وظائف تكوينية «مورفولوجية» انفردت بها الرَّبَابَة دون سائر الآلات الموسيقية الوترية الأخرى التي تصاحب الصوت البشري وهذه الخصائص هي:

1.    أن الرَّبَابَة مكوَّنة من أجزاء بسيطة يسهل للعازف الحصول عليها وتركيبها بنفسه، وأنها خفيفة الوزن سهلة الحَمْل ويمكن الأداء عليها أثناء السَّيْر، وهو المبدأ الذي توفر في كل آلات القوس التي عرفها الموسيقيون الجوالون كما أنها لا تحتاج إلى تجهيز أو إعداد خاص قبيل الأداء عليها كما هو الحال في بعض الآلات الموسيقية التي يتعين على العازفين تسوية أوتارها ومراجعة مواضع أجزائها قبل الأداء عليها مما يستغرق وقتاً طويلاً نسبيًّا.

2.    أن إصدار اللحن من الرَّبَابَة يعتمد أساسًا على الْوَتَر الأول (الْقَوَّال) مما يعني أن تكوينها متوافق مع القاعدة الموسيقية التي تحصر الأداء في الفاصلة الصوتية التي ينتظم عليها غناء الشِّعر الروائي الذي يؤديه الموسيقيون الجوالون وهي فاصلة الرابعة أو الخامسة على الأكثر.

3.    أن وَتَر الرَّبَابَة (الشَّعر) يُسَوَّى (يُضْبَط) عادة في المنطقة الصوتية التي تنحصر عادة في دائرة الطبقة الصوتية «التِّينُور Tenor» وهي أكثر المناطق تميزًا وملاءمة مع منطقة الصوت الذي يصدر عن الرجال وهو أحد الأسباب التي جعلت بعض الباحثين يصف صوت الرَّبَابَة بأنه قريب بدرجة كبيرة من الصوت البشري20. وقد تصدى «فيُوتُو» لهذه الخاصية الملفتة للانتباه فعزا وجودها إلى أسباب تكوينية (مورفولوجية) فوتر الرَّبَابَة يتألف من شعيرات عدة قد تصل إلى سبعين شعيرة من شَعْر الخيل وعند شد هذه الحزمة من الشعيرات فإنها لا تتساوى جميعًا في قوة شد واحدة، وعند اهتزاز هذا الوتر (بواسطة جَرّ القوس) فإن شعيراته لا تردد جميعًا نغمة موحدة فيأتي الصوت مضطربًا أجشّ وهو الصوت الذي كان دائمًا متلائمًا مع صوت الشاعر المغني والذي عادة ما يعاني من انحرافات متفاوتة القدر21.

2. الدُّف:

الدُّف أداة من أدوات النَّقر والتوقيع من فصيل الآلات أو الأدوات الموسيقية الإيقاعية ذات الوجه الواحد من الرِّق والمفتوح من جهة واحدة. ويتكون الدُّف من إطار خشبي رقيق ملفوف على شكل دائرة مستوية ومشدود على أحد أوجهه رَقُّ من جلد الماعز. وتتفاوت مقاسات وأشكال الدُّف ما بين صغيرة وكبيرة، كما يزود إطاره أحيانَا بقطع دائرية من النحاس أو الصاج لإحداث شَخْلَلَة أثناء الضرب عليه. ووفق مقاسات وأشكال الدُّف تعددت أسماؤه فيأتي منها الْبَنْدير والِمزْهَر والْحانة والرِّق والدِّيارة والمُخَمَّس، وقديمَا كان يوجد دُف مستطيل الشكل قَلَّ استخدامه وانحسر تواجده منذ الأسرة الـ18 وهو الدُّف الذي أخذه العَرَب وجعلوا شكله مربعًا وسُمّيَ لذلك عند العَرَب بالمُرَبَّع. ولكل من هذه الأسماء مجال للاستخدام الفني. ومن بين هذه المقاسات والأشكال تمسك الموسيقيون الغَجَر بمقاس وشكل بعينه من الدُّفوف عرف عندهم بالاسم ذاته «دُفّ» أو «دَفّ» ويأتي في مقاس يقل قليلًا عن أكبر مقاسات هذه الأداة والمعروفة باسم «بَنْديرِ الدراويش» ويُشد على دُف الغَجَر رِقُّ من جلد الماعز أو التِّيس يمتد ويزيد ليغطي الإطار الخشبي الدائري وهي حالة لا توجد عمومًا في بقية الدفوف المعروفة، كما أنها الحالة المتميزة التي اختص بها دُف الغَجَر بجانب وضوح صفاء رنينه .

ويستخدم دُف الغَجَر في صحبة كل أصناف الغناء الذي يؤدونه وخاصة الغناء القصصي (قصص المداحين) ويستخدم كذلك لدى الشعراء الذين ينتمون إلى تقاليد المدرسة القديمة في أداء السيرة.

والدُّف - على هذا النحو (وبأشكاله وأحجامه المتباينة) أداة مصرية قديمة يعود تاريخها إلى عصر الأسرة (28)/ 800 ق. م.، وليس هناك أي التباس أو ثمة شكوك في الكيفية التي تواجدت بها هذه الأداة في الحياة الفنية المصرية، ومن ثم فإن وجودها في مصر أقدم بكثير من التاريخ المحتمل الذي جاء فيه الغَجَر إلى مصر ولذلك كان من الطبيعي أن يكون الدُّف واحدًا من الأدوات الموسيقية الأساسية التي شاع استخدامها لدى الموسيقيين المصريين بما فيهم الغَجَر الذين احتضنوا هذه الأداة فوسموا شكلها ومقاسها على النحو المتميز سالف الذكر.

والمعروف أن التوقيع المصاحب للغناء يقصد به ضبط الوزن وتنظيم الضربات22، لكن استخدام الموسيقيين الغَجَر الدُّف في غنائهم راح ينطوي على وظائف فنية تتجاوز - في أحوال كثيرة - تلك القاعدة الأولية وخاصة أن الدُّف عند الغَجَر المصريين ارتبط - في أكثر استخداماته - بغناء الروايات القصصية الطويلة ولا يُعرف على وجه التحديد كيف ارتبط استخدام الدُّف بهذا الصنف من الغناء خاصة وأن هذا الارتباط يبدو أنه لم يتأسس في الأصل على المبدأ القائل: «أن لكل غناء آلاته وأدواته»23 ولاسيما أن هذا المبدأ ينسحب على آلات النَّقر والتوقيع، ولذا يكون من الجائز إحالة سبب هذا الارتباط إلى العوامل التي جمعت بين الدُّف والأنشطة الموسيقية التي تتطلب إحداث الضربات والنقرات الإيقاعية لضبط الوزن أو نحو ذلك. على أن استخدام الدُّف لإحداث التوقيع لابد أن يكون قد مَرَّ بمراحل فنية ساهمت في بلورة طرق الأداء على النحو الذي ميز كل طريقة وأعطى لها خصوصيتها24، ولذلك لا يوجد لدينا تفسير محدد للتميز الذي اختص به ارتباط الدُّف بمغنّي القصص الغنائي الطويل سوى أن يكون هذا الارتباط قد سار منذ بداياته في الاتجاه الذي اقتضته تقاليد الغناء بصورة عامة25 وتقاليد الغناء للروايات والقصص الطويل على وجه خاص.

  واستخدام الدُّف لدى مُغنّي السِّير والروايات الطويلة يتجاوز - كما ذكرنا - مجرد كونه أداة لوَزْن الألحان، وسوف يتضح من عرض طرق الأداء المختلفة التي سنوردها في حينها، كيف يتجاوز استخدام الدُّف عند الموسيقيين الغَجَر هذا الدور ويتحول إلى عنصر من عناصر العَرْض الموسيقي. على أن الأمر يتطلب بداية البحث في العلاقة بين طرق التوقيع على هذه الأداة والعوامل التي تُهيئ للمؤدي إظهار هذه الطرق.

  لا يتقبل مُغَنِّي الدُّف ضربات أو نقرات إيقاعية ذات جَرْس يكون مخالفًا للجَرس الذي اعتاد على صدوره من الدُّف،وحينما يفصح مغنّو القصص عن السبب الذي يحملهم على التمسك بهذه الأداة في صحبة الغناء (والغناء هنا في السيرة الهلالية)، يقول: «أن لقصة الهلايل طريقة وأصول» والدُّف يساعد في تحقيق هذه الطريقة ويؤدي استخدامه إلى دعم هذه الأصول أو يوضحها، على أن هذا القول يضيف - في الوقت نفسه - بُعدًا آخر للمَعْنَى الذي تنطوي عليه عملية التوقيع على الدُّف، ويتمثل هذا البُعد في الجَرس الصوتي العام الناتج عن المزاوجة الصوتية (أي الطاقة الناتجة عن دمج صوت المغني مع صوت الضربات والنقرات الإيقاعية) فلصوت الدُّف رنين مميز خاص يجده المغني متآلفًا مع صوته، يحسه ويقدر أهميته، وقد حاول أحد رواة السيرة تفسير هذا المعنَى بقوله: «وأنا بَقُول في أبو زيد لازِم الدُّف ِيِزْخِمْ يَمّ رِاسِي (أي بالقرب من أُذنه)» وفي سياق آخر يقول «يدْوي يَمِّ رَاسي» ويأتي هذا القول ليؤكد المَعْنَى نفسه الذي أشار إليه العديد من المغنين الذين يستخدمون الدُّف.

  ومُغَنِّي الدُّف يرفض صوت «الدَّرَبِكَّة» ويرفض صوت الدُّف المزود بالصنوج لأنهما ينأيان به عمَّا يألفه من رنين و« يِتْكَلْبِشْ» (يتقيد) إذا صاحبته الربابة وإذا اضطر لذلك ترك أنغامها وراح يشق لنفسه طريقًا مغايرًا من النغمات والإيقاعات. ويقول أحد شعراء السيرة الذي ينشد أشعارها على الدُّف: إنه دائمًا ما يُوجد فارق بين الطريقتين في المصاحبة الآلية (على الرَّبَابَة وعلى الدُّف) حيث يختل الأداء إذا ما أنشد الواحد منهما بطريقة الآخر.

  والمغني هو الذي يقوم بنفسه بتصنيع الدُّف وإعداده للعمل ومن ثم يتاح له مراعاة مواصفات الإعداد الملائمة التي تتيح له الحصول على إمكانات صوتية تتفق وطريقة المغني في الأداء كأن يكون الدُّف متسعًا قليلًا، أو ضيقًا بعض الشيء أو حادًا لامع الصوت، أو يكون ذا صوت غليظ، أو بصوت يقع بين هذا وذاك. ومهما اختلفت هذه المواصفات أو تفاوتت من صانع إلى صانع آخر فإن الرواة يجمعون على أن المغني على الدُّف لا يستطيع الغناء دون الدُّف بل ويذهب بعض شعراء السيرة الذين يؤدونها على الدُّف إلى القول: «إن قصة الهلايل تَخْرُج من مَخَاينْ الدُّف»26.

  يحمل المغني الدُّف مُرَكِّزًا إياه على راحة يده اليسرى - في وضع رأسي - قابضًا على إطاره بالإبهام، ويضرب عليه بكل من راحة اليد اليمنى وأصابع اليد اليسرى فيصدر عن ذلك ضربات ونقرات ذات أصوات متباينة في حدتها وغلظتها، ويمكن تمييز خطين رئيسين من هذه الأصوات بالرجوع إلى العوامل المسببة لهما، فأصابع اليد اليسرى لا تنقر الرِّق الجلدي إلَّا في الموضع المتاخم للإطار الخشبي وهو الموضع الذي تزداد فيه قوة شدِّ الرَّق الجلدي (بالقياس إلى قوة الشَّد الواقعة على بقية أجزاء الرَّق الجلدي) وبطبيعة الحال كلما زادت قوة الشد زاد عدد الاهتزازات، ومن ثم يكون الصوت الصادر عن الضرب في هذا الموضع أكثر حِدَّة من الصوت الذي يحصل عليه بالضرب بأصابع اليد اليمنى على بقية سطح الرَّق الجلدي.

  ويوقع المغني على الدُّف بالتنقير بأصابع اليد أو بالضرب عليه براحة اليد أو بكليهما بالتعاقب وبأعداد متوالية كثيرة الزخارف والحشوات الإيقاعية التي تنتظم في وزن ثنائي أو رباعي.

3. المزْمَار:

المزْمَار آلة موسيقية من فصيل آلات النفخ الموسيقية التي يصدر الصوت عنها بالنفخ في ريشة مزدوجة مثبتة في مقدمة أنبوبها. ويتشكل المزْمَار من أنبوب أسطواني (من خشب المشمش) يتدرج في الاتساع من الطرف المثبت به الريشة لينتهي على شكل بوق أو جرس. أما ثقوب العزف فعددها سبعة مفتوحة على جدار الأنبوب في خط مستقيم.

والمزْمَار من الآلات الموسيقية القديمة عرفتها مصر قبل الميلاد وهو متطور عن آلة النَّفير والْبُوق القديمتين اللتين كانتا تستخدمان في النداءات والإشارات العسكرية وفي الحروب وفي المعبد أيضًا أثناء تقديم القرابين.

أما ظهور المزْمَار في شكله وهيئته المعاصرة فيعزى إلى مراحل التطور المهمة التي أدخلت على الآلات-والأدوات الموسيقية- الكثير من التعديل والتشذيب، ولعل أول رصد لصورة المزْمَار في هيئته الأخيرة يأتي فيما قدمه علماء الحملة الفرنسية على مصر من معلومات عن الظواهر الثقافية المصرية في جانبيها المادي والروحي.

  وقد عرف المزْمَار - في مصر - في أحجام ومقاسات متباينة منها الطويل والقصير والمتوسط الطول، ووفق تباين أحجام ومقاسات المزْمَار ووفق تقاليد المناطق والأقاليم التي انتشر فيها؛ اتخذ المزمار أسماء عديدة منها السُّورْنَا والسُّورْنَايْ والدُّونَايْ والْجُوري والْقَبَا زُورْنَايْ. أما الشائع اليوم من  أسماء لهذه الآلة فقد انحصر في: السِّبْس والأبَأْ أو الْقَبَأْ والشَّلَبِيَّة وَثِلْثِينْ مُحَيَّر. وفي كل الأحوال بات انتشار آلة المزمار المصرية يُعرف اليوم بالزَّمْر الْبَلَدي.

  على هذا النحو فالمزْمَار الذي نعرفه اليوم - شأنه شأن الدُّف - آلة مصرية أصيلة من حيث المنشأ، وأن تطورها في هيئتها وإمكاناتها المعاصرة إنما هو عطاء المجمل الحضاري الذي شهدته مصر عبر الأزمنة المتعاقبة، ومن ثم لا نستطيع أن ننسب للغَجَر أي دور تاريخي يخص نشأة وتطور هذه الآلة أو يخص أية ناحية تتعلق بالمبادئ الفنية الأساسية التي صاحبت رحلة المزْمَار عبر التاريخ، لكننا لا نستطيع - في الوقت ذاته - أن ننكر على الغَجَر فضلهم المعاصر في الأنشطة الموسيقية التي تقوم على الاستخدامات المتعددة لآلة المزْمَار. فمنذ ابتداع وسيلة التسجيل الصوتي لا نجد من تسجيلات المزْمَار (في تشكيلاته الآلية المختلفة) سوى التسجيلات التي تُنسب للعازفين الغَجَر، يضاف إلى ذلك أن التسجيلات الموسيقية التي خصصت للآلات الموسيقية الشعبية عام 1932 (والتي تمت بمعرفة باحثي مؤتمر الموسيقا العربية الأول الذي انعقد في القاهرة) سَجلت معزوفات لفرق المزْمَار المصري التى كان جميع عازفيها من الموسيقيين الغَجَر، وظل البعض منهم يمارس نشاطه الفني في الحياة الموسيقية الشعبية حتى منتصف الستينات، وسُجلت أعمال لهم بواسطة باحثين من مركز دراسات الفنون الشعبية الذي كان قد أنشئ في أواخر عام 1957. وما يزال عازفو المزْمَار بإسميه  «البلدي» و«الصعيدي» يمارسون عملهم الموسيقي إلى اليوم ويورثون خبراتهم إلى أبنائهم، خاصة وأن هناك أسَر وعائلات بأكملها في دلتا مصر  وفي صعيدها؛ تمتهن العزف على المزمار ويكونون فرقًا تحمل أسماءهم وأسماء عائلاتهم مثل جماعة هنْدي وجماعة عَلي حَسَن وجماعة صَادق وشنْدي وغيرها، ومن النادر أن تجد عازفين على المزْمَار من غير الغَجَر.

  مع هيمنة الغَجَرعلى التفرد بالعزف على المزْمَار نشأت تقاليد فنية في مجال الفرق وخاصة في نظام تكوين مجاميع العزف ووضعت قواعد بعينها تضبط استخدام الآلات وتحدد قواعد التوافق الصوتي بين الأحجام والمقاسات المختلفة التي توجد عليها آلة المزْمَار. وبات من المتعارف عليه أن فرق المزْمَار في مصر توجد في ثلاث تشكيلات رئيسية، الأول: تشكيل يجمع بين آلة المزْمَار ذات الحجم الصغير والمعروفة باسم «السِّبْس» مع مجموعة من آلات المزْمَار ذات الحجم الكبير المعروفة باسم «الأَبَأْ» بالإضافة إلى عدد اثنين من آلات الطَّبْل المصاحب للمزْمَار. ووفق هذا التشكيل تتوزع أدوار العازفين حيث يقوم عازف «السِّبْس» بالدور الموسيقي الرئيسي ويعرف في هذه الحالة باسم «الرَّيِّس» وتتوزع وظائف ومهام بقية العازفين على آلات «الأَبَأْ» فيختار من بينهم العازف الثاني في التشكيل ويعرف باسم «التَّبِّيع» يليه العازف الثالث ويعرف باسم «القَصَّاص» يليه العازف الرابع ويعرف باسم «الْجَرَّار» يليه العازف الخامس ويعرف باسم «الزَّنَّان» يليه العازف السادس وهو ضارب الطَّبْل الأول ويعرف باسم «رَيِّس الطَّبْل» يليه العازف السابع وهو ضارب الطَّبْل الثاني ويعرف باسم« تَبِّيع» ويعرف هذا التشكيل باسم فرقة المزْمَار البلدي.

  ووفق نظام التشكيل السابق تتشكل فرقة أخرى من فرق المزْمَار البلدي لا توجد في مصر إلَّا في محافظة الشرقية وبعض البلدان المجاورة لها، وتتشكل آلاتها جميعًا من مجموعة من آلات المزْمَار التي تقل قليلًا - في الطول - عن آلة «الأبَأْ» وتعرف هذه الآلة باسم تلْتينْ مُحَيَّر (2/3 مُحَيَّر) ويرأسها ريس يعزف على واحدة من هذه الآلة يليه بقية العازفين بالترتيب الوظيفي السابق نفسه.

  أما فرقة المزْمَار الصعيدي فجميع آلاتها تأتي في مقاس يقع بين مقاسي كل من آلتي «السِّبْس» والـ(2/3 مُحَيَّر) وتعرف باسم « الشَّلَبِيَّه»وتتوزع وظائف عازفيها وأدوارهم وفق النظام السابق مع استبدال رَيِّس الطَّبْل برَيِّس طَبْل «النَّقْرَزَان».

بهذه التشكيلات الثلاث تَرَكت فرق المزْمَار في مصر إرثًا من الألحان والتقاليد الفنية يصور طبيعة الثقافة الموسيقية في كل إقليم من الأقاليم التي انتشرت بها آلة المزْمَار في تشكيلاتها الثلاث.

  تقدم فرق المزْمَار الألحان والمعزوفات الشائعة في صحبة لعب العصا (التَّحْطيب) والْبِرْجَاس وفي زفة العُرْس وَزَفِّة شوَار العُرس وغيرها من المظاهر الاحتفالية التي تتطلب - بجانب الإعلان والإشهار - إضفاء جو من البهجة.

وفي خصائص الأداء، لا نستطيع أن ننكر على الموسيقيين الغَجَر قدراتهم وبراعاتهم في العزف على هذه الآلة سواء العزف الانفرادي أو العزف في إطار التشكيل الجماعي، وليس من المبالغة في القول حين نذكر أن معزوفات فرق المزْمَار سواء البلدي منها أو الصعيدي تتجاوز- في حقيقة الأمر- المستويات التقنية لأي تشكيل آلي شعبي مصري آخر إلى مستويات تثير بحق الاندهاش، حيث تحقق مستويات - في الأداء - ترقى إلى مستوى الأداء البوليفوني المتقن بالمعيار الموسيقي الأكاديمي، فتوزيع الأدوار في التشكيل الآلي للمزْمَار بين الرَّيِّس والتَّبِّيع والْقَصَّاص والْجَرَّار والزَّنَّان؛ يؤهل مجموعة العازفين لتقديم مثال واضح للمبدأ الموسيقي المتعدد المسارات في صورة صحيحة ومتعمدة (أي مقصودة) وليست عفوية (كما يتصور العديد من الدارسين) لأن التشكيل الآلي للمزْمَار بوظائفه المبينة قائم في الأصل على مبدأ توزيع الأدوار وتآلفها، يضاف إلى ذلك الخبرة المتراكمة والتدريب المستمر الذي وضع العديد من هذه الفرَق المنتشرة في مصر - والتي لاقت شهرة أيضًا - على مرتبة الأداء الموسيقي البوليفوني وفق إمكانات العدد المحدود نسبيًّا للعازفين لكنه - وفي إطار هذه المحدودية العددية - يحقق إنجازًا متميزًا إن وضعناه في سياقه الثقافي لوجدناه متجاوزًا الوضعية الموسيقية الشعبية العامة ومتجاوزًا المبادئ الفنية التقليدية إلى نطاق الأبنية الموسيقية المركبة التي تدل على تمتع الغالبية العظمى من العازفين على آلة المزْمَار بحس موسيقي عال تجاه التراكيب الصوتية وقواعد التوافق بينها وبعضها البعض ( الهارمونية ) .

 

الهوامش:
1. 1 الرَّبَابَة كما عرفها الأقدمون اسم لآلة موسيقية يستخرج نغمها بفسمة الأوتارالتي تشد بها. وربما شد بها وتران يتساويان في الغلظ أو منفصلان (أبي نصر محمد بن فرحان الفارابي) المتوفي في سنة 339 هـ/ الموسيقي الكبير/ تحقيق غطاس عبد الملك خشبة ومحمود أحمد الحفني/ دار الكتاب العربي للطباعة والنشر/ القاهرة 1967 ص801. والرَّبَابَة كما تعرف =
2. =  اليوم: آلة موسيقية شعبية تنتمي إلى فصيلة الآلات الموسيقية الوترية تتكون من ساعد ومصوت من ثمرة جوز الهند وقوس. وهذه الرَّبَابَة كانت منذ ما يزيد عن قرنين من الزمان تعرف باسم "الْكَمَّنْجَة العَجُوز" أو "اْلكَمَّنْجَة القديم" و"الْكَمَّنْجَة الْفَرْخ" أو "الْكَمَّنْجَة النِّصْف" ـ فيوتو ـ وصف مصر/ ج 9 ترجمة زهير الشايب/ مكتبة مدبولي 1986، ص 149، 171. أما ما كان يعرف في السابق باسم الرَّبَابَة "الْقَدَح" أو رَبَابَة الشَّاعر" فهي تلك الآلة التي يتخذ مصوتها شكل "الْمُعَيَّن" ويشد عليها وتر واحد ولا تستخدم إلَّا لدَى الشُّعراء عند إنشادهم الروايات المغناة والمنظومة شعرًا. ويوجد من هذه الآلة ما يشد عليها وتران، ولكنها ـ في هذه الحالة ـ لم تكن تصاحب غناء الشعراء، وإنما كانت تصاحب فنون الغناء الأخرى، ولذا سميت برَبَابَة المغني. فيوتو/ وصف مصر/ ج 9/ مرجع سابق, واداور لين/ المصريون المحدثون/ ترجمة عدلي طاهر نور/ ط2/ دار النشر للجامعات المصرية 1975، ص315. 
3. 1 الإشارة هنا إلى الكتابات التي تصدت لشعراء السيرة منذ أواخر القرن الثامن عشر فوصفت فنهم وشرحت أساليبهم التي كانوا يلجؤون إليها أثناء العزف والغناء، من هذه الكتابات ما ورد في مؤلفات علماء الحملة الفرنسية على مصر (فيوتو/ وصف مصر/ مرجع سابق/ ج8 ط1 ص 147، 171. والجزء 9 من المرجع نفسه ص 180، 190، وكذلك ادوار لين/ المصريون المحدثون/ مرجع سابق، ص 337.
4. 1 يذكر عبد الحميد يونس ـ في تحول الشَّاعر من الرَّبَابَة الْقَدَح إلى الرَّبَابَة الْكَمَّنْجَة ـ أن هذه المغايرة لا تدل على خطأ هنا أو خطأ هناك وإنما تدل على أن شيئاً من التجديد قد دخل في صناعة المنشد جعله يتحول من الْقَدَح إلى الْكَمَّنْجَة القديمة، وظل هذا الاصطلاح في الحالتين واحد وهو الربابة لدلالتها على أمثال هذه السِّيرة الشعبية، ولعلها أقوى دلالة على سيرة بني هلال لأن أبا زيد يُرسم كثيراً في صورة المنشد، ولم يشمل هذا التجديد= =موضوع السيرة ولا أسلوب الإنشاد، كما أنه لم ينل من التقاليد التي أمكن لها التكرار في الاستهلال والختام شعراً وموسيقا وفيما طرأ على النثر من عبارات يتضح فيها توجيه الخطاب إلى مستمعين (عبد الحميد يونس/ الهلالية في الأدب والتاريخ/ مطبعة جامعة القاهرة/ 1956، ص  155).
5. 1 لم يعرف المصريون القدماء من الآلات الموسيقية الوترية سوى "الكِنَّارَة" (السِّمْسميَّة) والطَّمْبُور في الأسرة الثامنة عشرة والصِّنْج (الهارب) في الأسرة العشرين، والْعُود ذو الرقبة الطويلة في الأسرة الحديثة وكلها آلات تُنْبَر أوتارها إما بأصابع اليد أو بواسطة ريشة من الخشب (محمود أحمد الحفني/ علم الآلات الموسيقية/ الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1987، ص 73، 198، 201، 224، 228) .
6. 2 المرجع نفسه، ص 65.
7. 3 نفسه.
8. 1 انتشرت آلة الرَّبَابَة في جميع أنحاء العالم الإسلامي شرقاً وغرباً وانتقلت مع العرب إلى الأندلس وصقلية وعرفتها أوروبا منذ القرن الحادي عشر، ومنذ ذلك الحين فقط بدأت فكرة صنع الآلات الوترية ذات القوس تظهر في أوروبا وخاصة في البلاد المتاخمة للأندلس وصقلية، فصنع الفرنسيون آلة تماثل الربابة العربية وأسموها Rubebe, Rubella كما صنع الإيطاليون الآلة نفسها وأسموها Rebec، Rubeca وظاهر من كل هذه الأسماء اشتقاقها= = من كلمة ربابة العربية (محمود أحمد الحفني/ علم الآلات الموسيقية/ مرجع سابق، ص 65، 66). 
9. 1 فيوُتُو/ وَصْف مصر/ مرجع سابق، ص 187، وادوار لين/ المصريون المحدثون، مرجع سابق، من ص 315 وما بعدها.
10. 2 ليس هناك من خطأ إذا ما نُظر إلى هذا الإحلال على أنه تحول منطقي، خاصة وأن الرَّبَابَة الْكَنَّمْجَة تتوافر فيها إمكانات صوتية أكبر، كما أنها من الناحية التكوينية تحقق إمكانات أكثر في الأداء ولذلك من الطبيعي أن يتغاضى الشعراء مع مرور الوقت عن استخدام الْقَدَح مقابل هذه الإمكانات الجديدة وهو المبدأ نفسه الذي حمل بعض الشعراء في دلتا مصر على استبدال الرَّبَابَة الْكَمَّنْجَة بآلة الفيولين الأوروبية.
11. 1 فيوُتوُ/ وصف مصر/ ج , مرجع سابق، ص 182.
12. 1 إن رَبَابَة الشاعر هي نفسها الرَّبَابَة البدوية العربية ـ محدودة الاستعمال ـ ولم يرد لها بعد مشاهد في الآثار الإسلامية لأنها لم تكن آلة البلاط =    = والقصر؛ بل كانت آلة الصحراء كما هي عليه في الوقت الحاضر، والواقع أن شكلها المستطيل ذو الجانبين المقوسين يعود إلى عصور ما قبل الإسلام ولم يكن العزف عليها يتم بواسطة قوس وإنما كان بواسطة مضرب صغير أو بالأصابع (صبحي رشيد/ الآلات الموسيقية في العصور الإسلامية/ دار الحرية للطباعة/ بغداد، 1975، ص71). 
13. 2 قام أبو زيد الهلالي ورفقاؤه الثلاثة (أثناء التغريبة) بالتنكر في زي شعراء يعزفون على الرَّبَابَة والمرجح أن هذه الصورة أدخلها الرواة على متن السيرة ضمن ما أدخلوه من تعديلات وإبداعات (عبد الحميد يونس/ الهلالية في الأدب والتاريخ/ مرجع سابق/ ص152).
14. 1 چوفاني كانوفا/ الغَجَر وسيرة الزِّير سالم/ دراسة منشورة بمجلة المأثورات الشعبية/ العدد 17/ السنة الخامسة/ مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية/ الدوحة ـ قطر، 1990، ص17. 
15. 2 تظهر بعض الدراسات أن احتراف أداء السيرة ـ في مصر ـ ارتبط بجماعات من الغجر، من هذه الدراسات:
- ـ عبد الرحمن الأبنودي، سيرة بني هلال بين الشاعر والرَّاوي، أعمال الندوة العالمية الأولى حول سيرة بني هلال، الناشر: الدار التونسية للنشر، المعهد القومي للآثار والفنون، الحمامات، تونس 1980، ص 18.
- = چوفاني كانوفا ـ الغجر وسيرة الزِّير سالم، مرجع سابق، ص 17.
- - Susan Slyomovics, The Merchant of Art, Egyptian Hilali Oral   
- Epic Poet in Performance, 1988, pp 49-50.
- وبجانب ذلك تضاف ملاحظات أخرى حول الصِّلَة التي ربطت بين السيرة والغجر، وذلك من خلال ما يمكن استخلاصه من الأعمال الميدانية وخاصة الأعمال التي شاركنا فيها، فعند التعرف على الأشكال الموسيقية التي كان الغجر يضطلعون بتقديمها، كانت أجزاء من السيرة تأتي دائماً على قائمة المحفوظ الغنائي الذي يؤديه الغجر، حيث كان يوجد بين أفراد كل جماعة من جماعات الغجر نفر يتوفرون على بعض من هذا المحفوظ.
16. 1 يذكر أحمد شمس الدين الحجاجي أن الغالبية العظمى من شعراء السيرة المحترفين لروايتها من الغجر وحينما يوجد راوي لا ينتمي من الناحية العرقية إلى هذه الفئة فإنه "يتغجّر" أي ينحو بسلوكه الفني وربما بسلوكه الشخصي أيضاً إلى الخصائص التي يتميز بها الغجر. (لقاء بيننا وبين الدكتور أحمد شمس الدين الحَجَّاجي ـ القاهرة، 1994). 
17. 1 تناول ج. هـ. كوميتانكينا، هذا المبدأ بالتفصيل في موضوع التفاعل من خلال الموسيقا (ديناميكيات العمل الموسيقي في المجتمعات الأفريقية، ترجمة أحمد رضا محمد رضا، المجلة الدولية للعلوم الاجتماعية، العدد 53، السنة 14، نشر مركز مطبوعات اليونسكو، أكتوبر-ديسمبر 1983 ص 53 وما بعدها ).
18. 2 المعروف أن تطوير الآلات الموسيقية سواء في تغيير شكلها أو تعديل أجزائها أو إضافة وتر أو فتح ثقب.. إلخ. صاحبه تعديل في النظم الموسيقية وتعديل في المفاهيم الفنية أيضاً وهي عملية استغرقت قروناً عديدة من عمر الشعوب.
19. 1 للشعراء وسائل مختلفة لتقسيم زمن النغمة إلى وحدات نغمية صغيرة، من هذه الوسائل نَقْر الْوَتَر بظهر القوس من ناحية المقبض وهذه الوسيلة كان يعرفها شعراء القرن الثامن عشر (انظر فيُوتو/ وصف مصر/ ج 9، مرجع سابق، ص181).
20. 1 عبد الحميد يونس / الهلاليَّة في التاريخ والأدب  / مرجع سابق، ص 152.
21. 1 فيوُتوُ/ وصف مصر/ ج 9، مرجع سابق، ص 163. 
22. 1 في التوقيع المصاحب للغناء "ينقسم الأداء بين اليد واللسان وقد يكون عدد الضربات باليد عدد النطق باللسان أو يكون تكميلات أو تكثيرات لما قد يمكن أن تعجز عن أدائه الحلوق وعن استقصائه، والتنقير مع الغناء لا يزيد في الصوت ولا ينقص فهو الذي يقطع ويوصل وإذا خرج من الضرب شيء عن مرتبته فسد الضرب وفسد الغناء (الحسن بن أحمد الكاتب/ كمال أدب الغناء/ تحقيق غطاس عبد الملك، القاهرة، 1975، ص129:130).
23. 2 يعتمد هذا المبدأ على العلاقة المباشرة بين الصوت الصادر عن الآلة الموسيقية وطريقة الأداء عليها من ناحية ومجالات الاستخدام الموسيقي الفني من ناحية أخرى، وليس على الاستخدامات التي تتصل على نحو=   معين بمنـزلة الآلة من الناحية الرمزية أو الاعتقادية  (ج. هـ. كوابينانكيتا ـ التفاعل من خلال الموسيقا ـ مرجع سابق، ص 53، وفيما يتعلق بالدلالة الرمزية للآلات الموسيقية انظر أيضاً چوليوس بورتنوي/ الفيلسوف وفن الموسيقا/ ترجمة فؤاد زكريا، مراجعة حسين فوزي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1974، ص104. 
24. 1 تنطوي الممارسات الموسيقية التي يستخدم فيها الدُّف على أنظمة إيقاعية متعددة ويرتبط كل منها بالتقاليد الموسيقية التي ينتمي إليها المؤدون ويمكن ملاحظة ذلك في التميزات التي تفرق بين نظم التوقيع عند كل من النوبيين وسكان الواحات والطرق الصوفية والفرق المنظمة للزار والمداحين المتجولين وغيرهم.
25. 2 يلجأ المغَنِّي إلى التوقيع على الدُّف لأنه: "من الآلات الموسيقية الكاملة التي تحكم على سائر الملاهي وتفتقر إليه جميع آلات الطرب، إذ به تعرف الضروب صحيحها وسقيمها، كما لا تتبين النقرات الخفاف والثقال إلا به، وهو الناظر على سائر الملاهي، وكل ملهاة لا يحضرها الدف فهي ضعيفة القوة (ابن نياته "جمال الدين" شرح العيون في شرح رسالة بن زَيْدُون/ تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة، 1964، ص  236) .
26. 1 المْخَاَين ومفردها مَخَانَة (أو خَانَة) وهي المكان أو الموضع لكنها في الدف تتكون من الفراغ الذي يقع بين حَافَة الرِّق الجلدي من الداخل وبين شريحة رفيعة من الخسب ملفوفة على محيط الإطار الخشبي =     = من الداخل، وهذا الفراغ يُعرف عند أغلب العازفين باسم "الخْزَنْةَ"  ويعمل على زيادة  الرنين ووضوحه.
المرَاجع
- ابْن نبَاتَه (جمال الدين): شَرْح العيون في شَرح رسَالة ابْن زَيْدون. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة، 1964.
- إدوار وليم لين: المصريون المحدثون: عاداتهم وتقاليدهم ترجمة عدلي طاهر نور، ط2، دار النشر للجامعات المصرية 1975.
- الحسن ابن أحمد الكاتب: كمال أدب الغناء، تحقيق غطاس عبد الملك، مراجعة محمود أحمد الحفني، المكتبة العربية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1975.
- ج. هـ. كُوَابيتَانكيتَا: ديناميات العمل الموسيقي في المجتمعات الأفريقية، ترجمة أحمد رضا محمد رضا، المجلة الدولية للعلوم الاجتماعية، العدد 53، السنة 14، نشر مركز مطبوعات اليونسكو أكتوبرـ ديسمبر 1983.
- چان بول كليبر: الغَجَر.. دراسة تاريخية اجتماعية فولكلورية ترجمة لطفي خوري، دار الشئون الثقافية العامة، وزارة الثقافة والإعلام، بغداد، 1986.
- چوفاني كانوفا: الغَجَر وسيرَة الزِّير سَالم، دراسة منشورة بمجلة المأثورات الشعبية، العدد 17، السنة الخامسة، مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية، الدوحة، قطر، 1990.
- جوليوس بورتنْوي : الفيلسوف وفن الموسيقا، ترجمة فؤاد زكريا، مراجعة حسين فوزي، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1974.
- سير أنجوس فريزر: الغَجَر، ترجمة عبَادَة كُحيلَة، المجلس الأعلى للثقافة، 2001.
- صبحي رشيد: الآلات الموسيقية في العصور الإسلامية، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1975.
- عبَادَة كُحيلَة: الزُّط والأصول الأولى لتاريخ الغَجَر، ط1 المطبعة الإسلامية الحديثة، 1994.
- عبد الحميد حوّاس: مدارس رواية السِّيرَة الهلاليَّة في مصر مقال منشور في كتاب سيرَة بَني هلال، أعمال الندوة العالمية الأولى حول السِّيرَة الهلاليَّة، الدار التونسية للنشر، المعهد القومي للآثار والفنون، تونس، 1980. ونشر في كتاب أوْرَاق في الثقافة الشعبية ط2، الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2005.
- عبد الحميد يونس: الهلاليَّة في الأدب والتاريخ، مطبعة جامعة القاهرة، 1956.
- ڤيُوتو: وصف مصر، ج8-9، ترجمة زهير الشايب، مكتبة مدبولي، مصر 1986.
- لطفي شَلَش: قبائل الغَجَر، دار الكتاب المصري، 1958.
- محمود أحمد الحفني: علم الآلات الموسيقية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1987.
- نبيل صبحي حَنَّا: البناء الاجتماعي والثقافي في مجتمع الغَجَر- دراسة أنثروبولوچية لتأثير البناء والشخصية على التكامل الاجتماعي، دار المعارف، القاهرة، 1983.
- - Susan Slyomovics: The merchant of art: Egyptian Hilali Oral Epic Poet in Performance 1988.
  المصادر
- ـ أرشيف مركز دراسات الفنون الشعبية، المعهد العالي للفنون الشعبية، أكاديمية الفنون.
- ـ مجموعة تسجيلات خاصة بالمؤلف.
- ـ قصَّة الْجَمَل والْغَزَالَة : مكتبة الجمهورية العربية لصاحبها عبد الفتاح عبد الحميد مراد، الصناديقية، الأزهر، القاهرة (د. ت).
الصور :
1. https://courses.fcbdu.com/p/banat-mazin-ghawazee
2. https://www.sonsdelorient.com/en/strings-instruments/egyptian-rababa
3.4.5. "EGYPT – ÉGYPTE" Hudba Arabského Orientu a Severní Afriky (Music of the Arabian Orient and North Africa) – Supraphon 0 17 1933 – Disc 3, recorded by Václav Kubica, released 1976 (4 LP) - https://music-republic-world-traditional.blogspot.com/2021/

أعداد المجلة