العادات والتقاليد المرتبطة بالزواج والحمل والولادة في المجتمعات النوبية «بين التراث والموروث»
العدد 65 - عادات وتقاليد
المقدمة:
تنوعت مظاهر الحياة الاجتماعية في بلاد النوبة تبعا لتنوع السکان وأصولهم وديانتهم، فکان التباين بين العادات والتقاليد في المجتمع النوبي کبيراً، حيث تمسك النوبيون الأصليون بعاداتهم وتقاليدهم الموروثة، ونتيجة لمصاهرة بينهم وبين العرب تأثر جزء منهم بالعادات والتقاليد الإسلامية، وعاش الشعب النوبي حياة بدائية بسيطة خالية من الترف والإسراف، واشتملت مظاهر الحياة الاجتماعية على جوانب مختلفة منها: المأکل، المشرب، الملبس، التزين، التشليخ، المآتم والأحزان، الأعياد.
ويتضح ظهور بعض التأثيرات الإسلامية السطحية والبسيطة على المجتمع النوبي المسيحي، نتيجة الاختلاط والاندماج بين العرب المسلمين والنوبيين المسيحيين في بعض المناطق النوبية1.
تحمل المرأة لا سيما في المجتمعات الريفية على عاتقها مسؤولية مادية وغير مادية، فمنها وبها تتوارث الأجيال عادات وتقاليد المجتمع2، فالثقافة لا توجد إلا بوجود المجتمع، الذي تكون المرأة أول عناصره، والمجتمع لا يقوم ويبقى إلا بوجود الثقافة، التي هي في الأساس من صنع الإنسان، ومن هنا تتكون شخصيته وتحمل سماته3، وهذا ما أكده علماء الأنثروبولوجيا الثقافية في أن «الثقافة مسؤولة عن الجزء الأكبر من محتوى أي شخصية، وكذلك عن جانب مهم من التنظيم السطحي لها، وذلك من خلال تأكيدها على اهتمامات أو أهداف معينة»4.
1. المرأة في المجتمع النوبي:
لذا لا تخلو المجتمعات الإنسانية عامًة، أيًا كانت بدائية أم متحضرة، من وجود المرأة، كما لا تتقدم وترتقي هذه المجتمعات إلا من خلال الأدوار الرئيسية التي تلعبها تلك المرأة بشكل مباشر في مختلف مجالات الحياة، كجزء أساسي هام في بنيان كيان المجتمع والثقافة معًا، وذلك عبر مسيرة الحياة الإنسانية، لكونها «تمثل واحدة من أهم شرائح المجتمع، على الرغم من تباين مكانتها، واختلاف أدوارها طبقًا لاختلاف بيئتها التي تنتمي إليها»5.
هنا نجد أن المرأة الإفريقية بشكل عام، والنوبية بشكل خاص، قد نالت منذ أقدم العصور التاريخية مكانة اجتماعية خاصة، رفيعة المستوى، شهد لها التاريخ، ودَون ذلك عبر صفحاته، وهى منزلة عظيمة الشأن توضح مدى أصالة وعمق عراقة المرأة المصرية القديمة، حيث «أثبتت بحوث علماء علم الإنسان الذين فحصوا الجماجم البشرية في كل من القطرين «المصري والسوداني»، أن كلاهما ينسب إلى سلالة واحدة وهي السلالة الحامية، وأن هذه السلالة قد ظلت نقية حتى عهد الأسرة الثامنة عشر أي حوالى 1580 ق.م»6وهناك العشرات إن لم يكن المئات من الدلائل المادية والشواهد غير المادية التي تشير بوضوح تام عن مكانة تلك المرأة التي ربما لم تحظ بها غيرها في أي حضارة من حضارات العالم القديم، مثلما شهدت ذلك في أحضان الحضارة المصرية القديمة7.
وهذا ما يمكن الكشف عنه وإظهاره بشكل واضح وملموس، خاصةً عندما نتعمق في البحث عن تاريخ المرأة النوبية ومكانتها المرموقة التي نالتها عبر مختلف العصور، فضلاً عن الدور البارز الذي تؤديه في كافة المجالات وفي مختلف نواحي الحياة، خاصًة من الناحية الثقافية، لكونها تعد بمثابة العامل الأساسي في صون كافة الموروثات التقليدية المتوارثة التي تنتقل تباعًا للأجيال المتعاقبة عبر الزمان والمكان.
ولا شك في أن الثقافة النوبية بشكل عام قد صقلت تلك المرأة بخصائص مميزة وسمات خاصة، أتاحت لها الفرصة أن تتمتع بها أينما تكون، وهى تلك الخصائص والعناصر الشعبية التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بطبيعة تلك البيئة الثقافية التي نشأت فيها منذ أقدم العصور التاريخية، فالثقافة الشعبية هي ذلك الكل الذي يتكامل فيه المادي وغير المادي، الملموس والمعنوي، المٌجسد والروحي، بحيث يحقق الجانب المعنوي أو الروحي وجوده بواسطة المظهر المادي، كما يحقق الجانب المادي وجوده الثقافي بواسطة المعاني والقيم التي تميز مجتمعا ما دون غيره من المجتمعات الأخرى8.
2. العادات والتقاليد المرتبطة بالزواج:
كانت النوبة قديمًا منغلقة على نفسها وتعيش في عزلة اجتماعية، فكان يقتصر الزواج على داخل الأسرة فقط، وبعد ذلك أصبح من داخل القبيلة، فمثلًا لا يجوز أن تتجوز نوبية من ( الكنوز) من نوبي من (الفادجية)، فتلك عادات وتقاليد النوبة «بعض» فتيات الجيل الجديد المثقف في النوبة، ونقول «بعض» لأن غالبية بنات النوبة أنفسهن يفضلن «العنوسة» على الزواج بشاب غير نوبي متأثرات في ذلك بالمعتقدات التي زرعت فيهن هذا المبدأ أو تلك العادة منذ نعومة أظفارهن، والكثيرات منهن يقتنعن بهذا المعتقد وتنشأ الفتاة النوبية على أن الشاب غير النوبي لن يصونها ، ولن يعطيها حقها كامرأة لها كرامتها وكيانها، وبالتالي إذا وجدت الفتاة النوبية أنه لم يتقدم لها شاب نوبي مناسب فإنها تفضل الحياة بدون زواج أو الانتظار طويلا حتى يأتي هذا العريس النوبي المناسب الذي يوافق مواصفاتها وشروطها. يكثر هناك الزواج من داخل أفراد العائلة، فيتزوج الابن من ابنة عمه وهكذا، فهنا يكون مهر العروس أقل مما لو تزوجت من خارج أفراد العائلة، ولكن عندما يتقدم شاب غريب الى الفتاة النوبية، يقوم الأب باستشارة إخوته وأقاربه من كل الدرجات وإرسال خطابات إلى ساكني المناطق البعيدة منهم بغرض التأكد من أنه ليس لديهم أبناء في سن الزواج للارتباط بابنته بدلا من الغريب، ويتراوح سن الزواج في النوبة بالنسبة للذكر ما بين سن 18 و22 سنة، أما الفتاة فيتراوح ما بين 15و 20 سنة ويعد العريس «الجهاز والموبيليا»، وعلى عكس الشائع يكون مقدم الصداق أقل من مؤخره، ويتراوح بين خمسة جنيهات إلى 15 جنيها ويكون بين أسرتي العروسين في العادة اتفاق داخلي على مقدم الصداق وغيره9.
حفلات الزواج في النوبة القديمة، كانت تقام خلال فصل الصيف في الخلاء، والسبب في اختيار فصل الصيف لأن معظم الشباب الذين يعملون في المدن لا يحصلون على إجازاتهم الاعتيادية إلا في الصيف. وكانت احتفالات الزواج تستمر من خمسة عشر يوماَ إلى شهر، وتختلف بعض العادات وطقوس الزواج في النوبة من منطقة إلى أخرى، وتمر عملية الزواج بثلاث مراحل:
- المرحلة الأولى: احتفالات ما قبل الزواج: بيرجار «طلب اليد»، «أدسيمار أو الشيلة» بداية الإعداد الرسمي للزواج، ثم «كوفرية» وضع الحنة للعروسين قبل ليلة الزفاف.
- المرحلة الثانية: هي احتفالات الزواج وتشمل: «باليه، أو أركنه» يوم الزفاف الرسمي.
- المرحلة الثالثة: وهي احتفالات ما بعد الزفاف: «الصباحية» وهي اليوم التالي للزفاف ويشمل: «باركيد» (البركة) أو تيجر (الجلوس) ويحتفل بها في اليوم الثالث من الزفاف «كولود» كلمة نوبية بمعنى (سبعة) في الزواج يشير إلى نهاية الاحتفالات في اليوم السابع (ومنذ اليوم الأول للتقدم أو الخطوبة لا ينبغي أن يرى العريس العروس تحت أي ظرف من الظروف حتى يوم الزفاف (أدسيمار) هو اليوم الرسمي لبدء الإعداد لحفل الزفاف، ويأتي هذا اليوم قبل خمسة عشر يوماً أو شهر قبل الزفاف، وكانت تقوم القرية والقرى المجاورة بالمعاونة في الإعداد والتجهيزات وترسل امرأة من الخدم لإعلام المنطقة بموعد الاستعدادات للاحتفالات، فعندما تجتمع النساء والفتيات الصغيرات للعمل في هذا اليوم يقدم إليهن المديد (خليط من دقيق الذرة والسمن والعسل واللبن)، ويقدم «المديد» للعروس أولاً لأن هذا يرمز إلى الرخاء والسعادة المؤكد لها في الزواج. وتبادر أسرة العريس والعروس بتنظيم وترتيب احتفالات الزواج، وتتحمل أسرة العريس كل الأعباء المالية، فالعريس لا يشارك في تفاصيل التجهيزات، إلا أن العروس تشاهد طحن الدقيق الذي سوف يقدم طعاما أثناء الاحتفالات وكذلك صناعة الشعرية وإعداد الخبز وطلاء حجرات العروسين10.
في عيد الأضحى المبارك من كل عام يحرص العديد من أهالي النوبة على إقامة الأفراح والخطوبة وعقد القران، والذي استمر لمدة 7 أيام تم خلالها تقديم العادات والتقاليد المتعارف عليها داخل النوبة والتي يحرص فيها العروسان على اتباعها بنفس الشكل الذي كان يقوم بها أجدادهم للحفاظ على هذا التراث الأصيل11.
2.1. الشيلة:
قبل الزواج بنحو أسبوع يرسل العريس هدية من الغلة والدقيق والشاي والسكر وكبريت وشحم وزيوت لدهان الشعر، وقبل الظهيرة يحمل أهل النجع، رجالًا ونساء، الشيلة على رؤوسهم ويتجهون بها إلى بيت العروس، ويحتفل أهل العروس بالشيلة ويذبحون ذبيحة لغداء حاملي الشيلة، وفي نفس اليوم يحدد يوم الدخلة والكتاب، وهي غالبًا بعد أسبوع من الشيلة عند الكنوز، وبذلك فإن طقوس الزواج عادة ما تتم خلال أسبوعين بعد الموافقة على الخطبة. والسرعة في إتمام الزواج غالبًا مرتبطة بمدة إجازة العريس، التي قد لا تزيد عن شهر، كما أن المدة إذا طالت قد تأتي بأخبار سيئة؛ كوفاة شخص في النجع أو في المهجر؛ مما يؤدي إلى تأجيل الزفاف أسبوعًا أو أسبوعين حسب سن وقرابة المتوفى، وفي مثل هذه الحالة قد يأذن أهل المتوفى بإقامة العرس، خاصة إذا كان محددًا لإقامته بعد يوم أو يومين منذ حدوث الوفاة، خوفًا على الأطعمة المعدة من الفساد — وهي كما نعلم مكلفة — وفي كورسكو لم تعد الشيلة طقسًا منفصلًا عن الدخلة وحفل الزفاف، ولذلك كانت تشتمل على أقمشة وملابس للعروس12.
2.2. ليلة الحناء:
قبل الدخلة بيوم، وتُسمى ليلة المولد عند بيت العريس؛ لأنها تشتمل على قراءة قصائد الطريقة المرغنية، وذكر بعد العشاء الذي يقدم فيه أهل العريس لحم ذبيحة، وتكتمل الليلة عند أهل العريس بالتصفيق والرقص، ويراعي الكنوز دائمًا انفصال الجنسين في هذه الاحتفاليات. أما عند العروس فالحنة تغطي كل جسمها ويدهن شعرها بالشحم والزيوت. وفي نفس اليوم تزور أضرحة المشايخ مع بنات من أصحابها، وتلبس شالًا مشابهًا للبس البنات، فهي بعد لم تنضم إلى فئة السيدات، وتحرص مجموعة البنات ألا يلتقين مع العريس الذي يزور المشايخ أيضًا مع جمع من أقرانه طلبًا للبركة13.
كانت ليلة تسبق ليلة الحناء وتسمى (تنجود يندبى)، وفيها يتم ذبح البقرة والماشية للوليمة، فيجتمع الضيوف في منزل العريس ليرقصوا ويشاهدوا ذبح الماشية، وبينما يقوم الجزارون بالذبح، يجلس الرجال مع العريس في ركن من أركان المنزل، وتتجمع النساء والفتيات معا في الجانب الآخر من المنزل، والغناء يعد من أهم السمات التي تميز هذه المناسبة، وكانت موضوعات الأغاني تركز على المدح المفرط لأسرة العروسين ويبدأ أحد الخدم في ليلة الحنة ووضع الحنة، بتسليم نقوط أم العروس إلى أم العريس في طبق عميق مصنوع من الخوص مليء بالشعرية وعليها أقماع من السكر، ثم تعيد أم العريس السلة بعد أن تملأها وتقوم أسرة العروس بتقديم كافه المخبوزات من المأكولات إلى منزل أهل العريس تعتبر نساء النوبة «الحنة» من الأدوات الرئيسية للتجميل ثم يأتي شاب أسمر اللون يرتدي جلبابًا أبيض يحمل في يده عصا صغيرة والجميع خلفه الرقص النوبي المميز والذي تقدمه الفرقة النوبية في أغلب الأحيان، ويظل الاحتفال عند العريس والعروس حتى شروق الشمس14.
2.3. الاستعداد ليوم الزفاف:
كانت تقوم النساء بطحن ما يقرب من مائة أو مائة وخمسين كيلوغراما من الدقيق والذرة يدويًا، وهذا لإعداد الخبز والشعرية، ثم يعد على حجر الرحى، ويستغرق الطحن من أربعة إلى ستة أيام (والشعرية طعام يشبه المكرونة الاسباجتى)، يأكلها النوبيون مع السمن واللبن في المناسبات مثل الموالد والأعياد والزواج، وإعداد مقر العروسين يعد من العناصر الأساسية في الزواج، حيث تقوم صديقات العروس بتزيين الحجرة وطلاء الجدران بمادة تميل إلى الاحمرار، مصنعة من المواد الخام المحلية، ثم يضعن السلال والأطباق الملونة والحصائر الملفوفة حول الحجرة، كما تعلق المرايا والأواني والصور وأحجبة العين الحسود على المعلقة (الشالوب)، ويقوم الآباء والأقارب من الجيل القديم بإهداء معظم هذه الأشياء، أما الأطباق والحصائر فتصنعها وتقدمها الفتيات كهدايا زواج للعروسين، وكانت تعتبر من (الكرى) أي النقوط باللغة العربية وهي من شعائر الرابطة بين النوبيين، وتسجل هذه الهدايا التي قدمت حتى ترد في مناسبة مماثلة في المستقبل، فعدم الالتزام بهذه الواجبات يشكل إهانة بالغة ويؤدي إلى قطع الروابط الاجتماعية. ثم يجتمع الناس في منزل العريس لمدة خمسة عشرة ليلة ويرقصون من بعد الظهر وحتى منتصف الليل، وكلما اقترب يوم الزفاف اتسم الرقص بالحيوية والنشاط. ثم يتم الذبح ويتم إعداد الطعام الذي يتناوله الضيوف في هذه الليلة، وطعام الوليمة التي تقام في اليوم التالي، ثم يقدم الطعام للضيوف الذين جاؤوا من أماكن بعيدة في هذه الليلة، أما أهل القرية والقرى المجاورة فيتناولون طعامهم في منازلهم، وإعداد مقر العروسين يعد من العناصر الأساسية في الزواج، حيث تقوم صديقات العروس بتزيين الحجرة وطلاء الجدران بمادة تميل إلى الاحمرار، مصنعة من المواد الخام المحلية، ثم يضعن السلال والأطباق الملونة والحصائر الملفوفة حول الحجرة، كما تعلق المرايا والأواني والصور وأحجبة العين الحسود على المعلقة (الشالوب)15.
2.4. ليلة العرس:
وعند شروق الشمس يذهب أهل العريس والعروس في سرادق الفرح ويتم ذبح عجل كبير الحجم ويتم وضع دم العجل بعد النحر على جلباب العريس ثم تأتي العروس وهي ترتدي جلبابا نوبيا مميز الشكل واللون ثم يتم تقديم الغداء للحضور وهي عبارة عن فتة وتقدم في المضيفة ثم تذهب العروس إلى الكوافير لوضع اللمسات الأخيرة قبل الفرح.
وكذلك العريس يذهب للاستعداد ثم يأتي ويصطحب العروس من الكوافير وبصحبة فرقة نوبية ورقصات نوبية حيث يصطف أصحاب العريس على الجانبين ويحملون في أيديهم لافتات كتب عليها اسم العريس واسم القرية بشكل مبهج ثم يقوم الأطفال بحمل الورد حتى يتم دخول العروسين إلى قاعة الفرح.
من جانبه يقول العريس إنه حرص أن يكون زفافًا نوبياً وبالفعل حدث ذلك وتم ممارسة كافة العادات والتقاليد النوبية التي تربينا عليها، مشيراً إلى أن هذا يساهم بشكل كبير في الحفاظ على التراث النوبي الأصيل.
يتم حفل ليلة الزفاف عند أقارب العروس وجميع هذه الحفلات والولائم تكلف كل من العروسين الكثير خاصة وأنها تعتبر مجالا لعلو الصيت والتفاخر وحسن السمعة وإضفاء المكانة الاجتماعية العالية على الجماعتين القرابيتين للعروسين كلما ازدادت الولائم وكثر عدد الذبائح وكميات الأطعمة التي تقدم للمدعوين ويتمثل ذلك في حرص بعض القبائل على تخصيص ثور إلى جانب الخراف لاستخدام لحومها في الولائم، لذلك يؤلف «النقوط» مساهمة كبيرة في تخفيف التكاليف والنفقات التي تقع على عاتق أقارب كل من العروسين وخاصة في النوبة الأصلية فقد كانت الولائم أكثر حجمًا فضلًا عن تلك الأعباء التي كانت تقع على عاتق أقارب العروسين لضيافة المدعوين من الأقارب وغير الأقارب الذين كانوا ينتقلون من النجوع التي يقيمون فيها إلى نجع العريس أو العروس، ويمكثون بضعة أيام وقد صار الاتجاه السائد لدى النوبيين تفضيل النقود عن السلع الاستهلاكية عند التهادي بمناسبة الزواج وغيرها من المناسبات وبالتالي كان حفل يوم الزفاف في الماضي يتميز بمظاهر معينة، وتبدأ بعدها مراسم حفل الزفاف بالتجمع أمام منزل العريس وتتحرك الزفة على الأقدام بالغناء والرقص إلى منزل العروس ويستمر الغناء والرقص النوبي حتى الصباح، وبعد انتهاء الفرح تأتي والدة العروس بسلطانية من اللبن ليشربها العريس قبل أن يذهب لعروسه16.
- الرقص النوبي: تتميز المنطقة النوبية بإيقاع ورقصات تتجسد في وقوف الراقصين في حلقة كبيرة أو صف طويل وتتشابك الأيادي ويتمايل الراقصون وفق الإيقاع في حركة واحدة تارة إلى الأمام وأخرى إلى الخلف والمثير للدهشة وجه الشبه أو التشابه الكبير بين الرقصة النوبية والإيقاع النوبي في شمال السودان وجنوب مصر ووفق بعض الموسيقيين فإن الإيقاع الذي يحدث أحيانًا قد يعود إلى بعض المناطق أو الدول التي تعود أصول بعض القبائل فيها وترتبط بالرقصة النوبية.
- رقص الكف: يشكل الرجال نصف دائرة وتشكل النساء نصف الدائرة الأخرى ويقف المغنون فى المنتصف بين الطرفين، يصفق الرجال بأيديهم فى إيقاع منتظم مع إيقاع الـ «نجرشاد» الدّب على الأرض بالأقدام مع التصفيق بالأيدي فى لحن متناغم وتنزل النساء إلى منتصف الحلقة فى ثنائيات تتمايلن بإيماءات واهتزازات خفيفة.
- والكاريج : تعني فى النوبة ( الطبق المصنوع من سعف النخيل ) والمصنوعة بأيدي النوبيين مثل الأطباق التى تزين منازلهم، والفتيات النوبيات يتراقصن بها أسفل أشجار النخيل وهذه الرقصة تقوم بها الفتيات الصغيرات فقط.
- ورقصة الألعاب فمنطقة النوبة مشهورة بالعديد من الألعاب التي يؤديها الأولاد والفتيات ومن خلال الرقص يمكن التعرف على بعض هذه الألعاب المشهورة.
- رقصة الزفاف: وهي تعبر عن مظاهر الاحتفال بالزواج فى المجتمع النوبي، وهى تصور ليلة الحنة التي تسبق ليلة الزفاف وفي هذه الليلة يتم تزيين العروس والعريس بالحناء وفي اليوم التالى يكون حفل الزفاف حيث يرقص كل من العريس والعروس وسط جموع من الناس17.
- رقصة النقرشات: إن فنون الرقص النوبي تعبر على استخدام الدف مصحوبًا بتصفيق بالأيدي بطريقة معينة يقوم بها الشباب والفتيات وضرب الأقدام بالأرض مصحوبا بالموسيقى النوبية، وهذه الرقصة تأخذ شكل نصف هلال من الشباب ويتوسط هذا الشابات على شكل أشواط منتظمة18.
3. وعن أول العادات المرتبطة بالحمل والولادة في المجتمع النوبي:
3.1 الحمل:
تنصح الأم (أم الحامل) ابنتها (الحامل) بعدم تناول بعض المشروبات الساخنة أو المأكولات الحارة، (كالقرفة، النعناع، الزنجبيل، الشطة)، وخاصًة في الشهور الأولى من الحمل، كما تحرص كذلك على راحتها جيدًا، فتنصحها بعدم الصعود أو النزول من الأماكن العالية، أو حملها للأشياء الثقيلة، أو السير لمسافات طويلة، فمثل هذه الأمور قد تساعد على عدم ثبات الجنين.
وهناك أمور يجب على المرأة الحامل الانتباه لها وهي مصدر شؤم في الحياة النوبية، ويجب على المرأة الحامل أن تحافظ على نفسها من شر طائر (البوم) الذي يحاول التحليق عمداً فوق رأس المرأة الحامل ليسبب إسقاط الجنين، ولتحفظ المرأة نفسها عليها أن تضع معدنا (إبرة أو دبوس) في شعر رأسها ليكون حاجباً بينها وبين هذا الطائر المشؤوم، ولهذا الحقد الذي يكنه (البوم) نحو المرأة الحامل19.
ولذلك فإن طائر البوم يسبب إسقاط الجنين من الأرحام حتى لا يرزق أحد بغلام ويعتقد أن هذا الطائر يقوم بإرضاع الطفل إذا كان ولدًا في غياب أمه عنه لذا اعتاد الناس على تعليق أوراق العشر في سقف الحجرة وإذا كان المولود بنتًا يوضع ماء في صحن نحاس وبداخله قطعة من حديد أما الصحن الآخر فيحتوي على بصل ومكحل به كحل ومراود وبعض من التمر وصرة صغيرة تحتوي على القرض وبعض الحبوب.
عند ظهور علامات على شكل ورم في أرجل ووجه المرأة يطمئنونها بأنها ستولد ذكرا وعندما تتعسر الولادة للأم يطلبون من زوجها الابتعاد من المنزل والجلوس في مكان آخر حتى تتم الولادة لدى الأم ، ويفضل رضاعة الطفل يوم السبت حتى يكون المولود في كامل الصحة والعافية وعند ظهور الهلال لأول مرة بعد الولادة تخرج المرأة النفساء لمشاهدته وتنثر الماء نحوه مع الدعوات الطيبة ثم تتخطى بخوراً يتكون من سبعة رؤوس من الشوك وقليلا من القرض وورق البصل وقليلاً من الملح وتتخطى هذا البخور سبعة مرات وهي تحمل المولود وفي حالة عجزها عن ذلك يمكن أن تقوم امرأة بالنيابة عنها ويفضل أن تكون الأخت أو أم المرأة التي وضعت المولود تجنباً للمشاهرة20.
3.2. استعدادات الوضع:
تقوم أسرة المرأة المقبلة على الولادة، بصناعة كافة الأنواع من المخبوزات والحلوى، كما تقوم بعمل سرير صغير يشبه الصندوق أو المنضدة، به أدراج لحفظ كافة احتياجات المولود الجديد، كما تقوم الأسرة بتحضير مكونات السبوع من الفشار والبلح والفول السوداني والشمع وبعض النقود المعدنية أو الورقية) لوضعها داخل أكياس بلاستيكية صغيرة شفافة ليتم تقديمها إلى الضيوف أثناء الاحتفال بسبوع المولود. ثم تقوم الأم (أم الواضعة) وقريباتها في اليوم الثاني أو الثالث من ميلاد المولود بعمل كميات كبيرة من (البليلة)، ليتم توزيعها على الأهل والأقارب والجيران، وخاصًة الأطفال، فإذا كان هذا اليوم مصادفًا يوم الجمعة، يتم توزيعها أيضًا على المُصَلِّين في المساجد، فقديمًا كانت تمارس هذه العادة، حيث تحمل هذه الأطعمة في طبق أو صحن كبير والذهاب بها بواسطة السيدات والأطفال إلى شاطئ النهر، وهناك كان يتم إلقاء سبع لقيمات منه في النهر، اعتقادًا منهم بأن هناك توجد ملائكة النهر، وبعدها يجلس الأطفال على الشاطئ ليتناولوا الجزء المتبقي من الطعام، وبعد الانتهاء يقومون بغسل هذا الطبق أو الصحن ثم يضعون فيه كمية من ماء النهر، والذهاب به إلى بيت أم المولود، لتقوم الأم بغسل وجهها ووجه وليدها ويديه وقدميه ورش الماء في أركان غرفتها وأمام منزلها21.
وعندما يرزق الأبوان بطفل ذكر، يحتفل بيوم سبوعه حيث تذبح ذبيحة وتتلى الآيات القرآنية ويختار اسمه. أما إذا كانت المولودة أنثى فيقتصر حفل السبوع على دعوة الأصدقاء ويذهبون بصحبة الوالدين إلى شاطئ النيل وهناك يعطى للبنت اسمها، وكان يُلف المولود بجلباب رجل صالح للمباركة به، ويقوم والد الطفل بمضغ قطعه من البلح الجيد ووضعها في فم الطفل اعتقادا منه أنه يكون مثله في سماته وشخصيته، ويعمل حجابا لحفظ الطفل، إذ يوجد أشخاص لديهم دراية بعلم النجوم في إطار هذا كان يعمل حجابا يعرف بالنوبية بـ «نداران هجاب»، وهو حجاب كان يرتديه الأطفال الصغار بهدف الوقاية من الحسد والعين الحاسدة، والشخص الذي كان يقوم بعمل هذا الحجاب لابد أن يكون على دراية تامة بطوالع النجوم22.
نقوط المولود: يتم تقديم النقوط للمولود الجديد على حسب مقدرة واستطاعة الشخص الذي يقوم به، فهناك من يقوم بتقديمه على هيئة (نقود)، وهناك من يقدمه على هيئة هدايا عينية كالذهب على سبيل المثال، سواء للبنت أو للولد، كالخواتم والأساور والسلاسل والأقراط والدلايات وغيرها23.
سبوع الوليد: فور ولادة المولود مباشرةً، يتم التفكير في تجهيز كافة المستلزمات الخاصة باحتفالية السبوع، حيث يتحمل الأب تكاليف هذه الاحتفالية، فإذا كان المولود ذكرًا، يتم تحضير (إبريق)، أما إذا كانت أنثى فيتم تحضير (قلة)، بالإضافة إلى تحضير كافة المستلزمات الأخرى كالفشار والبلح والحلويات والبندق والفستق وعين الجمل وبعض النقود المعدنية أو الورقية، وأحيانًا بعض لعب الهدايا، ليتم وضع كل ذلك داخل أكياس بلاستيكية صغيرة شفافة، حيث يتم تقديمها للضيوف والزائرين أثناء الاحتفال بيوم السبوع.
وفي اليوم السادس، يتم تحضير كمية صغيرة من الفول المدمس الناشف، ووضعها في الماء مع بعض النقود المعدنية الفضة أو الحديدية داخل صينية تشبه صينية الكيك مع إيقاد سبع شمعات مخصصة للسبوع، وفي منتصفها (القلة أو الأبريق)، وتظل هذه الشموع موقدة منذ هذا اليوم وحتى اليوم التالي (يوم السبوع)، ثم يتم أخذ كمية من هذا الفول مع بعض الحبوب والبقوليات الأخرى التي تعرف بالمصطلح الشعبي بـ (السبع حبوب) لربطها مع بعضها البعض، فقديمًا كان يتم جلب هذه الحبوب السبعة من الجيران، وليس من بيت واحد، بحيث تأخذ أم الواضعة من سيدة متزوجة بشرط أن لا يكون زوجها متزوجا عليها، حيث توضع هذه الحبوب مع ثمرة من ثمار الباذنجان داخل الصينية لتوضع بعد ذلك بجوار الواضعة ووليدها الرضيع في غرفتها لتجنب إصابتها أو إصابته بالمشاهرة.
وفي اليوم السابع، وقت الغروب، توضع هذه الصينية وما تحتويه من مواد في الصالة أو في المكان الذي يتم فيه الاحتفال بالسبوع، ثم تقوم الأم (أم الواضعة) بدق الهون وبالأغاني المصاحبة لهذه الاحتفالية، وأثناء هذا الاحتفال يتم تقديم هدايا السبوع التي تم تحضيرها منذ أيام لجميع الحاضرين والزائرين، وبعد تقديمها تقوم الأم (أم الواضعة) بأخذ كمية من الحبوب السبعة ورشها على الأرض في جميع أركان غرف البيت، ولا يتم تنظيفها إلا في اليوم التالي من هذا الاحتفال، ثم تقوم الواضعة بحمل وليدها في زفة جميع الحاضرين من الأطفال الصغار والنساء والفتيات والسير في كل غرفة من غرف البيت24.
3.3. المشاهرة:
تدور معظم المعتقدات بالقوى الخارجية حول محاولة توظيفها لأغراض حياتية، وبالذات موضوعات الحمل والمشاهرة والحسد، وغالب هذه القوى مرتبطة بالمشايخ والأولياء، وإن كان بعضها مرتبطًا بكائنات كالثعبان والتمساح، أو أرواح الخير والشر في النهر، والصحراء، وهم يرون أن أرواح النهر خيرة، بينما أرواح الصحراء والجبل شريرة، وهذا أمر يبرره واقع حياة الناس؛ فالصحراء والجبل مليئة بالمخاطر، سواء كان ذلك متعلقا بالوحوش الضارية أو بعض سكان البادية الذين كانوا يغيرون على النوبيين في الماضي البعيد، ومن ثم كان وصف أرواح الصحراء بالشر. بينما يعيش النوبيون على كرم وعطاء النيل: ماء وزرع وانتقال واتصال بالعالم الخارجي. والتفاؤل بالنيل يبلغ مداه في بعض مناطق النوبة؛ حيث يخرج العريس والعروس صبيحة زفافهما إلى شاطئ النيل، يغسلان وجهيهما بماء النيل، ويرشهم بالماء من تصادف حضوره في مثل هذه الباكورة25.
أفعال تحدث المشاهرة: يعتقد أفراد هذا المجتمع بأن هناك بعض الأفعال المؤثرة التي قد تحدث على إثرها الإصابة بالمشاهرة، منها قدوم أحد الأشخاص من السوق مباشرةً، خصوصًا سوق الخميس، رؤية أحد الأشخاص جنازة قبل زيارته للمولود أو الواضعة مباشرةً، لذا تحرص الأم (ام الواضعة) بعدم السماح بدخول هؤلاء البيت، اعتقادًا بأن مثل هذه الأمور قد تسبب جفاف لبن الأم (الواضعة)، أو قد يصاب على إثرها المولود بكثرة البكاء وعدم الراحة، كما توجد طريقة أخرى تلجأ إليها بعض النساء ممن لا ضمير لهن، حيث تقوم بإصابة نفسها في إحدى قدميها ثم تقوم بالزيارة، إلا أن هذه الطريقة قد تصيب المولود بالعجز وعدم القدرة على المشي26.
3.4. الوقاية السحرية للوليد:
تستخدم حبة البركة للوقاية من العين والحسد، سواء للمولود أو للواضعة، حيث تقوم الأم (الواضعة) بوضع كمية صغيرة داخل قطعة من القماش ليتم تعليقها على صدر الوليد.
إذا قام أحد الأشخاص بمثل هذه الأفعال (رؤية اللحمة في السوق - حلاقة شعر الرأس أو الذقن) قبل زيارته للواضعة، فإنها تقوم بالخروج من البيت أو الغرفة التي تجلس فيها، ثم يدخل الزائر أولاً، وبعد ذلك تتبعه بالدخول27.
4. العادات والتقاليد المرتبطة بالوفاة:
كان من عادات النوبيين عند دفن موتاهم وضع إناء به ماء بجانب كل قبر، وكانوا يغطون القبر بحصى ملون، أو حصى أبيض، ومن حوله إطار حصى أسود، ويغرسون سعفتين من سعف النخيل بجوار القبر28.
أو كان يوضع بجوار رأسه فخار يزرع فيها صبار مملوء بالماء ويوضع على قبر الميت حصوات ورمل ويوضع جريد أخضر على قبره، وتستمر أيام الحزن خمسة عشر يوما بالنسبة للأفراد البعيدة وأربعين يوما بالنسبة للأهل والأقارب، يتخذ الحزن الشكل الجماعي وتحافظ كل القرى على أداء واجب العزاء للقرى الأخرى29.
كان يصاحب البكاء على المتوفى وضع التراب على الرأس، وفى أربعين الميت، تُؤخذ ملابسه وتُغسل في النيل وقد تلقى فيه أو تُهدى. وكان البيت الذي حدثت فيه حالة وفاة لا تقام به الأفراح إلا بعد مرور فترة طويلة30.