السـنع ليس مجرد كلمات بل أسـلوب حياة
العدد 64 - نافذة على التراث الشعبي البحريني
في حياتنا اليومية نسـتخدم الكثير من المصطلحات الإيجابية أو السـلبية، ولتلك المصطلحات المتنوعة والمختلفة علاقة وثيقة بالتراث الشـعبي، ولكي نكون أكثر دقة لها علاقة بمصـطلح «السـنع» وهو السلوك المهذب والتصرف الجميل بالتواصل والتخاطب مع الآخرين. وتكشـف لنا هـذه الكلمة الدقيقة والمعبرة في معناها عـن أسـرار التعامل الناجح مع الأصـدقاء والوسـط الإجتماعي المحيط بنا. فإذا أردت أن تكون محبوباً ومقبولاً في المحيط الإجتماعي الذي تنتمي إليه وجب عليك معرفة القواعـد الأسـاسية المتمثلة في اسـتخدام العبارات المتداولة في هـذا المجتمع .
ويعني لفظ السـنع في معاجم اللغة العربية السـلوك المهذب والتصرف الجميل والسـنيع هو الحسـن الجميل، وإمرأة سـنيعة جميلة لينة، ويقال أيضاً هـو أسـنع منه بمعنى أفضل وأطول، وكلمة السّـنع في العادات والتقاليد المتبعة في الخليج تعني التوجيه والإرشاد والقيادة، وكانوا يقولون «فلان سـنع الأخلاق» أي تربى عـلى الأخلاق السـليمة الصالحة. وهناك كلمات أخرى تأتي مرادفة لمصـطلح السـنع مثل «ذرب»، فيقال ذرب الرجل أي فصح لسانه، وذرب أليف : كان حادّا ماضياً، وتسـتخدم هذه الكلمة في الخليج بمعنى : الفصاحة في اللسان والتحدث بلباقة واتزان .
ويتكئ مصطلح السـنع بالدرجة الأولى على الثقافة المحلية والخبرة اليومية التي اكتسـبها الآباء والأجداد جيلاً بعـد جيل، حتى وصلت إلينا عبر الوسـائط الاجتماعية المختلفة، وعلينا تقع مسـؤلية الحفاظ على هذه الأمانة التي تشـيع المحبة والتفاهم والتعاون بين الناس. فالمجتمع المترابط يمد أفراده بالقوة والأمان، لذلك نحـن في أمس الحاجة للآخرين، فمنهم من منحك الحياة مـن خلال عملية الولادة (متمثلاً في الأم)، ومنهم من يطعمك ويكسيك ويمدك بالمال (متمثلاً في الأب)، ومنهم من يمدك بالخبرة والحكمة (متمثلاً في الأجداد)، ومنهم من ينير لك الطريق ويفتح لك أبواب المسـتقبل (متمثلاً في المعلمين)، ومنهم من يسـعدك في الحياة (متمثلاً في الأصـدقاء)، وهناك الكثير من الأشـخاص الذين نتعامل معهم بشـكل يومي ونلتقي معهم في مختلف المناسـبات الاجتماعية السـعيدة منها والحزينة، نحتاج إليهم كحاجتنا إلى الهـواء الذي نسـتنشـقه ويحتاجون إلينا كحاجتهم إلى الهواء والماء، وأفضل وسـيلة إلى التواصل معهم هي لغة المخاطبة اليومية التي تفيض بالدفء والعذوبة والطراوة .
لكن مالذي يحدث عـندما نسيء اسـتخدام الكلمات بحيث تصيب الآخرين في مقتل وتعكر صفو حياتهم. الكلمات الجيدة والسـيئة أيضاً لديها قوة هائلة في الاختراق كالسهم المنطلق بسـرعة نحو الهـدف بدون توقف.
لذلك قيل التكلم بغير تفكير كالرماية بلا تصويب، إذا كنت تخاف الخسارة فأنت معرض أكثر لأن تخسـر في اسـتخدامك للكلمات الخارجة عـن حدود اللباقة والسـنع.
مثلما حدث لشـخص وقع في خلاف مع صـديقه، حيث قذفه بكلمة جارحة، ولما عاد إلى المنزل وهدأت أعصابه، بدأ يفكر «كيف خرجت هذه الكلمة من فمي؟ «سـأقوم وأعتذر لصـديقي». وبالفعل ذهب لصديقه، وفي خجل شـديد قال له : أنا آسـف فقد خرجت هذه الكلمة عفواً مني، فسامحني، وتقبل الصديق اعـتذاره .
فعاد إلى البيت لكن قلبه لم يسـترح لما فعله، فذهب إلى حكيم القرية واعترف له بما حدث وقال له: أريد أن تسـتريح نفسي، فأنا غير مصـدق أن هـذه الكلمة خرجت مـن فمي .
قال له الحكيم : إن أردت أن تسـتريح نفسـك، إملأ جعبتك بريش الطيور واعبر عـلى كل بيوت القرية وضـع ريشـة أمام كل منزل، فنفذ الرجل ما قيل له، ثم عاد إلى الحكيم متهللاً فرحاً بما قام به .
فقال له الحكيم : الآن اذهب واجمع الريش من أمام الأبواب، فعاد الرجل لجمع الريش فوجد الرياح قد حملت الريش ولم يتبق إلا القليل جداً، فعاد حزيناً.
كل كلمة تنطق بها أشـبه بريشة تضعها أمام بيت أخيك.
ما أسـهل أن تفعل هـذا، ولكن ما أصـعب أن ترد الكلمات إلى فمك.
فهل يتوجب عـليك جمع ريش الطيور أو تمسك لسانك.
والأفضل أن تختار كلمات السـنع المناسـبة، فالكلمات ليست مجرد كلمات، ولكنها أفكار تشعل فيك الطاقة وتشـيع البهجة في نفوس الآخرين .