نظام تقسيم مياه الأفلاج عند العُمانيين
العدد 64 - فضاء النشر
يدرس كتاب «نظام تقسيم مياه الأفلاج عند العمانيين» الصادر عن وزارة التراث والثقافة العمانية، وإعداد كل من الدكتور/ مسعود الحضرمي، والباحث/ أحمد العزيزي المرويات الشفوية المتعلقة بنظام تقسيم الأفلاج في سلطنة عُمان.
إن نظام الأفلاج يمتاز بخصائص هندسية واجتماعية وحضارية، فقد ارتبطت الأفلاج منذ نشأتها بنواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع العماني، حيث أسهمت في ازدهاره ونموه لما توفره من استقرار للمجتمع، فكان لها بالغ الأثر في تطور الحضارة العمانية واستمرارها طوال القرون الماضية.
وقد بذلت الحكومة العمانية جهودًا كبيرة في سبيل الحفاظ على الثروة المائية ومصادرها، كمشروع حصر الأفلاج بين عامي 1997- 1998م، وإصدار لائحة تنظيم الآبار والأفلاج عام 2000م، والمشروع التجريبي لتوثيق الملكيات والأعراف والسنن عام 2009م، والذي تم تطبيقه على فلج الخطمين في بركة الموز، وفلج الميسر في الرستاق، وفلج الحمراء في ولاية الحمراء، وفلج الدغالي في سمائل، وفلج العوابي بولاية العوابي، وفلج الغريض وكبة في الثوراة بولاية نخل.
كما نجحت السلطنة في إدراج خمسة أفلاج في سجل التراث العالمي باليونسيكو عام 2006م، وهي: فلج دارس في ولاية نزوى، فلج الخطمين في بركة الموز التابعة لولاية نزوى، فلج الملكي بولاية إزكي، فلج الميسر بولاية الرستاق، وفلج الجيلة بولاية صور.
يحتوي الكتاب على خمسة فصول، تناول الفصل الأول نظام الري بالأفلاج عند العُمانيين، فيما استعرض الفصل الثاني أهميّة الأفلاج كمؤسسة قائمة بذاتها في المجتمع، وتطرق الفصل الثالث لجدولة الري بمياه الأفلاج، أما الفصل الرابع فقد تناول مواسم الزراعة المعتمدة على الأفلاج، وخُصص الفصل الخامس والأخير للحديث عن الأفلاج في ولاية إزكي.
يهدف هذا الكتاب إلى الوقوف على مصطلحات تقسيم مياه الأفلاج وتدوينها وتوثيقها، ودراسة مدى انتشار الأساليب التقليدية في تقسيم مياه الفلج لدى العُمانيين، والتعرف على مدى الاختلاف بين محافظات السلطنة في الطرق والأساليب التقليدية في تقسيم مياه الأفلاج، وتوثيق أهم الممارسات والطقوس الاجتماعية في عملية تقسيم مياه الأفلاج، بالإضافة إلى لقاء القائمين من ذوي الخبرات القديمة في مجال تقسيم مياه الأفلاج.
وقد حدد الباحثان ثلاث مراحل للدراسة، المرحلة الأولى خُصصت لحصر الأفلاج وحدودها المكانية، فيما خُصصت المرحلة الثانية لتصنيف الأفلاج وفقًا للمحافظة التي توجد بها واختيارها بحسب القرى التابعة لها، أما المرحلة الثالثة فقد خصصها الباحثان لإجراء المقابلات الشخصية لجمع المادة العلمية من الروايات الشفوية ثم تحليلها.
وقام الباحثان بجمع المادة من مصادرها الأصلية التي تمثلت بمقابلات أجريت مع مجموعة من كبار السن الذين مارسوا تقسيم الأفلاج ليلاً ونهارًا سواء عن طريق الشمس أو عن طريق الاستدلال بالنجوم. وجرى توثيق البحث من خلال العديد من الصور والتسجيلات المرئية والصوتية التي يمكن الرجوع إليها عند الحاجة والتي توضح جدولة المياه بالنهار، وتسجيلات أخرى للأفلاج التي تمت زيارتها.
وقد شملت الحدود الجغرافية لهذه الدراسة ست محافظات عمانية، هي: (محافظة شمال الشرقية، محافظة جنوب الشرقية، محافظة الظاهرة، محافظة الداخلية، محافظة شمال الباطنة، محافظة جنوب الباطنة).
في بداية الدراسة حدد الباحثان المصطلحات والمفاهيم المتداولة في نظام الري عن طريق الأفلاج في عُمان، والتي ما زالت متدوالة إلى وقتنا الحاضر وهي: ( أم الفلج، البادة، الجامود، الردة، الأثر، البدوة، ربع آخر النهار، رُبع، رُبعة، ظل، ماضي الربع من الليل، ماضي الربع من النهار، نصف من الليل، نصف من النهار، الجلبة، مزيودة، ساعد، ساقية، سل، الشحابة، الشريعة، العامد، العريف، الفرضة، يولم الفلج، نظام السحارات).
كما تطرقا إلى نظام إدارة الفلج والتي تتكون من: الوكيل وهو المتحدث باسم الفلج أمام أي جهة ويعتبر بمثابة رئيس مجلس الإدارة وله نسبة معينة مثل نصف العشر من الدخل، أمين الدفتر وهو الذي يحصل المبالغ المقيدة بالسجل، ويكون السجل بحوزته، الكاتب هو الذي يكتب أسعار المياه بتفاصيلها المباعة في ذلك اليوم وأسماء الأشخاص الذين يشترون المياه، العريف وهو الشخص المسؤول عن صيانة الفلج ومتابعة أي طارئ يحدث للفلج ويبحث عن العمال لصيانة الفلج ويتفق معهم على الأجرة وما شابه ذلك من تجهيز وإعداد اللازم نحو إصلاح ذلك الطارئ أو الخلل، الدلاّل الذي ينادي بالمزايدة على الماء أو أي أرض يملكها الفلج أو أشجار النخيل التي أوقفها أصحاب البساتين لذلك الفلج.
وحول العادات والتقاليد والطقوس المرتبطة بصيانة الأفلاج في عُمان، فقد عدد الباحثان أهم هذه الطقوس، وهي: (دق الطبول، فرح الناس عند الانتهاء من صيانة الفلج، الزاجرة أو المنجور «المطاحن المائية»، الاشتغال بصناعة الأواني الفخارية وصناعة الصاروج).
وفي نهاية الكتاب، أشار الباحثان إلى التحديات العديدة التي تواجه نظام تقسيم الأفلاج في العصر الحالي، نتيجة للتطور التكنولوجي والطفرة الحديثة التي شهدتها السلطنة، حيث إن الأيدي العمانية التي كانت تعتني به وتقوم بصيانته بدأت تهجره، كما أن المنظفات الصناعية بكافة أنواعها ساهمت في تلويثه، فضلاً عن تسابق الناس في حفر الآبار التي تهدد منابعه، وتناسي الكثير من جيل الشباب المصطلحات القديمة المتعلقة بهذا النظام التقليدي العريق.
كما أوصى الباحثان بنشر الوعي لدى أفراد المجتمع وتثقيفهم بأهمية المحافظة على الثروة المائية بشكل عام ونظام الأفلاج بشكل خاص عبر وسائل الإعلام المختلفة، والمناهج الدراسية، ودعا الجهات المختصة إلى إجراء المزيد من الدراسات والعمليات لرصد معدلات تدفق المياه ورصد التغييرات التي قد تحدث لها، وذلك للحفاظ على الأفلاج العمانية.