الحُلى اللغوية في حكايات سندبار المكتوبة بالعربية اليهودية دراسة في نصوص مغاربية
العدد 64 - أدب شعبي
توطئة:
من بين من تَحَدَّرَتْ إليهم الحكاية الإطارية كألف ليلة وليلة ومائة ليلة وليلة وحكايات سندبار – الرواةُ اليهود، وخاصةً أولئك الذين عاشوا في بلدانٍ إسلاميةٍ في أواخرِ العصورِ الوسطى والعصرِ الحديث، فقد زاوَجَ هؤلاء الرواة بين ثقافتين، يهوديةٍ كامنة، وعربيةٍ بارزة، فكتبوا صيغًا أدبشعبيةً للحكاية الإطارية، نختار منها ثلاث صيغ مكتوبة بالعربية اليهودية، صدرت على التوالي («سِفِر شعشوعيم» في ليفورنو سنة 1868 – حكاية السبعه وزرا في تونس 1913 – معاسيه سندبار في تونس 1948)، وهي الصيغ التي نعدها مادتَنا لاستخلاص العبارات التي يُطَعَّم بها النص الأدبشعبي باعتبارها حُلى لغوية في النص سَمْتها التكرار.
ورغم ظهورِ الطبعةِ الأولى لكتابِ حكاياتِ سندبارِ في القسطنطينيةِ عام 1516 م1، إلا أن مخطوطاتِ الكتابِ تعودُ إلى زمنٍ مبكرٍ، حيث ذكرت ناتلي فاينشتاين נטלי ווינשטיין أن أقدم مخطوطةٍ لهذا الكتابِ هي باللغة السريانية، وتعود إلى القرن العاشر الميلادي2 ويذهب ياسيف עלי יסיף إلى أن أصلَ الكتابِ كان باللغة السنسكريتية ثم تُرجم إلى الفارسية ومنها إلى البهلوية3، ويذهب الغانمي إلى أن أصلَ الكتابِ يكمن في نص آرامي ربما تشكل في بيئة مانوية كانت تغترف من التراث الآرامي المُطَعَّمِ بعناصرٍ هنديةٍ ويونانية4، معتمدًا في ذلك على التحليلِ السردي الذي ينضوي على فكرةِ التنَسُكِ والامتناع عن إيذاءِ الحيوانِ مع الاصطبارِ على تلقّي الآلامِ الجسديةِ كي لا يتسببَ المتألمُ في إيذاءِ الحيوان، إلا أن فرحات بالغت في رد إحدى صيغ الكتاب – صيغة هبرمن - إلى أصل عربي هو «قصة ملك العجم مع ولده والجارية وحديث السبعة وزراء» والتي ادعت أن زمن كتابتها يعود إلى القرن الثاني عشر وتقع – عندها - في ست وخمسين ورقة5.
ومن المتفق عليه أن الاسم «משלי סנדבר» «حكايات سندبار» هو أحد الأسماء التي اطلقت على النسخ العبرية لمجموعة الحكايات والقصص الشعبية التي أُلِّفت في بلدان شرقية ومنها انتقلت إلى بلاد أوروبا، وهناك تُرجمت وانتشرت في بقاع الأرض6 وللكتاب صيغة أخرى هى «حكايات سندباد» «משלי סנדבד» ويعرف بأنه أحد الكتب الشعبية Chapbook التي بدأت تظهر طبعات لها بداية من القرن السادس عشر الميلادي، وكانت تباع في محلات مخصصة لذلك وقد حظيت هذه المجموعة القصصية بانتشار واسع لدى طبقات شعبية عريضة في أوروبا، كما أُعيدت صياغتها مرات عديدة، كذلك أُجريت عليها العديد من المعالجات سواء التي تختصرها أو تطيل فيها، وبعض هذه المعالجات كُتب سجعًا، والآخر كُتب نثرًا، ويمكن القول أن الكتابَ يجسدُ – إلى حد بعيدٍ – مضمونَ وشكلَ الأدبِ غير الرسمي الذي كان ينتشرُ بين قطاعات عديدة من جمهورِ اليهودِ الذين كانوا يعيشون في البلدانِ العربية في الفترة المذكورة.
والكتاب يتناول قصة أحد ملوك العجم الذي رُزق بولد وهو في سن الشيخوخة، وعندما أتم الابن سبع سنوات سلَّمه أبوه إلى كبير الحكماء كي يعلمه الحكمة وأمور الشريعة، وعندما وصل الابن إلى عمر السابعة عشر- طلبه والده الملك ليختبره ويختبر حكمته ومعلوماته، ولكنه فوجئ بأن ولده لم يتعلم شيئًا، فأخذه الحكيم سندبار مرة أخرى، ولكن لمدة ستة أشهر فقط، ولم تنقضِ المدة إلا وكان الابن قد أتم تعليمه، إلا أن طالعه يقول أنه محظور عليه الكلام بما تعلم لمدة سبعة أيام فإن تكلم قبلها - مات، وعلى ذلك وَشَتْ به زوجة أبيه، وادعت أنه يراودها عن نفسه، غير أنه لم يستطع كسر المحظور لحين تنتهي مدة الحظر، وفي تلك الفترة يحدث الصراع بالحكي بين الحكماء السبعة الذين يقصّون على والده حكايات تشير إلى مغبة من يتعجل بالحكم على شخص، وبين زوجة أبيه التي تقص عليه حكايات تشير إلى مغبة من يترك مُدَنِّس بيت أبيه دون قتل، والحكاية تنتهي بكشف الحقيقة وعفو الابن عن زوجة أبيه التي وشت به.
أما الحكايةُ فتأخذَ شكلَ الحكايةَ الإطارية סיפור מסגרתי على غرار كتاب مائةِ ليلة وليلة، والحكاية مُشَرَّبة بثنائيات الخير والشر، العفة والغواية، الحظر والإباحة؛ حاوية لعدد من القصص المتنوعة التي تخدم الحكايةَ الإطار لإطالةِ أمدِ الصراعِ بين الحكماء السبعة وبين سُرِّيَّة الملك، المنقسم على ذاته بين التعجيل بقتل سندبارغريمُه في العشق وفق وشاية السُرِّيَّة، وتأجيل قتل سندبارالابن الوحيد حتى ينقضي عنه موعد «حظر الكلام» بعد سبعة أيام من فرض الحظر، وفق رواية حكماء الملك السبعة.
وقد اعتبرت قفصي أن مجموعتي القصص ذات طابع تعليمي توعوي الأولى تحارب المرأة وتحذر من كيدها، والثانية تدافع عنها، ولا تخلو المجموعتان من الطابع الرمزي، حيث يمثل الملك كل الرجال بينما تمثل الجارية كل النساء7 كما كان لحكاياتِ الحيوانِ حضورٌ في حكايات المجموعتين، حيث أدت الحيواناتُ أدوارًا رئيسة ومنها: حكايةُ الخنزير والقرد، وحكاية الأسد واللص، وكانت تستهدفَ ضرب المثلِ وأخذ العبرةِ8 أما القصص الخرافية فهي لا تختلف عن تلك التي ظهرت عند العرب في العصر الجاهلي، فترددت قصص الغول والسعلاة والجن، أولئك الذين امتلأت أخبارهم في كتب الطبري والأصفهاني والمسعودي وابن كثير وغيرهم9.
صيغ الكتاب وانتشاره:
تنتمي حكايات سندبار إلى أحد أقسام الأدب في العصر الوسيط الذي ثارت حوله كثير من الآراء سواء في الثقافة اليهودية أو الثقافة الأوروبية في عمومها، ونحن نقصد هنا الأدب غير الرسمي، فقد كان هذا القسم منتشرًا بشكل كبير، وهو ما تشهد عليه مِئات النسخ التي وجدت بجميع اللغات الأوروبية تقريبًا، وهو ما طرحه رونته H. Runte بشأن تناقل كتاب «حكايات سندبار» من الشرق إلى الغرب وبشأن ترجماته إلى اللاتينية ومنها إلى لهجات محلية مثل الإيطالية والفرنسية والإسبانية10 ويبدو أن هذه الترجمات جعلت العديد من اللغات التي تناقلت الكتاب عبرها – تترك بصمتها على الكتاب بشكل عام، كذلك سمحت للمترجمين أن يُطَعِّمُوا النصَ المترجمَ بعناصر من ثقافتهم وفكرهم، في وقت كانت أمانة الترجمة فيه غير مراقبة، فكل نسخة من نسخ الحكايات محكومة بمعالجة خاصة بها، حيث كان المؤلف أو الناسخ يضيف بعضًا مما توارثه ثقافيًا ومجتمعيًا، ولذا يمكن القول إن القصةَ المتناقلةَ من مكان إلى آخر كانت تعكسُ، في الأساس، ثقافةَ الرواةِ، أو على أقل تقدير، وفق النظرةِ الاستشراقية، أن القصةَ تقدمُ صورةً للشرقِ وتصفُ طباعَه، وهناك ادعاءٌ مشابهٌ يتعلقُ بحكايات سندبار هو أن هذه القصص أثناء تناقلِها جرت عليها تغيّرات وتمت روايتُها من جديد، وبذا ابتعدت مجموعة الحكايات هذه عن أصلها الهندي فباتت لاتعكس الثقافةَ الهندية، وهو ما يمكن أن نلحظه في نسخة الفاتيكان، كما أنها لم تعد تعكس الثقافةَ الفارسيةَ أو السريانيةَ التي تعودُ إلى القرن العاشر الميلادي، وهو القرن الذي يدعي الباحثون أنه زمنُ تأليفِ حكاياتِ سندبار11.
لقد حظيت هذه المجموعةُ بشعبيةٍ واسعةٍ في أوروبا كما خضعتْ لصياغاتٍ ومعالجاتٍ عديدةٍ، بعضُها كان محدودًا للغاية والبعضُ الآخرُ كان ذا إضافات واسعة، كما جاء بعضُها في شكلٍ مُقَفَّى والبعضُ الآخرُ جاء في قالب نثري، ويذكر ياسيف أن العبريةَ احتفظت بعددٍ لا بأسَ به من مخطوطاتِ هذه المجموعة القصصية تصل إلى عشرين مخطوطة تعود إلى فترات مختلفة، كذلك احتفظت العبرية بثلاثة إصدارات مطبوعة للكتاب12 وقد بدأ الاهتمام بهذه المجموعة القصصية، سواء نسخها أو مصادرها، أثناء القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حينها زادت ترجمات المجموعة إلى لغات أوروبية مختلفة، كما زادت طباعتها، فضلًا عن زيادة أعداد الباحثين الذين حاولوا التحقق من مصادر الحكايات ودراسة كيفية انتشار القصص في البلدان الغربية13 وعلى رأسهم جاستر משה גאסטר الذي قدم محاولة لطرح تصور بشأن مصادر النص العبري لحكايات سندبار، حيث قام بفحص المخطوطات نفسها محاولًا إيجاد علاقات فيما بينها للإجابة عن بعض الأسئلة على شاكلة: من أي اللغات تُرجم النص العبري؟ وما هي المصادر التي وضعها المترجمون والنساخ أمام أعينهم أثناء أعمالهم؟ وما هي المخطوطات التي استخدمت كمصدر للنساخ المتأخرين؟ كذلك حاول دراسة العلاقات بين القصص في حكايات سندبار وبين أعمال أدبية أخرى، سواء كانت إنتاجات من بلدان شرقية أو بلدان غربية، وتعود أهمية الدراسات التي قدمها جاستر إلى كونه أول من قسم المخطوطات الموجودة إلى مجموعات، وهو تقسيم يساعد في تصور انتشار القصة بين الجماعات اليهودية في أوروبا، كما يسهم في فهم تطور هذا العمل وفهم التغيرات التي طرأت عليه14 أما الدراسات الراهنة فتميل إلى المقارنة بين النسخ الشرقية والنسخ الغربية لهذه المجموعة، ومن بين النسخ الشرقية نجد نسخًا فارسية(بهلوية) وسريانية قديمة، وعربية وإسبانية قديمة، ويونانية وعبرية ومعظم هذه النسخ يطلق على المجموعة اسم سندباد Sinbad أو سندبان Sindban أو سندبار Sindbar أو سندباز Sindbaz، (ليست هناك علاقة تذكر بين شخصية سندباد هنا وبين شخصية سندباد البحري الواردة في دائرة القصص السندبادية في ألف ليلة وليلة) أما القسم الغربي أو النسخ الغربية لمجموعة سندبار والتي ازدهرت اعتمادًا على النسخ الشرقية التي انتقلت إلى الغرب – فيطلق عليها «حكماء الروم السبعة» «שבעת חכמי רומי»، وجدير بالذكر أنه تم رصد صيغة واحدة في بعض اللغات الغربية مثل الإيطالية والإنجليزية القديمة والفرنسية والألمانية والبولندية15
وتعود أول إشارة لوجود الكتاب في نسخة عبرية- إلى عام 1295م، وذلك في الخطاب الذي أرسله أبراهام بدريسي אברהם בדרסי إلى صديقه نارفون נארבון والذي ورد فيه ما نصه «למעשה ידינו נכסוף, ולא נכסוף למעשה סנדבר. לא נחוש לאלף לילות» «إننا نشتاق إلى صنيع أيدينا، ولا نشتاق إلى حكاية سندبار، كما أننا لا نتفاعل مع ألف ليلة»16 ويمكن الاستشهاد بالنص في رفض المثقفين اليهود المعاصرين لتلك الفترة – للأعمال المترجمة، وكذلك في الانتشار الواسع لمثل هذه الأعمال بين طبقات شعبية سواء كانت شفاهية أو كتابية عند روايتها بشكل شفاهي أو عند طرحها في صورة مكتوبة17.
ورغم الانتشار الواسع لحكايات سندبار في العصر الوسيط، إلا أن حجمَ الدراساتِ المعنيةِ بها باعتبارها تمثل القصةَ العبريةَ في العصر الوسيط - كان قليلًا، حيث نجد قليلًا من الدراساتِ اهتم بالنُسَخِ العبريةِ لهذا الكتاب، والقليل أيضًا اهتم بالأعمال المترجمة الأخرى التي اُعْتُبِرَت ضمن قالبَ القصةِ العبرية18 ونذهب، كما فاينشتاين، إلى رد السبب في ذلك إلى عزوف الباحثين عن دراسة أعمال عُرِفَت باعتبارها جزءًا من الثقافة الشعبية، في مقابل ثقافةٍ عليا أخرى19 ففي واحدة من هذه الدراسات رُدت حكايات سندبار إلى مجموعات قصصية يطلق عليها «كتب التسلية» «ספרי השעשועים» وهناك رأي آخر رَدَّها إلى نوع قصصي انتشر في العصر الوسيط يطلق عليه القصص النمطية20 «סיפורי-מקרים-אכסמפלריים» والتي تحوّل بعضُها إلى قصصٍ شعبية، ورغم كون هذه القصصِ غير متضمنةٍ في مجموعاتٍ قصصيةٍ نمطيةٍ رئيسة، إلا أنها انتشرت باعتبارها قصصًا مستقلةً قائمةً بذاتها وذلك في بعض المؤلفاتِ والمخطوطاتِ المختلفة21 أما يوسف دان فقد ادعى أن حكايات سندبار عبارةٌ عن عملٍ أدبي تختلطُ فيه عناصرُ ملحميةٌ مع عناصرٍ قصصيةٍ أخرى22 وعارضه جونسيمُس Joun Jaunsemus في الدراسة التي تناولَ فيها النُسخَ الغربيةَ لحكاياتِ سندبار حيث ذكرَ أن كلَّ من يأملُ أن يجدَ عناصرَ ملحميةً في حكايات سندبار فهو يقودُنا إلى ضلالة، لأن شخصيةَ الراهبِ هنا لا تلائمُ شخصيةَ البطلَ الملحمي، فهو صامتٌ معظم الوقت، كما أننا لا نتبين من الحكاياتِ مشاعرَ هذا الراهبِ وأحاسيسِه، فضلًا عن أننا لا نجدُ معاركَ ولا مواجهات، وبدلًا من ذلك نعثرُ على أشخاصٍ يحكون قصصًا لا تترك بصمتها عليهم، أضف إلى ذلك أن الجوَّ العامَ للحكايات مختلفٌ، فهي تتحدثُ عن بلدٍ مجهولٍ بعيد، ونمكثُ في قصرِ الملك لا نَبْرَحُه، دون أن نعرف الكثيرَ عن هذا القصرِ وفيه نقضي معظمَ الوقتِ مع هذه الشخصيات، لا نبرحُ المكانَ إلا من خلال الحكايات التي تُحْكَى فيه23.
اسم الصيغة ورمزها | ليفورنو المطبوعة 1868 ونرمز لها(ليفورنو 1868) | تونس المطبوعة 1913 ونرمز لها(تونس1913) | تونس المطبوعة 1948 ونرمز لها(تونس1948) |
شكل الصيغة التي اعتمد عليها البحث |
مصادر البحث
يعتمد البحث على ثلاث صيغ مكتوبة بالعربية اليهودية24 صيغة تعود إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وصيغتان حديثتان بالعربية اليهودية الحديثة New Judaea- Arabic طبعتا في تونس، الأولى عام 1913م والثانية عام 1948م26 وهذه الصيغ هي:
الصيغة الأولى:
كتاب مطبوع في ليفورنو ליוורנו سنة 1868م ضمن حكاياته حكاية سندبار، والكتاب يحمل عنوان: «كتاب حكايات مسلية- الجزء الأول» (ספר מעשה שעשועים - חלק ראשון) وقد تم جمعه بواسطة المعلم يوسف كيج יוסף כיג معتمدًا على روايات شفاهية من أدباء وفقهاء يهود، ومعتمدًا كذلك على صفحات من كتب كانت منتشرة في زمانه، والكتاب صدر على نفقة اسرائيل قوشطا ישראל קושטא عن دار نشر موشيه يشوعا طوفيانا משה ישועה טובייאנא ومن الملاحظ أن الكتاب يقوم على طرافة قواعد الصرف والنحو والإملاء، وربما يعطي إشارات إلى وجود فئة من الكتاب والنسّاخ سَعوا إلى وضع تقليد شفاهي في الكتابة، فحرصوا على نقل الكلمات كما كانوا يسمعونها، ونرمز لهذه الصيغة (ليفورنو868)
الصيغة الثانية:
كتاب مطبوع في تونس سنة 1913م مكتوب بالعربية اليهودية وعنوانه «حكاية السبعه وزرا وهي حكاية سندبار» وقد جاءت بيانات دار النشر على النحو التالي «انطبعت بتونس حماها الله في مطبعة صهيون يوجان حفظه الله وحماه عام 1913» مع بيان ذلك بحروف لاتينية على النحو التالي Sion UZan, Souk EL-GRANA, TUNIS – 176 وقد تم وسم النسخة بأختام وبيانات مكتبية خاصة بمكان حفظ النسخة، وهي «בית הספר הלאומי והאוניברסיטאי – ירושלים» (المكتبة الوطنية والجامعية بالقدس)، ونرمز لهذه الصيغة بالرمز (تونس913).
الصيغة الثالثة:
كتاب مطبوع في تونس سنة 1948م مكتوب بالعربية اليهودية Judaea- Arabic بعنوان رئيسي «معاسيه سندبار - وهو المعروف بحكاية السّبعة وزراء والمجادلات الدي جرَو من كل وزير ووزير»، وفي نهاية العنوان وصف للكتاب وهو «كتاب جميل للغاية» وهو صادر عن دار نشرLibrairie Hebraique Moderne «المكتبة العبرية الحديثة» وجاء عنوان المكتبة ورقم هاتفها على النحو التالي وقد اعتمدنا على نسخة محفوظة في (المكتبة الوطنية والجامعية بالقدس) (בית הספר הלאומי והאוניברסיטאי – ירושלים) وتحمل رقما مكتوبا بالقلم الرصاص بالأرقام الهندية (1350)، كما وسمت النسخة ببطاقـة فــهرسية حـديثـة مـكـتـوب فيها بالعبري הספריה הלאומית = المكتبة الوطنية مع تضمن البطاقة على البيانات الأرشيفية التالية (S 53 A 1333 – סנדבד, מעשה סנדבאר: C.1) مع ترقيم كودي وهو 000203894383 كذلك تضمنت النسخة بطاقة بها ترقيم كودي آخر وهو (324130 819653)، ونرمز له بالرمز (تونس 948).
منهج الدراسة
تتبع الدراسةُ المنهجَ الشكلي الذي يهتم بفحصِ الأشكالِ الفنية، ودراسة مختلف وظائفها ومدلولاتها بقطع النظر عن المؤثرات التاريخية والجغرافية والفلسفية27 وتطبيق ذلك في الدراسة يجعلنا نتجه صوب التنظيم اللغوي للنصوص بهدف التعرف على دلالة الألفاظ وتطورها، واستخلاص علاقات تطفو على سطح النص بين الراوي/ الناسخ اليهودي، وبين بيئتِه العربية، وكذا التعرف على نظام الأزمنة وتدخلات الراوي وصورة الجمهور وما إلى ذلك28 أما الحُلية اللغوية فقصدنا بها في الدراسة «حقن جسد النص بتعبيرات مائزة سواءً تناولت فكرة ما مطروحة، كالتطعيم بالحكمة والمثل أو عرضت شكلًا أدبيًا ما، كالتطعيم بالسجع، دون أن يعيب التطعيم اقتباسه من مصادر أدبية سابقة، أو تقاطعه مع إنتاجات أدبية معاصرة له».
أولًا: التحلية بالحكمة والمثل:
ذهب فرينكل إلى التفريق بين الحكمة والمثل في جانبين هما أن المثل- بشكل عام - هو تلخيص لتجربة حياتية معروفة للجميع، بينما الحكمة هي إخبار المتلقين بقول لم يكن معروفًا لهم، كذلك فالمثل إنتاج أدبي مجهول مؤلفه؛ لأنه يعود إنتاجه إلى الشعب، بينما الحكمة لها مؤلف معروف يتم تقديم الحكمة باسمه وتتناقل من جيل إلى جيل29 هذا من ناحية الشكل، أما في المضمون فإن المثل هو جزء من أدب الحكمة ذي المضمون التعليمي30 وهو ما ينطبق على شواهد الأمثال التي وردت في حكايات سندبار، باعتبارها تطعيمات لغوية تسهم في تشكيل الخصائص الشفاهية للنص، فحين يذكّر الحكيمُ الملكَ بنصيحته، يطلب منه أن يفطن إلى أن ما يقوله ليس فقط نصيحة، ولكنه حكمة، عليه أن يأخذ بها كي لا يهلك، من ذلك قوله «لا تقتل ابنك الفريد، تموت مقطوع الاتر»31 بل يحثه على اتخاذ النصيحة؛ لأن المستمع للنصيحة هو بمثابة حكيم، ويكرر الحكماءُ للملك عباراتٍ ترفع من قدر ومكانة الإنسان المتريث المتأني الذي لا يجعل الغيرة تتملكه دون مبرر «لا تخون نفسك بنفسك»32 كما تتردد الحكمة التي تحذر من خيانة الجار فتقول «وخاين جارهُ تخلا دارهُ»33 ويعيد الراوي هنا صياغة المثل المعروف فيقول «والناس يقولو الفرج على يد من ياتي»34 وهو ذاته المثل الشعبي العربي «الخير على قدوم الواردين» وبالحكمة أيضًا يوجه الحكيمُ الملكَ ألا يستمع لآراء النساء لأنها آراءٌ تقود المَرءَ إلى الهلاك «لم تميّل ادنك لكلام النسوان، حيت-هم يغلبو كل غالب»35 وفي ذات المعنى يقول الراوي «واتحدر على نفسك من مكايد النّسا»36 وكما أن رأي المرأة ضعيف، كذلك مَكْرُها عظيم، وهو ذات المضمون الذي تردد في مقولة «وما ياخدك شي زلبحت مراه ولو كانت صاينه وعاقله، لا بد الانسان يتحدر منها»37 غير أن المقولة الأخيرة تجعل المرأة مجبولة على التفكير القاصر كما هي مجبولة على المكر والخديعة، وتكملة للمقولات الدالة على شيوع كراهية النساء في حكايات سندبار، نجد فقرة تشّبه النساء بالثعالب في المكر والدهاء، رغم ضعفهن ونحول أجسامهن «كما أن الثعلب أقل من جميع الحيوانات في القوة كذلك فهو قادر على التغلب على جميع الحيوانات بالخديعة»، وعلى رغم ذلك فإن ابن الملك، الذي تعلم الحكمة، واجتاز حظر الكلام، يبرر للمرأة مكائدها، ويكون هو من يطلب العفو عنها، مبررًا ذلك بأنها أرادت أن تنقذ نفسها من القتل «كل انسان معدور يدافع على نفسهُ»38 ورغم شيوع توجه كراهية النساء في الأدب التلمودي، إلا أن جميع مقولات الحكمة والأمثال الواردة في حكايات سندبار لم تتقاطع من نصوص تلمودية39 ويبدو أن تحامل النص - محل الدراسة - على المرأة يفتح لنا الباب أمام مزيد من الدراسات حول الأدب النسوي المبكر، دون تغييب للظروف الاجتماعية والثقافية التي توالد النص فيها40 .
ثانيًا: التحلية بالتعابير والأقوال السائرة:
يطلق عليها يانُ فانسينا التعابير النمطية The Stock Phrase وتعبر عنده عن المثاليات والأفكار المقبولة عادة في الثقافة المحلية، وعندما تظهر نفس الأفكار في نصوص مختلفة، فإن هذا عادة يؤدي الى استخدام نفس التعابير والأقوال السائرة41، ويعرفها جاد بأنها أحد أشكال القول التي تستخدم في لغة الحياة اليومية، سواء أكانت مفردة أو أقوال أو تعابير سائرة، مع مراعاة البعد الاجتماعي لقائلها42، ومن ذلك التعابير التي تراعي خصوصية أقوال الحاكم أو السلطان التي ما أن تخرج من فمه حتى تصبح كما القانون، لا يمكن التقهقر دونها كقولهم «ولجميع الخلق يصح لهم ان يجرِو في رايهم، واما الملوك لم يواتيهم الجريّ من شان الدي كلام الملوك ساير»43، كذلك ترد تعابير وأقوال سائرة أخرى تتردد في صيغ الدراسة، فيحمل بعضها نبرة التشكيك في ما يُسمع من أخبار، كرد الحكماء على سندبار بتعبير «يا سندبار، كلامك متل السحاب والـرعَد والبرق من غير مطر»44 وقد نجد قولًا سائرًا مطولًا يحمل ذات النبرة، حيث يقول الحكماء لسندبار أيضًا «اربع حاجات يشبهو لبعضهم وما يتبتو عند الادم45 الا ما يُحصلو. الاولى السفينه الدي في البحر ما يطمان بيها بن ادم الا ما توصل وتحَصل البَر. والـتاني الصنديد الدي يمشي للفتن ما يدحر قَوتُه الا ما يرجع من الفتن. الـتالت المريض ما يضمَنوه بيه الا ما يبرا. الرابعه الحبلى ما يقولو خلصت الا ما تولد»46، فرغم قناعتهم برجاحة عقل سندبار «عارف سيد الاعراف وجميع ما يخرج من فومُه – المقصود هنا سندبار - يفعلُه ويتبتُه» 47، إلا أنهم أشد قناعة بأن النتائج العملية هي الفصل في الحكم على صدق الأقوال، كذلك تتردد في الصيغ محل الدراسة عبارات تعلي من قيمة الحكمة وترفع من مكانة النصح والإرشاد، ومن تعابير ذلك «الحذاقه متل العنبر والمسك الدي هُما كيف تـصب48 اعليهم الما يفوحو ريحتهم»49، كذلك الأقوال التي ترفع من قدر ومكانة من يتلقى النصيحة ويعمل بها، ومن ذلك «وتُعلم الدي كل كيّس وحاذق هو الدي يقبل الدباره»50، ناهيك عن تعابير تؤكد مكر المرأة وقدرتها على الخداع والمواربة، كقولهم «دخلت المره للملك وقالت لهُ بكتر بكاها وطاحت بين رجلَيه»51 وقولهم «ثم قامت سريعه خرقت اثيابها وفتحت شعورها»52، أما أقوال البهجة والسرور فتتبدَّى في قولهم «الفرج على يد من ياتيه»53، وقولهم «شد قلبك واتهنى»54، فضلًا عن التعبير الشهير الدال على السمع والطاعة والذي يرد نصه «سمعًا وطاعًا لربي وليك»55.
ثالثًا: التحلية بالسجع :
تميل الأبنية اللغوية الكلاسيكية إلى استخدام الحلى الكلامية لتزيين النص على نحو فيه مبالغة وإسراف، أما السجع56 فقد استعملته حكايات سندبار بحرص شديد، ويبدو أن الراوي كان يلجأ إليه كظاهرة لغوية تعينه على إلقاء النص بصيغة شفاهية، وخاصة أنه يجاري عاطفة قائله، ويثير نفس سامعه، ويمكن تصنيف فقرات السجع في نماذج الدراسة وفق التصنيفات المنهجية لظاهرة الإتباع Reduplication والذي يعني أن الكلمة الثانية تابعة للأولى على وجه التوكيد لها، حيث تتبع الكلمةُ الكلمةَ، على وزنها ورويها، إشباعًا وتأكيدًا57 ونفس المعنى يطلق عليه جروسمان «مسكوكات لغوية» «מטבעות לשון» ويصفها بأنها تستعمل عادة في لغة الحديث بشكل أكثر من استعمالها في اللغة المكتوبة، وهو يتبنى التعريف القائل بأنها عبارة عن تتابع من الكلمات التي تميل دائمًا إلى الظهور كل كلمة بجانب أختها، وبشكل متتابع ومحدد دائمًا58 ومن نماذج ذلك في صيغ الدراسة:
«وما نظر فيها بنظره، عقبت عليه بالف كدره وحسره»59.
كدره>< حسره
ومن ذلك أيضًا:
«سبعه وزرا صاحبين راي وتدبير وامر مُشير»60.
جاء الإتباع في كلمات تدبير>< مشير
ومن ذلك أيضًا:
«وحين كلَت الناس وشربت وفرحت وشافت بِريعه الدى الناس الكُل فرحت وزهَت»61 .
جاء الاتباع في كلمات شربت>< فرحت >< زهَت
ومن ذلك ايضًا:
«تابت دخل الصيد لاكن لا وصل لحدودها ولا كلَ من اثمارها»62 .
جاء الإتباع في كلمات حدودها>< اثمارها
أما إذا جاءت صورة الاتباع مشتملة على أكثر من تابع فيعرف بالاتباع المتعدد، وهو أن يأتي بلفظين بعد المُتْبَع كقولهم «حسنٌ بسنٌ قسنٌ»63 ومثال ذلك في صيغتي العربية اليهودية
«ودخلت بيه لغابه كلحا قفرا تعسا غبرا خاويه صحرا»64 .
كلحا قفرا >< تعسا غبرا >< خاويه صحرا
ومن ذلك أيضًا نجد تكرار الفكرة فيقول الشاهد
«نهِب مالي وسعيتي وراسي ودمي للملك»65.
مالي وسعيتي >< وسعيتي وراســي
كذلك نجد تكرار الفكرة في
«ولاكن اشكون في اجواري بوك الدي هيَ خير منّي واصــغر منّي واجمل منّي لم توجد متلي»66.
خير منّي >< اصـــغر منّي >< اجمل منّي.
وقد يكون الاتباع مصحوبًا بسجع في حرف أو أكثر، ومن بين شواهد السجع التي نجدها بين ثنايا صيغ الدراسة ما حاولت الدراسة تبويبَه على النحو التالي:
اتفاق الفواصل:
وهو توافق الفاصلتين من النثر على حرف واحد أو أكثر، من ذلك قوله «فقام عينيه للسما وبسط يديه وطلب ربنا»67 .
وفيه جاء توافق الفواصل في: قام عينيه للسما >< بسط وطلب ربنا.
وربما كان اتفاق الفواصلِ بكلمةٍ بحيث يمكن أن تستبدل الكلمةُ الثانيةُ بكلمة أخرى، ويمكن أن تأتي في سياقات متعددة، من ذلك قوله «وقعدت الخديمه ساعه ساعه ترحي بالرّحا، والمرا ترش الما بالمصلحه»68.
وفيه جاء توافق الفواصل في: ترحي بالرحى >< ترش بالمصلحة.
تماثل الحروف:
ونقصد به هنا تماثل الحروف سجعًا بين كلمتين يفصل بينهما فاصل، وهو ملمح كثير التردد نسبيًا مقارنة ببقية الملامح اللغوية، وفيما يلي حصر لمواضعه في صيغ الدراسة:
«وحبلت واحدة منهم الى ان عدَت مدتها وليالي عدتها»69.
جاء تماثل الحروف في كلمتي: مدتها >< عدتها
«ونظرو في طالع الكتاب، وعملو الخط والحساب»70.
جاء تماثل الحروف في كلمتي: الكتاب>< الحساب
«وطلو على القافيه والأسباب، وعملو كل ترتاب»71.
جاء تماثل الحروف في كلمتي: الأسباب>< ترتاب
«الولد لما طلع قدام ابوهُ وبداو العُلما ينشدوهُ»72.
جاء تماثل الحروف في كلمتي: ابوهُ >< ينشدوهُ
«ويسمع في صوت نحيف ينسمع بالسيف»73.
جاء تماثل الحروف في كلمتي: نحيف >< بالسيف
التجاور متماثل الدلالة.
وفيه تأتي كلماتٌ متعاقباتٌ تحمل دلالاتٍ متقاربةً وذات إيقاع صوتي واحد، وحصره في صيغ الدراسة على النحو التالي:
«شاف السّلطان وجبد ورعد وقام وقعد»74 .
وجاء التجاور متماثل الدلالة في كلمات:
جبد >< رعد >< قعد
« سبب غيّاري ونكدي وتنهيدي»75 .
وجاء التجاور متماثل الدلالة في كلمات:
غياري >< نكدي >< تنهيدي
«وحين سـفر راجلها ...قعدت رايضه لا غسلت، ولا زَيّنت، ولا بدلت»76.
وجاء التجاور متماثل الدلالة في كلمات:
غسلت ><زينت>< بدلت
«فَشبحها واحد عاجب ...حتى مرض بحبها ورقد ف[ي]-[ا]لفراش بعشقها»77
وجاء التجاور متماثل الدلالة في كلمات:
مرض بحبها ><رقد ...بعشقها
وما تُقتُلـشي الفريد ابنك الوحيد78
وجاء التجاور متماثل الدلالة في كلمات:
الفريد ><الوحيد
التجاور متناقض الدلالة:
وفيه تأتي الكلمات المتجاورة تحمل دلالات متناقضة، ومن ذلك قوله:
«ووقع عليها بضرب خايب وصايب»79
وجاء التجاور متناقض الدلالة في :
خايب >< صايب
ومنه أيضًا: «يا سيدي، جوادي داسر وجوادك عابر»80
وجاء التجاور متناقض الدلالة في :
جوادي داسر >< جوادك عابر
وحين سافر راجلها دَخلت ...ولا خرجت من باب دارها81.
وجاء التجاور متناقض الدلالة في :
دخلت >< خرجت
هكذا كشفت لنا صيغ حكايات سندبار بين الحين والآخر عن خلفية صياغته الشفاهية، ويبدو أن استخدام السجع في النص النثري أمرٌ محببٌ للإلقاء الشفاهي، حيث يستدعي السجع للأذهان بيئة الإلقاء الشفاهي التي انطلقت منها حكايات سندبار.
رابعًا: التحلية بتكرارية العبارات الشفاهية
لما كانت الدراسة معنية بالإشارات العربية، يكون لزامًا عليها - عند تناولها للعبارات الشفاهية - أن تقصر الحديث على النصوص المكتوبة بالعربية اليهودية، التي تتبدّى فيها تلك العبارات في صيغتي العربية اليهودية، وأهم ما يميز العبارات الشفاهية تكراريتَها في النص الأدبشعبي بشكل عام، كونها تختبر قوة ذاكرة الراوي، بل ربما أعانته على التذكر82 أضف لذلك قدرتها على إكساب الحكاية قدرًا من الإمتاع السمعي، فتكرار الكلمةِ أو العبارةِ، كونُها قيمةً ثابتةً – على حد تعبير بروب - يدفع إلى التأثير العقلي لتأكيد حقيقة ما أو فكرة بعينها83.
ونحن لا يمكننا تخيل الرسالة الشفاهية بعيدًا عن مرسل(راو) ومستقبل(جمهور المستمعين) ونحن نستدل على وجود الراوي من خلال التطعيم بالعبارات الشفاهية، ومنها ظهور شخصية الراوي الذي تعتبره ساندرا ناداف القطب الثاني لزمن القص ويشكل هو والزمن فعل القص ذاته84 ويمكننا أن نستشف هذه الشخصية من خلال جميع عبارات الفواتح والخواتم التي حاول الراوي – من خلالها - نقل المتلقي من زمن الحال إلى زمن الماضي البعيد، ويختصر الراوي الفاتحة في الصيغتين فيجعلها «جرى في بلاد الهند»85 في حين أطال وأفاض في الخاتمة فجاءت خاتمة «وفي هاك الوقت بعت السّلطان وجاب سندبار بالامان وتصفّت القلوب على الوفا والكمال، وبعد تلمّت العُلما والمشايخ وبقَوي نشدو في الولد، ووجدوهُ سيد العارفين. في الحين عطى السّلطان لسندبار الدي طلب من لسانهُ وزادهُ الاحسان، وعطى لولدهُ السلطنه في قايم حياتهُ. وهادا الدي راو المستنجمين على الولد اش يصير، وقعدو الكل من الامنين.وهادا ما بلغنا من الحكايه على التفصيل وستغفر الله العظيم»86وهنا نجد العبارات الشفاهية تعيد الراوي إلى السرد، كونها أدوات تربط بين أحداث الحكاية، ونميل إلى الاعتقاد بتكرارية هذه العبارات الشفاهية في جميع النصوص الأدبشعبية التي تعود إلى الفترة من القرن السادس عشر حتى القرن العشرين.
وفيما يلي حصر بالعبارات الشفاهية التي تتكرر في الصيغتين، مع بيان هدف ومقصد كل عبارة:
م | مجال العبارة الشفاهية | نص العبارة الشفاهية |
1 | عبارات الحسن والجمال | ونظر مراه دات حسن وجمال وبها وكمال وقد واعتدال87 |
يوم من دات الايَّام هوَّ متعدّي ونظر في مراه كانتَ البدر إِدا بدر ليلة أربعة عشر، ولما نظر فيها بنظره عقبت عليه بالف كدره وحسره88 | ||
«ويلقى طفله كانها البدر اِدا بدر ليلة اربعة عشر»89 | ||
2 | عبارات الحب والعشق | ومحبتك دابغها في قلبي90 |
2 | عبارات الخطبة والزواج | «وعيّط بافصح لسان: يا اهل الحاضرين، هل تعلمو ببنت جليله جميله الدي تقتَضي دات ولدي وحشاشة كبدي؟»91 |
«من حضرة الملك فلان اِلى حضرة الملك فلان، هدي هديتنا ليك واحنا ليك هديّه، وقدرك يسوى الدنيا بما فيها، اتيتك خاطب راغب في الجوهره المكنونه والدره المصونه، الحسبيّه النسبيّه بنتك، تتكرم بيها عليَّ لتكون جوزة ولدي قرة عيني. والسلام ختام»92 | ||
«من حضرة الملك فلان اِلى حضرة الملك فلان، هادي هديّتنا ليك، واحنا ليك هديّه، وانتِ قدرك يسوى الدنيا بما فيها، والمطلوب منك اتيتك خاطب راغب في الجوهره المكنونه والدره الموصونه الحَسَبيه النَسبيِّه بنتك تتكرّم بيها عليّا اِلى ولدي قرّة عيني»93 | ||
3 | عبارات التوسل والرحمة | «لم تجعل94 بقتل ولدك وحيدك، واتمهل حتى نحكيلك95 و[ا]تمرغدت بين رجلَي[ـه]»96 |
4 | عبارات النجاة والأمان | «لم ينقتل الولد، تم رجعوهُ في الامن والامان لا ظلمًا ولا عدوان»97 |
5 | عبارات احتفالية: | «وعقدو العقد وسرعو في الانشراح والانفراح والايّام والليالي الملاح، وتعدَّت ايّام معتبره وليالي مشتهره الى ليلة العرس»98 |
6 | عبارات العفة | يجدها قدحه حليب ما دب عليها دبيب99 |
مما سبق نستخلص أنه رغم الأصول غير العربية لحكايات سندبار إلا أن صيغ الحكايات الناشئة في بيئات عربية وإسلامية، تشربت بعض خصائص المجتعمات العربية، وهي خصائص باهتة بالكاد يمكن تلمسها، ولذا أطلقنا عليها «حُلى»، ومَرَدُ ذلك - تشبث جميع صيغ سندبار محل الدراسة بالإطار العام للحكايات، والحرص على الأفكار الرئيسة التي كانت مهيمنة – على ما يبدو – على الأصل أو الأصول الأولى لها، فَعِقْدِ الحكايات لم تنفرط حباته، التي حافظ على معظمها في جميع الصيغ محل الدراسة.
إن الرواة اليهود – عندي – لم يقوموا برواية حكايات سندبار من منطلق ديني، وقومي، ولكنهم رووها من منطلقات ثقافية-شعبية، تلك الثقافة التي كانت سائدة في بيئاتهم العربية بشكل عام، والمغاربية، على وجه الخصوص، بعيدًا عن العرق والدين واللون، مما يسر علينا تلمس تلك الحُلى ذات السمت العربي والإسلامي في حكايات وردت على ألسنة رواة يهود، وكتبت بمداد أقلامهم، وهي حُلى ذات أبعاد لغوية وثقافية شعبية ومجتمعية ودينية.