فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

عصر فارق.. بين البدائية والحضارة

العدد 63 - لوحة الغلاف
عصر فارق..  بين البدائية والحضارة
مملكة البحرين

 

أضحى القول بأنّا نعيش عصراً فارقاً، قولاً مبتذلاً، فكلنا يعي فارقية هذا العصر الذي تسوده أرقى التكنولوجيات؛ من أجهزة، وذكاء اصطناعي، ووسائل تواصل اجتماعية، وعملات رقمية.. وربما قريباً العيش في عوالم «الميتافيرس». فعن أي الجوانب الفارقة نتحدث؟

لنترك كل تلك القفزات الكبيرة جانباً، ولننظر لفارقية عصرنا من جانبٍ آخر؛ فربما الأجيال الحالية هي الأجيال الأخيرة التي سيتسنى لها العيش في عالمٍ توجد فيه مجتمعات بدائية تعيش وفق نمط عيشها التقليدي، سواءً تلك التي تقطن الأمازون، كما في صورة غلافنا، حيثُ تشارك هذه المجموعة من السكان الأصليين في «مهرجان نوفا بتروبوليس الدولي للفولكلور» في البرازيل، أو بابوا غينيا الجديدة، أو بعض مناحي أفريقيا وآسيا... فهذه المجتمعات تعيش أزمنتها الأخيرة ما قبل الأفول، فعاجلاً أو في الآجل القريب، ستلتحق بالحضارة، هاجرة حياتها التقليدية.

الحديث عن «البدائية» و«الحضارة» هنا، ليس حديثاً معيارياً أو ذا صبغة قيمية؛ فالحضارة لا تعني الرقي الأخلاقي والتحضر القيمي، كما لا تعني البدائية الانحطاط والهمجية، فتلك مفاهيم نسبية، إنما نستحضرها كتوصيف لواقعين مختلفين؛ فأما «البدائية» فتشير إلى الشعوب التي تعيش واقعها وفقاً لأنماط الحياة التي عاشتها أسلافها، ولم تدخل بعد في النسق المسمى «حضارة». فقد شهدت الإنسانية، منذُ آلاف السنين، انزياحاً مستمراً من البدائية إلى التحضر، وقلما نرى العكس، إلا على صعيد التوصيفات المتعلقة بالمعايير الأخلاقية والقيمية التي تستخدم على سبيل التوصيف.

إن سرعة التطورات التكنولوجية التي شهدتها الإنسانية في العقود الأخيرة، إلى جانب إمكانية الوصول التي أتاحها الإنترنت، سرعت من العولمة، جاعلة العالم، عالماً متشابهاً؛ ما يهدد بأفول الشعوب والمجتمعات التي تعيش نمط حياة بدائي، هذا النمط الذي عاشه الجامعون قاطفو الثمار من أسلافنا، والذي تجاوزته البشرية منذُ بدء الحضارة في الهلال الخصيب. ولهذا فإن الإنسان البدائي اليوم، يعيش حياة تبدو أمامها حياة الإنسان في وادي الرافدين قبل آلاف السنين، أكثر تحضراً، وذلك على صعيد أسلوب المعيشة وليس القيم الأخلاقية والرقي المعنوي بالطبع!

وتتمثل أهمية هذه المجتمعات والشعوب، في تمكين العلماء والباحثين من دراسة الأنماط التي عاشها أسلافنا، فهي بمثابة نماذج حية، تعكسُ الماضي السحيق. ولكن كيف يتسنى لهذه الشعوب أن تصد العولمة، وسهولة وصول أساليب العيش الحضارية، التي تشكل حياة أيسر - من حيث الظاهر - من الحياة البدائية الشاقة والمجهدة؟

بطبيعة الحال، ليس شرطاً أن تكون انتقالة هؤلاء البدائيين إلى الحضارة أفضل إليهم، لكن من الصعب الحكم في هذه المسألة، كما أنها تعد مسألة معقدة وإشكالية، وأخلاقية كذلك؛ فهل علينا نحن المتمتعين بالحضارة، أن نترك هؤلاء يعيشون بدائيتهم من خلال النأي بهم عنها؟ أم يتوجب بنا، أخلاقياً، إجبارهم على الدخول في الحضارة، لانتشالهم من العناء الذي هم فيه (كما نتصوره نحن عناءً!)؟

لا يمكن الخلوص إلى إجابة سهلة. لكن ما هو واضح بأنّا بفقدان هؤلاء سنفقد الكثير من المعارف التي قد تفوق معارفنا في بعض تفاصيلها، بالإضافة لفقدان الفنون، والحلول، وأساليب العيش التي تميزهم...

 

أعداد المجلة