عرض كتاب: فنون التشكيل الشعبي والمجتمع العربي
العدد 62 - فضاء النشر
صدر للفنانة التشكيلية الدكتورة «إيمان مهران» عن الهيئة المصرية العامَّة للكتاب، سلسلة «الثقافة الشعبيَّة» رقم18 لعام 2015م، كتابٌ ثري يحمل عنوان «فنون التشكيل الشعبي والمجتمع العربي. رؤية مستقبلية للتنمية». يقع الكتاب في225 صفحة من الحجم المتوسط. سوف نقرأ أهم ما جاء به، ونتوقف عند القضايَّا الحيوية التي عرضتها المؤلِّفة.
الفن هو إبداع الإنسان الناتج عن تفاعله مع الطبيعة من خلال حواسه. وفي الفنون التشكيلية كان الإرث الحضاري الذي يتركه الإنسان عبر تاريخه الطويل جزءاً من هذه الفنون. هذا، وتدل نشأة الفن مع الإنسان منذ بداية الحياة، كما يدل تطوُّر المضامين والأساليب الفنية على أنَّ الفن كان وما يزال جزءاً لا يتجزأ من تاريخ الإنسان وثقافته وتراثه، ومن هنا كانت إنسانية الفن، وكان طابعه العام المشترك، وكانت خصائصه التي هيأت لآثاره على اختلاف الأزمان والأوطان التي ظهرت فيها. أن تتجاوب دائماً مع النفس البشرية، فالفن لغة عالمية.
وقد حمل الفنان الشعبي في نفسه القدرة المُدهشة على الحذف والإضافة، ليخرج بشكل فني متوازن ومختلف يخدم المرحلة التي يعيشها، كما أنَّه يحمل في كل جزء من أجزائه، وفي كل شكل من أشكاله دلالات تعود لفترةٍ ما تمس حضارة بعينها.
وتؤكِّد المؤلِّفة ضمن ما تؤكِّد العلاقة الحميمة بين الواقع الاجتماعي والفنون التشكيلية الشعبية، بحيث يتضح أنَّ المنتج التشكيلي ما هو إلَّا انعكاس لرؤية المجتمع من خلاله يمكننا قراءة سلوكيات اجتماعية عديدة؛ فالفن الشعبي التشكيلي يُعبِّر عن قضايا حيوية بطريقةٍ سهلةٍ وبسيطةٍ يكشف فيها عن هدف يتجه إلى تحقيقه، ومعنى بارز يُريد صياغته ولفت الأنظار إليه من خلال خصائصه ورموزه، بمُعالجةٍ أمينةٍ ترتكز على روح الفنان ومنهجه ومبادئه وقيمه.
وعن البُعد الجمالي في الفنون التشكيلية الشعبية تخلص المؤلِّفة إلى أنَّ الفن التشكيلي الشعبي يقوم على مجموعةٍ مُتعدِّدةٍ من العناصر والأجزاء التي تؤلِّف معاً بعض القيم الجمالية التي تتلاقى وترتبط في وحدةٍ عضويةٍ شاملة. وكما أنَّ الفن التشكيلي الشعبي يعمل على زيادة مستوى الإبصار الجمالي العام أمام ناظريه، كما يعمل على إدراك العلاقات التشكيلية التي تمسك بزمام الأفكار والمعاني والموضوعات التي تصدى لها بالتعبير الممزوج بانفعالاته وتصوُّراته وملامحه الذَّاتية، إنَّه المزج بين الواقع والخيال الشعبي، وهو خلاصة التجربة الإنسانيَّة.
وفي فصلٍ مهمٍ للغاية تتطرَّق الكاتبة لقضية التراث المقدسي، وكيفية المُحافظة عليه في ظلِّ سياسة التهويد. فمدينة القدس التي يقول عنها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (سورة الإسراء 1). والتي يقع فيها المسجد الأقصى المبارك. تلك المدينة التي ظلت على الدوام مسرحاً للاحترام، وكانت عبر مسيرتها التاريخية والحضارية محط أنظار الغُزاة والطامعين. الآن هُوية القدس الشريف أصبحت مطمع الاحتلال الصهيوني الذي يحاول بشتى الطرق طمس معالم المدينة المقدسة، بغرض أن تبدأ ملامحها التراثية الخالدة في التلاشي، فتضيع مع الوقت خصوصية المدينة المقدسة.
وفي مدينة القدس هناك أهمية قصوى في توثيق هذا المخزون الضخم المنتمي للمعتقدات اليهودية والمسيحية والإسلامية، والذي يُعدّ مرآة لتسامح الأديان وتعاطف البشر مع أنبيائه مجتمعين؛ فالعادات والمعتقدات تنعكس على فنون الأداء والعروض والآداب والفنون التشكيلية الشعبية لتعطي لفنون القدس تشكيلات في هذه البوتقة التي عاشت فيها كل الأديان، ونشأت فيها المعتقدات جنباً إلى جنبٍ لتمنح لتلك المدينة خصوصية ليست لأية مدينة أخرى على وجه الأرض.
كما توجد في مدينة القدس الفنون التقليدية التي تعكس تطوُّر المجتمع وكم المخزون الذي يحمله، والذي ارتبط بالنظرة الجمالية للمكان، وبإمكانات الفنان الشعبي المقدسي المبدع، الذي نجح في التعبير عن مجتمعه وثقافته.
ولقد بدأت عملية الاهتمام بدراسة عادات الفلسطينيين منذ القرن التاسع عشر الميلادي عن طريق بعض المستشرقين. كما كان للباحثين العرب دور في الاهتمام بالفولكلور الفلسطيني أمثال«توفيق كنعان»(1888 - 1964م). كذلك قام مركز الأبحاث الفلسطيني بمحاولاتٍ لجمع التراث الفلسطيني. وقد حاولت المؤلِّفة وضع تصوُّر متكامل لتنمية الموروث الشعبي المقدسي، من خلال الآتي:
- تحسين أوضاع الحرفيين من خلال تدريبهم على صناعات صغيرة، ومحاولة إقامة ورش فنية لنقل الخبرات التقنية.
- فتح أسواق للمنتجات المقدسية من خلال الدعاية لها في المطبوعات والمعارض ووسائل الإعلام.
- التسويق السياحي للقدس العربية على الخريطة الدولية.
وهذا بالطبع يهدف إلى الحفاظ على ذاكرة القدس الشرقية وإحياء مظاهر قدتكون اندثرت ولكنها تسعى للقيام من جديد. ومن أجل تنمية الموروث الشعبي التقليدي للقدس لابدَّ من التعاون مع الجهات الدولية المعنية بالثقافة وحقوق الإنسان بحيث يكون الهدف الأساس هو وقف التهويد الصهيوني.
كما أبرزت المؤلِّفة دور منظمات المجتمع المدني بالعالم العربي في تنمية الموروث الشعبي المقدسي كمدخل للحفاظ على الهُوية، وذلك من خلال:
- مد القنوات والشبكات التلفزيونية بمواد فيلمية عن الموروث المقدسي.
- التعريف بالشخصية والهُوية المقدسية، وتوثيق الموروث المقدسي.
- تنمية الحرف اليدوية المقدسية على نطاق واسع، والتي يمكنها جلب أموال تدعم المقدسيين نفسيّاً ومادياً.
ولما كان دور منظمات المجتمع المدني بالعالم العربي في تنمية الموروث الشعبي المقدسي يُعدُّ مدخلاً للحفاظ على الهُوية، لذا يجب البدء في العمل على اتخاذ بعض التدابير للعمل المشترك من داخل وخارج القدس المحتلة لتنمية الموروث التقليدي المقدسي، والحفاظ عليه، والتعريف به، من خلال:
- المحافظة على أسماء الأحياء والأماكن العربية بمنطوقها الفلسطيني.
- المحافظة على وجود اللغة العربية في كافة مناحي الحياة اليومية المقدسية.
- المحافظة على إقامة الاحتفالات الشعبية التي ميَّزت القدس على مرِّ تاريخها مهما كانت الضغوط الاستيطانية.
- إطلاق موقع إلكتروني بعدة لُغات لعرض المادة الفولكلورية والتعريف بالفنون الشعبية المقدسية.
- وضع خطط متكاملة لترويج المنتج الثقافي الشعبي الفلسطيني.
- الترويج السياحي للمواسم الدينية بالقدس، وهو ما سيلفت النظر لأهمية فك حصار القدس واحتفاظها بخصوصيتها الشرقية العربية، وإنهاء السيطرة الأمنية الإسرائيلية على منافذ المدينة.
- دعم طباعة ونشر دراسات وكتب ومنشورات عن الموروث المقدسي.
- تأسيس الأرشيف القومي للفولكلور المقدسي.
وفي فصلٍ آخر من فصول الكتاب الثرية، تتطرَّق الكاتبة إلى فنون التشكيل الشعبي وقضايَّا التنمية في عالمنا العربي. فالتنمية هي النموّ المدروس على أسس علمية، سواء كانت تنمية شاملة ومتكاملة، أو تنمية في أحد الميادين الرئيسة، مثل:الميدان الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي. والتنمية بطبيعة الحال لا تخرج عن كونها تغييرات مقصودة تقودنا إلى الانتقال من وضعٍ غير مرغوب فيه إلى وضعٍ آخر أفضل بمعدلاتٍ سريعةٍ دون الإخلال بالكفاءة الإنتاجية.
وتنمية الحرف التقليدية هي عملية تهدف للدفع بمنظومة العمل اليدوي الحرفي من خلال وضع منهج يعتمد في آلياته على رفع مستوى الفنان الحرفي تقنياً وتنمية مهاراته، كما تعتمد تنمية الحرف التقليدية على تنمية منتجه الحرفي التقليدي باتخاذ مجموعة من الإجراءات:كتطوير آليات العمل، وربط المنتج بطلبات وآليات السوق المتغيرة، وكذلك وضع مجموعة من التشريعات القانونية تحمي المنتج، وتحافظ على حقوق العاملين فيه.
وهناك العديد من المشكلات التي تواجه تنمية الحرف التقليدية في العالم العربي، سواء على مستوى سوء التسويق، وهو ما يجعل هناك عشوائية في الطلب عليها، والتوسع في إنتاجها دون وجود تخطيط. كذلك تحوُّل الحرفيين التقليديين إلى مهن أخري تدر عليهم دخلاً كبيراً، وأيضاً تراجع الآباء عن نقل الحرف التقليدية للأبناء. . وغيرها من المشكلات.
ولم تكتف المؤلِّفة بسرد مجمل المشكلات، بل راحت تضع تصوُّرات أو حلولاً عملية وعلمية، لحلِّ مثل هذه المشكلات، وهي كالتالي:
1. تحسين وضع الحرفي وذلك عن طريق رفع قدراته ومهاراته وكفاءاته الأدائية.
2. وضع الحرفي الذي يقوم بعمل يدوي فني في مرتبة اجتماعية لائقة، بحيث يبدأ الإعلام في تبني سياسة ترمي إلى رفع شأنه واعتباره ثروة قومية، وحرفته التي يقوم بها ما هي إلَّا جزء من تاريخ مجتمعه، وهو تاريخ قومي حي.
3. تحسين وضع الحرف نفسها من خلال تأسيس نقابة عُمالية فنية للحرفيين ، وإقامة ورش بشكلٍ مكثف لنقل الخبرات التقنية، والتوسع كذلك في التعليم والتدريب الحرفي.
4. فتح أسواق للمنتج من خلال الاستفادة من الأبحاث العلمية في المجالات المرتبطة بالخامات، وتحسين جودة المنتج، وابتكار تصميمات حديثة، والدعاية له في المطبوعات والمعارض ووسائل الإعلام.
ويلزم لتوجيه العمل العربي المشترك في مجال الحرف التقليدية، وضع خطة عمل مشتركة بين حكومات الدول العربية، بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني، بحيث تعتمد الخطة على التالي:
- توعية المجتمع العربي بالدور الحيوي الذي يقوم به الحرفي ضمن المنظومة المجتمعية، وذلك عن طريق وسائل الإعلام.
- التنسيق العربي المشترك في التسويق للمنتجات الحرفية، والعمل على خلق مجالات تسويقية أكثر اتساعاً وتداولاً للمنتجات اليدوية حتى يمكن تعزيز فرص العمل اليدوي في العالم العربي.
- العمل على ربط الأصالة بالحداثة حتى لا يضيع عمق التراث، مع إعادة استخدام منتجاتنا التقليدية بشكلٍ يُناسب الحداثة، وإعادة طرحها بما يتلاءم وحاجة المستهلك المحلي.