فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
62

تاريخ الموسيقى في سلطنة عمان: مقاربات دينية ومقارنات تاريخية

العدد 62 - موسيقى وأداء حركي
تاريخ الموسيقى في  سلطنة عمان:  مقاربات دينية ومقارنات تاريخية
كاتب من مصر

 

المصادر العُمانية المكتوبة هي أهم مصادر مرحلة عُمان الإسلامية الموسيقية (الكتب التاريخية، والفقهية.. الخ)، وكتابات الرحالة الأوروبيين، والتسجيلات السمعية التي ظهرت حوالي منتصف القرن العشرين، وروايات الموسيقيين العُمانيين التي تمدنا ببعض البيانات تصل إلى حوالي القرن التاسع عشر الميلادي (الكثيري، مسلم بن أحمد: البلاد السعيدة .. قراءة في تدوينات برترام توماس الموسيقية، مجلة نزوى العدد 75. 2013 ص 13) وتفيدنا المصادر التاريخية المكتوبة التي اطلعنا عليها ببيانات متنوعة عن دور ومكانة الموسيقى في النشاط الاجتماعي والثقافي تعود لفترات زمنية مختلفة، وفي الغالب نجد هذه البيانات في تلك المصادر عند الحديث عن الوقائع العسكرية بين القوى المتصارعة وأنواع الاحتفالات والحشد والاستعداد للهجوم على الخصم. وقد كانت «الأحداث العسكرية والصراعات السياسية على الدوام موضوعاً أساسياً من موضوعات الغناء والشعر (الكثيري، مسلم بن أحمد: الموسيقى العُمانية مقاربة تعريفية وتحليلية، إصدار مركز عُمان للموسيقى التقليدية عام 2005. ص 48)»، لهذا تحتفظ عدد من القبائل العربية العُمانية بعدد من الآلات الإيقاعية وأبواق مصنوعة من قرون حيوانات المها أو الوعول تستعملها في تلك الظروف لأداء الرزحة والعازي والعيالة، والمناداة إلى الاجتماعات والإعلانات عن الأمور المهمة من قِبل الحكام من الولاة وغيرهم. وفي محافظة مسندم شمال عُمان يحرص الكثير من الأفراد على الاحتفاظ في منازلهم بطبل أو أكثر من نوع طبل العود (الطبل الكبير) ويمارس العزف عليه في أنواع غناء الرواح.

يتناول كتاب الأستاذ وليد النبهاني الجديد (من تاريخ الموسيقى في عمان) الصادر عن مؤسسة عمان للصحافة والنشر والإعلام، جمعاً وتصنيفاً وتحليلا للجهود الأولى في الاهتمام بالموسيقى العمانية. وعلى حد وصف مؤلفه: «إن هذا الكتاب ليس إلا رسالة صغيرة اقتطفت ما يمكن الوقوع عليه من المصادر والمراجع العمانية والعربية والأجنبية، وبالتأكيد فإنه لا يمكن التوصُّل إلى تأريخ شامل ومستوف للموسيقى عند أهل عمان في رسالة بهذا الحجم، فقد تجنبت الإشارات الكثيرة التي وجدتها في بعض كتب الرحلات التي سجلت بعض المظاهر الموسيقية في عمان». لم يُسلِّط الضوء في الواقع على تأليف خاص في الموسيقى العمانية، وبينما قامت محاولات سابقة لتنظيم النصوص المؤرخة للموسيقى في عمان من مصادرها الأدبية والتاريخية والفقهية وبشكل خاص تجربة الباحث الموسيقي مُسلم الكثيري التي بدأها بكتابه (الموسيقى العمانية، مقاربة تعريفية وتحليلية) التي يشير فيها إلى المشكلة الأبرز: «إن المصادر التاريخية العمانية قد ركَّزت جل اهتمامها على النشاطات السياسة والعسكرية، وذكر بعض الآلات الموسيقية واستعمالاتها جاء متناثراً في صفحاتها، مقترناً بسياق الأحداث، جعل من محاولات جمعها ودراستها عملية عسيرة، وقد تستغرق العديد من السنوات». (مسلم بن أحمد الكثيري، آلة العود في الجزيرة العربية دراسة تاريخية، مجلة نزوى، ع57، يناير2009، ص151-163). 

وقد يكون الفكر السياسي والفقهي التقليدي لم يستوعب الموسيقى والفنون عموماً «فوضعها في خانة (اللهو واللعب) باعتبارها مظهرا من مظاهر الترف المنبوذ.» (مسلم بن أحمد الكثيري. الموسيقى العمانية، مقاربة تعريفية وتحليلية. ص47) هذه المسألة التي تدعمها بعض المواقف والشواهد التاريخية في المصادر العُمَّانية الأصل وقصة الصحابي مازن بن غضوبة التي تحمل الملامح الأولية لتراث فكري عقائدي أسس للموقف المتجذِّر الذي تبناه فيما بعد عدد من مشايخ الإسلام العمانيين المتهيبين من الموسيقى، فَصُنِّفت لديهم كَلَهْو محرم أو مكروه في أفضل الأحوال، ومنها نصوص الإمام جلندي بن مسعود –أول إمام نُصًب في عمان، والأبيات التي تنتسب إليه في التقشف، ونهي الإمام الصلت بن مالك قادة جيوشه في حملة نجدة أهل سقطرة عن أن يكون في مجلسهم من اللهو أو اللعب. وللكثيري دراسة أخرى بعنوان (آلة العود في الجزيرة العربية.. دراسة تاريخية) ركَّز فيها على آلةِ العود كأهم الآلات الموسيقية العربية على مر الزمان، وسَعَى في هذه الدراسة إلى إبراز (السياق التاريخي والحضاري لآلة العود ودورها في غناء أهل الجزيرة العربية) (مسلم الكثيري. آلة العود في الجزيرة العربية، دراسة تاريخية. مجلة نزوى. ع57. يناير2009. ص152).

ومن أبرز أعمال مُسلم الكثيري التي تؤرخ للموسيقى في عٌمان دراسته (مدخل إلى التأريخ للموسيقى العمانية) التي يقترح فيها تقسيم المراحل التاريخية للموسيقى في عمان إلى:

1.    مرحلة عمان القديمة، منذ أقدم العصور حتى نهاية العصر الجاهلي وظهور الإسلام.

2.    مرحلة عمان الإسلامية، منذ قيام أول إمامة إباضية في عُمان في عهد الجلندي بن مسعود وذلك سنة 132 هجرية، وحتى قبل عام 1970 الميلادي. 

3.    مرحلة عمان الحديثة، وتبدأ مع تولي جلالة السلطان قابوس مقاليد الحكم في عُمان عام 1970 الميلادي. 

وأهم هذه المراحل هي المرحلة الثانية، إذ تبلورت فيها الثقافة الموسيقية على أرض عُمان بتوجهاتها الإباضية، بالرغم من شُح البيانات المتوفرة في هذه الفترة عن الموسيقى العُمانية: «فالموسيقى لم تكن من اهتمامات المؤرخين العُمانيين إلا من زاوية واحدة وهي التحذير من ممارستها». (ألقيت هذه الدراسة ضمن أعمال الملتقى الأول للمؤرخين الموسيقيين العرب والذي عُقد في مسقط، ديسمبر 2014م، ونشرت في جريدة الوطن العُمانية بتاريخ 11يناير2015). وبسبب أن إشكالية نقص المصادر هي الأوضح في مسألة تأريخ الموسيقى في عُمان، فقد ناقش وليد النبهاني في البابين الثاني والثالث من كتابه (من تاريخ الموسيقى في عُمان) بعض النصوص التي يمكن الاستدلال عليها في تاريخ الموسيقى العُمانية. هذه النصوص التي تعود في الأساس إلى المرحلتين الأولى والثانية من المراحل التاريخية التي حدَّدها مُسلم الكثيري كتقسيم للموسيقى فى عُمان آنفا. لكن ما رآه النبهاني أكثر خطورة من شُح المصادر التاريخية في هذا الصدد النشيد الوطني العُماني والذي ينتمي إلى المرحلة الثالثة من التصنيف سالف الذكر، «والذي لم يُكتب حتى الآن –بحسب علمي- بشكل يتقصَّى الفترات التي سبقت السلام السلطاني الحالي والذي يعد نشيد سلطنة عُمان الوطني.» (وليد النبهاني. من تاريخ الموسيقى في عُمان، إشكاليات ونصوص، كتاب نزوى –مؤسسة عمان للصحافة والنشر والاعلان، ص20). 

حدد المرسوم السلطاني رقم 53 لعام 2004 عدد كلمات النشيد الوطني، أي السلام السلطاني الذي يُمثِّل نشيد سلطنة عمان الوطني وبدأ ترديده في بدايات حكم السلطان قابوس في سبعينيات القرن الماضي، ويكتنف الغموض مؤلفه حتى يومنا هذا. وقد ذكر الأستاذ توفيق عزيز في حوار تليفزيوني معروض رواية تتعلق بظهور أول نشيد وطني لعمان في عام 1869م حين دُعي سلطان عمان لحضور حفل افتتاح قناة السويس وكان لابد من عزف النشيد الوطني العماني أسوة بالدول الأخرى التي حضر ملوكها ورؤساؤها حفل الافتتاح. «وهكذا نشأ أول نشيد وطني لعُمان بحسب هذه الرواية!» (عبد الرازق الربيعي. من كتب السلام السلطاني؟ مقال نُشر بتاريخ 27 مارس 2014 في صحيفة أثير الإلكترونية). بيد أن ثورة الإمام عزان بن قيس قد أحكمت قبضتها على مسقط ونواحيها قبل افتتاح قناة السويس بعام (أواخر عام 1868 تقريباً) وعلى إثرها فر سلطان مسقط سالم بن ثويني إلى بندر عباس. «وليس بين أيدينا ما يؤكد أن وفداً عمانيا حضر افتتاح القناة إن كان برئاسة الإمام، أو غيره، كما أن عصر الإمام عزان (1868 - 1871م) رغم قصره قد شهد ما يمكن وصفه بتراجع حريات التعبير لا سيما للجاليات الهندية في مسقط، والتي كان بعضها يستخدم الأجراس والطبول في الاحتفالات الدينية. (محمد بن عبد الله بن حمد الحارثي. موسوعةعمان: الوثائق السرية (1471/1). وفرض الإمام طائفة من الممنوعات على جميع السكان في مسقط لم تقتصر على الخمر والتبغ، بل تعدتها إلى الموسيقى والاستماع إلى الأغاني. ويرجع لوريمر أسباب ذلك إلى الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي الذي أضفى على حكم الإمام «طابعا دينيا مسرفا في التعصب» (ج. ج. لوريمر. دليل الخليج: القسم التاريخي (2/747، 748) هذه المسالة التي تعود بنا إلى نموذج غياب الخط الفاصل بين الإسلامي والقومي في تركيا لدى الشاعر محمد عاكف أرضوى (1873 - 1936) مؤلف النشيد الوطنى التركى (نشيد الاستقلال)، الذى يستخدم في كلماته بعض المفردات التى تعدها التيارات الإسلامية العربية محرمات كبرى، ومنها على سبيل المثال عبارة (عَرَقي البطل) التي تغيب عن كثير من الترجمات العربية، ولكنها واردة في ترجمة رئاسة الجمهورية التركية:

(ابتسم لعَرَقي البطل! 

ما هذه الهيبة، وذاك الجلال؟ 

وإلا لن تصبح دماؤنا الزكية لك حلال. 

من حق أمتي التي تعبد «الحق»، الاستقلال). 

وبالرغم من ذلك ، استخدم الشاعر عبارات، أبرزت قيماً إسلامية، كما ورد في الشطر الأخير من المقطع السابق، وهناك غيره الكثير والقيم الإسلامية لم تغب عن كثير من قصائده الأخرى، ففي هذا المقطع- على سبيل المثال- يتحسَّر الشاعر على فقدان الدين ألقه: 

(أه، أين ذاك الدين، 

دين العزم والثبات، 

دين الأرض النازل من السماء، دين الحياة؟ 

ما هذه التقاليد الضيقة والمكررة؟ 

هل قلت إنه الإسلام؟ أستغفر الله، ولو!) 

(النشيد ترجمة عبد القادر عبد اللي، الأدب الإسلامي التركي فى عصر الجمهورية، مقال منشور في مجلة الدوحة، ص 90، العدد 104، يونيو2016).

العاصمة مسقط وهي المركز السياسي والاقتصادي الذي تُدار منه الدولة منذ أكثر من قرنين تشكل ملتقى هذا التنوع الثقافي الموسيقي حيث تجتمع فيها كل أنواع الموسيقات العربية الجذور الأفريقية والآسيوية. لذلك كلما اتجهنا من العاصمة مسقط بمحاذاة ساحل بحر عُمان شمالاً تزداد مؤشرات العناصر الثقافية الأسيوية في المقابل تبرز العناصر الأفريقية جنوباً على طول ساحل بحر العرب باتجاه ظفار واليمن، فيما تختفي تدريجياً هذه العناصر الثقافية جميعها في المناطق الداخلية والصحراوية. إن هذا الواقع الثقافي الثري لا يزال بحاجة إلى الكثير من الجهد لتقييمه، وفي هذا السياق نلاحظ أن معظم الفنون الموسيقية ذات المنشأ الأفريقي انصهر أدبها في اللغة العربية، ولم يبق من لغاتها المحكية وشعرها المغنى إلا القليل المتوارث لا يفهم معناه في أغلب الأحيان، ولكنها مع كل ذلك تحتفظ هذه الموسيقات بروح إيقاعاتها الأفريقية النشطة وبعض سلالمها النغمية وآلاتها الموسيقية، وتمارس في مناسبات مختلفة يتصل بعضها برواسب ثقافية غيبية قديمة تحرص هذه المجموعات الزنجية على استحضارها باعتبارها توفر مناخات معينة تشكل جزء أساسيا من مناسبات الأداء. في المقابل نلاحظ أن الفرع الآسيوي متعدد اللغات، وتتكئ فنونه الغنائية على أدب مكتوب (وغير مكتوب) متصل الجذور مع الثقافات الآسيوية في جنوب غرب آسيا وخاصة منطقتي بلوشستان ومكران وإيران والهند. وبشكل عام نعتقد أن الصلات العُمانية مع آسيا الغربية (الهند وفارس) أقدم من تلك التي مع الشرق الأفريقي حيث تبادلت هذه الأطراف الهجرات السكانية في فترات زمنية مختلفة، إضافة إلى أن القوى الكبرى النشطة في المنطقة مثل: فارس والهند وعُمان تبادلت عبر القرون الماضية السيطرة على المناطق الساحلية المطلة على بحر عُمان والخليج العربي، وكانت عُمان في بعض فتراتها التاريخية تتصل بالهند براً عبر منطقة جوادر البلوشية التابعة لباكستان اليوم. وفي هذا السياق اخترنا ثلاث محافظات عُمانية للمقارنة بينها بهدف استكشاف الصلات الثقافية لعدد من فنونها الموسيقية المميزة المحلية الجذور والآسيوية والأفريقية. فوجدنا أننا أمام تنوع ثقافي واضح المعالم متجذر في الواقع الاجتماعي للمحافظات المطلة على بحر العرب وبحر عُمان، ولعل من الأهمية في هذه المناسبة التأكيد على أن مفهوم الهوية الثقافية لهذا الواقع العُماني المتنوع يقع تحت مظلة اللغة العربية، والثقافة الإسلامية بخصوصيتها العُمانية، وفي هذا الإطار تحتفظ المجتمعات المحلية بهوياتها ولغاتها المحكية والمكتوبة ولهجاتها المختلفة وأنماطها الموسيقية وآلاتها المستعملة وغير ذلك من أنماط الحياة والفنون التقليدية.

الآلات الموسيقية المعروفة في التراث الموسيقي العُماني تصنّف في ثلاث عائلات رئيسية هي: الإيقاعية والوترية والهوائية، حيث تشمل: 

1)     الآلات الوترية: 

آلة العود الذي يعتبر استخدامه في الموسيقى التقليدية العُمانية قليلاً، فنجده في القوالب الغنائية مثل «الصوت» بنوعيه الشامي والعربي، كما نجده أحياناً في فنون مثل «البرعة» في محافظة ظفار، وهو هنا لا يمثل القاعدة الأساسية لهذا القالب. وآلة القبوس وهو عود الجزيرة العربية، عُرف بالمزهر والبربط وأسماء أخرى، وآلة الربابة وتحتوي في السلطنة على وتر واحد، وتسمى «ربابة الشاعر»، وآلة الكمان، وآلة الطنبرة التي يبلغ عدد أوتارها 6 أوتار، فلا يمكن لعازف الطنبرة إعطاء أكثر من خمس نغمات ويكون الوتر السادس قراراً للوتر الخامس، حيث تنبر أوتارها معا بقطعة مصنوعة من قرن الثور ويتحكم العازف بكتم الأوتار وإطلاقها بكف يده.

2)    الآلات الهوائية:

تشتمل الآلات الهوائية في الموسيقى العمانية على 6 آلات منها البرغوم والجم والمزمار (الصرناي)، وتتكون من ريشة مزدوجة وبوق وتُصنع من الخشب والمعدن، وبها ست فتحات مستديرة متساوية وتستعمل كثيراً في محافظات جنوب وشمال الباطنة وجنوب الشرقية ومسقط . ومن أهم القوالب التي يستخدم فيها المزمار هو فن الشوباني والليوا ويمثل هنا الآلة اللحنية الوحيدة بجانب طقم كامل من الإيقاعات. ومن الآلات الهوائية آلة الزمر المسماة في اللهجة المحلية (بو مقرون). وفي سلطنة عُمان يوجد عدة أنواع من الزمر، نوع له خمس فتحات وهو الشائع الاستعمال ونوع آخر له ست أو سبع فتحات مستديرة ولكل منها ريشة، وآلة القصبة (من فصيلة الناي) وهي الآلة اللحنية الرئيسية في الفنون التقليدية بمحافظة ظفار وأهم استخدام لها في فني الشرح والبرعة، ولها صوت خاص يسمى «صوت القصبة» وهو الجزء الأول من فن الشرح، وآلة الهبان وهي قربة من الجلد وجزء آخر عبارة عن أنبوبين من قصب مربوطين ببعضهما، واستخدامها يعتبر حديثا في الموسيقى التقليدية العمانية فنجدها في بعض المدن الكبيرة مثل مسقط وأيضاً في صلالة وصحار.

3)    الآلات الإيقاعية: 

تشمل الآلات الإيقاعية في الموسيقى العمانية ما يُسمى بـ «الجلديات»، وعادة ما تصنف حسب حاشيتها الجلدية أو بحسب شكلها النموذجي. فيوجد في الآلات الإيقاعية ذات الرقمة الجلدية الواحدة الدف والطار والقوطة، وطبول الوقافي والليوا وطبول الصوت والميقعة. فيما تشمل الآلات ذات الرقمتين طبل الرأس، الذي يستخدم في فن العيالة فقط وطبل رحماني، وكاسر، ورنة، ومرواس وطبل مهجر البرميلي الشكل الذي يستخدم خاصة في فن الربوبة..ومن الآلات الإيقاعية المصوتة بذاتها الطاسات (الصاجات) وكوشا (قرحاف)، التي تستعمل من قبل النساء وآلة رعبوب وهي من الأصداف البحرية الحلزونية الصغيرة، وتوجد أيضاً الآلات المصوتة بالقرع، مثل آلة باتو التي تستعمل في بعض أغاني الحصاد، وفي غناء أبو زلف في محافظتي شمال وجنوب الشرقية، إضافة إلى آلات إيقاعية مصوتة بالاحتكاك مثل خرخاش (منجور الطنبرة)، والتي تستخدم في أداء المحوكة بمحافظة جنوب الباطنة وآلة شبوره (مجبورا).

في أغسطس من عام 1985 قدم الدكتور يوسف شوقي عدداً من النسخ الفاخرة إلى حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم رحمه الله ورعاه تقريره عن مشروع جمع وتوثيق الموسيقى التقليدية العُمانية (أ. د يوسف شوقي مصطفى: جمع وتوثيق الموسيقى التقليدية العًمانية ـ التقرير النهائي 1985)، وقد كان هذا التقرير أول وثيقة مكتوبة عن الموسيقى التقليدية العُمانية. وكان الدكتور شوقي قد حصر في ذلك التقرير بجانب الأنماط الغنائية ومناسباتها، والآلات الموسيقية أكثر من ألف ممارس للموسيقى التقليدية كان من بينهم عدد من أعلامها. ولما كان مركز عُمان للموسيقى التقليدية منذ تأسيسه مبادراً إلى العديد من المشاريع العلمية ابتداءً من الجمع والتوثيق وليس انتهاء بكتاب معجم موسيقى عُمان التقليدية حيث زوّد المركز المكتبة العُمانية بعددٍ من الإصدارات الموسيقية التي أصبحت مراجع ومصادر لدارسي الموسيقى التقليدية العُمانية، فإننا في هذه المناسبة نتطلع إلى متابعة هذه الجهود باعتبارها البداية نحو تحقيق هدف كتابة تاريخ الموسيقى العُمانية. إن هذه المسألة ليست باليسيرة وتواجه الكثير من المصاعب لعل أبرزها ضخامة حجم العمل واعتماده على الروايات الشفهية، وما يتطلب ذلك من تحقيق ومقارنة، وجمع وإعادة جمع من الميدان أو من المصادر المكتوبة وغير المكتوبة وخاصة للمرحلتين عُمان القديمة والإسلامية. إن الهدف الأساسي الذي نسعى إليه الآن هو أن لا يتكرر الوضع السابق ـ أي عدم التوثيق ـ مع مرحلة عُمان الحديثة التي تبدأ من السبعينات من القرن العشرين وفيها ظهرت ـ إلى جانب الموسيقى التقليدية ـ الموسيقى العُمانية الحديثة كفرع من فروع الموسيقى العُمانية. إن الكثير من ممارسي هذه الموسيقى لا يزالون على قيد الحياة، كما أنها كانت المادة الموسيقية الأساسية للإذاعة والتلفزيون منذ ظهورهما في السبعينات من القرن العشرين حيث تضم مكتبتيهما مئات الآلاف من التسجيلات التي لا تشمل فقط الحوارات مع الموسيقيين العُمانيين بشأن تجاربهم الغنائية وسيرهم الذاتية فحسب، بل وكذلك يمكن للباحث متابعة تطوّر أساليب الأداء الفني التي شهدتها هذه المرحلة.

يروى أن الحجاج بن يوسف الثقفي والي الأمويين على العراق قد نفى الإمام جابر بن زيد من البصرة إلى عمان التي كانت تتبع الدولة الأموية آنذاك، كما يؤكد الأصفهاني غضب الواثق بالله العباسي من المسدود ونفيه إلى عمان في عصر المهنا بن جيفر العماني ومكث فيها سنة كاملة دون ترك أثر يُذكر بالرغم من سماح الإمام المهنا بالمعازف، ومن آي ذلك تساهله في عزف الجنود الهنود على إحدى آلاتهم في معسكر الجيش في (نزوى)، الحادثة التي أثارت حفيظة عالم عماني معروف؛ كما ورد في (الإيضاح في الأحكام) لأبي زكريا يحيى بن سعيد: «قال محمد بن المسبح: قد أنكر أبو الحواري على المهنا- وكان من أشياخ المسلمين – الدهر على الهندي إذا ضربه في المعسكر، وغضب وتباعد ما بينه وبين المهنا بن جيفر بعد ذلك». والدهر (أو الدهرة) أحد أكثر آلات الإيقاع انتشارًا في النصوص الفقهية العمانية، وأكثرها غموضًا كذلك، فهي تأخذ أكثر مادتها من لسان العرب وتحفة العروس لكنها لا تشير إلى تفسير لغوي لأصل هذه الآلة الموسيقية أو وصف لشكلها وطبيعة عملها، اللهم إلا ما ذكره خميس بن سعيد الشقصي: «هي طبل صغير يضرب للهو» (الشقصي، خميس بن سعيد بن علي، منهج الطالبين وبلاغ الراغبين، مسقط: ورارة الأوقاف والشؤون الدينية. الطبعة الأولي. 1432هـ/2011م. ص51-52) وظهرت من أصل هندي في عهد الإمام المهنا بين جيفر (حكم 226 - 237هـ/840 - 851هـ) وقد نُقل عن محمد بن المسبح أن أبا الحواري محمد بن الحواري أنكر على الهندي أن يضرب الدهر وغضب وتباعد ما بينه وبين المهنا بن جيفر بعد ذلك. «ولعل الإمام المهنا بن جيفر لم يمنع العسكر الهندي من أن يضرب طبل الدهر لأنها كانت عادة عندهم بينما لم يألف العمانيون هذه العادة فاستهجنها بعض علمائهم. وتشير نصوص فقهية أخرى أن آلة الدهر كانت موجودة في صحار وتباع في أسواقها، وربما انتقلت مع الحملات العسكرية من هناك إلى نزوى.» (من تاريخ الموسيقي في عمان، وليد النبهاني، كتاب نزوى – أبريل 2016 – مؤسسة عمان للصحافة والنشر والإعلان). 

وينطلق المجموع الفقهي هنا من الحديث الشريف: «بُعثتُ بمحق المعازف والمزمار والمزهرة وعبادة الأوثان وأمور الجاهلية» ويعطي صاحب كتاب بيان الشرع تعريفاً عاماً للآلات الموسيقية من ناحية الطريقة التي يتم العزف بها «فالمعازف كل وتر يُلعب به، والمزمار كل شئ ينفخ فيه، والمزهر كل شئ ضرب به». (الكندي، محمد بن إبراهيم، بيان الشرع – مسقط، وزارة التراث القومي والثقافة، الطبعة الأولى). فالآلة الموسيقية حسب هذا التعريف تنتمي إلى: آلات وترية (معازف) وآلات نفخ (مزامير) وآلات إيقاع (مزاهر، وربما اشتق الدهر منها). وفي ديوان للشاعر راشد بن خميس الحبسي (وإن طابت خواطرنا/ أثيبونا بمزمار/ بليل مع نواقيس/ طرها في الهوى طاري/ وعبدان وراقصته/ لعوب ذات زنار/ ترجع صوتها ما بين ترجيع وتكرار/ تهيج كل أشواق/ وتذكي كل تذكار) وهو الشاعر المميز في تاريخ الشعر العماني الذي شهد فترة صراع أسرة اليعاربة على عهد أئمتهم من بلعرب بن سلطان حتى سلطان بن سيف الثاني وكتب مدائح الإمام محمد بن ناصر الغافري، وكان جمع ديوانه على يد سليمان بلعرب السليماني في حياته عام 1150هـ. وذكر النواقيس عدة مرات في ديوانه كما في الأبيات سالفة الذكر، وقد عرَّفها المحقق بأنها (ضرب من الملاهي يُعمل من الخشب، ويُضرب أيضًا لتأريق النائمين لأن صوته أعلى من صوت المزمار). على أن محقق الديوان عبد العليم عيسى قد حذف منه أبيات عديدة من باب الرقابة لما (فيها من الإسفاف والتبذُّل ما قد يخدش الحياء) فقد كانت غزليات الحبسي حافلة بوصف المراقص التي كانت تدار فيها الخمر مصحوبة بالطرب، كما يشير إلى مغن سماه ابن عمَّار [وهو] مغن حسن النغمة، وهو عمر بن عمار السعالي، نسبة إلى (سعال) وهي بلدة في نزوى التي عاش فيها الشاعر الحبسي. ويستدل الكاتب وليد البنهاني على شكل الحياة وأدوات الموسيقي على عصر الحبسي مع الحذر في التعاطي مع الشعر، فليس كله صادقا، ومعنى الصدق هنا هو تمثله لجوانب حقيقية حدثت في ذلك الزمان. «ما دامت هذه النصوص الشعرية لا تؤكدها نصوص أخرى فقهية أو أدبية أو تاريخية أو حتى جغرافية.» (من تاريخ الموسيقي في عمان، مرجع سابق) ويقترح البحث في مصادر التراث العربي ومقدار ما ساهم به العرب والمسلمون أصلاً في أمري: الجانب النظري، والجانب الفقهي للموسيقى، حتي يمكن قياس ما ساهم به العمانيون من آثار مكتوبة في هذا الأمر، ذلك لأن بعض العلوم تعامل معها العمانيون كممارسات، ولم يعهد عنهم تأليف فيها كهندسة الأفلاج (ويروى عند بعضهم أن الجن هم بنوا الأفلاج في عمان) كما ظلت مسألة الولاء والبراء تشغل بالتراث العماني منذ حادثة عزل الإمام الصلت بن مالك الخروصي. وعليه حُرِّمت الإشارات الفقهية في عمان من وجود المفاهيم الخاصة بالآلات الموسيقية، اللهم إلا الدلالة المتوقَعة عنها في أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، خصوصاً في أوج انتشار نظام الحسبة في عمان الذي حد من بيع وشراء الآلات الموسيقية وتعليم العزف عليها والاستماع إليها، بالرغم من عدم وجود حالة تحريم منفردة في ذاتها عن المعازف والملاهي في عمان تميزها عن بقاع العالم الإسلامي الأخرى في هذا الزمن أو غيره. وحصر ذكر ألات العزف في النصوص الفقهية الموجودة على آلتين فقط لا غيرهما: الطبل والدف؛ وهما ما أشير إلى وجود حالات لاستعمالهما فعلًا، أما آلات النفخ باستخدام هواء الحلق كالناي والمزمار، فورد ذكرها فقط حين أجاز بعض الفقهاء استخدامها بالرجوع إلى موقف بُكاء الوضَّاح بن عقبة، العالم العماني، عندما سمع صوتها فتذكَّر الموت والفناء وعقاب الآخرة. ما يمكن ربطه ذهنيًا بآلة الصور التي جاء ذكرها في القرأن الكريم.

 

 

المراجع:

1.    سلسلة مطبوعات مركز عُمان للموسيقى التقليدية 6 ـ الموسيقى التقليدية العُمانية والتراث العربي: من الغناء واللعب التقليدي العُماني، مسلم بن أحمد الكثيري. 2002.

2.    يوسف شوقي مصطفى: معجم موسيقى عُمان التقليدية. إصدار مركز عُمان للموسيقى التقليدية ـ وزارة الإعلام 1989.

3.    الهمداني، الحسن بن أحمد: صفة جزيرة العرب. تح. محمد بن علي الأكوع الحوالي. مكتبة الإرشاد ـ صنعاء 2008.

4.    مغامرات ابن بطوطة، إعداد راجي عنايت. المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت ـ لبنان الطبعة الأولى 1988.

5.    بن رزيق، حميد بن محمد: الفتح المبين في سيرة السادة البوسعيديين. تحقيق عبد المنعم عامر، ود. محمد مرسي عبد الله. الطبعة الخامسة 2001.

6.    مسلم بن أحمد: الموسيقى العُمانية مقاربة تعريفية وتحليلية » إصدار وزارة الإعلام 2005.

7.    يوسف شوقي مصطفى: التقرير النهائي لمشورع جمع وتوثيق الموسيقى التقليدية العُمانية. 1985.

8.    يوسف شوقي مصطفى: معجم موسيقى عُمان التقليدية. إصدار مركز عُمان للموسيقى التقليدية ـ وزارة الإعلام 1989.

9.    سيرج كلوزيو، وموريسيو توزي: في ظلال الأسلاف، مرتكزات الحضارة العربية القديمة في عُمان، ترجمة، أ.د. عباس سيد أحمد علي. إصدار وزارة التراث والثقافة بدون تاريخ.

10.    الكثيري، مسلم بن أحمد: الدليل المصور.. أنماط الموسيقى التقليدية العُمانية آلاتها ومناسبات أدائها.

11.    الكثيري، مسلم بن أحمد: جذور غناء العوادين العُمانيين وتطوره. مجلة نزوى العدد السبعون إبريل 2012.

12.     الكثيري، مسلم بن أحمد: دراسة في ألحان جمعان ديوان. الدراسة غير منشورة وتم إعدادها بدعوة من النادي الثقافي وقدمها الباحث في ندوة بمدينة صلالة عن الشاعر والمغني العُماني جمعان ديوان في 9 يوليو 2012.

13.    ولد وزير، سعيد عبدالله: الأدب الشعبي في بلاد الشراع .. ديوان سعيد عبد الله ولد وزير. جمع وتحقيق سالم بن محمد الغيلاني . مطابع أخبار اليوم 1985.

14.    معجم موسيقى عُمان التقليدية. ص 3، إصدار مركز عُمان للموسيقى التقليدية ـ وزارة الإعلام 1989. 

15.    معجم موسيقى عُمان التقليدية. ص 26، إصدار مركز عُمان للموسيقى التقليدية ـ وزارة الإعلام 1989. 

16.    جذور غناء العوادين العُمانيين وتطوره. مجلة نزوى العدد السبعون إبريل 2012. 

17.    الموسيقى العُمانية مقاربة تعريفية وتحليلية، ص 11، مسلم الكثيري، إصدار وزارة الإعلام 2005. 

18.    الموسيقى العُمانية مقاربة تعريفية وتحليلية، ص 41، مسلم الكثيري، إصدار وزارة الإعلام 2005. 

19.    مدخل إلى التأريخ للموسيقى العُمانية، جريدة الوطن نسخة محفوظة 10 ديسمبر 2017 على موقع واي باك مشين. 

20.    معجم موسيقى عُمان التقليدية. ص 52، إصدار مركز عُمان للموسيقى التقليدية ـ وزارة الإعلام 1989. 

21.    آلات الموسيقى التقليدية العمانية في المتحف الوطني نسخة محفوظة 23 فبراير 2017 على موقع واي باك مشين.

 

 

 

الصور:

1.    https://shabiba.eu-central-1.linodeobjects.com/2018/02/7/821175.JPG

2.    https://arabmusicmagazine.arabmusicmagazine.com/item/1222-2021-09-30-08-39-58

 

أعداد المجلة