الفوتوغرافيا والأنثروبولوجيا البصرية
العدد 62 - لوحة الغلاف
على غلافنا الخلفي لهذا العدد، صورة فوتوغرافية التقطها المصور البحريني عيسى إبراهيم؛ أحد أكثر المصورين البحرينيين والعرب ظفراً بالجوائز والتقديرات الدولية في مجاله، والتي تحصل عليها من خلال مشروعه الفوتوغرافي على مدى أكثر من عقدين، موثقاً خلاله العديد من ملامح الشعوب، وثقافاتها، وعاداتها، وممارساتها، وإرثها الحضاري.. عبر سردٍ بصري تخلق من خلال ارتحالاته في البلدان.
وواحدةً من أبرز صور هذا الفوتوغرافي، صورة غلافنا التي تتميز إلى جانب بعدها الجمالي، ببعدها الأنثروبولوجي التوثيقي، إذ توثق لطريقة تقليدية لصيد السمك، تستخدم في بعض مناطق الصين المحاذية لـ «نهر ليّ» Li River، والمسماة بـ «يين بو» Yin-Bou، أو «الصيد بطائر الغاق».
ربما وقع نظرنا على عملة الـ 20 يوان الصينية، والتي تخلد مشهداً للنهر وتضاريسه المحيطة، يتوسطه صياد بقاربه الخشبي البسيط، وهي ذات المشهدية التي يوثقها إبراهيم بعدسته. صحيح أن هذه المشهدية قد تكون اليوم ذات بعد سياحي مُختلق، وهو ما قد يجعلنا ننفي عن الصورة بعدها الأنثروبولوجي؛ حيثُ الصورة مفتعلة، ولا تعكس حقيقة السلوك المتبع راهناً. وبعيداً عن حقيقة الوظيفة التي يؤديها الصياد؛ سياحية أم لغرض الصيد ذاته، فإن توثيق ما يؤديه، تخليدٌ لتقليد ثقافي مارسته جماعة بشرية أو ربما ما تزال تمارسه على يد أفراد، وإن كان في طريقه للتلاشي، وهو ما يشكل إضافة قيمية للصورة التي توثق هذا السلوك، خاصة في ظل واقع معولم، تزول فيه تمظهرات الثقافات المختلفة شيئاً فشيئاً.
كثيرٌ من نتاجات إبراهيم الفوتوغرافية، يمكن تصنيفها ضمن سياقات «الأنثروبولوجيا متعددة الوسائط»، المرتكزة على الفوتوغرافيا، أو «الأنثروبولوجيا البصرية»، حيث التقط مئات الصور لأُناس في سياق بيئاتهم الطبيعية، وبمخرجات ثقافية متناغمة مع المعطى البيئي من حولهم، والتي تضمحل في ظل عصر العولمة الثقافية؛ فبين الآباء والأبناء، أو الجيل والجيل الذي يليه، قفزات لم يحصل مثلها على مدى أجيال متعددة في السابق، وهو التحدي الذي تواجهه الخصوصية الثقافية في مختلف الأمكنة؛ أن تُبقي على شيءٍ من خصوصيتها في هذا السيل الجارف، والقفزات المتسارعة، وبالطبع لا يعني ذلك الانكفاء والتقوقع على الذات.
وبالرغم من أن إبراهيم ليس أنثروبولوجياً، إلا أنه وعبر عدسته التوثيقية، ذات البعد الفني، يوثق لشعوب، وأعراق، وقبائل، وممارسات، وطقوس، ومهن تقليدية، وصنوف من الأداءات، والحياة اليومية، والأمكنة.. في عشرات البلدان والمناطق التي ارتحل إليها. وقد شاع هذا الاتجاه لدى الفوتوغرافيين في مملكة البحرين، حيثُ أضحى الاهتمام كبيراً بهذا الجانب، لكن ما يؤسف عليه، عدم وجود اتجاه لإنتاج دراسات تواكب وفرة المنتج البصري.
يبقى أن الجانب الفوتوغرافي جانب ذي أهمية، حيثُ تؤكد الباحثة بشرى عالية، والباحث إبراهيم بن عرفة، في بحثهما «الصورة كتقنية بحث أنثروبولوجية» بأن للصورة دور كبير في «إثراء المعرفة العالمية والإنسانية، من خلال قدرتها على توثيق وتدوين ثقافات الأمم والشعوب، وكذلك الذاكرة الإنسانية»، ما يجعل العلوم الاجتماعية والإنسانية في حاجةٍ ماسة إليها. وهنا تكمن أهمية هذا النوع من التصوير، الذي نحتفي به على غلافنا.