مكامن الثراء وأسرار التواتر والبقاء في التراث الموسيقي الكافي
العدد 61 - موسيقى وأداء حركي
يُعَدُّ التراث الموسيقي الشعبي جزءا أساسيا من ذاكرة الشعوب وثقافاتها. فالتراث الموسيقي هو نتيجة عصارة تجارب السابقين، وهو ثمرة التدافع الثقافي الحاصل عبر الزمن1. ولئن حظي هذا التراث الموسيقي في ما مضى بالتفاف شعبي وحظوة خاصة، إلاّ أن هذا الالتحام والإجماع حول مسائل التراث ومنها التراث الموسيقي تقلّص في السنوات الأخيرة. ويعود ذلك لأسباب عدّة منها العولمة والامتداد الثقافي والانفتاح الشامل الذي يعيشه أغلب شعوب العالم.
ومن هذا المنطلق، ووعيًا منا بأهمية الخوض في مثل هذه البحوث المرتبطة بالتراث الموسيقي الشعبي عموما والتونسي على وجه الخصوص، نسعى في هذا الإطار إلى توسيع أفق النظر في نفس التوجهات البحثيّة المرتبطة بمسألة التراث وعلاقتها بثقافات الانسان المختلفة والمتداخلة2. وبناء على ذلك، تندرج هذه المقالة في سياق الكتابات الأنثروبولوجية الموسيقية والتي تهدف إلى إعادة الاعتبار لمخزون موسيقي جدّ ثري بقي لفترات طويلة خارج دائرة الاهتمام، وإثراء جانب من الجوانب المعرفيّة عند الانسان3.
إذا أردنا التدقيق أكثر في التراث الموسيقي التونسي وأنواعه المختلفة، فإنّنا نجد العديد من الأنماط والأصناف التراثية المنتشرة في كامل ربوع البلاد لعلّ من أبرزها التراث الموسيقي الشعبي المتواتر في جهة الكاف، والذي مازال يعرف شيئا من التماسك والالتفاف الشعبي مقارنة ببعض الاصناف التراثية الخاصة بجهات أخرى. فماهو السر وراء ذلك وماهي العوامل المساعدة على تكون وثراء هذا التراث الموسيقي الكافي؟
إن التطرّق لمثل هذه البحوث ذات الطابع الأنثروبولوجي الموسيقي يطرح في طيّاته العديد من الإشكاليات، فقد راودتنا منذ بداية التعمّق في أشغال العمل الميداني المتعلّق بالتراث الموسيقي الكافي4 العديد من التساؤلات يمكن تلخيصها في جملة من النقاط التالية:
- ما هي طبيعة وخصوصيات الموروث الموسيقي الشعبي بجهة الكاف؟
- ما هي أهم الأنماط الغنائية المتداولة في جهة الكاف منذ القديم وما هي خصائصها التراثية؟
- ما هي أهم مميّزات الإطار السوسيوثقافي والتاريخي والجغرافي والديني التي ساعدت على تكوّن هذا الرصيد الموسيقي التراثي بالجهة؟ وكيف تسنّى لهذا المجتمع الكافي المحافظة على جزء من تراثه الفني من الاندثار والتلاشي؟
- كيف تتجلّى ملامح الخارطة الجغرافية الثقافية لمختلف جهات الكاف من خلال الممارسات الفنية والمميّزات الموسيقية المتواترة في هذه الجهات؟
يتمحور هدفنا الرئيسي من كتابة هذا المقال حول مسألة التعمّق في فهم الخصوصيات الثقافية والفنية لهذا التراث الشعبي العريق واستجلاء مكامن الثراء فيه ومدى ارتباطه بالواقع المعيش في جهة الكاف. وذلك بالتركيز على بعض العيّنات التراثية المجمّعة في إطار العمل الميداني المنجز، والتعمقّ في تمحيص وتحليل بعض الممارسات الغنائية الحيّة والمتواصلة إلى اليوم والمرتبطة بالأساس بجلّ المكونات الثقافية للمجتمع الكافي.
إن التركيز على التراث الشعبي الكافي وكل ما تعلّق به من مأثورات موسيقية، لا يبيح بأي حال من الأحوال حصره فقط في الرقعة الجغرافية لهذه الجهة وفهمه بمنأى عن بقية التأثيرات الجغرافية المجاورة، إضافة إلى عوامل أخرى ساهمت في تشكّله بهذه الصورة. ومن بين العوامل التي ساهمت في ثراء هذا الموروث نذكر:
الارتباط الوثيق بين أهمّ أصناف الشعر الشعبي
وبين جلّ الممارسات الغنائية الشعبية بجهة الكاف:
إن الارتباط الوثيق والبارز بين أهمّ أصناف الشعر الشعبي التونسي5 وبين جلّ الممارسات الغنائية الشعبية المتواترة في جهة الكاف، إضافة إلى الطابع الارتجالي المهيمن على جلّ الممارسات الغنائية في هذه الجهة هو ما أثّر باعتقادنا في نسق تطور أنواع الغناء الشعبي. فقد لاحظنا تفرّع بعض أنواع الشعر الشعبي المتواتر في الجهة إلى أنماط غنائية عدّة، باستغلال الكلمات المنظومة في مختلف القوالب الشعرية المتداولة ومن أهمها «المَلْزُومَة» و«القسِيمْ» و« المسَدِسْ»6، في بلورة العديد من الأشكال الغنائية، ممّا أدى إلى ثراء الرصيد الغنائي الشعبي لهذه الجهة.
وتأكيدا لذلك يقول «محي الدين خريف» في هذا المجال: «كان الشعر الشعبي ومازال مرتبطا بالغناء ولذلك لا نعجب من الشاعر المغني والمغني الشاعر لقرب الصلة بينهما ولشدة الارتباط الوجداني بين كليهما «فالقوال» و«الغناي» شخصية واحدة يكمّل فيه الصوت الكلمة والكلمة الصوت، ومن هذا وذاك يتولد الشعر الشعبي وتتنوع أغراضه وتتشعب أوزانه بحسب الإيقاع والحالة النفسية للشاعر، الذي هو صوت قبيلته وشعبه»7.
ولعلّ في توسّع دائرة انتشار الشعر الشعبي في تونس عموما، وارتباط أكثر سكّان البادية وزوّارها من المنتجعين بهذا النوع من الأدب الشعبي ميزة خاصّة تميّز ت بها أكثر العروش في تونس، الأمر الذي سهّل عمليّة انتشار وتنوّع الغناء الشعبي في أغلب المدن والبوادي التونسية وعلى رأسها جهة الكاف والتي تعتبر قبلة لأغلب العروش في موسم الحصاد. ونتيجة للتّداخل الحاصل بين أهالي الجهة ومن وفد عليها من القبائل المجاورة، تشكّل هذا الخطاب الشعري الثري الذي استوعب العديد من الخصوصيات الثقافية المختلفة وقد مثّل هذا الزخم والثراء العروشي والعرقي في المنطقة ثراء على المستوى اللساني الشعري الذي يعتبر كما أوردنا سلفا المحرّك الأساسي لانتشار التنغيم والغناء الشعبي عموما، فبرزت شيئا فشيئا بعض الأشكال والقوالب الغنائية الشعبية في الجهة، وأخذت في التفاعل والتطور مع كلّ العوامل الثقافية الناشئة حتى وصل التنوّع والتفرّع فيها إلى تكوّن عدد لا بأس به من القوالب الشعرية الغنائية والتي مازالت أغلبها متداولة إلى اليوم.
وإذا تتبّعنا خصوصيات هذه القوالب والأشكال الشعرية الغنائية المذكورة نجد فيها ما هو كثير التنغيم قليل التأليف الشعري كقالب «المطلع»8 (الذي يحتوي على بيتين أو ثلاث كحد أقصى)، ومنها ما يعتمد على الإطناب في الارتجالية وإدراج بعض الإضافات اللفظية في التنغيم مثل قالب «الملالية»9 وقالب «الغناء بالطويل»10 والتي تعتمد بالأساس على الطاقة الصوتية أكثر من الموهبة الشعرية، ومنها أيضا ما يعتمد بالأساس على الإبداع في الإلقاء الشعري الممزوج بشيء من التنغيم مثل ما هو الحال في قالب «الطرڨ»11، هذا بالإضافة إلى أشكال نغمية شعرية أخرى تكون أقلّ تنغيما وتعتمد فقط على الإلقاء الشعري الموزون والمميّز بنبرة خاصة في الأداء وهو ما ينعته البعض بــــ «النجوعي» أو «الموقف». فباختلاف طرق الإلقاء ومسائل التنغيم تختلف القوالب الغنائية الشعبية وذلك بتغيّر طول الأداء اللحني للأبيات الشعرية، والتنويع في الإيقاع الشعري والموسيقي والذي يسهم بدوره في تعدّد هذه القوالب الغنائية الشعبية.
وإذا ركّزنا اهتمامنا بداية على النوع المستحدث من قالب «الغناء بالطويل» أو ما يعرف حاليا بـــ«الغُنَّايَة» والمعتمد بالأساس على الضبط الإيقاعي، فإننا نجد نعتا يطلق على هذا النوع من الغناء يبيّن عميق الارتباط بين الشعر الشعبي ومصطلحاته المشهورة والغناء الشعبي في جهة الكاف. فمصطلح «المكب» المستعمل لنعت آخر شطرة في كل بيت من أبيات «الملزومة» والذي يحتوي نفس قافية «راس الركاب»، يستعمل أيضا للدّلالة على نوع من الغناء الشعبي المضبوط بإيقاع والمتفرّع حديثا عن ما يعرف بــــ «الغناء بالطويل»، الشيء الذي يؤكّد عميق التأثر والتأثير بين أنواع الغناء الشعبي والشعر الشعبي في هذه الربوع. وفي نفس هذا المجال تنعت هذه المقطوعات الغنائية الموقّعة أيضا «بالغُنّاية» أو «الريش» وهي تؤدّى خاصّة في المناسبات الاحتفالية. ورغم وضوح شكل هذا القالب على المستوى الشعري والضبط الإيقاعي أكثر من بقية القوالب الغنائية الشعرية إلا أنّنا لاحظنا في بعض النماذج نوعا من التغيرات الارتجالية بإدراج بعض الملفوظ الإضافي المغنّى مع الكلمات الأصلية وذلك تفاعلا مع الحضور ومحاولة إدخالهم في الإطار العام للأغنية، باعتماد تفاعل ارتجالي آني ينمّ عن مقدرة وحنكة فنيّة يكتسبها «الغَنَّاية» بمفعول المشافهة والتقليد.
نموذج من قالب «الغناء بالطويل» على الطريقة الأصلية أي دون ضبط إيقاعي:
لاَ مِنْ يجِينِي ويرَيَّضْ دَلِيلِي
يَا نَاسْ ڤُولُو لحَمَةَ رحل بِالسِلاَمَا12
بَرْنُوسْ13جْرِيدِي علَى كِتِفْ سِيدِي
نَحِيتُو بِيدِي بْدَڨْ الخِلاَلَا
لِبْسِتْ مْظَلَّةَ وحَلْفِتْ والله
وخَية عبد الله فِي رَاسْ الجِبَالاَ
نَجْعِكْ رَسَّى عْلَى سْوَايَحْ ڤَفْصَةَ
رَاهُو خَالِي وَصَى وبْعَثْ السِلاَمَا
نموذج ثان من قالب «الغناء بالطويل» بعد تحديثه وضبطه بالإيقاع، قصد إضفاء جو من الاحتفالية في المناسبات الاجتماعية المقامة في جهة الكاف:
هِزْ عْيُونِكْ رَاهِمْ شَبُّو فِيَا
امْبَارْكَة يَالْلاَّ وخَيَّا
لِمْبَارْكَة يَارِيدِي
الحِلْڤَة فِضَّة والحْرَامْ جْرِيدِي
خَيرتُو بِيدِي
وعْلاَشْ يَا خَالِي
نَاي جِيتِكْ حافْلَة بخْلاَلِي
ورَاخْفَة الجَوَّالِي
شماتة في الحزارة وعينو حيّة
مْبَارْكَة يَا سَاسِيَة
°°°°°°°°
وَعْلاَشْ هَا مَضْنُونِي
نَايَا جِيتِكْ حَافْلاَ بَعْيُونِي
مْخَرْخْطَة عَبُونِي
شماتة في الحزارة والعدوية
مباركة يلاّ وخيا
انتشر هذا النموذج في جهة الكاف والجهات المحاذية لها ومنها جهات شرق الجزائر، ومن أشهر من تغنى بهذه الأغنية الفنانة الجزائرية «بڤّار حدّة». وتعتبر مثل هذه النماذج التراثية والتي لا يعرف قائلها الأوّل تراثا مشتركا لكامل المنطقة الحدودية بين تونس والجزائر. وهو رصيد لا بأس به من الأغاني الشعبية المتداولة إلى اليوم في جلّ المناسبات الاحتفالية.
عمق الثراء التعبيري الحاصل بفعل اعتماد
الطابع الارتجالي:
إن عمق الثراء التعبيري الحاصل في جلّ النماذج والقوالب الغنائية التراثية واعتماد الطابع الارتجالي كأهم دعائم هذه الممارسات الموسيقية الشفوية في جهة الكاف، يعدّ بحدّ ذاته خصوصية من خصوصيات هذا التراث الشعبي الثري. فالطابع الارتجالي المهيمن على جلّ الأشكال الغنائية الشعبية المتواترة في هذه الجهة له عميق التأثير في بلورة آليات إبداعية متجدّدة ساهمت دون شك في إثراء أنواع الغناء الشعبي في الجهة، خاصة مع ما عرفته هذه المنطقة من ثراء شعري بفضل تعدّد روافدها العروشية. وقد ساهم هذا الثراء الحاصل في كل أشكال الأدب الشعبي في المنطقة في انتشار هذا التراث في كثير من مناطق البلاد التونسية.
ومن بين أشهر القوالب الغنائية الشعبية الكافية والتي عرفت انتشارا كبيرا في بعض جهات البلاد الأخرى قالب «الملالية» الارتجالي. ورغم محدودية كلمات النصّ الشعري الأصلي لقالب «الملالية» (المتكوّن من ثلاث شطرات) فهي باعتقادنا من أهمّ فروع الشعر الشعبي المنغّم المتواتر بجهة الكاف، فقد عرفت في البداية في الأوساط النسويّة ثم اشتهرت أيضا عند الرجال في جلّ المناسبات الاجتماعية المقامة.
نموذج من غناء «الملالية» بجهة الكاف:
أَلاَلِي هَزِيتْ عيُونِي ڤَابِلْنِي الكَافْ وصْلاَصِيلُو
مَا لڤِيتْ حبِيبْ نِشْكٍيلُو
قد يتبادر للذهن بأن طرق النظم في هذا القالب سهلة وبسيطة بالنظر إلى قصر الكلمات الشعرية المكوّنة لنماذج «الملالية»، ولكنّها في الحقيقة ليس بتلك البساطة والبداهة، فالمسألة تستوجب براعة في النظم الشعري والتنفيذ الغنائي النغمي. فالتّغني بكلمات ثريّة وحبلى بالمعاني الشعرية تعبّر عن ما يخالج النفس من مشاعر صادقة، يستوجب في ذات الوقت من «الغنّاي» مراعاة الجانب الإيقاعي الشعري للنموذج والالتزام بتوحيد القافية بين الشطرة الثانية والثالثة في النماذج المبتكرة من هذا القالب إضافة إلى الإصداح باللحن والتّغني بهذه الكلمات المنظومة بطريقة ارتجالية آنيّة. وقد يحملنا ذلك للتوسع في تفصيل وتبيان عمق الدّلالات التعبيرية والسميولوجية لبعض النماذج من التراث التقليدي الشعبي بجهة الكاف.
عمق الدلالات التعبيرية السيميولوجية لبعض
النماذج الغنائية وخاصة في قالب «الملالية»:
أبرزت طريقة الأداء المعتمدة في نماذج عدّة من قالب «الملالية» عمق الدلالات التعبيرية السيميولوجية لهذا القالب الغنائي الشعبي، وذلك باحتوائها نوعا من الإيقاع المميّز باستعمال مقاطع لفظية طويلة ومنفتحة إن كان في أداء كلمات النص الأصلية أو في صواتم الملفوظ الإضافي. فهي طريقة تتماشى ومواضيع الغناء في هذا القالب المتعلّقة أساسا بالهجر والرحيل عن العرش وذكرى الحبيب. وبه نتبيّن الطابع العام وخصوصية هذا القالب المنعوت بـــ «الملالية» وبراعة القائل المبدع لهذه الكلمات في تغليف هذا الخطاب الشعري بطابع من الحزن والتثاقل يعكس عمق الدلالات التعبيرية لهذا القالب الغنائي الشعبي.
«كما يكثر استعمال لفظة الخالة – بمعنى الحبيبة في أشعار الرجال، وقد يكون التحريف في الكلمة مقصودا بدافع الحياء أو تفاديا لما يبعث على اعتقاد السامع أنّه اعتراف بعلاقة محرّمة»14.
وقد نجد الكمّ الأكبر من هذه الألفاظ الإيحائية المستترة مستعملة في قالب الملالية كلفظ «غزالي» وكلمة «يا حدّة» وكلمة «صاحبي» أو «خالي» أو «يا حمامة» وغيرها من الكلمات ذات الدلالات الإيحائيّة المخالفة لمعناها اللغوي الأصلي والتي درج استعمالها في مختلف القوالب الغنائية في جهة الكاف.
كمثال لذلك نورد هذا النموذج من قالب «الملالية»:
رَانِي عبِيدِيَة ونْمُوتْ عَلَى ركُوبْ النَاڤَة
شِفْتُوشْ الخَالْ يَا سَوّاڤَة
ويدلّ هذا النوع من الخطاب غير المباشر عن صنعة وحنكة كبيرة لدى الشاعر في الرّبط والتأليف بين المعاني لصناعة الخطاب المقصود وإيصال الرسالة دون الوقوع في الحرج أمام العامّة أو التصادم مع ما هو معلوم من عرف سائد في مجتمعاتنا المحافظة. ولذا وجب على «الغنّاي» اعتماد أسلوب الإيماء والتلميح في إيصال بعض المقاصد من خطابه الشعري بطريقة ذكيّة، وذلك باستعمال بعض الرموز المشفّرة في سياق التغنّي بالحبيب لرفع الحرج عنه خلال تواصله مع العامّة وإلقائه النغمي للشعر في بعض المناسبات الاجتماعية وخاصة منها التي تشهد اختلاطا بين الرجال والنساء.
تنامي بعض الممارسات الغنائية المرتبطة بالطابع
الاحتفالي على غرار قالب «المطلع»:
خلافا لهذه القوالب الشعرية الغنائية المذكورة يمكن أن تستخدم أبيات الشعر الشعبي أيضا لأداء قالب «المطلع» وهو شكل من أشكال الارتجال الغنائي الشعري الذي يعتمد على الطاقات الصوتية في ارتجال قصير وموجز لبيتين أو ثلاث من الشعر الشعبي، (المنعوت في اماكن أخرى بـــ«العروبي» أو «هزان الصوت»). ويقوم «الغنّاي» في هذا القالب بإدراج بعض الملفوظ الإضافي للزّيادة في التطريب والتنغيم، ولكن بدرجة أقلّ من قالب «الملالية»، حيث تكون الكلمات الشعرية أكثر وضوحا وبروزا للسامع.
ويستعمل غناء «المطلع» عموما في جهة الكاف كمقدّمة شعرية ارتجاليّة تسبق أداء قالب «الغناء بالطويل» أو ما يعرف حديثا بــــ «الأغنية» وقد توسّعت شهرة قالب «المطلع» عند تطور طريقة أداء «الغناء بالطويل» وتمتين ارتباطه بالطابع الاحتفالي المعروف في مختلف المناسبات الاجتماعية المقامة بالجهة، وذلك لارتباط هذا القالب كما قالب «المطلع» بمعاني الحب والغزل أو كما ينعته الشعراء بـــــ «شعر لخضر». وبذلك تقوم أغلب أشعار قالب «المطلع» على وصف مفاتن الحبيبة ومواطن الجمال فيها وهو ما يتماشى وأغراض «المكبّ» أو «الغنّاية» والتي ارتكزت أكثر على الطابع الاحتفالي في ثوبها الجديد ممّا زاد في توسّع وشهرة قالب «المطلع» الذي يسبق في أدائه هذا القالب المستحدث المذكور والمرتبط به بصفة تلازميّة.
نموذج من هذا القالب الغنائي الارتجالي المعروف في جهة الكاف «بالمطلع»:
مِنْ ڤالِي اسْهَرْ اللِّيلْ أوْ مِنْ ڤَالِّي بِيعْ نُومِكْ
مِنْ ڤَالِّي ألْحَڨْ الزِينْ حَتَى تِكْثِرْ همُومِكْ15
توسع شهرة قالب «الطرڨ» مع استقرار
بعض العروش في المنطقة:
إذا أفردنا الاهتمام بقالب «الطرڨ» المشهور منذ القديم في جهات شرق «الجزائر» وإذا علمنا بأن كثيرا من العروش الجزائرية الأصل انتقلت للعيش بجهة «الكاف» نظرا للظروف المختلفة التي مرّت بها كلّ المنطقة يمكن القول بأن قالب «الطرڨ» أصبح هو أيضا من أهمّ القوالب المتداولة في جهة «الكاف» وخاصّة المناطق المجاورة للشريط الحدودي أين اندمج عديد الروافد من عرش «النمامشة» وأولاد «سيدي عبيد» مع سكّان الكاف الأصليين. الأمر الذي ساعد في عملية انتشار هذا القالب في هذه الربوع.
وقالب «الطرڨ» هو قالب شعري غنائي يعتمد التنغيم وإطلاق الصوت والتعبير الارتجالي الحرّ، وهو الأكثر تمازجا وجمعا بين البعد الشعري والبعد الغنائي بين القوالب المتواترة في الجهة.
نموذج من قالب «الطرڨ»:
سَاڨْ نَجْعْ مَكْحُولْ لَنْظَارْ مِنْ بُكْرْتَه ثَارْ
وجْحَافِي فُوڨْ البكَارِي
يَـا ليعْتِي بِـتْ مُحْتَارْ فِي الجِيلْ فَـاقِــدْ غــزَالِـي
جَانِيشْ مَرْسُولْ دَبَّـارْ قَـلِّـــي تَـــرْجَـعْ لتَـالـــِي
لاَ تُوخِذْ رَاي كَذَابْ يتـَعـْـبِكْ بــينْ الـنزَالِـي
بِـاللهْ يَـا فَـرخْ لَحْمَامْ يَـا لَـزْرَقْ يَا بَـاهِــي الغمَامْ
لَـو تِـفْهـِمْ الكـلاَمْ تِــدِّي خَـــبْرِي تــعـَاوْدُو
بـينْ النَاسْ المْلاَحْ كِي هَبتْ المَغْثُوثْ وطَاحْ
نحِـسْ فِي عَـڤلِـي رَاحْ حَتَى مِالحْبِيبْ ولاَّ لِي عدُو16
وفي محصّلة القول، يمكن التأكيد على أن الثراء الشعري الموجود بالمنطقة وما أنتجه من تنامي في مستوى الممارسات الغنائية وتعدّد في القوالب الغنائية الشعبية، وارتباط جلّ الممارسات الغنائية بالطابع الارتجالي الابداعي يبرز بلا شك عمق وصدق التعبيرات الأدبية الشعبية المتداولة في الجهة والأرضية الإبداعية المتينة التي اجتمعت حولها، الأمر الذي يفسّر تداولها إلى اليوم بكامل تفاصيلها وخصوصياتها التراثية وصمودها ضدّ كلّ المتغيّرات الثقافية والاجتماعية التي عرفتها المنطقة.
الموقع الاستراتيجي لجهة الكاف المجاور للقطر
الجزائري وبروز ثقافة المقاومة في العديد من
الأغاني التراثية المشتركة:
يعتبر الموقع الاستراتيجي لجهة الكاف المجاور للقطر الجزائري عاملا من العوامل الحاسمة التي ساعدت في بروز تراث شفوي ثري مشترك بين سكان هذه المناطق الحدودية. فنزعة الالتحام والتوحّد بين سكّان الكاف وسكّان شرق الجزائر والارتباط الإقليمي والثقافي الحاصل بين المكوّنات العروشية لهذه المنطقة الجغرافية الممتدّة أثّر بلا شك في بروز العديد من الممارسات والتعبيرات الشعبية والتي بقيت مردّدة بين الأهالي إلى اليوم كتراث مشترك يتغنّون به في جلّ المناسبات الاجتماعية.
كما ساعد الالتحام الحاصل بين سكان جهة الكاف وسكان القطر الجزائري في ترسيخ ثقافة مقاومة الاستعمار وبروز العديد من الأغاني التراثية المشتركة بين الجانبين مثل نموذج «يا عين الكرمة» والذي يحتوي تعبيرات رمزية وإشارات خفيّة لبعض الأماكن التي يتّفق عليها المقاومون لتنفيذ بعض الهجمات ضدّ قوات الاستعمار الفرنسي زمن الاحتلال، فتكون التعبيرات الفنّية منطلقا لهم في تمرير المعلومات وإبداع أشكال تعبيرية جديدة. وهو ما يعكس طبيعة التراث الشفوية المتحوّلة والمتجدّدة والتي تجعل منه في بعض المناسبات محملا حقيقيّا لكلّ القضايا الإنسانية العادلة والمشروعة.
يَـا عِـينْ الكَرْمَة واعْطِـنِي لِخْـبَارْ
عَالطُفْلَة الغَشْوَة مِنْهَا ضَاڨ الحَالْ
يَـا حَـدَّة وخَيتِي مَتْڤولِيشِي خَــافْ
وخَيِكْ بَـرَّانِـي أو بَـارِدْ لكْـتَافْ
وكَلْبِـكْ نَـابَحْنِي عِندْ أسْتَارْ البِيتْ
لاَ مِــنْ عَڤـبنِي مِـالـتِرْعَـة وَلِّــيتْ
وڤالِتْ يا جُوحِي غَرِيـتِي بوِلدْ النَاسْ
وجَـاهِـدْ بـرُوحِــي خَلِـيتُو خَمَّـاسْ
يَـا حَـدَّة حَـدَّة ويجِيكْ الـوَشــَامْ
ويـوَشّـِمْ فِي الـزِنْدَة ويحُطْ الـذِبَـانْ
النِكْتَة عالنِكْتَة حطْ جدَيِّرْ رِيمْ
يِـرْتَـعْ فِي نَفْطَة فِي وَادْ الـــزِيتُـونْ17
صدق المعاني الدلالية والفنّية التي تحملها جلّ
النماذج التراثية الغنائية:
من خلال التعمّق في تحليل بعض العينات التراثية يمكن أن نتبيّن أيضا صدق المعاني الدلالية والفنّية المحمولة في جلّ النماذج الغنائية. فمن التعبيرات الوجدانية الشعبية العميقة التي خلّدها التاريخ تلك المرتبطة بالعلاقات العاطفيّة والتي جُسّدت بعضها في أشعار وأغان شعبية تراثية غاية في البراعة. ويعود ذلك باعتقادنا إلى الواقع المعيش وما كان عليه إيقاع الحياة في جهة الكاف من استقبال لوفود «الهَطَّايَة» في ما يعرف برحلة «النجع» نظرا لطبيعة أرضها المعطاء. فقد ساهمت كلّ هذه الظروف المعيشية في تولّد عدد هام من التعبيرات الشعبية الفنية والتي لا تزال متداولة إلى اليوم.
كمثال عن هذا نورد في ما يلي نموذجا من قالب «الغناء بالطويل»:
عَلُّونِي رَمْـڤَـاتْ الـجَـالـِي عَـلُّــونِــي عَــلاَّنْ
جِـيبُولـِي الطَبِيبْ يـدَاوِي هَا نَاسْ مَرْضِي طَالْ
عيُونْ الهَذْبَة يَا ڤَمحْ البَادِي جَا صَابَـة وجْمَـامْ18
الوعي الجمعي بأهمّية المحافظة على العادات
والتقاليد والنزعة النخوية الاعتزازيّة التي يعرف
بها أغلب «الكافية»:
لعب الوعي الجمعي بأهميّة المحافظة على بعض العادات والتقاليد الذي يتميّز به سكّان جهة الكاف والنزعة النخوية الإعتزازيّة التي لمسناها لدى أغلب «الكافية» دورا محوريا في المحافظة على بعض الخصوصيات الثقافية لسكان الجهة. كما ساهم في ذلك أيضا طبيعة التركيبة المجتمعية لسكان الكاف المتكوّنة من عروش وقبائل متعدّدة استقرّت في هذه الجهة وكان في استقرارها تمازج وثراء تراثي واجتماعي كبير. كما لاحظنا أيضا تنوّعا في طبيعة الخطاب المقامي والذي يحتوي على عدد هائل من الخصوصيات النغمية المرتبطة بالتركيبات العروشيّة المنتشرة في المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك لاحظنا حضور بعض التأثرات التراثية المتأتّية أساسا من القطر الجزائري والتي من أبرزها اكتساح آلة «الڤصبة» لجلّ مكونات التراث الغنائي الكافي وما أنتجته من تأثيرات متعدّدة على طبيعة الخطاب النغمي المتواتر. فالخطاب المقامي المعتمد في نغمات تراث جهة الكاف يختلف اختلافا جذريّا عن الخطاب المقامي التقليدي المتواتر في موسيقى المألوف وبقية الأنماط الموسيقية المستحدثة التي أمكن كتابتها (مثل بعض الأغاني الحديثة). فلا نجد تعدّدا في الأجناس اللحنية ولا كثرة في التحوّلات المقاميّة كما هو الحال في موسيقى المألوف، إنّما يعتمد هذا الخطاب المقامي الشعبي على تركيز جنس وحيد متكوّن من أربع أو خمس درجات على الأكثر في نغمة شعبية معيّنة تدور حولها كلّ تفاصيل الخطاب المقامي، ويستعمل من خلالها «الغنّاي» أو العازف كلّ الزخارف والتلوينات النغمية الممكنة لإثراء الدرجات الموسيقية وتحليتها بطريقة نغميّة خاصّة.
التسامح وحسن الضيافة المعروف عن أهالي الكاف
وانتشار الطرق الصوفية:
لعب أهل جهة الكاف المتسامح والمضياف الذي استقبل عديد الجاليات والأعراق بدياناتهم المختلفة دورا جوهريّا في إثراء مخزون المنطقة التراثي بأرصدة فنيّة متعدّدة منها الأندلسية، والتي ما يزال البعض من آثارها متداولا، ومنها العربية والمغاربية، فقد ساهمت تلك الطبيعة المضيافة في توافد عديد الشيوخ من مؤسسي الطرق الصوفية، والتي من أهمّها «الرحمانية» و«القادرية» و«العيساوية». وقد ارتبطت جل ممارساتهم التعبدية الصوفية بالتعبيرات الموسيقية، ويتجلى ذلك بوضوح في التغني ببعض الأولياء الصالحين المشهورين في المخيال الجمعي الكافي (مثل الشيخ «المازوني» وسيدي «بومخلوف» وسيدي «عمر»)، الشيء الذي زاد في ثراء وتنوع الرصيد التراثي الشعبي لجهة الكاف.
ولتفصيل ذلك يمكن القول بأنّ المتأمّل في تاريخ مدينة الكاف يلاحظ أن ظاهرة التبرّك بالأولياء الصالحين متجذّرة في ثقافة الأهالي منذ القديم. فقد فاق عدد المزارات في القرون الأخيرة في جهة الكاف المائة مقام. ومن هنا ندرك عمق هذه الظاهرة وترسخها في ثقافة السكان19. وقد تكوّن ذلك بفضل تأثّر فئة واسعة من المجتمع بأولياء الله الصالحين طمعا في الحصول على بركاتهم وعفوهم. ولأنّ الصورة الذهنية البرّاقة التي يحملها أغلب السكان عن الأولياء تجعلهم واثقين من كونهم في حماية هؤلاء الأولياء وتشعرهم بالأمان النفسي والرّوحي، انتشرت ظاهرة التصوّف سريعا بجهة الكاف كما هو الحال في أكثر ربوع البلاد.
وقد اقترنت ظاهرة التبرّك بالصالحين التي عرفت انتشارا منقطع النظير في كل البلاد في ما مضى بأعمال وممارسات موسيقية متعدّدة الأمر الذي ساهم في تكوّن رصيد هام من التراث الموسيقى الصوفي.
وتأكيدا لذلك يقول الصادق الرزقي في هذا المجال: «ففي تلك المدّة شيّدت للأضرحة والخلوات القباب الضخمة، والمباني العظيمة، وأقبل الناس على ذلك متنافسين في زخرفتها وتحبيس الرباع الطائلة عليها. زمن أقوى الجواذب المؤثرة على الأذواق والطبائع ما توسع فيه أتباع الطرق من التلحينات والترنيمات، فأجروا لذلك نظامات مخصوصة في الوظائف والأعمال، وتنوعوا ما شاءوا في تقليد ألحان الأغاني بجميع معنى النغمة، وتميّزوا عن بعضهم باتّخاذ كل منهم آلات مخصوصة، ونظموا المدائح والقصائد التي تحوم كلّها حول ذكر شيخ الطريقة»20.
وللأسف، وبعد هذا العصر الذهبي الذي مرّت به المنطقة والبلاد عموما وارتفاع الرصيد التراثي لأغلب الطرق الصوفية القائمة بدأت تحيط بهذا التراث الطرقي بعض مخاطر الترك والنسيان فقد اندثرت بعض الطرق الصوفية التي كانت متواجدة بجهة الكاف ولم يبق منها إلا بعض الممارسات الغنائية. وقد سعت الفرقة التابعة للطريقة «العيساوية» بجهة الكاف والتي لها بعض الأنشطة القائمة حتى اليوم إلى إدراج هذه المدحات الخاصّة بالطرق المحليّة المندثرة في برنامج عروضها الموسيقية من وقت لآخر وضمّها لأعمال الحضرة «العيساوية» الأصليّة وذلك سعيا منها للحفاظ على ما تبقّى من التراث الموسيقي الطرقي المتواتر بالجهة.
وكنموذج عن هذه المدحات المدخلة في برنامج نشاط الطريقة «العيساوية» نذكر المدحة الخاصة «بالقادرية» «نادوني» و مدحة الطريقة «العلاوية» «لا إلاه إلا الله»، بالإضافة إلى مدحة «سيدي يوسف» ومدحات الولي الصالح «سيدي عمر» وغيرها من المدحات الأخرى التي قامت بتبنّيها وإدراجها في برنامج أعمالها المسمّى «المبيّتة» وهي السهرة الفنيّة المقامة كنشاط رئيسي لهذه الطريقة «العيساوية»، الأمر الذي يؤكد ما ذهبنا إليه سابقا، حيث ذكرنا بأن هذه الممارسات التراثية تعرف شيئا من التماسك والالتفاف الشعبي، في نفس الوقت الذي عُرف فيه سكان هذه المدينة بإشعاعهم وانفتاحهم على الآخر واستقطابهم أنواعا تراثية مختلفة على مرّ الزمن.
وفي ختام القول، وتأكيدا على هذا الثّراء التراثي واتساع رقعة الممارسات الغنائية الشعبية وتنوّعها من جهة لأخرى من جهات الكاف، اخترنا تقسيم هذه الجهة تقسيما منهجيا يسهم في توضيح ما انتهينا إليه من ملاحظات واستنتاجات متعدّدة في هذا العمل، وذلك في شكل خارطة افتراضية مقسّمة لجهات الكاف حسب نسبة تواتر أنواع القوالب التراثية والآلات الموسيقية الدارجة.
لئن جاد هذا البحث ببعض أسراره وخباياه التي وثقنا بعضها في هذا المقال فقد امتنع في الوقت نفسه عن البوح بالبعض الآخر، ونأمل أن نرى مستقبلا بحوثا وكتابات عديدة تهتمّ بهذا التراث الفنّي الثري في جوانبه المتعدّدة والمتداخلة ومن زوايا واختصاصات علمية مختلفة تساعد في كشف المزيد من أسراره الخالدة، واستجلاء وملامسة أهمّ خصوصياته التراثية. ونحن نقرّ بأن ما ورد من معلومات وتحليلات خاصّة بتراث جهة الكاف لا تعدو أن تكون سوى محاولة لفتح مجال البحث في هذا الموروث الثري والمتشعّب.
الهوامش :
1. يقول محمد عابد الجابري في هذا المجال: التراث هو "كل حاضر فينا أو معنا من الماضي سواء ماضينا أو ماضي غيرنا سواء القريب منه أو البعيد". الجابري (محمد عابد)، التراث والحداثة دراسات ومناقشات، ط.1، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1991، ص 45.
2. يقول عبد الإله بالقزيز في هذا المجال: الثقافة هي "تعبير ذاتي – فردي أو جماعي – عن العالم؛ أي تعبير عن نمط تمثل وإدراك ذلك العالم من قبل الفرد والجماعة (قبيلة، طبقة، شعب،... إلخ). وبهذا المعنى، تعيد الثقافة – في ذلك التعبير – بناء العالم على نحو مختلف عن الهيئة "الطبيعية" التي يوجد عليها خارج أي إدراك له. لكن الثقافة، إذ تعيد ذلك البناء من خلال عملية التعبير، أو الإنتاج الرمزي، تفعل ذلك على أنحاء مختلفة: على نحو مكتوب، وعلى نحو شفهي، صوتيّ وحركيّ". بلقزيز (عبد الإله)، في البدء كانت الثقافة: نحو وعي عربي متجدد بالمسألة الثقافية، الدار البيضاء / بيروت، أفريقيا الشرق، 1998، ص 45.
3. يركز أحمد خواجة في هذا الإطار على أهمية الأغنية الشعبية كمادة تساعد الباحث في في هذا المجال فيقول: "تعتبر الأغنية الشعبية مادة هامة وثرية بالنسبة إلى الباحث الاجتماعي اذ أنها تتميز عن أدوات الخلق الثقافي الأخرى بطابعها العفوي والتلقائي، فهي خلق ثقافي وفني يتجاوز الفرد وينفلت عن الخطاب الرسمي وما يتضمنها من ثقافة سائدة ومهيمنة، كما أنها تتجاوز دائرة المحظور والممنوع والديني ... كما تنصهر الاغنية ضمن ديوان التقاليد الشفوية التي تمكن جميع الثقافات مهما كانت الرموز التي تستعملها أو اللهجات التي تعبر بها من تأكيد ذاتها وهويتها". خواجة (أحمد)، الذاكرة الجماعية والتحولات الاجتماعية من مرآة الاغنية الشعبية، تونس، أليف – منشورات البحر الأبيض المتوسط – كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس، 1998، ص 21.
4. المقصود هنا هو العمل الميداني الذي قمنا به في اطار اعداد رسالة الدكتوراه في العلوم الثقافية. دمق (أشرف)، التراث الموسيقي الشعبي بجهة الكاف: دراسة تحليلية في الخصوصيات الموسيقية: مقاربة أنثروبولوجية ميدانية، رسالة بحث لنيل شهادة الدكتوراه في الموسيقى والعلوم الموسيقية، المعهد العالي للموسيقى بتونس، إشراف سمير بشّة، بحث غير منشور، السنة الجامعية 2015 – 2016.
5. راجع في هذا الصدد: خريف (محيي الدين)، الشعر الشعبي التونسي أوزانه وأنواعه، ليبيا، الدار العربية للكتاب، 1991.
6. أنظر تعريف هذه القوالب الشعرية الشعبية في كتاب: المرزوقي (محمد)، الأدب الشعبي، تونس، الدار التونسية للنشر، 1967.
7. خريّف (محي الدين)، الشعر الشعبي التونسي أوزانه وأنواعه، ليبيا، الدار العربية للكتاب، 1991، ص 11.
8. دمق (أشرف)، المرجع السابق، ص 293 - 309.
9. دمق (أشرف)، المرجع نفسه، ص 267 – 292.
10. دمق (أشرف)، المرجع نفسه، ص 309 – 248.
11. دمق (أشرف)، المرجع نفسه، ص 229 – 266.
12. يسمى هذا البيت الشعري "راس الركاب" أو مطلع الغناء أو البيت الافتتاحي وهو بيت يعود مجموعة "الشدادة" إلى إنشاده بنفس اللحن الرئيسي" في كل مرة بعد التقدم في غناء بقية الابيات المكونة للنموذج. وترقم الأبيات الموالية له وتنعت بالبيت الأول والثاني والثالث دون ادراج البيت الافتتاحي في طريقة الاحتساب.
13. كلمة في اللهجة المحلية الشعبية تعني لباس مصنوع من الصوف يرتديه الرجال في فصل الشتاء، وأصل الكلمة أمازيغية.
14. الطيفي (محمد الطاهر)، "ملامح الشعر الشعبي بالوسط الغربي التونسي"، الحياة الثقافية، عدد 104، تونس، أفريل 1999. ص 62.
15. قام الغناي "المكي الخليفي" بأداء هذا النموذج في لقاء خاص جمعنا به وأعضاء فرقته بدار الثقافة "بالجريصة" أنظر في هذا الصدد: دمق (أشرف) المرجع نفسه، ص 300.
16. قمنا بتسجيل هذا النموذج من قالب "الطرڨ" في مقابلة خاصة مع "الغنّاي المكي الخليفي" بدار الثقافة بالجريصة. راجع في هذا الصدد: دمق (أشرف) المرجع نفسه، ص 265.
17. راجع في هذا المجال: دمق (أشرف)، المرجع نفسه، ص 336.
18. راجع في هذا المجال: دمق (أشرف)، المرجع نفسه، ص 408.
19. انظر في هذا الصدد: الحمروني (أحمد) وطن الكاف، ط.1، تونس، دار سحر للنشر، 2007، ص 43.
20. الرزقي (الصادق)، المرجع السابق، ص 105.
الصور:
- الصور من الكاتب.