قراءة في كتاب : المسافة والتحليل: في صياغة أنثربولوجيا عربية، لعبد الله حمودي
العدد 60 - فضاء النشر
يتشكل هذا الكتاب موضوع هذه القراءة، من مقدمة وخمس مقالات واستجواب، قدمها الباحث في مناسبات علمية مختلفة على مدى يناهز أربعين عاماً، وقد انتقاها بعناية ولسبب أساسي يتمثل في أن إشكالياتها تتعلق بمصير الأنثربولوجيا في بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وهذا الاهتمام سكنته المقارنة مع الوضع في أوروبا وأمريكا.
ينطلق الباحث في المقدمة بتوضيح معنى «أنثربولوجيا عربية»، ويعرفها بأنها أنثربولوجيا مكتوبة باللغة العربية المتداولة بين أغلبية الناس في البلدان المغاربية والعربية. محدداً الهدف الأساسي لمشروعه، الذي يتمثل في توطين الأنثربولوجيا كميدان معرفي في اللغة العربية، من خلال إنتاج خطاب علمي متميز يتعدى الاقتباس والتبعية. وقد حاول الباحث القيام بذلك من خلال عملية إعادة صياغة الأنثربولوجيا ورسم معالم الوساطة بين الخطابات الموروثة عن الأنثربولوجيا الكلاسيكية والكولونيالية وبين وضعية وتطلعات الباحثين العرب فيما يخص إعادة تركيب الميدان وتسخير ذلك الرصيد الموروث بعد التمكن منه إلى غاية تأزيمه.
جاء المقال الأول من الكتاب بالعنوان الآتي : «في إعادة صياغة الأنثربولوجيا»، وفيه يتطرق الباحث إلى عمليتين نقديتين تعرضت لهما الأنثربولوجيا، الأولى ظهرت عندنا بعد الاستقلال في أواسط الستينيات من القرن الماضي، والثانية في الثمانينيات. فالأولى نادت بنزع الطابع الاستعماري عن المعرفة في ميدان العلوم الإنسانية بصفة عامة، والثانية جاءت من أمريكا وركزت على العلاقة بين السلطة والمعرفة لتنادي بالتخلي عن الأنثربولوجيا أو على الأقل بتغيير جذري لمواضعها ومناهجها، وقد ركز النقاد في الحركة النقدية الثانية على تكون هذا الميدان في الظروف الكولونيالية ومساءلته بواسطة مفهوم ما بعد الكولونيالية.
تأسيساً على هاتين المحاولتين، يؤشكل «حمودي» وضع الأنثربولوجيا، وقد صاغ إشكاليته في الأسئلة الآتية: ما العمل بالأنثربولوجيا على إثر النقدين؟ وما العمل بتلك المادة التي تكدست بالخزانة الأنثربولوجية التي تكونت في ظروف الاستعمار وبعده؟
يحاجج «حمودي» على اختيار مهم مفاده : إعادة الصياغة. إذ يؤكد على أن تجربة الخوض في الأبحاث الميدانية والإحاطة بالخزانة الأنثربولوجية الكولونيالية، ربما تكون لهما حصيلة أفضل من الإعراض عن تلك المعرفة الكولونيالية كما ذهب إلى ذلك زعماء الحركتين النقديتين. لكن كيف يمكن أن نفكر في معرفة أنثربولوجية في إطار الانتماء إلى المجتمع المدروس والذي كان مموضع من قبل الباحثين الأجانب؟
يمكن القيام بذلك، من خلال المسافة المقرونة بالانتماء، ويقصد بها تلك المسافة التي تحمل في طياتها أقوى حميمية وفي نفس الوقت تعتمد على الاقتلاع الموجع من تلك الحميمية، مما يجعل وضعية الباحث تجمع بين الشعور الدائم بالانتماء إلى الأفق المصيري المشترك من جهة والموضعة بلا تنازل من جهة أخرى. إنها مسافة تبني المعرفة على جمع نقيضين : الذاتي والموضوعي، بدلا من مزاعم الموضوعية وحدها، ولكن الجمع بين النقيضين لا يكون تركيبا بل جدلية دائمة لا تسكن يوماً إلى طرف من الطرفين، وتحاول على الدوام الوعي بما يظهره الطرف الآخر وما يخفيه، وتتبنى هذه الجدلية نوعا من التاريخانية، ولكنها تبقى وسيلة لنقد التاريخانية الدوغمائية (ص: 36) .
أمّا فيما يخص وسائل بناء المسافة وتنميتها، يلح «حمودي» على ضرورة مساءلة البديهيات من خلال تجميد في مرحلة المساءلة كل ما كان متراكما لدى الباحث، والوسيلة الثانية هي تعلم اللغات الحية في مجتمع الباحث وتعلم اللغات الأجنبية الأخرى، وهنا يؤكد على أن الترجمة هي أقوى وسيلة لتحقيق المسافة وتعميق الحميمية في الآن نفسه.
أمّا المقال الثالث، والذي يعد أطول مقال في الكتاب، فتمحور حول : «الداخلي والخارجي في التنظير للظاهرة القبلية: خطوة في طريق تأسيس خطاب أنثربولوجي مستقل»، فهو يبحث العلاقة الجدلية بين «الداخلي» و«الخارجي» معرفياً، ليتناول من خلالها مفهوم القبيلة وتطبيقاته على مجتمعات منطقتنا، إذ سيغوص في أفكار الحقبة الكولونيالية إلى حد تأزيمها، حيث سيكشف حدودها الابستيمولوجية، وبعدها سيخضع خطابها لعملية مواجهة بينها وبين المعرفة الأمازيغية-العربية حول ظاهرة القبيلة، ويهدف «حمودي» من هذا المقال إلى وضع لبنة تكميلية لمحاولة أولية قصد إعادة صياغة الأنثربولوجيا (ص: 49) .
يحاول حمودي أن يفتح النقاش بخصوص موضوع القبيلة الذي همشه الفكر القومي من جهة والتيار النقدي في الأنثربولوجيا من جهة أخرى. فالأول اعتبر أن القبيلة تمثل عقبة في طريق بناء الدولة الوطنية الحديثة، بينما صنفها الثاني في خانة الظواهر المتجاوزة وحاول تعرية الأصل الكولونيالي في التنظير لها.
إستلهاما للفينومينولوجيا، يعود حمودي إلى الظاهرة نفسها، ليستخرج مفاهيم بديلة من تحليل المعرفة الأنثربولوجية ومقابلتها بالرصيد العربي في هذا الموضوع، ملحاً على أنه عوض اعتبار القبيلة كيانا له شكل ومضمون ثابتان، يحللها على أساس أنها تمثل كيانا يتشكل بحسب نمط علائقي متميز ذي مضامين متغيرة، وبشكل لا يعتبرها معزولة عن التشكيلات الاجتماعية التاريخية الكبرى، بل يكشف عن قدراتها الفائقة على التغير ومرونتها في التأقلم مع الظروف.
يتبنى الباحث قطيعة مهمة تتمثل في التعامل مع الشفوي والكتابي على أساس أنهما وجهان لتراث واحد، الشيء الذي يستدعي مقابلة المعرفة الأنثربولوجية بالمعرفة التي أنتجها العرب والأمازيغ أنفسهم، والتعامل مع مفاهيمهم على قدم المساواة مع مفاهيم الأنثربولوجيين المعاصرين (ص: 55).
يتفحص الباحث بعض الحالات من المغرب والمشرق، محاولا استكشاف الكيفية التي يشتغل بها مفهوم القبيلة بوصفه أداة وصف وتحليل، ويعود بالضبط إلى حالة «بني بطاو» و«أيت عطا» في المغرب، و«بني سعدة» في ليبيا، و«المرة» في الجزيرة العربية.
بخصوص بني بطاو في السهول الواقعة شمال جبال الأطلس يدين الباحث ل «ديل أيكلمان»، أما بنو سعدة في برقة، يعتمد «حمودي» على أعمال «إمريس بيترز» والذي ينتقد في أعماله النظرية الانقسامية التي كانت موضة ذلك العصر نظراً لتأثير «إيفانز بريتشارد». وقد انتقل «حمودي» في إطار عرضه للأمثلة من شمال إفريقيا إلى الجزيرة العربية، حيث اعتمد على دراسة «دونالد كول» في عرضه لحالة «المرة» في السعودية، وبعد ذلك يعود إلى المغرب خاصة التجمع القبلي «آيت عطا « معتمدا في ذلك على الوصف الاثنوغرافي الذي قدمه «غيلنر» والذي أعطى للنظريات الانقسامية وقتذاك نفساً جديداً (ص: 71).
من خلال عرضه لهذه الحالات، ملتزما الحذر المنهجي والحياد الأكسيولوجي ، ممارسا للنقد البناء الذي يستند إلى التراث العلمي والعامي والمعطيات الإمبريقية، يتوصل حمودي إلى أن الحالات المعروضة، تبين أن إثبات صحة القرابة يصبح أكثر صعوبة كلما صعدنا إلى المستويات العليا من تمفصلات خط النسب باتجاه الجد المؤسس. وأن العلاقة بين القبيلة والدولة عامل مهم من عوامل التحول داخل القبيلة، وأن مشكل عدم الاستقرار في التسميات والتصنيفات المعتمدة من طرف المخبرين وأهل القبائل، هو ما سيتبعه حمودي في إطار تنظيره لظاهرة القبيلة.
يتقدم «حمودي» بمقترح لدحض فكرة أن الناس مشكلون هم أيضا في أفعالهم وفق المبادئ الانقسامية البنيوية التي تبقى خارج وعيهم، لأن تصور القبيلة بوسيلة شجرة النسب ليس من قبيل الأيديولوجيا، وإنما هو مبدأ يصلح لتكوين العلاقات، وهذا المبدأ ينشط ديناميات متعارف عليها بشكل ضمني، ولكنه أشبه بالرسمي، ويحصل هذا في الوقت الذي تكون فيه ديمومة الوحدات المرفولوجية الحية والنافذة وأسماؤها، ومستوى تجزؤها متغيرة وعلاقاتها وتحالفاتها غير ثابتة. أمّا على مستوى القبائل والتشكيلات الكبرى (الأمم ومراكز الحكم الشاملة) فإن عدد فرص إعادة التجمع وأشكاله تكون محدودة، رغم أن المرفولوجيات القبلية تستطيع أن تندمج في مجموعات كبرى، أو تعيد تشكيل ذاتها وفق المبدأ نفسه أو وفق مبدأ مشابه.
على أساس ما سلف التطرق إليه، يحاول الأنثربولوجي عبد الله حمودي إجراء مقارنة بين خطاب مجتمعاتنا حول ذاتها من جهة، والخطاب الأنثربولوجي من جهة أخرى. والهدف هو محاولة رسم معالم طريق عبور بين الخطابين تسمح بتحديد مبدأ تشكل المرفولوجيات القبلية. ص83.
يحدد عبد الله حمودي ثلاث أسباب رئيسة للثغرات التي شابت النظريات التي أنتجت بخصوص القبيلة، وهي: الاعتماد في غالب المحاولات على المخبرين، الفصل بين ما هو مكتوب وما هو شفوي في التراث المغاربي والمشارقي، المكانة الابستيمولوجية الدونية التي خصصها الأنثربولوجيون الأجانب للمعرفة التي أنتجتها منطقتنا (ص:84).
يعتمد الباحث في تجربته البحثية، على ثنائية كانت معروفة في الأنثربولوجيا، ويتعلق الأمر بثنائية الداخلي والخارجي، فالأول يتلخص هنا بالمعرفة التي أنتجتها المجتمعات حول ذاتها وبنفسها، أمّا الخارجي فيقصد بها المعرفة التي أنتجها الأنثربولوجيون، ويلح في هذا الإطار على ضرورة التركيز على الأسس المنطقية والإمبريقية قبل العوامل الإستعمارية الشاملة، معتمداً هذه الثنائية في أفق تجاوزها.
يحاول حمودي بناء صرح مفاهيمي يتلاقى فيه الداخلي بالخارجي، ولكن بدون الخلط بينهما، وهو الأمر الذي لا يتأتى من وجهة نظره إلاّ من خلال القطع مع التقليد القديم الذي يفصل بين التراث الشفوي والمكتوب ودراستهما كوجهين لتراث واحد، الشيء الذي يمكن أن يتيح إمكانية استكشاف المبدأ الذي يقوم عليه بناء القبيلة.
يختم حمودي بحثه بملاحظات في نقطتين: الأولى حول توليد المفاهيم من موقع «داخلي/خارجي» الذي تجلى بوضوح عند إبن خلدون وابتكاره لمفهوم العصبية، والنقطة الثانية هي التأسيس لخطاب أنثربولوجي مستقل ومرتبط بمنطقتنا.
إن البديل الذي يقترحه لا يحاول تبرئة الأنثربولوجيا من حمولاتها الكولونيالية، وإنما يفضل اتخاذ منهج جديد في هذا النقد، وهو منهج يقتضي الدخول العميق في التصورات والمفاهيم والوقائع التي تزخر بها تلك الأنثربولوجيا إلى حد تأزيمها، وقد اقترح في هذا المقال بديلاً من خلال الدخول في جوانب من عمق المعرفة الأنثربولوجية وقابل بينها وبين الرصيد العلمي والثقافي لمنطقتنا، مقابلة أدت إلى الوقوف على الضعف الذي سكن الأسس الإبستيمولوجية لذلك الموروث الأنثربولوجي، وفي دفعة واحدة أدت تلك المقابلة إلى شق طريق بديل في اتجاه خطاب مستقل.
أمّا المقال الرابع المعنون بـ: «العلوم الاجتماعية بين الاقتباس والتوطين؛ الأنثربولوجيا وعلوم أخرى»، وفيه يؤكد الباحث على أن نزع الصبغة الاستعمارية عن العلوم الاجتماعية بصفة عامة، وإعادة بنائها قصد إنتاج خطاب متميز أي خارج التبعية التاريخية الراهنة، يكون عن طريق تجربة الأنثربولوجيا، ذلك لأننا سوف نتمكن من الخروج من التبعية إن نحن توفقنا في نزع الاستعمار والتبعية عن هذا العلم، وأن ما يمكن استخلاصه من تجربة الأنثربولوجيا قد يؤهل لإعادة النظر في العلوم الأخرى، خاصة علم الاجتماع. كيف ذلك؟
يجيب حمودي عن هذا السؤال مستحضراً العناصر الآتية: الرجوع إلى إشكالية التخلص من التبعية بوسيلة نزع الاستعمار عن المعارف؛ درس التاريخ ووضعية الأنثربولوجيا؛ المماثلة على قاعدة النقيض وإعادة صوغ الأنثربولوجيا؛ درس الأنثربولوجيا ووضعية علم الاجتماع.
في علم الاجتماع والتاريخ، تحددت الإجابة عن السؤال المطروح بجدلية النقد المزدوج، بالرغم من اختلاف لغة التساؤل بين المجالين وروادهما، إلاّ أن المشترك تلخص في اقتراح مجهود نقدي للموروث المعرفي والثقافي المغربي والعربي مقابل الموروث الكولونيالي، وقد جاء هذا الطرح بكيفية واضحة وشاملة في كتابات عبد الكبير الخطيبي، فالباحث ومجتمعه لم يعودا موضوعاً فقط، ولكنهما أصبحا ذاتاً تموضع وتسائل في عملية نقد مزدوج، معارف المجتمع الأجنبي ومعارف المجتمع الباحث، أي أن الناقد أصبح ذاتا وموضوعاً في الآن نفسه.
ما يهم عبد الله حمودي هو التنقيب عن الخلفيات الإبستيمولوجية والنظرية التي كان لها الدور الحاسم في إقصاء الأنثربولوجيا بصفة عامة، سواء تعلق الأمر بمدارسها الأوروبية أو بالأبحاث التي أنجزت حول المجتمعات المغاربية، والتي قليلا ما كانت تنخرط في الإشكاليات النظرية والمنهجية الكبرى. وقد بيّن أن رفض الأنثربولوجيا التي قاربت المجتمعات المغاربية في ظروف الاستعمار، لا يصمد أمام إعادة النظر في علاقة الموضوع بالذات، وتبين أن نقداً جديداً للذات والموضوع والعلاقة بينهما يزيل الستار على التعدديات التي تسكنهما. وهذا يمدنا اليوم بالحرية في إعادة تأويل الرصيد الكولونيالي مع ظهور تعددية المعاني، كما تبين أن الرفض البوستوكولونيالي لا يصمد أمام إعادة النظر في جدلية التخاطب، كجدلية واقعية وملموسة لا يسري عليها ما قد يسري فيما يخص تفكيك النصوص الأدبية وغيرها.
بين الأنثربولوجي الأجنبي والمغربي مماثلة على قاعدة النقيض، فالأول يأتي من بعيد ويحاول تقليص المسافة مع مخاطبيه، بينما الثاني يحاول أن يخلق المسافة الضرورية مع مخاطبيه من أجل التشخيص لظواهر هي من صميم تجربته، وهما أيضاً موقفان متماثلان وليس متشابهين، فالأنثربولوجي المنتمي يعيش مفارقة صعبة، ألا وهي تجربة أقصى مسافة في خضم أقصى حميمية، ليكون المجهود المنهجي كبيراً وحيوياً.(ص:123)، وأخيراً فإن درس الأنثربولوجيا يمثل تجربة يمكن أن يقتدى بها في إعادة صوغ علوم الاجتماع باللغة العربية، فإعادة النظر في العلاقة بين الموضوع والذات والجهد في ربط الإشكاليات وأسئلتها العريضة بسيرورة المجتمعات المغاربية والعربية لا مناص منه.
خصص المقال الخامس من الكتاب ل «كليفورد كيرتز والأنثربولوجيا»، وفيه يؤكد الكاتب على أن كليفورد كيرتز توفق في إعادة النظر في مفهوم الثقافة، ورسم له حدوداً جديدة، لكي يستعيد هذا المفهوم بفضلها قيمته الإجرائية، لذلك عرف الثقافة أنها بمثابة إطارات مرجعية تكون منظومات من المعاني والاعتقادات والقيم والنظرات للعالم، وأشكال الحس وأساليب التفكير التي على أساسها تبني المجموعات البشرية. وأن الثقافة بالمعنى الكيرتزي توجه مسار الأشخاص والمجموعات، بمعنى أنها تساعدهما على ابتكار الوسائل المادية والمعنوية التي بفضلها يكسب العمل والتفكير والعلاقات والمؤسسات انتظاما نسبياً، يضمن الصيرورة والتغير في إطار هوية وشعور عملي، تتمخض عنه أشكال خاصة في العلاقات، وفي مظاهر العمران البدوي منه والحضري، وفي الفنون والحياة الدينية والطقوس والاحتفالات كما التنظيمات السياسية.
أمّا المقال الختامي للكتاب، فجاء على شكل استجواب ترجمته الباحثة فوزية الدكالي ، والذي تمحور حول المسافة الضرورية لعالم الاجتماع، وفيه تطرق إلى الإثنوغرافيا المتمركزة حول الذات، بأنها تلك التي لا تهتم إلاّ بالذات أو باختزال الآخر في صورة الذات، ومع ذلك يلح على ضرورة الاعتراف بأن الاثنوغرافيا الأوروبية المتمركزة مهما كان تقويمنا لها، فقد كان لهم فضل الاهتمام بالآخر، وهو اهتمام فريد من نوعه في التاريخ: إنه توجه لفهم الذات لنفسها من خلال الآخر.
وفي هذا الصدد، يحاول «حمودي» إرشاد علماء الاجتماع المبتدئين بضرورة التفكير وعيش مجتمعاتهم كأشياء خارجية، كمنابع مستمرة من المفاجآت، وضروره امتلاك القدرة على رؤية الأمور خارجياً، لأن الدهشة أساسية ومنبع كل تفكير علمي وشرطاً لوجوده، كل ذلك ينبغي أن يتم بالتوازي مع الاهتمام بلغة الناس الذين هم موضوع البحث، لأنّ اللغة تتضمن رؤية ضمنية للكون وللمعياري.وختاما يطمح الباحث المغربي من أبحاثه أن تساهم في التدقيق للرهان الثقافي بتوجه يعطي للثقافة دورها في بناء مستقبل المجتمعات المغاربية والعربية.
الصور :
1. https://i1.hespress.com/wp-content/uploads/2021/08/abdallah.jpg
2. https://www.pinterest.com/pin/389913280251194945/