فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

فنّ الربابة وغناؤه في البحرين

العدد 59 - نافذة على التراث الشعبي البحريني
فنّ الربابة  وغناؤه في البحرين
مملكة البحرين

 

الربابة وتعريفها:

الربابة أداة عزف موسيقية بدائية تشبه الكمان في أسلوب العزف عليها، ولكنها اتخذت عدة أشكال، وتكون بوتر واحد فقط وغالباً ما يصنع من ذيل الخيل (السبيب). وهي انثروبولوجياً معروفة في تاريخ الكثير من الشعوب العريقة ومنشأها الصحاري والبراري.

وفي تراثنا العربي نجد أنها آلة بدوية الأصل، تؤدّى عليها الأنغام الحزينة وتغنى فيها القصائد النبطية، بأسلوب غناء مرسل وبطيء، لا تتشارك معها أية آلة موسيقية أو إيقاعية، والغناء فيها فردي، يمكن لعازفها أن ينفرد بغنائه أو يغني أمام مجموعة من الرجال وخصوصاً في مجالس القبيلة في قلب الصحراء.

وللربابة أنواع من (الجرّات) وأهمها:

الهلالي – المسحوب – المنكوس – الهجيني – الصخري – الفراقي.

أما القصائد التي تؤدى على الربابة فهي من بحور الشعر النبطي المختلفة، ولكل نوع من الأنواع المذكورة قصائد ذات خاصية معينة، منها:

    -    شكل معيّن للقصيدة.

    -    أو وزن معيّن للقصيدة

    -    أو غرض شعري معيّن للقصيدة.

لذلك يطلق عليها في كثير من الأحيان مصطلح (ربابة الشاعر).

إن أهم ما في هذه الآلة أنها تؤنس وحشة صاحبها إذا انفرد بنفسه، وتنفس عن المشاعر المكبوتة، وتبث اللواعج والأحاسيس، لأن أداءها حزين وعاطفي يثير الأشجان، ويؤثر في سامعه إذا كان المغنّي جميل الصوت.

يقول مؤلف (معجم الفولكلور) الدكتور عبد الحميد يونس في تعريفه للرباب:

«اسم يطلق في العربية على كل آلة وترية يعزف عليها بقوس. ويذهب صاحب «كشف الظنون» إلى أن الرباب وجد أول ما وجد في يد إمرأة من بني طي. وتنسب الرواية التركية اختراع الرباب إلى رجل اسمه عبد الله فاريابيّ. وثمة قصة أندلسية تجعل اختراعه محصوراً في شبه جزيرة إيبيريا».

وقد عرف العالم الإسلامي سبعة أشكال لتلك الآلة الوترية:

1.    المربع          2.    المدوّر

3.    القارب        4.    الكمثريّ

5.    نصف الكُروي    6.    الطنبوري

7.    الصندوق المكشوف.

ويقول الخليل بن أحمد المتوفى عام 791هـ إن العرب الأقدمين كانوا ينشدون أشعارهم على صوت الرباب، وكان رباب الشاعر في مصر ذا وتر واحد، أما رباب المغني فكان ذا وترين، وكان الرباب يعزف لجماهير الشعب ولم يصبح قط من آلات التخت1.

وقال صاحب (المعجم الموسيقي الكبير) في تعريف الرباب: «الرباب تسمية اصطلح عليها بالعربية لصنف من آلات الموسيقى ذات الأوتار، لها وجه من الجلد، ويجر عليها بوتر آخر مشدود في قوس أو بخصلة من الشعر تقوم مقام الوتر، وتسمى بالفارسية «كمانجه» وهذه تصغير «كمان» وكلاهما يعني القوس، وهي من الآلات القديمة العهد، وربما كانت أقدم أصناف الآلات الوترية عامة، والأشهر في تسميتها: الرباب (بالفتح)، وتختلف في الشكل وفي عدد الأوتار عند الأمم الشرقية التي تستعملها. ويتابع: وقيل، أنه لا يصح أن يقال: يضرب الرباب، بل إنما يقال: يجرّ الرباب، ولعلها، من هذا الوجه، تسمى في بعض البلاد العربية مثل تونس ومراكش (جرانة). ويقول: «فأما النغم، فإنها تؤخذ في أصناف الرباب جميعاً بقسمة أوتارها بالأصابع في أماكن محدودة يعرفها أهل الصناعة، دون أن تحدّ بدساتين، وهي قريبة من النغم التي تخرج من دساتين العود، مع اختلاف تسوية الأوتار في كليهما». ويبدو أن المحدثين الآن اعتبروا الفرق في التسمية بين الرباب والكمانجة، أنهم يطلقون لفظ الرباب على الصنف القديم الذي يغطى صندوقه بقطعة من الجلد، ويسمون الأصناف الأخرى المحدثة (كمان) أو (كمانجة) وهي على الأشهر ذات وجه من الخشب2.

الربابة في البحرين:

رغم أن البحرين جزيرة متحضرة ومنفصلة عن جسد الجزيرة العربية منذ القرون السحيقة، إلا أن الارتباط الروحي متشرب في أبنائها ومتواجد منذ القدم، ويأخذ في توصيفه عدة أشكال، ومنها استخدام آلة الربابة قديماً بين البعض من أبناء البحرين ذوي الأصول العربية أو البدوية.

يحدثنا الباحث البحريني علي أكبر بوشهري عن استخدام الربابة في عصر دلمون حوالي 2400 سنة قبل الميلاد، وهي مما عثر عليه في الأختام الدلمونية البحرينية، فيقول: « لقد عثر على نوع واحد من هذه الآلة، وهذه الآلة لم تكن موجودة لدى حضارات الرافدين، وهي دلمونية حسب اعتقادي. في أول الأمر اعتقدت أنها الآلة الموسيقية (الجنك)، إلا أن هذه الآلة تتصل أوتارها من الذراعين الجانبيين وليست عمودية مثل الآلة الدلمونية. ثم اعتقدت أنها من المحتمل أن تكون آلة العود القديمة خاصة أنها تتشابه من ناحيتين، العنق الرفيع الطويل وشكل الصندوق الصوتي الدائري. إلا أنني في النهاية وصلت إلى أن هذه الآلة هي لربابة استثنائية، حيث أنها ذات صندوق صوتي، دائرية الشكل مثل جوز الهند وليست مثل الربابة البدوية المعروفة ذات الصندوق الصوتي المربع الشكل، وهذا النوع يحمل ثلاثة أصابع في عنقها الطويل للحمل والشد على الوتر الوحيد للربابة. وأعتقد أن الذين استخدموا هذه الآلة هم من أصل سامي ولكن لم يكونوا من البدو بل من الحضر. وهذه هي الآلة الموسيقية الوحيدة التي عثر عليها ذات أصل دلموني ولم تقتبس من قبل الرافدين»3.

وحينما نتحدث عن عزاف الربابة في جزيرة البحرين فإننا لا نتحدث عن مطربين أو عن محترفين يرتزقون من خلال ممارسة هذه الهواية، وإنما نسلط الضوء على هواة يمارسون هوايتهم بصورة فردية وفي جو خاص لا يشاركهم فيه أحد، ولكنهم بهذا التفرد الفني يؤكدون انتماءهم للصحراء العربية وللشعر النبطي وإلى جذورهم العربية العريقة.

وسنعرض إلى نماذج من هؤلاء الهواة الذين أهملهم التاريخ في هذه البلاد العربية الذين لم يجدوا من يهتم برصدهم وتسجيل هوايتهم، ولم يظهروا في وسائل الإعلام المحلي مطلقاً عبر العقود الماضية. 

يقول الأستاذ راشد العريفي: «في المحرق، من حوالي 200 سنة، يزاول فن الربابة، حيث يجتمع شعراء النبط على شكل دائرة ويؤدون هذا الفن الذي يغلب عليه طابع الصلابة نتيجة معاناة الإنسان في ذلك الوقت، وفن الربابة له سمات بدوية ولحن رخيم. ولقد اندثر هذا الفن نتيجة رفض الناس لهذا النوع لأنه يوحي، كما يعتقد البعض، بالحزن»4.

ولأن الربابة، كما أسلفنا، آلة فردية، فإن القليل من الناس يحبون العزف عليها، وللأسف فإن من مارسوا هذه الهواية ذهبت أسماؤهم أدراج الرياح، لأن هذا الفن لا يستقطب قاعدة جماهيرية تروّج له، لذلك لا تحتفظ الذاكرة الشعبية سوى بالقليل من اللمحات عن عزاف الربابة في البحرين، لأن الغناء على الربابة لا يعتبر أغنية شعبية، ولأن الفيصل في تمييز الأغنية الشعبية وتحديدها هو انتشارها عن طريق الرواية الشفوية، وكذلك من سمات الأغنية الشعبية أن كل فرد في الجماعة التي تتذوقها يسهم في حفظها ونشرها، وكثيراً ما يشترك في أدائها5.

وفي طفولتي ويفاعتي سمعت عن زوج وزوجته في قرية جو أو عسكر يعكفون على الغناء على الربابة وخصوصاً لون «الصخري»، ويحترق غداؤهم على موقد النار دون أن ينتبهوا له لفرط انسجامهم في هذا النغم الحزين الذي يصدر من أوتار ربابتهم، وقد عرضت لي هذه المعلومة قديما دون أن اهتم بتوثيقها، ونسيت أسماء أشخاصها.

وربما يستغرب القارئ إذا ما علم أنه حتى وقت قريب، كان هناك من يمارس العزف على الرباب في وقتنا الحاضر في البحرين، أما فيما حولنا من بلدان الخليج العربي فالأمر أكثر بروزاً واشتهاراً منذ وقت طويل ولا زال.

يقول الفنان الكويتي غنام الديكان في توصيف الربابة: «الربابة أو رباب الشاعر هي آلة الشاعر النبطي العريقة، وقد عرفت في كتب التاريخ باسم رباب الشاعر، نظراً لأن من يعزف عليها هو غالباً شاعر، إلا أنه شاعر من نوع خاص، فهو لا يلقي الشعر كما يلقيه الشعراء عادة، وإنما يتغنى به مع أنغام الربابة التي يعزف عليها بنفسه في ذات الوقت». 

هذا الفنان الفطري الشاعر المغني العازف يطلق عليه اسم الجارور وجمعها جوارير، فهو يجرّ القوس على وتر الربابة فيخرج ألحاناً متعددة الألوان بما يتفق مع الشعر الذي يتغنى به، فسمي كل لحن منه جرة وجمعها جرات، أو طرق وجمعها طروق.

فالجرّة إذن هي اللحن الذي يعزفه الجارور على الربابة خلال غنائه لقصيدة معينة من القصائد التي تشترك معها في خصائص معينة من حيث البحر والوزن الشعري وتتوافق مع اللحن في تكوينه النظمي والإيقاعي. وبمعنى آخر فالجرّة هي اللحن الموحد لمجموعة من القصائد ذات الصفات الموحدة، ويطلق على الجرة أيضاً «طرق» وجمعها «طروق»6.

وفي توصيفه لصوت الربابة يقول:

«يصدر الصوت بتمرير القوس على الوتر ليعطينا درجة الأساس. أما باقي النغمات فتستخرج عن طريق العفق بالأصابع الخمس على الوتر مباشرة، من الجانب المقابل للأصابع وليس بضغط الوتر على الرقبة كما هو الحال بالنسبة للعود والكمان.

فإذا اعتبرنا أن الوتر المطلق يعطينا مثلاً نغمة صول فإنه بالعفق بالأصابع الخمس على التوالي يمكن استخراج درجات السلم على الصول حتى الري. هكذا:

    مطلق الوتر        صول 

    بالسبابة            لا

    الوسطى            سي

    البنصر             دو

    الخنصر            ري

ويقوم العازف – حسب قدراته -  وفي نطاق هذه الدرجات المحدودة بتصوير جنس واحد من أي المقامات المتنوعة مثل الراست والبياتي والسيكا والصبا. وبهذا الأسلوب يستخرج العازف ألحاناً جياشة التعبير صعبة العزف إلا على من تخصص في عزفها وأداء جراتها»7.

ويقول الديكان:

«الربابة ليس لها معيار موحد في ضبطها ( ليس لها دوزان ثابت) بل يقوم كل جارور بشد الوتر الوحيد بها حسب ما يتوافق مع طبقته الصوتية، إلا أن النغمات المستخرجة منها لا تتعدى بوجه عام خمس درجات صوتية هي التي تصاغ في إطارها جميع الألحان التي يتغنى بها شاعر الرباب، أي جميع جرات الربابة»8.

ولأن آلة الربابة عريقة وكانت كثيرة الاستعمال في القرون الماضية، فقد وجدت طريقها إلى جزيرة البحرين وخصوصاً بين الأجناس ذات الأصول البدوية في البحرين والتي كان وجودها ثابتاً خلال القرون الفائتة، بيد أن أحداً لم يهتم برصد وتدوين تاريخ هذه الآلة القديمة في جزيرة البحرين.

ولا يعزب عن بالنا أن الكثير من رجال البادية والحضر في قلب الجزيرة العربية يأتون إلى البحرين للعمل في مهنة الغوص على اللؤلؤ، ومنهم العديد ممن يعرفون العزف على آلة الربابة ويعزفون عليها أثناء وجودهم في البحرين، ويؤثّرون في المجتمع المحلي العربي الذي يكون بطبيعته قريباً ومستسيغاً لهذا النوع من العزف.

ومن المؤسف أن عازف الربابة لم يجد من يهتم به من خلال التوثيق الفني كما اهتم وعني بالفنانين والمطربين، سواء في البحرين أو خارجها، ولكنه فن يتميز بالقصائد النبطية الجميلة وبالأداء والتلحين الذي يبدع فيه عازف الربابة.

ومن خلال البحث الميداني وجدنا أن عدة مدن وقرى من البحرين ظهر فيها عازفو الربابة، مثل مدينة المحرق، والحد، والزلاق، وقرية جو.

ومن الأسماء التي وصلتنا، عازف الربابة (محمد بن ارحمة بن راشد الدوسري)، وهو من أهالي قرية الزلاق الكائنة على الساحل الغربي لجزيرة البحرين، وكان كفيف البصر، محباً للشعر النبطي ويحفظ الكثير منه، ولا غرابة في ذلك لأن والده هو الشاعر الوجداني المعروف ارحمة بن راشد الدوسري، والكثير من قصائد والده  العاطفية تصلح للجر على الربابة.

ويقول الشاعر الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة أنه أدرك هذا العازف على الربابة، واستمع إلى عزفه وغنائه، ومما كان يغنيه من قصائد قصيدة من القصائد المفقودة للشاعر الكبير محمد بن لعبون مطلعها:

دار الشمال وقرّبوا لي سفينه

وأنويت عن ديرة وليفي بالأبعاد

وهي قصيدة ليست متوفرة في مجموعة قصائد ابن لعبون المطبوعة في ديوانه، وكان الدوسري يجرّها بلحن (الفراقي). 

وفي عقد الستينيات من القرن الميلادي الماضي، كان أحد الأصدقاء من فريج العمامرة بمدينة المحرق يؤدي أنماطاً من غناء الربابة على آلة الكمان، متأثراً بأداء المطرب الكويتي عبد الله فضالة الذي غنى بعض القصائد النبطية بجرّها على آلة الكمان، ومن هذه القصائد:

    -    يا راكبين أكـــوار ســتٍّ تبارى – للشاعر حمود الناصر البدر

    -    خلوجٍ تجذّ القلب بأتلى عوالها – للشاعر محمد عبد الله العوني

    -    يا بو فهد ويلاه من تيهة الراي - للشاعر حمود الناصر البدر

    -    خليلي لو ياطا على جمرة الغضا - للشاعر عبد الرحيم المطوّع التميمي

    -    يا طير يلّي بالهوا لك تخافيج – للشاعر حمد عبد اللطيف المغلوث

    -    يا ركب حلّوا بالبرا زوم زورها – للشاعر محمد عبد الله العوني

    -    باح العزا مني الحبيب الجنوبي – للشاعر حمد عبد اللطيف المغلوث

    -    عزّي لقلبٍ كلما هوّد الليل – للشاعر محمد عبد الله العوني   

فكان هذا الصديق يؤدّي (الهلالي والصخري) على الكمان، ومنها القصائد المذكورة، وبعض قصائد أخرى منها قصيدة (ما لي وبث اشكاي في كل حالا) للشاعر محمد الصالح القاضي.

    -    وكذلك سجّل المطرب البحريني (محمد راشد الرفاعي) أسطوانة على جرّة الربابة وهي قصيدة (هلا ما لاح فجرٍ نوره أسفر).

    -    أما أشهر ألحان وجرّات الربابة التي أدّيت في البحرين فهي الهلالي والمسحوب والصخري والفراقي.

فالهلالي هو الذي تستخدم فيه القصائد ذات القافية الواحدة التي أكثر من استعمالها ونظمها شعراء بني هلال أصحاب التغريبة الشهيرة، فنسب إليهم هذا النمط من الشعر .

أما المسحوب فهو من الشعر ذي القافيتين،  في كل مصراع قافية، ومن أشهر قصائد المسحوب التي تستعمل في البحرين قصيدة (يا جر قلبي جر لدن الغصوني) التي تنسب للشاعر الدجيما.

أما الصخري فينسب إلى قبيلة بني صخر في بادية الأردن لأن عازفي الربابة فيها يكثرون من استعمال هذه الجرة. ويستعمل فيها الشعر الحزين الذي يؤثر في العواطف فيثير الشجن.

وبالنسبة للفراقي فهو قريب من الصخري، بيد أن الشعر المستعمل فيه ينصب على موضوع الفراق وفقد الأحباب، والصخري والفراقي يستخدم فيهما الشعر ذو القافيتين وإن تفاوتت الأوزان الشعرية.

ومن الأشخاص الذين مارسوا العزف على الربابة في مدينة المحرق شخص يدعى (خليفة بن دسمال)، وكان يسكن في فريج المنانعة (البن هندي) ثم انتقل للسكنى إلى الشرق قليلاً في فريج القمرة.

وفي فريج العمامرة بالمحرق، يروى أن المرحوم (أحمد بن حسن العماري) المتوفي عام 1968م، مارس الجرّ على الربابة في فترة من حياته، وهو من جامعي القصائد النبطية ومدونيها قبل أن تنتشر طباعة الدواوين، وقد برزت بعض جهوده تلك، في المجموع الشعري الذي قام بجمعه، وطبع عام 2020 وصدر تحت اسم (نخب النظيم من الشعر القديم).

وفي مدينة الحد، أقصى شمال البحرين، والمدينة المعروفة في محافظة المحرّق، وفي جهة الجنوب منها، كان المرحوم (سالم بن خليفة النعيمي) يمارس جرّ الربابة في ساعات التجلّي النفسي، ويردد القصائد النبطية التي تؤثر في سامعيها كما تؤثر فيه.

ويقول الراوي الأستاذ محمد أحمد عيسى جبارة آل بوفلاح أنه وأترابه في سنّ الطفولة كانوا يذهبون إلى شمال الحد بقرب المقبرة، حيث يبنى مقر جديد لنادي النهضة بالحد، ويقوم على حراسة مواد البناء والمبنى المرحوم (سالم بن خليفة النعيمي)، وقد نصبت له خيمة قرب المشروع يقيم فيها، فكان يمارس الجرّ على الربابة والغناء عليها، وكنا نذهب خصيصاً لسماع جرّاته على الربابة.

ولا يعني ذلك أن هذه الأسماء فقط اهتمت بالعزف على آلة الربابة في أنحاء البحرين، بل بالتأكيد كان هناك سواهم في المدن والقرى من زاول العزف عليها، ولكن الذاكرة الشعبية لم تهتم برصد هذه الأسماء، وتلك الأسماء التي رصدناها كانت تحيا في النصف الأول من القرن العشرين، أما ما قبل ذلك فلم تسعفنا الذاكرة الشعبية بتدوين أسمائهم.    

ويحدثنا السيد خميس بن حمد الرميحي عن عازف ربابة إحسائي الأصل، ولد في الأحساء، وقدم إلى البحرين والتحق بمهنة الغوص على اللؤلؤ، وانضم إلى سنبوق النوخذة أحمد بن ارحمة الرميحي وعمل بمهنة (السوابة) أي أنه يعمل (سيباً) مهمته سحب الغواص بالحبال من أعماق البحر. وأقام في قرية جو جنوب جزيرة البحرين، ويدعى (أحمد بن أحمد العبودي)، ويلقب(خرباش)، وكان يزاول العزف على الربابة في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الميلادي المنصرم، وكان بعض أهل القرية يستنكرون عليه ممارسة العزف على الربابة.

وقد عاش العبودي في البحرين حتى عام 1958م ثم ارتحل إلى قطر مع قسم من قبيلة البورميح الذين ارتحلوا ذلك العام، ومكث فيها حتى وافته المنية في سنة 1984م، ولكنه كان يتردد كثيراً على البحرين وقرية جو خصوصاً.

كان قصير القامة، به عرج،  تزوج وطلق زوجته مبكراً وأطفاله صغاراً، وله من الأبناء اثنان: عبد الله الذي توفي شاباً، وعيسى الذي عاش مع والدته في الرفاع، وله ذرية يقيمون في مدينة الرفاع حالياً.

 

 

الهوامش:

1.    موسوعة الفلكلور: صفحة 129.

2.    المعجم الموسيقي الكبير: الجزء الثاني، صفحة 400 و 401.

3.    صحيفة «الأيام»: أول مايو 1989م، 26 رمضان 1409هـ.

4.    فنون بحرينية: صفحة 111.

5.    موسوعة الفلكلور: صفحة  39.

6.    الإيقات الشعبية: الجزء الأول، صفحة 122.

7.    المصدر نفسه: صفحة 123.

8.    نفس المصدر: 124.

المصادر والمراجع:

1.    معجم الفلكلور: د.عبد الحميد يونس – الطبعة الأولى 1983 – مكتبة لبنان - بيروت.

2.    المعجم الموسيقي الكبير: غطاس عبد الملك خشبة – الجزء الثاني – 

3.    المجلس الأعلى للثقافة – مصر 2004م.

4.    الإيقاعات الشعبية في الأغنية الكويتية: غنام الديكان – الجزء الأول – الطبعة الأولى – 1995م - المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب -الكويت

5.    عبد الله الفضالة: صالح الغريب – الطبعة الثاني – 2016م - دولة الكويت.

6.    جريدة «الأيام» البحرينية:  العدد الصادر في يوم الاثنين 26 رمضان 1409هـ  الأول من مايو 1989م.

7.    فنون بحرينية: راشد العريفي – البحرين - المؤسسة العربية للطباعة والنشر- البحرين.

الصور:

    -    من الكاتب.

 

أعداد المجلة