فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

الأداء الحركي والعروض الفرجوية عند قناوة والعيساوية

العدد 58 - موسيقى وأداء حركي
الأداء الحركي والعروض الفرجوية عند قناوة والعيساوية

أثبت الفضاء المغاربي منذ القدم أنه فضاء التفاعل الثقافي، فهو فضاء القبول والاستيعاب، ووعاء للتلفيق وإعادة التركيب. كما برهن أيضا أنه مجال الحركة والوجد والترقي والروحانيات، وموطن بعث الصلحاء وميلاد عديد الطرق الصوفية الكبرى، التي استطاعت الانتشار مشرقا ومغربا، مساهمة في بناء الجسد الحضاري للمغارب والمجالات الثقافية المجاورة. لقد أسهمت تلك الطرق في تلبية الاحتياجات الروحية لما تنطوي عليه من حسّ وجدي عميق وافق انتظارات الذائقة الجمالية العامة من خلال تكوّن مجالس السماع والإنشاد والذكر الجماعي، تم تطعيمها لاحقا بممارسات موسيقية، بغاية مزيد تفعيل الحوّاس لأجل الترقي نحو ربهم وبلوغ حضرته(1).

كان الفضاء المغاربي وما زال، فضاء التنوع في أشكال التعبير الإنساني على اختلاف أصنافه من مرويات سردية وشعرية أو فنية وطقسية، ومن رقص وإنشاد وغناء وموسيقى، والتي من خلالها وعبرها كشف المغاربة عمّا اختلج في نفوسهم وما في فكرهم من تصورات ورؤى فردية أو جماعية. وعُرف الفضاء المغاربي أيضا بأنه فضاء الابتكار والخلق والتنوع وأثبت جدارته في تبادل عطاءاته الثقافية مع المجالات الثقافية المجاورة، سواء أكانت تلك التي تموضعت شمال المتوسط وعلى جزره، أو مع المجالات الصحراوية والعالم الإفريقي الواقع خلفها. حيث بلغ مدى ذلك التفاعل الجانب العقائدي، فلم يكتف المغاربة بحدود التدّين الرسمي، بل ابتكروا شكلا آخر لمقدسهم ارتبط باستخدام مجازات من الواقع وخلق رموز في حالة وجدانية مشتركة مستقطبة لانفعالات دينية متفرقة وموروثة امتدت على مسار تاريخ طويل حافل بتجارب دينية متنوعة جمعت بين الوثني والتوحيدي، ومنفتحة على مجالات جغرافية شاسعة تجاوزت حدود الطبيعية المحيطة.

يندرج مقالنا ضمن مبحث يعنى بالتأثير الإفريقي في الثقافة المغاربية، فركزنا اهتمامنا على جانب من ذلك الـتأثير الذي اتخذ طابعا روحانيا، بدراسة أوجه التشابك والتلاقي في طقوس وعروض طائفتين روحانيتين يعلنان اختلافهما الظاهر في مستوى الانتساب والطقوس: هما «قناوة» كطائفة صوفية وموسيقية افريقية المنشأ ومغربية التكوين، مع طريقة «عيساوة» كطريقة ذات أسس ومرجعيات فكرية وطقسية محلية أثبتت قدرة فائقة في الانفتاح على بقية الطرق الأخرى، بما فيها تلك المـتأصلة في الهوية الإفريقية. فمن خلال مقاربة انتروبولوجية ثقافية(2)، عملنا على البحث في أبرز التقاطعات الممكن رصدها في طقوس «الليلة العيساوية» و«الليلة القناوية» بالوقوف خاصة عند الالتقاء الشكلي والمضموني. فقد عاينا تقاربا كبيرا بين الطائفتين من خلال البناء الثلاثي لطقوس ليلتيهما، التي تبدأ بمرحلة تحضيرية وسمت عند عيساوة بمرحلة «الذكر» وعند قناوة بطقس «العادة» حيث يكون نسق الإيقاع بطيئا مع تصاعد مضطرد ليبلغ مرحلة الذروة في مرحلة «الملوك» وفق التسمية المشتركة، حينها يبلغ الإيقاع مداه لأجل تأمين مرحلة العروج نحو عالم غير محسوس. ولقد غلب على طقوس الطريقتين - إلى جانب طقسي «الذكر» و«الإنشاد» - طقس الرقص الذي تكفل باستيعاب شحنة المكبوتات وتفريج كروب الراقصين. وتجاوز الرقص عند قناوة تأمين الأدوار السالف ذكرها ليصبح عندهم وسيلة لربط الصلة بالذاكرة وبالوطن الأم وبتاريخ الأسلاف. أمّا «الجذبة» أو «الغيبة» أو «التخميرة» فتعد ركن الزاوية في طقوس الجماعة، حيث تؤمن العروج بصاحب الحال نحو عوالم غير مرئية، والاتصال بقوى خارقة، متوسلا عطفها لمنحه حلولا لمصاعب عجز على مواجهتها. وعليه فقد اتخذ نصنا بنية ثنائية تناولنا فيهما إشكاليتين رئيسيتين هما: المكونات الطقسية الظاهرة في ليلة قناوة وعيساوة، ومدلولات الرقص والجذبة كطقوس رئيسية عند الطائفتين.

قناوة وعيساوة:

تشابك المرجعيات وتقاطع الطقوس

بداية وقبل الغوص في تفاصيل طقوس الطائفتين التي تؤثث ليلتيهما على امتداد ساعات طويلة، يستحضرنا سؤال البحث في هوية قناوة وعيساوة، فمن هما؟ وماهي سياقات بروزهما؟ وماهي مرجعياتها الفكرية والروحية؟

1 ) مدلولات التسمية وعود على التأسيس:

«كناوة» أو «قناوة» وفق عديد الدراسات هي كنية مستوحاة من انتساب جغرافي، حيث كان التجّار المغاربة يطلقونها على أهل «جيني» أو «كيني»، وهي مدينة مشهورة تقع جنوب تمبكتو على حوض النيجر. وردت هذه التسمية في عدة مصادر كلاسيكية ومنها ما ذكره الحسن الوزان الفاسي الذي أرجع أصل التسمية إلى: «مملكة يسميها التجار الأفارقة (يقصد المغاربة) «كناوة» والأهليون «جيني»، ويطلق عليها البرتغاليون ومن لهم خبرة بهذه المناطق في أوروبا غينيا»(3). وبمرور الوقت تحول الانتساب الجغرافي إلى اسم للدلالة على العبيد المغاربة الذين كانوا يشكلون فئة من المغنّين المتجوّلين في أرجاء المملكة فترة تكوّن فن قناوة.

يعود الحضور الإفريقي في المغرب، حسب الباحث جون بوشيلون إلى فترة العصر الحجري الحديث في سياق الهجرات الكبرى للشعوب الإفريقية. ثم وقع تهجيرهم في الفترة الرومانية نحو جنوب الأطلس من قبل الأمازيغ المحليين. وتحدثت المصادر العربية لاحقا عن انخراط عدد من السود في عهد يوسف بن تاشفين (1061 – 1106 م) ضمن الجيش والمخزن المرابطي، الذي تزامن مع بدايات تشكّل المدّ الصوفي في مجالات المغارب. ومع اتساع آفاق التواصل بين المغرب وإفريقيا وفي عهد السلطان «أحمد المنصور» (1578 – 1603 م) تضاعف عدد العبيد الوافدين على المملكة وتكاثرت مراكز إقامتهم بمعظم المدن المغربية: كفاس وأسفي والرباط ومكناس ومراكش والصويرة و مناطق أخرى من البلاد، واشتهروا وقتها باسم «كناوة» أو «أكناو». ثم تزايدت أعدادهم في عهد الدولة العلوية عندما قام السلطان «اسماعيل الذهبي» (1666 م – 1727م) بتعداد العبيد في ديوان خاص وألزمهم بالتجنيد بعد أداء قسم الولاء على كتاب «البخاري» فسموا بذلك «عبيد البخاري» أو «عبيد الديوان»، حيث بلغ عددهم ما يقارب ب 150 ألف فردا. انحدر أغلب الأفارقة الوافدين من أقوام مختلفة كانت قد استوطنت غرب إفريقيا ومن أبرزها البمبارا Bambara والهوسا Houssa والسنغاي Songhaï، قبل أن تنفتح الطائفة القناوية على مجموعات بشرية أخرى، فلم تعد تقتصر على السود بل انخرط فيها الهجناء والبيض من السكان الأصليين للبلاد. ثم تراجع الحضور الافريقي في زمن الحماية الفرنسية حينما أغلقت أسواق النخاسة في المملكة ومنعت تجارة العبيد(5). ولقد اتخذت تسمية قناوة في الأوساط المغربية والمغاربية وإلى عهود متأخرة وصما دونيّا للدلالة على مجموعة بشرية وافدة من أعماق القارة، تتركب من مهمشين فقراء يتمعشون من التسوّل والشعوذة. فحينها واجهت أعمالهم تنديدا واسعا من قبل ممثلي الإسلام الرسمي(6). ورغم ذلك الصد فقد أمكن للأفارقة السود الانتظام ضمن طائفة عرقية وروحية وفنية مميزة، ومن تشييد فن وطقوس بإيقاعات قوّية محملة بثقل الأساطير والمعتقدات الموغلة في القدم، ومشحونة بالإرث الحضاري الإفريقي والبربري والعربي، والتي ميزتهم عن بقية الطرق الصوفية الأخرى وأخرجتهم من الهامش إلى العلن.

وبخصوص أصول الطائفة الموسيقية والروحية – الثانية موضع الدرس- المعلنة انتسابها إلى الشيخ محمد بن عيسى(ت 1526 م ) دفين مكناس ومؤسس للطريقة العيساوية، فقد احتفظت الذاكرة الشعبية بصورة فيها كثير من التبجيل، إلى حدّ وسم الشيخ المؤسس بـ«الشيخ الكامل»، لما كان يربي عليه المريدين من عمق روحي عن طريق العناية الخاصة بالذكر وتلاوة القرآن وسرد المدائح والصلوات على الرسول. بدأت أولى «الطوائف» التابعة للطريقة العيساوية بالظهور في القرن السابع عشر، نتيجة مجهودات كبرى من قبل أحفاد محمد بن عيسى الذين عملوا على تعيين ممثلين أي «مقدّمين» للطريقة في جهات مختلفة من المملكة المغربية وخارجها ضمانا لتواصل ذكر وهيبة «الشيخ الكامل».

للطريقة العيساوية أسس وركائز فكرية اعتمدتها في تأسيس كيانها وتأصيله، والتي مثلت دستور هذا التنظيم في البداية، وشكلت في مرحلة لاحقة القاعدة التي بنيت عليها أولى الأدبيات الصوفية التي قامت على أساسها الممارسات الشفوية والصوتية التأسيسية وما أعقبتها من ممارسات موسيقية فيما بعد(7). لقد اتبعت عيساوة في مسارها الصوفي خطى سابقتها ومنسّلتها الطريقة الجزولية التي استندت من ناحيتها إلى الإرث الصوفي الشاذلي المختزل لأبرز التوجّهات والنظريات الصوفية الرائجة منذ أعقاب القرن العاشر ميلادي. وهي توجهات أسهمت بدرجة كبيرة وفعّالة في تدوين وتوضيح وإثراء افكار متصوفة التأسيس، عاملة تبعا لذلك على إدماج تلك الأفكار في حظيرة الشريعة، محققة بذلك مصالحة حقيقية بين علمي «الباطن» و«الظاهر» أي بين التصوف والفقه(8). ومن نافلة القول، أن السياق الروحي المغربي قد اتخذ مسارا مغايرا لما أقره متصوفة التأسيس، حيث وجّه عنايته بالجوانب الشكلية من ممارسات صوتية وشفوية على حساب المضامين والمحتوى، رغبة منه في التأثير على الوجدان أكثر منه على العقول، باعتبار توجهه إلى الطبقة القاعدية التي تتأثر أكثر من غيرها بهذا النوع من الاستعمالات. وتلازمت أولى الممارسات العيساوية ذات الصبغة الشفوية والصوتية مع العديد من الأعمال الطقسية التأسيسية والأنشطة الطرقية المعتمدة على أدبيات خاصة وهي كتاب «دلائل الخيرات»(9) وحزب «سبحان الدايم»(10).

تتألف فرق العيساوية في المناطق الريفية من عناصر مختلطة من الجنسين وتقتصر في الوسط الحضري على العنصر الذكوري، ويتراوح عدد أفراد الفرقة الواحدة ما بين عشرة وعشرين عنصرا بين عازفين وراقصين يسمون «خدّامة»، وعلى رأسهم قائدهم المسمى «المقدّم». وتخضع جميع طوائف العيساوية الى رئيسهم «مقدّم المقدّمين» الذي يلعب دور الوسيط بين مختلف الطوائف، الملزمة بتقديم عطايا عينية ومالية سنوية للزاوية العيساوية الأم بمكناس خلال احتفالات «الموسم» لضمان استمرار البركة وتجديد العهد(11). وتتألف معدّات العيساويين المكناسيين أساسا من الأزياء التي يرتدونها خلال قيامهم بأعمالهم، وهي «الجلاّبة» و«الحنديرة» ويرتدون تحتها قميصا أبيض وسروالا تقليديا، كما يقوم بعضهم بوضع عمامة صفراء على الرأس مع انتعال «الببوّش» أو «البلغة»، ومن المعدات الطقوسية كالرايات والمباخر. ويستعملون مجموعة من الآلات الإيقاعية ومنها: الطبلة وبوزنازن والبندير والتعريجة والطاسة والطبل، ويستخدمون أيضا آلتين نفخيتين هما الغيطة والنفير(12).

2 ) طقوس «الليلة» عند عيساوة وقناوة:

للمغاربة كما لبقية شعوب العالم تواريخ رمزية ضمن الروزنامة السنوية، مشحونة بذكريات لأحداث تأسيسية ترتقي إلى منزلة الزمن المقدس، ما يدعوهم إلى تكرار الاحتفاء بها بشكل دوري. وحينها توجه الدعوات إلى إحدى الطرق الصوفية لإحياء تلك الذكرى أو الحفل بغرض استجلاب البركة لتعم العباد والمكان. وتعد مناسبة المولد النبوي، أو «ليلة القدر» في شهر رمضان أو «عاشوراء» من التواريخ المميزة التي واظب المغاربة على احيائها، فتقام الأفراح وتنظم الحفلات داخل الزوايا والرباطات ومقامات الصلحاء والصالحات أو بالساحات العامة. كما يواظب المغاربة على الاحتفاء ببعض المناسبات الخاصة كالعقيقة أو حفل ختان، أو لطلب العلاج لشخص استعصى شفاؤه على الحكماء، أو لتطهير الفضاءات من الأرواح الشريرة. ذلك أن المغاربة مثلهم مثل بقية المسلمين وغير المسلمين يعتقدون في وجود عالم خفي أو عالم الجن الذي يتدخل في تحديد مسارات حياة الإنسان، وهو عالم يمكن الولوج إليه عبر وساطات خاصة يدركها أهل الطوائف الصوفية وشيوخها. وفي إطار دراستنا لأوجه التشابك الثقافي بين طائفتي قناوة وعيساوة، ارتأينا التركيز على أشكال تنظيم «الليلة» وبالوقوف عند طقسين متشابهين وحاسمين ضمن طقوس «ليلة» الطريقتين، التي تعقد في المناسبات الخاصة بغاية تطبيب المرضى وإزالة السحر، يتمثلان في «الذكر» العيساوي و«العادة» القناوية وحصة «الملوك».

«الذّكر» العيساوي و«العادة» القناوية:

تنقسم «الليلة القناوية» إلى عدة عتبات طقوسية، بدءا بما يسمى بـ«العادة» وهو استعراض احتفالي وإعلاني لبداية «الليلة»، ويقتصر أداؤه موسيقيا بآلة الطبول والقراقب الحديدية، وتنقسم تلك المرحلة بدورها إلى عديد الأقسام لعل أبرزها طقس «النكشة» ثم «أولاد البمبارا»، وهما فقرتان راقصتان فرجويتان وتمهيديتان للعتبة الكبرى التي تنطلق مع الإنشاد المسترسل «للملوك». يبدأ التحضير لـ«لليلة» القناوية منذ صلاة العصر، حيث يلتقي أفراد المجموعة التي تتكون من 15 إلى 20 فردا أمام إحدى زوايا البلدة ويتقدمهم «المقدم» للطواف في أنهج وأزقة البلدة كإعلان عام عن الشروع في إقامة «الليلة» في أحد المنازل، وكذلك بغاية التعهد الدوري لأرجاء البلدة بالذكر والتصلية لأجل طرد الأرواح الشريرة، ويتقدم الموكب الثور أو الماعز المزمع ذبحه وتقديمه كقربان للجان(13). يطوف قناوة على مختلف الأزقة والشوارع والساحات مرتدين أزياء مميزة مختلفة الألوان، مزودين بآلاتهم الموسيقية المختلفة. وترافق الأهازيج والرقصات الإفريقية استخدام آلات موسيقية وترية وإيقاعية، ومنها «الكانكاه» (الطبل الكبير) و«الطعريجة» (الدربوكة) و«الطبيلات» (الطبل المزدوج أو البونغوس) و«القراقب» (الصناجات وهي من أهم لوازم الكناوة) و«الرش» (التصفيق الإيقاعي). ومن الوتريات «الكمبري» أو «السنتير»، وهي آلة مستطيلة شبيهة بالجيتار ذات ثلاثة أوتار غليظة عميقة الصوت، إضافة إلى «الوتر»، وهو آلة تشبه الماندولين وذات وترين في أغلب الحالات. وتنتهي تلك الجولة بالوقوف عند باب المنزل الذي ستقام فيه عروض «الليلة».

يفتتح عرض «الليلة» بـطقس «العادة» وتسمى في بعض المناطق من المغرب على غرار مراكش بـ«العرضة» (الدعوة)، فيتم الإكثار من وضع البخور وعزف معزوفات مخصوصة استجلابا لملوك الجان. ثم يؤذن للجميع بالدخول خلف «مقدم الفرقة» إلى فناء المنزل، المكان الذي سيحتضن أطوار «الليلة» القناوية(14). تنطلق حصة أولى ترفيهية من الرقص والشطح على إيقاعات دقات الطبول و«القراقب» من قبل «الكويو» وبعض العناصر النسائية، ثم يسمح بين كل فقرة وأخرى للعازفين والراقصين لنيل فسحة قصيرة من الراحة وفيها يقدم الحضور بعض الهدايا العينية والمادية لـ«ملوك الجان»(15). وبالمقابل، فإن احتفال «الليلة» العيساوية يبدأ إثر صلاة العشاء وينتهي عند الفجر، وينقسم إلى ثلاثة فصول شأنها شأن «الليلة القناوية»، وهي «الذكر» و«الملوك» و«الحضرة»(16). يبدأ طقس «الذكر» مع الشروع في دخول المنزل ويسمى عندهم بـ«الدخلة» ويتلازم مع سرد الأذكار والأدعية وإنشاد الأشعار والقصائد الدينية المعتمدة ضمن الرصيد الإنشادي للطريقة(17). ويمثل ذلك الطقس عملية تمهيدية، ترتكز على التوحيد والشهادتين لتحقيق السلم في المكان، وبقراءة أوراد وابتهالات في مقدمتها حزب «سبحان الدايم»، أو ما يمكن تسميته بـ«الصلاة الشافعية»، وكذلك إنشاد قصائد منها» الحُرم» و«الدرقاوية» و«التهضيرة»، و«التواتية». تتميز هذه المرحلة بإيقاعات سريعة خاصة في التهضيرة، وتستهدف إنهاك قوى الشر لدى الجاذبين قبيل العبور إلى مرحلة «الملوك». وعندها يمكننا أن نسمع أبياتًا زجلية منها:

الطالبـين وْمَـا طلــبوا الـراغبـن وْمَــا رغـبوا

الـواقفـين ببــاب الله سيـادنــا رجـــال الله

الــزايـــريــن إذا زاروا قلـوبهـم يســلاوْ بالله

ينتظم أفراد الفرقة بآلاتهم الموسيقية في صف خلف «المقدم» حسب نظام محدد، يكون فيه عازفو الطبل أولا ثم عازفو «بوزنازن»، ويليهم الغياطون وفي الأخير نجد نافخي النفير. ويقوم اثنان من الموسيقيين بتركيز الرايات الخاصة بالطائفة العيساوية على جانبي المحل كإجراء ضروري في نظرهم لإبعاد الأرواح الشريرة من جن وغيره ويُمكّن من تلقي البركة. وتنتهي هذه الفترة باستقرار أفراد المجموعة على مقاعد مخصصة مسبقا لهم على شكل نصف دائري تسمى «حلقة»، ويعتبر الفضاء المخصص لجلوس العيساويين بمثابة المساحة المقدسة أو «الحرم»، الذي تكون طهارته ونظافته محل اهتمام الجميع حتى من قبل العيساويين أنفسهم الذين يخلعون نعالهم قبل الجلوس، فالأوساخ تجلب الجن والوسواس الذي يعطل حسن سير الليلة(18). يبدأ المقدم بسرد جملة من الأدعية بصوت مرتفع بطلب من الحضور الذين يقايضون ذلك ببعض الدراهم، وهي أدعية يطلب من خلالها العون والشفاء والرخاء والنجاح لكل الحاضرين. وفي ختام ذلك يسرد جميع الحاضرين بصوت عال سورة الفاتحة وإثرها يوزع أحد أفراد العائلة كؤوسا من الماء وأخرى من الحليب وشيء من التمر التي لحقتها بركة الدخلة(19).

3) «الملوك» حجر الزاوية

في «ليلة» عيساوة وقناوة:

يعود مصطلح «الملوك» كطقس محوري ضمن «الليلة» العيساوية والقناوية إلى اعتقاد افريقي قديم في الجن وقدراته الخارقة في تملك الآدميين، ويشار إلى أن المعتقدات والطقوس المرتبطة بالجن قد تدعمت بحلول العبيد الأفارقة في شمال إفريقيا حسب ما أشار الى ذلك كل من جورج لاباسد Georges Lapassade والباحثة الفرنسية فيفيانا باكس. فيطلق على هذه المخلوقات اسم «الملوك» أي المالكين لشخص ما. ويتمثل ذلك الطقس في حصة مخصصة لنوع من الممارسة الموسيقية المصحوبة برقص طقوسي غايته طرد الجان والأرواح الشريرة، ويساعد على شفاء المرضى الذين يفترض أنهم مملكون من الجن(21). يكون حضور الحفل متاحا لجميع الناس على اختلاف أعمارهم ومستوياتهم الاجتماعية، كما يسمح بالاختلاط بين جنسي الذكور والإناث.

آثر أصحاب الطريقة العيساوية منذ القرن السابع عشر إدخال آلات ايقاع والآلات النفخية مثل «الزّرنة» والارتقاء بمجالس السماع والمديح الصوفي إلى نمط من الاحتفال الطقسي من خلال حضور مشهدي منظم. ويفضي ذلك الانتظام على حالة من الوجد والجذب، فتعتري المريدين حالة من الانجذاب غريبة تجعلهم قادرين على إتيان بعض الخوارق. فخلال طقس «الملوك» عند عيساوة يلتقي صفان متقابلان جلوسا ينقرون على الدفوف ويتوسطهم شيخ الحلقة المسمى بدوره بـ«المقدم» أو «شيخ الششتارة»، ويقف المريدون أو الدراويش المسمون في أدبيات الطريقة بـ«الحضّارة» للشطح والحركة تفاعلا مع معاني الأبيات الشعرية والأزجال الصوفية، وتناغما مع حركة الإيقاع الموسيقي بحثا عن مواجد روحية وحالات انجذاب نفسي تنتشي بموجبها النفوس وتنجُم عنها سعادة روحية قصوى(22).

تتخذ الطائفة العيساوية خلال قسم «الملوك» نفس وضعية الجلوس التي اتخذتها في قسم «الذكر»، وتوضع في وسط الحرم مائدة توضع فوقها الهبات المقدمة للجان. ويختص كل جنيّ بلحن مخصوص ينشده العيساويون على إيقاع مستعار من موسيقى القناوي، فيقوم بعض الموسيقيين بعزف «الصاجات» أو «الشقاشق» والطبل الكبير، بغاية جلب المملوكين الى الرقص لأن الملوك يظهرون من خلالهم. ويعتقد أن جماعة الجن عندما تسمع الموسيقى المحببة لديها، فإنها تجبر الأشخاص المملوكين على القيام بالرقص(23). ويقدم في «ليلة عيساوة» صنفان من الرقص، أولهما ذاك الذي يسمى «رقص الجذبة» والذي يعتقد أنه متصل بعملية تملك الجن بالشخص الذي يقوم بهذا النوع من الرقص. وتعتبر حالة الجذب عندئذ مثل البركة الإلهية التي تدل على قرب انصراف ذلك العنصر الغريب من جسم الراقص. أما النوع الثاني فإنه يدعى بـ«رقص التحيّر» حيث تقوم النسوة العرّافات بحركات تمايل نحو الأمام والخلف ويصبحن بفضل ذلك النوع من الرقص قادرات على الاتصال بالجن والاستماع إليه. ومع نهاية «الملوك» تنتقل الليلة العيساوية إلى المرحلة الأخيرة وهي مرحلة «الحضرة» والتي تتمثل في مجموعة من الأعمال والممارسات الموسيقية المتنوعة التي يسعى العيساويون من ورائها الانعتاق من العالم الدنيوي وبلوغ الحضرة الإلهية عن طريق الرقص الجماعي الذي يشترك فيه الحاضرون من الرجال والنساء ومختلف الأعمار(24).

يتشابه «طقس الملوك» القناوي مع نظيره العيساوي، فـ«ملوك» قناوة هي جملة الطقوس والحركات والرقصات والأهازيج والأغاني والألحان التي تقام على امتداد الليلة فور الانتهاء من طقس «العادة». حيث يتيح ذلك الطقس اللقاء بين عالمي الإنس الجان، وتقتصر مشاهدته والمشاركة فيه على شيوخ الطريقة ومنظمي الحفل والشخص أو الأشخاص المقصودين بالعلاج. يتم تكثيف وضع البخور واستعمال رايات بألوان مختلفة وبعض المشروبات كالحليب، ويمنع التدخين ونزع الأحذية وشرب الماء(25). وتتطلب إقامة ذلك طقس توفير معدات ومستلزمات خاصة مثل المناديل الملونة والأبخرة وبخاصة منها «الجاوي» بألوانه الثلاث: الأبيض والأسود والأحمر. ويستغنى فيه عن الطبول ويحتكم إلى عود «الكنبري» ويرتدي فيها كل مريد بما يرمز إلى ملك خاص، كـ«عبد القادر الجيلاني» المعرف بالأبيض أو «سيدي حمو» المعرف بالأحمر. ويجهر المريد بالتسليم على «رجال الله» ثم يقوم بتحية جميع الحاضرين في الحفل فردا فردا أو جماعة بالتلويح بيده. ثم تتجلى في الليلة الكناوية سبعة ألوان موزعة على عشر مقامات أو «محلات». وتتوسط «المقدمة» أو (العرّافة) «الرحبة» جلوسا وهي مكسوة بالأبيض كوسيط بين عالم الجن والإنس، ولتحديد نوع الجذبة في كل مرة من خلال الإشارة إلى اسم «ملوك الجان» الذين حضروا الحفل. ومع بروز ضوء النهار الصباحي تستقر «الدردبة»، داخل محلة «لالة ميرة» المعروفة بلونها الأصفر، وتحت ظلها يحظر ملوك أنثويين عديدين مثل «لالة مليكة» المعروفة بلونها البنفسجي و«لالة رقية « بلونها الأحمر، و«لالة عيشة» بلونها الأسود، و«لالة مريم الشلحة» ولالة «فاطمة»(26).

المدلولات الرمزية للرقص والجذبة

في ليالي قناوة وعيساوة:

شكلت المنطقة الجغرافية الممتدة على كامل عروض الغرب الإفريقي وبلدان الساحل مرورا بالصحراء وصولا إلى المجالات المغاربية وحدة ثقافية متماهية، تشترك في عديد المقومات رغم نشوئها في محيطات اثنية متنوعة(27). حيث تشابهت نظرة شعوبها إلى ذواتها وإلى الكون، وأشكال تعقلها للعوالم المحيطة، الظاهرة والخفية وطرق التواصل معها، واستدرار عطفها واستجلاب رضائها. فترجمها في تعبيرات فنية وروحية متضمنة لطقوس تمظهرت في شكل شطح صوفي وجذبة مصحوبين بعزف موسيقي وإيقاعات مخصوصة.

1) الرقص الصوفي رحلة في

أعماق الذات وفي الذاكرة:

ارتبط الرقص بالطقوسي منذ بواكير وجود الإنسان، فقد ابتدأ في التعرّف على وجوده والتقرّب إلى الآلهة عبر الرقص، الذي كان عبارة عن تجسيد بدائي لطقس الصلاة. كما عُدّ الرقص من أقدم الوسائل التي عبّر بها الإنسان عن انفعالاته بسبب قصور لغته المنطوقة. فبواسطة الرقص عبّر للآلهة عن شكره لوفرة محصوله، أو لحصوله على صيد وفير أوسعادته لنزول المطر. وبالرقص عبّر أيضا عن عجزه لحظة شعوره بالضعف والانكسار، وعن ندمه عند إحساسه باقتراف الآثام. وبالرقص طلب الإنسان الأول عون الآلهة لطرد الأرواح الشريرة التي ظن أنها تنافسه في سكنى موطنه. ولقد واصل الإنسان في استخدام الرقص للتعبير عن ذاته حتى عند ظهور الديانات التوحيدية، فقد كان اليهود من أول الشعوب التي مارست الرقص ضمن طقوسهم الدينية مستعملين لأدوات موسيقية متنوعة منها الدف والمزمار والعود. وكذلك نفس الأمر عند المسيحيين، حيث تقيم الأديرة المعزولة حفلات راقصة في بعض المناسبات وذلك اعترافا بقدرة الرقص على تقوية الروابط بين أفراد الجماعة، وتمتين أواصر الروح الجماعية وتنشيط الحس الجمعي وانتقال الأفراد من «أفراد منفردين» إلى «أفراد جماعيين»، وهو الانتقال المطلوب في المدينة حيث تقوم أنظمتها على أساس التبادل والمشاركة(28).

ركز المتصوفة المسلمون على السمو بالنفس الساكنة في الأجساد وعملوا على تطهيرها، وحرصوا على صفائها بغية الارتقاء بها إلى مراتب العرفان. وحتى تتحرر الروح من سجن الجسد وأن تتطهّر وتشحن الذات بمكامن قوة جديدة، فكان لزاما من وجهة نظر متصوفة الإسلام إنهاكه بالعبادات والرقص(29). وفي ظل سياق اجتماعي وسياسي مغاربي مرتبك، إبّان ظروف محلية وإقليمية طاحنة، انتقل التصوف في شمال إفريقيا من حالة عرفانية ووجدانية إلى ممارسة طقوسية وسياسية شعبية اخترقت المجتمع المغربي عموديًا وأفقيًا. فأقحمت في أعمال الطريقة العيساوية في مدينة مكناس كغيرها من الطرق الصوفية المغربية الأخرى كالدرقاوية والحمدوشية والجيلالية، استخدام الآلات الموسيقية وذلك بمبادرة من أحفاد محمد بن عيسى الذين أسسوا تراتبية «المقدمين»، وقعّدوا لها في المجالين العام والخاص، بضوابط شعرية ولحنية وفرجوية مفصلة. هكذا خلقوا للموسيقى صيغها المتفردة لتصبح عقيدة طقوسية للطائفة، التي لا تستقيم الجذبة فعليًا بغيرها، ولا تتحقق النشوة في غيابها. كما سجلنا انفتاحا كبيرا بين تلك الطرق التي تبادلت الأفكار في مستوى الأذكار والمدائح والطقوس، واقتباسات جليّة لممارسات موسيقية معروفة، كتلك التي جرى اعتمادها من قبل العديد من المجموعات الإثنية المتنوعة على مستوى الأصول العرقية من عرب وأمازيغ وسود مثل جماعة القناوى(30).

يسير رقص الطرق الصوفية المغربية وفق قواعد وتقاليد متوارثة، ويختلف نسقه وحركته باختلاف الطـوائف. فإذا كـان مثلا رقـص «الـدرقــاويـين» و«القاسميين» هادئا ليس فيه غير الهز العمودي للجسم، فإن رقص «الحمادشة» و«عيساوة» يعتمد على تحريك قوي للجسم والأطراف، مع الضرب العنيف على الأرض(31). فتبدأ الموسيقى هامشية في حزب «الذكر» في مفتتح السهرة، لكن ملامحها تبدأ في التشكّل مع مرحلة «الملوك»، وتبلغ ذروة اتزانها وتمامها مع «الحضرة»، وسط الشدو والإيقاع والرقص، ليبدو العزف ليس فقط مكملًا لحركة الجسد، بل يتحول إلى ركيزة كل شيء. ولئن اعتمد المتصوفة المسلمون الرقص أو الشطح لتحرير الذوات ولمزيد الاقتراب من الحضرة الإلهية كما أسلفنا القول، فعدّ الرقص من عمل السالك والمريد، فإن طائفة قناوة قد رقصوا في لياليهم للتعبير عن مضامين تفردوا بها، تتعلق بتاريخهم وهويتهم وثقافتهم. فماهي أبرز مضامين اللوحات الراقصة عند قناوة؟ وماهي أبرز الدلالات الساكنة في عمق لغة الجسد ؟

يندرج الرقص في بداية عروض الليلة القناوية ضـمن مرحلة «الفرجة الدنيوية»، يكون فيها الراقص أو (الراقصة) متحكما في رقصته ومختلف تعبيرات جسده. وتبتدئ العروض الفرجوية «بالعادة» التي تنتهي بـ«محلة أولاد بامبارا»(32) المعروفة أيضا بطقس «الكويو». وخلال هذه المرحلة تنفرد المجموعة الكناوية بالرقص لوحدها، ويقصى من ذلك المريدين وعامة الجمهور مؤقتا حتى مرحلة «افتتاح الرحبة» أمام الجميع، حيث يكون لكل الذوات المتعاطية مع هذه الطقوس مرجعها الروحاني والإشاري واللوني الذي يمتلكها. ومن هنا، يعيش الجسد الكناوي الراقص حضورا متعددا، فتارة يكون له حضور روحاني وامتلاكي، وطورا يكون له حضور جمالي واستعراضي موجه يبرز من خلاله الراقص الكناوي قدراته التعبيرية على تشكيل نص راقص ذي إيحاءات رمزية وتاريخية، أغنى بكثير من كل الكتابات التاريخية المعتمدة على اللغة المكتوبة التي تخضع لسلط ورغبات الأفراد، مما يجعلها عرضة لتشويه وتزوير حقيقة تاريخ هذه الجماعة وما تعرضت له من معاناة. فتبقى إشارات الجسد الراقص وحدها المدونة الصادقة المؤهلة بلغتها الصامتة للتلفظ بمعاني الحقيقة التي تعيد بناء الماضي والهوية عبر ما تتيحه لغة الجسد الكناوي الراقص من إمكانيات إشارية تذّكر بسردية استقدامهم قسرا من مواطنهم(33).

يسرد الراقص مأساة العبودية في قالب حركي وإشاري مع قفز وتمايل وهرولة، تنخرط في إنجازه وتشكيله ما علق بالذاكرة من حكايات متوارثة، وذلك عبر انحناءات الرأس وإشارات اليد وحركة الركبتين والساقين وما إلى ذلك، مثلما نلمسه في رقصة «سَوَيُّو» حيث يرقص الكناوي مقيد الساقين، متحركا تارة إلى الخلف وطورا إلى الأمام، بإيقاع خفيف إلى أن يتم تلاشي القيد، لتتحرر حركاته التي يحول اتجاهها صوب الأعلى، متخذة طابعا عموديا يجسده فعل القفز نحو السماء وعملية دك الأرض، كما لو أن الجسد يحاول النفاذ إلى الباطن بحثا عن الجذور. وتتلاقى هذه الحركة الجسدية ذات الطابع العمودي مع عمودية ضوء الشموع وصعود دخان البخور حيث هذه الأشياء تتشارك كلها في تحقيق تعامدية الجسد الراقص إيذانا واحتفاء بتحرره(34). ويشكل الإيقاع الحركي الخفيف في هذه الرقصة علامة سيميائية ذات طبيعة إشارية، تحيل على مواضيع عديدة من قبيل التحرر من كافة قيود زمان العبودية التي كانت تكبل الأسلاف وتلقي بهم في أسواق النخاسة في مختلف بقاع العالم. إن ما يمحوه زمان العبودية تتولى الحركة وتعبيرات الجسد تشييده من جديد وكأن الذاكرة المهددة بالضياع والتشظي، تلوذ لتحتمي بالجسد الذي يتذكر ويعيد بناء الهوية المفقودة لجماعة قناوة انطلاقا من مخزون هذا المتخيل الإشاري الراقص الذي يعبر عن محتويات الثقافة القناوية وعن حقها في الوجود(35).

انطلاقا من هذه الحمولة الصامتة للجسد المليئة بمواضيع المعاناة التاريخية والحنين إلى الأصول، يتم الرقص القناوي، ويكون مصاحبا بترديد بعض المقاطع الغنائية المرتبطة بأسطورة الحنين إلى بلاد السودان، نذكر منها هذا المقطع المدرج في «محلة أولاد بامبارا»:

دابا يجود الله. دابا يحن الله. سير واجي حمادي.

لبلاد السودان سير. آربي لعفو.

سير واجي. جابونا من السودان.

السودان يا يمة.

السودان غير عبيد.

السودان يا السودان.

جابوني وباعوني.

فارقوني على حبابي.

هكذا، نجد منطوق هذا المقطع الغنائي ما يعضد إشارات الجسد الراقص من دلالات مأساوية تصب في مجرى تاريخ جماعة قناوة ومعاناتها، فبرقص وموسيقى وبإيقاعات حركية ونبرات غنائية حزينة موجهة صوب استعادة الذات والهوية الإفريقية، عبر تشييد أسطوري لفضاءات خارج المجتمع العادي بشكل مؤقت أفضية يستطيع فيها المشاركون أن يحسوا بانتماء عاطفي ويحتفلوا بثقافة الجسد والرقص والحرية في صدوع المشهد الثقافي العادي»(36) الذي تغيب فيه علامات تقود إلى معنى الانتماء الحقيقي لجماعة قناوة، حيث هذه الأخيرة تحول فضاء ممارسة الطقوس في «محلة أولاد بامبارا» إلى أماكن أسطورية مليئة بإشارات الجذور والأسلاف، وتسديد بعض الدين العاطفي للأسلاف وحنين للجذور والأصول.

2 ) الجذبة رحلة نحو عالم لامرئي:

تدفعنا دراسة «طقس الجذبة»(37) أو «الحضرة» إلى ضرورة البحث بداية في مدلول كلمة «الطقس»(38). وهي كلمة تحيل حسب الباحث المنصف المحواشي على الأصل اللاتيني «ritus» للتعبير عن مجموع حركات سلوكية متكررة، يتفق على تنفيذها مجموعة من الناس وتكون على أنواع وأشكال مختلفة تتناسب والغاية التي دفعت الفرد أو الجماعة للقيام بها(39). وتحيل ذات الكلمة في المعجم الوسيط إلى الكيفية التي يتم بها أداء الأنشطة المقدسة وتنظيمها في إطار احتفالي. وضمن هذا الحقل الدلالي تعد الجذبة مرحلة الذروة في ليلة قناوة وعيساوة، وكطقس أساسي يكون الرقص فيه روحانيا ذا طابع امتلاكي ضمن طقوس الليلة الصوفية. تؤدى الجذبة في مجالات المغارب والصحراء وغرب افريقيا بشكل فردي أو جماعي، وفق روزنامة محددة تحوم حول مناسبات دينية بارزة أو وقائع تاريخية تواضعت الجماعة على تخليدها. وتدور مراحلها في أماكن عبادية عامة أو في أماكن خاصة، بغاية تحقيق أهداف مرسومة بصفة مسبقة كإشباع لحاجات روحية ولتعزيز الروابط الاجتماعية أو لتحقيق غايات استشفائية(40).

شكلت «الجذبة» - بوصفها طقسا صوفيا يسافر بصاحب الحال نحو عوالم خفية - الطقس الأكثر انتشارا واستساغة قديما وحديثا في ذائقة الأوساط الشعبية والفئات المسحوقة غير المعترف بها ضمن عديد الشعوب في العالم. فقد أُتّخذ من التدّين الشعبي بمختلف تعبيراته وتلويناته كثقافة مضادة للثقافة الرسمية السائدة، أي ثقافة الأوساط الاجتماعية المترفة التي لم تكن تخفي اعتراضها على إتيان ذلك الصنف من التعبيرات، متبنية لنظرة رسمية تضع «الجذبة» ضمن طائفة أعمال الشياطين والسحرة. ومن المفارق أن «الجذبة» أضحت منذ عقود ضمن تفاصيل الثقافة السائدة ولم تعد مكترثة إلى مسألة الاعتراف، نتيجة القبول بها في فئات اجتماعية عريضة باختلاف نزعاتها الدينية وانتماءاتها العرقية والجنسية، نظير أدوارها الاستشفائية والنفسية(41). وترتبط «الجذبة» في أسسها بالخزّان الاعتقادي للشعوب، حيث شدّد الباحث جون ديفينيو Duvignaud Jean على ابراز ارتباط «الجذبة» بحصيلة المُعتقدات التي تؤمِنُ بها الجماعة المُنظِّمة للطقوس. فالاعتقاد في قدرة الجنّ، أو تقديس شخصيّة ساحرة أو شخصيّة دينيّة هي مُعتقدات آمن بها الأفراد من أجل التحقيق الفعلي لتلك الظواهر النفسيّة المُعقّدة، وعلى هذا الأساس لا يُمكنُ اعتبار «الجذبة» أو «الغيْبَة» ظاهرة نفسية معزولة عن الواقع الثقافي بل تشكل هي في حد ذاتها ترسانة من الرموز المعبرة عن واقعها الثقافي(42).

مارست جلّ الطرق الصوفية المغاربية والإفريقية «الـجـذبـة» عـلــى غرار الـعيساويـة والـحمـادشـة والجلالية، بل أن اقامة ذلك الطقس بمثابة مفتاح نجاحها في الانتشار بين الناس. ومارست قناوة بدورها ذلك الطقس، متخذة من ليلة النصف من شعبان(43) أو بعض التواريخ الأخرى المميزة، أو عند طلب بعض الأنفار بغاية طلب الشفاء لمرض استعصى علاجه. ويستمد الاعتقاد في «كرامات الجذبة» شرعيته من اعتقاد شعبي راسخ بوجود عالم موازٍ لعالمنا المرئي تسكنه أرواح خفية(44)، في اتصال دائم مع أفعال الناس وأقوالهم. وعليه فإن «الجذبة القناوية» تأخذ مريديها إلى عالم ميثولوجي تتداخل فيه العديد من الاعتقادات، خاصة منها ذلك التقابل الكلاسيكي بين الخير والشر(45). ولإقامة طقس «الجذبة» يشير الباحث لاباساد أن الأمر يستوجب حضور ثلاث أدوات موسيقية ضرورية وهي آلة القمبري والشقاشق والطبل، كأدوات مستخدمة لدى جلّ الطوائف الصوفية في كامل المنطقة المغاربية وغرب افريقيا(46). فالحضور الموسيقي والإيقاعي وما يصاحبهما من طقوس وألوان وأبخرة، ضروري لإنجاح «الجذبة» من خلال استدعاء «ملوك الجان» و«القوى الخارقة» واستحضار أرواح الأسلاف الأسطوريين والصلحاء عبر رقصات محددة، تلبية لرغبة الجماعة وفق نظام تعاقبي صارم، يعتمد مبدأ تناوب إيقاعات محببة لدى القوى الخفية، بشكل مضبوط من طرف المعلم القناوي أو العيساوي الذي يلعب دورا مهما في الإشارة إلى تغيرات الأحوال التي يتبعها تغير الألوان، والأشخاص الذين يدخلون في عالم الجذبة والرقص تماشيا مع استحضار الأرواح التي تسكن أجسادهم.

أما عن المدلولات الرمزية للجذبة وتأثيراتها النفسية، فهي سلوك طقوسي معقد تعيش تفاصيله الصامتة والغامضة كينونة الجسد، إذ هي شكل تعبيري يخفي داخل تمظهرات فرجوية خاصة حالات نفسية ومواقف إنسانية كانت مهيأة للتمثل والظهور في مناسبات مختلفة، فحالت دون ذلك إكراهات الواقع. ومن هنا تكون الجذبة ذات طابع تعويضي وتطهيري شبيهة بذات الطقوس التي مورست في الثقافة الإغريقية بقصد تطهير الأفراد من الآثام والشرور عبر لغة الموسيقى والرقص وما تثيره طقوسية الاحتفال من أهواء تهيمن على أرواح الأفراد والجماعات على حد سواء(47). ومن هنا، يمكن القول أن الجذبة هي ممارسة استعراضية تطهيرية وعلاجية، تحول الجسد إلى جسد استهامي وروحاني متحررا من ثقل الأهواء والعواطف، وتمنحه سجلا من الدلالات التي تسمح بعرض حكاية حياة الذات. فهي سفر طقوسي وعبرها يعود الجسد إلى الروح وتتحول إشاراته الراقصة إلى كتابة تفضي قراءتها إلى الغوص في أغوار الذات الجاذبة حيث يفجر وقع الموسيقى القناوية طاقة الجسد الجذاب سيولة حركية تعبيرية، بدءا من الرأس وحتى القدمين(48).

لقد استُعمِلَ الرقص منذ القِدم في العلاج النفسي، حيث يأتي في مقدّمة الفنون التي استعملها الإنسان منذ أقدم الحضارات الإنسانية، والتي قَدّمت له فرصة مُتميّزة من خلاله للتنفيس عن التوتر الداخلي والروحي والنفسي وعن العواطف والرغبات المكبوتة. لعل هذا ما يفسر الكيفية التي يعمل بها التدّين الشعبي في الاجتماع الإنساني، فالسيولة التي تتدفق بها الطقوس تصنع حالة فريدة من التوفيق بين النص الديني بشتى تأويلاته، وبين احتياجات الذهنية الشعبية. وهو ما يؤدي إلى تخلّق عوالم روحانية، يحتل فيها الإنسان المهمش دور الفاعل، في علاقة مباشرة مع المطلق، أو من ينوب عنه في لحظة حضوره في الفضاء العام. وعليه، تتخلّق حالة «الوجد الصوفي» بحمولتها النفسية الممانعة للإيمان المجرد وللرب المفارق، رغبة في ممارسة خطاب مباشر مع المطلق اللامرئي، والذي يصطفي أحد أوليائه ويختصه بقدرات خارقة. لهذا ارتبط «طقس الجذبة» قديمًا بالممارسات الغيبية ومداواة الأمراض النفسية والمس بالجن وغيرها من المعتقدات الشعبية.

لقد تدعم الطابع الاستشفائي في السهرات الصوفية المغربية عند مقدم العبيد الأفارقة وذريتهم حسب ما ذهب اليه الكثيرون وذلك لترسخ الاعتقاد في الجن والطقوس المرافقة له(49). فالموسيقى الإفريقية الروحانية هي موسيقى استدعائية بامتياز، حيث أن الفلكلور الإفريقي وثيق الاتصال بالخصوصيات الحضارية للمجال، حيث يزخر المخيال الجمعي الإفريقي بصور وأشكال وأرواح تسكن البراري والصحاري والأشجار المقدسة، فتارة هي تحمي الأراضي وتارة تدل المسافرين وتارة الأجساد وتسحرها وترمي بلعناتها عليها. لقد ألهم هذا الموروث الثري طقوس قناوة التي ارتبطت بطقوس موغلة في القدسية مع كمية كبيرة من الروحانية تزيدها غموضا. وعلى هذا الأساس فلو اتجهنا إلى تعريف عروض قناوة الفنية لأمكننا القول أنها عروض من تأليف وصناعة جماعة من العبيد المغاربة، تكوّن من رواسب افريقية دون أن يدير بظهره عن الموروث الثقافي المغربي المحلي. لذلك لم يكن من الممكن أن يتأسس فن قناوة بدون تأثيرات المحيط، ونعني بذلك الهوية والخصوصية المغربية التي اندمج فيها هؤلاء العبيد ولعبوا فيها أدوارا مهمة بإغنائها والاغتراف منها، وكان مفهوما أن نلمس داخل هذا الفن تقاطعات فنية مغربية أخرى مع حفاظه على الرائحة الإفريقية المؤسسة له في الشكل والغلاف الذي حمله هذا الغناء المغربي وهذه الإيقاعات المندمجة.

الخاتمة:

لم تحل الطبيعة ومعيقاتها المناخية والتضاريسية من حدوث تبادل ثقافي ملموس بين مجالات المغارب والمجالات الصحراوية والإفريقية الواقعة من خلفها، فحركة الشعوب والملوك والجنود والتجار لم تأبه إلى تضاريس المنطقة الوعرة، ولا إلى جفاف الصحراء وقفرها. فقد شهدت المسالك الصحراوية المخترقة لجبال الأطلس والرابطة بين مدن المغرب على غرار مكناس وفاس ثم مراكش بمدن سجلماسة وتمبكتو وبقية حواضر الممالك الافريقية، منذ عهود حركات كثيفة للناس وللأفكار. فبفضل تلك الطرق الضاجة بالحركة في الاتجاهين جنوبا وشمالا، انتقلت المعتقدات واللغات والأساطير والخرافات والأحاجي، وأيضا الفنون كأشكال تعبيرية صادقة على خلاف نصوص مكتوبة حمّالة للأوجه.

لم يجد المجتمع المغربي والمجتمعات المغاربية عموما غضاضة في احتضان التأثيرات الفنية والروحية الوافدة من وراء الصحراء. حيث نجح جماعة قناوة مثلما رأينا في نقل جوانب من الفنون والتعبيرات الإفريقية، وحتى تمثلاتهم لوجود عوالم خفية، - مثلما نبّه النص القرآني بدوره إلى ذلك- ، نحو الفضاءات المغاربية. فنتيجة لذلك التثاقف، وفي سياق انتقال الظاهرة الصوفية المغاربية من حقلها العرفاني والوجداني إلى حقل الممارسة الطقوسية لم تعد تقتصر طقوس متصوفة عيساوة وغيرها من الطرق المغربية الأخرى على حركات محدودة من الشطح، بل اتخذ النسق أكثر حركية على شاكلة الرقص الإفريقي الذي صيغت رقصاته للتعبير عن مكبوتات جماعية وفردية، ولتخليد حكاية تهجير شعوب. كما لم يتوقف المغاربة في طقس «الجذبة» عند استحضار أرواح الأجداد، بل أضحوا يطلبون أكثر من ذلك دعوتهم لـ«ملوك الجان».

بحضور الأفارقة السود في المغرب تدعم حضور الرقص الروحي ليصبح أكثر انسجاما مع حركات ونسق الأفارقة. لقد كان الرقص الإفريقي في منطلقاته يروي قصة صراع يومي للسود مع قوى الطبيعة، والذي استوجب تضافر جهود أبناء القبيلة لأجل الصمود، والذي جسدته الرقصات الجماعية: صغاراً وكباراً، ذكوراً وإناثاً لاستلهام روح التعاون في مواجهة المخاطر. وتجاوز الرقص الإفريقي مضامين وغايات الاستمتاع والإثارة والترفيه، ليتحول إلى طريقة للتشجيع على العمل والعطاء والاحتفال بالطقوس الدينية والاجتماعية، والاحتفاء بالتقاليد القديمة. ولقد حقق ذاك الضرب من التعبير الفني انتشاره في المجتمعات الإفريقية، باعتبار كونها شعوبا تعول كثيرا على الثقافة الشفوية. فوجدوا في الرقص سندا رئيسيا لحفظ الذاكرة الجماعية وتوارث الكثير من التاريخ والثقافة الأفريقية عبر الأجيال.

لم يكن قبول المغاربة بالمؤثرات الثقافية الإفريقية عفويّا، حيث شكّل حضور الأفارقة بالمنطقة في بداية الأمر مصدرا للتوجس والريبة، وذلك خشية «فساد معتقدهم». وبالنتيجة لم تتمكن جماعة قناوة ممارسة طقوس أجدادها في العلن إلا بعد أن قبلوا بأسلمتها وجعلها موائمة للذائقة الإسلامية المغاربية. لذلك فإنه من غير الممكن أن تنطلق احتفالات «الليلة القناوية» دون تلاوة بعض الآيات القرآنية والتصلية على نبيّ الإسلام وقراءة بعض الأوراد والأناشيد الدينية. وفي المحصلة، لقد آل ذلك القبول السلمي بين الطرفين إلى انصهار حضاري سلس بين الأفارقة والمغاربة أثبت قدرة لافتة في حفظ بقائه إلى اليوم، وليحصل على تأييد جلّ الفاعلين السياسيين والاجتماعيين. ورغم الموجات النقدية التي تظهر بين الحين والآخر تدين ما تعتبره ضربا من الشعوذة والدجل، فإن موسيقى قناوة بطقوسها المختلفة ظلت ماضية في مسيرتها الحثيثة محتفظة بأساطيرها القديمة وروائح ونكهات نشأتها الإفريقية. محققة انتشارا فاق كل التوقعات داخل المملكة وخارجها توج بشهادة أممية تعتبر فنون قناوة رصيدا تراثيا إنسانيا.

الهوامش

1. بن عمر(هشام)، ممارسات الإنشاد الصوفي في الطريقة العيساوية، منشورات سوتيميديا، تونس 2019، ص15.

2. اعطت الانتروبولوجيا الثقافية أهمية بالغة للدراسات والمقاربات المتعلقة بالأدب الشعبي والفلكلور والطقوس الاحتفالية التي تتشكل على هامش التمثلات الذهنية والنفسية المختلفة للمعتقد الديني وللقيم الروحية التي جاءت بها نصوصه. للمزيد حول الموضوع يمكن العودة إلى الكحلاوي(محمد)، "مدخل انثروبولوجي إلى فنون السماع الصوفي بالغرب الإسلامي"، مجلة الثقافة الشعبية، البحرين، العدد 6، السنة 2020.

3. الفاسي(الحسن الوزان)، وصف افريقيا، تحقيق وترجمة محمد حجي ومحمد الأخضر، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1983، ص ج 2، ص 162.

4. Pouchelon(J), Les Gnawa du Maroc: Intercesseurs de la différence, éditions Delatour France.2019. P35.

5. Ibid.p 43.

6. Majdouli (Zineb), " Changements de rythme chez les Gnawa du Maroc ", Cahiers de littérature orale [En ligne], 73-74 | 2013, mis en ligne le 11 mai 2015, consulté le 04 février 2020. URL : http://journals.openedition.org/clo/2031 ; DOI : https://doi.org/10.4000/clo.2031

7. بن عمر(هشام)، ممارسات الإنشاد الصوفي في الطريقة العيساوية، م س، ص 18.

8. نفسه ونفس الصفحة.

9. دلائل الخيرات، أو دلائل الخيرات وشوارق الأنوار في ذكر الصلاة على النبي المختار ، كتاب من تأليف محمد بن سليمان الجزولي المتوفى سنة 870 هـ، جمع فيه صيغ في الصلاة على رسول الإسلام، ويعدّ من أشهر الكتب في هذا المجال مما جعله محط اهتمام كثير من العلماء قديماً وحديثاً، وخصوصا الصوفية منهم، فجعلوه جزءاً من أورادهم التي يقرأونها صباحاً ومساءً.

10. يتالف هذا الحزب من من تشكيلات لغوية متنوعة من الأذكار والأدعية المتفرقة التي وضعها عدد من شيوخ الجزولية، انظر: ممارسات الإنشاد الصوفي في الطريقة العيساوية، ص 152 وما يليها.

11. بن عمر(هشام)، ممارسات الإنشاد الصوفي في الطريقة العيساوية، م س، ص 284.

12. للمزيد حول الادوات الموسيقية عند عيساوة المغرب يمكن العودة الى بن عمر(هشام)، ممارسات الإنشاد الصوفي في الطريقة العيساوية، م س، ص 290 وما يليها.

13. Lapassade (Georges). "Les gnaoua d’Essaouira: Les rites de possession des anciens esclaves noirs au Maghreb, hier et aujourd’hui". In: L’Homme et la société, N. 39-40, 1976. Tiers-Monde économie politique et culture. P205.

14. Pouchelon(J), Les Gnawa du Maroc: Intercesseurs de la différence. Op.cit.p 128.

15. Majdouli (Zineb), " Changements de rythme chez les Gnawa du Maroc ", op. Cit.

16. بن عمر (هشام)، ممارسات الانشاد الصوفي في الطريقة العيساوية، م س، ص 265.

17. نفسه، ص 220.

18. بن عمر(هشام)، ممارسات الإنشاد الصوفي في الطريقة العيساوية، م س، ص 224

19. نفسه، ص 225.

20. نفسه، ص 266.

21. لقد كان الاعتقاد في الجن سائدا ومنتشرا في شمال افريقيا قبل وصول العرب والمسلمين اليه. فعلى الرغم من كون هذه المعتقدات قد اندمجت مع ما جاء به الاسلام فقد بقيت مع ذلك بعض المؤشرات الدالة على تميّز الاعتقاد في الجن بالشمال الافريقي عن مثيله في الشرق الاسلامي، كعادة التضحية بالطيور لارضاء تلك المخلوقات الخارقة والتي تعود اساسا إلى الديانة القرطاجية. بن عمر(هشام)، ممارسات الإنشاد الصوفي في الطريقة العيساوية، م س، ص 265.

22. الكحلاوي(محمد)، "مدخل انثروبولوجي إلى فنون السماع الصوفي بالغرب الإسلامي"، مجلة التقاليد والفنون، المعهد الوطني للتراث، العدد 13، سنة 2001.ص 67.

23. بن عمر (هشام)، ممارسات الانشاد الصوفي في الطريقة العيساوية، م س، ص 267.

24. نفسه، ص 221.

25. Pouchelon(J), Les Gnawa du Maroc: Intercesseurs de la différence. Op.cit.p 130.

26. عابد(هشام)، "الليلة الكناوية"، المجلة الالكترونية هسبريس، أوت 2010. الرابط https://www.hespress.com/ الزيارة 15 جانفي 2019.

27. Lapassade Georges." Les gnaoua d’Essaouira : Les rites de possession des anciens esclaves noirs au Maghreb, hier et aujourd’hui". Op.cit. P 191.

28. مطر(ناجي عباس)، "الرقص الطقوسي...الطواف لترميم مركزية الذات"، مجلة كلية التربية لجامعة ذي قار، العدد 29. ص 67.

29. مطر(ناجي عباس)، "الرقص الطقوسي...الطواف لترميم مركزية الذات"، م س، ص 77.

30. بن عمر(هشام)، ممارسات الإنشاد الصوفي في الطريقة العيساوية، م س، ص 301.

31. مهداد(الزبير)، "الاحتفاء بالفنون الشعبية في عيد المولد النبوي بالمغرب"، مجلة الثقافة الشعبية، الرابط https://www.folkculturebh.org/ar/index.php?issue=13&page=showarticle&id=21

32. - البامبارا هم شعب يستوطن غربي أفريقيا وأغلبيتهم يعيشون في مالي كما يتواجدون في غينيا، سنغال، بوركينا فاسو والنيجر.

33. المحمدي(عبد القادر)، "سيميائيات الجسد في رقص قناوة، بحث في الهوية والامتداد"، موقع حرية تاريخ الاطلاع 19 /02/2020.، ص 2، الرابط

- http://khatab38.blogspot.in/search?updated-max=2009-11-09T01:51:00%2B02:00&max-results=24&reverse-paginate=true&start=8&by-date=false

34. نفسه، ص 3.

35. المحمدي(عبد القادر)، "سيميائيات الجسد في رقص قناوة، بحث في الهوية والامتداد"، م س، ص 5.

36. نفسه ونفس الصفحة..

37. يُمكنُ تعريفُها على أنّها حالة نفسية نادرة مصحوبة بعدة حقائق وأعراض منها الارتعاش والذعر والروع وفقدان الوعي لِلَحظات والذهول والنشوة والشعور بالراحة تارة وبالارتياح النفسي التام تارة أخرى.

38. دراسات عديدة اهتمت بدراسة الطقس ومنها نذكر:

- المحواشي المنصف، "الطقوس وجبروت الرموز: قراءة في الوظائف والدلالات ضمن مجتمع متحوّل". انسانيات عدد 49، جويلية – سبتمبر 2010. ص ص 15 – 43.

- الطوالبي نور الدين، الدين والطقوس والتغيرات الاجتماعية، ترجمة وجيه بعيني، منشورات عويدات بيروت، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 1988.

39. المحواشي المنصف، "الطقوس وجبروت الرموز: قراءة في الوظائف والدلالات ضمن مجتمع متحوّل". م س، ص 18.

40. نفسه، ص 19.

41. سامعي توفيق، "عن طقوس الغيْبَة: وعي تجاوزي، أم تملّص وجداني أو مُعالجة نفسيّة؟ "مجلة Insaniyat / إنسانيات [En ligne], 75-76 | 2017, mis en ligne le 16 décembre 2018 février 2020. URL : http://journals.openedition.org/insaniyat/17588 ; DOI : https://doi.org/10.4000/insaniyat

42. نفسه ونفس الصفحة.

43. تتوقف قناوة عن نشاطها في النصف الثاني من شعبان إلى حد ليلة 27 من رمضان ففي تلك الفترة يقوم الله بتقييد الجان.

44. في الخطاب القناوي نجد استخدام لمصطلحي "الجنون" أو "الملوك" و"رجال الله" و"الأجواد" في الخطاب العيساوي مصطلحي "الأجداد" أو "الصلحاء" وهي كائنات خفية تسمى في الخطاب العامي المغاربي ب"الغايبين" لا يمكن مشاهدتهم على أرض الواقع ولكن يمكن تحسس أفعالهم ودعوتهم عبر الأنغام الموسيقية القوية.

45. بن عمر(هشام)، ممارسات الإنشاد الصوفي في الطريقة العيساوية، نفسه، ص 265.

46. Lapassade Georges. Les gnaoua d’Essaouira : Les rites de possession des anciens esclaves noirs au Maghreb, hier et aujourd’hui. Op.cit. P 201.

47. المحمدي(عبد القادر)، "سميائيات الجسد في طقوس كناوة:بحث في الهوية و الامتداد"، موقع حرية، تاريخ الاطلاع 11 فيفري 2020. http://khatab38.blogspot.in/search?updated-max=2009-11-.

48. نفسه.

49. بن عمر(هشام)، ممارسات الإنشاد الصوفي في الطريقة العيساوية، م س، ص 266.

المصادر و المراجع باللغة العربية:

50. - أبو الرُبّ (جمال)، حاسة السمع في الخطاب الديني، منشورات الجمل، بغداد- بيروت، 2014.

51. - بن عبد الجليل(عبد العزيز)، "الموسيقى المغربية على عهد المرينيين وبني وطّاس"، المناهل، عدد 20، مارس 1981.

52. - بن عمر (هشام)، ممارسات الإنشاد الصوفي في الطريقة العيساوية، منشورات سوتيمديا، تونس 2019.

53. - التازي(عبد الهادي)، "دور الطرق الصوفية في المحافظة على التراث الموسيقي"، مجلة المناهل المغربية، العدد 13، السنة 1978.

54. - عبد الحي الديوري، "عن الجذبة والتصدّع"، مجلة آفاق، اتحاد كتاب المغرب، ع 9، جانفي 1982.

55. - فؤاد (فاطمة)، السمّاع عند الصوفية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1997.

56. - الكحلاوي(محمد)، "جماليات السماع والإنشاد الصوفي بتونس"، مجلة التقاليد والفنون، المعهد الوطني للتراث، العدد 13، سنة 2001.

57. - بونبت (عز الدين)، "الطقس العيساوي، حدود المقدس والفرجة"، ضمن مجلة قراءات، اكادير المغرب، خريف 2005.

المصادر و المراجع باللغة الفرنسية:

58. - Lapassade Georges. "Les gnaoua d'Essaouira : Les rites de possession des anciens esclaves noirs au Maghreb, hier et aujourd'hui". In: L'Homme et la société, N. 39-40, 1976.

59. - Majdouli( Zineb ), " Changements de rythme chez les Gnawa du Maroc ", Cahiers de littérature orale [En ligne], 73-74 | 2013

60. - Pouchelon(J), Les Gnawa du Maroc: Intercesseurs de la différence, éditions Delatour France.2019.

61. - Pâques (viviana), la religion des esclaves: recherches sur la confrérie Marocaine des Gnawa. Bergamo: Moretti e Vitali. 1991.

الصور

- من الكاتب.

1. https://www.afrigatenews.net/static/files/t3o7QjNvup9QCzDJ2UnfeT.jpg

2. https://encrypted-tbn0.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcTuip7yKBxECd-5YCIhLjI_xI5YDjnOAMHTCw&usqp=CAU

3. https://encrypted-tbn0.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcSLCL6Td2rsrF5Z3rqgD3w8C4DwSZI-8D8XQA&usqp=CAU

أعداد المجلة