فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

العاجة دمية تقليدية لتسلية الأطفال في جنوب الأردن

العدد 9 - حرف وصناعات
العاجة  دمية تقليدية لتسلية الأطفال في جنوب الأردن
كاتب من الأردن
كاتب من الأردن

كان للنظام الاجتماعي التقليدي في جنوب الأردن دور كبيرفي إطلاق روح الإبداع عند الأم من حيث ابتكارها لوسائل كثيرة لتسلية طفلها أو لتعليمه. حيث كانت الأم هي المسؤولة عن جميع أعمال المنزل من حيث إدارة شؤون المنزل، والطهو، والحياكة، وهي أيضا المسؤولة عن تربية الأطفال و الراعي الأول لهم. ومن هنا كان لابد على الأم أن تبتكر وسائل كثيرة لتسلية أطفالها ومنها الدمى التقليدية، ليتسنى للأم توفير الوقت الكافي للقيام بالأعمال المنزلية الأخرى.

 ومع تحولات العصر الحديث ومنها التحول في أنماط الإنتاج، تغير دور المرأة التقليدي، وأصبحت هذه الحرف و الصناعات التقليدية مهددة بالاندثار ومنها صناعة الدمى. وقد زاد من هذه المشكلة توفر الألعاب والدمى الجاهزة في الأسواق والتي غالبا ما تكون مستوردة وتحمل في طياتها الكثير من المظاهر الحضارية والثقافية الدخيلة وخاصة من حيث الشكل والتصميم والملابس والألوان والتي تعكس المفاهيم

الاجتماعية للبلدان الصانعة والمصدرة  لها، وهذا من شأنه صياغة وعي مغاير لوعي البيئة المستوردة ومخالف لتقاليدها وعاداتها الاجتماعية؛ الأمر الذي يعتبر من منظور تربوي ونفسي ذا تأثير سلبي عميق على تفكير الطفل وتوجهاته المستقبلية. من هنا جاءت فكرة هذا البحث ليلقي الضوء على إحدى هذه الصناعات التقليدية و التي أصبحت على وشك الانقراض، وهي صناعة الدمية المعروفة ب“العاجة” في منطقة جنوب الأردن وبالأخص في منطقة البترا.

 

العاجة: التسمية  والأصل

تعرف العاجة محليا على أنها “دمية صغيرة على هيئة امرأة تصنعها الأم في المنزل لكي تلهو بها الطفلة”. وتكون هذه الدمية بأحجام مختلفة، وترتدي أزياء من الطابع المحلي وتكون مزخرفة أيضا بأشكال مختلفة من التطريزات المحلية. وهذه الدمية مخصصة كدمية للأطفال الإناث فقط، وترتدي ملابس نسائية محلية، وهي مشهورة بين بدو جنوب الأردن وتعرف بنفس الاسم عند مجتمعات قبائل بدو الجنوب، فمثلا بالإضافة إلى بدو العمارين في منطقة البترا، تنتشر هذه العاجة أيضا بين أوساط بدو وادي رم و تعرف بنفس الاسم “العاجة” (الزلابية 2005: 99).

ولم يعرف أصل هذه التسمية، حيث أن اسم “العاجة” يعني لغويا شيئا مصنوعا من العاج. فمثلا نجد في لسان العرب :“العاجةُ الوَقْفُ من العاج تجعله المرأَة في يدها، وهي المَسَكَةُ”. أما في معجم الصحاح فإن العاجة تعني: «عظم الفيل، الواحدة عاجَةٌ». و هو ما يخالف طبيعة هذه الدمية التقليدية، حيث أنها تصنع من  القماش ونحوه. وقد تعكس هذة التسمية تاريخا طويلا لهذا المنتج التقليدي بمعنى أن هذه الدمية التقليدية كانت تصنع أصلا من العاج، ولكن بسبب اختلاف الظروف البيئية والاقتصادية استبدلت المادة الخام من العاج إلى القماش، ولكن مع الاحتفاظ بالتسمية الأصلية. وهذا الافتراض نجد ما يدعمه في التقاليد المحلية، والتي تشير إلى ان كلمة «العاجة» تعني الجمال. فمثلا نجد في الأمثال المحلية: «فلانة زي العاجة»، إذ يراد بذلك التعبير عن مستوى الجمال لتلك الفتاة.

والأهم من ذلك إننا نجد في التقاليد المحلية بعض الأشعار والأهازيج والتي فيها مناجاة لهذه «العاجة» والتي تشير إلى تاريخ طويل  لهذه الدمية التقليدية في ذاكرة أهل المنطقة، ومنها قولهم:

حطوكي في العالي يا عاجة الجمالي

                  يا وردة الورد يا أحسن الألعاب

وكذلك قولهم:

يا تمثالي يا تمثالي العاجي

لبسوكي العباية والعصابة مربوطة

وبالخشبة مرفوعة

بعد ما كنت من العاج مصنوعة

صرتي اليوم من زرع بلادي منسوجة

 

التقنية و طريقة الصنع

1 - وتتكون العاجة مما يلي :

 أ ) قطعة قماش بيضاء.

ب) قطعة قماش سوداء مطرزة بأشكال مختلفة تمثل أنماط التطريز التقليدية المحلية، حيث تشكل الزي أو اللباس لهذه الدمية.

ت) قطع من القماش البالي أو الاسفنج.

ث) أعواد من أغصان الأشجار البرية.

ج) شريط من الحديد( سلك حديدي)

ح) ابرة للخياطة + خيط.

2 - مراحل صناعتها :

أ ) القيام بوضع أعواد الخشب على شكل مقارب للصليب ويربط بشريط حديدي، ليشكل الهيكل الذي  سيتم بناء جسم «العاجة» عليه.

ب) القيام بلف القطع البالية أو الاسفنج حول الهيكل.

ت) ثم لف أعلى الهيكل بالقطعة البيضاء حتى يتشكل الرأس.

ث) ومن ثم لف قطعة القماش السوداء المطرزة ليكون الثوب، وعمل ثقوب لمكان الأيدي التي تصنع وتركب في الثقوب.

ج) ثم المرحلة الأخيرة وهي رسم الوجه وتركيب الحطة ( العصابة)1، وظهور العاجة بشكلها النهائي .

 

أهمية إحياء هذه الصناعة

تعتبر الحرف التقليدية والمطرزات من أهم أشكال التراث الحضاري اللامادي (Intangible cultural heritage) والتي تلاشى الكثير من مظاهرها في هذه الأيام وباتت الأشكال الأخرى مهددة بالانقراض بسبب التحولات العصرية السريعة، والانفتاح الثقافي والاقتصادي العالمي، حيث أصبحت الأسواق العربية تعج بالمنتجات الثقافية الدخيلة والتي تحمل في  مكوناتها الكثير من العناصر الثقافية المخالفة للثقافات المحلية،  ولعل أفضل الأمثلة على هذه المنتجات الثقافية هي دمى الأطفال. فمن المعروف أن الدمى يمكن لها أن تلعب دورا كبيرا في عمليات التربية والتعليم المبكر عند الأطفال((Clay2004 (www.isnare.com).

كذلك تلعب الدمى والألعاب بشكل عام دورا كبيرا في توسيع مدارك الطفل وبالتالي التأثير  على تحصيله التعليمي بشكل ايجابي (Tracy 1988). كما اثبتت الدراسات العلمية أن الشكل الفيزيائي للدمى والألعاب يؤثر بشكل واضح على مستوى الإدراك الحسي والمعنوي وخيال الطفل وانفعالاته (Fitzmaurice and Buxton 1997:46). كذلك تشير الأبحاث النفسية للأطفال أن الدمى والألعاب تلعب أيضا دورا في نفسية (سيكولوجيا) الطفل، وأنه ينصح دائما بانتقاء الألعاب بعناية فائقة (Glassy et.al 2003). من هنا يتضح لنا أهمية إحياء هذه الصناعة الثقافية وذلك أولا لما يمكن أن تلعبه هذه الدمية من أدوار تعليمية ونفسية لدى  الطفل تنسجم مع ثقافته المحلية، ويمكن توضيح ذلك  بالمقارنة بين شكل “العاجة” وشكل اللعبة العالمية المشهورة بـ“باربي” حيث نجد أن “العاجة” تنسجم كثيرا في شكلها وزيها الخ.. مع الثقافة المحلية، في حين نجد أن دمية “الباربي” ذات العينين الزرقاوين، والشعر الأشقر المسترسل والزي العصري تخالف كثيرا واقع المجتمعات العربية المحلية من حيث الأزياء الشعبية أوالتقليدية والأعراف والتقاليد السائدة ومقاييس الاحتشام والاستتار البدني وما إلى ذلك،  ويمكن لنا تقدير ذلك من خلال ما يلاحظة الطفل من فارق كبير بين واقعه الاجتماعي والثقافي والأيدولوجي بشكل عام وبين ما تحمله لعبة “الباربي” من عناصر تخالف كل ذلك الواقع، حيث تنسحب تلك المفارقات التي يلاحظها الطفل على نفسيته، وطريقة تفكيره ومايمكن ان يتسرب إلى فكره من مثل هذه الصناعات الثقافية الدخيلة. 

وهناك أبعاد كثيرة أخرى ترتبط بإعادة إحياء هذه الصناعة، حيث أن إحياء هذه الصناعة يعتبر

 أولا: إحياءً لشكل من أشكال التراث الحضاري الذي بات مهددا بالاندثار.

ثانيا: إن إحياء هذه الصناعة فيه إحياء لأشكالٍ اخرى للتراث الحضاري مثل تصاميم التطريزات المحلية والتي تنفذ على ثياب “العاجة” وغيرها.

ثالثا: من خلال هذه“العاجة”يمكن لنا تسريب الكثير من الأفكار والقيم التي تنسجم و الثقافة المحلية.

رابعا: يمكن لنا من خلال إحياء مثل هذه الصناعة أن نساهم في اقتصاديات المجتمعات المحلية وخاصة البدوية والريفية وزيادة انتاجية المرأة وتمكينها من ابتكار تصاميم جديدة في انتاج “العاجة” وتدريبها على خلق منتج ثقافي محلي ينافس المنتجات المستوردة أوبالأحرى يحل محلها، ويمكن طرحه في الأسواق المحلية أوبيعه كهدية (souvenir) للسياح كمنتج ثقافي محلي، يحمل معه الكثير من عناصر التراث الثقافي الشعبي. وأخيرا فإننا نود القول إننا نحلم في يوم نرى فيه  “العاجة”وقد أصبحت “باربي العرب”.     

 

المصادر والهوامش

1: ابن منظور. لسان العرب (بدون تاريخ). تحقيق، عبدالله الكبير،محمد حسب الله و هاشم الشاذلي. القاهرة: دار المعارف.

إسماعيل بن حماد الجوهري، تاج اللغة وصحاح العربية.  تحقيق أحمد عبد الغفور عطار (بيروت: دار العلم للملايين)

 2: محمدالزلابية. 2005. البدو شموخ وأصداء. العقبة: دار الانباط للنشر والتوزيع.

المراجع:

1: Clay, Gary. 2004. “Playtime Enjoyment And Education With Wooden Toys”(www.isnare.com)

2: Glassy, Danette; Romano ,Judith and the Committee on Early Childhood,

3: Adoption, and Dependent Care, 2003. “Selecting Appropriate Toys for Young Children: The Pediatrician’s Role”. PEDIATRICS Vol. 111 No. 4. pp: 911-913.

 

4: Fitzmaurice, G.and Buxton, W., 2007. “An Empirical Evaluation of Graspable User Interfaces:Towards Specialized, Spacem-ultiplexedInput”, Proceedings of the ACM Conference on Human Factors in Computing Systems (CHI’97), ACM, pp 43-50.

5: Tracy, Dyanne. 1998. “Toy-Playing Behavior, Sex-Role Orientation, Spatial Ability, and Science Achievement of Fifth Grade Students: Are They Related”. Paper Presented at the 1988 Annual Meeting of the National Association For Research in Science Teaching, April 11, 1988, Lake Ozark, MO.

 

الهوامش:

 (1) العصابة:- هي منديل يلف على رأس المرأة البدوية المسنة.

أعداد المجلة