مناسبة الصورة للمقال في دراسات المأثور الشعبي
العدد 33 - أصداء
تحرص مجلة الثقافة الشعبية - منذ تدشين عددها الأول في أبريل 2008 م - ومازالت - على تطعيم مقالاتها بصور وأشكال مرافقة للمادة المكتوبة، وقد لا يكون لكاتب المقال دور في اختيار هاته الصور وتلك الأشكال(1)، وعادة ما أحاول - أنا كقارىء - إيجاد العلاقات السيميائية بين النص المكتوب والأشكال الملازمة له، وقد مارست عادتي هذه على مقال الأستاذ محمد على ثامر المعنون «علي وِلد زايد ... أسطورة الشخصية وبلاغة الأقوال والأمثال»(2) وقد تصدرت المقال في صفحته الأولى - صورة ألزمتني، كمتخصص في الدراسات اليهودية، أن أقرأها(3) بصوت عال للبحث عن مناسبتها للمقال، وسوف أقتصر، في القراءة، على الجوانب الموضوعية والثقافية، دون العروج إلى الجوانب الفنية للصورة.
1. الصورة عن ماذا؟
في الصورة خمسة رجال أحدهم في موقع المتحدث الشارح والأربعة الأخرون يصغون إلى أقواله، والجميع يرتدون ملابس متشابهة في غرفة متواضعة للغاية، ويجلسون على مقاعد تفصل بينهم وبين كبيرهم المُعَمَم ، منضدة خشبية متواضعة عليها لفائف ورقية موضوعة في حافظة معدنية أو خشبية .
2. ما الذي يعنيه هذا المحتوى ؟
تتناول الصورة إحدى حلقات الدرس الديني اليهودي في مدرسة متقدمة، يطلق عليها في الثقافة اليهودية، «بيت هامدراش»(4)، فترة العصور الوسطى، في إحدى البلدان العربية «لاحظ عمامة الشيخ»، وجميعهم من اليهود الربانيين «لاحظ شال الطاليت»(5) والربانيون هم اليهود الذين يؤمنون بقداسة التلمود وأهمية تدارسه كمصدر تشريعي تالي للتناخ «العهد القديم»، والحلقة ذات طابع تعليمي يلقن فيها الشيخ دروس التوراة «لاحظ طبيعة اللفائف والصندوق المحفوظة فيه هذه اللفائف»(6) على تلاميذه «لاحظ الفارق العمري بين الشيخ والتلاميذ»، وهي دروس تقدم تفسيرات متنوعة للنص التوراتي(7).
3.مناسبة الصورة للمقال
لقد حاولت إيجاد مناسبة بين شيخ الصورة وشيخ المقال غير القول بالأصول اليهودية لشيخ المقال (الشاعر اليمني على وِلد زايد)، وربما تقتصر المناسبة على التقارب الزمني بين الشيخين، واتخاذهما المشافهة في إلقاء الحكمة، فشيخ الصورة يلقن تلاميذه شفاهة، حيث يوضح الشكل عناصر المشافهة، حركية الفم والأيدي، وشيخ المقال «معظم أقواله وُثِقت من قبيل الصدفة فقط، من ذاكرة الناس الأميين والمتعلمين على حد سواء»(8).
لقد حاولت تفسير مناسبة الصورة للمقال، متجشماً استحضار مفردات التلاقي بين النص والصورة، إلا أن المفردات التي لا تستدعي تجشما ما، وحضورها واضح جلي، هي مفردات تباعد بين المقال الذي يتناول حكيما شعبيًا مسلمًا، والصورة التي تتناول حكيما دينيا يهوديا.
والمرمى، في المستقبل، حين نعني بمزيد من المقالات التفسيرية، التي تقرأ الغامض من مناسبة الصورة للمقال في دراسات المأثور الشعبي، المنشورة في المجلة الغراء.
الهوامش:
1. ما يجعلني أذهب إلى هذا التقدير ، هو تجربتي في نشر مقال «موتيفات أنواع الأشياء السحرية» وفقاً لفهرست الموتيف العربي للشامي، دراسة تطبيقية على سيرة سيف بن ذي يزن (العدد 12 السنة الرابعة، شتاء 2011، ص 56 - 79)، حينها صُدِّر المقال بصورة لكتاب مغامرات سيف بن ذي يزن لفاروق خوشيد، صادر عن دار شروق، وشكل، ترافق مع جميع صفحات المقال لشخص يمسك حربة ويمتطي صهوة أسد، وهو شكل تقليدي، انتهجت مكتبات طباعة الكتب الشعبية تصديره على أغلفة السير الشعبية تحديداً.
- انظر في ذلك مطبوعات مكتبة الجمهورية العربية لصاحبها عبد الفتاح عبد الحميد مراد بشارع الصنادقية بجوار الأزهر، بمصر.
- وجدير بالذكر أن هناك اهتمامات بدراسة هذه الأشكال والصور المنشورة في الكتب الشعبية، سواء على أغلفة الكتب الشعبية أو بداخلها في بعض الجامعات الألمانية، وهو ما نبهني إليه الأستاذ العالم أولريش مارزولف، استاذ الآداب الشعبية الإسلامية بجامعة جوتنجن، حيث تُدرس هذه الأشكال شكلاً ومضموناً، مع تفسير علاقاتها الزمانية والمكانية والنصية، بالكتاب الشعبي المنشورة فيه.
2. العدد 32، السنة التاسعة، شتاء 2016 م ص (64 - 73).
3. القراءة هنا محاولة تقديم ما فشلت اللغة عن تقديمه، أي، على حد تعبير ميشيل فوكو، إيجاد علاقة أكثر رحابة وشفافية بين الإنسان والأشياء .
4. يقوم التعليم الديني اليهودي في العصور الوسطى، على ثلاث مراحل تقليدية، الأولى مرحلة الحِدِر: الكُتّاب، وفيها يُلَقَن الطفل مبادىء القراءة والكتابة وحفظ التوراة، وربما بعض مبادىء الحساب، ويستمر الطفل فيها حتى سن التكليف، وهو سن الثالثة عشرة، والثانية مرحلة بيت هامدراش: المدرسة، وفيها يتعمق التلميذ في دراسة التوراة وتفسيراتها، فضلاً عن قراءة التلمود، ويستمر فيها التلميذ حتى سن العشرين تقريباً، أما المرحلة الثالثة فيطلق عليها اليشيفا: الاكاديمية العليا، وفيها يتبحر التلميذ في دراسة التوراة والتلمود، ويدقق في تفاصيل الأحكام التشريعية وتفاصيل الروايات الشارحة للنصوص التشريعية.
- للمزيد انظر: شلومو زلمان أريئيل، انسكلوبيديا مُضيء الطريق، (موسوعة عبرية للعادات والتقاليد والأخلاق اليهودية)، دار نشر ماسادا، تل أبيب، 1960 م، (مواد حيدر، بيت هاميدراش، يشيفا).
5. شال الصلاة الصغير أو الكبير، يوضع على الكتفين في أثناء الصلاوات التي تتم جماعة، ويكون مستطيل الشكل أو مربعاً، وفي كل زاوية من زواياه حلية تتكون من ثمانية أهداب من الخيوط، اربعة بيضاء، وأربعة زرقاء، ويقصد من اختلاف الألوان التعرف على وقت طلوع الفجر بتمييز الخيط الأبيض من الخيط الأزرق، ولهذا الشال في طهارته أحكام خاصة، وعادة ما يكفن فيه اليهودي بعد موته.
للمزيد انظر: د.سامي الإمام، الفكر العقدي اليهودي «موسوعة جيب»، صادر عن قسم اللغة العبرية، كلية اللغات والترجمة، جامعة الأزهر، 2010م، ص 55.
6. هو صندوق خشبي مطعم بأشكال ورسومات خاصة، تحفظ فيه أسفار الشريعة ويوضع في مكان محدد في المعابد، وهو من بين أقداس الدوات الدينية عند اليهود.
انظر: قاموس افن شوشان المختصر (عبري - عبري)، دار نشر كريات سيفر، القدس، 1999م، ص 45.
7. يعتمد الربانيون أربعة مناهج تقليدية في تفسير التوراة، أطلقوا عليها اسم فردوس وتعني جنة، أي أن العارف لهذه المناهج الأربعة، كالعارف لطريق الجنة والواصل إليها، كما أن اللفظة «فردوس» تمثل أوائل كلمات المناهج التفسيرية الأربعة وهي على النحو التالي: منهج البشاط (في العبرية إذا جاءت الفاء أول الكلمة تنطق باء ثقيلة) ويقصد به التفسير الحرفي، ومنهج الرِمِز ويقصد به التفسير الرمزي، ومنهج الدِراش ويقصد به التفسير الوعظي والأخلاقي، وأخيراً منهج السُود، ويقصد به التفسير الباطني أو الصوفي .
- للمزيد من التفاصيل انظر: د. عبد الرازق أحمد قنديل، الثر الإسلامي في الفكر الديني اليهودي، دار التراث بالقاهرة بالإشتراك مع مركز بحوث الشرق الأوسط، جامعة عين شمس، 1984م، ص 131 – 139 .
8. محمد على ثامر خليفة، على وِلد زايد ... مرجع سابق، ص 65.