طقوس الزواج بالمغرب منطقة بهاليل نموذجا
العدد 56 - عادات وتقاليد
لا يمكن للمجتمع أن يوجد أو يستمر من دون تفاعل أفراده، أي من دون علاقات اجتماعية تربط بينهم وتساعدهم على إشباع حاجاتهم الأولية والثانوية، ولا يتم تفاعل الأفراد يبعضهم بصورة عشوائية غير منتظمة وإنما هناك ضوابط تحدد الصور التي يجب أن تسير عليها العلاقات الاجتماعية بيت أفراد المجتمع الواحد وكذلك بين أفراد المجتمع والغرباء. وهذه الضوابط للسلوك الاجتماعية هي ما يصطلح عليه بالنظم الاجتماعية، وكلما استمرت النظم الاجتماعية في تأدية وظائفها كلما استمر المجتمع.ومن بين هذه النظم الاجتماعية نجد نظم الزواج، أسلوب نمطي للسلوك الاجتماعي إذ يعد واحدا من أهم الأحداث الثلاثة الكبرى في حياة الإنسان، تلك الأحداث الثلاثة هي: الميلاد والزواج والموت.
أما عن مراسم الزواج فهي تختلف من بلد إلى آخر، وإذا أخذنا بلد المغرب نجده يتميز بطابع خاص يميزه عن باقي المجتمعات الأخرى من حيث التقاليد والعادات، هذه الأخيرة التي تتفق بدورها من بعض الوجوه وتختلف في أخرى حسب المناطق وطرائق العيش بها ومدى تأثر بعضها بالبعض الآخر.
لهذا جعلت منطقة بهاليل نموذجا لدراسة ومعرفة مراسيم الزواج بها وهي بالطبع تختلف عن باقي المناطق الأخرى المغربية سواء في الشمال أو في الجنوب أو في الشرق أو في الغرب، وذلك خلال فترة معينة من فترات المجتمع المغربي.
التعريف الأتنروبولوجي لمصطلحي الزواج والطقوس:
الزواج نظام عالمي يكفل وجود علاقة دائمة بين رجل وامرأة لتربية أطفالهما الذين لا حول لهم ولا قوة، كما أنه يضمن انتقال الثروة لهم، واكتسابهم مكانة معينة(1).
ويعني الزواج اجتماعيا صيغة مشروعة يرضى عنها المجتمع قد تكون مدنية أو دينية للتعايش بين ذكر وأنثى، يترتب عليها حقوق وواجبات لكل من الطرفين(2).
وهناك من يعرف الزواج أنه مجموعة من العادات تحدد صور العلاقات بين شخصين بالغين مباح بينهما الاتصال الجنسي. ويدخل هذان الشخصان في نطاق الأسرة ولا تتكون الأسرة من دونهما(3).
فالزواج إذن ظاهرة اجتماعية معقدة ويرجع ذلك إلى اختلاف صوره وعناصره ونظمه بدرجة واضحة تصل إلى حد التناقض(4).
ويلخص أحد الباحثين مجمل الأسباب التي تجعل الناس يتزوجون وهي كما يلي:
1. الحب
2. الأمان
3. الرغبة في حياة المنزل والأولاد
4. الأمان العاطفي
5. تحقيق رغبة الوالدين
6. الهرب من الوحدة
7. المشاركة
8. الهرب من أوضاع غير مرغوبة في منزل الأسرة
9. إغراء المال
10. وجود الصحبة والصداقة
11. الحماية
12. تحقيق مركز اجتماعي معين
13. المغامرة(5).
الطقوس: أو الشعائر الدينية، طقوس الاجتياز: مصطلح الطقوس بمفهومه العام يعني شعائر وقواعد ومراسيم تزاول في الغالب دينيا كما تزاول في مناحي أخرى غير دينية اثنغرافيا الطقوس كأفعال لها قوة سحرية غامضة وخفية تسخر للقيام بأعمال وأشياء معينة اعتقادا في مفعول آثار التصرفات والإيماءات والرموز المستعملة فيها. والطقوس قد تكون فردية أو جماعية وتخضع لتدابير معينة قد تكون شخصية أو تأسيسية. وهي قد تكون يدوية إيمائية أو شفوية مثل الصلوات والتعاويذ والرقيات وحسب رأي (ريتشار فايس) قد تشكل الطقوس بعض عناصر العادة إذا كان لها مضمون اعتقادي.
أما الفرق بين الطقوس والأعراف هو أن الأعراف لها هدف وفائدة بينما الطقوس قد تكون خرافية أسطورية أو سحرية أما الطقوس أو الشعائر الدينية فمن الخطأ تعميم المفهوم فإن كانت طقوس الأديان الطوطمية(6) والبدائية ترتبط بالخرافة والأساطير أما بالنسبة للأديان السماوية هي شعائر ذات فائدة وهدف اجتماعي ومعنوي، إلى جانب هدفها الروحي كما هو الحال في الإسلام.
أما طقوس الاجتياز فهي التي تمارس بمناسبة اجتياز مرحلة أو حدود أو فترة من فترات العمر كالمولد، والزواج والممات(7).
أما المراسيم الاجتماعية بمعنى شعائر ولائمية قد يكون لها طابع قدسي وتساهم إقامتها في نشأة التقاليد وتجعل ماضي بعض العادات حاضرا، كما أنها تساهم في تسيير السلوك الفردي، وهي قد تشتمل على طقوس أسطورية أو مجرد طقوس مرورية(8).
طقوس الزواج في المغرب:
تختلف طقوس الزواج في المغرب من منطقة إلى أخرى ولقد اخترت منطقة بهاليل:
1) منطقة بهاليل:
البهاليل هي منطقة صغيرة على منحدر الأطلس المواجه لفاس، على بعد اثنين وسبعين ميلا منها. ويوجد بالقرب منها ممر جبلي تشقه طريق نوميديا. وفي الجبل عدد من الجداول يخترق أحدها مدينة البهاليل..(9) فهي تقع في إحدى المواقع الجنوبية لمدينة قاس، وغير بعيدة من صفرو، وهي قرية مليئة بالسكان الذين يتوغلون في مساكن وبيوت في جانب أحد الدعامات الأولى للأطلس المتوسط(10).
سكان المنطقة: سكانها من بقايا قبيلة بربرية قديمة «بهلولة» التي كانت تقطنها منذ عصر قديم جدا، لعبت مرات عديدة دورا تاريخيا يستحق الاعتبار، خاصة في العصور الأولى من الفتح الإسلامي(11).
2) طقوس الزواج في هذه المنطقة «بهاليل»:
يتزوج أهل بهاليل عامة فيما بينهم شارحين بذلك هذه العادة بقولهم: سيكون من الغباواة أو عدم التبصر الزواج بامرأة غربية لا نعرف شيئا عن ماضيها ولا عائلتها، بينما مع فتاة القرية فكل شيء مضمون.
وكما هو المعتاد فمن عادة الرجل الشاب أن يعلن طلبه لوالدي الفتاة الشابة حينما يحدد اختياره، حيث يتوجه إلى أبيها، قائلا بدون أي مقدمة «سأكون ضيفكم للعشاء هذه الليلة» والآخر (أي الأب) بدوره لا يجهل أبدا معنى هذه الصيغة فيدعوه مرحبا به «مَرْحَبا بِيك» ثم يعطي أوامره لإعداد مائدة المساء بينما ينسجب الرجل الشاب للذهاب والتفاهم مع اثنين من «الطُلْبة»(12) أو ثلاثة لتأييد طلبه.
يتقدم الخاطب في الوقت المحدد، بصحبة رفقائه إلى منزل الأب، هذا الأخير الذي يأتي للقاء ضيوفه مرحبا بهم فيأخذ بعد ذلك المدعوون أماكنهم حول مائدة الشاي.
يبدأ الحديث حول أحداث اليوم والأعمال الفلاحية وثمن البذور والخضر والقطعان، متحاشين التكلم في الموضوع الرئيسي. ثم يقدم عشاء وافر يشرف عائلة الفتاة.
ومن ثمّ يعد الشاي وما إن توشك لحظة انتهاء الحديث حتى يأخذ الخاطب الكلام بمجرى رزين، ومعلنا بتعابير للضيوف: «أنت لا تجهل بدون شك السبب الذي أتى بي أنا وأصدقائي، نحن في منزلك هذا اليوم، وأنا أعرف أن لك ابنة للزواج باسم محمدﷺ نبينا، الذي نحبه أطلب ابنتك للزواج، تبعا بقواعد كتابنا المقدس. أنت تعرف جيدا من أنا وأي عائلة أنتسب إليها. ينبغي أن تكون متأكدا أنها ستكون في أيدي أمينة..» ودون أن يكمل كلماته، يتدخل الطُلبة منشدين مدائح لحمايتهم، ملحين بذلك على الأب لإعطاء الموافقة.
إذا كان الخاطب ممتازا، فالأب يوافق في الحال وتقرأ الفاتحة مباشرة كعلامة على الموافقة.
والنساء اللواتي يشهدن الأحداث من وراء الستار يغنين ويزففن الزغاريد حتى يعلن للجيران أن الابنة قد خطبت.
لكن إذا كان العكس، وكان الخاطب ليس كما تتمناه عائلة الفتاة، يرجع الأب رده في اليوم التالي، معتذرا بأنه لا يقدر أن يجزم في الطلب لوحده، وهذا يعادل الرفض عموما.
أما إذا كانت الفتاة صالحة للزواج حقيقة فإنها تشاور أولا حيث يطلب منها والدايها الموافقة، وهي التي تقرر في النهاية القبول أو الرفض.
لكن إذا كانت لا تزال طفلة فإنه من المألوف أن تخضع كليا لأوامر أبيها الذي بإمكانه أن يقرر حدوث هذا الزواج بسلطته الخاصة.
أنهيت الموافقة على المهم في يوم، ثم انتقلوا بعد ذلك إلى الحديث عن المهر، هذا الأخير الذي يتغير بدوره تبعا لصفة الزوجة المرغوب فيها هل يتعلق الأمر بفتاة شابة أو أرملة أو امرأة مطلقة ؟؟.
فالبنسبة للفتاة الشابة. فالمبلغ المعتاد هو 350 إلى 450 مثقل، ولا يمكن تجاوزه إلى 500 اضافة إلى اثنين من «الحايك» وغطاءين للسرير (benachgra). أما بالنسبة للمرأة الأرملة أو المطلقة فمهرها يخف بعض الشيء عن مهر الفتاة الشابة ولا يشمل زيادة أخرى عن حايك واحد وغطاء. ويرجع مبلغ المهر من حق زوجة المستقبل، والخاطب غير ملزم بدفع كل المجموع في نفس اليوم.
تدور المناقشة عادة في هذه المسائل بين أصدقاء العائلتين معا. وبعد الاتفاق يحضرون عدلين من أجل كتابة العقد، فيدفع الخاطب إذن جزء من المهر: النصف أو الثلث أو الربع حتى يدفع الباقي في المهلة الثانية.
ولا زال العديد من الأزواج بعد 20 أو 30 سنة من الزواج لم يقضوا هذا الدَيْن تجاه زوجاتهم (إلا في حالة الطلاق فحينها يصبح مطالبا بالدفع).
يقدم إذن الدفع الأولي عاجلا، حتى يعتبر الزواج نظريا مشهورا. أما إذا كانت المخطوبة غير صالحة للزواج (قاصرة) ففي هذه الحالة يتكلف أبوها بالسعي على التوقيع أمام شاهدين على عقد يلتزم فيه صهره بالمحافظة واحترام ابنته أكثر من اللازم طيلة فترة ما، ستة أشهر مثلا، أو سنة أو أكثر: والزوج الذي يخالف هذا العهد سيستدعي أمام القاضي والحكم عليه بغرامة نقدية مع السجن. (وذلك لضمان عدم تكرار الوقوع في مثل هذه الأخطاء، وحتى يصلح بالمقابل شأن المال النقدي عموما).
وإذا كانت المخطوبة صالحة للزواج (غير قاصر)، يحدد الخاطب تاريخ مراسم الزواج وهي عادة لا تغادر عائلتها مباشرة، لأنها تحتاج إلى وقت للاستعداد، فهي في فترة الخطوبة التي قد تستمر مدة أقل أو أكثر. وسرعان ما يعتمد الخاطب على إرسال «القفطان» إلى زوجته المستقبلية وكذلك اثنين من (الفَرَجية)، وزوجين من «البَلْغَة» مطرزة، وغطاءين للسرير، وكيلو من الحناء وبعض العطور: كل هذا يكون جزءا من جهاز العروس ويحفظ بكل عناية حتى يوم الزفاف. ويرسل الخاطب في كل عيد بعض الهدايا لخطيبته طيلة الفترة التي تستمر فيها الخطوبة.
أما من جهة العروس: يقدم لها والداها مجموعة من الجواهر مشتراة بالعديد من القطع النقدية وهي عبارة عن تاج (سبنية) وعقد (لُوݣْلادة) ثم 3 مناديل من الحرير. وفي الأخير «الفرجية» الطقسية التي تنفع يوم العرس، ولا تخرج الفتاة المخطوبة من منزلها أبدا طيلة فترة الخطوبة. أما عن تكاليف العرس أو الزفاف يرتكن الجزء الكبير منها إلى زوجة المستقبل.
بداية المراسم: يرسل إلى بيت المخطوبة قبل بداية المراسم بيوم واحد، ثورا أو كبشا في الغالب و20 كيلو من الزبدة وقدرا معينا من العسل و10 أداد من القمح وبعض الخبز من السكر. فيقوم أهلها بذبح الثور، وطحن 30 إلى 40 مد من القمح من أجل إعداد جبل من الكسكس، وفطائر (رغائف) عديدة.
تدوم الاحتفالات ثلاثة أيام يختفي فيها الخاطب، حيث يقضي هذه الأيام الثلاثة في مغارة منعزلة محاطا ببعض الرفقاء الذين اختارهم ولا يغادرونه ليلا ولا نهارا.
فهو السلطان وهم يشكلون وزراءه، مكرسين ذاتهم تماما لأوامره ثم يلعب واحد من بين هؤلاء دورا فائق القوة في توجيهه إذا كان ضروريا في حالة عدم خبرته.
وفي كلا العائلتين فاليومان الأولان مخصصان للاستقبالات وحفلات الابتهاج، فخلال كل يوم من هذه الأيام الثلاثة وحوالي ثلاثة ساعات يحملون سلة من الزبيب إلى بيت زوجة المستقبل مكونين موكبا من النساء والموسيقيين والعديد من الحاضرين.
وفي كل فترة هذا المشوار النساء يرقصن على أصوات الطبالة والغيطة، مرافقة بصوت حاد للزغاريد تحت غطاء يخفي وجوههن عند الدخول إلى البيت، وأصوات الفرح وموسيقى الآلات تكرر: إنها ضوضاء عجيبة.
وفي مساء اليوم الثاني تقام بالنسبة لكل من الخاطب والمخطوبة متفرقين، مراسيم الحناء. تجلس الفتاة الشابة في بيت أهلها على نوع خاص من المقاعد مستندة إلى الحائط، مُزدانة بأجمل حلة عرسية لكن بدون الحُلي التي سترتديها فقط في اليوم السابع من عرسها. وخلال هذه الفترة التي تضع فيها الحناء على يديها ورجليها تضع شرشف تختفي فيه من عيون الحاضرين. ويتم ذلك بمتابعة الأصدقاء والوالدين وهم جالسون أمامها وهي غير متحركة وصامتة.
وفي الوقت الذي تمكث فيه هادئة، تشيد إمرأة مسنة من المعارف القديمة للعائلة بجمال العروس، ذاكرة ملامحها واحدا تلو الآخر في كل مرة تستعيد تنفسها، والنساء يلفتن النظر إلى كلماتها بزغاريد بصوت حاد.
وفي الأخير تضع الأم أو إحدى قريباتها أمام العروس مائدة صغيرة مغطاة بمنديل من حرير تضع فيه كل امرأة بالدور هدية. ثم تنادي (تبرح)(13) الأم بصوت مرتفع بالمبلغ مع اسم التي أعطت في نفس الوقت؛ هذه مراسم التوزة(14) (Taousa) هكذا يعود المبلغ الذي تم جمعه بحوزة زوجة المستقبل.
وفي نفس هذا الوقت تقام مراسم مناسبة ومجانسة مع أن الحضور محدود في المغارة التي ينعزل فيها الخاطب، حيث يجلسونه على مقعد مرتفع مغطى بزربية صغيرة واضعا قلنوسة معطفه العربي (السهام) متأنقا به في حالة لا يظهر وجهه. يجلس أصدقاؤه أمامه مكونين بذلك نصف دائرة والشموع مشتغلة في الوسط، ثم يغنون ترجيعات تقليدية، في وقت يضع فيه الوزير الحناء على يدي العريس، ويغطونها بعد ذلك بقطعة قماش هي لعروسته، وهم على عكس أهل الفتاة لا يقومون بالتوزة.
وفي يوم الغد وهو يوم الزفاف، فحوالي أربع ساعات يتكون موكب أمام المأوى الذي انعزل فيه الخاطب: حيث يجتمع الموسيقيون والنساء والحضور بكثرة، فيخرج الرجل الشاب ببرودة مرتديا ملابسه الجميلة، من سلهامين واحد أبيض والآخر أسود أو أزرق من نسيج الصوف ثم يغطي رأسه وأكتافه بنسيج من صوف أبيض وسلهامه يخفي وجهه تماما من العيون الحاسدة، ثم يركبونه على حصان مسرج ويتجول في الأزقة والزقاق الوعرة للقرية بمشية بطيئة والموسقيون وراءه مختلطين بجمع من الراقصات اللواتي يلزمنه غالبا بإيقاف فرسه وتأخيره.
ثم يطلق الرجال في هذا الموكب طلقات نارية من البندقية حتى يصلوا أمام مغارة مجاورة التي ستكون بيتا للزوجين المستقبليين، فيدخلون الرجل الشاب في انتظار عروسته أن تأتي إلى المغارة العرسية.
وبعد حوالي عشر ساعات من عشاء المساء يذهب والدا وأصدقاء الزوج إلى بيت زوجة المستقبل ليحضروها.
إنه جميل أن تظهر مقاومتها وبأنها ترفض مغادرة منزلها وعائلتها، فيأخذنها النساء بين أيديهن قائلات لها كلمات مشجعة، وعلى لمعان مشعل يستصحبونها على مهل إلى وسط الغناء والزغاريد، وفي موكب متجانس يصلون ثم تأخذ امرأة العروس على ظهرها دون أن تتركها تعبر «العَتْبَة» بمفردها وتضعها بعد ذلك فوق الفراش العرسي. بعد ذلك ينسحب الحاضرون فيدخل الزوج ومن العادة أن الزوجة لا تستسلم إلا بعد صراع جديد تظاهري.
يتم الاقتران وينسحب الزوج فيذهب للاختفاء في مغارة مجاورة فتطلق أربعة طلقات نارية إشارة على هروبه. ثم يدخل الأقارب والأصدقاء إلى الغرفة العرسية فتأخذ الأم «الفرجية» وهي مخضبة بالدم حيث تضعها في إناء للعرض فيخرجون في نزهة انتصارية في كل أنحاء القرية، برفقة الموسقيين وكل الحاضرين حيث يزفون صيحات من الفرح والسرور مع إطلاق طلقات نارية وهم يعرضون باعتزاز القميص على كل الحضور. وبعدها تترك الأم القميص معروضا طيلة ثلاثة أيام قبل أن تقوم بغسله وحمله لابنتها.
أما في حالة وجدت الزوجة غير عذراء، فيمكن للزوج أن يحضر عدلين، وذلك بعد تأكد من «العريفة» فيتم حصول نطق الطلاق مباشرة. ويطالب والد الزوجة بتعويض كل تكاليف الزواج وابنتهما ملتحفة بالعار لا يسعها سوى الاختفاء من هذه المنطقة.
وخلال الخمسة الأيام الأولى التي تتبع يوم الزواج لا يدخل الزوج الجديد عند زوجته إلا في الليل في ساعة متقدمة، فهو يتابع قضاء أيامه في المغارة المجاورة مصطحبا وزرائه الذين يتناولون معه الغذاء ويحصل من كل واحد منهم أثناء الأربعة أيام المتتالية على (التوزة) من 15 إلى 20 فرنك: فهو دائما السلطان ثم يتخلى عنهم في اليوم الخامس بتقديم غذاء فاخر وبعده يعود كل واحد إلى حاله.
وفي سادس يوم تقام مراسيم مناسبة بالنسبة للنساء المدعوات إلى البيت الحديث حيث يعطين هدايا للزوجة الجديدة، ويقدم لهم طعاما معينا (الرفيسة أو الثريد) نوع من الفطير رقيق جدا بالزبدة ويقدم مع العسل، والجوز والزبيب. ولا تقوم الزوجة بهذه التكريمات بنفسها فهي لا تبرح سريرها إلى غاية اليوم السابع حيث تتولى أمها فقط الاعتناء بها، ولا تستقبل أي زائر سوى أقربائها إلى غاية هذا اليوم السادس حيث تظل ممدة وتشاهد وهي صامتة.
وفي اليوم السابع يقام حفل أخير ينهى به مراسيم الزواج. فمنذ الصباح تذهب أم الزوجة بمساعدة اثنتين أو ثلاث من النساء عند ابنتها، فتساعدها على الاستحمام وتصبغ رموشها وحواجبها بالأسود، وتضع الحناء على يديها ثم ترتدي ملابسها العرسية وحليها. وأثناء هذا الوقت، تجتمع نساء الجوار حول الزوجة بعد خروجها لابسة ومتخضبة ومعطرة ومتبسمة.
إنه حفل يختلط فيه صوت الفرح بصوت الآلات في وسط الزغاريد، حيث يغني الموسيقيون ردّة قديمة من الحب إشارة على الابتهاج، فتقبل المرأة الشابة رأس كل واحدة منهن، وبعدما يقدم الشاي للمدعوات يغادرن وهن يتمنين السعادة والفلاح للزوجين الجديدين.
وبعد مرور هذا اليوم تقوم الزوجة بتسيير البيت وأشغاله وتبدأ بذلك حياة عادية.
وهنا لم تكتمل الطقوس بعد، فعلى نهاية ثلاثة أشهر بالضبط يرسل والدا الزوجة 20 دجاجة حية و150 إلى 200 بيضة، وبعد شهرين يرسل ربع ضخم من الغنم و20 فطيرة و100 بيضة. وهذا يعد بمثابة إشعار بأنه بعد عشرة أيام تترك الزوجة زوجها لتذهب عند عائلتها لقضاء سنة كاملة.
تأتي في المساء برفقة حماتها أو أحد أقارب زوجها الذين ستصبح بالنسبة لهم طيلة الوقت مثل «الغريبة» حيث لن يرونها إلا بعد سنة، حيث ستمكث في دار منعزلة يقوم كل من والديها بخدمتها عن كثب وأيضا من طرف بعض النساء المسنات المرسلات من طرف الزوج بشكل سري دون أن تعلم الزوجة بذلك.
وبعد مضي سنة يرسل الزوج إلى عائلة زوجته مجموعة من الهدايا بمثل القدر الذي توصل به، فتعود زوجته وفي بعض الأحيان مع طفل صغير ولد أثناء تلك المدة التي افترقا فيها، لتأخذ مكانها في بيتها الزوجي الذي لن تغادره بعد ذلك من الآن فصاعدا.
وبعد مرور سنوات من الزواج، تتمتع المرأة بحرية نسبية، ولا تخرج أبدا إلا في حالة توفرها على كثير من الأبناء أو عند بداية شيخوختها، وبذلك تصبح معتوقة بهذه القاعدة.
رمزية ودلالة بعض طقوس الزواج بالمنطقة:
تمثل الأنماط الثقافية صورا أو نماذج تعبر عن مجموعة من الرموز والدلالات المتصلة بعضها ببعض وهذه الصور لها معنيان يكمن الأول في ذاتها والثاني على معنى آخر، فالرمز إذن هو ما يشير به إلى معان أخرى تختلف في معناها عن معنى الشيء الحقيقي وبذلك لا تقتصر قيمة الرمز وأهميته في خصائصه الداخلية فحسب، بل له أهمية وقيمة مستقرة في المعنى الذي يرمز إليه والذي هو شيء آخر، والعلاقة بين الرمز من حيث معناه والشيء الذي يرمز له علاقة تعسفية ولكنها اتفاقية. فالثقافة تخلق الرموز وتحدد وظيفتها، ومن هنا تختلف الثقافات والمجتمعات في الرمز المستخدم للشيء الواحد، إلا أنها لا تختلف في الوظيفة الرمزية، فهذه الأخيرة داخل سياق معين يمكن أن تتحقق بأشكال رمزية عديدة. ومن أهم وظائف الرموز أنها تشيئ العلاقات بين الأفراد والجماعات أي تجعلها كالأشياء الملموسة، فالرمز إدراك المجرد الملموس(15).
فالرموز أداة للفهم والإدراك فهي وسيلة لإثارة العواطف والأحاسيس وحث الناس على الفعل وهي عادة تحدث في أنماط منتظمة من الأنشطة كالشعائر الدينية والطقوس الخاصة بدورة حياة الفرد.
وتعد الشعائر من أهم الأنساق الرمزية التي تعكس مناهج وأساليب تفكير الناس واتجاهاتهم السلوكية. فالشعيرة نوع من التعبير الرمزي عن الآراء والعواطف التي ترتبط بموقف محدد وهي تأكيد رمزي للقيم من خلال الأفعال الثقافية والشعائر السائدة في كافة الثقافات. هي الشعائر التي تمارس عند انتقال الفرد من حالة اجتماعية لأخرى وهي التي أطلقت عليها شعائر المرور وترتبط بدورة حياة الفرد كالميلاد والخطبة والزواج والإنجاب والمرض والوفاة.
كما أن الشعائر تمد الأفراد بالشعور بالأمان والطمأنينة وتوحي بالتغلب على أزمات الحياة ومواجهة التوتر والقلق والاضطرابات النفسية. ولا تقتصر أهمية الشعائر والطقوس على الفرد بل تشمل المجتمع ككل، فهي أداة لتأكيد وتثبيت القيم، وتعمل على تحقيق الضبط بإمداد المشتركين فيها ببعض الوسائل والأساليب التي تجدد طبيعة علاقاتهم بالآخرين وبالعالم المحيط بهم وتجدد أيضا علاقاتهم بالقوى الطبيعية أو ما فوق الطبيعة. ولعل من الواضح أن مراسيم الزواج بمنطقة البهاليل عبارة عن خليط بين عادات حضرية وبدوية وبقايا طقوس بربرية قديمة جدا.
وإذا اختفت هذه الطقوس في جهات أخرى دون أن تترك أي أثر، فإنها في هذه المنطقة محتفظ بها بقدر جلي وواضح(16)، وإضافة إلى ذلك يبقى البعض منها ذا دلالة مقصودة في حين تبقى الأخرى عبارة عن ممارسة تكرارية دون معرفة المقصد منها.
1) ومن دلالات بعض الطقوس نجد:
- أن يتزوج رجال بهاليل من داخل القية وه ما يعرف بالزواج من فئة معينة endogamy أي الزواج العشيري، بمعنى زواج داخل نفس الجماعة سلالية، مهنية، قبلية، أسرية لا يتجاوزها(17).
واختيارهم لهذا الزواج له دلالة على ضمانهم الانتساب ومصاهرة زوجة مضمونة، معروف عنها كل شيء: حاضرها وماضيها ولا يهمهم في ذلك شيء اي آخر حتى وإن كانت المرأة الغريبة يتوفر فيها كل ما يتمناه الرجل، ودليلهم على ذلك:
- «une poule du village est préférable a une perdix de dehors»
أي «دجاجة القرية أفضل من حجل من الخارج» فبالرغم من لذة لحم الحجل فهم لا يفضلونه على لحم الدجاج، لا شيء سوى أنه من خارج القرية. وهنا شبهوا المرأة من داخل القبيلة بلحم الدجاجة، وشبهوا المرأة من خارج القبيلة بلحم الحجل.
- أما عن إرسال بعض الهدايا للعروس طيلة فترة الخطوبة وقبل موعد الزفاف فله دلالة على تشبت العريس بتلك الفتاة وبأنه لم ينسها، ونحن نعرف أن الهدية هي أنجح وسيلة لمزيد من التقرب من الشخص المرغوب فيه، وأيضا حتى تتمكن من جمع جهاز الزفاف، وهذا ما يسمى في مناطق أخرى بـ«التفكور»(18).
- أما عن حمل امرأة العروس على ظهرها يدل على مدى خوفهم على تلك الفتاة الشابة من أن يصيبها أي مكروه بتخطيها عتبة المنزل التي يكون فيها من «السحور» يجعل العروس بذلك «مْثَقْفَة» أي بمعنى عدم حصول أي شيء في ليلة بنائها، فتبقى الفتاة كما جاءت من بيت أهلها. فهم بهذا يبعدون من العروس كل ما ينتج عنه خسران الزوج أو شيء من هذا القبيل.
- إخفاء العريس وجهه عن الناظرين في ليلة زفافه، تخوفا من العيون الحاسدة وكذلك نفس الشيء بالنسبة للعروس حتى «يَطْلَعْها السَّر».
- أما عن التشكيلة التي يكونها العريس بأخذه صفة السلطان ثم يأخذ أصدقاءه الذين يختارهم صفة الوزراء، حتى تعطى للشخص الراغب في الزواج فرصة للتشاور مع رفقائه في كل الأمور التي يرى عدم خبرته فيها، ويلبون له كل أوامره إذ لا يفارقونه ليلا ولا نهارا، مكرسين ذاتهم لخدمته ومساعدته.
- أما بخصوص إظهار العروس مقاومتها ورفضها مغادرة منزلها وعائلتها فهو يدل على خجل الفتاة أمام الحاضرين.
- أما بخصوص النزهة الانتصارية التي تقوم بها الأم في كل أنحاء القرية برفقة الموسيقيين والحاضرين له دلالة على انتصارهم على أقوال الناس وبأن ابنتهم جاءت إلى بيت زوجها وهي عذراء.
- وبالنسبة لهجر الزوجة بيتها بعد شهور قليلة من الزواج لتعود إلى بيت أهلها وتمكث فيه مدة سنة واحدة فهي تبقى غامضة. ولعل من دلالة هذه العادة اختبار الزوج لزوجته وهل ستتمكن من خيانته أو لا؟ ولعل ما يؤكد ذلك هو توصيته لبعض النساء سرا دون أن تعلم الزوجة بذلك بالسهر عليها طيلة هذه المدة.
- أما بالنسبة لعدم خروج المرأة من بيتها أبدا إلى غاية حصولها على كثرة الأبناء أو عند بلوغها سن الشيخوخة يؤكد لنا غيرة رجل بهاليل على زوجته وحرصه على ألا يراها أحد غيره، لهذا جعل شرط خروجها إما كثرة الأبناء حتى يتوضح لمن يراها أنها امرأة متزوجة.
إما شيخوختها وكبر سنها حيث تفقد بذلك جمالها ويظهر عليها بأنها غير مناسبة للزواج، وبهذا يضمن بأنه لن ينظر إليها رجل آخر وتضمن هي بدورها حريتها المطلقة.
بالإضافة إلى ما سبق تتطلب ممارسة الشعائر استخدام بعض العناصر والمكونات اللازمة لإقامتها وقد تكون هذه العناصر لفظية أو حركية أو تضم الاثنين معا. وكل هذا يعمل على استثارة المشاعر في الشعائر والطقوس المختلفة ومن العناصر اللفظية المتكررة في الاحتفالات الزغاريد و«سلام على رسول الله».
والجدير بالذكر أن استخدام هذه العناصر اللفظية كرموز في كافة الاحتفالات بصفة عامة والزواج بصفة خاصة يدل على الاعتقاد الكامن لدى أفراد المجتمع بوجود أرواح وقوى فوق طبيعية يتم التحصين منها أو القضاء عليها بكثرة الصلاة والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم، وبدقات الفرق الجماعية وهي دقات عالية يصاحبها الغناء بمدح العروسين والصلاة والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم بنغمات مختلفة والدعاء للعروسين بالحفظ والحماية من كل سوء وكثيرا ما يصاحب هذا الغناء الرقص الشعبي من أحباب العروسين.
ومما يتقدم ذكره يتضح أن الرموز الدينية لا تقتصر وظيفتها على الإشهار وإضفاء الصبغة الشرعية على الزواج والعمل على استقراره بل هناك وظائف كامنة أظهرت اعتقاد أفراد المجتمع القوي في الأرواح والسحر مما أضفى على الاحتفال في كافة مراحله جوا مليئا بالممارسات والعناصر اللفظية الدينية بغية إرضاء هذه الأرواح والحماية من أذاها.
2) دلالة الأطعمة:
تتنوع وتتعدد صور التعبير الرمزي، وتناول الطعام في المناسبات المختلفة له مضمون رمزي وشعائري كبير عبر التاريخ، وكما يوجد بعض الأطعمة التي تستخدم كرموز وإشارات إلى بعض الاحتفالات المحددة، توجد أيضا اختلافات واضحة في هذه الرموز من مجتمع لآخر بل من مدينة لأخرى في المجتمع الواحد.
والأطعمة في بهاليل كغيرها من مدن المغرب لها أساس جوهري في الاحتفال أيا كان بصرف النظر عن نوعية الأطعمة الخاصة بكل احتفال وعلى سبيل المثال تحرص كل العائلات على النحر في مختلف الاحتفالات.
ويرمز الحليب في مختلف المناسبات للخير والكرم.ولا تختلف الأطعمة المقدمة في احتفال الزواج عما يقدم في الاحتفالات الأخرى وتتمثل في أنواع مميزة من اللحم والكسكس والدجاج..
والجدير بالملاحظة أن الهدف من الأطعمة المقدمة في حفل العرس هو إرضاء المدعوين والحصول على إعجابهم مع إظهار المستوى الاقتصادي والاجتماعي لأهل العروس أو أهل العروسين في حالة الاشتراك في حفل العرس.
وليس من المعتاد تقديم أطعمة خاصة ذات عناصر غذائية مميزة للعروسين في هذه الليلة بل كثيرا ما تمتنع العروس عن تناول أي نوع من الأطعمة عدا نصف تمرة وقد رمز الحليب للخير والسعادة. ويرجع ذلك إلى الحالة النفسية التي تنتابها حسب الجو الذي يضفيه المجتمع على هذا اليوم الذي يحدد فيه شرف الفتاة (العروس) وأهلها.
ويرمز العسل لسعادة العروس، والبيض للنور والجمال وقد يرمز أيضا للخصوبة.
هذا، ويبقى من أهم الرموز الاجتماعية في شعائر الزواج وطقوسه في المجتمع المغربي بصفة عامة «السروال» ومدينة بهاليل بصفة خاصة (الفرجية) الذي يرمز للشرف والطهارة في عملية فض البكارة. وعلى الرغم من خصوصية هذا الأمر بين العريس وعروسه فهو في الوقت نفسه رمز لشرف المجتمع ككل ويرتبط ارتباطا وثيقا بثقافته وقيمه ومعاييره.
ولأهمية هذا الأمر يؤدي ذلك إلى الريبة والشك والخوف والقلق، الشيء الذي يؤدي إلى الترقب والانتظار عقب احتفال العرس مباشرة، ومن ثم يتم نقله من أسرة إلى أخرى، ثم السير به في الزقاق مع التهليل والتغني لشرف الفتاة وشرف أهلها، وهذا اليوم يعد الفيصل لقطع ألسنة السوء.
ومما تقدم ذكره ألقت الرموز الاجتماعية الضوء على القيم التي تمثلت في الشرف والطهارة والولاء للتراث وتأصيل العادات والقيم المجتمعية، وحرص المجتمع على مختلف الشعائر والطقوس التي تدعم هذه القيم وتحقق الالتزام بها من خلال الإقبال على الزواج الشرعي والعمل على استقراره.
وعلى الرغم من عدم دراية المجتمع بالفوائد المباشرة لهذه الشعائر والطقوس عدا معرفته المتوارثة بممارستها لتحقيق الخير والسعادة والرزق إلا أن هذه الممارسات تكمن وراءها الوظيفة الكامنة المتمثلة في التغلب على القوى فوق الطبيعية (الجن والشياطين) لاعتقاد مجتمع الدراسة في تغلغل هذه القوى في الحياة اليومية بصفة عامة، وفي كافة دورة حياة الفرد بصفة خاصة.
خلاصة:
تبقى الطقوس عبارة عن حركات أو أفعال تمارس عن طيب خاطر، ليس لها ما يبررها سوى كونها عملية تكرارية لما كان يتم في الزمن السالف، من هنا يكون التكرار عنصرا مميزا للطقوس. ومن البديهي أن يحيي سكان المنطقة –كباقي سكان المغرب- تحت ظل الكثير من أنساق العادات التي تحظى بتقدير واهتمام فائق من قبل هؤلاء السكان الذين يلتزمون باحترام وممارسة هذه الطقوس.
وقد يسأل سائل: هل ما تزال هذه العادات والممارسات سائدة في المجتمع البهاليلي؟
تأتي الإجابة مباشرة على صيغة الإيجاب (نعم)، حيث ما يزال البعض من هذه المعتقدات ساري المفعول، وما هذه المجتمعات إلا صورة طبق الأصل للمجتمع المغربي عموما في هذا المجال الاعتقادي السيكولوجي، رغم أن تلك الممارسات تدخل ضمن الخرافات والظواهر التي يسعى الإسلام إلى محاربتها وتخليص المجتمعات منها.
فمنذ أن جاء الإسلام وهو في صراع مرير مع هذه الطقوس، ولكن رغم ذلك -للأسف الشديد- فإن المغرب ما تزال فيه هذه المعتقدات سائدة في أوساطه القبلية ومناطقه المختلفة، وفي أعماق مجتمعه الشعبي الكبير، إذ أن مسألة الإسلام في المغرب ليست مسألة سهلة وهينة، ولتحقيقها لا بد من البدء بهذه المعتقدات وهذه الطقوس المتبعة والمتعارف عليها، والمنتشرة هنا وهناك(19).
تبقى إذن العادات والتقاليد سلوكات اجتماعية شعبية تمارس يوميا، ولا تخضع لنطق التحليل والتقويم من قبل ممارسيها إلا في حال مخالفتها (العادات والتقاليد)، ولا يتم قياسها إلى شرع ديني أو إيمان غيبي إلا بقدر ترسخ الشرع أو القيم الدينية(20).
الهوامش
1. الساعاتي سامية حسن، الاختيار للزواج والتغير الاجتماعي، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت، ص 17 نقلا عن
- Paul H. Landis, Marking the most of marriage, p 15.
2. فكار رشدي، علم الاجتماع وعلم النفس والانثربولوجيا الاجتماعية (معجم موسوعي عالمي- أربعة أجزاء في مجلدين. مصطلحات I فرنسي، انجليزي، عربي مع شرح للمصطلحات بالعربية) II. إنجليزي، فرنسي عربي (مع إحالة الشرح بالعربية إلى الجزء الأول)، باريس، دار النشر العالمية، جتنير 1980، 1 / 78.
3. وصفي عاطف، الأتنروبولوجيا الثقافية مع دراسة ميدانية للجالية اللبنانية الإسلامية بمدينة ديربورت الأمريكية، دار النهضة العربية للطباعة والنسر ، بيروت، ص 199 .
4. المرجع نفسه، ص 210.
5. الساعاتي سامية حسن، الاختيار للزواج... مرجع سابق، ص 17 - 18.
6. طوطمية: بمعنى الاعتقاد في طوطم ما، وقد يزاول الاعتقاد على مستوى قبلي، أو عشائري وهو الأساسي، أي الطوطمية العشائرية. فكار رشدي، علم الاجتماع وعلم النفس والانثربولوجيا الاجتماعية... مصدر سابق، ج 1، ص 277.
7. المرجع نفسه، ج 1، ص 224.
8. نفسه، ج 1، ص 49.
9. الوزان حسن، وصف إفريقيا، ترجمة محمد حجي ومحمد الأخضر، الغرب الإسلامي، الرباط، الطبعة الثانية، 1980، ج 1، ص 263.
10. KACI Houcien, Les cérémonies du mariage à BAHALIL, Hespéris, 1921, tome 1, 3e trimestres, Reeditée par les éditions ARABO –AFRICAINES (EDARAF) MAROC, 1990, p 337.
11. نفس المرجع.
12. الطُلبة: مجموعة من الناس يقرأون الفاتحة عندما يطلب شاب ما يد فتاة ما. وهي متداولة عند العامة بهذا المعنى أي يستعملونها بمعنى الخطبة وهي المرحلة الأولى من مراحل الخطبة.
- وفي اللغة الطُلبة الاسم من طلب، والمطلوب والحاجة كما جاء في اللسان، فلانة طلبة فلان وطليبته إذا كان يهواها ويطلبها وهذا استعمال صحيح فصيح. راجع: أبو سعد أحمد، معجم فصيح العامة، دار الملايين، الطبعة الأولى 1990، ص 281.
13. البراح: في العامة شخص توكل إليه مهمة الإشهار بالهدايا التي يتم تقديمها للعريس والعروس معا. وفي اللغة الراح رجل يكلف بإبلاغ أمر هام وإذاعته بين الناس. وممن ضاع له شيء ينشده فلا يفتأ برفع عقيرته عابرا أسواق المدينة وحاراتها في وقت لم تكن فيه صحف مقروءة ولا إذاعات مسموعة ولذا يختار عادة ممن له صوت جهوري يساعده على أداء مهمته.
- وبرحت المرأة أي صاحت وفي حديث أبي رابح اليهودي: برحت بنا، امرأته بالصياح. راجع: الحلوي محمد، محجم الفصحى في العامية المغربية، الدار البيضاء المدارس بشركة النشر والتوزيع إيداع 1988، ص 33.
14. التوزة: تكون في اليوم الذي تضع فيه العروس الحناء ويغرم عليها أحبابها وصديقاتها ما تيسر لهم من الهدايا.
15. جاد الله منال عبد المنعم، الرمزية في شعائر طقوس الزواج بفاس من المنظور الأنثروبولوجي، في المرأة المغاربية: الواقع والرؤى المستقبلية، تونس، أندا، العدد 4، 1994، ص 95.
16. p 337. KACI Houcien , Les cérémonies du mariage …. Op, cit
17. فكار رشدي، علم الاجتماع وعلم النفس والانثربولوجيا... مرجع سابق، ص 78.
18. التفكور: هدية تأخذها أم العريس للعروس طيلة فترة الخطوبة وذلك في كل عيد أو مناسبة.
19. DERMEGHEM Emile, Le culte des saints dans l’islam magrébin, Paris, Gallimard, 1954, p 80
20. عطية عاطف، المجتمع، الدين ، والتقاليد، منشورات جروس برس، لبنان، طرابلس، ص 28.
الصور
- من الكاتبة